تعقيب على البيان رقم (1) للإنقاذ سلطان كيجاب

تعقيب على البيان رقم (1) للإنقاذ
سلطان كيجاب

في صبيحة يوم 30يونيو عام 1989م أطل علينا العميد/ عمر حسن احمد البشير، من خلال التلفزيون، بكامل عقليته وسلامة بدنه وهو مبتسم وهادئ، ولم تظهر عليه آثار السهر ،، وأذاع البيان الأول، الذي تضمن الكثير الخطير، مهاجما للأحزاب وقال في بيانه: (إن القوات المسلحة ظلت تترقب بكل أسى وحرقة التدهور المريع الذي تعيشه البلاد في شتى أوجه الحياة وبأن من أبرز مظاهر فشل الأحزاب السياسية بقيادة الأمة تحقيق أدني تطلعاتها في الأرض، لقد عايشنا ديمقراطية مزيّفة ومؤسسات دستورية فاشلة، وتزييف إرادة المواطنين بشعارات برّاقة مضللةوشراء للذمم والتهريج السياسي، وحتى رأس الدولة لم يكن الامسخاً مشوهاً، أما رئيس الوزراء فقد أضاع وقت البلاد وبدد طاقتها في الكلام والتردد في سياسته؛ حتى فقد مصداقيته؛ وأن العبث السياسي قد افشل التجربة الديمقراطية وأضاع الوحدة الوطنية بإثارة النعرات العنصرية والقبيلة حتى حمل أبناء الوطن الواحد السلاح ضد إخوانهم في دارفور وجنوب كرد فان علاوة على ما يجري في الجنوب من مأساة إنسانية.. وكما فشلت حكومات الأحزاب السابقة في تجهيز الجيش في مواجهة التمرد فقد فشلت أيضاً في تحقيق السلام الذي رفضته الأحزاب للكيد والكسب الرخيص، وتدهور الوضع الاقتصادي بصورة مزرية وارتفعت الأسعار بصورة مذهلة، واستحال على المواطنين الحصول على ضرورياتهم؛ إما لانعدامها أو ارتفاع أسعارها مما جعل كثيراً من أبناء الوطن يعيشون على حافة الفقر والمجاعة.وادي خراب المؤسسات إلى انهيار الخدمات الصحية والتعليمية، بعد أن كنا نطمع أن تكون بلادنا سلة غذاء العالم أصبحنا أمّة متسولة تستجدي ضرورياتها من خارج الحدود. وانشغل المسؤولون بجمع المال حتى عم الفساد كل مرافق الدولة، مع استشراء التهريب والسوق الأسود مما جعل الطبقات الاجتماعية من الطفيليين تزداد ثراءً يوماً بعد يوم بسبب فساد المسؤولين وتهاونهم في ضبط الحياة.لقد امتدت يد الحزبية والفساد السياسي إلى الشرفاء فشردتهم مظلة الصالح العام مما أدى إلى انهيار الخدمة المدنية وقد أصبحت الحزبية والمحسوبية والفساد سبباً في تقدم الفاشلين في قيادة البلد . لقد كان السودان دائماً محل احترام وتأييد من كل الشعوب الصديقة وإنه اليوم أصبح في عزلة تامة. والعلاقات مع الدول أضحت مجالاً للصراع وفقدت البلاد كل أصدقائها في الساحة الإفريقية. وقد فرّطت الحكومات في بلاد الجوار الأقرباء. وتضررت العلاقات مع أغلبها)..!!

إلى هنا انتهى بيان العميد عمر حسن احمد البشير.. المتتبع لهذا البيان يجد كل ما ذكره العميد عمر البشير ينطبق اليوم كلمة بكلمة على حكم الإنقاذ وليس الأحزاب، والتهمة التي ساقها البشير ضد الأحزاب في عدم تجهيز الجيش نقول له: لو لم يكن هناك تجهيز؛ أليست الدبابات والأسلحة والجنود التي قدتها لاستلام السلطة ليلة الانقلاب كانت كلها من تجهيز الأحزاب التي وفرت معدات الانقلاب؟! أما الشعارات البراقة والمزيفة التي وصف بها الأحزاب فنعلم أن الأحزاب لم ترفع أي شعار مزيف أو براق؛ لكن الذي رفع هذه الشعارات البراقة الوهمية المضللة هي الإنقاذ،، هي التي رفعت شعار:"نأكل مما نزرع ونلبس مما نصنع" وشعار: "التوجه الحضاري" وشعار: "تمكين شرع الله" و"أمريكا ويا روسيا دنا عذابها".. و "هي لله لا للسلطة ولا للجاه".... و"اختاروا القوي الأمين".. إلخ ..

هل يا ترى أكلنا مما زرعنا أم لبسنا مما صنعنا؟ لو كنا لبسنا مما صنعنا لما لبسنا اللبس الفاضح المستورد، ولما قدمت بنت للمحاكمة لجلدها... شعارات الإنقاذ جلبت علينا مشاكل لا حصر لها مع كل دول العالم أما الحديث عن سوء الأحوال الاقتصادية في البلاد، والفساد وتدني الأمن في عهد الأحزاب؛ و نقول إن السودان في عهدكم بشهادة الأمم المتحدة صنف من أكثر دول العالم فساداً ومحسوبية ورشاوى وسرقة للمال العام بشهادة المراجع العام وتزوير للعملة وللدولار، وكثرة الأبناء اللقطاء بشهادة مركز المايقوما. والسودان لم يعرف اختطاف الطائرات إلا في عهد الإنقاذ، وقد تعرضت الخطوط الجوية لأربع حالات اختطاف؛ ثلاثة من قبل سودانيين، وواحدة من قبل عراقيين. والأمن كان مستتباً طيلة حكم الأحزاب ولم تحدث حالة اختطاف إلا حالة الطالبة أميرة الحكيم. أما حوادث انفراط الأمن في عهد الإنقاذ فأصبحت شيئا مخيفا ومرعبا، تكفي حوادث الاثنين بعد وفاة جون قرنق، وهجوم خليل على امدرمان واعتداء الخليفي ورفاقه على المصلين بجامع الثورة وقتل 19 مصلٍ، وحادثة الجرّافة عندما أطلق عباس النار من رشاشه وقتل المصلين، والجرائم التي ترتكب يومياً وتتصدر أعمدة الصحافة، وحوادث اغتصاب الأطفال وقتلهم.

إذا راجعت الإنقاذ كشوفات الشرطة ستجد أن نسبة الجريمة في عهد الأحزاب كان بنسبة 15% .. اليوم ارتفعت معدلات الجريمة إلى 85%. وذكر العميد عمر البشير في بيانه: (لقد امتدت يد الحزبية والفساد السياسي بالشرفاء فشردتهم تحت مظلة الصالح العام). ونحن نقول لك يا سعادة العميد عمر: الأحزاب لا تعرف في قاموسها كلمة الصالح العام ولم يحدث أن شردت الشرفاء، ولم تفصل شخصا من عمله ، ولم تتسبب في انهيار الأسر، في عهد الأحزاب ظل كل أبناء القوات النظامية في مواقعهم، كل الضباط الذين عاصرو حكم نميري تفصل الأحزاب ضابطا واحدا. وظل كل حراس نميري وقادة وحداته في الخدمة، وأنت يا سعادة العميد كنت تعمل بالحرس الخارجي للرئيس نميري..

وأكدت جريدة الدستور اللندنية قبل عام من الانقلاب بأن الجبهة تخطط لانقلاب بقيادة العقيد عمر البشير،رغم كل ذلك لم تفصلك الأحزاب من القوات النظامية.. أما في عهد الإنقاذ فكانت التصفيات بالجملة وأول عمل قامت به هو برنامج الفصل للصالح العام، ومن أول ضحايا الصالح العام "السر حسن بشير" مدير الطيران المدني. وتم تطهير القوات النظامية واستبدالهم بالموالين لهم، وتطهير الخدمة المدنية، وتعيين من لا يفهم في ما لا يعلم. واصبح عدد المشردين لا حصر له وهاجر أكثر من نصف مليون من الأكفاء خارج البلاد. وقامت الإنقاذ بتعيين الآلاف من الفاشلين والمطبلين وقليلي الخبرة في الوظائف الحساسة، وعم الفساد، وشكا العباد وقُتل الأبرياء من دون ذنب. قال تعالى في سورة النساء الآية 93 (ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً) .

و قال العميد عمر البشير: إن العبث السياسي تسبب في إثارة النعرات العنصرية والقبلية حتى حمل أبناء الوطن الواحد السلاح ضد إخوانهم في دارفور، وجنوب كردفان؛ علاوة على ما يجري في الجنوب.

كمراقب لأحداث دارفور وكردفان في عهد الأحزاب كانت كلها مشاكل حول الرعي؛ ولم تكن لهم مطالب سياسية أو اقتسام سلطة وثروة،، لم تكن هناك مليشيات تحارب الحكومة فهذه المشاكل معروفة منذ زمن بعيد، وكانت تحل بواسطة زعماء القبائل وتحت سيطرة الحكومة، إما في عهد الإنقاذ فهي التي أثارت النعرات القبلية وقامت بتسليحهم وإنفلت الأمن وانقسم أبناء دارفور فى مليشيات عسكرية محاربة، وتصدرت مشكلة دارفور أعمدة الصحافة العالمية وامتلأت دارفور بالمنظمات الإنسانية والجيوش الإفريقية وجيوش الأمم المتحدة ووفود حقوق الإنسان ،وترك أهل دارفور ديارهم وممتلكاتهم، ويعيشون لاجئين داخل ولاياتهم.

وأبناء دارفور الذين شعروا بالظلم في عهد الإنقاذ أعلنوها حرباً ضد الإنقاذ، ودخلوا في معارك شرسة مع القوات النظامية والأممية، ويكفي الاعتداء الذي حدث في مطار الفاشر وتدمير الطائرات واعتقال ضابط برتبة لواء رهينة.

وعجزت الإنقاذ في حل مشكلة دارفور وظلت تعقد لها الاجتماعات والمؤتمرات خارج السودان وبالوساطة الدولية والإغراءات المالية،وزيارات الوفود العالمية لمناطق المتضررين. وحتى الآن لم تستطع الإنقاذ حل مشكلة دارفور، وأصبحت مشكلة دارفور تحت رحمة المنظمات العالمية.

وذكر مجلس الآمن أن هناك أكثر من مائتي ألف لقوا حتفهم، فكذبهم البشير قائلاً: إن عدد الأموات عشرة آلاف، فهل يا سعادة العميد عمر البشير تم قتل عشرة آلاف في عهد الأحزاب أوشردوا من ديارهم.

وذكرت ياسعادة العميد عمر البشير في بيانك أن السودان كان دائماً محل احترام وتأييد من كل الشعوب الصديقة كما انه اليوم أصبح في عزلة تامة، والعلاقات مع الدول أضحت مجالاً للصراع وفقدت البلاد كل أصدقائها في الساحة الافريقية، وفرطت الحكومات في بلاد الجوار الأقوياء وتضررت العلاقات مع أغلبها.. فإذا كان كل الذي ذكرته حقيقة و حدث في عهد الأحزاب فهل في عهد الأحزاب أغلقت سفارة أو طُرد سفير أو صدر قرار ضد السودان، أو سحبت دولة سفيرها أو تعرض مواطن سوداني لمساءلة جنائية أو وضع إسم السودان ضمن قائمة الإرهاب؟؟.

نقول لك ياسعادة العميد عمر البشير إن سياسة الإنقاذ العنترية الفاشلة جلبت علينا اللعنة والكوارث، عاديتم جميع دول الجوار، ولم يبق للسودان صديق واحد، عاديتم دول الجوار ودول الخليج وأوربا وأمريكا والمنظمات العالمية، ووجهتم السباب للحكام، و قلت بالحرف الواحد: ( أمريكا وفرنسا وانجلترا تحت حذاءك، وشتمت مجلس الأمن والأمم المتحدة والمنظمات الطوعية العاملة بالسودان. وفي عهدكم صدر أكثر من عشرين قرارا من الأمم المتحدة ضد السودان.. وإدانت كل المنظمات العالمية ما يجري في السودان.. ولأول مرة في تاريخ منظمة الوحدة الإفريقية وجدنا الدولة التي نظمت المؤتمر لا يُمنح رئيسها شرف رئاسة مؤتمر الوحدة. ووقفت كل الدول الإفريقية ضد ترشحكم من داخل قاعة الصداقة بالسودان. ومنحوا رئاسة المنظمة لرئيس الكنغو بدلاً منك، وأنت الذي بنيت لهم "الفلل الرئاسية" واستضفتهم على حساب الشعب السوداني!.

لاول مرة في إفريقيا يطالب رئيس دولة وهو في الحكم إمام محكمة الجنايات الدولية، وكذلك بعض مواطنيه. وفي عهد الإنقاذ صُنف السودان ضمن الدول الراعية للإرهاب، وقطعت الدول معظم علاقاتها ومعوناتها من السودان، وأصبح السودان بين دول العالم يوصف بالإرهاب، أخيرا صدر قرار بحظر الخطوط الجوية السودانية بالسفر إلى أوربا، فهل كل الذي حدث للسودان كان في عهد الأحزاب ام فى عهد الإنقاذ؟؟.

وذكر العميد عمر في بيانه: أن المسؤولين انشغلوا بجمع المال حتى عم الفساد كل مرافق الدولة مع انتشار التهريب والسوق الأسود مما جعل الطبقات الطفيلية تزداد ثراء؛ بسبب فساد المسؤولين وتهاونهم في ضبط الحياة. فهذا الاتهام ينطبق بالتمام والكمال لما يجري اليوم في حياتنا اليومية، والأثرياء اليوم هم الطفيليون في عهد الإنقاذ وهم أصحاب اللاندكروزرات، وغابات الاسمنت، والأرصدة المالية في الخارج. وهم ملوك التهريب والسوق الأسود وتزوير العملة. والإنقاذ قسمت الناس إلى فئات: أثرياء وأغنياء وأغبياء ومغفل نافع، وفقير معدم وتحت خط الفقر.. وقالت جئنا لنرفع المعاناة من الناس؛ لكن الناس "فهموها غلط" والمقصود هو: رفع المعاهم!! فكم من مسكين مات من عدم الداء. وكم من فقير نائم في العراء. وكم من جائع لا فطور ولا غداء. وأصبح المتسلقون: الرجرجة والدهماء. وهم الصوت والصورة والإضاءة والشعراء. فأين انتم يا أهل السودان والمحاربين القدماء؟ إذا كان الذي يجري تحت أعينكم صباح ومساء. و"فكلها" يا عمر، ريِّح نفسك وريحنا من هذا العناء. واسحب ترشيحك وعش بقية حياتك في عزة وهناء. وسنحميك من اوكامبو، وكلنا لك فداء.

هذا هو التأريخ يعيد نفسة
سجل يا تاريخ وما اشبة اليلة بالبارحة