مكتول هواك ياتلودي

مدينة تلودي. أبو أبره حجر النوةةةةة. الجغرافيا والتاريخ

النوة اسم لحكامة أو شاعرة ، في تلودي حيث (الHotbed ) منشأ أغاني وفن الدرملي.. والابره حسب ما هو معلوم محلياً هناك عبارة عن كوة أو فتحة ظاهره في قمة الجبل نافذة لما بعد الجبل ويمكن من خلالها رؤية ما خلف هذه القمة. وتقع مدينة تلودي في ولاية جنوب كردفان وعلى بعد 53 ميلاً جنوب شرق مدينة كادقلي عاصمة الولاية على خط عرض 000وطول000 وتعتبر مدينة تلودي آخر مدينة من جنوب كردفان على حدود الولايات الجنوبية بعد مدينة الليري. ولقد كانت مدينة تلودي عاصمة مديرية جبال النوبة للفترة من 1909 وحتى 1929 خلال فترة الحكم الثنائي الانجليزي المصري حيث نقل المركز منها بعد ذلك إلى رشاد.
الســـــكـــان :
يبلغ عدد سكان المدينة نحو ( 95 ) ألف نسمة وهي خليط رائع متناسق بين العديد من إثنيات أهل السودان من نوبة /عرب / دينكا وغيرهم إضافة الى قبيلة الجلابا من التجار الذين ورثوا التجارة عن الأجانب الذين كانوا يمسكون بعصب التجارة من الأقباط / الاغاريق / اليهود و الأرمن ومن التجار السودانيين .يوجد الدناقلة /الشايقية /الجوامعة / دار حامد / الجعليين وغيرهم وكلهم يتعايشون في توادد وترابط تام وكان من الممكن أن تكون تلودي نموذجاً للسودانوية ( SUDANIM) التي نبحث عن صيغة لإيجادها لخلق التماذج والخروج من أسوار وحواجز الاثنية والعصبية.

وكان سوق المدينة عامراً غنياً ولوجود التجار الأجانب فقد كان غنياً بالبضائع الانجليزية والمصرية والتركية. تم تخطيط مدينة تلودي على النسق الانجليزي وكل مبانيها كانت مبنية على الطريقة الانجليزية وذات تصميم جميل وبديع ولا تزال أقوي وأجمل حتى من المباني التي بنيت بعدها حديثاً. لقد بني مركز المديرية ( ويقصد به مركز الأمن والبوليس)على هضبة عالية تشرف على المدينة من الجهة الشمالية بجواره بيت المفتش والذي تحول لاحقاً إلى سكن لمفتش الزراعة مدير المؤسسة الزراعية . ويحده من الجهة الشمالية قيادة الجيش والاشلاك (قشلاق) ويجاورهم في أطراف المدينة الشمالية فريق عرب الحوازمة بمواشيهم والذين يغذون المدينة باللبن.

مدينة تلودي هي قلعة عز للنضال الوطني وتاريخ ضارب بجذوره في الأعماق،فقد شاركت في كثير من أحداث الحركة الوطنية السودانية. فإضافة إلى انتفاضتها في وجه الانجليز و أغتيالها للمأمور "أبو رفاس" رداً لكرامتها ، ولمن يريد أن يعرف المزيد عنها فليراجع كتاب الحركة الوطنية للبروفسير محمد بشير سعيد فستجد أنها من أكثر مدن السودان التي جاء ذكرها، (ذكرت أكثر من 17 مرة ) وهي تشارك في الحركات الوطنية السودانية ضد الاستعمار. ومما يذكر أن الشهيد عبدالفضيل الماظ الذي قاتل حتى النهاية كقائد في حركة اللواء الأبيض وثورة عام 1924م بل أن كثير من جنود حركة 1924م هم من أبناء تلودي. لكن لا توثيق نجده لذلك وإنما روايات شفاهية عن عارفين معاصرين مدركين للأحداث لم يجدوا فرصة لتدوين ذلك فاحتفظوا بذلك في ذاكرتهم ( (TACIT.
ونتيجة لهذه الحادثة فقد هجرت قبيلة تلودي المدينة وأسست قري لها بعيدة عن السلطة وهي القرى الموجودة الآن ومنها أم دوال / مفلوع / حجير النار/القردود بفرعيه أم ردمي وعياد ( وهي المنطقة التي ضرب متمردي الحركة أهلها وهم خارجين من مسجد في صلاة الصبح من شهر رمضان 1985م فقتلوا نحو أكثر من مائة شخص وأحرقت المنازل ) / الكبه/ طابولي / السلامات. وظل الناس في جفاء مع السلطة التي نزعت النظارة أو العمودية من" آل حسين أبو جانقو" والذين ينحدر منهم السياسي الشهير قمر حسين رحمة تغمده الله بواسع رحمته ممثلاً لدائرة تلودي الانتخابية في دورات برلمانية متعددة آخرها فوزه في انتخابات الديمقراطية الثالثة عام 1986م عن حزب الأمة القومي . وهو شخصية سياسية متمرس يحمل رؤى قومية يسندها ارثاً تاريخياً ضارباً في الأعماق. ومن أخوانه عبد الرحمن حسين ( أطال الله عمره ) مساعد طبي ومن الكوادر القديمة في مستشفي مدينة تلودي. من أبناء المرحوم قمر حسين /حسين قمر حسين الذي أقتفي درب والده في السياسة / الدكتور بشرى قمر حسين أخصائي أشعه/ أبنه الطبيب عزالدين قمر حسين / د.محمد قمر حسين الذي يحضر للدكتوراه في الليزر بهولندا مبتعثاً من جامعة الخرطوم . ونظراً للحضور القوي لشخصية قمر حسين سياسياً و أجتماعياً في مدينة وأهل تلودي فقد لقي تمجيداً لم يجده غيره في أغاني الدرملي .
أثر اغتيال " أبو رفاس" وغيره من الاسباب انتقلت عمودية تلودي من حسين رحمه إلى العمدة إبراهيم شمشم " الهاوية البتاكل جب." وهو صول بوليس سابق من تلودي ومن أسرة معروفة و يعرف أهل المنطقة والعلاقات بين قبائلها جيداً.و شهد عهده استقرارا كبيراً، وذلك لعدله وحكمته وصرامته في كبح جماح أهله و تواصله الفعال مع كل نظار وأعيان القبائل. ومن أولاده الأمير حالياً / محمد إبراهيم عبدالله شمشم / دكتور طبيب سيد إبراهيم شمشم (بالرياض) حمد النيل إبراهيم معلم وسياسي/ صديق شمشم كان معتمداً لمحلية ابي جبيها/المهندس كباشي إبراهيم يرحمه الله والذي كان مديراً لمشروع الكناف.وغيرهم.
ومن أهم شخصيات وأعيان مدينة تلودي من التجار عمك خمجان محمد على وأبن عمه إبراهيم فضل وهما من جوامعة بارا ، وقد أشتهر خمجان بتجارته في أجود أنواع الشاي فحاز بذلك على رضا وحب البقارة محبي الشاي / أولاد المقبول الذين كانوا مسئولين عن تعهدات تموين المدارس في تلودي/ عمك محمد ود الفكي/عمك إدريس الخير / محمد خير / صالح الكوارتي/ عمك عمر الخضر المشهود له بالوقار والعفة/ على أدم / عثمان هارون / محمد ماري وهناك عيسى محمد أبو ديك. من التجار الأجانب عمك القبطي حليم أمين / كوستي طياره الإغريقي ( كلام واحد) جورجي / ليا / رياض عمك تامر صاحب المطعم المشهور في تلودي و الذي أصطلح على تسميته بالبار وآخرين، أغلبهم أصبح في رحمة الله.واعتذر إذا سقطت أسماء ولم أتمكن من ذكرها

أما وسط المدينة من الجهة الشرقية فيقع حي البوليس ومعه المؤسسة الزراعية حيث يوجد مصنع لحلج الأقطان. ويعتبر إنتاج القطن هو الدينمو المحرك لاقتصاد المنطقة . ففي موسم إنتاجه تنتعش السوق وتنشط حركة اللواري القادمة من الخرطوم وأمدرمان والأبيض محملة بالبضائع والسلع وتعود راجعة وهي أيضاً محملة بخيرات هذا البلد. كما يلاحظ كثافة حركة الجرارات الكبيرة التي تنقل بالات القطن ( باسيلي بشارة وجماعته) من تلودي إلى محطة السميح شرقاً لتحميله على القطار في طريقه للتصدير عبر الخرطوم / بورتسودان.

أما مركز المدينة حيث السوق ومساكن الموظفين والجلابا والمستشفى الذي بني على الطراز الانجليزي بشكل جميل ومحاطاً بأشجار الزهور الجهنمية. أما وسط وغرب المدينة جهة الجبل والذي يأخذ شكل نصف دائرة غير مكتمل فيوجد مساكن المواطنين و حي "كجندورو". والذي يمتد إلى أعلى الجبل حيت قبائل النوبة تسومي /طمطم / طاطا بامتداداته إلي ما خلف الجبل حيث توجد تجمعات سكانية ريفية من الاندجناس.
أما امتداد المدينة من الجهة الجنوبية فيمر أيضاً عبر فريق عرب الحوازمة ( أم جغينة) حيث تتمدد المدينة في اتجاه السوق القديم مواصلة تمددها إلى منطقة البراقنه وتلودي النوبة( ما زالت مجموعات تلودي النوبه تذكر في أغانيها على بابا "على بابا جلنجي ..علي بابا جلنجي " مما يؤكد وجود ارتباط بين هذه الجماعات وعلي بابا ملك النوبة في الشمال ويمكن أن يكون ذلك مجالاً للبحث والتتبع) عبر منطقة الجرار حيث جناين الجوافة والقشطة والليمون و مزارع البامبي البافره والبطاطس.

إن السوق القديم الذي أشرت إليه، هو سوق المدينة قبل واقعة إغتيال مأمور الحكومة " أبو رفاس" وهو تركي أو مصري الأصول في عام 1906م وقيام الانجليز بتخريب المدينة واستباحتها.
إن واقعة اغتيال المأمور "أبو رفاس" هي احدي الانتفاضات الشعبية التي هزت أركان المستعمر الانجليزي انتقاما من الفساد والسقوط الأخلاقي للسلطة الحاكمة آنذاك. وتعديهم على المحارم وعدم احترامهم للتقاليد السودانية التي لا تقبل المجاملة. حيث لوحظ على هذا المأمور الفساد والإفساد وارتباطه باثنين من نساء قبيلة تلودي ( جريوه / وجفون ) ..ولما كان الانجليز قد دأبوا على عمل جمعيات سباق الخيل للفرسان من أهل المنطقة في الاحتفالات والمناسبات العامة ، فقد أتفق خمسة فرسان من قبيلة تلودي على إغتيال المأمور وزمرته في أحدي المناسبات أثناء عرضة الجمعية وهم على ظهور خيولهم. فنفذوا ذلك في تلك العرضة حيث هجموا علية مجتمعين بحرابهم فقتل المأمور " أبو رفاس " وجماعته.

قام الانجليز إثر هذه الحادثة البطولية بتجريد حملة تأديبية وانتقامية ضد قبيلة تلودي استخدموا فيها قبائل الجوار فاستباحوا أموال ودماء ونساء أهل تلودي وكان يقود هذه الحملة الشرسة قوات جيش وشرطة المستعمر.
ورغم مقاومة المواطنين الشرسة لقوات الانجليز إلا أنه في النهاية تم استسلام الذين نفذوا العملية بعد تعرض أهلهم وذويهم لتنكيل الانجليز بحثاً عن قاتلي أبو رفاس. فاضطر الفرسان تسليم أنفسهم فداء وحماية لأهلهم من بطش وتعذيب الانجليز، فتم إعدامهم في تلودي. وبذلك انتهت ملحمة باسلة من أجل الكرامة والعزة ضد المستعمر سجلتها الذاكرة الجماعية لأهل المنطقة دون أن تدون تفاصيلها ضمن تاريخ السودان السياسي.

وهناك حقيقة للتاريخ والتوضيح، وهو موقف سجلته قبيلة الحوازمة في منطقة تلودي ( دار بتي) والذين تربطهم بقبيلة تلودي أحلاف وكتاب وعلاقات دم، فعندما استعدى الانجليز بقية القبائل واستخدموهم في قتال أهل تلودي وسمحوا للمشاركين بحق تملك ما يحصلون عليه من أملاك قبيلة تلودي . هنا سجل الحوازمة ( دار بتى / عبد العال) بقيادة ناظرها محمد حماد أسوسه موقفاً قوياً بالامتناع عن المشاركة في قتال قبيلة تلودي التزاماً بالحلف والروابط التي بينهم معلنون أن بينهم كتاب مع قبيلة تلودي و لن يقطعوه من أجل الغنائم أو إرضاءً للانجليز، ورغم الضغوط الشديدة التي تعرضوا لها من قبل الحاكم. وهذا موقف يقدره وتحفظه قبيلة تلودي لدار بتي رغم غياب هذه المعلومة عن العديد من مثقفينا في المنظقة والذين لا يدركون هذه الحقائق والعلائق القوية التي تربط بين الناس هناك