ابوجبيهه


انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

ابوجبيهه
ابوجبيهه
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

التنوير العربي آفات ومعضلات

اذهب الى الأسفل

  التنوير العربي آفات ومعضلات Empty التنوير العربي آفات ومعضلات

مُساهمة من طرف بنت مثقفة 27th ديسمبر 2016, 09:57

التَّنوير العربي: آفات ومعضلات

استُعمِل مصطلح "التَّنوير" في الفكر العربي الحديث والمعاصر للدلالةِ على النهضة، على غِرار التَّنوير في أوروبا، وقد حمَل هذا المفهومُ منذ البداية أبعادًا أيديولوجية غربية، رفع لواءه عددٌ من المفكرين العرب ممن انبهر بالنموذج الغربي في التقدُّم والتحضُّر، وفي الموقف من الدِّين، ومن الآخَر المتخلِّف، وفي رؤية الوجود والإنسان والحياة والمصير، وبسبب ذلك لم يكن التَّنويرُ العربي إلا خادمًا للمشروع الاستعماريِّ والمركزية الغربية.
 
في هذا السياق يمكن التساؤل: هل التَّنويرُ بهذه الصفات قادرٌ على تحقيق هوية الأمة؟ أليس الأخذُ بنموذج التَّنوير الغربي تغريبًا للأمة عن ذاتِها وهُويَّتها، وتذويبًا لها في الآخر؟ ألا تتوفر الأمة على مرجعية صالحة للانطلاق منها؟


وانطلاقًا من هذه التساؤلات، يمكن رصدُ بعض المعضلات التي حايثت مشروع "التَّنوير العربي"، ووسَمَتْه بطابع الأزمة، ومن ذلك ما يلي:
أولًا: آفة فوضى المرجعيات:
يلاحَظ أن "التَّنوير" العربي لم يستقلَّ بإبداع تنويره الخاص به، بل أخَذ مرجعياته الفكرية والمنهجية من الفكر الغربي، حتى أصبح "التَّنوير العربي" مجردَ رَجْع الصَّدى لكل ما وُلِد في الغرب من تيارات، ومِرآة ناقلة لنفس المعارك في الغرب، وقد أورَد الدكتور جميل صليبا اتجاهاتِ الفكر العربي في مائة عام، وذكَر عددًا منها؛ كالاتجاه المادي، والاتجاه العقلي، والاتجاه الرُّوحي، والاتجاه التكاملي، واتجاه الشخصانية، والوجودية، والاتجاه العلمي، وهي - كما يبدو مِن أسمائها - ليست إلا اتجاهاتٍ فلسفية غربية، ليس بينها وبين الفكر العربي نسبٌ طبيعي.
 
ورغم أهمية هذا التصنيف وإبانته الصريحة عن عُمْق التغريب في الفكر العربي، فإنه غيرُ حاصر؛ فالفكر "التَّنويري" العربي شهِد حضور اتجاهات فلسفية ومنهجية عديدة؛ كالماركسية، والوضعية، والدَّاروينية، والبنيوية، والتفكيكية، وتيارات التحليل اللساني المعاصر؛ سيميائية وتداولية وتيار التأويلية، ونزعات تاريخية واجتماعية ونفسية بألوان متعددة، كما هو واقعُ حالها في العلوم الإنسانية الغربية، فضلًا عن التيارات السياسية والحزبية؛ ليبرالية ويسارية وقومية.
 
هذا التعدُّد في نماذج "التَّنوير" العربي الذي استنجد بنماذج "التَّنوير" الغربي يقودُنا إلى التساؤل: هل هذا التعدُّد والاختلاف دالٌّ على التنوُّع والخصوبة المعرفية والإجرائية المنهجية وعلى وعيِ العربي بواقعه وإبداعه ما يناسبه من حلول أم هو دالٌّ على الفوضى المعرفية والحيرة الأيديولوجية، والصراع الأيديولوجي الذي عرَفه المشهد التاريخي الغربي مِن صراع النماذج فكرًا واجتماعًا وسياسة؟
 
في الواقع يحتمل الأمر البُعْدين معًا رغم ما يظهر من تناقضهما:
ففي الملمح الأول: يظهر أن "التَّنوير" العربي غنيٌّ بطُروحاته الفلسفية ومرجعياته الفكرية، وهي مرجعيات وإن اختلفت لافتاتها ومنطلقاتها ومسمياتها فإنها تلتقي على أرضية واحدة، ومنطلق واحد، هو المنطلق المادي والعلماني والإلحادي (الكلي أو الجزئي)، كما تتوحَّد في هدف واحد، هو خدمة المشروع التغريبي في الأمة، وتنُوب عن الغرب في معركة الغزو الفكري، واستنبات ما عجَز الغرب عن زرعه واستنباته بالدبابات والعسكر، وتوحَّدت كلمتُها وغاياتها القريبة والبعيدة على مخاصمة الدِّين الإسلامي، وتحالفت مِن أجل نزع القداسة عن الوحي والشريعة، وتفكيك المؤسسة الدِّينية، على غرار التجرِبة الغربية في تفكيك المقدس المسيحي وتجاوزه!
 
وفي الملمحِ الثاني يلاحظ أن التعدُّد المرجعي والفلسفي للتنوير العربي يعكس فوضَى فكرية، واضطرابًا منهجيًّا، وحيرة لدى "التَّنويري" العربي، تجلَّى ذلك في تعدُّد المعارك الفكرية بين أصحاب هذه التيارات، جعلَتِ الأمة تعيش حالة من الفوضى المعرفية، والتشظِّي الأيديولوجي، والحيرة والاضطراب أمام الشبهات المثارة ضد مقومات الأمة وخصوصياتها الحضارية والدِّينية، ويعكس حالة من الفوضى المقصودة التي ولَّدت لدى المثقف العربي حالة من "الضياع أو الفراغ الأيديولوجي"، الذي لا يعبِّر إلا عن "الاستلاب الثقافي العام"، الذي تكون نتيجته تجذيرًا فعليًّا للتخلُّف وتوطيدًا للتقدم أو التطور السطحي المرتبط بجميع مستوياته العليا والدنيا، الفوقية والتحتية بالغرب"[1].
 
ثانيًا: آفة التقليد:
انطلق التَّنوير العربي من دعوى الاجتهاد والتجديد ونَبْذ التقليد، ولم يكن المقصود مِن التقليد غيرَ تديُّن المسلم بدِينه، واتباعه لتعاليم الشريعة وأصولها، ذلك التديُّن الذي صار في نظر التَّنويريين مجردَ تقاليدَ ينبغي نبذُها وتجاوزها!
غير أنه وانطلاقًا من النظر في سياق انتقال "التَّنوير" الغربي إلى العالم العربي والإسلامي، وانطلاقًا مِن تماثل الأسس التي قام عليها كلٌّ من التَّنويريْنِ الغربي والعربي، وملاحظة حدود التشابه ومقدار التطابق بين النوعين - يتبين مقدارُ ما في "تجرِبة" "التَّنوير" العربي من مشكلة استنساخ النموذج الغربي؛ لذلك - وأمام هذه المشكلة - يحِقُّ لنا التساؤل: هل "التَّنوير" العربي إبداع أم تقليد؟ وهل هو نابع من خصوصيات الذات أم هو مقحَم عليها قسرًا وقهرًا؟ وهل حارَب التَّنويرُ العربيُّ التقليدَ السلفيَّ التراثيَّ الزمانيَّ بأدوات اجتهد فيها وأبدع أم استلفها كما يستلف سائرَ تصوُّراته ومناهجه وأدواته من الغرب؟ ألم يكن "التَّنوير" العربي بأخذِه بالنموذج الغربي قد سقَط في تقليد جديد وفي "سلفية مضادة" سلفية غربية علمانية؟
 
الواقع أن مسألةَ استنساخ بعض العرب للتنوير الغربي وتنزيله على الواقع العربي باتَتْ قضية مسلَّمة، ليس من قِبل المخالفين لهذا النموذج من التَّنوير، بل من قِبل حَمَلة المشروع الغربي في عالمنا العربي، وهم أول مَن نادى باستنساخ التجرِبة الغربية ونقلها، باعتبارها القنطرة الضرورية لعبور الفجوة بيننا وبين التقدم بجميع أبعاده، وهذا الأمر يؤكده غيرُ واحد من دعاة "التَّنوير" عندنا؛ فعلى سبيل المثال نجد الدكتور مراد وهبة يقول: "إن ثمة فجوةً حضارية بين الدول المتقدمة والدول المتخلِّفة، ليس في الإمكان عبورها من غير مرور بمرحلتين: إحداهما: إقرار سلطان العقل، والأخرى، والثانية: التزام العقل بتغيير الواقع لصالح الجماهير، بَيْدَ أنه ليس في الإمكان تحقيق هاتين المرحلتين من غير مرور بعصرين: عصر الإصلاح الدِّيني الذي حرر العقل من السلطة الدِّينية، وعصر "التَّنوير" الذي حرر العقل من كل سلطان ما عدا سلطان العقل"[2].
 
كما أكد الدكتور المصري المتحمس للعقلانية عاطف العراقي نفس الفكرة حين قال: "عن طريق "التَّنوير" نستطيع إرساءَ نظام ثقافي عربي جديد، إن أوروبا لم تتقدَّم إلا عن طريق السعيِ بكل قوتها، وابتداءً مِن عصر النهضة نحو تحقيق مبدأ "التَّنوير"، وبحيث وجَدْنا ثقافة أوروبية جديدة، تختلف في أساسها ومنهجها عن ثقافة العصور الوسطى"[3].
 
هذا الاستنساخُ لنموذج "التَّنوير" الغربي هو ما حدَا بكثير من الدارسين إلى وصف هذا "التَّنوير" بكونه مجرد تقليدٍ خالٍ من أي ملامح الإبداع، يقول محمد قطب معدِّدًا سلبيات التَّنوير: "السلبية الأولى هي التقليد في محاربة التقليد! فلم يكن شيء مما أنتجه التَّنويريون في مهاجمة الإسلام أصيلًا ولا صادرًا مِن عند التَّنويريين أنفسهم"[4]، وعلى حد تعبير محمد يحيى: "هو في حقيقتِه ليس تنويرًا على الإطلاق، بل محاكاة وتقليد وجمود على أفكار غربية سقطَتْ حتى مِن سياقها التاريخي والثقافي الخاص..[5]".
 
ويُعتبر الدكتور طه عبدالرحمن المفكر المغربي واحدًا مِن أكثر مَن اهتم ببيان مشكلة التقليد في الفكر العربي الحديث وحركاته التَّنويرية، ويرى أن "الغالب على الإنتاج الفلسفي المغربي الوقوعُ تحت طائلة تقليد المنقول الفلسفي، حتى بلغ عنده هذا التقليد غايتَه، فصار المتفلسف المغربي يتقلَّب في نظرته الفلسفية تقلُّب هذا المنقول من غير داعٍ سوى طلب التقليد".
 
ويدلِّل على هذه الدعوى بما يجده في هذا "الإنتاج من مذاهب فلسفية، هي عينُها المذاهب التي تمخضت عن أسباب معلومة في المجتمع الغربي، واتجهت إليها هِمَم مفكِّريه، وانشغلت بها عقولهم انشغالًا، فهناك - كما هو معلوم - الشخصانية والتاريخانية، وهناك المادية والبنيوية، وهناك الحداثية وما بعد الحداثية، من اختلافية وهامشية؛ فهذا يقلد "إيمانويل مونيه"، وذاك يقلد "هيغل"، وهذا يقلد "ماركس" وأتباعه، وذاك يقلد "باشلار" وتلامذته، وهذا يقلد مجموع الأنواريين، وذاك يقلد "فوكو" و"هيدجر" أو "نيتشه" أو "دريدا"، وقد يتقلب الواحدُ منهم في التقليد، فيبدأ شخصانيًّا ثم يصير أشبهَ بالمادي الجدلي، أو يبتدئ ماديًّا جدليًّا، فيصير بنيويًّا لينقلب على "التَّنوير"، والأدهى من ذلك: أن المتفلسفَ المغربي لا يقع في تقليد المنقول الفلسفي فحسب، بل يقع في تقليد التقليد؛ ذلك أنه لا يأخذ هذه المذاهبَ مِن أصولها ومصادرها الأصلية في الغرب، بل إنما يعوِّل فيها تعويلًا على الكتابات والفُهُوم الفرنسية لهذه المذاهب، لا لاختيار مدروس، وإنما لاضطرار معلوم (نحو القصور عن معرفة لغاتٍ أخرى).
 
غيرَ أن المتفلسف المغربي يأبى إلا أن يجعل من التقليد اجتهادًا، ومِن الضعف قوة، ومِن النقص كمالًا[6]".
يظهرُ فِعلًا من شهادة طه عبدالرحمن أن التقليدَ في الفلسفة العربية وعند التَّنويريين العرب تقليدٌ مِن أجل التقليد، وتقليد التقليد، وإن كان "طه" في النص يخص الفكر المغربي فإن الحكمَ ينطبق على الفكر العربي كاملًا؛ فقد أثار الدكتور المسألةَ في كتابه فقه الفلسفة: الفلسفة والترجمة[7].
 
وخلاصة القول: إن وقوع الحدَاثيين في التقليد هو في الحقيقة أقوى خطرًا وأعظم أثرًا مِن وقوع المفكِّر المسلم في التقليد، وإن كان كل منهما سقط في التقليد المحظور فإن هناك فروقًا واسعة بين التقليدينِ، فتقليدٌ أهونُ وأدونُ من تقليد؛ فالتقليد عند المفكِّر المسلم قد ينجم عنه إبطاء مسيرة التطور، وليس إيقافها، مع الحفاظ على الذات الحضارية مِن الذوبان، أما التقليد عند دعاة "التَّنوير" فيقود إلى تجاوز الذات الحضارية وإلغائها وتذويبها في الآخر، ولو حصَل التقدم فإنه ليس تقدُّمًا للذات، وإنما هو تقدُّم للآخَر في انتصاره على الذات غزوًا ومَحْوًا، تغريبًا وتغييبًا.
 
ثالثًا: آفة النظرة إلى الذات بعيون استشراقية:
إن "التَّنوير" العربي لم يُخْفِ إعجابَه بالتجرِبة الاستشراقية في قراءة الذات الإسلامية وتشريحها، وإذا كان من الضروري التمييز في الاستشراق بين نوعين: موضوعي، وغير موضوعي، فإن "التَّنويري" العربي يرى في الاستشراق الحركةَ العلمية التي تمكَّنت مِن تفكيك البنية الفكرية الحضارية، وكشفت عن حقائق عديدة.
وهنا نجد مثلًا هاشم صالح يشيد بالاستشراق؛ "لأنه هو الذي طبق المنهجية التاريخية النقدية على التراث الإسلامي لأول مرة، مثلما طبقها علماء أوروبا الآخرون على التراث المسيحي، وأتت بنتائجَ باهرة ومفيدة جدًّا... هل يعقل أن نظل جاهلين بما فعله "جوزيف فان إيس" مثلًا عن كيفية تشكل الفكر الدِّيني في بدايات الإسلام الأولى؟ هل يعقل أن تظل الأبحاث الاستشراقية المدعوة بالدراسات القرآنية مجهولة من قِبلنا؟ نقول ذلك، ونحن نعلم أنها شهدت تطورًا هائلًا في العقود الأخيرة، وكانت نقطة الانطلاق الأولى هي المدرسة الفيلولوجية الألمانية وأبحاث نولدكه الرائدة عن "تاريخ القرآن"، ولكن ظهرت بعده وعلى أثَرِه أبحاث مستجدة عديدة لمستشرقين كبار وينبغي أن نعرِفها أو نتعرف عليها، نفس الشيء يقال عن أبحاث البروفيسور وائل حلاق الأستاذ في جامعة كولومبيا بنيويورك عن كيفية تشكُّل الشريعة والفقه الإسلامي، وقِسْ على ذلك كثيرًا، ينبغي أن نعرف التمييز بين الرؤية التبجيلية للتراث، والرؤية التاريخية التي يقدمها لنا الاستشراق الأكاديمي[8]".
 
إنه لمن الطبيعي أن يقعَ المثقف التَّنويري العربي في أَسْر الرؤية الاستشراقية وقوعًا حتميًّا لا فَكاك عنه؛ لسبب جوهري، هو أن الاستشراق مثل الذراع الفكري والمنهجي للتوغل في العالم الإسلامي واكتشافه وتفكيكه، كما أنه هو الذي احتضن حركة "التَّنوير" العربي احتضان الأب لوليده؛ لذلك فلم يكن بد أن ينظر المثقف التَّنويري لذاته وتراثه بعيون استشراقية غربية. شامل توقعات الابراج 2017 توقعات الابراج 2017 ابراهيم حزبون توقعات محمد فرعون للابراج 2017 توقعات الابراج جمانة قبيسي 2017 توقعات الابراج مايك فغالي 2017 توقعات نيفين ابو شالة للابراج 2017 توقعات نجلاء قباني للابراج 2017 توقعات الابراج كارمن شماس 2017 توقعات الابراج رجوى سعيد 2017 توقعات الابراج 2017 جوي عياد توقعات برج العذراء 2017 توقعات برج العقرب 2017 توقعات الابراج 2017 ثابت الحسن توقعات الابراج سمير طنب 2017 توقعات عبد العزيز الخطابي للابراج 2017 توقعات برج الميزان 2017 توقعات برج الحوت 2017 توقعات برج القوس 2017 توقعات برج الثور 2017 توقعات برج الدلو 2017 توقعات الابراج جاكلين عقيقي 2017 توقعات برج السرطان 2017 توقعات ماغى فرح للابراج 2017 توقعات برج الجدي 2017 توقعات برج الجوزاء 2017 توقعات برج الاسد 2017 توقعات برج الحمل 2017.
 
يقول الدكتور إبراهيم السكران:
"والحقيقةَ أنني بعد دراسة مشروعات "التأويل الحداثي للتراث" اتَّضَح لي أنها استمدَّتْ مادتها وتحليلاتها الأساسية من أعمال المستشرقين..
وفي كتب الحداثيين العرب ومصادرهم الاستشراقية تفاصيلُ كثيرة في وسائل التفسير وصيغ القراءة وأنماط الاستنتاجات، إلا أنه اتضح لي أيضًا أن نقطة نهاية الطريق في عامة هذه التفسيرات تصل بالقارئ إلى نهايتين:
إما رد علوم التراث الإسلامي إلى كونها مجردَ اقتراض من ثقافات سابقة كتابية أو هيللينية أو فارسية أو غيرها دون برهنة ملموسة على ذلك؛ أي: اعتبارها وافدة، وهو ما يمكن تسميتُه "تقنية التوفيد"، وإما رد علوم التراث الإسلامي إلى أنها حصيلة صراع سياسي، وليست حصيلة نظر موضوعي حسَب مقتضيات الدلائل العلمية، دون برهنة ملموسة على ذلك، وهو ما يمكن تسميته "تقنية التسييس".
 
فهاتانِ التِّقنيتان التفسيريتان - أي توفيد الأصيل، وتسييس الموضوعي - لاحظتُ أن عامة الاستشراق الفيلولوجي يؤول إليها، وعامة مَن أخذ عنهم من الحداثيين العرب إنما يعيد إنتاجهما".[9]
 
ويقول الشريف زروخي عن مشروع محمد أركون - باعتباره واحدًا من دعاة الحداثة و"التَّنوير" في الفكر العربي المعاصر ممن اعتمد على منهجية استشراقية -: "هذه المنهجية جعلت كثيرًا من الدارسين يرون أنه مستشرق في ثوب جديد؛ لأن جلَّ تعاملاته مع التراث تتفق والذهنيةَ الاستشراقية"[10]، بل إن أركون وإن كان قد "التزم ممارسة النقد الموضوعي على مناهج المستشرقين بهدف تجاوز آلياتهم ومناهجهم، لكن حضور الاستشراق بمقولاته ومفكريه ومناهجه بقوة في أعماله، جعَل البعضَ يصرُّ على أن أعمال أركون متشبعة بأيدولوجية الاستشراق"[11].
 
ورغم نقدِ كثير من المثقفين العرب لهذه الرؤية الاستشراقية فإنه وقَع في أَسْرها؛ فهذا محمد عابد الجابري أيضًا ينتقد وقوع التَّنويريين العرب في النزعة الاستشراقية وخدمة أغراضها، يقول:
"فالصورة العصرية الاستشراقوية الرائجة في الساحة الفكرية العربية الراهنة عن التراث العربي الإسلامي، سواء منها ما كتب بأقلام المستشرقين أو ما صُنِّف بأقلام مَن سار على نهجهم من الباحثين والكتَّاب العرب، صورة تابعة، إنها تعكس مظهرًا مِن مظاهر التبعية الثقافية، على الأقل على صعيد المنهج والرؤية"[12].
 
كما ينتقد الجابري أصحاب الرؤية الماركسية[13] باعتبارها صورةً مِن صور الاستشراق:
"بكونها تَعِي تبعيتها للماركسية، وتفاخر بها، ولكنها لا تَعي تبعيتها الضمنية للإطار نفسه الذي تصدر عنه القراءة الاستشراقوية لتراثنا، إن المادية التاريخية التي تحاول هذه الصورة اعتمادها، كمنهج مطبق، وليس كمنهج للتطبيق، مؤطَّرة هي الأخرى داخل إطار المركزية الأوروبية: إطار عالمية تاريخ الفكر الأوروبي، بل التاريخ الأوروبي عامة، واحتوائه لكل ما عداه... وهذا يكفي ليجعلَ الصورة الماركسية لتراثنا العربي الإسلامي تقومُ هي الأخرى على الفهمِ مِن خارج لهذا التراث، مثلها مثل الصورة الاستشراقوية سواءً بسواء"[14].
وغير خافٍ على مطَّلِع على كتب محمد عابد الجابري وقوعه هو بذاته فيما انتقَد غيره فيه وعابه عليه.
 
رابعًا: آفة الإسقاط المصطلحي:
معلوم أن المصطلحاتِ في حقل المعرفة الإنسانية ـ وبحسَب ما تؤكده الدراسات الغربية نفسها ـ مصطلحات نسبية وتاريخية ومشروطة بظروفها الموضوعية والتاريخية التي أنتجتها، ولا يجوزُ بحال إسقاطُها على واقع آخر، غيرَ أن المفكر "التَّنويري" العربي ينسى هذه القاعدة النظرية، فيُقِيمُ تحليله للدِّين الإسلامي وللفكر والحضارة الإسلامية على الإسقاط المصطلحي.
وهكذا يصبح مثلًا عند التَّنويري الماركسي: التاريخ الإسلامي صراعًا طبَقيًّا بين البروليتاريا والبورجوازية، وصراعًا بين اليمين واليسار، وأن الصحابة كان فيهم يمين ويسار، وبروليتاريا (فقراء) وبورجوازية (أغنياء)، وأن الخلافات بينهم يجبُ إخضاعها لقوانين المادية الجدلية والمادية التاريخية.
وعند التَّنويري العقلاني يصيرُ المعتزلة عقلانيين في مقابل غيرهم من المتكلمين والفقهاء، نصِّيِّين وغير عقلانيين، ويصير ابن رشد عقلانيًّا في مقابل لا عقلانية الغزالي وابن تيمية...
 
وعند التَّنويري الوجودي يغدو التاريخُ الفكري الإسلامي زاخرًا بالمفكرين الوجوديين؛ فالصحابي سَلْمان الفارسي والشاعر المعري وابن عربي المتصوف والحلاج والسهروردي والطوسي وإخوان الصفا هم "شخصيات قلقة"، وفلاسفة وجوديُّون[15]! شامل توقعات الابراج 2017 توقعات ابو علي الشيباني توقعات العرافة البلغارية 2017 توقعات هالة عمر للابراج توقعات السعودية 2017 توقعات نوستراداموس 2017 تنبؤات مصر 2017 توقعات احمد شاهين 2017 تنبؤات عام 2017 توقعات محمد فرعون 2017 توقعات 2017 للعالم توقعات 2017 للسعودية توقعات 2017 للعراق توقعات سمير طنب 2017 توقعات 2017 لسوريا توقعات عبد العزيز الخطابي 2017 توقعات 2017 لليمن توقعات ليلى عبد اللطيف 2017 توقعات مصر 2017 توقعات مايك فغالي 2017 توقعات لبنان 2017 توقعات ميشال حايك 2017 توقعات الابراج ليلى عبد اللطيف 2017 توقعات منى احمد للابراج توقعات الابراج عبير فؤاد 2017 توقعات الابراج ميشال حايك 2017 توقعات الابراج احمد شاهين 2017 توقعات الابراج وسام السيفي 2017 توقعات الابراج 2017 سعيد مناع توقعات الابراج 2017 حسن الشارني.
 
وعند أصحاب النزعة النفسية يُدخَل الفكر الإسلامي كله لمصحة التحليل النفسي، ويصير كلُّ الإبداع الإسلامي تحكُمُه العُقَد والأمراض النفسية، والصراع بين الهو والأنا الأعلى، كما تجد التاريخ الإسلامي هو مجرد تاريخ الصراع الجنسي، ولو مع كبار الأئمة والأعلام، بل إن حياة النبي صلى الله عليه وسلم لم تسلَمْ من إسقاطات التحليل النفسي.
 
وعند دعاة "التَّنوير" العربي على النهج البنيوي تجد العلماء المسلمين كانوا بنيويين على غرار بنيويِّي الفكر الأوربي المعاصر، ويتم تحليل النصوص الإسلامية وقراءة التاريخ الإسلامي قراءة بنيوية لا يخفى فيها وجه التكلف في الإسقاط والتمحُّل في لَيِّ أعناق التراث الإسلامي وإبداعاته وحركته للمعايير البنيوية.
 
وعند دعاة الهيرمنوتيقا والتأويلية تنتفي القيمةُ العلمية لِمَا أسسه العلماء من علوم ومعارفَ شرعية ضابطة للنظر والتأويل، بل يُصبح ذلك كله نسبيًّا وخاضعًا لأُفق القارئ والمؤول؛ لأن النص - دينيًّا كان أم بشريًّا - خالٍ من الدلالة والمعنى، ولا يضفي عليه الدلالة إلا قارئه، وبالتالي فلكل قارئ تأويله!
 
خامسًا: آفة التناقض:
التناقض عند أهل المناظرة موهِن للحُجَج، والعاقل يصون كلامه عن التناقض درءًا لآفة إهمال قوله، غيرَ أن التَّنويري العربي وقع في تناقضات كبيرة، يمكن إبراز معالمها في جوانبَ، منها:
أ- الدعوة إلى التحرر من الإمبريالية والمركزية الأوروبية وممارسة أدواتها وأساليبها في محوِ الثقافة الإسلامية والعربية، وتكريس واقع التبعية:
إن مِن كبار عيوب التَّنوير العربي سقوطَ أهله في التناقض في هذا الجانب مِن دعوى التحرر من هيمنة المركزية الغربية، والقيام بوظيفتها في تكريس التبعية الفكرية والمذهبية والسلوكية، فسقطوا في أشنع صور التبعية، وأبشع حالات الاستلاب.
 
ب- التناقض بين الدعوة إلى العقل والعلم وممارسة الأيديولوجيا:
قام التَّنوير على الدعوة إلى العلم وإعمال العقل وتحريره من سلطة التقليد والتعصب المذهبي والانغلاق على المقولات الجاهزة، غير أن المفكر العربي خالف القاعدة وصار يدعو في الظاهر لذلك، وصنَع له في الواقع أصنامًا أيديولوجية دعا إليها وحدها دون غيرها، ووظَّف مقولات العلم والعقل والموضوعية توظيفًا ذاتيًّا ينضح برُوح الأيديولوجيا وتحريف الكلِمِ عن مواضعه، ولم يميز المثقف العربي - جهلًا أو تجاهلًا - بين الحقيقة العلمية والحقيقة في العلوم الإنسانية، ولا بين مفهوم الحقيقة ومفهوم النظرية والفرضية، ولا بين العلم وتوظيف العلم.
 
ج- التناقض بين الدعوة للاجتهاد والتجديد وممارسة الجمود والتقليد:
سبقت الإشارة إلى آفة التقليد في التَّنوير العربي، وأنها آفة تتعارض ودعوى الإبداع والاجتهاد؛ لذلك فالنقل الحرفي لهذا التَّنوير الغربي أفقَدَ مشروع التَّنوير العربي قيمته وحقيقته، وانقلب على نفسه فأفرَز نتائجَ معاكسة؛ أفرز التقليد بدل الاجتهاد، وأفرز الجمودَ على المقولات الفلسفية والفكرية الغربية دون الاقتدار على تعديلها وتكييفها إلا بعد أن يعدِّلَها أهلُها في موطنها، فلم يستطع أحد من التَّنويرين الحداثيين العرب أن يستقلَّ في اجتهاده بإبداع جهازه المفاهيميا، ولا تأسيس منهجه وأدوات اشتغاله بنفسه وانطلاقًا مِن ذاته الحضارية الخصبة.
 
د- الدعوة إلى الديمقراطية وممارسة الاستبداد:
فالتَّنوير الغربي نفسُه قام نظريًّا على دعوى الديمقراطية في الخطاب، لكن في الممارسة قام على ديكتاتورية ألغَتْ كل الأصوات والاجتهادات الأخرى، النابعة من دِين الأمة وثوابتها، واحتُكِرت مراكز القرار والتدبير السياسي لصالح دعاة التَّنوير والعلمنة، وأُقصي كلُّ خطاب مخالف، خاصة إذا كان خطابًا إسلاميًّا يحمل مشروعًا اجتماعيًّا وفكريًّا وسياسيًّا، وفي التاريخ الحديث والمعاصر شواهدُ قوية.
وكم مرة حصل التحالُفُ الإستراتيجي بين قوة الاستبداد والتزوير و"قوى التَّنوير" لإبعاد المخالِف وسحقِه في حروب إعلامية وقانونية مفتعلة، وتحت أغطية دولية سافرة.
 
وأخيرًا يمكن القول: إن التَّنوير العربي كان مجرد نقل للتنوير الغربي على مستوى الرؤية والمنهج الماديينِ، وعلى مستوى الغايات ذات الأبعاد المادية والعلمانية والهيمنية؛ لذلك السبب سقط في معضلات نظرية وتطبيقية، تراوحت بين الإغراق في التقليد والتبعية ونفي الذات وخصوصياتها وهدم مرتكزاتها ومقوماتها بدعوى الماضوية، كما لم يسلَمْ مِن آفات التناقض والانتقائية والإسقاط، وعليه فرغم أن الأمةَ مضى عليها حوالي قرنين من عمر النهضة فإن مشروعَ النهضة وَفْق مذاهب التَّنوير العربي المقلِّدة للنموذج الغربي عجَز عن تحرير الأمة من مشكلاتها، بل كان نفسَه واحدًا مِن أبرز الأسباب في إعاقة انطلاقة الأمة نحو بعثتها الحضارية الجديدة، "إننا في حاجة إلى "تنوير" و"حداثة" حقيقية، تهزُّ الجمود، وتدمِّر التخلُّف، وتحقِّق الاستنارة، لكنه تنوير وحداثة يجب أن يكون تنويرنا وحداثتنا نحن، وليست نسخة شائهة من التَّنوير والحداثة الغربية"، كما يقول الدكتور عبدالعزيز حمودة

بنت مثقفة
نشط ثلاثة نجوم
نشط ثلاثة نجوم


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى