ابوجبيهه


انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

ابوجبيهه
ابوجبيهه
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

تِسِكِع ْ وتِلِكِعْ

+2
فيصل خليل حتيلة
nashi
6 مشترك

اذهب الى الأسفل

تِسِكِع ْ وتِلِكِعْ Empty تِسِكِع ْ وتِلِكِعْ

مُساهمة من طرف nashi 22nd يونيو 2010, 15:17

تِسِكِع ْ وتِلِكِعْ *

عبدالعزيز بركة ساكن

جميعهم رجال. تهتف رائحة العرق المشوي بشمس الدَرَتْ الحارقة، شمس سبتمبر، تملأ الأنوف زنخاً لا يُحتمل. الجنقو يتشابهون في كل شئ، يقفزون في مشيهم كغربان هرمة ترقص حول فريستها، يلبسون قمصاناً جديدةً، ياقاتها تحفل بالأوساخ التي عمل العرق وعملت الشمس وريح السموم، التُربة الطينية السوداء على جعلها شاهداً على صراع مرير مع المكان والطقس، يفضلون الجينز ذي الجيوب الكبيرة والعلامات التجارية البارزة، المكتوبة بخطوط كبيرة مثل: كونز، وانت، ديوب، لي مان، ونستون وغيرها، لا يعرفون ماذا تعني، لكنها تعجبهم ويفضلونها على غيرها، ويدفعون لأجل الحصول عليها مالاً سخياً، يحيطون خصورهم بأحزمة الجلد الصناعي، فتبدو هيئاتهم كمخلوقات غريبة لا تنتمي للمكان، لكنها تقلد كل شئ فيه بالأخص كُلّيقَةْ السمسم المحزومة جيداً، أحذيتهم التي كانت جديدة، لامعة وأنيقة في أوآخر ديسمبر الماضي، الآن هي ذكرى تلك، مزق متسخة ذات أخرام وألوان يصعب تحديدها في الغالب، لا يهتم أحد بتهذيب شعر رأسه، فيما بعد حدثنا ود أمونة بأن عاناتهم كثة وأنهم يهملونها، يتركون شعر رأسهم الذي يميل للحمرة من فعل الشمس كثاً متشابكاً قصيراً أو طويلاً في مستعمرات للشرا.

للجنقاوي أو الجنقو جوراى عدة اسماء على مر السنة وشهورها و فصولها: فهو كَاتَاكَوْ، في الفترة ما بين ديسمبر إلي مارس حيث يعمل في مزارع السكر بكنانة، ومصنع سُكر خشم القربة، عسلاية أو الجنيد.

ويُسَمى فَحْامِي، في الفترة ما بين أبريل إلى مايو حيث يعمل أم بحتي؛ أي منظفاً للمشروعات الجديدة أو المهملة من الأشجار، ويصنع من سُوقها وفروعها الفحم النباتي.

ويُسَمى جنقو أو جنقوجورا، في الفِترة ما بين يونيو وديسمبر، أي منذ هُطول الأمطار، إلى نهاية موسم حصاد السمسم. أما خلال السنة كلها فتطلق عليه النساء إسم فَدّادِي. وبالمقابل يُسَمِي هو النساء اللائي يصنعن المريسة والعرقي فداديات، وعرفنا أيضا من بعض الجنقو الذين أتوا من الفاشر و نيالا، أنّ اسم الجنقوجورا هو المستخدم عندهم، للدالة على ما نُسميه نحن في الشرق إختصارا جنقو، بالتالي لا يطلقون لفظ جنقاوي للمفرد كما نفعل، بل جنقوجوراى.

هي ليست المرة الأولى التي نصطحب فيها بعضنا، أنا وهو، إلى مكان لا نعرفه ولن تكون الأخيرة، فمنذ أن طُردنا من وظائفنا للصالح العام، قبل خمس سنوات، تجولنا كثيراً في شتى بقاع السودان، شماله، جنوبه، غربه وشرقه، كان هو من أسرة ثرية، ويحتفظ بمال كثير لنفسه يمكنه من أن يتفرغ بقية حياته كلها للجري وراء متعة المشاهدة، كما أطلقنا على ما نقوم به من (تِسِكِع ْ وتِلِكِعْ) في بلاد الله الشاسعة. أنا فقير. لكني عازب ولا أتحمل مسؤولية أحدٍ غير نفسي، أخواني وأخواتي متزوجون، بعضهم خارج السودان، والبعض الآخر في الداخل، واتخذوا طريقهم المحتوم في الحياة، أمي وأبي متوفيان، هو يساعدني كثيراً في تحمل مصاريف السفر ومتعة المشاهدة، وأنا أوفر له الرفقة الطيبة، ويقول الناس عندنا: الرفيق قبل الطريق.

دندن في صوت مرح

رجال... رجال... نحن في حلم؟-

قلت له

. أنا شفت واحدة قبل شوية -

يبدو أن الشاب العِشريني الذي يجلس قربنا، الوسيم، الذي يحتسي قهوته، لم يكن منشغلاً بموضوعات الحصاد، الربح والخسارة، العنتت و القبورالكعوك وطيور أم عويدات وود أبرق، كما هو الحال عند الجميع وبمن فيهم صاحب القهوة البدوي الشاب كث الشعر، أو بما تقدمه له رشفات القهوة من متعة تبدوعظيمة، كانت أذنيه تتصيدا ما نهمس به، ربما ما نفكر فيه أيضاً، قال لنا دون مقدمات، بحماس عالٍ ساذج.

الراكوبة
nashi
nashi
مشرف المنتدى الرياضى
مشرف المنتدى الرياضى


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تِسِكِع ْ وتِلِكِعْ Empty رد: تِسِكِع ْ وتِلِكِعْ

مُساهمة من طرف فيصل خليل حتيلة 22nd يونيو 2010, 15:53

عبد العزيز بكة ساكن غنى عن التعريف فهو الروائى و القاص المهول.

فاز بأكثر من جائزة و قرأت له او عنه فى هذا المنتدى.

شكرا د.على الألق.

وين ملاح التقلية يا فردة؟

تحياتى
فيصل خليل حتيلة
فيصل خليل حتيلة
مشرف إجتماعيات أبوجبيهة
مشرف إجتماعيات أبوجبيهة


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تِسِكِع ْ وتِلِكِعْ Empty رد: تِسِكِع ْ وتِلِكِعْ

مُساهمة من طرف nashi 23rd يونيو 2010, 03:43

قريب ان شاء الله الملاح يصلك ومعاه عصيدة دامرقة Sad
nashi
nashi
مشرف المنتدى الرياضى
مشرف المنتدى الرياضى


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تِسِكِع ْ وتِلِكِعْ Empty رد: تِسِكِع ْ وتِلِكِعْ

مُساهمة من طرف الفاتح محمد التوم 23rd يونيو 2010, 07:52

تشكرات دكتورة والغالي فيصل على إلقاء الضــوء على الرواية
"الجنقو مسامير الارض ......" المصنفات الادبية منعت دخول الرواية للسودان ,قرأت له مجموعة قصصية رائعة..(إمرأة من كمبو كديس) ,و له عدة روايات منها (الطواحين ).... ولمحاسن الصدف تعرفت على رواياته ومجموعاته القصصية عبر زميل الدراسة معتصم عوض عثمان ( علوم كيمياء) من خلال مكتبتهم في كســلا " مكتبة القاش "...الكاتب حاز على أكثر من جائزة في البي بي سي عن روايته " فيزياء اللون " و " دراما الأسير ".....

الفاتح محمد التوم
مشرف المنتدى السياسى
مشرف المنتدى السياسى


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تِسِكِع ْ وتِلِكِعْ Empty رد: تِسِكِع ْ وتِلِكِعْ

مُساهمة من طرف د.الجنيد احمد سليمان 23rd يونيو 2010, 16:03

عبد العزيز بركة ساكن....أعترف بأنى لم أسمع بهذا الراوى الا من خلال هذا البوست ويبدو من أضافات الاخوة فيصل والفاتح انه راوى مهول..وعناوين رواياته تغرى على البحث عنها...الفاتح هل لديك اى عمل Soft له..؟
شكرا دكتوره...فنحن نتعلم الكثير يوميا من هذا المجمع ...المنتدى

د.الجنيد احمد سليمان
نشط مميز
نشط مميز


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تِسِكِع ْ وتِلِكِعْ Empty رد: تِسِكِع ْ وتِلِكِعْ

مُساهمة من طرف الفاتح محمد التوم 24th يونيو 2010, 01:31

دكتور يعلم الله ماعندي ليهو (سي دي هات) أو أي copyآخر لكن بشيف ليكا معتصم في كلية التربية _ الخرطوم إنشاء الله نلقى منّو حاجة...

الفاتح محمد التوم
مشرف المنتدى السياسى
مشرف المنتدى السياسى


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تِسِكِع ْ وتِلِكِعْ Empty رد: تِسِكِع ْ وتِلِكِعْ

مُساهمة من طرف nashi 24th يونيو 2010, 02:50

نقول للدكتور اتصبر بالثلاثة قصص دي الي ان تجد الباقي
الرابط
http://alrakobasite.com/articles.php?action=listarticles&id=44

تحياتي للكل
تسلموا
nashi
nashi
مشرف المنتدى الرياضى
مشرف المنتدى الرياضى


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تِسِكِع ْ وتِلِكِعْ Empty رد: تِسِكِع ْ وتِلِكِعْ

مُساهمة من طرف عوض السيد ابراهيم 24th يونيو 2010, 07:43

أضم اعترافى الى اعتراف اخوى الجنيد واعتراف اخر هو اننا تعلمنا الكثير مما كنا نجهله عبر هذا المنتدى.
شكرا كتير اختى احسان
عوض السيد ابراهيم
عوض السيد ابراهيم
مشرف المنتدى العام
مشرف المنتدى العام


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تِسِكِع ْ وتِلِكِعْ Empty رد: تِسِكِع ْ وتِلِكِعْ

مُساهمة من طرف nashi 30th يونيو 2010, 10:23

شكراً جزيلاً لكل من مر من هنا
وربنا ما يحرمنا من هذا المكان والشكر اولا واخيراً لله
وللاخ ياسر حفظه الله
nashi
nashi
مشرف المنتدى الرياضى
مشرف المنتدى الرياضى


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تِسِكِع ْ وتِلِكِعْ Empty سيرته الذاتية..عبد العزيز بركة ساكن

مُساهمة من طرف nashi 30th يونيو 2010, 10:24

سيرته الذاتية

عبد العزيز بركة ساكن

( أ )
الشارع التُرابي العام يمر بعيد الحي متجنباً الغوص في متاهاته وكأنه عاف عفونة أزقته ومواء أطفالها، من هذا الشارع العام تتفرع أشرطة من أزقة ضيقة تذوب تدريجياً بين البيوت المتلاصقة الصغيرة المبنية من قصب الذرة الرفيعة والطين والِلبِّنْ مطلية بروث الماشية والحمير، وعلى أطراف الأزقة تحت أحواش القصب الرطبة يتقنطر بُراز الأطفال رمادياً أو أسود يابساً عليه جيوش من ذباب الخريف الأخضر الضخم ذو الأرجل الخشنة، طنينه قد يفزع بعض المارة.
أما المرحاض العام، زريبة المواشي، دكان اليماني صالح، وبالوعة مياه الجبنة العفنة تقع في ملتقي الأزقة وسط الحي.
ماسورة المياه المتعطلة تصنع نهراً طينياً يشق صدر الزقاق الضيق المفضي الى الخور الكبير، يبني على ضفتيه الأطفال الرماديون ذوو الأنوف المتسخة والجلاليب المتهرئة " مؤخراتهم الغبشاء عاري نصفها خلال مزق سراويل الدمور القديمة تعانق عفن الأمكنة " يبنون خزانات من الطين المختلط بالطحالب الخضراء، عفن الخبز وبيض الضفادع اللزج، ويشكلون جمالاً، حميراً، وجرارات صغيرة وبعض التفاهات التي تشبه عيونهم الجميلة المقذية..
يشتمون بعضهم البعض بألفاظ هشة مصّنعة في الغالب من أطيان نهيرهم وخْراء أزقتهم المتخمر تحت شمس الخريف الدافئة.
الناس كالأشباح ينسلون من ثنايا صمت الأزقة الرطبة يحتضون صخب أشعة الشمس، في بطونهم لا شيء مباني، المدرسة التي ستكتمل بمشيئة الأزمنة القادمة تقبع كالموتى، ما بين ميدان كرة القدم والجمعية التعاونية القديمة أي في بداية شارع الماسورة، بعض المباني غير المكتملة وفي داخلها ترقد جثث القطط والكلاب وغيرها من الحيوانات النافقة أو التي اغتالها أطفال الحي الذين ليس لديهم ما يشغلهم طوال اليوم.
هنا ولد في هذا المكان.
(ب)
الشرطي الوسيم ذو الهراوة الكهربائية الجميلة التي يسمع لها خشيش مرح حينما تلتحم بجسد فار أمامها، غاضب هذا الجندي غضباً لا مبرر لها إلا الحفاظ على المظهر العام، قربه تقف عربة الفورد المصفحة السريعة " بأريلها " المرسل في أحشاء الهواء الساكن، على بعد مترين منه يقف الجندي الآخر الغاضب – أيضاً – القبيح، وعلى بعد مترين يقف جندي آخر سمينا له كرش متفيلة ووجه كحلي ملصقة عليه عينان صغيرتان لا لون لهما في الغالب، الجميع أمام مبنى من ثلاثة طوابق وحديقة صغيرة مختصرة، ثلاثة كلاب متشابهة سوداء تتجول في فناء الحديقة، تتبول بإنتظام على حجر أملس كان نصباً تذكارياً في الأزمنة الماضية لشيء ما.. أو شخص ما، الحجر أبيض فيما عدا خرائط البول الصفراء التي صنعها الكلاب عليه.
المكان هادئ وبين وقت وآخر يخرج رجل متأنق نظيف معبق بعطر مثير.. وقد يخرج أكثر من شخص من هذه العينة ويدخل آخرون ولكن فجأة قد تسمع أصوات محرك عربة فورد تقف عند الباب الخلفي للمبنى، وإذا استرق الانسان السمع او الكلاب الثلاثة ورجال الشرطة يمكنهم سماع صرخات مكتومة وأنات باردة تنسرق من عمق هدوء المبني.
هنا مات في هذا المكان.

نشرت بتاريخ 30-06-2010
nashi
nashi
مشرف المنتدى الرياضى
مشرف المنتدى الرياضى


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تِسِكِع ْ وتِلِكِعْ Empty رد: تِسِكِع ْ وتِلِكِعْ

مُساهمة من طرف فيصل خليل حتيلة 30th يونيو 2010, 11:00


يا د.الجنيد دا الايميل بتاع عبدالعزيز بركة ساكن و يمكنك ايضا مراجعة

sudaneseink و هذه مجلة الكترونية مدير تحريرها الصادق الرضى و انت تعرفه

جيدا.

baraka.sakin@gmail.com
فيصل خليل حتيلة
فيصل خليل حتيلة
مشرف إجتماعيات أبوجبيهة
مشرف إجتماعيات أبوجبيهة


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تِسِكِع ْ وتِلِكِعْ Empty يتبع

مُساهمة من طرف فيصل خليل حتيلة 30th يونيو 2010, 11:08

عبدالعزيز بركة ساكن يحرز جائزة الـ بي بي سي مجددا



حققت قصة قصيرة بعنوان (فيزياء اللون) للكاتب عبدالعزيز بركة ساكن جائزة إذاعة الـ بي بي سي للقصة القصيرة وهي مسابقة شهرية تقدمها هيئة الإذاعة الريطانية بالإشتراك مع مجلة العربي الكويتية العريقة لأحسن قصة قصيرة وتنشر القصة الفائزة على موقع BBC ويتم سردها بالصوت ايضاً كما يتم نشرها على صفحات مجلة العربي مع جائزة رمزية مقدارها 100 دولار.

الكاتب عبدالعزيز بركة ساكن، صاحب رواية (الطواحين) ورواية (رماد الماء) وله مجموعة قصصية بعنوان (على هامش الأرصفة) وأخرى بعنوان (امرأة من كمبو كديس)، وينتظر أن تصدر له قريبا رواية (امرأة الرصاص)، حقق قبل شهرين تقريبا جائزة البي بي سي عن قصته (دراما الأسير).

فيصل خليل حتيلة
فيصل خليل حتيلة
مشرف إجتماعيات أبوجبيهة
مشرف إجتماعيات أبوجبيهة


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تِسِكِع ْ وتِلِكِعْ Empty رد: تِسِكِع ْ وتِلِكِعْ

مُساهمة من طرف nashi 30th يونيو 2010, 12:11

شكرا اخي فيصل
لم يمر د. الجنيد من هنا بعد هذه المداخلة لنرفع البوست حتي يراه
nashi
nashi
مشرف المنتدى الرياضى
مشرف المنتدى الرياضى


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تِسِكِع ْ وتِلِكِعْ Empty رد: تِسِكِع ْ وتِلِكِعْ

مُساهمة من طرف أزهرى الحاج البشير 30th يونيو 2010, 12:52

بعدنا عن السودان أضاع علينا كثيرا من الجوانب المشرقة مثل هذا القاص الرائع

في الحقيقة لا عذر فالفضاءآت الإلكترونية رحيبة ولكننا نشغل كثيرا من وقتنا بما لا يفيد

شكرا لكم جميعا على هذه الإضاءة
أزهرى الحاج البشير
أزهرى الحاج البشير
مشرف عام
مشرف عام


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تِسِكِع ْ وتِلِكِعْ Empty رد: تِسِكِع ْ وتِلِكِعْ

مُساهمة من طرف nashi 5th يوليو 2010, 09:17

امرأة من كمبو كديس

عبد العزيز بركة ساكن

في صباح قائظ من يوم خريفي، بينما كنت أتسكع في شوارع المدينة – كعادتي – منذ أن طُردت من وظيفتي للصالح العام قبل سنتين – سمعت صرّاخ أطفال وما يشبه التهليل والتكبير وأصوات نسوة تندفع إليَّ مع ريح السموم الصباحية، آتية من جهة تجمع سوق النوبة، كان نهيق حمير الأعراب القادمين من أطراف المدينة هو الصوت الوحيد المعتاد بين مظاهرة الأصوات تلك. هادئون كانوا دائماً رواد سوق النوبة، يساومون في هدوء وخبث وحنكة، يشترون ويبيعون في صمت وكأنهم يؤدون صلاة خاصة. نعم قد يسمع نداء موسي السَمِح الجزار بين الفينة والأخري،وقد تتشاجر بائعتان، و قد، لكن تهليل وتكبير وصراخ أطفال؟!، وكفرد أصيل في هذه المدينة أمتلك حساً تشكيكياً عميقاً هتف في:
- إن هنالك شيئاً ما في سوق النوبة...
وكما يتشمم كلب الصيد أثر الأرنب البريّ تشممت طريقي الي المكان.
عزيزة – إبنة كلتوم بائعة العْرقِي – كنا نحن قطيع المثقفين نطلق عليها اخصائية العْرقِي – مرت امام وجهي كالطلقة الطائشة وهي تحمل – على كتفها – أخاها الصغير منتصر، غير عابئة بصرخاته المتقطعة المخنوقة بلعابه اللزّج والتي تثير الشفقة في قلب أقسى شرطي في العالم الثالث، كان أعجفا صغيرا،له عينان مستديرتان لامعتان كعيني سحلية.. أعرفها جيداً وأعرف أيضاً أنها عائدة من عند أمها كلتومة التي تبيع الكسرة. نهاراً بالسوق، فكان لزاماً على عزيزة أن تحمل منتصر الرضيع ثلاث مرات في اليوم الى أمها بالسوق لكي ترضعه رضعة الصباح، رضعة النهار، ورضعة الغداء، وتحرص كلتومة أشد الحرص بألا تفّوت على إبنها الصغير رضعة واحدة حتى لا يمرض مرض الصعّيد، ويموت. لأن منتصر كان نزقاً شقياً و هبّاش، فما كانت كلتومة ترغب في ابقاءه معها في السوق.
صرخت فيها..
- يا بت.. يا عزيزة..
إلتفتت الي بسرعة رشقتني بنظرة عابرة وجدت في سعيها الي حيث تشاء، ولكني ومن خلال لمحتي الخاطفة لوجهها والتي لم تتعد الثلاثة ثوانٍ، رأيت بؤساً وألماً مكثفاً متقنطراً على وجهها الصغير الأملس، بؤساً لا يمكن اخفاؤه أو احتماله لدرجة أنني تيقنت في نفسي أنه لو قسّمنا هذا الحزن والبؤس على كل مشردي العالم لما وسعوه، وفي نظرتها السريعة كانت أسئلة – أيضاً – غامضة ومبهمة ومحيرة في نفس الوقت، جريت وراءها صارخاً:
- يا بنت....
أنا وأصدقائي من ابناء أعيان البلدة ومثقفيها، نفضل أن نسكر من عَرقِي بلح كلتومة وفي بيتها الصغير في كمبُو كديِس فهي امرأة أمينة صديقة حيث إنها لا تسرقنا – كما تفعل الحبشيات وكثير من بائعات العرقي – آخذة منا ثمن عَرقِي لم نشربه، عندما نثمل وتلعب الخمرة بعقولنا الصفراء – أو تغش العرقي بالسبرتو أو الماء أو غير ذلك من فنون السرقة.
" إنني لا أُطعم أبنائي الحرام ".
كما أنها كانت دائماً حافظة لأسرارنا وخبائث فضائحنا " أنا عن نفسي عندما أسكر أفقد مع وعيي وقاري واحترامي وأصبح حيواناً مثقفاً لا أكثر فقد أتبول في ملابسي وأتقيأ علي صدري، وإذا لم يحدث هذا أفشيت كل أسراري الأسرية وتحدثت عن أبي – ضابط المجلس – وقلت علانية ما يعرفه الناس عنه، وما لا يعرفونه بل أفشيت ما أعرف من خططه المستقبلية في سرقة التموين والجازولين.. الى آخر مآسي يومي وأسرتي.. " فكانت كلثومة – والحق يقال – تسمع بإهتمام ولكنهها لا تقول شيئاً، وكنا جميعاً نحترمها ونقدرها مثل أمهاتنا وبالتالي "عزيزة" كانت لنا أختاً صغرى..
- يا بنت.... قفي..
أمسكت بكمها القصير.. ودون أن تنظر الي قالت بصوت مبحوح تخالطه صرخات " منتصر " الحامضة المتدفقة تباعاً:
- أمي..
- أمي قبضوا عليها..
- "...... "
إذاً فهمت كل شئ وشعرت بأن الدينا أظلمت فجأة أمام عيني وأن شعري تحول الى دبابيس مسمومة توخزني في جلد رأسي،ولم استطع ان اقول او افعل لها شيئاً سوى زلق كفي من على كتفها الصغير المتعب، في برود تاركاً إياها تمضي لتذوب في بحر مآسيها ومحنتها و"منتصر" مبللا صدرها بلعابه اللزّج المُلبِّنْ يصليها بصرخاته وندائه المتواصل – بلثغته الحلوة الممتعة – رغم مآساة الموقف – لأمه " اتوما ".
كثيراً ما كنت اخجل من نفسي عندما اجدني عاجزاً امام موقف ما، فاذا حدث ذلك بالامس لذهبت الى جلال الجميل القاضي ودار بيننا الحوار التالي:
- صدر القرار منك ؟
- كنت مجبراً … فانت تعرف لا شئ بأيدينا تماما ..
- ولماذا كلتومة … فهي تعول اطفالاً وزوجها مقتول في الجنوب منذ سنوات.
- لم يكن الامر بشأن كلتومة وحدها..
ولكن حظها.. فلابد –كما تعرف – ان يكون هنالك ضحايا قالوا ان الوالي في زيارة جاسوسيّة في كل مكان. ويجب ان يعرف ان الناس هنا تعمل، تحارب الفساد الى آخر الاوهام كما ان كلتوم كانت تعلم بقرار التفتيش، لقد أخبرها "احمد صالح" ..
- ولكنهم وجدوا عندها جالوناً من العرقي وثلاث زجاجات مليئة بعرقي البلح.
- هذا تلفيق من الشرطة، فقد كانوا يخبئون هذه الأشياء في عربتهم.. فهم غالباً لا يجدون شيئاً عند هؤلاء النسوة..
- وما العمل ؟
- كالعادة نخفف الحكم ما امكن وبدلاً من السجن نضع الغرامة وصديقاتها يقمن بمساعدتها في الدفع كما يفعلن دائماً..
- هذا ما كان يحدث إذا وقعت احدى " زبوناتنا " في قفص الشرطة، ولكن أين اليوم " جلال الجميل " ؟!
- فإن القاضي الجديد لا يشرب العرقي ولكن – فقط – الويسكي " والانشا* " ويدعى مخالفة الله والتقوي، وبالتالي يصعب الوصول إليه حتى الآن على الأقل.
جسدها النحيل المتعب يرقد على الكنبة في وسط سوق السبت وقد أهالوا عليه صفيحة من المياه ما تزال تقطر من جلبابها القطني الرخيص الى نهاية الجلد، ولو أنها لا تحفل بكتل البشر التي تحيط بها " مشفقة او شامتة " إلا أنها كانت تحاول إخفاء وجهها ما أمكن بين ساعديها وتحاول بقدر المستطاع وبجدية الا تصدر منها تنهيدة، آهة، صرخة ألم أو مجرد زفير مندفع قد يُخّيل للشرطيين القضاة او الجلاد، جمهور المتفرجين أنه توجع من وقع سوط " العنج* " الأسود المشرب بالقطران والذي يصلي ظهرها مشقاً مبرحاً ممزقاً لحميات فيه عجفاء بائسة.
وعندما استطعت أن أجد لنفسي مكاناً أشاهد من خلاله ما يحدث كان الشاويش السمين يصرخ بغلظه..
- ثمانية وثلاثين إإيه.. هوب..
- تسعة وثلاثين.. إييه.. هوب..
- أربعون.. إيييه.. آآه.. تماماً مولانا... أربعون جلدة..
قال القاضي وعلى فمه ابتسامة صفراء قاسية محاولاً من خلالها ان يكون تقياً، عادلاً، محبوباً وحاسماً في نفس الوقت..
- هيا قومي.. استغفري ربك الله واعلني توبتك.. توبة نصوحة امام الجميع..
- نظرت إليه – كلتومة – نظرة فاحصة، عميقة – أحسست انها معتصرة من خلايا كبدها – ثم بصقت على الأرض بصاقاً دامياً مرّاً – واقسم ان جميع المتفرجين: الإعراب ذوو الجلاليب المسودة من الأوساخ والتي تفوح منها رائحة وَبر الجِّمال والحمِّير،وقطرانها وروثها بسياطهم وسيوفهم. الشماسة أبناء الشوارع المتشردين.
أصحاب المتاجر – أغلقوا دكاكينهم مضحين بقدر من المبيعات كبير في سبيل ان يحضروا المحاكمة – الكلاب الضآلة الحذّرة المختبئة خلف العشب متجنبة أعين الناس، وغير الضآلة أيضاً.
أسراب الحدأة والغربان والتي تضع حلقة في السماء، ناعقة. " المثقفاتية " مثلي – والذين ليس بإمكانهم فعل شيئ غير التعليق الذكي الصائب المُبرر غير المقنع لغير شريحتهم والمثير للضحك والسخرية من نساء " الكسرة "، العرقي، الشاي وغيرهم من الكادحات.
أعضاء المحكمة " المتفلقصين " كمُخصيىّ القرون الوسطى، صديقاتها البائسات، موظفات المجلس، الشامتون، المتعاطفون " معها او مع السلطة " الجميع.. الجميع بدون فرز ".. اقسم انهم جميعاً أحسوا بمرارة هذا البصاق وكأنه مقذوفاً في عمق حلوقهم مراً كنقع الحنظّل.
ودون أن تحرك فوهتا عيناها عن وجهه انتعلت حذاءها البلاستيكي القديم وشقت طريقها عبر الجمع مصوبة وجهها المجهد شطر بيتها – ساعية بخطي ثابتة سريعة – رغم ما بها من إرهاق – فكان عليها أن تسرع حتى لا تُفوت منتصر الصغير رضعة الصباح.
* الإنشا : نوع من الخمور المستوردة من أثيوبيا.
* سوط العنج : هو سوط مصنوع من جلد فرس البحر يستخدم لجلد الإبل والحمير.

الراكوبة
nashi
nashi
مشرف المنتدى الرياضى
مشرف المنتدى الرياضى


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تِسِكِع ْ وتِلِكِعْ Empty خبر قديم ......التاريخ: 06-04-2010

مُساهمة من طرف الفاتح محمد التوم 19th يوليو 2010, 12:21

قال تعالى (وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالو إنا لله وإنا اليه راجعون ) صدق الله العظيم .
بلغني من زميلي معتصم عوض عثمان ( مكتبة القاش كسلا ..)وفي مستعرض حديثنا , أثناء الإتصال الهاتفي قال لي أن زوجة الكاتب بله ساكن هي شقيقة الكاتب عالم عباس وأبلغني وفاة الأستاذه/ عفاف عباس محمد نور حرم الأستاذ/ عبدالعزيز بركة ساكن بتاريخ قديم : 06-04-2010 نسأل الله ان يتقبلها بواسع رحمته وأن يجعل قبرها روضة من رياض الجنة.
وأضاف قائلاً,, تخرجت الاستاذه /عفاف " رحمها الله" في كلية التجارة جامعة أسيوط بجمهورية مصر العربية .
أخوانها الأساتذه :
عالم عباس محمد نور
حافظ عباس محمد نور
قاسم عباس محمد نور
محمد عباس محمد نور

الأخ معتصم أشار الى مراجعة الموقع sudaneseink , ومواقع أخرى لأن الخبر له ثلاثه شهور,,,

الفاتح محمد التوم
مشرف المنتدى السياسى
مشرف المنتدى السياسى


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تِسِكِع ْ وتِلِكِعْ Empty رد: تِسِكِع ْ وتِلِكِعْ

مُساهمة من طرف nashi 27th أغسطس 2010, 03:56

ذاكرة الموتى

عبد العزيز بركة ساكن


قالت لي أمي في الحلم،
- الدنيا زائلة يا ولدي.
قلت لها و أنا نائم،
- ليس صحيحاً ....... نحن الزائلون .. الدنيا باقية.
حاولت أن تبتسم ، لكن الموتى في الحلم عادة لا يستطيعون الابتسام لأن هرموناً خاصاً بانفراجة الفم في تلك الصورة السحرية لا يتم إنتاجه في الحلم، ثم وقف الموتى صفاً واحداً أمامي: جدي عبد الكريم، جبران خليل جبران، حبوبة حريرة، محمد مستجاب، علاء الدين الشاذلي، الكيوكة الصغيرة، قدورة جبرين، نادية، أبوقنبور، محمد عثمان، خديجة، مرجان كافي كانو، محي جابر عطية، عم موسي، انتصار، أبو ذر الغفاري، علي المك، وولت ويتمان، إخلاص أبو غزالة، عمر إبراهيم، قالوا بصوت واحد
- الدنيا زائلة.
قلت لهم،
- يا أيها الموتى،
قلت لهم اسماً اسما،ً
- يا أيها الموتى، الدنيا باقية.
وقف سجان نزق بيني و محمود محمد طه، استل من بين قلبه و عقله محبرة، كان الشيخ نحيفاً وجميلاً، مكان عينيه الدنيا كلها تزول تدريجياً و تتلاشي، لكن دون انتهاء، قال لي في الحلم،
- افتتانك بالحق فوت عليك إدراك عين الحق.
قلت له و أنا نائم،
- سمي لي القتلة حرفاً حرفاً و الحق حرفاً حرفاً، العدل و المظلمة والروح حرفاً حرفاً..
قال لي في الحلم،
- اقرأ.. ذات الشيء، يسقط عنك حجاب الشئ، حرفاً حرفاً .
قلت له و أنا نائم،
- بسم الله الرحمن الرحيم.
قال لي في الحلم و كاد أن يبتسم،
- إذاً، ما هو لون الحقيقة؟
قلت له و أنا نائم،
- أسود.
قال لي في الحلم،
- إذاً، ما هو لون العدل و المظلمة و الروح، ما هو لون مسك الأنفس؟
قلت له و أنا نائم،
- أسود.
قال لي في الحلم،
- إذاً، ما هو لون الجهات الست ؟
حينها فقط تنزلت علي الأحرف الوسطي من أسماء القتلة، جاءت تعوم في سيل من الدم، أخذ يحيط بي و أنا نائم، أفادني صف الموتى في شيئين:
إن الدنيا ليست زائلة، الشيء الآخر، أن الموتى لا يبتسمون، الشيء الآخر، أن ذاكرة الموتى محشوة بالأحياء. قالت لي أمي في الحلم،
- سوف لن تنجو من الموت، الأشجار، الطين، و الهوام كلها لا تحميك، و أنت إذ تهرب من الموت تذهب إليه.
بكيت، عندما استيقظت وجدتهم جميعاً يصطفون أمامي، تماماً مثلما كانو في الحلم، لم يهتم أحد بما كنت أثرثر فيه، لم يفسر أحد لي شيئا، و لم يضحكني نداء المنادي: أنت، يا أحد الموتى.

الراكوبة
nashi
nashi
مشرف المنتدى الرياضى
مشرف المنتدى الرياضى


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة


 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى