ابوجبيهه


انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

ابوجبيهه
ابوجبيهه
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

القصة فى أشعار الدوش

اذهب الى الأسفل

القصة فى أشعار  الدوش Empty القصة فى أشعار الدوش

مُساهمة من طرف مدثر عثمان النو 28th أغسطس 2010, 14:30


ليل المغنين وقصة" البت سعاد " نموذجاً

مقدمة:

على الرغم من الفارق الكبير بين القصيدة والقصة القصيرة لإعتماد الأولى على القافية وجرس الكلمات والموسيقي التصويرية وبناء المفردة وإعتماد القصة على الشخوص والأحداث والترتيبات المكانية والزمانية وعناصر الحركة والنمو والإنفعال ، نجد الأديب الشاعر عمر الطيب الدوش قد كسر القاعدة وجعل من القصيدة قصة ومن القصة قصيدة وإن كان بالإمكان تطويع اللهجة العامية لتحميلها هذا الرهق الجميل فانها صارت أداة ورمزاً فى أشعار الدوش لا سيما فى ديوانه ( ليل المغنين) و المتصفح لهذا الديوان يجد بعض القصائد تحمل أسماءاً لأشخاص مثل " محمد ودحنينة " طه المدرس ود خدوم" صالح ود قنعنا" العمدة جابر ود خف الفيل" ، ومن خلال المداليل اللفظية لهذه الأسماء يتضح للقارئ تماماً إننا نعنى ما نقول عن القصيدة القصة .

الإطار الشعري لـ(ليل المغنيِّن):
نجد الإطار لشعرى لليل المغنين مفعم بالحركات والتحولات ولذلك تجئ مفردات مصورة للتغير والانفعال وهذا نتاج لمعالجة الشاعر لأوضاع كانت حاصلة وأوضاع على وشك الصيرورة ومن ثم كان هذا التغير والتردد ينم عن الصراع الداخلي للشاعر ولذلك يوظفه فى عدد من الأخيلة الشعرية والصور الوصفية على اختلاف المواضيع اجتماعية كانت أو عاطفية أو سياسية. ومن ذلك أنه يستخدم الأفعال السريعة والفجائية أو اللحظية مثال لذلك قصيدته الوطن نجده يقول:

" أنط فوق سرجى واتحزم

اقوم من وقعة لوقعة ..

يقوم يجرى ..

يقع يبرك..

وأسال ياوطن إذا كل القبور بيوت الناس بلا استئذان"

ونقتطف أمثلة لمفردات من قصائد عديدة " الغيم المسافر لم دموعي خبًّ / طلّ الخوف ملّفح بحزن الغلابة/ اتلاشت مسافة ما بين سيل وغابة/بترحل من مراسيها / صحية جروف النيل/ صوت طفلة وسط اللًّمة/ طبول بتدق/ نبتت جنحان وطارت../ ترجع للرقاد تانى/ الساقية لسه مدِّورة/ طلعت مشت متحدرة / تنوم وتصحى/ تجرى وراء السراب/ تكتب بالحراب/ بترتق التوب والنعال .. الخ"

ويستخدم الآلفاظ الدالة على التغييرالظرفي السريع والأسئلة المربوطة بالزمن" متين تنزاح سموم الصيف وينتقل سريعاً من الخبر إلى الحال " زمان ما عشنا فى غربة ولا قاسينا نتوحد وهسع رحنا نتوجَّع " والسرد القصصي "الحلة ما بين يوم وليلة إتشلَّعت/ واحد شرد قال المدينة قروشها تب ماليها حد" وتعكس هذه الصورة الاضطراب النفسى للشاعر والذى يتم التعبير عنه بنفس الايقاع الحركى السريع " جَرّيت عصايتى مشيت انقِّر فى الحصى…"

وهذا الاضطراب أدعى لتذويب الفجوات الزمانية بين المشاهد. لذلك يجئ الانتقال سريعاً وتجئ هذه الصورة بشكل واضح فى قصيدته" الساقية "فانظر كيفية الانتقال التى قدم لها الدوش صورة من ينقر الحصى وهو يفكر فى الساقية الباكية والطفولة وأحوال الناس وظروفهم القاهرة:

فى اللِّى ضاق عنّو المكان وهسَّه سافر وأغترب

لمدن بعيدة تنوم وتصحى على مخدات الطرب

والساقية طاحونة الأنين طول الليالي بتنتحب

ومن الالفاظ الدالة على الحركة ( الهبباي ) والتي جاءت فى قصيدته ( الحفلة )وهى تنقل صوراً تتخللها فجوات عديدة وهى اصدق واقعية لخلفية العلاقة مابين المجتمع والسياسة على كافة الأصعدة ليس على نطاقها المحلي فقط بل إلى أبعد من ذلك فهو يصور مقارنه مابين بداية ونهاية، أي أحداث بين زمنين أراد أن تكون هذه الأحداث داخل حفلة وهى تجسيد للتراث الاجتماعى وعلى إثره يمكن أن يدخل السياسي ليجعل من الصراع ميداناً سريعةً انفعلاته مثالاً لذلك ننقل المقارنة :

بداية الحفلة دلوكة

نهاية الحفلة متروكة

لأي صنم يشيل كرباج يجلد الحق يخلي الحفلة مربوكة..

نهاية الحفل متروكة

لأى صبى يهز السيف يقصع جرتو يِلُوكا

وبين السيف وبين الكرباج مسافة تَوَدي أمريكا

ويختزل الصور الدراماتية فى كلمة الهبباي " بداية الحفلة بالدوباي ونهاية الحفلة بالهبباي" ويستخدم أسماء المفرادات الدالة على الحركة مثل ما جاء فى ( الحفلة) :

شنو الجد عشان نتجارى بين القاهرة وجدة

بين القومية والقعدة بين الفرّة والعقدة

فهذه المفردات إن دلت على الحركة من جهه فهى تدل على الإضطراب من جهة ثانية لذلك جاءت متقابلة ( قومة، قَعْدَة، فرًّة، عَقْدة)وحتى استخدامه للفظة (ضل الضحى) والتي ترتبط فى تراثنا الشعبى بمعنى الزوال الاّ اّنه جسّد منها معنى شائكاً . ربّما كان نتيجة لليأس من زوال مؤثر بعينه :

ضل الضحى مشوار وتزح وتزح

زحيح الشمس من وكن الشروق زحيحها لنص النهار

ويستخدم المتقابلات والطباق ليعكس صور التنازع الحاد مكرساً ذلك بالأفعال السريعة كما تقدًّم :

أحزان بتفرح وتشتبك … أفراح بتحزن وترتبك

ويأتي بالصفات الاشتقاقية على وزن ( فاعل / مفعول) مشفعاً ذلك بالإطار الحركى للإنفعال وهذا يتم عن فعل فاعل أو تغيير مقصود والأمثلة على ذلك كثيرة وفى قصيدته ( وطن ) جاء قوله :

واسأل عن بلد رابح وافتش عن بلد سايح

واسأل عن بلد مجروح وعارف الجارحو ليه جارح

وتجئ مفردات كثيرة على هذا المنوال " بلد غاطس، شجر مقطوع، طفل مجدوع، خبر جارح… الخ".

وإذا استرسلنا فى وصف البيئة الحركية لهذه القصائد لوجدناها تفيض بالصراع والانفعال حتى القصائد العاطفية منها جرت على هذا المنوال فتكثر فيها معانى الحل والترحال " عصافير نبتت جنحات وطارت للغيوم بيها/ وجيت يا حلوة زى زولاً قضى الأيام بكى ومنفى" وهكذا تزدحم الصور الحركية للأفعال والأوصاف والأسماء فتكون الإطار الشعرى لـ(لبل المغنيِّن) بل وتكون إطاراً للقصيدة القصة وإلتى يمكن إختزالها مجازاً في قصة ( البت سعاد ) مع العلم بعدم وجود قصيدة معينِّة بهذا الاسم حتى أن القصيدة المغناه بهذا الأسم ( البت سعاد) تحمل أسماً آخر ( محمد ود حنينة) ولكن ( البت سعاد)كرمز صارت محوراً لأربعة قصائد " محمد ود حنينة، طه المدرس، صالح ود قنعنا، العمدة جابر" وقد جاءت جميعها على هذا الترتيب فى آخر ديوانه ( ليل المغنين) ومن ثم نحاول إيجاد توليفة بين هذه القصائد وتحويلها إلى قصة باسم ( البت سعاد) .

توطئة:

يظهر الدوش المسرحي طاغياً على الدوش الشاعر في تصويره العلاقات بين البت سعاد والعديد من الشخصيات بما فيهم محمد ود حنينة والعمدة جابر فى صورة تجسِّد الإسقاطات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وتشمل علاقات التقاطع مابين الوطن ( سعاد) ورموز فئوية( العمدة، المدرس،…الخ) وتتضمن داخلها نوعاً من الصراع الخفى حيناً والسافرأحياناً مع التأكيد على المداليل الرمزية للألفاظ والمسميات ( جابر، المدرِّس، ودخدوم، ودخف الفيل، ود العمدة، ود حنينة،…إلخ).

والذي يقرأ هذه القصائد مجتمعة يري توافر عناصر القصة فيها ليس لانًّ ضروب الأدب تنبع من هم واحد فحسب بل لأن تقنية القصة تتوافر بشكل واضح بدءاً من وحدة الموضوع الذي تدور حول القصة نهاية باتفاق أهدافها مع الأحداث والشخصيات والزمان والمكان، والفرق فى نظري فرق شكلي يتمثل فى العنوان إذ أن كل قصيدة تحمل عنواناً بمفردها ولكن من زاوية أخرى يمكن إعتبارها عناوين فرعية داخل القصة كما يذهب إلى ذلك العديد من القاصين، والفرق الجوهرى الذي جعل من هذه القصص شعراً هو اللغة، فاللغة الشاعرية هى وحدها التي تقف برزخاً بين القصيدة والقصة , وعلى كلِّ نحكى قصة ( البت سعاد) .

قصة البت سعاد:

دقت الدلوكة وكان محمد ود حنينة شارد الذهن موزّع الخاطر، تناهت إلى أسماعة نقرات ( الدلوكة) فأطرق سمعه قليلاً : حقاً إنها دلوكة عرس" تنفس الصعداء ثم زفر انفاسه باردة فالدنيا مازالت بخير. توالت نقرات الدلوكة فقام لتوِّه بتهيئة نفسه للمشاركة في العرس فتكََّك سرواله الطويل ورتق رقعاتٍ فى وسطه وجعل يقفز فرحاً ثم انطلق صوب الحفل وركز من أجل " البت سعاد " لأنه كان يعرف إنها تحب من ( يركز) و ( ينستر) ولو أن ( كل واحدٍ ركز وبالسترة انجلد ) فهى بلاشكِّ تحبُ ( محمد ود حنينة ) ومن العار أن يخيب طنها فيه ولذلك ركز " للحرقة المشت فوق الضلوع تحت الجلد ".

محمد ود حنينه إنسان بسيط ولا يستطيع أن يعبر عما بدواخله من عطف أو إعتراض الاًًَّ إذا غيَّب شخصه واظهر محمد ود حنينة " الآخر " كلما استدعى الموقف ذلك، خرج من الحفل واتجه نحو طرف القرية بعيداَ يحمل زجاجة من " العرقى " أفرغ محتواها فى جوفة وسكر حتى الثمالة ثم عاود الكرة وقفل راجعاً إلى القرية وهناك لاقته ( البت سعاد )نادته بصوتها الحنون : " تعال ! " انساب صوتها كنقرات الدلوكة فلم يتمالك نفسه من شدة الفرح فكبرت رجلة فصارت " نُص فى الأرض، نُص فى النِّعال ".

خرج (محمد ود حنينة الآخر ) من جلبابه فاستعّر الصراع بين ( محمد ود حنينه الأول ومحمد ود حنينة الآخر ) فجعل يتلعثم وأخيراً أنطلق لسانه مذكراً سعاد بما فعلته بعلى ود سكينة :

هيه يا سعاد على ود سكينة وكلتى فى خشمو الرماد

على ود سكينة ومات أسى

و انا بت بلاك ملعون أبوى لوكنت أرضى أعرسها

ثم تصبب عرقاً وأحس بانه يذوب، ينصهر فقال بصوت يبعث عن الشفقة والإنكسار.

أنا يا سعاد وكتين أشوفك ببقى زول

فرشولوا فرش الموت وعاش.

أما سعاد فقد كانت حاضرة بارداتها القوية فانتهرته قائلة " بطّل كلام الجرسة، انجض ياولد " وهنا اختفى محمد ود حنينة ( الآخر ) فتركة يصارع نفسه ويمزق روحه ( نِتَفاً) وأفرغ ما فى جيبة من تمباك وحب وعرقي وأسف وقفل راجعاً من حيث اتى: أفرغ محتوى الزجاجة فى جوفة واسترخى قليلاً، كان صوتها قوياً " انجض يا ولد ". أحسَّ بالنعاس يدب فى مفاصله وجعل يحلم بنبي الله ( الخضر) يحمله فى زحمة من الناس، ولم يكد يعلم إلى أين يذهب به حتى أيقظه صوت العمدة مجلجلاً فى الأركان " مسؤول كبير زاير البلد.. وكت الزول يجي .. لازم تقيفوا صفوف صفوف وتهيجوا الخلا بالكفوف .. وتقولو عاش يحيا البطل " .

وما بين صوت ( العمدة ) وصوت ( سعاد ) الذى مازال يرن صداه فى أغوار القلب البعيدة ظهر ( محمد ود حنينة الآخر ) رجل المواجهات والمهام الصعبة، ظهر فى ثوب ( محمد ود حنينة ) الإنسان البسيط الذى لا يستطيع أن يتحمل لفظة قالتها سعاد ( تعال .. انجض .. بطل كلام الجرسة ) عدل طاقيته الحرير ثم رمى كلامه عفو الخاطر غير مبالٍ بالعمدة ( يا عمدة أختشي .. مسؤل كبير فى الدنيا غير الله انعدم، ما شفنا زول رضع صغار، ما شفنا زول لجَّج بهم .. لاصحينا عاجبنا الصباح ولانمنا غطَّانا العشم ) وجعل يعددِّ على العمدة مساوئ الحياة فى القرية ويندب حظها العاثر، تموَّج صوته وهو يذكر الرنة فى الوتر الأصيل والطفلة والأم والنخيل وفى تلك الأثناء ظهر محمد ود حنينة الاول منسلخاً عن الآخر تحركاً فورياً لا يستطيع محمد ود حنينة الأول فعله، فأوكل الأمر لمحمد ود حنينة الآخر , فخرج لكي يلاقيه عند أطراف البلد بعد ان يتجرع كأساً من ( العرقي البكر ) ، كانت عملية الاحماء والإبدال سريعة،اتقدت عيون محمد ود حنينة الآخر وقفل راجعاً لمواجهة العمدة الذى أعدَّ للأمر عدّته ( عساكر وكلاب وحراب،وكان جوفه مزدحماً بالكلام أراد أن يقول شيئاً ولكنهم أخذوه ورموه فى قاع السجن العمومي).

أنطلق العمدة مزهواً بهذا الانتصار. فهل من أحدٍ يقف أمام تعليمات العمدة وأوامره وهل من أحد ينافسه حب سعاد، ام أنه ذلك الصعلوك ( محمد ود حنينة )الذى تجاسر ووجد ما يستحق !

أصبح الصبح على ( محمد ود حنينة ) وهو فى قاع السجن وعلى العمدة وهو ممسك للشروق بيده ، و قد طوى الغروب فى جيبه أمامه اطباق الشواء والشيشة يطقطق الكرسي تحته وتطلع الأوامر من صلفه ومن قبور أجداده زاحفةٍ نحو الأصاغر والأكابر، تحرج من منابت شعره ونهايات أظافره ومابين رائحة الشواء وقرقرة الشيشة نادى بملء شدقيه (صالح ود قنعنا ) : " يا ولد .. يا انت ..يا صالح ! تعال شِد الحمار و أنده سعاد " وسلّمه حزمة من الأوامر " لما تطلع ليك البت سعاد .. أديها ضهرك يا مغفل" وبكل ما علّمتو ليك من طاعة من ذل من وجل، أمرق حشاى قدامها يلمع بالوجع ." .

صالح ود قنعنا الخضرجي البسيط الذي لفحته حرارة الشمس وقد اصفرت اسنانه، ملَّ بيع الخضروات من جرجير وليمون، يكون بصناعته بلا أوزان و بلا أثمان ثم تكسد، ضاقت عليه سبل العيش الكريم وانتابته الهواجس والظنون " العن ما يهمك زول، أبوك يا سوق سليل الغم، أبو الطورية والمنجل وخال الرجلة عم الدنيا جد الفجلة والفلفل وشكل القفة والكرتونه و الجردل.." .

مالت الأيام وهو يرى (وِليد ) العمدة يرقد على الحرير وينادي" يا سعاد " دون احترام للأعراف والتقاليد وكان لسان حال يقول" داى عندو الهمسة، عندو الغمزة ، عندو اللمسة ، أمر مباح ونقطع من لحمنا الحى ونقعد فوق شحمنا الساح ونهتف نحن مشويين ومقليين دا يا عمدتنا ياهو الصاح " . كان صوت العمدة جهوراً " شد الحمار …. سعاد " فتمنى لو يعطيه العمدة يومين من أجل هذه المهمة أنها الحلم " فرحة الحب المطرز بالمراسيل والغبار".

ماله حُب سعاد يعصف بهؤلاء ؛ العمدة، على ود سكينه، محمد ود حنينه والخضرجى صالح ودقنعنا الذي أصبح ناديها فى نفسة " سعاد ليمون سعاد نعناع، سعاد ميعاد مجاعة وزاد "

كادت اوامر العمدة تخنقه ( أديها ضهرك يا مغفل ) تدخل البيت زي كأنك مارق الآن من جهنمَّ، تحركت الغيرة فى دواخله، والعمدة !! العمدة يأمره أن يلتزم بالأدب والذوق الرفيع ويأمره مرّة أخرى " ولما تطلع ليك سعاد، كون خفيف زى الأمل، ومرة اتقل زى جبل، أوعى تفرح، أوعى تزعل واقصر ايدك من سلام خلى نظرك يكون كفيف" ثم أمره أن يغشى طه المدرس ود خدوم فى طريق العودة " .

وصل ( مرسال العمدة ) إلى طه المدرس والذى كان مشغولاً بتدريس تلاميذه ( حب سعاد ): " يا تلاميذ باسم الله باسم المجد فى أحضان سعاد اكتبوا التاريخ خمستاشر ربيع أول والموافق مولد الايقاع على خطوات سعاد " ثم أمرهم أن يجعلوا فيما بينهم مسافة ً ولما سألوه عن مقدار المسافة أمرهم قائلاً : " قدر المسافة البين عيوني وبين سعاد، قدر آلاف الفواجع فى إنهيارات الحصاد قدر مسحوق الأنين فى تواريخ البعاد " كانت الحصة غريبة، استعصى فهمها على التلاميذ فسألوه عَّما يقول فاستنكر عليهم سؤالهم وأجاب بحرقة وكمد " دا المجنَّن طه اسألوا ود سكينة اسألوا الريح المسافر فى تجاعيد السكينة .. " لم تزل الرسالة حارة يتلظى لهيبها , العمدة يطلبه فى مهمة خاصة ,كان يعلم إنها امر خطير، لاسيما وقد علم بأمر الرسالة التى بعثها العمدة لسعاد، ربما هى نهايته حين يضع رأسه برأس العمدة فالحب كما يقول( محمد ود حنينة ) أصبح نطاحاً وحينما تبين سعاد تبين تفاصيل الشجون والجنون والمقصلة، وتنكشف الحقائق فالعمدة عمدة، والمدرِّس مدرِّس والعمدة يأمر صالح ود قنعنا ليبرز حشاه أمام سعاد وطه المدرسِّ لازال يدرس حبها لتلاميذه ثم يحكي قصته معها " اكتبوا .. عاش فى زمن المذلة المدعو طه ود خدوم، باع تفاصيل الكآبة وعاش يفرغ وتانى يملأ جاع وخيرك يا سعاد مردوم ردوم "، كان صوته يتغلغل فى نفوس التلاميذ وصداه يبلل الجدران بالندى.

يآآآه ما كنه هذا العشق الذى يجتاح مدرساً قال عن نفسه " حتة معلِّم مبتدئ غاوى وبسيط، ولولا أمه ( خدوم) لم يكن سوى لقيط فى حسبان الزمن ! ثم من مشى على حبِّ سعاد وهنا اصبح معلِّما ًوعاشقاً كدرويش حزين ربطت عيناه على خطاها والآن يدعوه العمدة !!

العمدة كان ( عمدة فوق كل الفصول فى التلاميذ، فى الطباشير، فى التعابير، فى النفس) ولما تماثل أمام ناظرية طه رحَّب به وصار يتملقة ( ياطه ود خدوم، أنا عندى انت براك كوم والحلّة كوم، ياخ ديل نقر، فى أحسن الأحوال غجر) ثم طرح له موضوع ( المرسال ): مسوؤل كبير زاير البلد وانت ياطه العماد, انت الفهم ، انت السند) ثم طلب منه أن يلم الصغار ويوزع عليهم الفرحة ويفرش سكتهم طراوةً وورداَ وبعدها يأمرهم بالهتاف تمجيداً للمسئول الزائر ويقولوا : " يحيا ويدوم , عاش البطل " وينبغي ألا يكون الهتاف من أىِّ فم بل ينبغى أن تنهد من جرَّائه ( الحيشان ) لم يتمالك ( ود خدوم) نفسه وهو يسمع حديث العمدة المتملق فصاح فيه: " يا عمدة هوى !" , كانت كلمته نذيراً بكلمات أخرى اشد مرارة، جرت وراء الأحرف خيول، وحامت على الناس القمارى ووزعت سعف النخيل، مشت سحابة وجاءت ربابة , وقامت الزفة فى الطبول .. ذهل الصاحي واستيقظ ( الغافى ) ونطق ( ودخدوم ) بشأن العمدة كفراً : " يا عمدة بالله اختشي، للعودة ما بنفع هتاف، للسوسة ما بفيدك حشي .. علمتنا الجرى فوق جروحنا وقلت أبداً دا المشي .. ياعمدة اخشي مسؤولك الزير الكبير ياريتو بس لو شاف سعاد كان رسم للعفة أوصافا وتقاطيعا ومقياسا، كان دخل للحلة من بابا وشبابيكا وأساسا، كان اتولد برة المتاجرة والمحاورة والمصاهرة والخساسة، كان تاب وباع للصدق مجدو وزمتو يمرق جديد من حر دهاليز النخاسة..".

كانت مفاجأة المفاجآت بالنسبة للعمدة ان يكون هذا رد من أحسن به الظن ولو على سبيل التملق والمسئول على وشك المجئ، ثارت فى دواخله العنجهية والصلف ثم صاح: " مسئول كبير زاير البلد، لا ود خدوم ولا ألف شوم او ألف بوم حيعلِّم الوِز كيف يعوم !" ، ثم مدّ يده على الدفاتر وشطب كل المساخر ما عدا السجن العمومي .وفي السجن كان (محمد ود حنينة) ينتظر يومه والسجن فاغرٌ فمه ينتظر القادم الجديد المدرِّس (طه ود خدوم) هنالك وجد جاره ( ود حنينة ) واخبره قائلاً : " لماّ جاء المسئول " لا زول قام هتف، لا كف مشت بتلاقى كف، والعمدة زى همبول وقف).

الحب فى السجن له مذاقه الذى لا يخلو من الصدق والاستياء . متأففاً كان ( الذى ينتظر يومه ) ولقد سمع الخبر طازجاً من طه المدِّرس(يا صمت أف ، يا دنيا تُفْ وأنا يا سعاد للشوق نغم، للهم علف ) هذا من شأن السجين أما ( صالح ود قنعنا ) فلم يكن أحسن حالاً من صاحبيه , صحيح أنه مازال حراً طليقاً ولكنه مسلوب العزّة يعيش فى الخنوع والذل والمهانة وفى نفسه شئ من حب سعاد لسان حاله مافتئ يردِّد " ايا عزّة نفس بركت متين تسوى لينا جناح، واشيلك يا سعاد وامرق من الزمن الدنى ونباح " أما بلاده فلا يحلم أن يبيع فيها ما فضل من شوق وفى غمرة هذيانه يقول "تطوفني بلاد، أغيِّر فيها شكل القََّفة والأسياد ".

أى حبَّ هذا الذى قتل علي ود سكينة، ورمى فى قاع السجن ( محمد ود حنينة) ( وطه المدرس ) كعصفورين داخل قفص من حديد والذى يغرد خارج القفص ( صالح ود قنعنا ) مازال يحلم أن تكون له اجنحة ليحلق بسعاد بعيداً( من الزمن الدني ونباح) بعيداً حيث يغير ( شكل القفة والأسياد ).

خاتمه:

رأينا ان نحول القصائد الأربعةSadمحمد ود حنينة)، (طه المدرس)، (صالح ودقنعنا)، (والعمدة جابر) إلى قصة مستفيدين من لغة الحكي والحوار التى تزخر بها هذه القصائد والذي يقرأ هذه القصائد مجتمعة يرى أن النصوص القصصية فيها تتفاوت وتتداخل ومن ثم لو امكن يقرأ هذه القصائد مجتمعة يرى إن النصوص القصصية فيها تتفاوت وتتداخل ومن ثم لو أمكن ترتيبها لبانت على هذا النحو بشكل او بآخر، فعلى سبيل المثال تجئ بعض أبيات الشعر فى آخر قصيدة ( محمد ود حنينه ) لتحكى قصة دخول ( طه المدرس ودخدوم ) السجن :

حصَّلنى قبل اليوم يتم / جارنا المدرِّس ودخدوم

قال لي لازول قام هتف / لا كف مشت بتلاقى كف

وهي مشهد سردي لما بعد حكاية ( محمد ود حنينة ) مع العمدة وتأتى بعد ذلك حكاية ( صالح ود قنعنا ) ورسالة العمدة جابر وطه المدرس ومن ثم قصة طه المدّرس وعلاقته بسعاد وموقفه من ( العمدة جابر ) أما قصيدة ( العمدة جابر ود خف الفيل ) فهى موزعة بين هذه المشاهد الثلاثة بالترتيب.

مدثر عثمان النو
نشط ثلاثة نجوم
نشط ثلاثة نجوم


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى