ابوجبيهه


انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

ابوجبيهه
ابوجبيهه
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

قصـــــة واقعية .....رقم (6)

اذهب الى الأسفل

 قصـــــة واقعية .....رقم (6) Empty قصـــــة واقعية .....رقم (6)

مُساهمة من طرف عثمان محمد يعقوب شاويش 1st فبراير 2011, 13:34

:: الحلم تحول إلى كابوس ::


 قصـــــة واقعية .....رقم (6) 23a-na-85106


استغربت عندما بدأت أقرأ القصة المصورة، لأن ما يحدث غير طبيعي ولا يصدقه عاقل، لأن الأحداث تدور حول الحيوانات والطيور في الغابة وهؤلاء يتحاورون مع بعضهم، لكن ذلك لا يحدث في الحقيقة بين الحيوانات والطيور التي رأيتها وعندما سألت المعلمة في الفصل عن حيرتي، ضحكت طويلا، ثم أجابتني بأن ذلك من الخيال فقط ولا يحدث بالفعل وأنني محقه في تساؤلي وأنا في هذه السن إذا لم أكن تجاوزت العاشرة من عمري، وشجعتني المعلمة على المزيد من القراءة والمطالعة خاصة عندما وجدت عندي شغفا باقتناء القصص وروايات الأطفال، وعشقت ذلك وامتلك كل اهتمامي ووقتي، أحاول أن أزور مكتبة المدرسة كل يوم تقريبا لاستعير قصة جديدة أعيش مع أحداثها وألغازها وأبطالها سواء كانوا من البشر أو الحيوانات أو الطيور، أتخيل نفسي بينهم، أشاركهم ما يواجهون من أزمات ومواقف، وقد يصيبني الرعب أحيانا مما يقع وأفرح عندما تأتي النهاية السعيدة.

أصبح هذا هو عالمي الخاص الذي لا يعرفه الكثيرون من أقراني وزملائي، وجدت فيه كل متعة اكثر مما يجده الآخرون في كل الألعاب بشتى أنواعها، فكنت طفلة تقتني الكتب، ولا تقتني العرائس والدمي والدباديب وغيرها، وظهر ذلك على شخصيتي وتصرفاتي وأصبحت أتحدث اللغة العربية الفصحى في معظم تعاملاتي اليومية، ولأنني لم أكن قد أتقنتها بعد، فقد سألت أبي مرة عن الوقت فبدلا من أن أقول “كم الساعة؟”، قلت “الساعة الكام”، فضحك أبي كما ضحكت معلمتي من قبل، لكن في الحقيقة لم يكن رد فعله من قبيل الاستهزاء بي، وإنما من قبيل الاستغراب والتعجب والمفاجأة، ثم شجعني على مسيرتي، هذا بالرغم من أن عائلتي تخلو من المهتمين بالثقافة والقراءة، فكنت مثل شجرة في الصحراء، حتى أنني كنت استغرب حالتي في بعض الأحيان، فالتلاميذ والتلميذات لا يهمهم إلا الكتب الدراسية والمقررات والمناهج، هذا إذا اهتموا بها.
وواصلت السير في الدرب الذي اخترته وعشقته، وها أنا ذا من رواد المكتبات العامة، وأتابع البرامج المتخصصة وتعرفت من خلالها على عشرات الأدباء والكتاب والشعراء، أعيش عالمهم، وأتابع أعمالهم وأنشطتهم وإنتاجهم، وانتقلت إلى مرحلة أوسع بحضور الندوات واللقاءات التي يتم الإعلان والنشر عنها في الصحف ووسائل الإعلام الأخرى، فالتقي بهؤلاء المشاهير وجها لوجه وأنا لا أصدق نفسي، إنهم نجوم في السماء، فكيف صعدت اليهم من الأرض؟ وازدادت سعادتي وتجرأت على الدخول معهم في المناقشات والحوارات وازداد حرصي على حضور كل المناسبات الثقافية بجميع أنواعها.
أما الليلة التي شهدت ميلادي الأدبي، فتلك التي كان الأديب الكبير “أمين” “وبالطبع هذا ليس اسمه الحقيقي” يوقع مجموعته القصصية الجديدة، ويقرأ بعض نماذج منها ويقدمها لكبار المتخصصين الذين أثنوا عليها بكل كلمات وعبارات المديح، قالوا إنها نقلة في القصة القصيرة، ستغير مفاهيمها، مثلما فعلت الحرب العالمية الثانية في خريطة الكرة الأرضية ومستقبل العالم بعدها، ذكروا حينها أوصافا كثيرة لا استطيع أن أتذكرها كلها، في مضمونها تؤكد أن الرجل فعل ما لم تفعله الأوائل، والمفاجأة الكبرى التي لم تكن أبدا في حسباني ولا حساباتي، عندما قام الأستاذ “أمين” يوزع النسخ على كبار الحضور، وإذا به يقدم لي نسخة مثلهم، بل وعليها إهداء خاص كتب فيه “إلى الزميلة العزيزة”، الكاتبة الصاعدة الواعدة، صاحبة القلم الرشيق، والمستقبل الباهر، أقدم هذه المجموعة القصصية من أحدث أعمالي، أرجو أن تنال قبولك”.
لم أصدق أنه يكتب لي هذه الكلمات الساحرة خصيصا، حتى كأنه هزني بعنف، عندما مد يده بها وهو يقول: أود أن اسمع رأيك عندما تفرغين من قراءتها. تلعثمت وضاعت من رأسي كل مفردات اللغة من عامية وفصحى، لم تسعفني ولا كلمة واحدة لأرد عليه، أحسست بقشعريرة في جسدي كله، بالكاد استجمعت شجاعتي وقدمت له الشكر والامتنان، وانفض الجمع والحفل. عدت إلى البيت، لم أتناول العشاء مع أسرتي، وادعيت أنني تناولت طعامي في الخارج، بينما في الحقيقة كانت كلمات الأستاذ “أمين” تحدث طنينا في أذني، تتكرر على مسامعي باستمرار رغما عني، ومع هذا فأنا سعيدة بها، وأكمل سعادتي وأنا أعيد قراءة الكلمات المعدودة التي كتبها في إهدائه، حتى أنني لا أدري كم مرة قرأتها، لكن بلا مبالغة أجزم أنها اكثر من مئة مرة، لقد حظيت باهتمام خاص يستحق وقفة مع النفس، فلابد أن الرجل يقصد ما قال وما فعل، انطلقت أقرأ قصصه وأنا أتخيل أنني بطلة كل قصة حب، وأتخيله هو البطل. وبعدها بيومين وكأنني مسلوبة الإرادة، أدرت قرص الهاتف واتصلت به، جاءني صوته هادئا رقيقا اكثر مما اعتدت أن اسمعه مباشرة، تحدثنا في أشياء كثيرة، ربما يكون معظمها غير مهم وفي موضوعات شتى، وقد شجعني على اهتماماتي، مع الأخذ في الاعتبار عدم إهمال الدراسة فهي مهمة لمستقبلي العملي، وأنا الآن في السنة الأولى بالجامعة، فاستشعرت منه حرصا على مصلحتي.
تعددت لقاءاتي به، وأصبحت يومية، لا يمر يوم دون أن أراه وأتحدث معه وأنظر إلى عينيه، حتى جاءتني مفاجأته الثانية عندما طلب مني أن أستمع الى قصيدة كتبها يتغزل فيها بجمالي وقوامي وملابسي وعطري ويهيم بالعيون والأنف والفم والشعر، ولأنني مثقفة فإنني أعلم أن أعذب الشعر أكذبه، ومن المؤكد أنه بالغ كثيرا في أوصافي، ومع ذلك فقد صدقته، وعشت ذلك على أنه حقيقة لا خيالا، وبعث بداخلي الإعجاب به، أو بالأحرى الحب، فأنا أحبه منذ أن كنت أراه يتحدث عبر التلفاز، أو في الندوات واللقاءات، وبعد هذه الجلسة القصيرة الصريحة، اعترفت له بحبي ومشاعري نحوه، وبدأنا نتعامل كعاشقين، لكن لا نعيش على الأرض وإنما نحلق في السماء مع النجوم والقمر، أرسم لحياتي معه صورة من خيالي، حياة ملؤها السعادة، لم يعشها أحد قبلي، ولن تتكرر على مر السنين.
ازداد اهتمامه بي أكثر، يصطحبني في جميع لقاءاته وندواته، ويقدمني لمن لا يعرفونني بأنني الأديبة الكبيرة والكاتبة الفذة، والعبقرية المتفجرة، جعلني أذوب فيه كما يذوب السكر في الماء فلا يبدو له أثر إلا بالتذوق، كنت كذلك وامتزجت شخصيتي في شخصيته، تملكني وسيطر على كياني، أتعجل اللحظة التي سيفاتحني فيها بطلب يدي وخطبتي، ولم تبعد هذه الخطوة طويلا، وإذا به يفعلها، بل واكثر منها، اختصر الزمن والمسافات، وطلب الزواج مباشرة، وأقنعني بأننا لسنا مثل الآخرين، يجب ألا نكون مثلهم ونمر بفترة الخطوبة والإعداد والاستعداد وتأثيث شقة الزوجية، كدت أطير فرحا، وعلى استحياء قلت له سأحدد لك موعدا مع أبي، فكرت في مقولته بأننا لسنا مثل الآخرين، فلم أفهم ما يرمي إليه، اعتقدت أنه يريد أن يكون زواجنا عرفيا، فنفى ذلك تماما، واكد أن زواجنا سيكون رسميا موثقا على يد مأذون شرعي، وإنما فقط دون أن يعرف أبي، وعدم إعلامه لأنه سيرفض هذه الزيجة برمتها، أولا لأنني مازلت في نظرة صغيرة، ولم أنته من دراستي بعد، وثانيا لأنه يعتبر أن حبيبي هذا من الصعاليك الذين لا يحبون الاستقرار ولا يهتمون به، ويحبون أن يعيشوا على حريتهم دون تحمل أي مسؤولية، وأقنعتني حجته وأسبابه، وخشيت إن رفضت ان يضيع مني ويتركني، ووافقت على خطته.
بالفعل كانت ليلة عرس فريدة مختلفة، لم يحدث مثلها من قبل، فقد أحضر حبيبي اثنين من أصدقائه وتوجهنا إلى مكتب المأذون الشرعي وتم عقد قراننا بعد أن شهد صديقاه على العقد، وخرجنا نحن الأربعة إلى مطعم شعبي نتناول عشاء بسيطا مثل الذي نتناوله في أي ليلة سابقة، ثم تركنا صديقاه الى حال سبيلنا، وانتقلت أنا وزوجي إلى مقهى قريب، وبعد حوال ساعة اصطحبني الى عشنا، ذهبنا في وسيلة مواصلات عامة بين الدهماء، لم يحدث أي مظهر من مظاهر العرس، توجهنا الى شقته المتواضعة، التي تسيطر عليها فوضى العزوبية، كتب ومجلات وصحف ملقاه هنا وهناك، وملابس معلقة بالمسامير أو في كومة على الأرض، السرير غير منظم، كل شيء يعلوه التراب وعنوانه اللامبالاة، وبعد ما انتصف الليل شعرت بحجم الخطأ الذي ارتكبته، بل هو جرم عظيم، وأنا أتخيل الآن أمي وأبي وكيف سيكون حالهما، وهما يبحثان عني، وإخوتي يبكون، فكانت ليلة حزينة بائسة، بدلا من أن تكون ليلة العمر!!
بعد يومين كانا الأسوأ في حياتي، لم اعرف فيهما النوم ولا الراحة، اتصلت بأمي وأخبرتها بما حدث، فأصيبت بإغماء، وفقدان الوعي، وبعدما أفاقت أخبرت أبي بالفاجعة، وكانت الصدمة أقوى منه واستطاع أن يصل إلى مكاني، طأطأت رأسي خجلا، لكن سبق السيف العزل، ووقعت الواقعة، لم أجد من كلمات الأسف والاعتذار ما يمكن أن يصحح هذه الخطئية، نعم هي زيجة على سنة الله ورسوله، لكنها في عيون المجتمع جريمة، لأن الناس لا يعرفون الأسباب والدوافع والظروف، ولأنني تزوجت من وراء ظهر أسرتي. وبعد تفكير عميق وطويل وصل أبي إلى حل للخروج من هذا المأزق، اقترح أن أعود معه، ويخبر الجيران بأنني كنت عند إحدى قريباتي، ثم يأتي زوجي ليخطبني منه أمام الناس، وبعد فترة يتم الزواج مرة أخرى صوريا، ووجدت في الفكرة مخرجا عظيما، لكن زوجي كان يخشى ألا يعيدني أبي إليه، وبدأنا جميعا في تمثيل أدوارنا، فبعد أسبوع واحد جاء زوجي ليخطبني وتمت الخطوبة في حفل صغير حضره الأقارب، وبعد أيام قليلة ثم تحديد ليلة الزفاف، لم يتحمل زوجي أي شيء من النفقات، بل قام أبي بتجديد شقته بسرعة وأشترى لنا أثاثا جديدا وأقمنا حفل عرس دعونا له الأهل والجيران وانتقلت إلى بيت زوجي استكمالا للتمثيلية الهزلية. أما كبرى المفاجآت التي عرفتها بعد ذلك بقليل أن كل من حولنا كانوا يعرفون الحقيقة العارية بكل تفاصيلها ودقائقها، كأننا كنا نخدع انفسنا.
وبدأت حياتي مع زوجي رغم رفض أسرتي المغلوبة على أمرها، وبدأت الحقائق المرة تتوالى، فهو شخص غريب ظاهرة بخلاف باطنه، شعره وكتاباته على عكس طبيعته، هذه نقرة وتلك نقرة أخرى عنده، استغل خطأي ومارس كل الضغوط على أبي ليلبي له كل مطالبه، وينفق علينا، منعني من حضور الندوات واللقاءات، بل ومن القراءة وتحول من أقصى اليمين الى أقصى اليسار، تحملت في البداية بدافع الحب، ثم بدافع الحفاظ على طفلتنا التي رزقنا بها مبكرا، وتلتها الطفلة الثانية مباشرة، فأصبحت مقيدة بسلاسل أقوى من الحديد، غير قادرة على الفكاك من أسره، أخاف على الصغيرتين الضياع والتشرد، وأواصل التضحية بنفسي من أجلهما حتى لا يحدث لهما ما حدث لي، وندمت حين لا ينفع الندم!
عثمان محمد يعقوب شاويش
عثمان محمد يعقوب شاويش
مشرف منتدى شخصيات من ابى جبيهه
مشرف منتدى شخصيات من ابى جبيهه


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى