كوابيس ورؤى بنطلون (لبنى) .. و .. قرنتية (هاشم) (1ــ4)
5 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
كوابيس ورؤى بنطلون (لبنى) .. و .. قرنتية (هاشم) (1ــ4)
كوابيس ورؤى
بنطلون (لبنى) .. و .. قرنتية (هاشم)
(1ــ4)
بنطلون (لبنى) .. و .. قرنتية (هاشم)
(1ــ4)
قطرة ... قطرة ينزف الحزن من عيون المجرة
ويستريح الهوان في بياض ملاءات الأسرة
هذه المدينة تكره الفعل وتستجير بالتماهي والنواهي
يشقشق فيها بالنميمة ، وتبخيس النصال، جرذان النضال
من يتامى اليمين وأهل الوصاية من (تفل) اليسار،
على أركان المجالس والنواصي .
طوبى لمن غافل خوفه وأصبح (مثيراً للجدل)
وأناخ بعير عذابه على مرايا الأهل
وعض البنان على الجروح، وأرخى الجسارة ، على دموع المقل
ياسادتي كانت الظهيرة والمساء اللذان سبقا ذلك الصباح المجنون آيتين من آيات جدل الظاهر والباطن مما يدخل في هتك عرض ( الخطوط الظاهرية) و (الولوج) الى جوهر الأشيا.
تحت سقف الظهيرة وانا أقف في وسط (سوق بانت) العتيق أمام بقالة (مدني) أبتاع بعض الأشياء ، لسع طبلة أذني ضجيج يعلو من مشاجرة عنيفة بين شخصين متشنجين وصلا ذروة انفعالهما وهما يوشكان أن يمسكا بتلابيب بعضهما البعض ، و( الحجازون ) يحاولون فض الاشتباك باستماتة ، والغبار والشتائم يعلوان الى عنان السماء.
قلت لنفسي وأنا أتبين ملامح قطبي الصراع الدرامي في تلك الموقعة
- الجماعة ديل مالهم كل يوم متشاكلين ... وكل يوم متصالحين زي الشفع؟
وابتسمت لنفسي ، وانا اتذكر حلقات (ركن الأطفال) السياسي ، مشاكسات وخلافات وصدامات (الشريكين) ، الخلاف ، الصلح ، ثم الخلاف من جديد .. وهلمجرا .
حين استدرت من أمام البقالة كان (الحجازون) قد أفلحوا في فض الاشتباك بين المتعاركين بالقوة ،وكان أحدهما يحاول جاهداً أن يفلت من قبضة الممسكين به وهو (يرفس) بقوة بقدميه ، ثم رفع عقيرته بصوت غاضب ومتحشرج مخاطباً خصمه وكأنه يفحمه بواحدة من دٌرر الأقوال المأثورة لأحد المشاهير من الفلاسفة .
- شوف ... والله انا زي ما قال كمال ترباس ... زي البيبسي ... تشربني أهضم ليك ... تخُجنِّي أطلع بي نخريك .
عندها انفجرت ضاحكاً بصورة جعلت (سباليق) دكان (صالح اليماني) (سابقاً) تترنح هي الأخرى بالقهقهة، حتى أوشكت أن تسقط من أعلى سقف الدكان المتهالك الذي (أكل الدهر عليه وشرب )
تذكرت وانا أرنو بذاكرتي الى (نهايات) ستينات القرن الماضي و (بدايات) سبعيناته، وأمام (دكان صالح اليماني) نفسه ، أو تحت عمود الكهرباء القريب ، كنا وبعض الاصدقاء من أبناء الحي منهم عثمان حامد سليمان ، وبعد أن
نقرأ الكتب الجديدة والقديمة
نأتي لنجادل ونسامر
ونسة في ركن اليماني
ندوة في النادي الفلاني
مافي زولاً كان (مِدبرس)
أو مشتت أو يعاني .
نكته ... والضحك انفجار
كنا بنعرف الهظار ...
تذكرت كيف كنا نحفظ الأقوال المأثورة (لكافكا) و(بودلير) و( توفيق الحكيم ) ، و(نجيب محفوظ ) ، وبعض مقاطع الصور الروائية من ( موسم الهجرة إلى الشمال)، ومن مسرحيات وأشعار وأقوال ( سارتر ، وجومو ، ونزار ، وبعض أبطال اليسار) !!!.
عندما اوشكت أن الج من بوابة منزلي ، ولا زال غبار المشاجرة، والضجيج من خلفي، ولم ينجلِ، كان هناك من أقصى الشارع الجانبي، شمال باب منزلي، (رجل يسعى). كان أحد ظرفاء الحي ، جهور الصوت ، مثقف ، و(متابع) ، مملوء البدن ، تسبقه دائما قبل الكلمات، ضحكة مجلجلة شهيرة.
ابتدرني، وكعادته، من أقصى الشارع، فهو لا يبدأ ضحكة أو حديث أو شغب بعد أن يصل إليك ، وإنما يبدأ الضجيج من حيث رآك
- أنت أقعد حوم لي كده ... لابس سفنجتك وطاقيتك ... وشابكنا قصايد صالح عام ... وقرنتية ... وما عارف شنو... وأقعد مفلس ... شفت البت التفتيحة دي عملت قروش قدر شنو ؟!
صحت بدوري اسأله وهو يتقدم نحوي، ويعاود القهقهة .
- منو دي ؟!
- صاح باسم، وكأني سمعته، وضجيج ما تبقى من مشاجرة (السوق) يطارد طبلة أذني
- غُرزة
ضحكت وأنا أقول
- أي عارف.... والله انا قايل نفسي مثقف ومتابع ... لغاية ماقريت تحقيق صحفي عملوهو مع البت دي ... أول مره اسمع بيها ... قالت عندها عربيتين ... وعربية للعازف بتاعها ... و ...
كان عند الكلمات الأخيرة ، قد وصلني الى أمام منزلي تماما ، ثم سألني باستغراب .
- عندها عازف ؟!!
- طبعاً ... يعني بتغني بالرق
ثم استدعيت تهكمية تهبط على لساني دائما عندما يصبح (شر البلية ما يضحك)
- تخيل وانا حالتي عامل نفسي مثقف ومتابع .. طلعت لا مثقف ... لا متابع ... لأنو في تاني فنانه ظهرت وانا ماعارفها ... لأنو غرزة لما سألوها في التحقيق الصحفي عن أقرب صديقاتها في الوسط الفني ... قالت (عوضية عذاب)
- إنت بتتكلم عن منو ؟
- ياها ( غرزة ) ... نجاة غرزة ... عندها ياسيدي ما شاء الله عربيتين ... وانا عندي سفنجة ... وجزمة ... ومركوبين ...
ثم ضحكت وانا أقول له
- كمان قالت عندها أغنية اسمها (ورا ... ورا) شوهوها ليها لأنو النص الأصلي ما هابط .
عندها انفجر ضاحكاً بإفراط ، وجسده الضخم يهتز يمنة ويسرة وللأمام والخلف ، وهو يمارس صخبه الضحوك حتى ارتجت أركان السوق وانتبه بعض المارة.
- ياخي نجاة غرزة شنو . انت بقيت ما بتسمع كويس ياهاشم ؟...
معقول ( لبنى ) ... تكون سمعتها ( غرزة )
ثم عاد يرفع عقيرة ضحكه المجنون الى عنان الفضاء
سألته وكل مسام وعيي تسعى (للتجميع) والانتباه
- لبنى ؟!
- أيوه
- لبنى منو ؟!
- لبنى أحمد حسين ... الصحفية
- مالها ؟
- بنطلونها جاب مليارين يورو
- باعو بنطلونها .. جاب مليارين يورو ؟
- ياخي باعوهو شنو ؟!
ثم أسرف في سرد التفاصيل بأريحية يحسد عليها ، ولفت نظري الى صحيفة (الأحداث) عدد السبت الاسبوعي يوم 14/11/2009م ، وكان هو نفس اليوم ، وكنت حينها ، وبعد قليل سأذهب الى مباني صحيفة الأحداث لتصحيح ، ومراجعة ، نص قصيدتي الجديدة ( حكاية الوردة ... والشارع ) ومتابعة إخراجها الفني .
لا ادري لماذا طارت نبرتي التهكمية ، وهبطت على غصن حزن ( الذاتي ) و(الموضوعي ) بلبلة أصابتني ، لأن ظريف الحي كان تعليقه في نهاية سرده للقصة ، لا يشبه (عنصر المناقشة ) لحدث إعلامي أو اجتماعي أو سياسي ، بعد نهاية الأحداث ، لا كما يجب أن يكون عليه (عنصر المناقشة ) في مسرحية للكاتب النرويجي الواقعي (هنريك إبسن ) الذي استمات في الدفاع عن ذاتية المرأة وكينونتها ( وللبنى أحمد حسين ) قدر من شرف الدفاع عن ذاتيتها ، وكينونتها ، كامرأة (جمع ) ، وليس (كذات) ، مهما تباينت الرؤى ، وزوايا النظر ، وذلك ( عنصر للمناقشة ) أتناوله بالمفهوم (الإبسني) في هذه المقالات ، والحقه بمواقف أخرى حقيقية وواقعية ، تتعلق وتتصل بهذه (المرأة الإنسانة ) في شأن الحق ، والخير والجمال.
الذي يهم الآن ، أنه وفي حديث (ظريف الحي) كان التعليق في النهاية لا يخرج من عنصر (الختام) في مسرحية كلاسيكية يونانية (لأسخليوس) أو (سوفوكليس) . هي فقط (قفلة) درامية مأساوية لا ترى أبعد من الخطوط الظاهرية ، وتلج الى جوهر الأشياء . وهي مستمدة من ( شمار) العامة، وإن كان ( شمار العامة ) اشبه بشمار المثقفين . والمثقفون ( خشم بيوت ) لو تعلمون .
عاد(ظريف الحي ) يطلق قصف ضحكته المجلجلة وهو يحدق في ملامح وجهي الذي هربت من قسماته، السلاطة التهكمية، ثم حاصرني بأسئلة متوالية وسريعة وكأنه محقق في غرفة التوقيف .
- عليك الله ياهاشم ... انت هاشم ده ... كتبت كم مسرحية؟!!
- أربعة - تلاتة عرضوهم ... وواحدة لسه في الدُرج ... كلما يشيلها مخرج يرجعها لي ... وهو عرقان ... ونفسو قايم ، تقول المسرحية انا كتبتها في ورق كانت ملفوفة فيهو شطة... ويقول لي ، خليها معاك .. رجعها الدرج ياخوي ... خليها الى زمن تاني ... زمن أفضل
ثم ارتفع صوتي بغبن وصحت وكأني أخاطب جمهوراً في ندوة عامة.
- هو الزمن دا بيجي متين ؟!... عليك الله حسه الجماعة ديل لو فازوا في الانتخابات الجاية دي ... أها ... تاني في طريقة لانتفاضة محمية أو انتفاضة سلمية ؟!
كادت أن تقتله ضحكته ... اهتز كجبل وشخر خلال ضحكه، وكأنه حوت ( يشفط ) هواء فضاء البحر وهو يطفو بحجمه الاسطوري ... وتجاهل سؤالي وعاد يطلق زخات الأسئلة من جديد .
- وكتبت كم مسلسل إذاعي ؟
- ستة ... واحد الله يفتح عليهم سمعوني ليها في السجن ... وواحد وقفوه وسنسروهو (وفرحت أمو ) .... والباقيات خلوهم .
- وكم ديوان شعري ؟
- عييييك ... اتناشر ... فيهم أربعة طبعة ثانية وتالتة ... وبرضو كمان في المجموعة الشعرية الكاملة الأولى ... و... وفي دواوين جديدة تحت الطبع ... و...
- أها وكم برنامج إذاعي وتلفزيوني ... وصفحات في الجرايد ...و ...
- ياخي الحاجات دي كتيرة ... انت عايز تذكرني التاريخ ؟... عاوز تقول شنو في النهاية ؟!
تجاهل سؤالي وعاد يواصل مطر الأسئلة.
- عليك الله ياهاشم ... انت هاشم ده ... وقبل ما نمشي للحاجات التانية ، حسه العملتو ده كلو ... كسبت منو شنو ؟!... وكم مليون ؟
- كم مليون ؟ ياخي ملايين شنو ؟ ... والله غير معاشي ، البنزل في حسابي بعد يوم عشرين في الشهر، ما عندي والله شئ مضمون .
- ومعاشك كم ؟!
- ميه وستين جنيه بالقديم
شهق كوحيد القرن اصابه سهم مسوم
- ياراااااجل ؟
- والله
- وبتأكل من وين ؟!
- باكل في خاطري (ضحكت في مرارة ) مرات بتجي القروش من المكتبات ... دواوين الشعر و...
- تعويض التلفزيون ... أكلتو ؟!
- قاعد زي ما هو وديعة في البنك ... ما صرفت منه جنيه واحد .
- ليه ؟
- مشروع ... قلت أبيع نصيبي في بيت الورثة ... ومع قروش تعويض التلفزيون ... أقوم أعمل أكاديمية أمدرمان لفن الممثل .
قلتها متقعراً وكأنني أدلي بتصريح لقناة الجزيرة ... ولكن فلتت منه جملة جرحتني.
- هاشم انت عوير.
- ليه يأخي.
- هو الناس ديل خلوك تعمل برنامج في التفزيون لامن يخلوك تعمل أكاديمية ؟
- حسن أخوي برضو قال لي كدا... بس ماقال لي انت عوير زيك ... لكن كلامكم صاح ... بعدما أعمل أكاديمية ... يقوموا الحاسدين يقولوا للحكومة ... دي ما أكاديمية ... ده وكر للشيوعيين .
- طبعاً
- ويقومو يصادروها
- مؤكد
- ويدوها لعلي مهدي
- انت قايل بعيد
- وعلي مهدي يقوم يعمل مؤتمر صحفي ... يهدي ألأكاديمية لـ I.T.I أو لـ Y.W.Z
- والـ W.Y.Z دي شنو كمان ؟!
- انا عارف ؟ ... مؤكد علي مهدي يكون عندو W.Y. Z
وعاد ( ظريف الحي ) يضحك وهو يدور حول نفسه مثل درويش تلبسته (نوبه) حلبة الذكر ... ولا ادري لماذا خرجت بعدها عن بنطلون (لبنى) الى (جبة) علي مهدي و (طاقيته) الخضراء .
- حسه عليك الله علي مهدي دا ... لا بس الجبة بتاعته والطاقية الخضراء دي ... حسه لو قاسو المسافة القطعتها الطيارات البركبها كل يوم ... مش كانت وصلت القمر.
- قمر شنو ؟ ... كان وصل المريخ.
- كل يوم مسافر ... مرة لندن ... مرة باريس ، مرة امستردام ... مرة فرانكفورت ... مرة تركيا ... لف أوروبا وآسيا وأمريكا كلها ... دا غير البلدان العربية ... البلدان العربية يقزقز بيها ساكت ... وأنا آخر سفرة لي كانت بالبص للقضارف .
- ما انت مضيقها على روحك براك ... شابكنا النضال ، وشرف الكلام ... وماعارف شنو ... حسه عليك الله لقيت شنو ؟!
رددت عليه وكأنني خطيب أمام حشد كبير.
- كيف ياخي ... احترام الشارع والشعب ( ثم تذكرت موقفاً) والله انا مشيت يوم اشتري حاجات من شارع الأربعين ... صاحب البقالة قال لي انت نبضنا وحبنا ... ومعاني صمودنا ... كلام جميل كتير لما قربت أبكي .
- وحلف طبعاً ما يشيل منك القروش ... مش ؟
- لا
- عمل ليك خصم ؟
- لا شال مني حتى بي ثمن أكتر ... قال الأسعار زادت ... قال لي عليك الله أكتب قصيدة ضد الحكومة ... عشان زادوا الأسعار .
- وكتبتها ؟
- لسه ... الأيام دي شغال في قصيدة ... طلبوها ناس ... عن تغيير موقف المواصلات من السوق العربي للأستاد ... ثم السكة حديد
- كدي نرجع لي موضوعنا ... عليك الله ياهاشم ... انت هاشم دا ... غير الحاجات الكتبتها وانتجتها ... ومالقيت منها حاجة ... انت حسه قبضوك كم مرة ؟
جرحتني كلمة قبضوك وانفجرت غاضباً
- شنو كمان حكاية قبضوك دي ... أنا ببيع بنقو .. ولا ست عرقي ؟!
ولكنه انفجر ضاحكاً ضحكة مدوية بصوته الجهور ... وتأرجح حتى كاد أن يسقط مثل جبل في قبضة الزلزال
- طيب معليش ... اعتقلوك كم مرة ؟!
- زمان ولا حسه ؟
- زمان وحسه
تلفت يمينا ويسارا وكأني أكتشف الشارع
- أيام نميري تلاتة مرات ... وتحقيق في مكتب وزير و...
- أها.. وحسه ؟
لا أدري لماذا عدت أتلفت متوجساً أكثر من المرة السابقة .
- هي الحقيقة ... استدعاءات ... أربعة مرات لأربعة قصائد ... تخيل ؟! ... واحدة منهمن ودونا انا وأخوي (شجرابي) نيابة الجرائم الموجهة ضد الدولة .
- ليه ... دي ... قصيدة ... ولا محاولة انقلاب ؟!
- لا قصيدة اسمها صالح عام ... نشرناها في جريدة المشاهد
ضحك وكأنه لا يعترض على مكان الاستدعاء بعد سماعه لاسم القصيدة
- عارفا ... كان أخير بدل (صالح عام) تعملوا محاولة انقلاب .
- والله ... والله العظيم ... الزرزرة الزرزروني ليها في قصيدة (قرنتية ) ... خلتني كلما أشوف لي قرنتية في التفزيون ... أو أشوف صورتها في مجلة أو جريدة ... اتحسبن ... وأقرأ آية الكرسي عشرين مرة .
صاح (ظريف الحي ) منتفضا وهو يضرب بظاهر كفه اليمنى ، باطن كفه اليسرى .
- وطيب
- طيب شنو ؟!
- خليك تفتيحه ياهااااشم ... يعني مافااااهم ؟
- لا تقصد شنو ؟!
ومال بوجهه نحو وجهي ... وخرج صوته وكأنه يخرج من أغوار سحيقة بخاطرة مدهشة وذكية .
- حسه عليك الله ياهاشم ... بنطلون (لبنى ) ولا قرنتية هااااشم؟
ونواصل[/font]ويستريح الهوان في بياض ملاءات الأسرة
هذه المدينة تكره الفعل وتستجير بالتماهي والنواهي
يشقشق فيها بالنميمة ، وتبخيس النصال، جرذان النضال
من يتامى اليمين وأهل الوصاية من (تفل) اليسار،
على أركان المجالس والنواصي .
طوبى لمن غافل خوفه وأصبح (مثيراً للجدل)
وأناخ بعير عذابه على مرايا الأهل
وعض البنان على الجروح، وأرخى الجسارة ، على دموع المقل
ياسادتي كانت الظهيرة والمساء اللذان سبقا ذلك الصباح المجنون آيتين من آيات جدل الظاهر والباطن مما يدخل في هتك عرض ( الخطوط الظاهرية) و (الولوج) الى جوهر الأشيا.
تحت سقف الظهيرة وانا أقف في وسط (سوق بانت) العتيق أمام بقالة (مدني) أبتاع بعض الأشياء ، لسع طبلة أذني ضجيج يعلو من مشاجرة عنيفة بين شخصين متشنجين وصلا ذروة انفعالهما وهما يوشكان أن يمسكا بتلابيب بعضهما البعض ، و( الحجازون ) يحاولون فض الاشتباك باستماتة ، والغبار والشتائم يعلوان الى عنان السماء.
قلت لنفسي وأنا أتبين ملامح قطبي الصراع الدرامي في تلك الموقعة
- الجماعة ديل مالهم كل يوم متشاكلين ... وكل يوم متصالحين زي الشفع؟
وابتسمت لنفسي ، وانا اتذكر حلقات (ركن الأطفال) السياسي ، مشاكسات وخلافات وصدامات (الشريكين) ، الخلاف ، الصلح ، ثم الخلاف من جديد .. وهلمجرا .
حين استدرت من أمام البقالة كان (الحجازون) قد أفلحوا في فض الاشتباك بين المتعاركين بالقوة ،وكان أحدهما يحاول جاهداً أن يفلت من قبضة الممسكين به وهو (يرفس) بقوة بقدميه ، ثم رفع عقيرته بصوت غاضب ومتحشرج مخاطباً خصمه وكأنه يفحمه بواحدة من دٌرر الأقوال المأثورة لأحد المشاهير من الفلاسفة .
- شوف ... والله انا زي ما قال كمال ترباس ... زي البيبسي ... تشربني أهضم ليك ... تخُجنِّي أطلع بي نخريك .
عندها انفجرت ضاحكاً بصورة جعلت (سباليق) دكان (صالح اليماني) (سابقاً) تترنح هي الأخرى بالقهقهة، حتى أوشكت أن تسقط من أعلى سقف الدكان المتهالك الذي (أكل الدهر عليه وشرب )
تذكرت وانا أرنو بذاكرتي الى (نهايات) ستينات القرن الماضي و (بدايات) سبعيناته، وأمام (دكان صالح اليماني) نفسه ، أو تحت عمود الكهرباء القريب ، كنا وبعض الاصدقاء من أبناء الحي منهم عثمان حامد سليمان ، وبعد أن
نقرأ الكتب الجديدة والقديمة
نأتي لنجادل ونسامر
ونسة في ركن اليماني
ندوة في النادي الفلاني
مافي زولاً كان (مِدبرس)
أو مشتت أو يعاني .
نكته ... والضحك انفجار
كنا بنعرف الهظار ...
تذكرت كيف كنا نحفظ الأقوال المأثورة (لكافكا) و(بودلير) و( توفيق الحكيم ) ، و(نجيب محفوظ ) ، وبعض مقاطع الصور الروائية من ( موسم الهجرة إلى الشمال)، ومن مسرحيات وأشعار وأقوال ( سارتر ، وجومو ، ونزار ، وبعض أبطال اليسار) !!!.
عندما اوشكت أن الج من بوابة منزلي ، ولا زال غبار المشاجرة، والضجيج من خلفي، ولم ينجلِ، كان هناك من أقصى الشارع الجانبي، شمال باب منزلي، (رجل يسعى). كان أحد ظرفاء الحي ، جهور الصوت ، مثقف ، و(متابع) ، مملوء البدن ، تسبقه دائما قبل الكلمات، ضحكة مجلجلة شهيرة.
ابتدرني، وكعادته، من أقصى الشارع، فهو لا يبدأ ضحكة أو حديث أو شغب بعد أن يصل إليك ، وإنما يبدأ الضجيج من حيث رآك
- أنت أقعد حوم لي كده ... لابس سفنجتك وطاقيتك ... وشابكنا قصايد صالح عام ... وقرنتية ... وما عارف شنو... وأقعد مفلس ... شفت البت التفتيحة دي عملت قروش قدر شنو ؟!
صحت بدوري اسأله وهو يتقدم نحوي، ويعاود القهقهة .
- منو دي ؟!
- صاح باسم، وكأني سمعته، وضجيج ما تبقى من مشاجرة (السوق) يطارد طبلة أذني
- غُرزة
ضحكت وأنا أقول
- أي عارف.... والله انا قايل نفسي مثقف ومتابع ... لغاية ماقريت تحقيق صحفي عملوهو مع البت دي ... أول مره اسمع بيها ... قالت عندها عربيتين ... وعربية للعازف بتاعها ... و ...
كان عند الكلمات الأخيرة ، قد وصلني الى أمام منزلي تماما ، ثم سألني باستغراب .
- عندها عازف ؟!!
- طبعاً ... يعني بتغني بالرق
ثم استدعيت تهكمية تهبط على لساني دائما عندما يصبح (شر البلية ما يضحك)
- تخيل وانا حالتي عامل نفسي مثقف ومتابع .. طلعت لا مثقف ... لا متابع ... لأنو في تاني فنانه ظهرت وانا ماعارفها ... لأنو غرزة لما سألوها في التحقيق الصحفي عن أقرب صديقاتها في الوسط الفني ... قالت (عوضية عذاب)
- إنت بتتكلم عن منو ؟
- ياها ( غرزة ) ... نجاة غرزة ... عندها ياسيدي ما شاء الله عربيتين ... وانا عندي سفنجة ... وجزمة ... ومركوبين ...
ثم ضحكت وانا أقول له
- كمان قالت عندها أغنية اسمها (ورا ... ورا) شوهوها ليها لأنو النص الأصلي ما هابط .
عندها انفجر ضاحكاً بإفراط ، وجسده الضخم يهتز يمنة ويسرة وللأمام والخلف ، وهو يمارس صخبه الضحوك حتى ارتجت أركان السوق وانتبه بعض المارة.
- ياخي نجاة غرزة شنو . انت بقيت ما بتسمع كويس ياهاشم ؟...
معقول ( لبنى ) ... تكون سمعتها ( غرزة )
ثم عاد يرفع عقيرة ضحكه المجنون الى عنان الفضاء
سألته وكل مسام وعيي تسعى (للتجميع) والانتباه
- لبنى ؟!
- أيوه
- لبنى منو ؟!
- لبنى أحمد حسين ... الصحفية
- مالها ؟
- بنطلونها جاب مليارين يورو
- باعو بنطلونها .. جاب مليارين يورو ؟
- ياخي باعوهو شنو ؟!
ثم أسرف في سرد التفاصيل بأريحية يحسد عليها ، ولفت نظري الى صحيفة (الأحداث) عدد السبت الاسبوعي يوم 14/11/2009م ، وكان هو نفس اليوم ، وكنت حينها ، وبعد قليل سأذهب الى مباني صحيفة الأحداث لتصحيح ، ومراجعة ، نص قصيدتي الجديدة ( حكاية الوردة ... والشارع ) ومتابعة إخراجها الفني .
لا ادري لماذا طارت نبرتي التهكمية ، وهبطت على غصن حزن ( الذاتي ) و(الموضوعي ) بلبلة أصابتني ، لأن ظريف الحي كان تعليقه في نهاية سرده للقصة ، لا يشبه (عنصر المناقشة ) لحدث إعلامي أو اجتماعي أو سياسي ، بعد نهاية الأحداث ، لا كما يجب أن يكون عليه (عنصر المناقشة ) في مسرحية للكاتب النرويجي الواقعي (هنريك إبسن ) الذي استمات في الدفاع عن ذاتية المرأة وكينونتها ( وللبنى أحمد حسين ) قدر من شرف الدفاع عن ذاتيتها ، وكينونتها ، كامرأة (جمع ) ، وليس (كذات) ، مهما تباينت الرؤى ، وزوايا النظر ، وذلك ( عنصر للمناقشة ) أتناوله بالمفهوم (الإبسني) في هذه المقالات ، والحقه بمواقف أخرى حقيقية وواقعية ، تتعلق وتتصل بهذه (المرأة الإنسانة ) في شأن الحق ، والخير والجمال.
الذي يهم الآن ، أنه وفي حديث (ظريف الحي) كان التعليق في النهاية لا يخرج من عنصر (الختام) في مسرحية كلاسيكية يونانية (لأسخليوس) أو (سوفوكليس) . هي فقط (قفلة) درامية مأساوية لا ترى أبعد من الخطوط الظاهرية ، وتلج الى جوهر الأشياء . وهي مستمدة من ( شمار) العامة، وإن كان ( شمار العامة ) اشبه بشمار المثقفين . والمثقفون ( خشم بيوت ) لو تعلمون .
عاد(ظريف الحي ) يطلق قصف ضحكته المجلجلة وهو يحدق في ملامح وجهي الذي هربت من قسماته، السلاطة التهكمية، ثم حاصرني بأسئلة متوالية وسريعة وكأنه محقق في غرفة التوقيف .
- عليك الله ياهاشم ... انت هاشم ده ... كتبت كم مسرحية؟!!
- أربعة - تلاتة عرضوهم ... وواحدة لسه في الدُرج ... كلما يشيلها مخرج يرجعها لي ... وهو عرقان ... ونفسو قايم ، تقول المسرحية انا كتبتها في ورق كانت ملفوفة فيهو شطة... ويقول لي ، خليها معاك .. رجعها الدرج ياخوي ... خليها الى زمن تاني ... زمن أفضل
ثم ارتفع صوتي بغبن وصحت وكأني أخاطب جمهوراً في ندوة عامة.
- هو الزمن دا بيجي متين ؟!... عليك الله حسه الجماعة ديل لو فازوا في الانتخابات الجاية دي ... أها ... تاني في طريقة لانتفاضة محمية أو انتفاضة سلمية ؟!
كادت أن تقتله ضحكته ... اهتز كجبل وشخر خلال ضحكه، وكأنه حوت ( يشفط ) هواء فضاء البحر وهو يطفو بحجمه الاسطوري ... وتجاهل سؤالي وعاد يطلق زخات الأسئلة من جديد .
- وكتبت كم مسلسل إذاعي ؟
- ستة ... واحد الله يفتح عليهم سمعوني ليها في السجن ... وواحد وقفوه وسنسروهو (وفرحت أمو ) .... والباقيات خلوهم .
- وكم ديوان شعري ؟
- عييييك ... اتناشر ... فيهم أربعة طبعة ثانية وتالتة ... وبرضو كمان في المجموعة الشعرية الكاملة الأولى ... و... وفي دواوين جديدة تحت الطبع ... و...
- أها وكم برنامج إذاعي وتلفزيوني ... وصفحات في الجرايد ...و ...
- ياخي الحاجات دي كتيرة ... انت عايز تذكرني التاريخ ؟... عاوز تقول شنو في النهاية ؟!
تجاهل سؤالي وعاد يواصل مطر الأسئلة.
- عليك الله ياهاشم ... انت هاشم ده ... وقبل ما نمشي للحاجات التانية ، حسه العملتو ده كلو ... كسبت منو شنو ؟!... وكم مليون ؟
- كم مليون ؟ ياخي ملايين شنو ؟ ... والله غير معاشي ، البنزل في حسابي بعد يوم عشرين في الشهر، ما عندي والله شئ مضمون .
- ومعاشك كم ؟!
- ميه وستين جنيه بالقديم
شهق كوحيد القرن اصابه سهم مسوم
- ياراااااجل ؟
- والله
- وبتأكل من وين ؟!
- باكل في خاطري (ضحكت في مرارة ) مرات بتجي القروش من المكتبات ... دواوين الشعر و...
- تعويض التلفزيون ... أكلتو ؟!
- قاعد زي ما هو وديعة في البنك ... ما صرفت منه جنيه واحد .
- ليه ؟
- مشروع ... قلت أبيع نصيبي في بيت الورثة ... ومع قروش تعويض التلفزيون ... أقوم أعمل أكاديمية أمدرمان لفن الممثل .
قلتها متقعراً وكأنني أدلي بتصريح لقناة الجزيرة ... ولكن فلتت منه جملة جرحتني.
- هاشم انت عوير.
- ليه يأخي.
- هو الناس ديل خلوك تعمل برنامج في التفزيون لامن يخلوك تعمل أكاديمية ؟
- حسن أخوي برضو قال لي كدا... بس ماقال لي انت عوير زيك ... لكن كلامكم صاح ... بعدما أعمل أكاديمية ... يقوموا الحاسدين يقولوا للحكومة ... دي ما أكاديمية ... ده وكر للشيوعيين .
- طبعاً
- ويقومو يصادروها
- مؤكد
- ويدوها لعلي مهدي
- انت قايل بعيد
- وعلي مهدي يقوم يعمل مؤتمر صحفي ... يهدي ألأكاديمية لـ I.T.I أو لـ Y.W.Z
- والـ W.Y.Z دي شنو كمان ؟!
- انا عارف ؟ ... مؤكد علي مهدي يكون عندو W.Y. Z
وعاد ( ظريف الحي ) يضحك وهو يدور حول نفسه مثل درويش تلبسته (نوبه) حلبة الذكر ... ولا ادري لماذا خرجت بعدها عن بنطلون (لبنى) الى (جبة) علي مهدي و (طاقيته) الخضراء .
- حسه عليك الله علي مهدي دا ... لا بس الجبة بتاعته والطاقية الخضراء دي ... حسه لو قاسو المسافة القطعتها الطيارات البركبها كل يوم ... مش كانت وصلت القمر.
- قمر شنو ؟ ... كان وصل المريخ.
- كل يوم مسافر ... مرة لندن ... مرة باريس ، مرة امستردام ... مرة فرانكفورت ... مرة تركيا ... لف أوروبا وآسيا وأمريكا كلها ... دا غير البلدان العربية ... البلدان العربية يقزقز بيها ساكت ... وأنا آخر سفرة لي كانت بالبص للقضارف .
- ما انت مضيقها على روحك براك ... شابكنا النضال ، وشرف الكلام ... وماعارف شنو ... حسه عليك الله لقيت شنو ؟!
رددت عليه وكأنني خطيب أمام حشد كبير.
- كيف ياخي ... احترام الشارع والشعب ( ثم تذكرت موقفاً) والله انا مشيت يوم اشتري حاجات من شارع الأربعين ... صاحب البقالة قال لي انت نبضنا وحبنا ... ومعاني صمودنا ... كلام جميل كتير لما قربت أبكي .
- وحلف طبعاً ما يشيل منك القروش ... مش ؟
- لا
- عمل ليك خصم ؟
- لا شال مني حتى بي ثمن أكتر ... قال الأسعار زادت ... قال لي عليك الله أكتب قصيدة ضد الحكومة ... عشان زادوا الأسعار .
- وكتبتها ؟
- لسه ... الأيام دي شغال في قصيدة ... طلبوها ناس ... عن تغيير موقف المواصلات من السوق العربي للأستاد ... ثم السكة حديد
- كدي نرجع لي موضوعنا ... عليك الله ياهاشم ... انت هاشم دا ... غير الحاجات الكتبتها وانتجتها ... ومالقيت منها حاجة ... انت حسه قبضوك كم مرة ؟
جرحتني كلمة قبضوك وانفجرت غاضباً
- شنو كمان حكاية قبضوك دي ... أنا ببيع بنقو .. ولا ست عرقي ؟!
ولكنه انفجر ضاحكاً ضحكة مدوية بصوته الجهور ... وتأرجح حتى كاد أن يسقط مثل جبل في قبضة الزلزال
- طيب معليش ... اعتقلوك كم مرة ؟!
- زمان ولا حسه ؟
- زمان وحسه
تلفت يمينا ويسارا وكأني أكتشف الشارع
- أيام نميري تلاتة مرات ... وتحقيق في مكتب وزير و...
- أها.. وحسه ؟
لا أدري لماذا عدت أتلفت متوجساً أكثر من المرة السابقة .
- هي الحقيقة ... استدعاءات ... أربعة مرات لأربعة قصائد ... تخيل ؟! ... واحدة منهمن ودونا انا وأخوي (شجرابي) نيابة الجرائم الموجهة ضد الدولة .
- ليه ... دي ... قصيدة ... ولا محاولة انقلاب ؟!
- لا قصيدة اسمها صالح عام ... نشرناها في جريدة المشاهد
ضحك وكأنه لا يعترض على مكان الاستدعاء بعد سماعه لاسم القصيدة
- عارفا ... كان أخير بدل (صالح عام) تعملوا محاولة انقلاب .
- والله ... والله العظيم ... الزرزرة الزرزروني ليها في قصيدة (قرنتية ) ... خلتني كلما أشوف لي قرنتية في التفزيون ... أو أشوف صورتها في مجلة أو جريدة ... اتحسبن ... وأقرأ آية الكرسي عشرين مرة .
صاح (ظريف الحي ) منتفضا وهو يضرب بظاهر كفه اليمنى ، باطن كفه اليسرى .
- وطيب
- طيب شنو ؟!
- خليك تفتيحه ياهااااشم ... يعني مافااااهم ؟
- لا تقصد شنو ؟!
ومال بوجهه نحو وجهي ... وخرج صوته وكأنه يخرج من أغوار سحيقة بخاطرة مدهشة وذكية .
- حسه عليك الله ياهاشم ... بنطلون (لبنى ) ولا قرنتية هااااشم؟
عدل سابقا من قبل نزار الكير الخوجلابى في 29th يونيو 2010, 21:31 عدل 1 مرات
نزار الكير الخوجلابى- عضو نشط
كوابيس ورؤى بنطلون(لبنى)... و.. قرنتية (هاشم) (2ـ4)
كوابيس ورؤى
بنطلون(لبنى)... و.. قرنتية (هاشم) (2ـ4)
هاشم صديق
طوبى للذين يقولون ما يفعلون
يصنعون الحياة
يخرجون من (خسيس) العواصف
نفيس المواقف
وزهو الثمار
يتركون للآخرين القعود المزل
وقيح النميمة
تحت ظل الجدار
(قطع)
قرنتية
لا دست سلع
في الخيش
لا شربت
مريسة العيش
لاضبطوها
في التفتيش
لا سجنوها
شالوا (الفيش)
لا صعلوكة
لبست (شورت)
لا بتعرف
شنو (البظبورت)
لا محتاجة جنسية
قرنتية
لا دبابة برمائية
لا جاسوسة مدسوسة
لا غواصة روسية.
صاح ظريف (الحي) منتفضاً، وهو يضرب بظاهر كفه اليمنى، باطن كفه اليسرى
- وطيب
- طيب شنو؟!
- خليك تفتيحة ياهااااااشم.... يعني مافااااااهم؟!
- لا تقصد... شنو؟!
- ومال بوجهه نحو وجهي... وخرج صوته وكأنه يخرج من أغوار سحيقة بخاطرة مدهشة وذكية.
- حسه عليك الله ياهاشم... بنطلون (لبنى)... ولا (قرنتية) هااااشم؟
- برضو ما فاهم
صاح وهو يجاهد في الشرح، وكأنه يتحدث لشخص لا يفهم ولا يستوعب بيسر
- ياخي معقول ما فاهم... وحالتك عامل ناقد، وكاتب درامي.. وما عارف شنو؟
لسعتني كلمات (وحالتك عامل ناقد، وكاتب درامي)... ولكني كظمت غيظي وتركته يسترسل.
- هاشم استثمر العذاب والصراع والمعاناة... خليني من معاناة (الوحي)... ومعاناة الفقر، وغبار الكادحين، ونبض الشارع... ونبض الكاريكاتير... وما عارف شنو... حسه عليك الله... انت هاشم ده... مصدق انو معاناة الفقر تخلق الإبداع؟!.
حينها ضقت زرعاً لأنني أحسست بأن (ظريف الحي)...(شعرة جلدو رقدت) لدرجة أنه يريد أن يحاضرني في (الأسس الفنية للإبداع الفني)..
ثم مالبث أن ضرب لي مثلاً كاد يخرجني من طوري تماماً
- حسه عليك الله... انت هاشم ده... عارف الشاعر الكتب عن أطفال غزة، ونشروا ليهو قصيدتو صفحة كاملة في جريدة، وكمان بالألوان، زي قصايدك بقاعة الكادحين، والغبش، والتراب، والجروف... وما عارف شنو... والبنشرها ليك عادل الباز دي.
ثم (مصمص شفاهه) بطريقة أصدرت صوتاً وكأنه (يمصمص) في (كوارع) في تلذذ وانبساط في عشاء (قعدة) في زمان (الجاهلية)... ثم قال
- هو إن شاء الله عادل الباز دا ذاتو يكون بيديك قروش... وما يكون بغشك... يقول ليك من أجل الوطن... ومن أجل الجماهير والكادحين.
ثم عاد للموضوع بسرعة وكأنه يقود عربة سباق احتكت بالسور للحظات وعادت للمدرج من جديد
- شفت الشاعر دا... عندو مليارات ومصانع... وشركات... قرووووش كتيرة ذي الرُز... والله أكتر من مليارات اليورو الجابهم بنطلون لبنى.
تذكرت الشاعر الذي يتحدث عنه (ظريف الحي)
- آي عرفتو... وانا قايل نفسي مثقف ومتابع... لغايت ما سمعت بيهو قريب ده... اسمو (الكاهن)
ضحك هذه المرة وهو يقفز ويدور حول نفسه وكان في ضحكه وهو يلف ويدور حول نفسه بجسده الضخم، يثير الغبار والضجيج، وكأنه (هندي أحمر زعيم) في رقصة الحرب، ثم رويداً رويدا أناخ بعير ضجيجه وضحكه، وصاح وهو (يُصحح) لي اسم الشاعر باستنكار وكأنني أخطأت في نطق اسم أحد أصحابه
- اسمو الكاردينال... الكارديناااااااال يا أستاذ... مش الكاهن.
اغتظت، وتلبستني نزعة تهكمية (رباطابية)
- ياخي الكاهن... الكاردينال... الكنيسة... الكاثوليك... أها... غلطت في البخاري؟!
وتذكرت استضافة قناة سودانية لهذا الشاعر، وكان يتحدث عن حالة (الانفعال) و(الوحي) الذي تلبسه وهو يشاهد مأساة (أطفال غزة) في التلفزيون في شقته بالقاهرة وكان حينها يحزم (شنطته) في طريقه للخرطوم، تحدث عن (الوحي) الذي (رافقه) في (السياره) ، ثم جلس معه في الـ COFFEE SHOP بالمطار ، ثم تحدث عن أنه قد طلب من شخص كان يجلس معه أن يتركه وحده لأن الحالة التي لتبسه وهو يكتب القصيدة لا تسمح بوجود شخص معه ، ... الخ ، حينها سالت نفسي عن (مصانع الشعر) و (مصانع الألحان) وأساطين المال في وطني . تذكرت أن المذيع والمذيعة كانا يحدقان في الرجل بتبتل واعجاب وهو ينثر الدرر في شأن (الوحي والقصيدة) ... ودراسة الجدوى (لمصنع الأسماك) الذي سوف يتجاوز عائد (النفط في المركز) و..و..و... وحمدت الله أنهم بعد أن (أخرجوني) من (التلفزيون القومي) قبل ستة عشر عاماً لم أدخل من بوابة (فضائية) في وطني من جديد لأني لا أتقن لغة وثقافة (السودان الجديد) .
اخرجني ظريف الحي من (سرحتي) المؤلمة
- شوف ياهاشم أعمل كتاب ذي لبنى ... استثمر المعاناة والعذاب ... وخلي أصحابك يعملو ليه تسويق في الانترنت ... شوف ياهاشم ...
ومد ظريف الحي يده (كالحاوي) واخرج من جيب بنطاله الخلفي صحيفة ، تبينت أنها العدد الاسبوعي لصحيفة (الأحداث) . أدار الى وجهي الصفحة الأولى بالصحيفة وهو ( يناغمني بصوت متهدج ومنفعل) وهو ينظر لي نظرة (ملحاحة) مثل البائع (الشاطر) الذي يتقن لعبة (إغراء) المشتري ، ويعرف كيف تكون (بوابة الدخول) الى عقله ، وكيانه ، وأخذ يقرأ العناوين وهو يضغط و(يمط) الكلمات بصورة مضحكة
- بنطلون لبنى يحصد 2 مليار جنيه
وارتفع صوته أكثر
- نصف مليون نسخة مبيعات كتاب لبنى قبل تدشينه
ثم قام (بتوريط) نفسه عندما بدأ يقرأ بصوت عالي
- 40 COUPS DE.. FO.. FOU
وبعد أن أخذته التأتأة والحيرة ... أدار الى وجهي الصحيفة
- دي شنو ... FOU… FOU… شنو ياهاشم ؟!
- ده فرنساوي .. ما انقليزي ... ده عنوان الكتاب
ضحك بافراط وكأنه يضحك على شخص اخر وليس نفسه ، ثم عاد ينظر للصحيفة
- ايوه ...أيوه ... أهو العنوان هنا بالعربي ...
وأخذ يقرأ من جديد
- الذي اختارت له عنوان (أربعون جلدة لإرتداء بنطال) ... وبحسب معلومات مؤكدة تحصلت عليها الأحداث أن الكتاب ...
توقف عن القراءة فجأة ورفع رأسه ونظر الي
- انت ياهاشم ... انشاءالله الجماعة ديل في التحقيقات العملوها معاك دي ... يكونو برضو جلدوك
اغتظت حتى أوشكت أن انفجر
- لا ماجلدوني
- دقوك ؟
- لا .
- كفتوك ؟
- لا
- لزلزوك ؟
- لا ... لكن قعدوني في كرسي وقبلوني على الحيطة ساعة ونص قبل ما يدخلوني التحقيق
ثم قلت له بصوت مغتاظ وكأنني اشكو لطوب الأرض والأمم المتحدة ولاهاي ، وكمان سالوني عن اسمي عشرين مرة ... كل ما اقول اسمي المحقق يخت ايدو جنب أضانو ويقول لي
- قلت منو؟... ما سامع
- هاشم صديق
- قلت منو... أرفع صوتك... بس فالح تكورك في الليالي الشعرية ... قرنتية لا دبابة برمائية... لا جاسوسة روسية ... أرفع صوتك ... قلت اسمك منو ؟
- هاشم صدييييييييييق ياجنابو
- قلت منو ؟
- هاشم صديق الملك
- الملك منو ؟
- علي
- علي منو ؟
- علي الفحل
- الفحل منو ؟
- الفحل محمد
- محمد منو ؟
- محمد صالح المك عمارة جبارة الملك شاويش ... أها ياجنابو ... ده اسمي واسم العائلة لغاية التركية السابقة ... لو داير زيادة ارجع لكتاب بروفيسير عون الشريف قاسم
انفجر يضحك وهو يميل الى الخلف وأخذ يدي وهو يجرني الى (الظل) في مواجهة باب المنزل ... شعرت وهو يجذبني من يدي وجسده الضخم يهتز بالضحك ، وكأني على سلم (دفار) ساعة الذروة يزحف على دقداق في شوارع امدرمان ... واحسست بالرعب لأنه قادني الى الظل ، مما يعني أن هذا الحوار المجنون سيطول ويطول ... اشتقت الى الدخول لمنزلي وكأنني مسافر ارهقه الطريق والسفر
- تعرف ياهاشم أهو نوع الأسئلة السألك ليها المحقق دي ... لازم تكتبها في الكتاب ... دي طبعاً ...
- ثم خرج صوته متقعراً وكأنه يُفتي في حوار (مع قناة العربية)
- دي أحدث اساليب التعذيب في الزمان المعاصر ... التعذيب بالتكرار ... والتكرار الممل
- آي ... زي تصريحات المؤتمر الوطني ... والحركة الشعبية ... والمعارضة
ثم اردفت وكأني أبكي
- حسه عليك الله ... الانتخابات دي تجي متين عشان نرتاح ... انشاءالله بعدها يفوز كيجاب
- كيجاب ما مرشح
- المهم أي زول ... أي حزب ... بس نرتاح من النقة المتكررة دي
- نرتاح ...؟! ... نرتاح شنو ؟ ما بعد داك حاتجي نقة الانتخابات مزورة ... وعدم الشفافية ... ويطالبو المجتمع الدولي بالتدخل ... وتقوم مشاكل ... والجنوب ينفصل ... ودارفور برضو ... وبورتسودان ... ودنقلا .. ووادي سيدنا ... والكلاكلة صنقعت ... والعرضة شمال ... وجنوب ... وكافوري ... والحاج يوسف ...و..
- ليه دي انتخابات ... ولا موقف مواصلات
انفجر ضاحكاً ... (ورصع)ظهري بكفه (السمينه) حتى ارتجت مفاصلي وأخذت اسعل ... وأسعل ...
لكنه لم يرحمني ... نظر للصحيفة من جديد ... وجذبني حتى التصق كتفه بكتفي ووضع الجريدة في مواجهة وجهينا معاً
- شوف ياهاشم البت التفتيحة دي قسمت الكتاب ده كيف
وأخذ يقرأ
- عشرة فصول ... الفصل الأول (ليلة القبض) ...انت طبعاً حتقول ... حتقول
رفع بصره للسماء وهويفكر وكأنه في انتظار رحمة السماء بفكرة مجنونة
- حتقول ... حتقول ... أيووووه ... حتقول ليالي القبض والـ... والـ الاستعداءات والأستدعاءات
- نظر الي بزهو مضحك
- شفت ياعَبِد ... شفت العنوان دا مجنون كيف ؟
عندها رايت إبنة أخي الصغرى (آمنة) تركض نحو باب منزلي وهي تلهث ، وقبل أن تصل الى مدخله راتني ، فصاحت وهي متقطعة الأنفاس .
- عمو بابا قال ليك حبوبه عشه ماتت ... قاليك ألبس قوام ... عشان نحصل الدفن في المقابر
قفزت وصحت كأني أهتف
- قوليهو ... عشرة دقائق بس أكون لبست وجيتك
تحركت وانا أودعه وكأني وجدت طريقاً بعد يأس للخروج من مصيدة . ولكنه لاحقني صائحاً .
- انت فرحان كده مالك ... ده بكا ولا عقد ؟!
- لابكا ... بس حبوبتنا دي مره كبيره ... عمرها ميه وعشرين سنة
- وحسه تكون ماتت بشنو ؟
صحت غاضباً وساخراً
- تكون ماتت في الوضوع ... ياخي أقول ليك عمرها ميه وعشرين سنه ... تقول لي ماتت بي شنو ؟
انفجر بالضحك حتى ارتج الظل والحائط والسوق ، وكل شئ ... وكدت انا أن اشاركه الضحك عندما رأيته رغم عاصفة الضحك يرفع يديه (بالفاتحة) ليعذيني في (حبوبتي) ، بعدها صاح في أثري وانا أوشك على الدخول من باب المنزل
- بجيك المسا ... نتم باقي الكلام
- المسا .. لسه بنكون ما رجعنا من بيت البكا
- خلاص بجيك بعد ماترفعوا الفراش
- بعدها ... حأكون سافرت
- وين ؟
- بره ... بره السودان
وعندما أغلقت الباب ورائي تماماً كان يصيح بأعلى ماتمكنه حبال صوته الجهور
- وين ؟!.. وين .. انشاءالله فرنسا ياهاشم ... لو فرنسا أعمل الكتاب هناك بالفرنساوي زي لبنى .
عدت منهكاً في المساء ... كانت كل مسام جلدي تولول وتئن ، وكانت هناك في الحلق غصة وطيور الكآبة تهبط على أم رأسي ، ثم تطير وتهبط على كتفي فينؤ الجسد بحملها ، وتصطحت مفاصل الدواخل ، وأعصاب الكوابيس والرؤى . كان يوماً استثنائياً ومجنوناً في كل شئ . حتى في المقابر وانا أقف على حافة قبر حبوبتي ، لاحقني سوط (التراجيكوميديا) يلهب كياني ، وذلك عندما رنت (نغمة الرسائل) في (موبايلي) الذي نسيته مفتوحاً في جيب (جلابيتي) ، أخرجت الموبايل ، وفتحت الرسالة ، وعندما طالعتها ، وكانت برقم (دون اسم) ، شهقت بضحكة كتمتها بوضع كفي على فمي بقوة ... شعرت بيد تًربت على ظهري وكانت لأحد المشيعين الذي ظن أنني أحاول أن أكتم نوبة بكاء داهمتني ، حزناً على (حبوبتي عائشة)
- يا استاذ شد حيلك ... عيب ... الفقد كبير ... نعم ، لكن حبوبتك سعيدة العاشت مية وعشرين سنه
(ثم مال على أذني مداعباً وهامساً)
- حبوبتك دي دبيب؟!
عندها لم اتمالك نفسي ، فقد ارهقتني مفارقات اليوم بكل تفاصيلها ، خرجت من بين المشيعين مسرعاً ، أضع يدي على فمي بقوة وانا اتأرجح يمنة ويسرة حتى وصلت الى عربة شقيقي ، فتحت باب المقعد الأمامي ، وجلست وانا أغلق الباب ،وثم ، لدهشتي ، تركت لنفسي العنان وكأنني مركب يئس ربانها من الوقوف في وجه العاصفة ، فتركها لرحمة الموج ، والريح ، والرعد ... ، والقدر ، وجدت نفسي امتطي موجة ضحك خرافي استلهمت أحداث اليوم المجنون بكل تفاصيله .
كان مشهدي وانا أضحك بجنون ، داخل عربة ، وسط المقابر ، والمشيعون على مرمى حجر حول قبر (حبوبتي) وكأنه مشهد من مسرحية (عبثيه) (لصمويل بيكيت) ، أو (بوجين يونسكو) أو (هارولدبنتر) وكانت (النكتة) التي وصلتني (بلا اسم لمرسلها) وسط المقابر ، في يوم مجنون ، هي ذروة المأساة ، وقمة الكوميديا . كانت (النكته) صفيقة ، وعبثية ، وشرعية و(مسطولة) تقول
- واحد اتزوج ليهو واحده خشمها كبير ، لما يجي يبوسها ، يقول ليها صفري
ضحكت .. وضحكت .. وضحكت .. وانا أرفس بقدمي بقوة حتى ارتجت العربة والمقابر .
في المساء ، ومسام جسدي تئن وتصرخ ، وانا اتمدد على سريري في باحة المنزل ، كان وجه لبنى أحمد حسين يطل بازغاً من فروع (النميمة) المنتصبة وسط الظلام . نفخت بوعيي بقوة على (غبار) و(شمار) الخطوط الظاهرية ، فانفتح قلبي وعقلي على (جوهر) موقف لفتاة (تملأ العين وتفضل) .
تذكرت تفاصيل معرفتي بها ايام صحيفة الصحافة (قبل الشراكة الذكية) وكان رئيس تحرير الصحيفة آنذاك صديقي كمال حسن بخيت ، وكانت (لبنى) تكتب عمودها الشهير (كلام رجال) . وذات صباح صدرت (الصحافة) وفي صفحتها الأولى إعلان صغير يقول ...
- غداً في الصحافة ... (لبنى أحمد حسين تكتب ... ماذا بين المؤتمر الوطني الشعبي ... وهاشم صديق)
نواصـلبنطلون(لبنى)... و.. قرنتية (هاشم) (2ـ4)
هاشم صديق
طوبى للذين يقولون ما يفعلون
يصنعون الحياة
يخرجون من (خسيس) العواصف
نفيس المواقف
وزهو الثمار
يتركون للآخرين القعود المزل
وقيح النميمة
تحت ظل الجدار
(قطع)
قرنتية
لا دست سلع
في الخيش
لا شربت
مريسة العيش
لاضبطوها
في التفتيش
لا سجنوها
شالوا (الفيش)
لا صعلوكة
لبست (شورت)
لا بتعرف
شنو (البظبورت)
لا محتاجة جنسية
قرنتية
لا دبابة برمائية
لا جاسوسة مدسوسة
لا غواصة روسية.
صاح ظريف (الحي) منتفضاً، وهو يضرب بظاهر كفه اليمنى، باطن كفه اليسرى
- وطيب
- طيب شنو؟!
- خليك تفتيحة ياهااااااشم.... يعني مافااااااهم؟!
- لا تقصد... شنو؟!
- ومال بوجهه نحو وجهي... وخرج صوته وكأنه يخرج من أغوار سحيقة بخاطرة مدهشة وذكية.
- حسه عليك الله ياهاشم... بنطلون (لبنى)... ولا (قرنتية) هااااشم؟
- برضو ما فاهم
صاح وهو يجاهد في الشرح، وكأنه يتحدث لشخص لا يفهم ولا يستوعب بيسر
- ياخي معقول ما فاهم... وحالتك عامل ناقد، وكاتب درامي.. وما عارف شنو؟
لسعتني كلمات (وحالتك عامل ناقد، وكاتب درامي)... ولكني كظمت غيظي وتركته يسترسل.
- هاشم استثمر العذاب والصراع والمعاناة... خليني من معاناة (الوحي)... ومعاناة الفقر، وغبار الكادحين، ونبض الشارع... ونبض الكاريكاتير... وما عارف شنو... حسه عليك الله... انت هاشم ده... مصدق انو معاناة الفقر تخلق الإبداع؟!.
حينها ضقت زرعاً لأنني أحسست بأن (ظريف الحي)...(شعرة جلدو رقدت) لدرجة أنه يريد أن يحاضرني في (الأسس الفنية للإبداع الفني)..
ثم مالبث أن ضرب لي مثلاً كاد يخرجني من طوري تماماً
- حسه عليك الله... انت هاشم ده... عارف الشاعر الكتب عن أطفال غزة، ونشروا ليهو قصيدتو صفحة كاملة في جريدة، وكمان بالألوان، زي قصايدك بقاعة الكادحين، والغبش، والتراب، والجروف... وما عارف شنو... والبنشرها ليك عادل الباز دي.
ثم (مصمص شفاهه) بطريقة أصدرت صوتاً وكأنه (يمصمص) في (كوارع) في تلذذ وانبساط في عشاء (قعدة) في زمان (الجاهلية)... ثم قال
- هو إن شاء الله عادل الباز دا ذاتو يكون بيديك قروش... وما يكون بغشك... يقول ليك من أجل الوطن... ومن أجل الجماهير والكادحين.
ثم عاد للموضوع بسرعة وكأنه يقود عربة سباق احتكت بالسور للحظات وعادت للمدرج من جديد
- شفت الشاعر دا... عندو مليارات ومصانع... وشركات... قرووووش كتيرة ذي الرُز... والله أكتر من مليارات اليورو الجابهم بنطلون لبنى.
تذكرت الشاعر الذي يتحدث عنه (ظريف الحي)
- آي عرفتو... وانا قايل نفسي مثقف ومتابع... لغايت ما سمعت بيهو قريب ده... اسمو (الكاهن)
ضحك هذه المرة وهو يقفز ويدور حول نفسه وكان في ضحكه وهو يلف ويدور حول نفسه بجسده الضخم، يثير الغبار والضجيج، وكأنه (هندي أحمر زعيم) في رقصة الحرب، ثم رويداً رويدا أناخ بعير ضجيجه وضحكه، وصاح وهو (يُصحح) لي اسم الشاعر باستنكار وكأنني أخطأت في نطق اسم أحد أصحابه
- اسمو الكاردينال... الكارديناااااااال يا أستاذ... مش الكاهن.
اغتظت، وتلبستني نزعة تهكمية (رباطابية)
- ياخي الكاهن... الكاردينال... الكنيسة... الكاثوليك... أها... غلطت في البخاري؟!
وتذكرت استضافة قناة سودانية لهذا الشاعر، وكان يتحدث عن حالة (الانفعال) و(الوحي) الذي تلبسه وهو يشاهد مأساة (أطفال غزة) في التلفزيون في شقته بالقاهرة وكان حينها يحزم (شنطته) في طريقه للخرطوم، تحدث عن (الوحي) الذي (رافقه) في (السياره) ، ثم جلس معه في الـ COFFEE SHOP بالمطار ، ثم تحدث عن أنه قد طلب من شخص كان يجلس معه أن يتركه وحده لأن الحالة التي لتبسه وهو يكتب القصيدة لا تسمح بوجود شخص معه ، ... الخ ، حينها سالت نفسي عن (مصانع الشعر) و (مصانع الألحان) وأساطين المال في وطني . تذكرت أن المذيع والمذيعة كانا يحدقان في الرجل بتبتل واعجاب وهو ينثر الدرر في شأن (الوحي والقصيدة) ... ودراسة الجدوى (لمصنع الأسماك) الذي سوف يتجاوز عائد (النفط في المركز) و..و..و... وحمدت الله أنهم بعد أن (أخرجوني) من (التلفزيون القومي) قبل ستة عشر عاماً لم أدخل من بوابة (فضائية) في وطني من جديد لأني لا أتقن لغة وثقافة (السودان الجديد) .
اخرجني ظريف الحي من (سرحتي) المؤلمة
- شوف ياهاشم أعمل كتاب ذي لبنى ... استثمر المعاناة والعذاب ... وخلي أصحابك يعملو ليه تسويق في الانترنت ... شوف ياهاشم ...
ومد ظريف الحي يده (كالحاوي) واخرج من جيب بنطاله الخلفي صحيفة ، تبينت أنها العدد الاسبوعي لصحيفة (الأحداث) . أدار الى وجهي الصفحة الأولى بالصحيفة وهو ( يناغمني بصوت متهدج ومنفعل) وهو ينظر لي نظرة (ملحاحة) مثل البائع (الشاطر) الذي يتقن لعبة (إغراء) المشتري ، ويعرف كيف تكون (بوابة الدخول) الى عقله ، وكيانه ، وأخذ يقرأ العناوين وهو يضغط و(يمط) الكلمات بصورة مضحكة
- بنطلون لبنى يحصد 2 مليار جنيه
وارتفع صوته أكثر
- نصف مليون نسخة مبيعات كتاب لبنى قبل تدشينه
ثم قام (بتوريط) نفسه عندما بدأ يقرأ بصوت عالي
- 40 COUPS DE.. FO.. FOU
وبعد أن أخذته التأتأة والحيرة ... أدار الى وجهي الصحيفة
- دي شنو ... FOU… FOU… شنو ياهاشم ؟!
- ده فرنساوي .. ما انقليزي ... ده عنوان الكتاب
ضحك بافراط وكأنه يضحك على شخص اخر وليس نفسه ، ثم عاد ينظر للصحيفة
- ايوه ...أيوه ... أهو العنوان هنا بالعربي ...
وأخذ يقرأ من جديد
- الذي اختارت له عنوان (أربعون جلدة لإرتداء بنطال) ... وبحسب معلومات مؤكدة تحصلت عليها الأحداث أن الكتاب ...
توقف عن القراءة فجأة ورفع رأسه ونظر الي
- انت ياهاشم ... انشاءالله الجماعة ديل في التحقيقات العملوها معاك دي ... يكونو برضو جلدوك
اغتظت حتى أوشكت أن انفجر
- لا ماجلدوني
- دقوك ؟
- لا .
- كفتوك ؟
- لا
- لزلزوك ؟
- لا ... لكن قعدوني في كرسي وقبلوني على الحيطة ساعة ونص قبل ما يدخلوني التحقيق
ثم قلت له بصوت مغتاظ وكأنني اشكو لطوب الأرض والأمم المتحدة ولاهاي ، وكمان سالوني عن اسمي عشرين مرة ... كل ما اقول اسمي المحقق يخت ايدو جنب أضانو ويقول لي
- قلت منو؟... ما سامع
- هاشم صديق
- قلت منو... أرفع صوتك... بس فالح تكورك في الليالي الشعرية ... قرنتية لا دبابة برمائية... لا جاسوسة روسية ... أرفع صوتك ... قلت اسمك منو ؟
- هاشم صدييييييييييق ياجنابو
- قلت منو ؟
- هاشم صديق الملك
- الملك منو ؟
- علي
- علي منو ؟
- علي الفحل
- الفحل منو ؟
- الفحل محمد
- محمد منو ؟
- محمد صالح المك عمارة جبارة الملك شاويش ... أها ياجنابو ... ده اسمي واسم العائلة لغاية التركية السابقة ... لو داير زيادة ارجع لكتاب بروفيسير عون الشريف قاسم
انفجر يضحك وهو يميل الى الخلف وأخذ يدي وهو يجرني الى (الظل) في مواجهة باب المنزل ... شعرت وهو يجذبني من يدي وجسده الضخم يهتز بالضحك ، وكأني على سلم (دفار) ساعة الذروة يزحف على دقداق في شوارع امدرمان ... واحسست بالرعب لأنه قادني الى الظل ، مما يعني أن هذا الحوار المجنون سيطول ويطول ... اشتقت الى الدخول لمنزلي وكأنني مسافر ارهقه الطريق والسفر
- تعرف ياهاشم أهو نوع الأسئلة السألك ليها المحقق دي ... لازم تكتبها في الكتاب ... دي طبعاً ...
- ثم خرج صوته متقعراً وكأنه يُفتي في حوار (مع قناة العربية)
- دي أحدث اساليب التعذيب في الزمان المعاصر ... التعذيب بالتكرار ... والتكرار الممل
- آي ... زي تصريحات المؤتمر الوطني ... والحركة الشعبية ... والمعارضة
ثم اردفت وكأني أبكي
- حسه عليك الله ... الانتخابات دي تجي متين عشان نرتاح ... انشاءالله بعدها يفوز كيجاب
- كيجاب ما مرشح
- المهم أي زول ... أي حزب ... بس نرتاح من النقة المتكررة دي
- نرتاح ...؟! ... نرتاح شنو ؟ ما بعد داك حاتجي نقة الانتخابات مزورة ... وعدم الشفافية ... ويطالبو المجتمع الدولي بالتدخل ... وتقوم مشاكل ... والجنوب ينفصل ... ودارفور برضو ... وبورتسودان ... ودنقلا .. ووادي سيدنا ... والكلاكلة صنقعت ... والعرضة شمال ... وجنوب ... وكافوري ... والحاج يوسف ...و..
- ليه دي انتخابات ... ولا موقف مواصلات
انفجر ضاحكاً ... (ورصع)ظهري بكفه (السمينه) حتى ارتجت مفاصلي وأخذت اسعل ... وأسعل ...
لكنه لم يرحمني ... نظر للصحيفة من جديد ... وجذبني حتى التصق كتفه بكتفي ووضع الجريدة في مواجهة وجهينا معاً
- شوف ياهاشم البت التفتيحة دي قسمت الكتاب ده كيف
وأخذ يقرأ
- عشرة فصول ... الفصل الأول (ليلة القبض) ...انت طبعاً حتقول ... حتقول
رفع بصره للسماء وهويفكر وكأنه في انتظار رحمة السماء بفكرة مجنونة
- حتقول ... حتقول ... أيووووه ... حتقول ليالي القبض والـ... والـ الاستعداءات والأستدعاءات
- نظر الي بزهو مضحك
- شفت ياعَبِد ... شفت العنوان دا مجنون كيف ؟
عندها رايت إبنة أخي الصغرى (آمنة) تركض نحو باب منزلي وهي تلهث ، وقبل أن تصل الى مدخله راتني ، فصاحت وهي متقطعة الأنفاس .
- عمو بابا قال ليك حبوبه عشه ماتت ... قاليك ألبس قوام ... عشان نحصل الدفن في المقابر
قفزت وصحت كأني أهتف
- قوليهو ... عشرة دقائق بس أكون لبست وجيتك
تحركت وانا أودعه وكأني وجدت طريقاً بعد يأس للخروج من مصيدة . ولكنه لاحقني صائحاً .
- انت فرحان كده مالك ... ده بكا ولا عقد ؟!
- لابكا ... بس حبوبتنا دي مره كبيره ... عمرها ميه وعشرين سنة
- وحسه تكون ماتت بشنو ؟
صحت غاضباً وساخراً
- تكون ماتت في الوضوع ... ياخي أقول ليك عمرها ميه وعشرين سنه ... تقول لي ماتت بي شنو ؟
انفجر بالضحك حتى ارتج الظل والحائط والسوق ، وكل شئ ... وكدت انا أن اشاركه الضحك عندما رأيته رغم عاصفة الضحك يرفع يديه (بالفاتحة) ليعذيني في (حبوبتي) ، بعدها صاح في أثري وانا أوشك على الدخول من باب المنزل
- بجيك المسا ... نتم باقي الكلام
- المسا .. لسه بنكون ما رجعنا من بيت البكا
- خلاص بجيك بعد ماترفعوا الفراش
- بعدها ... حأكون سافرت
- وين ؟
- بره ... بره السودان
وعندما أغلقت الباب ورائي تماماً كان يصيح بأعلى ماتمكنه حبال صوته الجهور
- وين ؟!.. وين .. انشاءالله فرنسا ياهاشم ... لو فرنسا أعمل الكتاب هناك بالفرنساوي زي لبنى .
عدت منهكاً في المساء ... كانت كل مسام جلدي تولول وتئن ، وكانت هناك في الحلق غصة وطيور الكآبة تهبط على أم رأسي ، ثم تطير وتهبط على كتفي فينؤ الجسد بحملها ، وتصطحت مفاصل الدواخل ، وأعصاب الكوابيس والرؤى . كان يوماً استثنائياً ومجنوناً في كل شئ . حتى في المقابر وانا أقف على حافة قبر حبوبتي ، لاحقني سوط (التراجيكوميديا) يلهب كياني ، وذلك عندما رنت (نغمة الرسائل) في (موبايلي) الذي نسيته مفتوحاً في جيب (جلابيتي) ، أخرجت الموبايل ، وفتحت الرسالة ، وعندما طالعتها ، وكانت برقم (دون اسم) ، شهقت بضحكة كتمتها بوضع كفي على فمي بقوة ... شعرت بيد تًربت على ظهري وكانت لأحد المشيعين الذي ظن أنني أحاول أن أكتم نوبة بكاء داهمتني ، حزناً على (حبوبتي عائشة)
- يا استاذ شد حيلك ... عيب ... الفقد كبير ... نعم ، لكن حبوبتك سعيدة العاشت مية وعشرين سنه
(ثم مال على أذني مداعباً وهامساً)
- حبوبتك دي دبيب؟!
عندها لم اتمالك نفسي ، فقد ارهقتني مفارقات اليوم بكل تفاصيلها ، خرجت من بين المشيعين مسرعاً ، أضع يدي على فمي بقوة وانا اتأرجح يمنة ويسرة حتى وصلت الى عربة شقيقي ، فتحت باب المقعد الأمامي ، وجلست وانا أغلق الباب ،وثم ، لدهشتي ، تركت لنفسي العنان وكأنني مركب يئس ربانها من الوقوف في وجه العاصفة ، فتركها لرحمة الموج ، والريح ، والرعد ... ، والقدر ، وجدت نفسي امتطي موجة ضحك خرافي استلهمت أحداث اليوم المجنون بكل تفاصيله .
كان مشهدي وانا أضحك بجنون ، داخل عربة ، وسط المقابر ، والمشيعون على مرمى حجر حول قبر (حبوبتي) وكأنه مشهد من مسرحية (عبثيه) (لصمويل بيكيت) ، أو (بوجين يونسكو) أو (هارولدبنتر) وكانت (النكتة) التي وصلتني (بلا اسم لمرسلها) وسط المقابر ، في يوم مجنون ، هي ذروة المأساة ، وقمة الكوميديا . كانت (النكته) صفيقة ، وعبثية ، وشرعية و(مسطولة) تقول
- واحد اتزوج ليهو واحده خشمها كبير ، لما يجي يبوسها ، يقول ليها صفري
ضحكت .. وضحكت .. وضحكت .. وانا أرفس بقدمي بقوة حتى ارتجت العربة والمقابر .
في المساء ، ومسام جسدي تئن وتصرخ ، وانا اتمدد على سريري في باحة المنزل ، كان وجه لبنى أحمد حسين يطل بازغاً من فروع (النميمة) المنتصبة وسط الظلام . نفخت بوعيي بقوة على (غبار) و(شمار) الخطوط الظاهرية ، فانفتح قلبي وعقلي على (جوهر) موقف لفتاة (تملأ العين وتفضل) .
تذكرت تفاصيل معرفتي بها ايام صحيفة الصحافة (قبل الشراكة الذكية) وكان رئيس تحرير الصحيفة آنذاك صديقي كمال حسن بخيت ، وكانت (لبنى) تكتب عمودها الشهير (كلام رجال) . وذات صباح صدرت (الصحافة) وفي صفحتها الأولى إعلان صغير يقول ...
- غداً في الصحافة ... (لبنى أحمد حسين تكتب ... ماذا بين المؤتمر الوطني الشعبي ... وهاشم صديق)
نزار الكير الخوجلابى- عضو نشط
رد: كوابيس ورؤى بنطلون (لبنى) .. و .. قرنتية (هاشم) (1ــ4)
يا سلاااااااااااااااااااام يا نزار ربنا يمتعك بالصحة والعافية انت والاستاذ الكبير /هاشم صديق
افتتاحية صباحية رااااااقية ليومي هذا
كل الشكر لكما
في انتظار الباقي
دم في خير اخي.
افتتاحية صباحية رااااااقية ليومي هذا
كل الشكر لكما
في انتظار الباقي
دم في خير اخي.
nashi- مشرف المنتدى الرياضى
هاشم صديق كفانة ياخ.
لا النيل القبيل ياهو ولا يانا!
الكلام دا كتير علينا فى كل جوانبه.
شكرا نزار
فيصل خليل حتيلة- مشرف إجتماعيات أبوجبيهة
كوابيس ورؤى بنطلون (لبنى) .. و.. قرنتية (هاشم) (3-4)
شكراً لحذائي
غير اللامع
في حضرة
كل نجوم الأحذية الأعلام
شكراً لغبار الشارع
ومياه (البالوعة) تهرع
في الدرب
و(أورنيش) الفاقة
ورهق الزحف
على الأقدام.
شكراً لوسام الشق الغائر
في كعب القدم
ودكتوراة الأورا م .
(قطع)
جيتي من وين يابنية
تدلقي اللون في الصحارى
تلغي تعسيلة العصاري
تبني للشمس الكباري
وتدسي حاجات للطواري
وتلمحي النبضة الخفية
في المساء ، ومسام جسدي تئن وتصرخ ، وانا اتمدد على سريري في باحة المنزل ، كان وجه لبنى أحمد حسين يطل بازغاً من فروع (النيمة) المنتصبة وسط الظلام . نفخت بوعيي بقوة على (غبار) و (شمار) الخطوط الطاهرية ، فانفتح قلبي وعقلي على (جوهر) موقف لفتاة (تملأ العين وتفضل)
تذكرت تفاصيل معرفتي بها أيام صحيفة الصحافة (قبل الشراكة الذكية) ، وكان رئيس تحرير الصحيفة آنذاك صديقي كمال حسن بخيت ، وكانت (لبنى) تكتب عمودها الشهير (كلام رجال) . وذات صباح صدرت (الصحافة) وفي صفحتها الأولى إعلان صغير يقول
غداً في الصحافة (لبنى أحمد حسين تكتب ... ماذا بين المؤتمر الشعبي ... وهاشم صديق)
كان ذلك بعد أن منعت – مايسمى بالرقابة القبلية – نشر قصيدة (قرنتية) التي أعلنت عن نشرها صحيفة (الصحافة) آنذاك . وبعد أن منع النشر ، انتشرت القصيدة انتشاراً كبيراً وسط الناس الذين أبدعوا في أساليب ووسائل نشرها ،وطباعتها ، وتداولها ، والإعلان الشعبي لها ، حتى وصلت القصيدة من خلال (الانترنت) أيضاً خارج السودان وطالعها الناس وكتبوا عنها ، وأوصلوها لآخرين ... الخ . وفي اعتقادي أن (قصيدة قرنتية) و(بنطلون لبنى) هما صنوان في ضجيج الدعاية التي تضيء الموضوع بقوة بكل جوانبه وتضاريسه حتى يلتفت اليه الناس ، ويثيرون جدلاً كثيفاً حوله وحول صاحبه ... الخ ، ومن عجب أن جهاز الدعاية الكبير الذي يساهم في ذلك دون تبصر رشيد أو حساب موضوعي للخطوات هو جهاز نافذ من أجهزة الدولة نفسها التي "تكره" الموضوع وتمنع أن يثار وذلك موضوع كبير وخطير يحتاج الى مساحة أكبر ،تقريراً ومجازاً ، والى ضمير ديمقراطي نبيل يعترف ويؤمن بالرأي الآخر ، وله القدرة على كظم (الذاتي) وإعلاء (الموضوعي) تلك هي (أنبوبة الاختبار) ، للصغار والكبار معاً .
الذي يهم أن كادراً من كوادر حزب (المؤتمر الشعبي) قام بالرد على قصيدة (قرنتية) شعراً ، وتناولت الأستاذة لبنى الموضوع من أكثر من زاوية في مقالة بعنوان (ماذا بين المؤتمر الشعبي ، وهاشم صديق) ودعت الى مساجلة فكرية شعرية بين صاحبي القصيدتين ، ولكن بعد الاعلان عن المقالة ، تم منعها بواسطة (الرقابة القبلية) . ولكن (المقالة) نشرت فيما بعد ، كاملة بالملف الثقافي الفني بصحيفة المشاهد بتاريخ 5/2/2000م . وكان صاحب قرار النشر هو صاحب هذا القلم ، وكنت حينها المشرف على تحرير الملف الثقافي الفني لصحيفة المشاهد ، وقمت ايضاً بنشر قصيدة (قرنتية) في نفس الملف ، وهي القصيدة التي منع نشرها من قبل ، وصاحب ذلك أحداث كثيرة لا يتسع الحيز هنا لنشرها ، ولكن أهمها ، وهو أنني توقعت أن يتم استدعائي والتحقيق معي حول نشر المقالة والقصيدة معاً ،وأعددت نفسي للدفاع عن (لبنى) وتوفير الحماية لها بقول الحقيقة فقط (دون زيادة أو نقصان) ، وهي ان صاحب قرار نشر (المقالة) هو شخصي وليس للأستاذة (لبنى) علاقة بالأمر ،حتى أنني شعرت بالذنب لهذا القرار الذي قد يجر مساءلات ومتاعب لها رغم أنها لم تساهم مطلقاً في موضوع النشر .
اتصلت بها مساء نفس (يوم العاصفة) تلفونياً وهو اليوم الذي تلا النشر وبدأت بالاعتذار ، ثم أردفت بأنني سوف أقول الحقيقة اذا تم استدعائي وهي ....
ولكنها قاطعتني ضاحكة ...
- يعني انت ما استدعوك ؟
- لا
- الحمد لله ريحتني يا أستاذ هاشم
قالتها بارتياح وكأنها تطلق من أعماق رئتيها زفرة ارتياح بعد طول توجس وترقب .
قلت لها
- ليه ؟
- حسه أنا كنت عايزة اتصل عليك أوريك الحصل
- حصل شنو ؟
- انا استدعوني قبلك
قلت لها بانزعاج شديد
- استدعوك ؟!
ضحكت وكأنها تربت على ظهر انزعاجي وتوتري بحنو صديق
- أي ... لكن الحقق معاي ... الزول بتاع الرقابة القبلية ،البيجينا في الجريدة ... حقق معاي في مكتب رئيس التحرير ... وماودوني الجهاز
- اها ... و ...
- قلت ليه ... انت ماعندك دخل بالموضوع ... انا الأديتك المقال تنشرو في المشاهد ... لأني افتكرت الموضوع مر عليهو زمن ... وما كنت قايله النشر فيهو مشكلة .
- لكن انتي ما اديتيني المقالة و...
- يا أستاذ هاشم ما في مشكلة ... نشيل بعض ... كلنا في خندق واحد ... انا خفت يكون استدعوك ... عشان كده حسه كنت عايزه اتصل عليك ... وأوريك انا قلت شنو ... عشان كلامنا يكون واحد .
تذكرت هذا المشهد بتفاصيله ، وأنا أتمدد على سريري في باحة المنزل ، في ذلك المساء ، بعد يوم طويل ومجنون ، رافقني منذ الصباح الباكر ، وحتى مراسم دفن (حبوبتي عائشة) . طارت (عبرة) من سقف صدري ، و(ركت) على حلقي ... ثم وجدتني أقول لنفسي وأنا أسترجع كلماتها الشفيفة النبيلة .
- كلام رجال ... ياااالبنى
ثم اكفهرت سماء الذكريات بظلمات السحاب والرعود والبروق المؤلمة ، عندما اجتررت أحداثاً ومواقف ومشاهد لمعارك ومساجلات ، وصحائف علقم ، وعن معدن بعض الرجال في وطني ، هبط على عنقي مثل نصل السيف الحاد المسموم (مانشيت) صحيفة صدرت ذات صباح في وطني يقول
- الغضب الساطع على هاشم صديق فرض عين على كل سوداني
والمدعو هاشم يحفظ لنخوة بعض (النساء) و(رجولتهن) بوطنه في المجاز البهيج ، فضلهن ، بما يحفظ للقمر النبيل فضله ، انه لا يفتقد في الليلة الظلماء .
في صباح اليوم التالي اتسعت كوة الجنون والطرائف حتى ظللت الكوابيس والرؤى الصباح ، والظهيرة ، وبعض المساء . خرجت من بوابة منزلي وانا التحف بعض (آثار عدوان) (تراجيكوميديا) اليوم السابق بكل تقلباته . دلفت الى سوق بانت العتيق من أمام (ورشة الحدادة) وانا في الطريق الى (مغلق مواد البناء) لابتاع (خرطوش) مياه أسقي به شجيرات زرعتها أمام منزلي , فقد قلت في نفسي ذات يوم
- ياهاشم ... وكت لا اذاعة ،لا مسرح ، لاتلفزيون ، لا كلية موسيقى ودراما ... ولا شغل ولا مشغلة ... أزرع ليك شديرات قدام بيتك اسقيهن كل يوم ... على الاقل تشوف حاجة بتنمو كل يوم ولونها أخضر , وما أظن تستدعيك جهة كمان تحقق معاك عشان زرعت شديرات
ولكن ما لبث أن رد على صوت هواجسي
- انت قايل بعيد ... يمكن يقولوا ليك ... ده رمز ... تقصد شنو
- مابقصد حاجه ياجنابو ... داير أشوف بس حاجة خضرا
- أيووووووه ... حاجة خضرا ... يعني البلد مافيها شئ أخضر ... يعني أنحنا قضينا على الأخضر واليابس ...
الذي يهم ياسادتي ، أن السوق اراد أن يمارس تهكمه المجنون الذي يمارسه معي كل صباح ، إذ أنني وفي الطريق الى المغلق ، كان هناك شاب حسن الهندام يجلس أمام ورشة الحدادة وصاحب الورشة داخلها يتحدث مع أحد العمال وسط (أبواب وشبابيك حديدية) وهو يحمل ماكينة اللحام.
القيت التحية على الشاب الذي يجلس أمام الورشة ، وبعد أن رد التحية ، صاح في أثري
- ياأستاذ
توقفت ونظرت اليه
- شنو الحكاية ؟ ... لسه ما مرقت منها؟!
- شنو دي؟!
- العزلة المجيدة
أدهشتني ولسعتني المفردة المثقفة
- مافي عزلة مجيدة ... ولا يحزنون
- انت قافل نفسك ... أمرق منها ياأستاذ ... أمرق ... والله نحن خايفين عليك
استجرت بالله وانا أحاول أن أكظم غيظي في صباح مجنون آخر . أردت أن أرد ، وأن أحكي له ، وأن أناقشه حول (عزلتي المجيدة) كما يتصورها وأسبابها ، ولكني استهجنت الأمر، ومضيت في طريقي وأنا أقول له
- ياخي ربك كريم
- قلت لنفسي
- ما بخلوك في حالك ... زي المطلوب حياً أو ميتاً
زفرت وكأني أخرج من أعلى سقف حلقي علقماً
- لو مرقت ... تقوم قيامة زي ضجة دجاج بعاني من الكبت الجنسي دخل عليهو ثعلب في الحظيرة
وترحمت على د.هـ. لورنس
- ولو اتكاترت على صدرك النصال ... ، وعلى رجليك مصايد الأذى والتوقيف... والمجازر في الجرايد البايرة ...و...و... وقعدت في بيتك ... تبقى عزلة ... وعزلة مجيدة ... وساجن نفسك
ودارت عجلة النزيف
- لو قلت الحق ... تبقى شيوعي ... ولو اشتريت موبايل ... أو حتى جزمة جديدة تكون بعت القضية .
اخترقت سفنجتي القديمة شريحة حديد حادة وسط السوق ... تأوهت ... وخفت على قدمي ... وأنا مريض السكر ... وخاطبت السفنجة حانقاً.
- خلاص ... بس جبت سيرة جزمة جديدة ساكت ... شالتك الغيرة
ومضيت في طريقي وأنا (أعتب) من فرط الألم
- لو طالبت بحقوقك ... تبقى زول صعب ... و(مثير للجدل) ... ولو سكت يأكلوك وتبقى عوير.
- لو كررت تجاربك في الخاص ومايئست تبقى مزواج ... والعيب فيك ... ولو قعدت براك تبقى يائس.
وتذكرت يوما كان باب منزلي مشرعاً على مصراعيه ، وهناك عمال يقومون بإصلاحات بالمنزل ... دخل علي فجأة (طريف الحي) الذي قذف به الى داخل المنزل الفضول (والشمار) ،وصاح بصوته الجهور وهو يراني أقف مع العمال وبالقرب منا بعض (أكياس الأسمنت) و(كوم من السراميك)
- هاشم ... ده شنو ؟ ... داير تعرس ؟!!!
صحت غاضباً
- ليه ياخي ... ده (اسمنت) و (سراميك) ... ولا (طلح) ... و(شاف)
في وسط السوق توقفت ونظرت الى باطن قدمي مرة أخرى وأنا أتوجس من(جرح) و(نزيف)
- محل ما تسوقك قدمك ... جرح ونزيف ... محل ما تمشي... استفسارات ومحاكمات في الخاص والعام ...
بصقت وأنا أتأرجح ... وكأني أبصق (سفة) الصباح ... ومضيت في طريقي وانا (أعتب)
- دايماً لازم توضح للناس ... لازم تحكي وترافع ... دايماً أنت متهم ومنتظر صكوك البراءة والغفران من الناس ... دائماً مزنوق ... من سُلطة ... أو حزب ... أو من ناس في مجتمع عريان ... لو ما شافوك عريان زيهم ما برتاحوا ويشعروا ... بالأمان
ضحكت بصمت مسموع من فرط مفارقات كل يوم ،ولكني (لحقت) نفسي وكتمت ضحكي ، خفت أن يراني شخص في السوق أضحك بصوت مسموع ، ثم يهمس بصوت واحد: بعد عشر دقائق وينتقل الخبر مثل وكالات الأنباء العالمية
- هاشم صديق جن... (هاشم صديق راسو ضرب)
قلت لنفسي
- ناس الجرايد البقت أكثر من أربعين جريدة ... يخلو (بنطلون لبنى) ... ويكتبوا عن (جن هاشم) ... أو( العبقرية والجنون)
ثم ما لبثت أن قذفت بالفكرة بعيداً، واستهجنتها
- جنون وعبقرية شنو ياهاشم ... والله ديل حتى في الجن يحسدوك ... حيقولو كمان جن ... عامل نفسو إدريس جماع ؟!!
عندما وصلت امام المغلق كان صاحبه يقوم بفتح الأبواب... سعيت الى الظل في انتظار أن يفتح الرجل باب (مغلقه) ويبدأ العمل .
كان على امتداد مرمى الظل (لقيمات) و(شاي بي لبن) و(صاج طعمية) وسحنات مختلفة من الناس ... ودخان سجاير، أكياس صعوط ... وضحكات وحوار متداخل ومبتور، وغير مترابط، مثل حوار مسرحي في مسرحية (لفرنادو أربال) يعبر من خلاله عن ( عجز التواصل) بين البشر.
- ياخي ... (سيلفا) بالغ ... يصالح ناس المؤتمر الوطني ليه ؟
- انتو ما عايزين تخلو سيرة (سادومبا) ... يامريخاب ...
- الطعمية دي زيتها كتير
- حسه لو زادو كمان التمباك زي السكر ... نبقى خرمانين شاي وصعوط ؟!
- رمضان باقي ليهو ثمانية شهور
- مشيت شلت الفاتحة في حاج مصطفى ؟
- الغريبة إنهم قالوا العقد بعد صلاة العصر ... لكن عقدوا بعد صلاة الجمعة
- إنتو الحركة الشعبية دي مالها كراع في القصر ... وكراع في المعارضة ؟
- ست الشاي دي ما تقعد كويس ... ما تلم كرعينا عليها وتضمهن ... استغفر الله العظيم.
- انت فرفور وعاصم البنا ديل ساكنين في التلفزيون؟
- اللهم أجعله خير ... أمس حلمان صحينا ... لقينا الكباري القديمة والجديدة كلها اختفت ... ومافي
- أمبارح بالليل كنا ساكين حرامي ... الخ
بعد أن فتح صاحب المغلق أبوابه وطلبت منه (أمتار الخرطوش) ... وبدأ الرجل يقيس بانهماك ما طلبته من أمتار ... دخل من باب المغلق شاب ينتعل سفنجة ويرتدي جلباب متسخ ، وحاسر الرأس ، وكان يبدو عليه الارتباك والحيرة ، اقترب من صاحب المغلق وسأل بصوت مرتبك ومتقطع
- لوسمحت ... يا .. ياعم ... عندكم ... مسا... مسامير
- طبعاً عندنا مسامير ... كم بوصة ؟
- ما ... عارف ... كم ... بوصة
- ياتو نوع ؟
- أنا عارف ... عارف ماركتها بس
- شنو ؟
- مسامير ... فيا ... فياجرا
وكأن الصباح قد رفع درجة جنونه درجات أخرى حتى لا مس سقف (المجرة) ،فتح صاحب المغلق فمه دهشة بصورة مضحكة
- قلت شنو يا ابني ؟!! ... مسامير شنو ؟
- فيا ... جرا
سنظر صاحب المغلق نحوي في حيرة، وكأنه يستجير بي
- سمعت بالمسامير دي يا أستاذ
- فجأة هبط على أم راسي كالصاعقة، الاعلان التلفزيوني الصفيق والذي يستخدم المطرقة ، والمسامير في الاعلان الجهري لعقار (فياجرا) الذي يعالج الضعف الجنسي ، مسماران يلتويان بعد الطرق عليهماعلى الجدار ، وآخر يلج الى الجدار بسهولة ... الخ
استجرت بالله ،وبالرسل ،والصحابة، وأولياء الله الصالحين من جنون الصباح الجديد في حضرة (السوق العتيق) لدرجة أنني قلت لنفسي
- حسه انحنا محتاجين أكثر ... لسد مروي ... ولا تأهيل مستشفى (التيجاني الماحي) ؟!
همست لصاحب المغلق
- الشاب دا فهم إعلان حبوب الفياجرا الفي التلفزيون غلط... الاعلان بتاع المسامير و...
انفجر صاحب المغلق ضاحكاً بجنون حتى طارت (لفة الخرطوش) وسقطت على الأرض ، وأخذ يردد وهو يقهقه ويمسك بكلتا يديه على بطنه
- والله العظيم ... دي أصلو ما مرت علي ... دي جدييييييييدة.... جديييييييدة... شديد .
ثم ينفجر ضاحكاً مرة أخرى، وشعرت بحزن بالغ والرغبة في البكاء أكثر من الرغبة في الانضمام لصاحب المغلق لأشاركه موجة الضحك الجنوني. حزنت لأن هناك بعض البسطاء لا يستطيعون فهم الذكاء الشديد الذي تحاول أن تمارسه أجهزة الاعلان والترويج لكل شيء.
أخذت بيد الشاب وسقته الى خارج المغلق ، وشرحت له الاعلان ببساطة ولكني وجدت نفسي أصيح من خلفه بعد أن قمت بتوجيهه الى الصيدلية.
- لكن يا ابني ... قول ليهم حبوب ... ما مسامير ... ما تلخبط.
عند سقف الظهيرة كان قد انطوى الصباح المجنون وبعض النهار ... فجأة هبطت على عقلي فكرة مجنونة تتعلق بقضية(لبنى) (اكتشفت فيما بعد أنها ليست فكرة مجنونة وإنما انتحارية للغاية).
وجدت نفسي عندما تلبستني الفكرة أرتدي ملابسي بسرعة البرق ، وأتحسس داخل (جزلاني العتيق) ، شعرت بالارتياح عندما وجدت داخله خمسة وعشرون جنيهاً (بالجديد) ، وقلت لنفسي.
- افتكر ديل بيجيبوا خمسة وعشرين واحدة.
خرجت مسرعاً صوب شارع الأربعين الأسفلتي، شعرت وكأنني فارس ارتدى درعه، وتمنطق سيفه ( اليماني ) الأبتر، وامتطى جواده العربي الأصيل، وخرج من أجل واجب وطني عظيم .
ونواصل غدا انشاء اللهغير اللامع
في حضرة
كل نجوم الأحذية الأعلام
شكراً لغبار الشارع
ومياه (البالوعة) تهرع
في الدرب
و(أورنيش) الفاقة
ورهق الزحف
على الأقدام.
شكراً لوسام الشق الغائر
في كعب القدم
ودكتوراة الأورا م .
(قطع)
جيتي من وين يابنية
تدلقي اللون في الصحارى
تلغي تعسيلة العصاري
تبني للشمس الكباري
وتدسي حاجات للطواري
وتلمحي النبضة الخفية
في المساء ، ومسام جسدي تئن وتصرخ ، وانا اتمدد على سريري في باحة المنزل ، كان وجه لبنى أحمد حسين يطل بازغاً من فروع (النيمة) المنتصبة وسط الظلام . نفخت بوعيي بقوة على (غبار) و (شمار) الخطوط الطاهرية ، فانفتح قلبي وعقلي على (جوهر) موقف لفتاة (تملأ العين وتفضل)
تذكرت تفاصيل معرفتي بها أيام صحيفة الصحافة (قبل الشراكة الذكية) ، وكان رئيس تحرير الصحيفة آنذاك صديقي كمال حسن بخيت ، وكانت (لبنى) تكتب عمودها الشهير (كلام رجال) . وذات صباح صدرت (الصحافة) وفي صفحتها الأولى إعلان صغير يقول
غداً في الصحافة (لبنى أحمد حسين تكتب ... ماذا بين المؤتمر الشعبي ... وهاشم صديق)
كان ذلك بعد أن منعت – مايسمى بالرقابة القبلية – نشر قصيدة (قرنتية) التي أعلنت عن نشرها صحيفة (الصحافة) آنذاك . وبعد أن منع النشر ، انتشرت القصيدة انتشاراً كبيراً وسط الناس الذين أبدعوا في أساليب ووسائل نشرها ،وطباعتها ، وتداولها ، والإعلان الشعبي لها ، حتى وصلت القصيدة من خلال (الانترنت) أيضاً خارج السودان وطالعها الناس وكتبوا عنها ، وأوصلوها لآخرين ... الخ . وفي اعتقادي أن (قصيدة قرنتية) و(بنطلون لبنى) هما صنوان في ضجيج الدعاية التي تضيء الموضوع بقوة بكل جوانبه وتضاريسه حتى يلتفت اليه الناس ، ويثيرون جدلاً كثيفاً حوله وحول صاحبه ... الخ ، ومن عجب أن جهاز الدعاية الكبير الذي يساهم في ذلك دون تبصر رشيد أو حساب موضوعي للخطوات هو جهاز نافذ من أجهزة الدولة نفسها التي "تكره" الموضوع وتمنع أن يثار وذلك موضوع كبير وخطير يحتاج الى مساحة أكبر ،تقريراً ومجازاً ، والى ضمير ديمقراطي نبيل يعترف ويؤمن بالرأي الآخر ، وله القدرة على كظم (الذاتي) وإعلاء (الموضوعي) تلك هي (أنبوبة الاختبار) ، للصغار والكبار معاً .
الذي يهم أن كادراً من كوادر حزب (المؤتمر الشعبي) قام بالرد على قصيدة (قرنتية) شعراً ، وتناولت الأستاذة لبنى الموضوع من أكثر من زاوية في مقالة بعنوان (ماذا بين المؤتمر الشعبي ، وهاشم صديق) ودعت الى مساجلة فكرية شعرية بين صاحبي القصيدتين ، ولكن بعد الاعلان عن المقالة ، تم منعها بواسطة (الرقابة القبلية) . ولكن (المقالة) نشرت فيما بعد ، كاملة بالملف الثقافي الفني بصحيفة المشاهد بتاريخ 5/2/2000م . وكان صاحب قرار النشر هو صاحب هذا القلم ، وكنت حينها المشرف على تحرير الملف الثقافي الفني لصحيفة المشاهد ، وقمت ايضاً بنشر قصيدة (قرنتية) في نفس الملف ، وهي القصيدة التي منع نشرها من قبل ، وصاحب ذلك أحداث كثيرة لا يتسع الحيز هنا لنشرها ، ولكن أهمها ، وهو أنني توقعت أن يتم استدعائي والتحقيق معي حول نشر المقالة والقصيدة معاً ،وأعددت نفسي للدفاع عن (لبنى) وتوفير الحماية لها بقول الحقيقة فقط (دون زيادة أو نقصان) ، وهي ان صاحب قرار نشر (المقالة) هو شخصي وليس للأستاذة (لبنى) علاقة بالأمر ،حتى أنني شعرت بالذنب لهذا القرار الذي قد يجر مساءلات ومتاعب لها رغم أنها لم تساهم مطلقاً في موضوع النشر .
اتصلت بها مساء نفس (يوم العاصفة) تلفونياً وهو اليوم الذي تلا النشر وبدأت بالاعتذار ، ثم أردفت بأنني سوف أقول الحقيقة اذا تم استدعائي وهي ....
ولكنها قاطعتني ضاحكة ...
- يعني انت ما استدعوك ؟
- لا
- الحمد لله ريحتني يا أستاذ هاشم
قالتها بارتياح وكأنها تطلق من أعماق رئتيها زفرة ارتياح بعد طول توجس وترقب .
قلت لها
- ليه ؟
- حسه أنا كنت عايزة اتصل عليك أوريك الحصل
- حصل شنو ؟
- انا استدعوني قبلك
قلت لها بانزعاج شديد
- استدعوك ؟!
ضحكت وكأنها تربت على ظهر انزعاجي وتوتري بحنو صديق
- أي ... لكن الحقق معاي ... الزول بتاع الرقابة القبلية ،البيجينا في الجريدة ... حقق معاي في مكتب رئيس التحرير ... وماودوني الجهاز
- اها ... و ...
- قلت ليه ... انت ماعندك دخل بالموضوع ... انا الأديتك المقال تنشرو في المشاهد ... لأني افتكرت الموضوع مر عليهو زمن ... وما كنت قايله النشر فيهو مشكلة .
- لكن انتي ما اديتيني المقالة و...
- يا أستاذ هاشم ما في مشكلة ... نشيل بعض ... كلنا في خندق واحد ... انا خفت يكون استدعوك ... عشان كده حسه كنت عايزه اتصل عليك ... وأوريك انا قلت شنو ... عشان كلامنا يكون واحد .
تذكرت هذا المشهد بتفاصيله ، وأنا أتمدد على سريري في باحة المنزل ، في ذلك المساء ، بعد يوم طويل ومجنون ، رافقني منذ الصباح الباكر ، وحتى مراسم دفن (حبوبتي عائشة) . طارت (عبرة) من سقف صدري ، و(ركت) على حلقي ... ثم وجدتني أقول لنفسي وأنا أسترجع كلماتها الشفيفة النبيلة .
- كلام رجال ... ياااالبنى
ثم اكفهرت سماء الذكريات بظلمات السحاب والرعود والبروق المؤلمة ، عندما اجتررت أحداثاً ومواقف ومشاهد لمعارك ومساجلات ، وصحائف علقم ، وعن معدن بعض الرجال في وطني ، هبط على عنقي مثل نصل السيف الحاد المسموم (مانشيت) صحيفة صدرت ذات صباح في وطني يقول
- الغضب الساطع على هاشم صديق فرض عين على كل سوداني
والمدعو هاشم يحفظ لنخوة بعض (النساء) و(رجولتهن) بوطنه في المجاز البهيج ، فضلهن ، بما يحفظ للقمر النبيل فضله ، انه لا يفتقد في الليلة الظلماء .
في صباح اليوم التالي اتسعت كوة الجنون والطرائف حتى ظللت الكوابيس والرؤى الصباح ، والظهيرة ، وبعض المساء . خرجت من بوابة منزلي وانا التحف بعض (آثار عدوان) (تراجيكوميديا) اليوم السابق بكل تقلباته . دلفت الى سوق بانت العتيق من أمام (ورشة الحدادة) وانا في الطريق الى (مغلق مواد البناء) لابتاع (خرطوش) مياه أسقي به شجيرات زرعتها أمام منزلي , فقد قلت في نفسي ذات يوم
- ياهاشم ... وكت لا اذاعة ،لا مسرح ، لاتلفزيون ، لا كلية موسيقى ودراما ... ولا شغل ولا مشغلة ... أزرع ليك شديرات قدام بيتك اسقيهن كل يوم ... على الاقل تشوف حاجة بتنمو كل يوم ولونها أخضر , وما أظن تستدعيك جهة كمان تحقق معاك عشان زرعت شديرات
ولكن ما لبث أن رد على صوت هواجسي
- انت قايل بعيد ... يمكن يقولوا ليك ... ده رمز ... تقصد شنو
- مابقصد حاجه ياجنابو ... داير أشوف بس حاجة خضرا
- أيووووووه ... حاجة خضرا ... يعني البلد مافيها شئ أخضر ... يعني أنحنا قضينا على الأخضر واليابس ...
الذي يهم ياسادتي ، أن السوق اراد أن يمارس تهكمه المجنون الذي يمارسه معي كل صباح ، إذ أنني وفي الطريق الى المغلق ، كان هناك شاب حسن الهندام يجلس أمام ورشة الحدادة وصاحب الورشة داخلها يتحدث مع أحد العمال وسط (أبواب وشبابيك حديدية) وهو يحمل ماكينة اللحام.
القيت التحية على الشاب الذي يجلس أمام الورشة ، وبعد أن رد التحية ، صاح في أثري
- ياأستاذ
توقفت ونظرت اليه
- شنو الحكاية ؟ ... لسه ما مرقت منها؟!
- شنو دي؟!
- العزلة المجيدة
أدهشتني ولسعتني المفردة المثقفة
- مافي عزلة مجيدة ... ولا يحزنون
- انت قافل نفسك ... أمرق منها ياأستاذ ... أمرق ... والله نحن خايفين عليك
استجرت بالله وانا أحاول أن أكظم غيظي في صباح مجنون آخر . أردت أن أرد ، وأن أحكي له ، وأن أناقشه حول (عزلتي المجيدة) كما يتصورها وأسبابها ، ولكني استهجنت الأمر، ومضيت في طريقي وأنا أقول له
- ياخي ربك كريم
- قلت لنفسي
- ما بخلوك في حالك ... زي المطلوب حياً أو ميتاً
زفرت وكأني أخرج من أعلى سقف حلقي علقماً
- لو مرقت ... تقوم قيامة زي ضجة دجاج بعاني من الكبت الجنسي دخل عليهو ثعلب في الحظيرة
وترحمت على د.هـ. لورنس
- ولو اتكاترت على صدرك النصال ... ، وعلى رجليك مصايد الأذى والتوقيف... والمجازر في الجرايد البايرة ...و...و... وقعدت في بيتك ... تبقى عزلة ... وعزلة مجيدة ... وساجن نفسك
ودارت عجلة النزيف
- لو قلت الحق ... تبقى شيوعي ... ولو اشتريت موبايل ... أو حتى جزمة جديدة تكون بعت القضية .
اخترقت سفنجتي القديمة شريحة حديد حادة وسط السوق ... تأوهت ... وخفت على قدمي ... وأنا مريض السكر ... وخاطبت السفنجة حانقاً.
- خلاص ... بس جبت سيرة جزمة جديدة ساكت ... شالتك الغيرة
ومضيت في طريقي وأنا (أعتب) من فرط الألم
- لو طالبت بحقوقك ... تبقى زول صعب ... و(مثير للجدل) ... ولو سكت يأكلوك وتبقى عوير.
- لو كررت تجاربك في الخاص ومايئست تبقى مزواج ... والعيب فيك ... ولو قعدت براك تبقى يائس.
وتذكرت يوما كان باب منزلي مشرعاً على مصراعيه ، وهناك عمال يقومون بإصلاحات بالمنزل ... دخل علي فجأة (طريف الحي) الذي قذف به الى داخل المنزل الفضول (والشمار) ،وصاح بصوته الجهور وهو يراني أقف مع العمال وبالقرب منا بعض (أكياس الأسمنت) و(كوم من السراميك)
- هاشم ... ده شنو ؟ ... داير تعرس ؟!!!
صحت غاضباً
- ليه ياخي ... ده (اسمنت) و (سراميك) ... ولا (طلح) ... و(شاف)
في وسط السوق توقفت ونظرت الى باطن قدمي مرة أخرى وأنا أتوجس من(جرح) و(نزيف)
- محل ما تسوقك قدمك ... جرح ونزيف ... محل ما تمشي... استفسارات ومحاكمات في الخاص والعام ...
بصقت وأنا أتأرجح ... وكأني أبصق (سفة) الصباح ... ومضيت في طريقي وانا (أعتب)
- دايماً لازم توضح للناس ... لازم تحكي وترافع ... دايماً أنت متهم ومنتظر صكوك البراءة والغفران من الناس ... دائماً مزنوق ... من سُلطة ... أو حزب ... أو من ناس في مجتمع عريان ... لو ما شافوك عريان زيهم ما برتاحوا ويشعروا ... بالأمان
ضحكت بصمت مسموع من فرط مفارقات كل يوم ،ولكني (لحقت) نفسي وكتمت ضحكي ، خفت أن يراني شخص في السوق أضحك بصوت مسموع ، ثم يهمس بصوت واحد: بعد عشر دقائق وينتقل الخبر مثل وكالات الأنباء العالمية
- هاشم صديق جن... (هاشم صديق راسو ضرب)
قلت لنفسي
- ناس الجرايد البقت أكثر من أربعين جريدة ... يخلو (بنطلون لبنى) ... ويكتبوا عن (جن هاشم) ... أو( العبقرية والجنون)
ثم ما لبثت أن قذفت بالفكرة بعيداً، واستهجنتها
- جنون وعبقرية شنو ياهاشم ... والله ديل حتى في الجن يحسدوك ... حيقولو كمان جن ... عامل نفسو إدريس جماع ؟!!
عندما وصلت امام المغلق كان صاحبه يقوم بفتح الأبواب... سعيت الى الظل في انتظار أن يفتح الرجل باب (مغلقه) ويبدأ العمل .
كان على امتداد مرمى الظل (لقيمات) و(شاي بي لبن) و(صاج طعمية) وسحنات مختلفة من الناس ... ودخان سجاير، أكياس صعوط ... وضحكات وحوار متداخل ومبتور، وغير مترابط، مثل حوار مسرحي في مسرحية (لفرنادو أربال) يعبر من خلاله عن ( عجز التواصل) بين البشر.
- ياخي ... (سيلفا) بالغ ... يصالح ناس المؤتمر الوطني ليه ؟
- انتو ما عايزين تخلو سيرة (سادومبا) ... يامريخاب ...
- الطعمية دي زيتها كتير
- حسه لو زادو كمان التمباك زي السكر ... نبقى خرمانين شاي وصعوط ؟!
- رمضان باقي ليهو ثمانية شهور
- مشيت شلت الفاتحة في حاج مصطفى ؟
- الغريبة إنهم قالوا العقد بعد صلاة العصر ... لكن عقدوا بعد صلاة الجمعة
- إنتو الحركة الشعبية دي مالها كراع في القصر ... وكراع في المعارضة ؟
- ست الشاي دي ما تقعد كويس ... ما تلم كرعينا عليها وتضمهن ... استغفر الله العظيم.
- انت فرفور وعاصم البنا ديل ساكنين في التلفزيون؟
- اللهم أجعله خير ... أمس حلمان صحينا ... لقينا الكباري القديمة والجديدة كلها اختفت ... ومافي
- أمبارح بالليل كنا ساكين حرامي ... الخ
بعد أن فتح صاحب المغلق أبوابه وطلبت منه (أمتار الخرطوش) ... وبدأ الرجل يقيس بانهماك ما طلبته من أمتار ... دخل من باب المغلق شاب ينتعل سفنجة ويرتدي جلباب متسخ ، وحاسر الرأس ، وكان يبدو عليه الارتباك والحيرة ، اقترب من صاحب المغلق وسأل بصوت مرتبك ومتقطع
- لوسمحت ... يا .. ياعم ... عندكم ... مسا... مسامير
- طبعاً عندنا مسامير ... كم بوصة ؟
- ما ... عارف ... كم ... بوصة
- ياتو نوع ؟
- أنا عارف ... عارف ماركتها بس
- شنو ؟
- مسامير ... فيا ... فياجرا
وكأن الصباح قد رفع درجة جنونه درجات أخرى حتى لا مس سقف (المجرة) ،فتح صاحب المغلق فمه دهشة بصورة مضحكة
- قلت شنو يا ابني ؟!! ... مسامير شنو ؟
- فيا ... جرا
سنظر صاحب المغلق نحوي في حيرة، وكأنه يستجير بي
- سمعت بالمسامير دي يا أستاذ
- فجأة هبط على أم راسي كالصاعقة، الاعلان التلفزيوني الصفيق والذي يستخدم المطرقة ، والمسامير في الاعلان الجهري لعقار (فياجرا) الذي يعالج الضعف الجنسي ، مسماران يلتويان بعد الطرق عليهماعلى الجدار ، وآخر يلج الى الجدار بسهولة ... الخ
استجرت بالله ،وبالرسل ،والصحابة، وأولياء الله الصالحين من جنون الصباح الجديد في حضرة (السوق العتيق) لدرجة أنني قلت لنفسي
- حسه انحنا محتاجين أكثر ... لسد مروي ... ولا تأهيل مستشفى (التيجاني الماحي) ؟!
همست لصاحب المغلق
- الشاب دا فهم إعلان حبوب الفياجرا الفي التلفزيون غلط... الاعلان بتاع المسامير و...
انفجر صاحب المغلق ضاحكاً بجنون حتى طارت (لفة الخرطوش) وسقطت على الأرض ، وأخذ يردد وهو يقهقه ويمسك بكلتا يديه على بطنه
- والله العظيم ... دي أصلو ما مرت علي ... دي جدييييييييدة.... جديييييييدة... شديد .
ثم ينفجر ضاحكاً مرة أخرى، وشعرت بحزن بالغ والرغبة في البكاء أكثر من الرغبة في الانضمام لصاحب المغلق لأشاركه موجة الضحك الجنوني. حزنت لأن هناك بعض البسطاء لا يستطيعون فهم الذكاء الشديد الذي تحاول أن تمارسه أجهزة الاعلان والترويج لكل شيء.
أخذت بيد الشاب وسقته الى خارج المغلق ، وشرحت له الاعلان ببساطة ولكني وجدت نفسي أصيح من خلفه بعد أن قمت بتوجيهه الى الصيدلية.
- لكن يا ابني ... قول ليهم حبوب ... ما مسامير ... ما تلخبط.
عند سقف الظهيرة كان قد انطوى الصباح المجنون وبعض النهار ... فجأة هبطت على عقلي فكرة مجنونة تتعلق بقضية(لبنى) (اكتشفت فيما بعد أنها ليست فكرة مجنونة وإنما انتحارية للغاية).
وجدت نفسي عندما تلبستني الفكرة أرتدي ملابسي بسرعة البرق ، وأتحسس داخل (جزلاني العتيق) ، شعرت بالارتياح عندما وجدت داخله خمسة وعشرون جنيهاً (بالجديد) ، وقلت لنفسي.
- افتكر ديل بيجيبوا خمسة وعشرين واحدة.
خرجت مسرعاً صوب شارع الأربعين الأسفلتي، شعرت وكأنني فارس ارتدى درعه، وتمنطق سيفه ( اليماني ) الأبتر، وامتطى جواده العربي الأصيل، وخرج من أجل واجب وطني عظيم .
نزار الكير الخوجلابى- عضو نشط
رد: كوابيس ورؤى بنطلون (لبنى) .. و .. قرنتية (هاشم) (1ــ4)
وكان صاحب قرار النشر هو صاحب هذا القلم ، وكنت حينها المشرف على تحرير الملف الثقافي الفني لصحيفة المشاهد ، وقمت ايضاً بنشر قصيدة (قرنتية) في نفس الملف ، وهي القصيدة التي منع نشرها من قبل ، وصاحب ذلك أحداث كثيرة لا يتسع الحيز هنا لنشرها ، ولكن أهمها ، وهو أنني توقعت أن يتم استدعائي والتحقيق معي حول نشر المقالة والقصيدة معاً ،وأعددت نفسي للدفاع عن (لبنى) وتوفير الحماية لها بقول الحقيقة فقط (دون زيادة أو نقصان) ، وهي ان صاحب قرار نشر (المقالة) هو شخصي وليس للأستاذة (لبنى) علاقة بالأمر ،حتى أنني شعرت بالذنب لهذا القرار الذي قد يجر مساءلات ومتاعب لها رغم أنها لم تساهم مطلقاً في موضوع النشر .
اتصلت بها مساء نفس (يوم العاصفة) تلفونياً وهو اليوم الذي تلا النشر وبدأت بالاعتذار ، ثم أردفت بأنني سوف أقول الحقيقة اذا تم استدعائي وهي ....
ولكنها قاطعتني ضاحكة ...
- يعني انت ما استدعوك ؟
- لا
- الحمد لله ريحتني يا أستاذ هاشم
قالتها بارتياح وكأنها تطلق من أعماق رئتيها زفرة ارتياح بعد طول توجس وترقب .
قلت لها
- ليه ؟
- حسه أنا كنت عايزة اتصل عليك أوريك الحصل
- حصل شنو ؟
- انا استدعوني قبلك
قلت لها بانزعاج شديد
- استدعوك ؟!
ضحكت وكأنها تربت على ظهر انزعاجي وتوتري بحنو صديق
- أي ... لكن الحقق معاي ... الزول بتاع الرقابة القبلية ،البيجينا في الجريدة ... حقق معاي في مكتب رئيس التحرير ... وماودوني الجهاز
- اها ... و ...
- قلت ليه ... انت ماعندك دخل بالموضوع ... انا الأديتك المقال تنشرو في المشاهد ... لأني افتكرت الموضوع مر عليهو زمن ... وما كنت قايله النشر فيهو مشكلة .
- لكن انتي ما اديتيني المقالة و...
- يا أستاذ هاشم ما في مشكلة ... نشيل بعض ... كلنا في خندق واحد ... انا خفت يكون استدعوك ... عشان كده حسه كنت عايزه اتصل عليك ... وأوريك انا قلت شنو ... عشان كلامنا يكون واحد .
تذكرت هذا المشهد بتفاصيله ، وأنا أتمدد على سريري في باحة المنزل ، في ذلك المساء ، بعد يوم طويل ومجنون ، رافقني منذ الصباح الباكر ، وحتى مراسم دفن (حبوبتي عائشة) . طارت (عبرة) من سقف صدري ، و(ركت) على حلقي ... ثم وجدتني أقول لنفسي وأنا أسترجع كلماتها الشفيفة النبيلة .
- كلام رجال ... ياااالبنى
شكراً نزار الكير..ومن قبلك الشكر يمتد لهاشم صديق
اتصلت بها مساء نفس (يوم العاصفة) تلفونياً وهو اليوم الذي تلا النشر وبدأت بالاعتذار ، ثم أردفت بأنني سوف أقول الحقيقة اذا تم استدعائي وهي ....
ولكنها قاطعتني ضاحكة ...
- يعني انت ما استدعوك ؟
- لا
- الحمد لله ريحتني يا أستاذ هاشم
قالتها بارتياح وكأنها تطلق من أعماق رئتيها زفرة ارتياح بعد طول توجس وترقب .
قلت لها
- ليه ؟
- حسه أنا كنت عايزة اتصل عليك أوريك الحصل
- حصل شنو ؟
- انا استدعوني قبلك
قلت لها بانزعاج شديد
- استدعوك ؟!
ضحكت وكأنها تربت على ظهر انزعاجي وتوتري بحنو صديق
- أي ... لكن الحقق معاي ... الزول بتاع الرقابة القبلية ،البيجينا في الجريدة ... حقق معاي في مكتب رئيس التحرير ... وماودوني الجهاز
- اها ... و ...
- قلت ليه ... انت ماعندك دخل بالموضوع ... انا الأديتك المقال تنشرو في المشاهد ... لأني افتكرت الموضوع مر عليهو زمن ... وما كنت قايله النشر فيهو مشكلة .
- لكن انتي ما اديتيني المقالة و...
- يا أستاذ هاشم ما في مشكلة ... نشيل بعض ... كلنا في خندق واحد ... انا خفت يكون استدعوك ... عشان كده حسه كنت عايزه اتصل عليك ... وأوريك انا قلت شنو ... عشان كلامنا يكون واحد .
تذكرت هذا المشهد بتفاصيله ، وأنا أتمدد على سريري في باحة المنزل ، في ذلك المساء ، بعد يوم طويل ومجنون ، رافقني منذ الصباح الباكر ، وحتى مراسم دفن (حبوبتي عائشة) . طارت (عبرة) من سقف صدري ، و(ركت) على حلقي ... ثم وجدتني أقول لنفسي وأنا أسترجع كلماتها الشفيفة النبيلة .
- كلام رجال ... ياااالبنى
شكراً نزار الكير..ومن قبلك الشكر يمتد لهاشم صديق
اشرف بشرى إدريس- مبدع مميز
رد: كوابيس ورؤى بنطلون (لبنى) .. و .. قرنتية (هاشم) (1ــ4)
مشكور السيد اشرف تحياتى
نزار الكير الخوجلابى- عضو نشط
رد: كوابيس ورؤى بنطلون (لبنى) .. و .. قرنتية (هاشم) (1ــ4)
نزار مساهماتك تبشر بحضور متميز وثقافة عريضة .... شكرا للإنتقاء الموفق والجميل
ونقول لأشرف رب جلدة نافعة
ونقول لأشرف رب جلدة نافعة
أزهرى الحاج البشير- مشرف عام
رد: كوابيس ورؤى بنطلون (لبنى) .. و .. قرنتية (هاشم) (1ــ4)
.بنطلون لبنى يحصد 2 مليار جنيه
وارتفع صوته أكثر
- نصف مليون نسخة مبيعات كتاب لبنى قبل تدشينه
ثم قام (بتوريط) نفسه عندما بدأ يقرأ بصوت عالي
.وبعد أن أخذته التأتأة والحيرة ... أدار الى وجهي الصحيفة
- دي شنو .شنو ياهاشم ؟!
- ده فرنساوي .. ما انقليزي ... ده عنوان الكتاب
ضحك بافراط ، ثم عاد ينظر للصحيفة
- ايوه ...أيوه ... أهو العنوان هنا بالعربي ...
وأخذ يقرأ من جديد
- الذي اختارت له عنوان (أربعون جلدة لإرتداء بنطال) ... وبحسب معلومات مؤكدة تحصلت عليها الأحداث أن الكتاب ...
توقف عن القراءة فجأة ورفع رأسه ونظر الي
- انت ياهاشم ... انشاءالله الجماعة ديل في التحقيقات العملوها معاك دي ... يكونو برضو جلدوك
اغتظت حتى أوشكت أن انفجر
- لا ماجلدوني
- دقوك ؟
- لا .
- كفتوك ؟
- لا
- لزلزوك ؟
- لا ... لكن قعدوني في كرسي وقبلوني على الحيطة ساعة ونص قبل ما يدخلوني التحقيق
.جيتي من وين يابنية
تدلقي اللون في الصحارى
تلغي تعسيلة العصاري
تبني للشمس الكباري
وتدسي حاجات للطواري
وتلمحي النبضة الخفية
في المساء ، ومسام جسدي تئن وتصرخ ، وانا اتمدد على سريري في باحة المنزل ، كان وجه لبنى أحمد حسين يطل بازغاً من فروع (النيمة) المنتصبة وسط الظلام . نفخت بوعيي بقوة على (غبار) و (شمار) الخطوط الطاهرية ، فانفتح قلبي وعقلي على (جوهر) موقف لفتاة (تملأ العين وتفضل).
وارتفع صوته أكثر
- نصف مليون نسخة مبيعات كتاب لبنى قبل تدشينه
ثم قام (بتوريط) نفسه عندما بدأ يقرأ بصوت عالي
.وبعد أن أخذته التأتأة والحيرة ... أدار الى وجهي الصحيفة
- دي شنو .شنو ياهاشم ؟!
- ده فرنساوي .. ما انقليزي ... ده عنوان الكتاب
ضحك بافراط ، ثم عاد ينظر للصحيفة
- ايوه ...أيوه ... أهو العنوان هنا بالعربي ...
وأخذ يقرأ من جديد
- الذي اختارت له عنوان (أربعون جلدة لإرتداء بنطال) ... وبحسب معلومات مؤكدة تحصلت عليها الأحداث أن الكتاب ...
توقف عن القراءة فجأة ورفع رأسه ونظر الي
- انت ياهاشم ... انشاءالله الجماعة ديل في التحقيقات العملوها معاك دي ... يكونو برضو جلدوك
اغتظت حتى أوشكت أن انفجر
- لا ماجلدوني
- دقوك ؟
- لا .
- كفتوك ؟
- لا
- لزلزوك ؟
- لا ... لكن قعدوني في كرسي وقبلوني على الحيطة ساعة ونص قبل ما يدخلوني التحقيق
.جيتي من وين يابنية
تدلقي اللون في الصحارى
تلغي تعسيلة العصاري
تبني للشمس الكباري
وتدسي حاجات للطواري
وتلمحي النبضة الخفية
في المساء ، ومسام جسدي تئن وتصرخ ، وانا اتمدد على سريري في باحة المنزل ، كان وجه لبنى أحمد حسين يطل بازغاً من فروع (النيمة) المنتصبة وسط الظلام . نفخت بوعيي بقوة على (غبار) و (شمار) الخطوط الطاهرية ، فانفتح قلبي وعقلي على (جوهر) موقف لفتاة (تملأ العين وتفضل).
اشرف بشرى إدريس- مبدع مميز
رد: كوابيس ورؤى بنطلون (لبنى) .. و .. قرنتية (هاشم) (1ــ4)
- دايماً لازم توضح للناس ... لازم تحكي وترافع ... دايماً أنت متهم ومنتظر صكوك البراءة والغفران من الناس ... دائماً مزنوق ... من سُلطة ... أو حزب ... أو من ناس في مجتمع عريان ... لو ما شافوك عريان زيهم ما برتاحوا ويشعروا ... بالأمان
----------------------------------------------------------
والله ربنا يمتعه بالصحة والعافية استاذنا الجليل لخص الفراغ الذي يعيشه السوداني /ة بصورة مدهشة! فعلاً انا في منتهي الحيرة للفضول الذي ينتاب الناس لمعرفة ما الذي تفعل وووووتفاصيل تفاصيل حياتك !مسألة تحتاج لدراسة بل دراسات. الحالة يستوي فيها البروف مع الكمساري مع بتاع الدكان وووووووووووووووووووووووووسا الشاي .
رحمتك ارجو يا ربي
----------------------------------------------------------
والله ربنا يمتعه بالصحة والعافية استاذنا الجليل لخص الفراغ الذي يعيشه السوداني /ة بصورة مدهشة! فعلاً انا في منتهي الحيرة للفضول الذي ينتاب الناس لمعرفة ما الذي تفعل وووووتفاصيل تفاصيل حياتك !مسألة تحتاج لدراسة بل دراسات. الحالة يستوي فيها البروف مع الكمساري مع بتاع الدكان وووووووووووووووووووووووووسا الشاي .
رحمتك ارجو يا ربي
nashi- مشرف المنتدى الرياضى
كوابيس و رؤي ... بنطلون لبني وقرنتية هاشم 4-4 الأخيرة
[center]كوابيس و رؤي ...
بنطلون لبني وقرنتية هاشم 4-4 الأخيرة
هذه الصحفُ الراقدةُ على حشايا المكتبات
وتحت رؤوسها تئنُ المطارفُ ، بغنجٍ كالعويل ،
بعضها فاقعُ الألوان ، مثل مساحيق الرزايا
وأخرى تستدرُ الخيالَ ، قصد حبكة الرواية
والبعض يضجُ بجهلٍ ثقيل
وأخرى لا ترتقي الأسباب ، فهي في أرزل العمر
ولم تعتلي صهوة الشباب .
والبعض يتنفس في سوق المنايا
وتراجيديا العذاب .
وأخرى (ماكينة) للبذاءة والسباب
وبعض يومض ، مثل برق خجول
على مرايا السحاب .
(قطع)
لا أملكُ ، مثل زرقاء اليمامة
ذروة البصر الشفيف لكي أرى خلف الغبار ،
لكنني ببصيرة الشعراء ، ألمح غابة الأشجار تمشي
عند رابعة النهار
كم حدثوني عن (مسيلمة الجرائد)
وعن تعاويذ البطولة ، عند أشباه الكبار
لم ينتفض قلمي ، ولا قلبي ، ولاقدمي
فقد استقلت عن المباذل ، وعن مقارعة الصغار
الشمس تفتح كوة للحق ، جهراً واقتدار .
عند سقف الظهيرة ، كان قد انطوى الصباح المجنون ، وبعض النهار ، فجأة هبطت على عقلي فكرة مجنونة تتعلق بقضية (لبنى) ، (اكتشفت فيما بعد أنها ليست فكرة مجنونة ، فإنما هي فكرة انتحارية للغاية ).
وجدت نفسي عندما تلبستني الفكرة ، أرتدي ملابسي بسرعة البرق ، وأتحسس داخل (جزلاني العتيق) ، شعرت بالارتياح عندما وجدتُ داخله خمسة وعشرين جنيهاً (بالجديد) وقلت لنفسي (افتكر ديل بيجيبو خمسة وعشرين واحدة) . خرجت مسرعاً صوب شارع الأربعين الأسفلتي . شعرت وكأنني فارس ارتدى درعه ، وتمنطق سيفه اليماني الأبتر ، وامتطى جواده العربي الأصيل ، وخرج من أجل واجب وطني عظيم .
بعد أن خرجت من باب منزلي ، وأنا أتجه غرباً الى شارع الأربعين ، فجأة مرت من جانبي طفلة مارقة كالسهم وهي تعدو باستماتة ، ومن خلفها طفل آخر يطاردها ، اكتشفت أنها طفلة الجيران ، وأن الذي يعدو من خلفها ، هو شقيقها الذي يكبرها بقليل .
كان يصرخ وهو يطاردها
- أقيفي ... أقيفي ... أمي قالت ليك تعالي راجعة
- أبيت ... أبيت ... ما بجي راجعة
- يابت أحسن ليك ... أحسن ليك تقيفي ... أحسن ليك تجي راجعة
- لا ... أبيت
أخذ يصرخ باستماتة وهو يعدو من خلفها
- أمي مش قالت ليك ما تلبسي المنطلون ده ... تمشي بيهو ناس خالتي ... بقبضوك في الشارع ... ويجلدوك
ثم توقف عن الركض ، ورفع ساعديه مستسلماً وهو يلهث ، واستدار عائداً وهو يقول في غيظ وغضب
- إن شاء الله يمسكوك ... ويدوك تمانين جلدة ... عشان ما بتسمعي الكلام
وجدتني فجأة أنظر الى هيئتي في رعب ... ثم تنفست في ارتياح
- الحمد لله ... لابس جلابية ... ما مايوه
ثم انتابتني حالة من التداعي التراجيكوميدي
- حسة لو مسكوني لابس مايوه ... بدُّوني كم جلدة ؟!
- ياربي تمانين ... ولا ... لابزيدوهم تلاتين ... يقولو ديل ...(بدل فاقد) (قرنتية) ؟! ... (ثم واصلت التدعي بعد وقفة) السوط البدقوني بيهو ذاتو بكونوا عملوه من جلدها بعد سلخوها
ثم تمادى التداعي المجنون عندما قفزت الى خاطري ، لا أدري لماذا ، قصة (فرعون وقلة عقله) في (كتاب المطالعة) بمرحلة الدراسة (الأولية)،
- فرعون الماشي عريان ، وداير الناس يقولوا ... لابس أحسن هدومو ده ... ياربي حسة لو القصة دي كانت لسة في المقررات ... كان الجماعة ديل طلعوا فرعون من كتاب (المطالعة) وجلدوهو ؟!
ثم ارتفعت نبرة الغيظ التهكمي في سري
- ولا ده بخلوهو عشان... يعني ... هو فرعون ...و...
فجأة استيقظتُ ، كالمغشي عليه ، وشهق ، عندما سكبوا على وجهه الماء البارد ... وتلفتُ في رعب وكأن ما جرى على لسان سري ، قد يغدو على لسان جهري ... أو ربما ... جرى على لساني دون أن أدري
تذكرت وأنا أتلفت في توجس ، ذلك الإحساس الذي ينتابني عندما أحمل قصيدة جديدة في جيبي وأنا في طريقي لصحيفة (الصحافة) أو (الأحداث) لنشرها ، وأنا أتلفت متوجساً بصورة مضحكة
- تقول شايل في جيبي (ورقة بنقو) وخايف من (ناس المباحث) .
قلت لكم ياسادتي إنني خرجت من منزلي ، وكأنني فارس ارتدي درعه ، وتمنطق بسيفه (اليماني) الأبتر ، وامتطى جواده العربي الأصيل ، وخرج من أجل واجب وطني عظيم
فقد قلت لنفسي عندما هبطت على عقلي تلك الفكرة المجنونة التي تتعلق بقضية (لبنى) ، وكان ذلك عند سقف الظهيرة
- ياهاشم ... والله إنت لا مثقف ... لا متابع ... حسة البلد دي بقى فيها كم جريدة ... أكثر من أربعين ... عليك الله إنت حسة بتقرأ منهن كم ؟ ... اتنين ...؟ ... تلاتة؟ ... أربعة ؟!
- كانوا اتنين ... قلت أعملن تلاتة ... عشان أكون مثقف ومتابع ... بعد شوية بقيت أشتري أربعة ... لكن ... لكن
- لكن شنو ؟!
- لكن صحتي ... صحتي (انحرفت) ...و...و... فلست ...
- كيف ؟
- كل يوم اشتري اتنين سياسيات بي جنيهين ... واتنين اجتماعيات بي جنيه ... دي تلاتة جنيه يوماتي ... طيب ... أها ... تلاتة جنيه × تلاتين يوم في الشهر ... كم ؟! ... مش تسعين جنيه ؟.
- آي
- أها ... ومعاشي مية وستين جنيه ... أهااااا ... تسعين جنيه من مية وستين الباقي كم ؟
- سبعين
- أهااااا ... سبعين جنيه بتجيب الأونسولين والأسبرين ... والفيتامين ... والطعمية ... والفول ... والبندول ...و...
- إنت عندك سكري ... بتاكل فول وطعمية ... الشهر كلو
- آكل جداد ... ولاكافيار ... ولا سمك ؟!
- سمك ... السمك كويس للسكري
- بي شنو ؟!... مره اتفلسفت عملت لي (جبَّادة) ... كل يوم أمشي البحر الصباح (اصطاد) ... شهر كامل ما (قبضت) سمكة واحدة ... سألت ... ياجماعة السمك ده مابيني مالو؟! السمك دا كمان ... حكومة ولا جهة مختصة ؟ السمك دا مشى وين ... قالوا لي سمك النيل الأبيض ... من (أويل) في الجنوب بمشي مصنع (الكاردينال للأسماك) ... وسمك النيل الأزرق من (الدمازين) بمشي (عوضية للأسماك والمناسبات السعيدة) في الموردة .
- أها ... نرجع للجرايد ... حسة يعني بتقرأ أربعة جرايد ... مع الفلس دا كله ؟!
- بقيت أقرأ واحدة في الإسبوع ... غير الفلس ... كمان خفت ... لأنو جارنا اتغدا واتمدا ... وبدأ يقرأ في الجريدة ... مرتو بعد شوية جات خاشة الأوضة لقتو مات ... والجريدة واقعة في صدرو ...
ياسادتي ... توكلت على الدائم ... والحي الذي لا يموت ... وقررت أن أعود مثقفاً ... ومتابعاً ... ومتفقداً لأحوال الصحف بعد صدور عشرات من الصحف الجديدة ... وباحثاً بتركيز و(عمق) في شأن تناول الصحف السوانية لقضية (منطلون لبنى) ... ومضحياً في سبيل ذلك (بخمسة وعشرين) جنيهاً كاملة تبقت من مبلغ تسلل الى (جزلاني العتيق) بعد أن قمت ( بمحاسبة ) مكتبة قامت بتوزيع بعض النسخ من واحدة من مجموعاتي الشعرية ، قلت لنفسي
- مافي مشكلة ... بكرة يوم خمسة وعشرين في الشهر (الجديد) ... بصرف المعاش بتاع الشهر ( القديم ) ... وأهو ياهاشم ... تضحية ... في ... سبيل الثقافة ... والصحافة ... و(بنطلون لبنى) ... والديمقراطييييييييييية
(أنا نفسي ، لا أدري لماذا أقحمت كلمة (ديمقراطية) هنا) . الذي يهم ياسادتي هو أنني ، وبعد أن وصلت (شارع الأربعين) اتجهت (جنوباً) بمحاذاة الشارع نحو مكتبات بيع الصحف ، أمام ، وبالقرب من (سينما بانت) (رحمها الله) كنت أسير – ولدهشتي – منتصب القامة مرفوع الرأس ، وبإيقاع عسكري ، وكأنني في طريقي (لمنطقة العمليات)
ولا أخفي عليكم ياسادتي أنه – رغم هذا المظهر البطولي المصادم _ كانت تنتابني قشعريرة ، وترتبك خطواتي العسكرية عندما أتذكر ( جاري ) الذي أسلم الروح بعد أن قرأ صحيفة واحدة سقطت على (صدره الوطني) الواسع العريض ... فما بالكم بصدري الوطني (المسكين) الذي هدّته (الجروح الوطنية) من كل صوب وحدب . وتلبستني الهلوسات المجنونة ، وأنا أحاول أن أحافظ على مظهري البطولي المصادم .
- ياربي ياهاشم ... حا تستشهد في الجريدة الأولى ... ولا الرابعة ... ولاحتصمد لغاية الجولة (تلتاشر) ... وبعدها تقع بالضربة الصحفية القاضية
وكسرت قيود هواجس أفكاري المجنونة حتى حلقت عالياً في أجواز الفضاء
- حسة ياهاشم تموت وانت تقرأ في الجرايد ... بكره الجرائد ذاتها تبيع بيك.
وتصورت ما نشيتات الصحف ، ودقات قلبي تنتفض من الرعب.
- وأخيراً ... سقط الفارس شهيد الثقافة ، وهو يطالع بضمير وطني ما كتبته الصحافة
- شهيد (بنطلون لبنى )
- آخر كلمات الراحل المقيم (نحن نفنى ويبقى بنطلون لبنى)
- ماهي الصحيفة التي سقطت من يده على صدره ؟!!!
- علي مهدي والمسرح الوطني (مسرح البقعة) في المشهد الحزين ...
توقفت تماماً عندما تذكرت (علي مهدي) واصطكت ركبتاي من الرعب وأنا أتصور علي مهدي ، بطاقيته الخضراء ، وكما يفعل دائماً عند تشييع كل مبدع ، يزيح المشيعين جانبا حتى يصل حافة القبر ويبدأ بإلقاء خطبة عصماء مطولة عن الراحل المقيم.
- والله علي مهدي ده ... يجي بطاقيته الخضراء دي ... ويخطب ويعدد مآثري ... إلا أقوم وأحيا تاني ... وأعضيهو في نص راسو
لا أدري لماذا أوشكت أن أقذف بالمظهر الصلب والشجاعة والإقدام جانباً ، وأن أضع (طرف) جلبابي بين أسناني وأن أعدو راكضاً عائداً الى منزلي
- هاشم ... إنت مجنون ... تقرأ الجرائد بي آخر خمسة وعشرين جنيه عندك ... وتستشهد ... ويجي علي مهدي يعدد مآثرك كمان ؟!
توقفت كالجواد الذي أرهقه الركض ، وخذلته أنفاسه في منتصف الطريق ، ولكني بعناد (وطني مجنون) قررت مواصلة المسيرة .
انتصبت قامتي واستعدت المظهر الصارم المصادم ، وبدأت من جديد في السير قدماً نحو مكتبة بيع الصحف ، ولدهشتي – حتى أشعل الحماس في أوصالي – بدأت أغني في سري نشيد (الملحمة)
قلت لنفسي
- حسة الجماعة ديل لو بذيعوا نشيد الملحمة ده ... ربنا بحاسبهم.
وتمدد غيظي حتى أشعل أكثر خطواتي العسكرية
- هو أي حاجه حقتي يا يوقفوها ... يا يطبلوها ... يا يوقفوني أنا ... يا يطبلوني
صدح صوت غناي من (سري) إلى (جهري).. ثم تمدد في الشارع العريض.
- لما الليل الظالم طول
وفجر النور من عينا اتحول
قلنا بعيد
قلنا نعيد
قلنا نعيد الماضي الأول
ماضي جدودنا الهزموا الباغي
وهدوا قلاع الظلم الطاغي
ترررررم ...ترررم...ترررم
ترررررم...ترررم...ترررم
ترك صاحب (البنشر) (لستك العربة) الذي كان يعالجه ورفع يديه وهو (يهز) بعنف و(يعرض) بحماس وطرب شديدين
- الله أكبر ... الله أكبر يا أستاذ ... الجماعة خلاص مشو ؟!
وضربت امرأة على صدرها بقوة وهي توشك أن تلج الى داخل (الركشة) التي أوقفتها
- سجمي ده هاشم صديق ؟ ... مالو بقى بغني براه في الشارع ؟ ... جن ؟!
وآخر يقف على حافة الشارع أخذ يضرب كفاً بكف وهو يقول
- مسكين ... ناس الإذاعة حلفوا ما يذيعوا النشيد ... لما بقى يغنيه براهو في الشارع ... كمان المسكين ستاشر سنة ما دخل من باب التلفزيون... بعد وقفوهو.
أمام مكتبة الصحف ارتفعت وتيرة (التراجيكوميديا) الى عنان السماء . كان صاحب المكتبة يخاطب شاباً بتوتر وهو يبحث ضائقاً في وسط الصحف الكثيرة الممتدة أمام ناظريه.
- لكن يا ابني ألقى ليك جريدتك كيف ... شوف الجرايد دي بقت كتيرة كيف ... بقينا ما عارفين نختها وين ؟
قال له (الشاب) ببرود وكأنه يقصد أن يرفع درجة توتره أكثر.
- في أربعة جرايد جديدة جاية ... شايف في إعلانات عنها في التلفزيون
صرخ صاحب المكتبة رافعاً يديه وكأنه يبتهل للسماء – بعد أن ترك الصحف التي كانت بيديه بعصبية.
- لطفك يارب ... والله بعد ده ... إلا يعملوا أكشاك الجرايد تاني دور! ثم أردف وكأنه يشكو لطوب الأرض
- كمان أي زول داير جريدة . يقول ليك شوف ليك جريدة فيها حاجة عن (بنطلون لبنى)
ثم أخذ يشد شعره الأشيب وهو يصرخ بصوت متهدج أقرب للبكاء
- أنا أمشي وين يارب ... أنا ببيع جرايد ... ولا ترزي بناطلين .
ثم رفع صاحب المكتبة راسه ونظر نحوي بعد أن أعطى الشاب (الصحيفة)
- أيوه يا أستاذ ... أديك جريدتك البقيت تجي تشيلها مرة في الأسبوع ؟
انتفخت أوداجي ... ورفعت رأسي في اعتداد ... وخرج صوتي وكأني ألقي (بياناً أول) للأمة السودانية.
- لا أديني خمسة وعشرين جريدة
نظر الرجل الى وجهي ، وكأنه ينظر الى وجه رجل فقد عقله.
- خمسه وعشرين ... من جريدتك الـ...
- لا خمسة وعشرين جريدة سياسية (أبوجنيه) ... من القديمة والجديدة ...
ثم ضغطت على الكلمات وكأني أؤكد على انتماء عظيم وهدف أعظم
- خمسة وعشرين صحيفة سياسية سودانية وطنية ... عايز أتابع مسألة السياسة وقضايا الفن والثقافة ... ومستجدات (بنطلون لبنى)
بدأ الرجل في (رصف) نسخ الصحف الواحدة بعد الأخرى وكان يسألني كلما رفع صحيفة أمام وجهي
- أديك من دي برضو ... ولا أحسن ليك دي ... دي ألوانها ظريفة
- أيوه ... ما تنسى ديك برضو ... الـ... إسمها شنو ياربي ... البحررها ويكتبها الشعب السوداني
ضحك الرجل ثم قال وهو يجد الصحيفة ويضعها فوق الأخريات
- تاني في تلاتة جرايد مارقات ... من أجل الشعب السوداني ... الشعب السوداني مسكين بقى جرس دلالة.
كان الرجل بعد أن قام بأخذ (خمسة وعشرون) جنيهاً من (حر مالي) من أجل الصحافة والثقافة الوطنية ، وقضية (بنطلون لبنى) وهو يمد لي بكلتا يديه (رزمة) الصحف ينظر الي بإشفاق ورثاء وهو يقول
- شد حيلك يا أستاذ ... الله يعينك ... إنت ما ياكا دايماً مناضل ... وقدامنا في الصف الأول.
ثم أردف بتقعُّر وكأنه قرأ الكلمات من قبل ، وحفظها عن ظهر قلب.
- وانت دايما تلقي بالحجارة الثقيلة في البرك الراكدة الأسنة ... فتنداح الدوائر ، كما فعلت في قضية حقوق الشعراء ... تضيء القضية ... وتحصد الرشاش الآسن
ثم أخذ يلوّح بيده لي مودعاً بتأثر وأنا أضم (كنز الصحف الثمين) الى صدري بقوة وأخطو بثبات عائداً الى منزلي ، كان منظر الرجل وهو يلوّح لي بيده مودعاً وكأنه يلوّح لعزيز في طريقه لمناطق العمليات ، قد لا يعود منها أبداً .
في طريقي اعترضني شحاذ ملحاح ، سد عليّ الطريق
- ياحاج ، المسلم أخو المسلم ، جينا أنا ومرتي من البلد لي أهلاً لينا ... ومرتي كانت حامل في شهرها التاسع ... أها... وأكملت له القصة ، وأنا أتميز من الغيظ
- ومرتك ولدت ، وراقده في المستشفى ... وجابت تيمان داير تسميهم حسن وحسين ، وإنت ما كنت عامل حسابك ومعلم الله ... وداير المساعدة ... و...
نظر اليّ الرجل بغيظ ودهشة
- إنت ياحاج كنت في الإستبالية؟ دحين شفتني و...
- لا كنت في الخرطوم قبل أسبوعين ... لاقيتني ... وحكت لي مرتك وأدت برضو وجابت تيمان وداير المساعدة ...و...
ثم صرخت فيه بغيظ
- إنت مرتك دي أرنب ... كل شهر بتلد؟
- سمح ياحاج أعفيلي ... خليك من مرتي ... أديني المساعدة ... يرحمك الله
رفعت له (رزمة الصحف) عاليا ... وكأنني أرفع وسام النيلين من الدرجة الأولى
- كل القروش العندي اشتريت بيها الجرايد ديل
- سمح أديني جريدة منهن كرامة ... أديني جريدة (الدار) يرحمك الله
- إنت بتعرف تقرأ
- نان ياحاج دحين أنا حسه كان ما قريت كان شحدت؟!! ماياها سوّتها فينا القراية.
عندما أذن الآذان لصلاة العصر وأنا أطالع باستماتة ومثابرة في الصحف السياسية الواحدة تلو الأخرى ، لا أدري لماذا (زغللت) عيناي وارتفعت ضربات قلبي ، وتفصّد العرق من جبيني ، ورأيت صوراً ومانشيتات تتراقص ، وتتشابك وتنفصل ، وتتلاشى ، ثم تعود مرة أخرى تتراقص أمام عيني .
مزيج عجيب من صور غائمة لكمال ترباس ... وعلي مهدي ... وفرفور ... وسلفاكير ... وياسر عرمان ، وقادة الوطني ، والشعبي ، وبقية الأحزاب ... وندى القلعة ...الخ كان هناك (مانشيت) كبير وضخم يقول:
- الشريكان يصطلحان
وهو يطارد مانشيت أكبر ويمسك بتلابيبه بعنف ، ويقول:
- باقان ، وعرمان ، وراء القضبان
وكانت هناك مطاردة ، كمطاردة الأفلام البوليسية بين كسكتة سلفاكير وبنطلون (لبنى)، ثم صرخ (مانشيت) في وجهي وكأنه باللغة الصينية
- بعد زيادة السكر الهلال يسجل الترابي . باقان وأكرم الهادي عوضية عذاب في حفل شتائي
وآخر وكأنه باللغة الهندية.
- شاعر ضاجعتُ الباعوضة ذات مساء أردب العيش الانتخابات موعدها أوباما سادومبا كيف؟
عندها شاهدت صحيفة تسقط من يدي بالسرعة البطيئة على صدري، ثم وأنا في سكرات الموت أرى صديقي علي مهدي بطاقيته الخضراء، يقرأ (البيان الأول) من فضائية (زول)... ثم غبت عن الوعي
لا أدري كم من الزمان ظللت في غياهب الإظلام الكامل ياسادتي ، ولكني أتذكر أن أول ما تسلل الى مسام إحساسي ، وكأنه يأتي من أغوار سحيقة ، كان هو صوت (ظريف الحي)
- الحمد لله لحقتو يادكتور حسن بالدربّات والحقن ... وحالتو استقرت ... لكن والله أخوك بالغ ... خمسة وعشرين جريدة ... وجرايد يوم واحد ؟! هو مالو ... كان داير ينتحر ؟!
- والله أنا لما جيت داخل ... ولقيت الجرايد في الواطة ، وفي السرير.. وواحدة واقعة في صدرو ... افتكرتو ده الإرشيف بتاع الجرايد الفيها المعارك والشتايم ديك ... قراهو كلو تاني ... ومات من المغصة
- لا الحمد الله ... جات سليمة
ثم بنصف عين مفتوحة رأيت (ظريف الحي) ينظر الى وجهي وهو يتململ
- حسة ... هو نايم .. ولا ... ولا لسة تعبان
- لا نايم ... ضغطه كويس ، وحالته استقرت ... أنا ذاتي عايزو ينوم كتير ويرتاح .
- ثم وكأنني أختلس النظر من بصيص (رقراق) رأيت ظريف الحي ينظر نحوي مرة أخرى ليطمئن أنني في سبات عميق ، ثم يميل بوجهه نحو شقيقي ويقول له هامساً:
- تعرف يادكتور ... أنا والأستاذ الأيام دي شغالين في كتاب خطير ... وحنعمل ليهو تسويق في (الإنترنت) ... تسويق رهيييييب
- تلفّت مرة أخرى ونظر نحوي ، ثم عاد بوجهه الى شقيقي
- أقل حاجة حيكون العائد تلاتة مليار يورو
- يازوووووول
- والله ... وتعرف عنوان الكتاب الاتفقنا عليهو ... حيكون شنو ؟
- شنو ؟
- بنطلون (لبنى) ... و... قرنتية ( هاشم)
غالبت باستماتة الانفجار بالضحك ... ثم همست لنفسي
- الكضاااااااااااااااب
انتهت
بنطلون لبني وقرنتية هاشم 4-4 الأخيرة
هذه الصحفُ الراقدةُ على حشايا المكتبات
وتحت رؤوسها تئنُ المطارفُ ، بغنجٍ كالعويل ،
بعضها فاقعُ الألوان ، مثل مساحيق الرزايا
وأخرى تستدرُ الخيالَ ، قصد حبكة الرواية
والبعض يضجُ بجهلٍ ثقيل
وأخرى لا ترتقي الأسباب ، فهي في أرزل العمر
ولم تعتلي صهوة الشباب .
والبعض يتنفس في سوق المنايا
وتراجيديا العذاب .
وأخرى (ماكينة) للبذاءة والسباب
وبعض يومض ، مثل برق خجول
على مرايا السحاب .
(قطع)
لا أملكُ ، مثل زرقاء اليمامة
ذروة البصر الشفيف لكي أرى خلف الغبار ،
لكنني ببصيرة الشعراء ، ألمح غابة الأشجار تمشي
عند رابعة النهار
كم حدثوني عن (مسيلمة الجرائد)
وعن تعاويذ البطولة ، عند أشباه الكبار
لم ينتفض قلمي ، ولا قلبي ، ولاقدمي
فقد استقلت عن المباذل ، وعن مقارعة الصغار
الشمس تفتح كوة للحق ، جهراً واقتدار .
عند سقف الظهيرة ، كان قد انطوى الصباح المجنون ، وبعض النهار ، فجأة هبطت على عقلي فكرة مجنونة تتعلق بقضية (لبنى) ، (اكتشفت فيما بعد أنها ليست فكرة مجنونة ، فإنما هي فكرة انتحارية للغاية ).
وجدت نفسي عندما تلبستني الفكرة ، أرتدي ملابسي بسرعة البرق ، وأتحسس داخل (جزلاني العتيق) ، شعرت بالارتياح عندما وجدتُ داخله خمسة وعشرين جنيهاً (بالجديد) وقلت لنفسي (افتكر ديل بيجيبو خمسة وعشرين واحدة) . خرجت مسرعاً صوب شارع الأربعين الأسفلتي . شعرت وكأنني فارس ارتدى درعه ، وتمنطق سيفه اليماني الأبتر ، وامتطى جواده العربي الأصيل ، وخرج من أجل واجب وطني عظيم .
بعد أن خرجت من باب منزلي ، وأنا أتجه غرباً الى شارع الأربعين ، فجأة مرت من جانبي طفلة مارقة كالسهم وهي تعدو باستماتة ، ومن خلفها طفل آخر يطاردها ، اكتشفت أنها طفلة الجيران ، وأن الذي يعدو من خلفها ، هو شقيقها الذي يكبرها بقليل .
كان يصرخ وهو يطاردها
- أقيفي ... أقيفي ... أمي قالت ليك تعالي راجعة
- أبيت ... أبيت ... ما بجي راجعة
- يابت أحسن ليك ... أحسن ليك تقيفي ... أحسن ليك تجي راجعة
- لا ... أبيت
أخذ يصرخ باستماتة وهو يعدو من خلفها
- أمي مش قالت ليك ما تلبسي المنطلون ده ... تمشي بيهو ناس خالتي ... بقبضوك في الشارع ... ويجلدوك
ثم توقف عن الركض ، ورفع ساعديه مستسلماً وهو يلهث ، واستدار عائداً وهو يقول في غيظ وغضب
- إن شاء الله يمسكوك ... ويدوك تمانين جلدة ... عشان ما بتسمعي الكلام
وجدتني فجأة أنظر الى هيئتي في رعب ... ثم تنفست في ارتياح
- الحمد لله ... لابس جلابية ... ما مايوه
ثم انتابتني حالة من التداعي التراجيكوميدي
- حسة لو مسكوني لابس مايوه ... بدُّوني كم جلدة ؟!
- ياربي تمانين ... ولا ... لابزيدوهم تلاتين ... يقولو ديل ...(بدل فاقد) (قرنتية) ؟! ... (ثم واصلت التدعي بعد وقفة) السوط البدقوني بيهو ذاتو بكونوا عملوه من جلدها بعد سلخوها
ثم تمادى التداعي المجنون عندما قفزت الى خاطري ، لا أدري لماذا ، قصة (فرعون وقلة عقله) في (كتاب المطالعة) بمرحلة الدراسة (الأولية)،
- فرعون الماشي عريان ، وداير الناس يقولوا ... لابس أحسن هدومو ده ... ياربي حسة لو القصة دي كانت لسة في المقررات ... كان الجماعة ديل طلعوا فرعون من كتاب (المطالعة) وجلدوهو ؟!
ثم ارتفعت نبرة الغيظ التهكمي في سري
- ولا ده بخلوهو عشان... يعني ... هو فرعون ...و...
فجأة استيقظتُ ، كالمغشي عليه ، وشهق ، عندما سكبوا على وجهه الماء البارد ... وتلفتُ في رعب وكأن ما جرى على لسان سري ، قد يغدو على لسان جهري ... أو ربما ... جرى على لساني دون أن أدري
تذكرت وأنا أتلفت في توجس ، ذلك الإحساس الذي ينتابني عندما أحمل قصيدة جديدة في جيبي وأنا في طريقي لصحيفة (الصحافة) أو (الأحداث) لنشرها ، وأنا أتلفت متوجساً بصورة مضحكة
- تقول شايل في جيبي (ورقة بنقو) وخايف من (ناس المباحث) .
قلت لكم ياسادتي إنني خرجت من منزلي ، وكأنني فارس ارتدي درعه ، وتمنطق بسيفه (اليماني) الأبتر ، وامتطى جواده العربي الأصيل ، وخرج من أجل واجب وطني عظيم
فقد قلت لنفسي عندما هبطت على عقلي تلك الفكرة المجنونة التي تتعلق بقضية (لبنى) ، وكان ذلك عند سقف الظهيرة
- ياهاشم ... والله إنت لا مثقف ... لا متابع ... حسة البلد دي بقى فيها كم جريدة ... أكثر من أربعين ... عليك الله إنت حسة بتقرأ منهن كم ؟ ... اتنين ...؟ ... تلاتة؟ ... أربعة ؟!
- كانوا اتنين ... قلت أعملن تلاتة ... عشان أكون مثقف ومتابع ... بعد شوية بقيت أشتري أربعة ... لكن ... لكن
- لكن شنو ؟!
- لكن صحتي ... صحتي (انحرفت) ...و...و... فلست ...
- كيف ؟
- كل يوم اشتري اتنين سياسيات بي جنيهين ... واتنين اجتماعيات بي جنيه ... دي تلاتة جنيه يوماتي ... طيب ... أها ... تلاتة جنيه × تلاتين يوم في الشهر ... كم ؟! ... مش تسعين جنيه ؟.
- آي
- أها ... ومعاشي مية وستين جنيه ... أهااااا ... تسعين جنيه من مية وستين الباقي كم ؟
- سبعين
- أهااااا ... سبعين جنيه بتجيب الأونسولين والأسبرين ... والفيتامين ... والطعمية ... والفول ... والبندول ...و...
- إنت عندك سكري ... بتاكل فول وطعمية ... الشهر كلو
- آكل جداد ... ولاكافيار ... ولا سمك ؟!
- سمك ... السمك كويس للسكري
- بي شنو ؟!... مره اتفلسفت عملت لي (جبَّادة) ... كل يوم أمشي البحر الصباح (اصطاد) ... شهر كامل ما (قبضت) سمكة واحدة ... سألت ... ياجماعة السمك ده مابيني مالو؟! السمك دا كمان ... حكومة ولا جهة مختصة ؟ السمك دا مشى وين ... قالوا لي سمك النيل الأبيض ... من (أويل) في الجنوب بمشي مصنع (الكاردينال للأسماك) ... وسمك النيل الأزرق من (الدمازين) بمشي (عوضية للأسماك والمناسبات السعيدة) في الموردة .
- أها ... نرجع للجرايد ... حسة يعني بتقرأ أربعة جرايد ... مع الفلس دا كله ؟!
- بقيت أقرأ واحدة في الإسبوع ... غير الفلس ... كمان خفت ... لأنو جارنا اتغدا واتمدا ... وبدأ يقرأ في الجريدة ... مرتو بعد شوية جات خاشة الأوضة لقتو مات ... والجريدة واقعة في صدرو ...
ياسادتي ... توكلت على الدائم ... والحي الذي لا يموت ... وقررت أن أعود مثقفاً ... ومتابعاً ... ومتفقداً لأحوال الصحف بعد صدور عشرات من الصحف الجديدة ... وباحثاً بتركيز و(عمق) في شأن تناول الصحف السوانية لقضية (منطلون لبنى) ... ومضحياً في سبيل ذلك (بخمسة وعشرين) جنيهاً كاملة تبقت من مبلغ تسلل الى (جزلاني العتيق) بعد أن قمت ( بمحاسبة ) مكتبة قامت بتوزيع بعض النسخ من واحدة من مجموعاتي الشعرية ، قلت لنفسي
- مافي مشكلة ... بكرة يوم خمسة وعشرين في الشهر (الجديد) ... بصرف المعاش بتاع الشهر ( القديم ) ... وأهو ياهاشم ... تضحية ... في ... سبيل الثقافة ... والصحافة ... و(بنطلون لبنى) ... والديمقراطييييييييييية
(أنا نفسي ، لا أدري لماذا أقحمت كلمة (ديمقراطية) هنا) . الذي يهم ياسادتي هو أنني ، وبعد أن وصلت (شارع الأربعين) اتجهت (جنوباً) بمحاذاة الشارع نحو مكتبات بيع الصحف ، أمام ، وبالقرب من (سينما بانت) (رحمها الله) كنت أسير – ولدهشتي – منتصب القامة مرفوع الرأس ، وبإيقاع عسكري ، وكأنني في طريقي (لمنطقة العمليات)
ولا أخفي عليكم ياسادتي أنه – رغم هذا المظهر البطولي المصادم _ كانت تنتابني قشعريرة ، وترتبك خطواتي العسكرية عندما أتذكر ( جاري ) الذي أسلم الروح بعد أن قرأ صحيفة واحدة سقطت على (صدره الوطني) الواسع العريض ... فما بالكم بصدري الوطني (المسكين) الذي هدّته (الجروح الوطنية) من كل صوب وحدب . وتلبستني الهلوسات المجنونة ، وأنا أحاول أن أحافظ على مظهري البطولي المصادم .
- ياربي ياهاشم ... حا تستشهد في الجريدة الأولى ... ولا الرابعة ... ولاحتصمد لغاية الجولة (تلتاشر) ... وبعدها تقع بالضربة الصحفية القاضية
وكسرت قيود هواجس أفكاري المجنونة حتى حلقت عالياً في أجواز الفضاء
- حسة ياهاشم تموت وانت تقرأ في الجرايد ... بكره الجرائد ذاتها تبيع بيك.
وتصورت ما نشيتات الصحف ، ودقات قلبي تنتفض من الرعب.
- وأخيراً ... سقط الفارس شهيد الثقافة ، وهو يطالع بضمير وطني ما كتبته الصحافة
- شهيد (بنطلون لبنى )
- آخر كلمات الراحل المقيم (نحن نفنى ويبقى بنطلون لبنى)
- ماهي الصحيفة التي سقطت من يده على صدره ؟!!!
- علي مهدي والمسرح الوطني (مسرح البقعة) في المشهد الحزين ...
توقفت تماماً عندما تذكرت (علي مهدي) واصطكت ركبتاي من الرعب وأنا أتصور علي مهدي ، بطاقيته الخضراء ، وكما يفعل دائماً عند تشييع كل مبدع ، يزيح المشيعين جانبا حتى يصل حافة القبر ويبدأ بإلقاء خطبة عصماء مطولة عن الراحل المقيم.
- والله علي مهدي ده ... يجي بطاقيته الخضراء دي ... ويخطب ويعدد مآثري ... إلا أقوم وأحيا تاني ... وأعضيهو في نص راسو
لا أدري لماذا أوشكت أن أقذف بالمظهر الصلب والشجاعة والإقدام جانباً ، وأن أضع (طرف) جلبابي بين أسناني وأن أعدو راكضاً عائداً الى منزلي
- هاشم ... إنت مجنون ... تقرأ الجرائد بي آخر خمسة وعشرين جنيه عندك ... وتستشهد ... ويجي علي مهدي يعدد مآثرك كمان ؟!
توقفت كالجواد الذي أرهقه الركض ، وخذلته أنفاسه في منتصف الطريق ، ولكني بعناد (وطني مجنون) قررت مواصلة المسيرة .
انتصبت قامتي واستعدت المظهر الصارم المصادم ، وبدأت من جديد في السير قدماً نحو مكتبة بيع الصحف ، ولدهشتي – حتى أشعل الحماس في أوصالي – بدأت أغني في سري نشيد (الملحمة)
قلت لنفسي
- حسة الجماعة ديل لو بذيعوا نشيد الملحمة ده ... ربنا بحاسبهم.
وتمدد غيظي حتى أشعل أكثر خطواتي العسكرية
- هو أي حاجه حقتي يا يوقفوها ... يا يطبلوها ... يا يوقفوني أنا ... يا يطبلوني
صدح صوت غناي من (سري) إلى (جهري).. ثم تمدد في الشارع العريض.
- لما الليل الظالم طول
وفجر النور من عينا اتحول
قلنا بعيد
قلنا نعيد
قلنا نعيد الماضي الأول
ماضي جدودنا الهزموا الباغي
وهدوا قلاع الظلم الطاغي
ترررررم ...ترررم...ترررم
ترررررم...ترررم...ترررم
ترك صاحب (البنشر) (لستك العربة) الذي كان يعالجه ورفع يديه وهو (يهز) بعنف و(يعرض) بحماس وطرب شديدين
- الله أكبر ... الله أكبر يا أستاذ ... الجماعة خلاص مشو ؟!
وضربت امرأة على صدرها بقوة وهي توشك أن تلج الى داخل (الركشة) التي أوقفتها
- سجمي ده هاشم صديق ؟ ... مالو بقى بغني براه في الشارع ؟ ... جن ؟!
وآخر يقف على حافة الشارع أخذ يضرب كفاً بكف وهو يقول
- مسكين ... ناس الإذاعة حلفوا ما يذيعوا النشيد ... لما بقى يغنيه براهو في الشارع ... كمان المسكين ستاشر سنة ما دخل من باب التلفزيون... بعد وقفوهو.
أمام مكتبة الصحف ارتفعت وتيرة (التراجيكوميديا) الى عنان السماء . كان صاحب المكتبة يخاطب شاباً بتوتر وهو يبحث ضائقاً في وسط الصحف الكثيرة الممتدة أمام ناظريه.
- لكن يا ابني ألقى ليك جريدتك كيف ... شوف الجرايد دي بقت كتيرة كيف ... بقينا ما عارفين نختها وين ؟
قال له (الشاب) ببرود وكأنه يقصد أن يرفع درجة توتره أكثر.
- في أربعة جرايد جديدة جاية ... شايف في إعلانات عنها في التلفزيون
صرخ صاحب المكتبة رافعاً يديه وكأنه يبتهل للسماء – بعد أن ترك الصحف التي كانت بيديه بعصبية.
- لطفك يارب ... والله بعد ده ... إلا يعملوا أكشاك الجرايد تاني دور! ثم أردف وكأنه يشكو لطوب الأرض
- كمان أي زول داير جريدة . يقول ليك شوف ليك جريدة فيها حاجة عن (بنطلون لبنى)
ثم أخذ يشد شعره الأشيب وهو يصرخ بصوت متهدج أقرب للبكاء
- أنا أمشي وين يارب ... أنا ببيع جرايد ... ولا ترزي بناطلين .
ثم رفع صاحب المكتبة راسه ونظر نحوي بعد أن أعطى الشاب (الصحيفة)
- أيوه يا أستاذ ... أديك جريدتك البقيت تجي تشيلها مرة في الأسبوع ؟
انتفخت أوداجي ... ورفعت رأسي في اعتداد ... وخرج صوتي وكأني ألقي (بياناً أول) للأمة السودانية.
- لا أديني خمسة وعشرين جريدة
نظر الرجل الى وجهي ، وكأنه ينظر الى وجه رجل فقد عقله.
- خمسه وعشرين ... من جريدتك الـ...
- لا خمسة وعشرين جريدة سياسية (أبوجنيه) ... من القديمة والجديدة ...
ثم ضغطت على الكلمات وكأني أؤكد على انتماء عظيم وهدف أعظم
- خمسة وعشرين صحيفة سياسية سودانية وطنية ... عايز أتابع مسألة السياسة وقضايا الفن والثقافة ... ومستجدات (بنطلون لبنى)
بدأ الرجل في (رصف) نسخ الصحف الواحدة بعد الأخرى وكان يسألني كلما رفع صحيفة أمام وجهي
- أديك من دي برضو ... ولا أحسن ليك دي ... دي ألوانها ظريفة
- أيوه ... ما تنسى ديك برضو ... الـ... إسمها شنو ياربي ... البحررها ويكتبها الشعب السوداني
ضحك الرجل ثم قال وهو يجد الصحيفة ويضعها فوق الأخريات
- تاني في تلاتة جرايد مارقات ... من أجل الشعب السوداني ... الشعب السوداني مسكين بقى جرس دلالة.
كان الرجل بعد أن قام بأخذ (خمسة وعشرون) جنيهاً من (حر مالي) من أجل الصحافة والثقافة الوطنية ، وقضية (بنطلون لبنى) وهو يمد لي بكلتا يديه (رزمة) الصحف ينظر الي بإشفاق ورثاء وهو يقول
- شد حيلك يا أستاذ ... الله يعينك ... إنت ما ياكا دايماً مناضل ... وقدامنا في الصف الأول.
ثم أردف بتقعُّر وكأنه قرأ الكلمات من قبل ، وحفظها عن ظهر قلب.
- وانت دايما تلقي بالحجارة الثقيلة في البرك الراكدة الأسنة ... فتنداح الدوائر ، كما فعلت في قضية حقوق الشعراء ... تضيء القضية ... وتحصد الرشاش الآسن
ثم أخذ يلوّح بيده لي مودعاً بتأثر وأنا أضم (كنز الصحف الثمين) الى صدري بقوة وأخطو بثبات عائداً الى منزلي ، كان منظر الرجل وهو يلوّح لي بيده مودعاً وكأنه يلوّح لعزيز في طريقه لمناطق العمليات ، قد لا يعود منها أبداً .
في طريقي اعترضني شحاذ ملحاح ، سد عليّ الطريق
- ياحاج ، المسلم أخو المسلم ، جينا أنا ومرتي من البلد لي أهلاً لينا ... ومرتي كانت حامل في شهرها التاسع ... أها... وأكملت له القصة ، وأنا أتميز من الغيظ
- ومرتك ولدت ، وراقده في المستشفى ... وجابت تيمان داير تسميهم حسن وحسين ، وإنت ما كنت عامل حسابك ومعلم الله ... وداير المساعدة ... و...
نظر اليّ الرجل بغيظ ودهشة
- إنت ياحاج كنت في الإستبالية؟ دحين شفتني و...
- لا كنت في الخرطوم قبل أسبوعين ... لاقيتني ... وحكت لي مرتك وأدت برضو وجابت تيمان وداير المساعدة ...و...
ثم صرخت فيه بغيظ
- إنت مرتك دي أرنب ... كل شهر بتلد؟
- سمح ياحاج أعفيلي ... خليك من مرتي ... أديني المساعدة ... يرحمك الله
رفعت له (رزمة الصحف) عاليا ... وكأنني أرفع وسام النيلين من الدرجة الأولى
- كل القروش العندي اشتريت بيها الجرايد ديل
- سمح أديني جريدة منهن كرامة ... أديني جريدة (الدار) يرحمك الله
- إنت بتعرف تقرأ
- نان ياحاج دحين أنا حسه كان ما قريت كان شحدت؟!! ماياها سوّتها فينا القراية.
عندما أذن الآذان لصلاة العصر وأنا أطالع باستماتة ومثابرة في الصحف السياسية الواحدة تلو الأخرى ، لا أدري لماذا (زغللت) عيناي وارتفعت ضربات قلبي ، وتفصّد العرق من جبيني ، ورأيت صوراً ومانشيتات تتراقص ، وتتشابك وتنفصل ، وتتلاشى ، ثم تعود مرة أخرى تتراقص أمام عيني .
مزيج عجيب من صور غائمة لكمال ترباس ... وعلي مهدي ... وفرفور ... وسلفاكير ... وياسر عرمان ، وقادة الوطني ، والشعبي ، وبقية الأحزاب ... وندى القلعة ...الخ كان هناك (مانشيت) كبير وضخم يقول:
- الشريكان يصطلحان
وهو يطارد مانشيت أكبر ويمسك بتلابيبه بعنف ، ويقول:
- باقان ، وعرمان ، وراء القضبان
وكانت هناك مطاردة ، كمطاردة الأفلام البوليسية بين كسكتة سلفاكير وبنطلون (لبنى)، ثم صرخ (مانشيت) في وجهي وكأنه باللغة الصينية
- بعد زيادة السكر الهلال يسجل الترابي . باقان وأكرم الهادي عوضية عذاب في حفل شتائي
وآخر وكأنه باللغة الهندية.
- شاعر ضاجعتُ الباعوضة ذات مساء أردب العيش الانتخابات موعدها أوباما سادومبا كيف؟
عندها شاهدت صحيفة تسقط من يدي بالسرعة البطيئة على صدري، ثم وأنا في سكرات الموت أرى صديقي علي مهدي بطاقيته الخضراء، يقرأ (البيان الأول) من فضائية (زول)... ثم غبت عن الوعي
لا أدري كم من الزمان ظللت في غياهب الإظلام الكامل ياسادتي ، ولكني أتذكر أن أول ما تسلل الى مسام إحساسي ، وكأنه يأتي من أغوار سحيقة ، كان هو صوت (ظريف الحي)
- الحمد لله لحقتو يادكتور حسن بالدربّات والحقن ... وحالتو استقرت ... لكن والله أخوك بالغ ... خمسة وعشرين جريدة ... وجرايد يوم واحد ؟! هو مالو ... كان داير ينتحر ؟!
- والله أنا لما جيت داخل ... ولقيت الجرايد في الواطة ، وفي السرير.. وواحدة واقعة في صدرو ... افتكرتو ده الإرشيف بتاع الجرايد الفيها المعارك والشتايم ديك ... قراهو كلو تاني ... ومات من المغصة
- لا الحمد الله ... جات سليمة
ثم بنصف عين مفتوحة رأيت (ظريف الحي) ينظر الى وجهي وهو يتململ
- حسة ... هو نايم .. ولا ... ولا لسة تعبان
- لا نايم ... ضغطه كويس ، وحالته استقرت ... أنا ذاتي عايزو ينوم كتير ويرتاح .
- ثم وكأنني أختلس النظر من بصيص (رقراق) رأيت ظريف الحي ينظر نحوي مرة أخرى ليطمئن أنني في سبات عميق ، ثم يميل بوجهه نحو شقيقي ويقول له هامساً:
- تعرف يادكتور ... أنا والأستاذ الأيام دي شغالين في كتاب خطير ... وحنعمل ليهو تسويق في (الإنترنت) ... تسويق رهيييييب
- تلفّت مرة أخرى ونظر نحوي ، ثم عاد بوجهه الى شقيقي
- أقل حاجة حيكون العائد تلاتة مليار يورو
- يازوووووول
- والله ... وتعرف عنوان الكتاب الاتفقنا عليهو ... حيكون شنو ؟
- شنو ؟
- بنطلون (لبنى) ... و... قرنتية ( هاشم)
غالبت باستماتة الانفجار بالضحك ... ثم همست لنفسي
- الكضاااااااااااااااب
انتهت
نزار الكير الخوجلابى- عضو نشط
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى