ابوجبيهه


انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

ابوجبيهه
ابوجبيهه
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

قصـــــــــــــة واقعيـــــــــــة ....رقم (15)

اذهب الى الأسفل

قصـــــــــــــة واقعيـــــــــــة ....رقم (15)  Empty قصـــــــــــــة واقعيـــــــــــة ....رقم (15)

مُساهمة من طرف عثمان محمد يعقوب شاويش 9th فبراير 2011, 09:05

:: أقسى من الحجر ::


قصـــــــــــــة واقعيـــــــــــة ....رقم (15)  16a-na-63789


منذ أن تفتحت أذهاننا على هذه الحياة، أدركنا أننا من الأطفال التعساء، بكل زاوية من زوايا بيتنا أنين خافت وشعور بالقهر والظلم، ملحمة الحاجة والجوع، والشعور بالذل والمهانة، والهزائم المتكررة لكل لحظة فرح يمكن أن تخطر على بالنا.

نحن ثلاث شقيقات، أنا أكبرهن، أبلغ من العمر ثمانية عشر عاماً، أختي التي تصغرني في السابعة عشرة، أما الصغرى فهي في الثالثة عشرة من العمر، ثلاث زهرات يحيين في صحراء قاسية من ظلم البشر.

كل ما نعانيه بسببه.. هذه هي الحقيقة.. إنه والدنا.. إنسان باع نفسه للمخدرات بيعاً كاملاً، فتحول إلى مخلوق بلا إحساس.. ولا كرامة.. ولا شرف.

اعذروني إن تجاوزت حدودي وأنا أتحدث عن أبي، ولكن!! ما هو رأيكم في أب تتصل به ابنته لتطلب منه ثلاثمائة درهم فيقول لها: أنا في مزرعة ومعي شباب حلوين، تعالي وستحصلين على كل ما تريدين من مال.

هل يمكنكم تصور مثل هذا الوضع؟ هل يتقبل إنسان شريف مثل هذا الكلام؟ إلى أي مستوى أوصله الإدمان؟ فقد آدميته وكل قيمه ثمناً للتعاطي، فما هو موقفكم منه بعد كل ذلك؟ هل يستحق كلمة (أبي)؟ لقد سحقنا ألف ألف مرة بقدميه، أنا وأمي وأختيّ، لا يمكنكم أن تتصوروا كيف هو حالنا!! وكيف نعيش!! ومن أين نأكل!!

انتبهوا جيداً

إذا حدث أن طرقت أبوابكم إحدى المتسولات، وهي امرأة ترتدي النقاب، صوتها مخنوق من شدة الحسرة، قماش النقاب يلتصق بخديها لكثرة دموعها، أرجوكم.. إن جاءتكم هذه المرأة تطلب منكم إحساناً، فعاملوها بلطف، فإن لم يكن لديكم رغبة بمساعدتها، فقولوا لها قولاً كريماً، فهذه المرأة هي أمنا!!

وإذا شاهدتم امرأة رقيقة الحال، تبحث في الحاويات عن علب فارغة تجمعها لتبيعها، تمشي مهدودة الحيل، هدها الضعف والمرض، تلك هي أمنا، فارحموها.

''وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون''، لم يظلمنا خالقنا، ولكن أفعال الإنسان وارتكابه المعاصي وانغماسه في المحرمات، هو الظلم بعينه، يظلم نفسه، ويظلم أسرته، ويسيء لأقرب الناس إليه.

هل تعرفون كيف أمضينا طفولتنا؟ عشنا في ملحق قديم مليء بالرطوبة والحشرات، عجزنا عن تسديد فواتير الكهرباء فقطعوها عنا لمدة سنة ونصف، تخيلوا!! هل يمكن لإنسان أن يعيش بلا كهرباء في هذا الزمن؟ خصوصاً في أشهر الحر، الكل يضج ويثور إذا انقطعت الكهرباء في بيته لساعات معدودة، أما نحن فقد عشنا في الظلام والحر لعام ونصف عام، وقد صبرنا ولم نتذمر.

هذا بالنسبة للسكن، أما بالنسبة للطعام، فقد مضت علينا ليال عديدة ولم نجد خلالها ما نأكل، بالطبع لا أحد يصدق ذلك، ولكن هذه هي الحقيقة، كنا ننام مع الشعور المؤلم بالجوع وهو يقرص أحشاءنا طوال الليل.

أما بالنسبة لما نلبس، فهذا شيء مستور ولله الحمد، فنحن لا نخرج كثيراً من البيت، وثيابنا لم تتغير لسنوات طويلة، نعيد ترتيبها لتكون ملائمة لنمو أجسادنا.

أما بالنسبة للدراسة، فقد حرمنا من هذه النعمة بسبب الفقر، تخيلوا.. في هذا الزمن تعيش ثلاث فتيات لا يعرفن القراءة والكتابة، فهل يمكنكم تخيل مثل هذا الوضع؟

ماذا تفعل امرأة غير متعلمة لديها ثلاث بنات وقد هجرها زوجها لسنين طويلة؟ كيف تنفق عليهن وهي لا تملك دخلاً يمكن الاعتماد عليه؟ حتى الطلاق الذي يشكل نعمة طيبة في مثل ظروفها، لم تحصل عليه، فوالدي يأبى أن يأتينا النفع عن طريقه، فهو يعلم جيداً بأنه لو طلقها فإنها ستطلب راتباً من الشؤون يساعدنا في وضعنا البائس، لذلك فهو متمسك بإذلالها وجعلها محتاجة بشكل دائم، فهو على يقين بأنها لا تملك المال الكافي لترفع ضده دعوى قضائية، فهي لا تملك شيئاً على الإطلاق، حتى أجور التاكسي، وطباعة الأوراق لا تملكها، لذلك فهو مرتاح الضمير لكل ما أوصلنا إليه من حاجة وجوع، نحن فلذات كبده.


الحكاية


تزوجها وهي مطلقة، ومن فئة ''البدون'' ولم يستخرج لها جنسية، ولم يتقبلها أهله، وبقيت الخلافات مستمرة، فهو من عائلة كبيرة، وقد أدمن المخدرات منذ بداية شبابه، فتبرأت منه عائلته، لم يكن سهلاً عليها أن تطلب الطلاق فتكون مطلقة للمرة الثانية لذلك صبرت على وضعه، دخل السجن عدة مرات بسبب المخدرات، كان يعمل في الجيش فتمت إقالته ثم عمل في وزارة الصحة، وتمت إقالته أيضاً بسبب عدم التزامه بعمله، وبسبب المخدرات أيضاً.

أثناء وجوده في السجن كنا نتسلم من الشؤون مبلغ ألفين وثلاثمائة درهم، وقد أعاننا ذلك المبلغ على تدبير أمورنا، فلا نحتاج لأحد، ندفع الإيجار وفواتير الكهرباء، وكل مصاريفنا، ولكن بعد أن خرج والدنا من السجن قطعت عنا تلك المساعدة فبقينا بلا مصدر ثابت للدخل.

كانت الخلافات على أشدها بين أبي وأمي بسبب امتناعه عن إعطائها المال، فهجرها وتزوج من امرأة هندية، وصار يحاربها بشراسة، اضطرت للعمل في الخياطة، ولكنها أصيبت بالسكري والضغط ولم تعد قادرة على العمل بسبب اعتلال صحتها، وبالطبع فهو يرفض إعطاءها خلاصة القيد لتستخرج بطاقة صحية فتعالج بالمجان، لذلك ازداد العبء المادي بسبب حاجتها لشراء الأدوية المكلفة جداً.

عندما وجدت أن أمي قد تعبت من تحمل تلك المسؤولية الثقيلة، قررت أن أتصرف، فقد كبرت ووعيت لكل الصعوبات التي تحملتها أمي، حاولت أن أفعل شيئاً لعلي أخفف من حملها، أو أجد حلاً لمشاكلنا، لذلك فقد قمت بعدة تحركات، منها ما فشل ومنها ما حقق بعض النجاح.

الخطوة الأولى التي قمت بها هي اتصالي بجدي، حاولت استرضاءه واستعطافه كي يساعدنا، ولكنه اتخذ مني موقفاً سلبياً وأخبرني بأنه ليس لديه ولد، وأنه تبرأ منه واعتبره ميتاً منذ سنين طويلة، فقلت له: ولكن ما ذنبنا يا جدي؟ فقال: ليتحمل هو وحده وزركم، فلا شأن لي بكم، ثم أغلق السماعة.

لم أيأس، فاتصلت بأعمامي، وهم يعملون برتب كبيرة في الشرطة، وهم في وضع مادي ممتاز، تحدثت معهم عن حالنا فسمعت منهم ما لا أطيقه من سباب وشتم لوالدي، فعرفت بأن لا أحد منهم مستعد لتحمل مسؤولية بنات أخيه المدمن.

على الرغم من كل ما سمعت كررت المحاولة وقمت بالاتصال بعمتيّ، وقد كنت متوقعة منهما نفس الموقف، ولكني وجدت شيئاً من التعاطف، فجاءت إحداهما وزارتنا في بيتنا، فوجدتنا نعيش مثل الحيوانات المشردة، في جحر رطب متعفن لا يدخله الهواء، وقد قطعت عنه الكهرباء، وجوهنا صفراء شاحبة من قلة الطعام ومن الرطوبة، فتأثرت تأثراً شديداً لحالنا، ثم قامت بتأجير شقة صغيرة، أثثتها بشكل مناسب، وقامت بدفع إيجار أربعة أشهر، ثم أخذت بإعطائنا مبلغ ألف درهم شهرياً، وأحياناً ألفين.

أحدثت نقلة نوعية في حياتنا، حيث صرنا نتنفس الهواء النقي ونعيش عيشة الآدميين.

لم يدم نعيمنا طويلاً، فبعد أن انتهت فترة الإيجار، لم تستطع عمتنا دفع الدفعة الجديدة، فساءت حالتنا مرة أخرى بشكل كبير، فندمنا لأننا تركنا ذلك الجحر، ففي كل الأحوال كنا قادرين على دفع إيجاره البسيط.

الكيل الطافح

أنا التي لم أتحدث في حياتي مع شخص غريب لا أدري من أين جاءتني الجرأة، فاتصلت بأحد قنوات البث المباشر الإذاعية، وتحدثت عن حالنا، وصرخت بأعلى صوتي: يا ناس.. نحن بنات هذا البلد.. سنموت جوعاً.. سيتم طردنا من البيت المستأجر.. فأين سنذهب؟ وماذا نفعل؟

اتصلوا بنا من ديوان صاحب السمو رئيس الدولة وأعطونا مبلغ خمسين ألف درهم، فرحنا بها فرحاً عظيماً وقمنا بدفع الإيجار لسنة كاملة، ولكن الشهور لا تتوقف، وهي تمضي مسرعة، وموعد الإيجار سيأتي قريباً، فماذا سنفعل؟

ذهبت إلى الشؤون وحكيت لهم عن حالتنا، فقالوا إننا لا نستحق المساعدة إلا بعد أن نصل إلى سن الخامسة والثلاثين، أو أن يتم طلاق أمنا.

فكرت في العمل، ولكن ماذا سأعمل وأنا لا أعرف القراءة والكتابة؟ قدمت أوراقي للشرطة وتوسلت بعمي ليتوسط لي، ولكنه لم يفعل، توسلت إليه أن يشتري لي سيارة ولو بخمسة آلاف درهم، استخدمها في توصيل بعض السيدات فأحصل على المال، ولكنه رفض أن يساعدني.

ذهبت إلى الجمعيات الخيرية، ولكنهم طلبوا منا ورقة طلاق أمنا، فما دام الزواج قائماً فالزوج هو المسؤول عن أسرته.

حتى أملنا في الزواج شبه منعدم، فمن يفكر بالزواج من فتاة والدها مدمن؟ إنه الحكم بالإعدام علينا.. أليست هذه هي الحقيقة؟

في أحد الأيام اتصل بنا والدي وطلب عقد زواجه بأمنا، ففكرت أمي بأنه ربما سيعود لرشده ويعمل شيئاً طيباً من أجلنا، أخذ عقد الزواج وشهادات الميلاد، وقال إنه سيطلب بيتاً من الحكومة لأجلنا، فرحنا فرحاً كبيراً وقلنا: الحمدلله.. سنعيش أخيراً في بيت ملكنا ولن يطالبنا أحد بالإيجار.

وفعلاً فقد حصل على البيت الحكومي بأسرع مما توقعنا، ولكنه لم يدعنا للسكن فيه وإنما أسكن زوجته الهندية وحوله إلى وكر جديد للتعاطي.

منذ أن تزوج والدي تلك المرأة الهندية ازداد كرهه لنا بشكل لا يوصف، فكلما اتصلت به صار يشتمني ويسب أمي، وعندما ألح عليه في طلب المال يكرر على سمعي تلك العبارة المنحطة، خلقكن الله بناتاً لتستفدن، ولكن أنتن غبيات مثل أمكن ولا تعرفن كيف تكسبن المال بسهولة.

تحدثت مع زوجة أبي بعد أن يئست من تعاطفه، قلت لها: أنت إنسانة، لديك شعور وأنا مستعدة أن أعمل خادمة لديك، فقط أقنعي والدي ليعطينا مصروفاً شهرياً حتى لو كان ثلاثمائة درهم، فردت علي بنفس أسلوبه: يمكنك أن تكسبي الكثير من المال لو كنت ذكية ولكنك غبية مثل أمك.

يبدو أن قلب أبي وزوجته قاسٍ كالحجر، ماتت فيه الأحاسيس، والله حتى الحجر يشعر بالرهبة والخوف من الله، ولكن قلوب هؤلاء الناس هي أقسى من الحجر.

لا يمكنني أن أنسى ما قالته أمي وهي في إحدى حالات الحزن والانهيار، أخبرتني بأن والدي كان يوماً محتاجاً للمال من أجل المخدرات فلم يجده بعد أن باع كل ما في البيت، عندها جاءته فكرة شيطانية، حيث فكر بأخذي، أنا ابنته البكر، وقد كنت وقتها في السنة الثانية من عمري، قرر أن يبيعني ليحصل على المال الذي يؤمن له المخدرات، حدثت معركة حامية بينهما في ذلك اليوم، هي متشبثة بي، وهو يضربها حتى تجمع الناس من حولهما وأنقذونا منه.

نتظاهر بالرضا والصبر أمام أمنا، لا نريدها أن تشعر بالمزيد من الألم والحزن، يكفيها ما عانته طوال عمرها، ونحن لا نيأس من رحمة الله، وما قد يخبئه لنا المستقبل، فالنظر للغد بتفاؤل خير وسيلة لرفض الواقع المظلم.
عثمان محمد يعقوب شاويش
عثمان محمد يعقوب شاويش
مشرف منتدى شخصيات من ابى جبيهه
مشرف منتدى شخصيات من ابى جبيهه


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة


 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى