قصـــــــــــــة واقعيـــــــــــة ....رقم (16)
صفحة 1 من اصل 1
قصـــــــــــــة واقعيـــــــــــة ....رقم (16)
:: غلطة العاقل ::
لا أمدح نفسي، ولكني فعلاً إنسانة طيبة بشهادة كل من يعرفني، والله لا أستحق ما فعله زوجي بي، وثقت به كما أثق بكل الناس، أخبرني بأنه اختارني عن قناعة كاملة، بمجرد أن شاهدني مرة واحدة، قرر بداخله أن أكون زوجته مهما كان الثمن.
توفيت زوجته وتركت له ابنة واحدة في المرحلة الابتدائية، وأنا معلمتها في المدرسة، مرت البنت بحالة نفسية صعبة بعد وفاة أمها، وقد تعاطفت معها وتقربت إليها لمساعدتها في تخطي الأزمة، فكان ذلك اللقاء السريع بيني وبين والدها عندما جاء لاستلامها أثناء فترة مرضها، أكلني بعينيه حتى قلت لنفسي: يا للرجال لم يمض على وفاة زوجته إلا فترة بسيطة وهو لا يتردد في إرسال نظراته الحارقة لغيرها، بحجة متابعة ابنته اتصل بي، وبعد مجاملات بسيطة أخبرني بأنه يرغب بالارتباط بي، فرفضت طلبه، وعندما ألح علي ليعرف سبب الرفض، أخبرته بأنني كونت فكرة سيئة عنه بسبب موقفه هذا، فهو لم يحترم ذكرى رحيل زوجته، لذلك فهو من النوع الذي لا تطمئن المرأة لإخلاصه، ولكنه دافع عن نفسه قائلاً: لم أكن أحب زوجتي يوماً، تزوجتها باختيار والدتي، ولم أنسجم معها، والدليل على ذلك هو أنني لم أنجب منها سوى طفلة واحدة طوال سبع سنوات من الزواج، ولكني لم أشأ أن أطلقها حتى لا تتربى ابنتي بعيداً عني، ثم شاءت إرادة الله أن تصاب المرأة بالمرض الخبيث، فلم أقصر معها وأخذتها للعلاج في الخارج وبقيت معها حتى اختارها الله لجواره، أعتقد أن من حقي أن أفكر بنفسي بعد كل هذا الصبر وتلك المعاناة.
كما أؤكد لك بأنني لم أفكر بالزواج إلا عندما شاهدتك، شعرت بانجذاب شديد لك وقلت في نفسي: سأتزوج هذه الفتاة وسأفوز بها مهما كان الثمن، فأنا متأكد من أنها المرأة الوحيدة في العالم التي أريد أن أمضي حياتي كلها معها.
تجربة الزواج
بعد ذلك الكلام الجميل رضيت بالزواج منه، وقد شجعني شعوري بالمسؤولية نحو ابنته، فقد أحببتها حباً كبيراً، وكنت خائفة عليها من زوجة أب ربما تؤذيها ولا ترحمها.
عشت سعادة حقيقية في بداية الزواج، فقد كان زوجي مثالاً للزوج المحب المتفاني من أجل أسرته، وقد أحببته بشكل كبير مع العشرة الطيبة بيننا، وبالطبع وكما في كل حياة زوجية كانت هناك منغصات، فقد سكنا مع والديه في بيتهم الكبير، فاكتشفت أن أمه امرأة قوية متسلطة، تحب التدخل في كل صغيرة وكبيرة من شؤوننا، فلم نكن نسلم أنا وحفيدتها من لسانها اللاذع وانتقاداتها المستمرة، كانت تحب أن تفرض سيطرتها وتحكمها بنا بشكل مزعج، لذلك طلبت من زوجي أن نعيش في سكن مستقل، بصعوبة وافق على هذا الاقتراح، وكان خائفاً من ردة فعل أمه، وقد كان محقاً، فلم تقصر بإسماعنا كلاماً جارحاً قاسياً عندما علمت بقرارنا، ولكني لم أكترث لها وتركت بيتها وعشت مع أسرتي في بيت اشتراه زوجي، وكان صغيراً، ولكنه صار كبيراً بحبنا وعلاقتنا الجميلة مع بعضنا.
بعد سنتين من الزواج رزقت بطفل، ولكن للأسف، فقد جاء الطفل (منغولياً) فأصبت بصدمة كبيرة، خصوصاً أن أم زوجي فرحت وشمتت بي وقالت: هذه عقوبة لك لأنك خرجت عن طاعتي، وأخرجت ولدي من بيتي.
شعرت بقهر كبير، على الرغم من أنني كنت حريصة على تواصل زوجي مع والديه، ولم أنقطع أنا أيضاً عن زيارتهم، على الرغم من كل ما كنت أسمعه منها، إلا أنني أخاف ربي ولا أريد أن أكون سبباً في قطع الرحم.
تخطيت الحالة النفسية الصعبة بعد الولادة بفترة بسيطة، وقد ساعدني الأطباء لفهم حالة ابني، وعلموني كيفية التعامل معه، كيف أحبه وأتعامل معه بصبر ودون أن يشعر بشفقتي عليه، ودون أن أظهر له الحماية الزائدة أو الإهمال اللامعقول.
تقبلت هذا الوضع وتأقلمت معه، وتذكرت قول والدي: إن هذا ابتلاء من ربي، وعلي أن أتقبله بلا تذمر حتى لا أكون من الكافرين.
صرت مدركة ومستوعبة لهذا الابتلاء، فتقبلته ولم أعترض، ولم أخجل من وجود هذا الطفل في حياتي، أعطيته كل شوق الأمومة الذي اختزنته بداخلي، وكذلك فعلت أخته التي أحبته بشدة وشاركتني العناية به، أما زوجي ''والده'' فكان موقفه مختلفاً تماماً، فقد أخذ موقفاً سلبياً من الطفل، صار يخجل منه ولا يرى سوى إعاقته، وصار يعلن بكل وقاحة عن أمنيته بأن يموت هذا الطفل بأسرع وقت، فلا يعيش بيننا، ولا يحمل اسمه.
كنت أجادله، أحاول إقناعه بأن يتقبل ابنه وأن لا يتحدث عنه بتلك الطريقة، فيصير عصبياً وعنيفاً معي، فبرزت الخلافات بيننا وسادت الجفوة في علاقتنا الزوجية على الرغم من محاولاتي التي بذلتها لتغيير وجهة نظره.
دام ذلك الوضع من عدم التفاهم والجفاء والبرود بيننا لعام كامل، ثم حدثت بعض الأحداث الموجعة في حياتي، بعد أن انتقل والدي إلى رحمة الله، ثم تبعه ابني المعاق، فمررت بفترة نفسية صعبة جداً.
الغريب في الأمر هو أن زوجي وعلى الرغم من كل ما مررنا به إلا أنه تعامل مع الوضع بمنتهى الإهمال والبرود، وكأنه شخص آلي بلا إحساس ولا مشاعر، فلم يذرف دمعة واحدة لرحيل ابنه، ولم يكلف نفسه مشقة مواساتي ولو بكلمة واحدة، وبقي غائباً حاضراً في حياتنا أنا وابنته.
التواصل ببرود
أخيراً تجاوزت الأزمة بمساعدة تلك الصغيرة وحنانها الذي يفوق التصور، فقد تعاملت معي بذكاء نادر، وحاولت أن تعوضني عن فقد ابني باهتمامها المتواصل بي وكأنها إنسانة كبيرة وليست مجرد طفلة، وقد شعرت ببرود والدها وتجاهله لي، فكانت تصبرني وتتوسل إلي أن أسامحه، لقد سخرها لي ربي كي تعوضني عن فقدان ابني وعن تجاهل زوجي لي.
بعد أن استعدت عافيتي حاولت أن أستعيد زوجي، فصرت أتزين له وأستقبله بحرارة واهتمام وأتحدث معه عن الأمل في إعادة المحاولة لإنجاب طفل آخر سيكون سليماً بإذن الله، ولكن للأسف فإن زوجي لم يستطع حتى مجاملتي وظل على بروده وتجاهله الفظيع لي.
عندما وجد مني إلحاحاً شديداً لإعادة علاقتنا الزوجية على ما كانت عليه في بداية زواجنا، ضغط على نفسه وحاول أن يمثل الدور مرة أخرى، ولكنه لم يفلح في إخفاء تغير مشاعره من ناحيتي، فقلت في نفسي: إنها محنة يمر بها وسيتجاوزها ليعود كما كان أو أفضل.
في تلك الفترة حدث الحمل مرة أخرى، وكنت سعيدة للغاية، دعوت ربي أن يرزقني الطفل السليم، الذي يعوضني عن طفلي الذي فقدته، جئت لأبشر زوجي بحملي، ولكنه فاجأني بردة فعل قاسية علي، إذ قال لي بكل قسوة وعدم مراعاة لمشاعري: كان من الأفضل أن لا يحدث الحمل مرة أخرى، فكل أطفالك سيولدون معاقين.
صفعة قاسية صفعني بها بتلك الكلمات التي انطلقت من قلب ضعيف الإيمان بقضاء الله وقدره، فقضى بكلماته على رغبتي في أن يعود الحب بيننا، لذلك عادت الجفوة والمقاطعة النفسية والعاطفية، وعاد البرود ليلف حياتنا من جديد.
وصلتني بعض التلميحات من هنا وهناك عن سلوك زوجي من الأهل والأصدقاء، فدخل الشك في نفسي، بالفعل فإن وضعه يدعو للشك، فهو يغيب طوال اليوم عن البيت، وقد كنت معتقدة بأنه يذهب إلى منزل والديه، ولكن اتصال أمه بي وهي تدعو بالشر علي لأنني أمنع ولدها من زيارتها والسؤال عنها، هذا الاتصال جعلني أدرك أن في حياة زوجي سرا لا أعرفه، فبدأت بمراقبته وليتني لم أفعل، فبغير صعوبة عرفت أنه قد تزوج من فتاة أجنبية وأنه يعيش معها طوال اليوم، ولا يعود إلا بعد منتصف الليل.
صدمة جديدة أتت على البقية الباقية من أعصابي، فبعد كل ما فعلته من أجله يتزوج من أخرى بكل بساطة!! تحملت تسلط أمه، واعتنيت بطفلته وعاملتها كابنتي تماماَ، وتحملت مأساة طفلنا المعاق ورحيله، وكنت وعلى الرغم من كل ما حدث مهتمة به وبنفسي، كل ذلك وهو لم يفكر إلا بنفسه ومتعته؟ يا له من رجل أناني.
دوامة عنيفة دارت برأسي، ولم أعرف ماذا أفعل، هل أطلب الطلاق؟ أرعبتني الفكرة، الفشل ليس من طبعي، ثم ما ذنب تلك الطفلة المسكينة التي تعلقت بها وتعلقت بي؟ وما ذنب الطفل الذي أحمله بين أحشائي؟ ثم هل أتركه لتلك المرأة الأجنبية لتفوز به بعد فشلي باسترجاعه؟ إن ذلك مستحيل، لذلك فكرت بخطة ذكية ثم قمت بتنفيذها.
الخطة الذكية
ذهبت إلى أمه وأخبرتها بالحقيقة، فصدمت صدمة قوية، وانهار جبروتها، ولم تصدق أن ابنها الذي تتباهى بتربيته العالية يفعل مثل ذلك الأمر، ثم طلبت مني أن لا أتهور وأطلب الطلاق، ووعدتني بأنها ستتصرف.
كما توقعت فإنني ضربت عصفورين بحجر واحد، فمنذ ذلك اليوم تغيرت المرأة في تعاملها معي وصارت تتودد إلي وتحاول كسبي بأي شكل، وأيضاً فقد اتصلت بابنها واستعرضت قوتها وسيطرتها عليه فجعلته يطلق تلك الأجنبية، ويعود إلي معتذراً، وقد ذهب تكبره وتجبره، بعد أن مسحت أمه بكرامته الأرض بطرقها الخاصة.
أتممت باقي الخطة، فأخذت البنت وذهبت إلى بيت أهلي، وبالطبع فإنني لم أخبرهم بما حدث، لأنني لست بحاجة لتبرير مجيئي عندهم، بسبب ظروف اقتراب ولادتي، حيث يتحتم علي البقاء هناك لتعتني والدتي بي بعد الولادة.
بهذا التصرف أصبح زوجي وأمه في وضع قلق، لا يستطيعان تبرير تركي للبيت، هل هو بسبب اقتراب موعد الولادة، أم بسبب ما حدث، فتركتهم لحالة القلق، كي يشعروا بقيمتي.
أنجبت طفلة سليمة معافاة فحمدت ربي على هذه النعمة، اتصلت البنت بجدتها ووالدها فجاء الجميع لتهنئتي بالسلامة، وكانوا في وضع محرج، خصوصاً زوجي الذي لم يستطع أن يرفع عينيه بعيني، ثم طلب أن يتحدث معي على انفراد، فقال لي: أنا آسف لكل ما سببته لك من الأذى، لقد أدبني ربي وأعادني لعقلي، فبعد أن كنت معتقداً بأنك أنت المسؤولة عن مجيء الطفل المعاق، تزوجت من تلك المرأة، ولكنها أنجبت طفلاً معاقاً آخر، فأدركت بأن الأمر كله بيد الله.
إنها تجربة قاسية مررت بها، وقد طلقت تلك المرأة، وأنا نادم، وأرجو منك مسامحتي، لقد فشلت في الاختبار مع ربي، ولكني أطمع بأن يسامحني، خصوصاً وأنه رزقني منك بطفلة سليمة، فهذا يدل على أنه سيغفر لي خطأي، وقد توسلت إليه أن يلين قلبك لي مرة أخرى وأن تسامحيني على كل ما فعلت.
لم أجبه بنفس الوقت ولكني تصرفت بشكل طبيعي، وعدت لمنزل أهلي لقضاء الأربعين، وقد عقدت العزم على نسيان ما حدث والصفح عن زوجي، فكل إنسان معرض للخطأ.
جاءني اتصال غريب من امرأة عرفت بأنها طليقة زوجي، فقالت لي بعد أن عرفتني بنفسها: إنه لا يرد على اتصالاتي، عموماً فقد حصلت على رقم هاتفك من هاتفه قبل أن يطلقني، أحب أن تبلغيه بأنني لست على استعداد لتحمل مسؤولية ابنه المعاق، لقد تركته في المستشفى وسأعود لبلدي، ليأخذه أبوه أو ألقوه عند باب أي مسجد أو حتى في الزبالة، أبوه هو المسؤول عنه.
استغربت لتفكير هذه المرأة، كيف تتخلى عن ابنها بهذه السهولة؟ عموماً فقد أخبرت أم زوجي بكل ما حدث، فذهبت إلى المستشفى وأخذت الطفل بعد أن قررت أن تتحمل مسؤولية العناية به بنفسها.
لا أمدح نفسي، ولكني فعلاً إنسانة طيبة بشهادة كل من يعرفني، والله لا أستحق ما فعله زوجي بي، وثقت به كما أثق بكل الناس، أخبرني بأنه اختارني عن قناعة كاملة، بمجرد أن شاهدني مرة واحدة، قرر بداخله أن أكون زوجته مهما كان الثمن.
توفيت زوجته وتركت له ابنة واحدة في المرحلة الابتدائية، وأنا معلمتها في المدرسة، مرت البنت بحالة نفسية صعبة بعد وفاة أمها، وقد تعاطفت معها وتقربت إليها لمساعدتها في تخطي الأزمة، فكان ذلك اللقاء السريع بيني وبين والدها عندما جاء لاستلامها أثناء فترة مرضها، أكلني بعينيه حتى قلت لنفسي: يا للرجال لم يمض على وفاة زوجته إلا فترة بسيطة وهو لا يتردد في إرسال نظراته الحارقة لغيرها، بحجة متابعة ابنته اتصل بي، وبعد مجاملات بسيطة أخبرني بأنه يرغب بالارتباط بي، فرفضت طلبه، وعندما ألح علي ليعرف سبب الرفض، أخبرته بأنني كونت فكرة سيئة عنه بسبب موقفه هذا، فهو لم يحترم ذكرى رحيل زوجته، لذلك فهو من النوع الذي لا تطمئن المرأة لإخلاصه، ولكنه دافع عن نفسه قائلاً: لم أكن أحب زوجتي يوماً، تزوجتها باختيار والدتي، ولم أنسجم معها، والدليل على ذلك هو أنني لم أنجب منها سوى طفلة واحدة طوال سبع سنوات من الزواج، ولكني لم أشأ أن أطلقها حتى لا تتربى ابنتي بعيداً عني، ثم شاءت إرادة الله أن تصاب المرأة بالمرض الخبيث، فلم أقصر معها وأخذتها للعلاج في الخارج وبقيت معها حتى اختارها الله لجواره، أعتقد أن من حقي أن أفكر بنفسي بعد كل هذا الصبر وتلك المعاناة.
كما أؤكد لك بأنني لم أفكر بالزواج إلا عندما شاهدتك، شعرت بانجذاب شديد لك وقلت في نفسي: سأتزوج هذه الفتاة وسأفوز بها مهما كان الثمن، فأنا متأكد من أنها المرأة الوحيدة في العالم التي أريد أن أمضي حياتي كلها معها.
تجربة الزواج
بعد ذلك الكلام الجميل رضيت بالزواج منه، وقد شجعني شعوري بالمسؤولية نحو ابنته، فقد أحببتها حباً كبيراً، وكنت خائفة عليها من زوجة أب ربما تؤذيها ولا ترحمها.
عشت سعادة حقيقية في بداية الزواج، فقد كان زوجي مثالاً للزوج المحب المتفاني من أجل أسرته، وقد أحببته بشكل كبير مع العشرة الطيبة بيننا، وبالطبع وكما في كل حياة زوجية كانت هناك منغصات، فقد سكنا مع والديه في بيتهم الكبير، فاكتشفت أن أمه امرأة قوية متسلطة، تحب التدخل في كل صغيرة وكبيرة من شؤوننا، فلم نكن نسلم أنا وحفيدتها من لسانها اللاذع وانتقاداتها المستمرة، كانت تحب أن تفرض سيطرتها وتحكمها بنا بشكل مزعج، لذلك طلبت من زوجي أن نعيش في سكن مستقل، بصعوبة وافق على هذا الاقتراح، وكان خائفاً من ردة فعل أمه، وقد كان محقاً، فلم تقصر بإسماعنا كلاماً جارحاً قاسياً عندما علمت بقرارنا، ولكني لم أكترث لها وتركت بيتها وعشت مع أسرتي في بيت اشتراه زوجي، وكان صغيراً، ولكنه صار كبيراً بحبنا وعلاقتنا الجميلة مع بعضنا.
بعد سنتين من الزواج رزقت بطفل، ولكن للأسف، فقد جاء الطفل (منغولياً) فأصبت بصدمة كبيرة، خصوصاً أن أم زوجي فرحت وشمتت بي وقالت: هذه عقوبة لك لأنك خرجت عن طاعتي، وأخرجت ولدي من بيتي.
شعرت بقهر كبير، على الرغم من أنني كنت حريصة على تواصل زوجي مع والديه، ولم أنقطع أنا أيضاً عن زيارتهم، على الرغم من كل ما كنت أسمعه منها، إلا أنني أخاف ربي ولا أريد أن أكون سبباً في قطع الرحم.
تخطيت الحالة النفسية الصعبة بعد الولادة بفترة بسيطة، وقد ساعدني الأطباء لفهم حالة ابني، وعلموني كيفية التعامل معه، كيف أحبه وأتعامل معه بصبر ودون أن يشعر بشفقتي عليه، ودون أن أظهر له الحماية الزائدة أو الإهمال اللامعقول.
تقبلت هذا الوضع وتأقلمت معه، وتذكرت قول والدي: إن هذا ابتلاء من ربي، وعلي أن أتقبله بلا تذمر حتى لا أكون من الكافرين.
صرت مدركة ومستوعبة لهذا الابتلاء، فتقبلته ولم أعترض، ولم أخجل من وجود هذا الطفل في حياتي، أعطيته كل شوق الأمومة الذي اختزنته بداخلي، وكذلك فعلت أخته التي أحبته بشدة وشاركتني العناية به، أما زوجي ''والده'' فكان موقفه مختلفاً تماماً، فقد أخذ موقفاً سلبياً من الطفل، صار يخجل منه ولا يرى سوى إعاقته، وصار يعلن بكل وقاحة عن أمنيته بأن يموت هذا الطفل بأسرع وقت، فلا يعيش بيننا، ولا يحمل اسمه.
كنت أجادله، أحاول إقناعه بأن يتقبل ابنه وأن لا يتحدث عنه بتلك الطريقة، فيصير عصبياً وعنيفاً معي، فبرزت الخلافات بيننا وسادت الجفوة في علاقتنا الزوجية على الرغم من محاولاتي التي بذلتها لتغيير وجهة نظره.
دام ذلك الوضع من عدم التفاهم والجفاء والبرود بيننا لعام كامل، ثم حدثت بعض الأحداث الموجعة في حياتي، بعد أن انتقل والدي إلى رحمة الله، ثم تبعه ابني المعاق، فمررت بفترة نفسية صعبة جداً.
الغريب في الأمر هو أن زوجي وعلى الرغم من كل ما مررنا به إلا أنه تعامل مع الوضع بمنتهى الإهمال والبرود، وكأنه شخص آلي بلا إحساس ولا مشاعر، فلم يذرف دمعة واحدة لرحيل ابنه، ولم يكلف نفسه مشقة مواساتي ولو بكلمة واحدة، وبقي غائباً حاضراً في حياتنا أنا وابنته.
التواصل ببرود
أخيراً تجاوزت الأزمة بمساعدة تلك الصغيرة وحنانها الذي يفوق التصور، فقد تعاملت معي بذكاء نادر، وحاولت أن تعوضني عن فقد ابني باهتمامها المتواصل بي وكأنها إنسانة كبيرة وليست مجرد طفلة، وقد شعرت ببرود والدها وتجاهله لي، فكانت تصبرني وتتوسل إلي أن أسامحه، لقد سخرها لي ربي كي تعوضني عن فقدان ابني وعن تجاهل زوجي لي.
بعد أن استعدت عافيتي حاولت أن أستعيد زوجي، فصرت أتزين له وأستقبله بحرارة واهتمام وأتحدث معه عن الأمل في إعادة المحاولة لإنجاب طفل آخر سيكون سليماً بإذن الله، ولكن للأسف فإن زوجي لم يستطع حتى مجاملتي وظل على بروده وتجاهله الفظيع لي.
عندما وجد مني إلحاحاً شديداً لإعادة علاقتنا الزوجية على ما كانت عليه في بداية زواجنا، ضغط على نفسه وحاول أن يمثل الدور مرة أخرى، ولكنه لم يفلح في إخفاء تغير مشاعره من ناحيتي، فقلت في نفسي: إنها محنة يمر بها وسيتجاوزها ليعود كما كان أو أفضل.
في تلك الفترة حدث الحمل مرة أخرى، وكنت سعيدة للغاية، دعوت ربي أن يرزقني الطفل السليم، الذي يعوضني عن طفلي الذي فقدته، جئت لأبشر زوجي بحملي، ولكنه فاجأني بردة فعل قاسية علي، إذ قال لي بكل قسوة وعدم مراعاة لمشاعري: كان من الأفضل أن لا يحدث الحمل مرة أخرى، فكل أطفالك سيولدون معاقين.
صفعة قاسية صفعني بها بتلك الكلمات التي انطلقت من قلب ضعيف الإيمان بقضاء الله وقدره، فقضى بكلماته على رغبتي في أن يعود الحب بيننا، لذلك عادت الجفوة والمقاطعة النفسية والعاطفية، وعاد البرود ليلف حياتنا من جديد.
وصلتني بعض التلميحات من هنا وهناك عن سلوك زوجي من الأهل والأصدقاء، فدخل الشك في نفسي، بالفعل فإن وضعه يدعو للشك، فهو يغيب طوال اليوم عن البيت، وقد كنت معتقدة بأنه يذهب إلى منزل والديه، ولكن اتصال أمه بي وهي تدعو بالشر علي لأنني أمنع ولدها من زيارتها والسؤال عنها، هذا الاتصال جعلني أدرك أن في حياة زوجي سرا لا أعرفه، فبدأت بمراقبته وليتني لم أفعل، فبغير صعوبة عرفت أنه قد تزوج من فتاة أجنبية وأنه يعيش معها طوال اليوم، ولا يعود إلا بعد منتصف الليل.
صدمة جديدة أتت على البقية الباقية من أعصابي، فبعد كل ما فعلته من أجله يتزوج من أخرى بكل بساطة!! تحملت تسلط أمه، واعتنيت بطفلته وعاملتها كابنتي تماماَ، وتحملت مأساة طفلنا المعاق ورحيله، وكنت وعلى الرغم من كل ما حدث مهتمة به وبنفسي، كل ذلك وهو لم يفكر إلا بنفسه ومتعته؟ يا له من رجل أناني.
دوامة عنيفة دارت برأسي، ولم أعرف ماذا أفعل، هل أطلب الطلاق؟ أرعبتني الفكرة، الفشل ليس من طبعي، ثم ما ذنب تلك الطفلة المسكينة التي تعلقت بها وتعلقت بي؟ وما ذنب الطفل الذي أحمله بين أحشائي؟ ثم هل أتركه لتلك المرأة الأجنبية لتفوز به بعد فشلي باسترجاعه؟ إن ذلك مستحيل، لذلك فكرت بخطة ذكية ثم قمت بتنفيذها.
الخطة الذكية
ذهبت إلى أمه وأخبرتها بالحقيقة، فصدمت صدمة قوية، وانهار جبروتها، ولم تصدق أن ابنها الذي تتباهى بتربيته العالية يفعل مثل ذلك الأمر، ثم طلبت مني أن لا أتهور وأطلب الطلاق، ووعدتني بأنها ستتصرف.
كما توقعت فإنني ضربت عصفورين بحجر واحد، فمنذ ذلك اليوم تغيرت المرأة في تعاملها معي وصارت تتودد إلي وتحاول كسبي بأي شكل، وأيضاً فقد اتصلت بابنها واستعرضت قوتها وسيطرتها عليه فجعلته يطلق تلك الأجنبية، ويعود إلي معتذراً، وقد ذهب تكبره وتجبره، بعد أن مسحت أمه بكرامته الأرض بطرقها الخاصة.
أتممت باقي الخطة، فأخذت البنت وذهبت إلى بيت أهلي، وبالطبع فإنني لم أخبرهم بما حدث، لأنني لست بحاجة لتبرير مجيئي عندهم، بسبب ظروف اقتراب ولادتي، حيث يتحتم علي البقاء هناك لتعتني والدتي بي بعد الولادة.
بهذا التصرف أصبح زوجي وأمه في وضع قلق، لا يستطيعان تبرير تركي للبيت، هل هو بسبب اقتراب موعد الولادة، أم بسبب ما حدث، فتركتهم لحالة القلق، كي يشعروا بقيمتي.
أنجبت طفلة سليمة معافاة فحمدت ربي على هذه النعمة، اتصلت البنت بجدتها ووالدها فجاء الجميع لتهنئتي بالسلامة، وكانوا في وضع محرج، خصوصاً زوجي الذي لم يستطع أن يرفع عينيه بعيني، ثم طلب أن يتحدث معي على انفراد، فقال لي: أنا آسف لكل ما سببته لك من الأذى، لقد أدبني ربي وأعادني لعقلي، فبعد أن كنت معتقداً بأنك أنت المسؤولة عن مجيء الطفل المعاق، تزوجت من تلك المرأة، ولكنها أنجبت طفلاً معاقاً آخر، فأدركت بأن الأمر كله بيد الله.
إنها تجربة قاسية مررت بها، وقد طلقت تلك المرأة، وأنا نادم، وأرجو منك مسامحتي، لقد فشلت في الاختبار مع ربي، ولكني أطمع بأن يسامحني، خصوصاً وأنه رزقني منك بطفلة سليمة، فهذا يدل على أنه سيغفر لي خطأي، وقد توسلت إليه أن يلين قلبك لي مرة أخرى وأن تسامحيني على كل ما فعلت.
لم أجبه بنفس الوقت ولكني تصرفت بشكل طبيعي، وعدت لمنزل أهلي لقضاء الأربعين، وقد عقدت العزم على نسيان ما حدث والصفح عن زوجي، فكل إنسان معرض للخطأ.
جاءني اتصال غريب من امرأة عرفت بأنها طليقة زوجي، فقالت لي بعد أن عرفتني بنفسها: إنه لا يرد على اتصالاتي، عموماً فقد حصلت على رقم هاتفك من هاتفه قبل أن يطلقني، أحب أن تبلغيه بأنني لست على استعداد لتحمل مسؤولية ابنه المعاق، لقد تركته في المستشفى وسأعود لبلدي، ليأخذه أبوه أو ألقوه عند باب أي مسجد أو حتى في الزبالة، أبوه هو المسؤول عنه.
استغربت لتفكير هذه المرأة، كيف تتخلى عن ابنها بهذه السهولة؟ عموماً فقد أخبرت أم زوجي بكل ما حدث، فذهبت إلى المستشفى وأخذت الطفل بعد أن قررت أن تتحمل مسؤولية العناية به بنفسها.
عثمان محمد يعقوب شاويش- مشرف منتدى شخصيات من ابى جبيهه
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى