ومن نُعزي فيك يا وطن؟! ..." لله درك يا "أجوك" .. أيتها الأبنوسية الشامخة " ...
صفحة 1 من اصل 1
ومن نُعزي فيك يا وطن؟! ..." لله درك يا "أجوك" .. أيتها الأبنوسية الشامخة " ...
صبية تملأ العين وتكيل..بنية من خبز الفنادك غابة الأبنوس عيونا ...لله درك يا "أجوك" أيتها الأبنوسية الشامخة
المقال :
ومن نُعزي فيك يا وطن؟!
بقلم - أجوك عوض الله جابو
يوليو 2011م
(1)
وجاء الصباح اليتيم خاتماً لفصول دموع وأشجان، فراق وغربة حفت المناطق والأحياء في الشمال وحلقت فوق دواوين المؤسسات الحكومية، وأي يوم سواه جدير بالجمع بين ما جمع من عظيم المتناقضات، فرح وحزن، أمل وخوف ترقب ورهبة افتقدناها الى أن خلص بنا الأمر الى مثل هذا اليوم.. حفل ودموع وموادعة و(اجتثاث).
وظللنا نردد أن المستعمر هو من زرع بيننا نبتة الشيطان، فإذا بنا بعده نتوسع وننشط في زرع المزيد اقتداء بما فعل وإقراراً بما أقر فينا فكبرت الزروع وتتطاولت الفروع فمنعت عنا ضوء الوحدة وسمح الإخاء وتراضي الاقتسام وعدله واحترام الآخر وقبوله واعتباره؛ وجاء يوم الحصاد دموعاً وفراق بيْن، تنابزاً، شقاقاً ونفاقا، سرادق عزاء للوحدوي الجنوبي والشمالي وصالات أفراح لنقيضيهما جنوبا وشمالا. والشاهد أن شيطان المستعمر الذي دأبنا على رميه بأباطيلنا افتراءَ واختلاقاً وعلى قساوته كان رحيماً بنا من أنفسنا.
(2)
ثم جاء يوم الاستحقاق الأكبر لشعب تشبث خمسة وخمسون عاماً بالظلم والتهميش والإقصاء، الاقتتال والتشرد والنزوح والجهل وما كل ذلك بكثير على أوطان حملناها في حدقات العيون صبراً ومصابرة وآمالا عراضا، جلوساً على طاولة مفاوضات لم تلد إلا نكوصاً وكراً وفرا الى ساحات الوغى. الى أن كان مسك الختام تكفيراً تطاير شرره، ثم لم يستثني براءة أو ضعفا وكهولة واستفحل الأمر عن آخره واليوم نجني حصاده، وطن يتمزق كل ممزق. ولم يكن ذاك بكثير في سبيل الأوطان لو أن بوارق أمل لاحت في الآفاق باستيعاب الدرس، لو توفر الشعور بإلاصلاح وأُبديت حسن النوايا، فالعامل الاول في صفحة مسوغات الانفصال كان الاستفزاز والتعالي وإلاصرار على الإقصاء والاستمرار في اعتناق العقيدة القديمة رغم أن ما مضى من الخمسة والخمسون عاماً قالت بأن الأواني امتلأت حتى فاضت ولكن من يعي أو يسمع!!. ورهط المؤتمر اليوم يعقدون حاجب الدهشة ولسان حالهم يردد (أعطيناهم أكثر مما استحقوا فماذا يريدون)؟. كأس الحنظل لا يُستساق إلا في حالات العزة.
(3)
واليوم يُحمل السودان الواحد الى مثواه الأخير، فهل يرقد بسلام والموت لا يزال يقطف ما أينع من سلام في ولاية جنوب كردفان وابيي. هل يرقد بسلام بعد الاستعاضة عن الاقلام بالرصاص والذخيرة المجنونة والركون للغة الاقتتال بدلا عن الحوار. واحد وعشرون عاماً ولم نُخلص الى شيء إلا عبر طاولة الحوار فإذا كان ذلك بالإمكان دون إراقة قطرة دم واحدة، لماذا الولوغ في إناء ليس دون العودة للشراب منه إلا ظمأ الوطن حد اليباس لماذا لا نجنح للسلم كافة؛ إمعاناً في فجيعة هذا البلد الطيب أهله أم لتحقيق انتصار ولا انتصار على أشلاء أبناء السودان.
(4)
ومصدر أمني بحسب صحيفة السوداني في الأسابيع المنصرمة قال: (سنمنع أي احتفالات في الشمال من شأنها استفزاز مشاعر الشماليين). والإيحاء المستقى؛ لكأنما كل ما كان بين شعب الشمال وشعب الشمال لم يقم إلا على هكذا مفاهيم، بينما كذبت دموع جون ورقة وما كان عليه من هيئة في حفل وداع الإذاعة للجنوبيين ماثلت تماماً هيئة أب فقد ابنه لتوه، وتلك حقيقة فما صبَّت على الشعب السودان بانقسامه من مصيبة لو صبت على الأيام لصرنا ليالي فهل فعل جون ورقة ما فعل لأنه لن يجد وظيفة في الجنوب الذي يذهب اليه أم لأنه سيجوع حتى الموت دون لقمة هناك.. قطعا لا؛ مهما بلغ السوء هناك فجون ورقة قاصد أهله ولكن طيب المعشر وصدق من اكتنز لنفسه بين الزملاء والاصدقاء والجيران في الشمال جعلت ورقة يدري يقيناً انه لا محالة تاركاً بعضه هنا. ولو ان مظاهر احتفاء الجنوبيين بما سموه يوم الاستقلال وقام على الاستفزاز فهل فعلها الأحداثيون يومها اعتباطاً وهم يزرفون الدمع في وداعنا لا نظن ذلك، أم هل نافقنا أستاذنا عبد المنعم أبو إدريس يوم أن ولج صالة الأحداث عائداً من تغطية الجلسة التي أسقطت فيه عضوية نواب الجنوب، فكانت الوحشة ورهبة الفراق تجلس على مقعدنا بعد ان غادرنا حينها وطفق يعالج معزياً نفسه فينا تحت عنوان (يوم غياب الجنوب وأجوك) لا نظن أيضا. فماذا كنا نملك تقديمه بعدها لأستاذ أبو إدريس ونحن الفقراء الى الله من كل (نفوذ) ومال غير احترام وتقدير ومحبة صادقة في الله ما زال ينبض في قلوبنا ويجيش في دواخلنا صدقاً. ولكن أنى لمن يهدوننا صباح مساء باقات البذاءة مع العلم بأن طيب الكلم يفوق الجود بالخيل والمال.
(5)
فحتى لحظات الوداع عزيزي يا سودان يفسدونه علينا بما انطوت عليه نوايا جريحة في حديثهم عن استفزاز مشاعر الشماليين. فالسياسيون لا يخرجون من سياج الأوهام التي يتوارون خلفها فيمشون بين الناس في مثل هذا اليوم في طرقات الشمال فيروا أي ذنب وجريرة ارتكبوها في حق الوطن الواعد.
مانشيتات الصحف تبكي دموعاً ودما عدا صحفهم التي تتوشح شفاها الله بوشاح العنصرية والعصبية فكم هم مساكين من حبسوا أنفسهم في سجن الكراهية وما أدراك ما هو .. فعن أي استفزاز يتحدث الواهمون؟!
(6)
نعم سيحتفل الجنوب ويحتفي بيوم الاستقلال ولكن السؤال الجوهري يقول: (استقلال ممن)؟ وما نقف عليه من إجابة ليس لها عداها تقول استقلال من جور كل الحكومات الوطنية التي تعاقبت على سدة الحكم في السودان دون فرز وانتهاء بمن دقوا آخر مسمار على نعش الوحدة، استقلال من العجرفة والاستعلاء المريض ومحاولات فرض التبعية. وظللنا نردد كجنوبيين أن مشكلتنا مع السياسات الحاكمة في المركز وليست مع شعب شمال السودان. ولعل موجة الوداع التي ضربت الخرطوم واغرقتها فيما بين يدينا من أيام في بحر الدموع خير دليل على ما نسوق. وعلى الشط الآخر عافاه الله مما ابتلي به فسينحر منبر السلام العادل الذبائح كما فعل إبان اعلان نتيجة الاستفتاء، فرحاً بجنوب السودان الذي غار في ستين داهية فعلى الأقل لا يشبهوننا وليسوا من توبنا وعلاوة على ذلك يخالفوننا في الدين وسبحانه يقول: (قل لو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك)، (وآية لهم اختلاف ألسنتهم وألوانهم)، (و لو شاء ربك لآمن من في الأرض جميعاً أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين)، (لا يضركم من ضل اذا اهتديتم). وسيأكلون في زبائحهم تلك شواء الوطن، وكلما نزعوا من امتداد الوطن جنوبا أركبت عنصريتهم في الوطن جنوباً آخر ودونكم جنوب كردفان وإن قالوا بأنها شمالية فقد قالها السيد رئيس الجمهورية دونما مواربة: (لا مجال للحديث عن التنوع بعد الانفصال فالسودان دولة عربية). حقاً لا مجال هنا "للدغمسة" فأين سيكون موقع "فليب وقسيس ويوحنا" من ابناء النوبة هم لبلاد المسلمين أهل ذمة ورعايا أم سيعلنونها جهاداً ضد الكفرة في عقر دارهم جنوب كردفان؟! فمتى يبلغ البنيان يوماً تمامه؟!
(7)
تلقينا وحفظنا عن ظهر قلب ما بشرنا به السيد رئيس الجمهورية قولا: (أي جنوبي بعد 9 يوليو ما عندو إقامة يمشي أهلوا). وتلقينا كذلك من رواة قصائد السيد الرئيس (أي جنوبي عايز يقعد في الشمال لازم يكون عندو أوراق رسمية). ووعينا ذلك تماماً كما كنا نعي من قبل الخيارات العبقرية التي طُرحت على الجنوب إذا أراد تصدير نفطه عبر الشمال وحصره في :
1- اقتسام النفط مع الشمال بنسبة 50% "مع ترجيح هذا الخيار بحسب المشترط".
2- استئجار الأنابيب وفقاً لأسعار يحددها الشمال "ومتى كان المشتري يفرض سعره عنوةَ على سيد الحق"
3- قفل المواسير ووقف ضخ البترول "وذهاب الجنوب الى الجحيم لأنه لن يكون جنة". والعبارات التي داخل الأقواس تفسير منا لإعانتك أعزك الله للاستيعاب وتلك الخيارات خرجت من رحم رفض الجنوب المقترح القائل باستمرار اقتسام البترول مع الشمال لمدة خمسة أعوام بعد الانفصال علماً بأن هذا الطلب طرح إبان طرد نواب الجنوب من البرلمان وتوزيع جوابات إنهاء الخدمة؟!. والجنوب يعلم بداهة ان الانفصال يعني أن الأنابيب لم تعد جنوبية وبالتالي لكل شيء ما يقابله والمؤتمر الوطني ما قصد من التكرار وتأكيد المؤكد الا صنع مواقف بطولية أمام شعب الشمال تخفيفاً لهم من وزر ما تسبب فيه المؤتمر الوطني والجنوب يفهم جيداً أن لكل مزبوح "فرفرة" قبل الخمدة الأخيرة. وكذا الأمر مع حديث الجنسية التي يتبادلون أدوار الحسم فيها، وما يضير طالما كان النباح لا يوقف مسيرة القوافل.
(8
ووعينا كل ما أشارنا اليه تماماً بيد أن ما تواضع من حدود استيعابنا كبشر ملئنا دهشة ونحن نسمع حديثا يقول: (الجنوب لن يكون جنة). ونسترجع ذاكرتنا فنجد ان السيد الرئيس نفسه وعينه كان قد بارك دولة الجنوب لحظة وجوده في جوبا عند اعلان نتائج الاستفتاء في التاسع من يناير الفائت ونذكر انه قال إن الشمال هو الاخ الاكبر وسيعمل على إعانة الجنوب في أن يصبح دولة وبراءة السؤال يجعلنا نهزأ... كيف إذن لا يكون الجنوب جنة ومن باركه قدم من جنة الشمال على الطائرة الرئاسية فعلى الاقل اذا لم يتسنَّ للجنوب ذلك تشبه؛ أليس التشبه بالكرام فلاح؛ لاسيما وان ناشئة الفتيان لا يشب إلا على ما كان عوده أبوه. فما الذي يجعل الجنوب على تلك الدرجة التي يفوت عليه حتى حظ التبرك. فعندما يولد الطفل يقوم الاب بـ(تحنيكه) ويؤذن له في اذنيه؛ وكان السيد رئيس الجمهورية يفعل ذات الشيء في جوبا يومها فعلى أي شيء (حُنكت) دولة الجنوب حينها وبأي نيًة؟!. والمصطفى عليه افضل السلام يقول تفاءلوا خيرا تجدوه. وطالما الامر كذلك وطالما كانت الاقدار قد خطت في الازال حدوثها فلماذا نستبق ما في رحم الغيب!!. فلو كان قول بأن الجنوب لن يكون مستقرا لكنًا نقدر تلك القراءة البعيدة عن الغرض اقتراناً بالأوضاع في الجنوب جراء ما يفعل الخارجون على الحكومة هناك. ولكن عبارة لن تكون جنة ترهقنا في البحث عن المعيار، وسياق التأكيد والقطع الذي قيل به يشرع ابواب التساؤلات على مصرعيه. فحتى ان صدقت النبواءات ولم يكن الجنوب جنة أو أمضى الله مشيئته على غير ما اراد البعض واصبح الجنوب جنة فما خرج الجنوب قط من بوتقة السودان الواحد لرغبة ملحة في التنافس فتلك مرحلة نعتبرها ترف امنيات في مقابل الأسباب الحقيقة التي افضت الى بتر خارطة السودان .
(9)
منذ أن رحل الراحل المقيم د. جون قرنق دي مبيور عن الفانية وما فتئأ البعض يردد (كم غير محظوظ هذا السودان). والامر يخرج عن دائرة الحظ الى الطريقة التي اديرت بها نيفاشا فتقاطع الايديولوجيات الموقعة فضلاً عن المنهج الذي اتبع في التنفيذ كان سبب ما وردنا من شر الموارد اليوم ولو ان الشريكين ارتفعا قليلاً عن اجنداتهما الخاصة بعيداً عن نقل المعارك الى حجرات المكاتب والدواوين لو انهما، لفظا منهج التفكير المبني على انتقال المعارك التي لم تحسم في الأحراش الى البرلمان والقصر الجمهوري ومجلس الوزراء ومكاتب الوزارات لحسمها بطرق اخرى لما أتى علينا مثل ما نشهد من يوم، ولكن أنى لنا ذلك وتقاطع الايديولوجيات الفكرية تلبست رجال الدولة فأوحت لهم ان عمر نيفاشا البالغ ستة اعوام ما هي ميدان آخر للنازل و"بئسها" وكما اشرنا في مقال سابق أن الإسلاميين لم يوقعوها الا بقصد إتلافها بالتحايل تارة والتلاعب تارة أخرى ليعذروا الى الله لكونهم ما وقعوها إلا لتحجيم (خونة الأمس وشركاء اليوم). ركونا الى قلة خبرتهم بما أنفقوا في كل سنواتهم في الغابة من جانب، ولأن صاحب البيت ادرى بالذي فيه ويكفي انهم كانوا اصحاب البيت يوم ان كان الآخرون يأكلون ورق الأشجار ويشربون ما تبولوه بينما قصروا ما حظوا به من ستر على مواضع عوراتهم يوم ان غدا كامل الستر كماليات بحسب قهر الظروف يومها. فكيف يساهم اصحاب البيت في اعتماد المكاسب التي ضمنتها نيفاشا للجنوب بأن تكون مكاسب دائمة للجنوب في ظل سودان واحد وهم الذين لم يقووا اصطبارا على تحمل الجنوب لمدة ستة سنوات فقط؟. فلا يغرّنك ما ادعوا في سابقات الايام من دعوات الوحدة التي وضعوها جوار لافتات ترويج الكراهية التي يدعمون منبرها علانية.
(10)
وعلى الجانب الآخر اخطأت الشعبية وهي تخرج على لسان نائب امينها العام في زهو وفخر لتعلن دعمها الصريح لخيار الانفصال يوم ان بلغ الاستفزاز حده وتجاوز الامر كل حدود الاحتمال. وكل ذلك لا يعفي فطالما كان شعب الجنوب من سيقرر حينذاك ما الداعي للقول عنه انابةَ.(شيل وش القباحة).
وسيرفع جنوب السودان اليوم بنود استقلاله.. فآلاف التهانئ وأمهات الاماني لشعب جنوب السودان وصادق الرجاءات بأن يوفق لما فيه الخير ويصلح الشأن. ونبتهل الى الله هذه المرة بألا يشب ناشئة الفتيان على ما كان عوده ابوه وباستنساخ تجربة الدولة الواحدة وتلافيها بتجنب مواطن العطب والخلل والاجتماع على كلمة سواء بالاتفاق على أحلام شعب وهب واحد وعشرون عاما من أجل العدل والمساواة.
ونبتهل الى الله بأن يرفع بأسه عن اهالي جنوب كردفان ودارفور وابيي توفيقاً لما يحب ويرضي، ولا راد لقضائه.
هل تفعلها السلطة الرابعة هنا وهناك..
ورغم كل ذلك ستظل الآمال تحدونا في الغد الواعد فلا محالة سيخرج من اصلاب السودان ابناء يعيدونه سيرته الاولى بوضع اكثر اعتباراً على اسس العدل والمساواة والديمقراطية ودور السلطة الرابعة لا شك في ذلك كبير بمد جسور التواصل الواعي من خلال رسالة اعلامية قوامها المسؤولية وشرفها الأمانة لا زلنا نطمح في هذا الدور ليس إزاء الجنوب فحسب ولكن من اجل كل جنوب جديد تنبته الجغرافية لاسيما وان السياسة ان تركت لها الحبل على القارب افضت بما افضت بنا اليه الآن.. فهل؟؟.
.وقد يلتقي الشتيتان بعد أن
ظنا كل الظن أن لا تلاقيا
وقد نلتقي يوماً في رحاب وطن يسع الجميع..
أجارنا الله في المصيبة وأخلف لنا خيراً منها
المقال :
ومن نُعزي فيك يا وطن؟!
بقلم - أجوك عوض الله جابو
يوليو 2011م
(1)
وجاء الصباح اليتيم خاتماً لفصول دموع وأشجان، فراق وغربة حفت المناطق والأحياء في الشمال وحلقت فوق دواوين المؤسسات الحكومية، وأي يوم سواه جدير بالجمع بين ما جمع من عظيم المتناقضات، فرح وحزن، أمل وخوف ترقب ورهبة افتقدناها الى أن خلص بنا الأمر الى مثل هذا اليوم.. حفل ودموع وموادعة و(اجتثاث).
وظللنا نردد أن المستعمر هو من زرع بيننا نبتة الشيطان، فإذا بنا بعده نتوسع وننشط في زرع المزيد اقتداء بما فعل وإقراراً بما أقر فينا فكبرت الزروع وتتطاولت الفروع فمنعت عنا ضوء الوحدة وسمح الإخاء وتراضي الاقتسام وعدله واحترام الآخر وقبوله واعتباره؛ وجاء يوم الحصاد دموعاً وفراق بيْن، تنابزاً، شقاقاً ونفاقا، سرادق عزاء للوحدوي الجنوبي والشمالي وصالات أفراح لنقيضيهما جنوبا وشمالا. والشاهد أن شيطان المستعمر الذي دأبنا على رميه بأباطيلنا افتراءَ واختلاقاً وعلى قساوته كان رحيماً بنا من أنفسنا.
(2)
ثم جاء يوم الاستحقاق الأكبر لشعب تشبث خمسة وخمسون عاماً بالظلم والتهميش والإقصاء، الاقتتال والتشرد والنزوح والجهل وما كل ذلك بكثير على أوطان حملناها في حدقات العيون صبراً ومصابرة وآمالا عراضا، جلوساً على طاولة مفاوضات لم تلد إلا نكوصاً وكراً وفرا الى ساحات الوغى. الى أن كان مسك الختام تكفيراً تطاير شرره، ثم لم يستثني براءة أو ضعفا وكهولة واستفحل الأمر عن آخره واليوم نجني حصاده، وطن يتمزق كل ممزق. ولم يكن ذاك بكثير في سبيل الأوطان لو أن بوارق أمل لاحت في الآفاق باستيعاب الدرس، لو توفر الشعور بإلاصلاح وأُبديت حسن النوايا، فالعامل الاول في صفحة مسوغات الانفصال كان الاستفزاز والتعالي وإلاصرار على الإقصاء والاستمرار في اعتناق العقيدة القديمة رغم أن ما مضى من الخمسة والخمسون عاماً قالت بأن الأواني امتلأت حتى فاضت ولكن من يعي أو يسمع!!. ورهط المؤتمر اليوم يعقدون حاجب الدهشة ولسان حالهم يردد (أعطيناهم أكثر مما استحقوا فماذا يريدون)؟. كأس الحنظل لا يُستساق إلا في حالات العزة.
(3)
واليوم يُحمل السودان الواحد الى مثواه الأخير، فهل يرقد بسلام والموت لا يزال يقطف ما أينع من سلام في ولاية جنوب كردفان وابيي. هل يرقد بسلام بعد الاستعاضة عن الاقلام بالرصاص والذخيرة المجنونة والركون للغة الاقتتال بدلا عن الحوار. واحد وعشرون عاماً ولم نُخلص الى شيء إلا عبر طاولة الحوار فإذا كان ذلك بالإمكان دون إراقة قطرة دم واحدة، لماذا الولوغ في إناء ليس دون العودة للشراب منه إلا ظمأ الوطن حد اليباس لماذا لا نجنح للسلم كافة؛ إمعاناً في فجيعة هذا البلد الطيب أهله أم لتحقيق انتصار ولا انتصار على أشلاء أبناء السودان.
(4)
ومصدر أمني بحسب صحيفة السوداني في الأسابيع المنصرمة قال: (سنمنع أي احتفالات في الشمال من شأنها استفزاز مشاعر الشماليين). والإيحاء المستقى؛ لكأنما كل ما كان بين شعب الشمال وشعب الشمال لم يقم إلا على هكذا مفاهيم، بينما كذبت دموع جون ورقة وما كان عليه من هيئة في حفل وداع الإذاعة للجنوبيين ماثلت تماماً هيئة أب فقد ابنه لتوه، وتلك حقيقة فما صبَّت على الشعب السودان بانقسامه من مصيبة لو صبت على الأيام لصرنا ليالي فهل فعل جون ورقة ما فعل لأنه لن يجد وظيفة في الجنوب الذي يذهب اليه أم لأنه سيجوع حتى الموت دون لقمة هناك.. قطعا لا؛ مهما بلغ السوء هناك فجون ورقة قاصد أهله ولكن طيب المعشر وصدق من اكتنز لنفسه بين الزملاء والاصدقاء والجيران في الشمال جعلت ورقة يدري يقيناً انه لا محالة تاركاً بعضه هنا. ولو ان مظاهر احتفاء الجنوبيين بما سموه يوم الاستقلال وقام على الاستفزاز فهل فعلها الأحداثيون يومها اعتباطاً وهم يزرفون الدمع في وداعنا لا نظن ذلك، أم هل نافقنا أستاذنا عبد المنعم أبو إدريس يوم أن ولج صالة الأحداث عائداً من تغطية الجلسة التي أسقطت فيه عضوية نواب الجنوب، فكانت الوحشة ورهبة الفراق تجلس على مقعدنا بعد ان غادرنا حينها وطفق يعالج معزياً نفسه فينا تحت عنوان (يوم غياب الجنوب وأجوك) لا نظن أيضا. فماذا كنا نملك تقديمه بعدها لأستاذ أبو إدريس ونحن الفقراء الى الله من كل (نفوذ) ومال غير احترام وتقدير ومحبة صادقة في الله ما زال ينبض في قلوبنا ويجيش في دواخلنا صدقاً. ولكن أنى لمن يهدوننا صباح مساء باقات البذاءة مع العلم بأن طيب الكلم يفوق الجود بالخيل والمال.
(5)
فحتى لحظات الوداع عزيزي يا سودان يفسدونه علينا بما انطوت عليه نوايا جريحة في حديثهم عن استفزاز مشاعر الشماليين. فالسياسيون لا يخرجون من سياج الأوهام التي يتوارون خلفها فيمشون بين الناس في مثل هذا اليوم في طرقات الشمال فيروا أي ذنب وجريرة ارتكبوها في حق الوطن الواعد.
مانشيتات الصحف تبكي دموعاً ودما عدا صحفهم التي تتوشح شفاها الله بوشاح العنصرية والعصبية فكم هم مساكين من حبسوا أنفسهم في سجن الكراهية وما أدراك ما هو .. فعن أي استفزاز يتحدث الواهمون؟!
(6)
نعم سيحتفل الجنوب ويحتفي بيوم الاستقلال ولكن السؤال الجوهري يقول: (استقلال ممن)؟ وما نقف عليه من إجابة ليس لها عداها تقول استقلال من جور كل الحكومات الوطنية التي تعاقبت على سدة الحكم في السودان دون فرز وانتهاء بمن دقوا آخر مسمار على نعش الوحدة، استقلال من العجرفة والاستعلاء المريض ومحاولات فرض التبعية. وظللنا نردد كجنوبيين أن مشكلتنا مع السياسات الحاكمة في المركز وليست مع شعب شمال السودان. ولعل موجة الوداع التي ضربت الخرطوم واغرقتها فيما بين يدينا من أيام في بحر الدموع خير دليل على ما نسوق. وعلى الشط الآخر عافاه الله مما ابتلي به فسينحر منبر السلام العادل الذبائح كما فعل إبان اعلان نتيجة الاستفتاء، فرحاً بجنوب السودان الذي غار في ستين داهية فعلى الأقل لا يشبهوننا وليسوا من توبنا وعلاوة على ذلك يخالفوننا في الدين وسبحانه يقول: (قل لو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك)، (وآية لهم اختلاف ألسنتهم وألوانهم)، (و لو شاء ربك لآمن من في الأرض جميعاً أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين)، (لا يضركم من ضل اذا اهتديتم). وسيأكلون في زبائحهم تلك شواء الوطن، وكلما نزعوا من امتداد الوطن جنوبا أركبت عنصريتهم في الوطن جنوباً آخر ودونكم جنوب كردفان وإن قالوا بأنها شمالية فقد قالها السيد رئيس الجمهورية دونما مواربة: (لا مجال للحديث عن التنوع بعد الانفصال فالسودان دولة عربية). حقاً لا مجال هنا "للدغمسة" فأين سيكون موقع "فليب وقسيس ويوحنا" من ابناء النوبة هم لبلاد المسلمين أهل ذمة ورعايا أم سيعلنونها جهاداً ضد الكفرة في عقر دارهم جنوب كردفان؟! فمتى يبلغ البنيان يوماً تمامه؟!
(7)
تلقينا وحفظنا عن ظهر قلب ما بشرنا به السيد رئيس الجمهورية قولا: (أي جنوبي بعد 9 يوليو ما عندو إقامة يمشي أهلوا). وتلقينا كذلك من رواة قصائد السيد الرئيس (أي جنوبي عايز يقعد في الشمال لازم يكون عندو أوراق رسمية). ووعينا ذلك تماماً كما كنا نعي من قبل الخيارات العبقرية التي طُرحت على الجنوب إذا أراد تصدير نفطه عبر الشمال وحصره في :
1- اقتسام النفط مع الشمال بنسبة 50% "مع ترجيح هذا الخيار بحسب المشترط".
2- استئجار الأنابيب وفقاً لأسعار يحددها الشمال "ومتى كان المشتري يفرض سعره عنوةَ على سيد الحق"
3- قفل المواسير ووقف ضخ البترول "وذهاب الجنوب الى الجحيم لأنه لن يكون جنة". والعبارات التي داخل الأقواس تفسير منا لإعانتك أعزك الله للاستيعاب وتلك الخيارات خرجت من رحم رفض الجنوب المقترح القائل باستمرار اقتسام البترول مع الشمال لمدة خمسة أعوام بعد الانفصال علماً بأن هذا الطلب طرح إبان طرد نواب الجنوب من البرلمان وتوزيع جوابات إنهاء الخدمة؟!. والجنوب يعلم بداهة ان الانفصال يعني أن الأنابيب لم تعد جنوبية وبالتالي لكل شيء ما يقابله والمؤتمر الوطني ما قصد من التكرار وتأكيد المؤكد الا صنع مواقف بطولية أمام شعب الشمال تخفيفاً لهم من وزر ما تسبب فيه المؤتمر الوطني والجنوب يفهم جيداً أن لكل مزبوح "فرفرة" قبل الخمدة الأخيرة. وكذا الأمر مع حديث الجنسية التي يتبادلون أدوار الحسم فيها، وما يضير طالما كان النباح لا يوقف مسيرة القوافل.
(8
ووعينا كل ما أشارنا اليه تماماً بيد أن ما تواضع من حدود استيعابنا كبشر ملئنا دهشة ونحن نسمع حديثا يقول: (الجنوب لن يكون جنة). ونسترجع ذاكرتنا فنجد ان السيد الرئيس نفسه وعينه كان قد بارك دولة الجنوب لحظة وجوده في جوبا عند اعلان نتائج الاستفتاء في التاسع من يناير الفائت ونذكر انه قال إن الشمال هو الاخ الاكبر وسيعمل على إعانة الجنوب في أن يصبح دولة وبراءة السؤال يجعلنا نهزأ... كيف إذن لا يكون الجنوب جنة ومن باركه قدم من جنة الشمال على الطائرة الرئاسية فعلى الاقل اذا لم يتسنَّ للجنوب ذلك تشبه؛ أليس التشبه بالكرام فلاح؛ لاسيما وان ناشئة الفتيان لا يشب إلا على ما كان عوده أبوه. فما الذي يجعل الجنوب على تلك الدرجة التي يفوت عليه حتى حظ التبرك. فعندما يولد الطفل يقوم الاب بـ(تحنيكه) ويؤذن له في اذنيه؛ وكان السيد رئيس الجمهورية يفعل ذات الشيء في جوبا يومها فعلى أي شيء (حُنكت) دولة الجنوب حينها وبأي نيًة؟!. والمصطفى عليه افضل السلام يقول تفاءلوا خيرا تجدوه. وطالما الامر كذلك وطالما كانت الاقدار قد خطت في الازال حدوثها فلماذا نستبق ما في رحم الغيب!!. فلو كان قول بأن الجنوب لن يكون مستقرا لكنًا نقدر تلك القراءة البعيدة عن الغرض اقتراناً بالأوضاع في الجنوب جراء ما يفعل الخارجون على الحكومة هناك. ولكن عبارة لن تكون جنة ترهقنا في البحث عن المعيار، وسياق التأكيد والقطع الذي قيل به يشرع ابواب التساؤلات على مصرعيه. فحتى ان صدقت النبواءات ولم يكن الجنوب جنة أو أمضى الله مشيئته على غير ما اراد البعض واصبح الجنوب جنة فما خرج الجنوب قط من بوتقة السودان الواحد لرغبة ملحة في التنافس فتلك مرحلة نعتبرها ترف امنيات في مقابل الأسباب الحقيقة التي افضت الى بتر خارطة السودان .
(9)
منذ أن رحل الراحل المقيم د. جون قرنق دي مبيور عن الفانية وما فتئأ البعض يردد (كم غير محظوظ هذا السودان). والامر يخرج عن دائرة الحظ الى الطريقة التي اديرت بها نيفاشا فتقاطع الايديولوجيات الموقعة فضلاً عن المنهج الذي اتبع في التنفيذ كان سبب ما وردنا من شر الموارد اليوم ولو ان الشريكين ارتفعا قليلاً عن اجنداتهما الخاصة بعيداً عن نقل المعارك الى حجرات المكاتب والدواوين لو انهما، لفظا منهج التفكير المبني على انتقال المعارك التي لم تحسم في الأحراش الى البرلمان والقصر الجمهوري ومجلس الوزراء ومكاتب الوزارات لحسمها بطرق اخرى لما أتى علينا مثل ما نشهد من يوم، ولكن أنى لنا ذلك وتقاطع الايديولوجيات الفكرية تلبست رجال الدولة فأوحت لهم ان عمر نيفاشا البالغ ستة اعوام ما هي ميدان آخر للنازل و"بئسها" وكما اشرنا في مقال سابق أن الإسلاميين لم يوقعوها الا بقصد إتلافها بالتحايل تارة والتلاعب تارة أخرى ليعذروا الى الله لكونهم ما وقعوها إلا لتحجيم (خونة الأمس وشركاء اليوم). ركونا الى قلة خبرتهم بما أنفقوا في كل سنواتهم في الغابة من جانب، ولأن صاحب البيت ادرى بالذي فيه ويكفي انهم كانوا اصحاب البيت يوم ان كان الآخرون يأكلون ورق الأشجار ويشربون ما تبولوه بينما قصروا ما حظوا به من ستر على مواضع عوراتهم يوم ان غدا كامل الستر كماليات بحسب قهر الظروف يومها. فكيف يساهم اصحاب البيت في اعتماد المكاسب التي ضمنتها نيفاشا للجنوب بأن تكون مكاسب دائمة للجنوب في ظل سودان واحد وهم الذين لم يقووا اصطبارا على تحمل الجنوب لمدة ستة سنوات فقط؟. فلا يغرّنك ما ادعوا في سابقات الايام من دعوات الوحدة التي وضعوها جوار لافتات ترويج الكراهية التي يدعمون منبرها علانية.
(10)
وعلى الجانب الآخر اخطأت الشعبية وهي تخرج على لسان نائب امينها العام في زهو وفخر لتعلن دعمها الصريح لخيار الانفصال يوم ان بلغ الاستفزاز حده وتجاوز الامر كل حدود الاحتمال. وكل ذلك لا يعفي فطالما كان شعب الجنوب من سيقرر حينذاك ما الداعي للقول عنه انابةَ.(شيل وش القباحة).
وسيرفع جنوب السودان اليوم بنود استقلاله.. فآلاف التهانئ وأمهات الاماني لشعب جنوب السودان وصادق الرجاءات بأن يوفق لما فيه الخير ويصلح الشأن. ونبتهل الى الله هذه المرة بألا يشب ناشئة الفتيان على ما كان عوده ابوه وباستنساخ تجربة الدولة الواحدة وتلافيها بتجنب مواطن العطب والخلل والاجتماع على كلمة سواء بالاتفاق على أحلام شعب وهب واحد وعشرون عاما من أجل العدل والمساواة.
ونبتهل الى الله بأن يرفع بأسه عن اهالي جنوب كردفان ودارفور وابيي توفيقاً لما يحب ويرضي، ولا راد لقضائه.
هل تفعلها السلطة الرابعة هنا وهناك..
ورغم كل ذلك ستظل الآمال تحدونا في الغد الواعد فلا محالة سيخرج من اصلاب السودان ابناء يعيدونه سيرته الاولى بوضع اكثر اعتباراً على اسس العدل والمساواة والديمقراطية ودور السلطة الرابعة لا شك في ذلك كبير بمد جسور التواصل الواعي من خلال رسالة اعلامية قوامها المسؤولية وشرفها الأمانة لا زلنا نطمح في هذا الدور ليس إزاء الجنوب فحسب ولكن من اجل كل جنوب جديد تنبته الجغرافية لاسيما وان السياسة ان تركت لها الحبل على القارب افضت بما افضت بنا اليه الآن.. فهل؟؟.
.وقد يلتقي الشتيتان بعد أن
ظنا كل الظن أن لا تلاقيا
وقد نلتقي يوماً في رحاب وطن يسع الجميع..
أجارنا الله في المصيبة وأخلف لنا خيراً منها
اشرف بشرى إدريس- مبدع مميز
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى