إستراحة ....(جيل العطاء ,, محمد المكي ابـــراهيم)

لكم التحية الأعزاء : الغالي :محمد هاشــم... الذي لا نوفيه بكلمة شكراً ,,,,, .
الزعيم ,, تستاهل الإستراحة ..مرورك شرفنا..خد ليك غمدة.
طارق : أيها المســافر في شواهق الكلمات , إطلالتك عبر النافذه ريحتنا ...
العطاء للسودان يتنوع , أما الوطنين أصحاب الأقلام أمثال / محمد المكي وجيله..... قامات ,,قليلون هذه الأيام ... ولكن يقيني أن حواء السودان حبــلى دوماً بذوي الأقلام النظيفة.

محمد المكي إبراهيم شاعر (أمتي) و(يختبئ البستان في الوردة) والذي قرأت
اجيال سودانية وعربية غناءه للخلاسية (بعض الرحيق انا ... والبرتقالة انت)،
وتأملت اعين القراء في «خباء العامرية» ولازالت حناجر المغنين تهتف «باسمك
يا اكتوبر الاخضر» ، وتغني كلما ادلهمت الخطوب بشعبنا .




التقيناه في اوبته من الغرب الآخر (امريكا) إلى الخرطوم التي صاح في اذنيها
، عندما جاءها من غربنا الحبيب (كردفان) والتي حملت لنا خيرا كثيرا ووعدا
بالغناء.




اجرينا معه حوارا اوليا - مقدمة لحوار مطول حول قضايا الهوية وتطور مفهوم
الانتماء ، وتجارب الكتابة الابداعية - بعد غيابه عن ارض الوطن لاكثر من
عقد من الزمان ..




فكان الحوار كما عهدنا بالشاعر ، غنيا بعشق هذا الوطن ، وصريحا في النظر
الى قضايا الوطن ، عامراً بمحبة غامرة لكل اهل السودان شرقا وغربا وجنوبا
وشمالا ، معتزا برموز تاريخية ومعاصرة من هنا وهناك ، نافذا ببصيرته لما
وراء السطح ...




نبدأ معك استاذنا ود المكي، من السؤال الذي طرحته مدرسة الغابة والصحراء -
سؤال الهوية - وهل يمكن عقد مقارنة بين رؤى النخبة التي كانت تتبنى السؤال
في الستينيات والواقع الماثل الآن؟




ما ظهر قبل نصف قرن من مناقشات ومناوشات كان مجرد اثارة لموضوع، ولكن
الآن استطيع ان اقول هنالك ثقافة سودانية كاملة بفنها بموسيقاها بإسلامها
بأديانها بنقادها بمبدعيها بفنانيها، ومتميزة عن اية ثقافة، من يريد ان
يقبلها منا أهلا وسهلاً ، وهي ثقافة جميلة بطعامها وبلبسها والآن كل هذا
مميز لنا ومكتمل، وهي ليست من صنع انسان الوسط وحده وكل اعراق السودان
شاركت فيها، فهذا الزي الذي ترتديه قد يكون من ابداعات اهل الشرق وايضا نفس
هذا الزي لدى البقارة ويلبسون هذه اللبسة التي ترتديها، ونأكل طعاما معظمه
من دارفور - التي يُفتك بها الآن - دارفورهي التي صنعت لنا قدح العصيدة
وملاح الروب وملاح المرس، وعلمتنا اشياء كثيرة وأهلنا النوبيون والعرب هم
اساسنا الذي خلقنا منه، وهم هيكلنا العظمي وكل هذه المساهمات تجعل الثقافة
السودانية توليفية وليست أُحادية، وهي حقيقة قائمة ما علينا ألا ان نوسع
رقعتها الجغرافية بأن نجتذب اليها أناسا اصلا ليسوا في حاجة الى تحفيز،
واخواننا الجنوبيون متعلقون بهذه الثقافة فقط هم يرون ظلمها، ويعتبرونها
على حساب ثقافتهم، فإذا نحن احترمناهم واوليناهم التقدير الواجب يمكنهم
التعاطي معها ، وانا اذكر لك قبل ثلاثين عاما كنت مع السفير والمفكر الكبير
فرانسيس دينق في السويد، وقد كنت ساعده الايمن اسمعني احدي بنات عمه تغني
لعائشة الفلاتية والكاشف وهم ليس لديهم عداء مع الشكل المعرب لثقافتنا ،
لكن عندهم عداء معنا كسياسيين وقوة الجذب بيننا وبينهم متوفرة، واذا احسنا
التصرف السياسي وحافظنا علي الاطار الجغرافي للسودان امامنا مجال كبير
للابداع والتمازج .




هل ثمة تطور؟




كنا نتجادل في من نحن ، الآن انا اعتقد اننا حملة ثقافة افروعربية وهي
ثقافة مكونة وجاهزة ومكتملة ، كنا نقول نحن فينا (عرق) ونحن اولاد جعل ونحن
اشراف ، لكن الآن هنالك وعي وأنا شخصيا لدي موقف متساهل جدا وسبق ان قلت
لمجلة (الدستور) الذي نفعله يدعم عروبة السودان واضيف الآن ان الذي نفعله
يدعم افريقية السودان في نفس الوقت اذا كنا نحن كالماء مكون من اكسجين
وهايدورجين ، فنحن الوحيدون الذين نعترف بالعنصرين معاً.




وصف الدكتور عبد الله علي ابراهيم مدرسة الغابة والصحراء بـ «تحالف الهاربين» كيف ترى الأمر؟




هذه من المقولات التي يعفي عليها الزمن بسرعة واذا كنا شبانا صغارا في
العشرينات من العمر ربما يقال عنا اننا نريد أن (نتفسح) في افريقيا والآن
سقطت هذه المقولة مع الزمن ، ولا يمكن ان تعيش ، ونحن الآن متقدمون في
السن، واولادنا أنفسهم (كبار ولاحقين) والآن لا تستطيع أن تقول إننا نطلب
شيئاً من هذه الدنيا غير رضا الله ورضا عباده. اذا فهي مقولة تنفي نفسها
بنفسها ويمحوها مرور الزمن، ونحن لم نعرف بابيقورية ولسنا مفرطين في أىة
ممارسة ، نحتاج لأن نخلق لها مدرسة فكرية ـ هذه واحدة ـ والشئ الثاني أنه
مخطئ لو ظن أن افريقيا بلاد متحللة والمكون الافريقي لدينا متحلل من الخلق،
فكل قبائل السودان تعتز بالشرف فهو ظلمنا .




لماذا ناصب الماركسيون افراد مدرسة الغابة والصحراء العداء؟




لا اعتقد أنهم يعادونهم الا اذا كان ذلك سراً ، جهراً لنا اصدقاء وعلى
رأسهم الاستاذ كمال الجزولي ولا اعرف والله احدا من الماركسيين يعادينا.




أنا أشير الى أن الدعوة الأممية تتناقض مع دعوتكم الى الافروعربية؟




من كان يتضايق منا فهم اخواننا العروبيون، فقد كانوا يشككون في نوايانا
وكأننا نفسد عليهم المشروع العروبي، وقلت لهم بأننا داعمون ومعترفون
بالمكون العربي ونختلف عن هؤلاء الاولاد الذين يسبون ثقافة الجلابة وثقافة
العربوسلامية (كلمة واحدة)، وانا لا انكر أن السودان ملئ بالدم العربي وهذه
العروق مليئة بالدم العربي ولكن على العرب أن يعترفوا بالحق للافارقة في
هذا البلد.




في الجيل السابق لكم أريد أن تقف معنا في ثلاثة اسماء من حيث قربها وبعدها منكم ؟







محمد المهدي المجذوب




المجذوب قمة شعرية وكان امير الشعر العمودي في السودان، وتحول الي الشعر
التفعيلي ثم حاول قصيدة النثر بنجاح فيما اعتقد وكنا متحلقين حوله، وهو من
قلائل السودانيين الذين عاشوا في الجنوب بعمق ومحبة لتلك الثقافة وكتب
اشياء كثيرة جدا يقارن فيه ا بين الجنوب والشمال، ويشيد بالحرية والبراءة
والشجاعة عند اهل الجنوب وكان مثالا ممتازا .







صلاح احمد ابراهيم







صلاح كان محط اعجاب الجيل وحقيقة هو رجل متميز وشاعر ضخم ومثقف كبير ، فكنا
معجبين بالاشياء العظيمة التي كتبها عن بلادنا، وكنا دائما ننادم انفسنا
بقصيدته (اخي عثمان في الصحراء الليبية) و(مرية) بلا شك وغيرها من آثاره
الباهرة واكيد تأثرنا به ولكن عندما اعلنا الرغبة في انشاء تيار لم يوافق
وانا شخصيا لم يواجهني ابدا بأنه رافض لهذا الأمر لكنه واجه النور عثمان
ابكر ، في المقالات التي يقول فيها النور (انا لست عربيا) فيرد صلاح ويقول
(بل نحن عرب العرب) ربما كان هنالك اشتطاط وبعض الود المفقود .وربما هنالك
بعض النقاد الآن يصنفون صلاح احمد ابراهيم من ضمن رجال الغابة والصحراء ،
ولهم الحق في ذلك لأنه دون ان يقولها هو الذي ارسى اللبنات الاولى .







* مصطفى سند:







الاستاذ مصطفي سند في لقاءاتي معه وجها لوجه كان دائما يسمعني كلاما جميلاً
وانا شديد الاحترام لتراثه كله الذي كتبه، فهو تراث ممعن في سودانيته وغير
مقلد للآخرين .







* نجد في تجربة ود المكي ما يشبه الانقطاع ويتجلي ذلك في أنه لم يكمل
مشروعاً روائياً بدأه في رواية (آخر العنابسة)، وكذلك تجربته في (مدينتك
الهدى والنور) وكتابة القصة القصيرة؟







صحيح انا بعد أن اكملت معظم الشوط الشعري أو مشواري الشعري شعرت بأن هنالك
مجال للدخول في الرواية وهو دخول تستطيع ان تقول إنه غير مؤسس ، قرأت في
الرواية كثيراً ولكن لم أقرأ في نقدها ، وفي تقاليدها وقواعدها لذلك دائما
اشعر أن هنالك نوعا من الفشل . في واشنطن كتبت رواية عن حرب الجنوب واشرف
علي تصحيحها صديقي طه النعمان، وبعد ذلك شعرت بأنها ليست الشئ الذي اريده
وانه لابد من تكسيرها ومن ثم اعادة بنائها، (العنابسة) ايضا اعتزم اعادة
النظر فيها وصحيح انها ستعاني من شعرية عالية جداً ، ولكن ماذا لو في كل
تراثنا اعتمدت رواية واحدة على الشعرية .







* أنت الان تعود من الغرب القصي«امريكا» الى الخرطوم وكن ت في البدء قد
أتيت إليها من الغرب القريب «كردفان»، وكان لك في ذلك قول ذو شأن عن
الخرطوم، لك أن تعقد لنا مقارنة حول الخرطوم بين غرب وغرب؟







الخرطوم أول ما رأيناها كان ذلك في العام 1957م وكانت مدينة لطيفة جدا
ومتحضرة وصغيرة ونظيفة جداً وبهرتنا لدرجة اننا ظننا انها ليست احدى مدن
السودان ، وكانت الوحيدة المتفردة ، وبعد ذلك تنقلنا في العالم وشاهدنا
ورأينا، وتجد هذا في القصيدة (رحيل الى طفلة المدائن) والآن وجدتها اتسعت
جدا جدا ، وبشكل متماثل حتى الان فنفس البيوت ذات الطابقين والثلاثة موجودة
في اقاصيها الغربية واقاصيها الشرقية وفي السرحة ، واخذت نفس الطابع
المعماري وهنالك تداخل بين الفقر والغنى، فقط ضايقني غياب رئات المدينة
المتنزهات والساحات الخضراء فهذه سرقت واعطيت للتمدد الحضري ـ وهذا حرام ـ
والخرطوم الآن متجهمة ومهمومة وليست كالمدينة القديمة والركشات استباحت كل
ازقتها، طابع المدينة العام بلا أى نوع من روح الفكاهة و خلا من المرح
ومحاولة الناس للترويح ونحن بحاجة الي طراوة الليل ونداوته وسمره وهذا
السمر تقلص مع الايام وراح .







* أخيراً .. استاذ محمد المكي لك تجربة في الكتابة الصحفية، ماذا اضافت اليك وما هى الملاحظات التي خرجت بها؟







الكتابة الرائجة في العالم العربي هي (الكتابة السياسية) ونحن في العمل
الدبلوماسي في وزارة الخارجية تدربنا على أن نكتب في الامور السياسية
ونحللها، فبقليل من التصرف يمكن للواحد منا أن يكتب مقالة سياسية ، وكانت
مقالاتي السياسية قليلة جدا في بداية الأمر وكانت خاصة بالشأن السوداني ،
ثم كتبت في الشأن العربي وفي الشؤون الدولية .







وانتهز هذه الفرصة لاشكو من القرصنة التي يقوم بها الناشرون في حق الكاتب
العربي الى درجة الاستعداد للتضحية بك ككاتب، واعتقد ان هذا سرقة وسطو
واتمني من اتحادات الكتاب التصدي لهذه المشاكل ، والصحافة في البلاد
الراقية مهنة كاسبة جدا والمثقف او رئيس التحرير أو المحرر عموماً انسان
ثري ، يسكن في الاحياء الثرية النظيفة وليس انسانا بائسا يمتهن مهنة النكد
فهي ليست مهنة نكد، ففي بقية العالم هي مهنة رفاهية وعظمة ونجومية، والناس
تسعي الى الصحفي وتتودد اليه وهنا يحدث العكس تماما ، وادعو الكتاب الى
اضراب عن الكتابة الى أن يوفى لهم بما يستحقون.