ابوجبيهه


انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

ابوجبيهه
ابوجبيهه
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

يؤلمني شكي ... النيجاني الكتيابي

2 مشترك

اذهب الى الأسفل

يؤلمني شكي ... النيجاني الكتيابي Empty يؤلمني شكي ... النيجاني الكتيابي

مُساهمة من طرف أزهرى الحاج البشير 7th أغسطس 2010, 12:04


  • التيجاني يوسف بشير شاعر الروح والوجدان .. رغم حداثة سنه كان عبقري الشعر في زمانه وقد كنت أبحث لكم عن رائعة من روائعه فصعّب عليّ الأمر وعِوضا عنها أهديكم هذه الأبيات التي تنمْ عن روحه المعذبه


يؤلمنى شكي



ما كنت أوثر فى دينى وتوحيديخوادع الآل عن زادي ومورودي
غررن بى وبحسبى أن راويتىملأى هُريقت على ظمأى من البيد
أفرغتها و برغمى انها انحدرتبيضاء كالروح فى سوداء صيخود
ورحت لا انا عن مــائي بمنتهلمـاء ولا انا عن زادى بمسعود
أشك ويؤلمنى شكى وابحث عنبرد اليقين فيفنى فيه مجهودي
وكـم ألوذ بمن لاذ الانام بهوأبتغي الظـل فى تيهاء صيهود
الله لي ولصرح الدين من ريبمجنونة الرأي ثارت حول معبودي
ان راوغتنى فى نسكي فكم ولجتبى المخاطر فى دينى وتوحيدى
أزهرى الحاج البشير
أزهرى الحاج البشير
مشرف عام
مشرف عام


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

يؤلمني شكي ... النيجاني الكتيابي Empty رد: يؤلمني شكي ... النيجاني الكتيابي

مُساهمة من طرف الفاتح محمد التوم 7th أغسطس 2010, 12:28

ورحت لا انا عن مــائي بمنتهل مـاء ولا انا عن زادى بمسعود
كثيرون عقدوا وجه شبه بين التجاني يوسف بشير و أبو القاسم الشابي وآخر لا أذكره .... أستاذنا أمدنا ولو بالقليل مما تذكر في هذا الأمر... نسأل الله أن يمد عمرك بركة وخيرا,,تقبل عاطر التحايا

الفاتح محمد التوم
مشرف المنتدى السياسى
مشرف المنتدى السياسى


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

يؤلمني شكي ... النيجاني الكتيابي Empty هل نحن فعلا لم نكن نتستحق التيحاني ؟

مُساهمة من طرف أزهرى الحاج البشير 7th أغسطس 2010, 12:47


نعم قارنوه بطرفة بن العبد والشابي والزهاوي لموتهم صغارا لكن عبقرية التيجاني أعمق وأكبر يا صديقي فاتح ... شعر هذا التيجاني عديم النظير .. كتب شوقي بدري هذا الموضوع أنقله لك ولنا عودة للتيجاني ونتمنى أن يشاركنا الأستاذ فضل الحاج السياحة في عوالم التيجاني

شكسبير وادي النيل التجاني يوسف بشير



تصادف اليوم الثلاثاء 25 سبتمبر ان شاهدت حلقة عن الشاعر السوداني التجاني يوسف بشير. وتذكرت موضوع كتبته قبل عشرة سنوات نشر في جريدة الخرطوم . الذي جعلنا نحب التجاني يوسف بشير هو أستاذنا في مدرسة الأحفاد وصديق التجاني ورفيق دربه الأستاذ الشاعر الرائع والفيلسوف والدرويش المتجرد عبد الله البشير مؤلف نشيد الأحفاد الذي كنا نبدأ به اليوم الدراسي :

فتية للعلم في الأحفاد يحدونا الأمل
للعلا للمجد للأخلاق نسعى لا نمل
للأخاء الحر نسعى للتفاني في العمل
شعل كالشهب نمضي في احتقار للكسل


وهو كذلك مؤلف نشيد النفير الذي كان يردده كل السودان بعد الاستقلال :

بيدينا نبنيك يا بلدنا اقسمنا لازم نبنيك
صممنا وحبك يسندنا بأرواحنا والمال نفديك
وطن أجدادنا يا بلدنا
مسوي أولادنا يا بلدنا
فيك أمجادنا يا بلدنا

لم أري شخصا مسكونا بحب التجاني وتقديسه مثل الأستاذ عبد الله البشير والذي علي عكس التجاني تمكن من الذهاب إلي مصر والدراسة في دار العلوم .



أحمد التجاني يوسف بشير الكتيابي من بيت الكتيابي , بيت ديني كبير في ام درمان . ولد سنة 1910 وهو يمثل العقد بعد توفيق صالح جبريل ، وعقدين بعد الأستاذ عبد الله البنا . شعره عميق بنكهة خاصة لا يخلو من المرارة
درس القرآن في خلوة عمه محمد القاضي الكتيابي . ثم انضم إلي المعهد العلمي الذي بدا في مسجد أم درمان الكبير وصار جامعة أم درمان الإسلامية . ولأنه صاحب شخصية مميزة وموهبة عظيمة ، قابل الحسد وعدم الفهم . واصطدم بزملاءه وبعض مدرسيه من أصحاب العقول الآسنة وما أكثرهم الآن .
وبسبب هذه العقول الآسنة والوشاية طرد التجاني من المعهد العلمي الذي كان يحبه .
اشتري التجاني ديوان أمير الشعراء احمد شوقي بمبلغ ضخم 80 فرشا وكان مبلغا ضخما حينها . فالعم سليمان النيجيري صاحب المكتبة الوطنية المواجهة لسينماء الوطنية أم درمان كان يبيع الكتب في كيس يحمله علي ظهره في بداية حياته وكان يدفع ريالا كبيرا (عشرون قرشا) كل شهر للعم سليمان ثمنا للديوان فسخر منه بعض زملاءه قائلين له كان يمكن أن يشتري كتابا دينيا أومصحفا . وزعموا أن التجاني قال أن ديوان احمد شوقي خيرا من المصحف وحرف رد التجاني وشهد البعض ضد التجاني إلا أن زميله الأستاذ عبد الله البشير كان يقول أن التجاني قال أن مقارنة شعر احمد شوقي بأي شعر آخر تماثل مقارنة القرآن بأي كلام عادي . وطرد التجاني من المعهد .
وقديما كان لنا نشيد في المدارس الابتدائية من تأليف التجاني يوسف بشير اذكر منه:

يا معهدا زاخرا بالحياة ليهنك ان الحياة العمل
فسرسر بنا نحو غاياتنا تجدنا خفافا نعاف الوني

وفي قصيدة أخري يقول :

ودعت غض صباي تحت ظلاله
ودفنت بيض سني في محرابه

كما صور لنا الخلوة قائلا :
هب من نومه يدقدق عينيه
مشيحا بوجه في الصباح
ضمخت ثوبه الدواة وروت
رأسه من عبيرها الفياح

حاول التجاني الهجرة إلي مصر طلبا للعلم ولكن أهله أرجعوه من محطة القطار وكان يمني نفسه بالذهاب والدراسة في مصر فقال:

مصر يا مهبط الحضارة والنور
ويا مبعث الهدي كل ساع

التجاني كان يجد كثيرا من العنت والمضايقات الشخصية والحسد . ووصف شعره بالغموض كما اضطر للعمل في شركة سنجر التي تبيع ماكينات خياطة الملابس وبدأ يقتنع بمصيره بدون الرضي فقال:

اتنكر عيناك هذا المصير
ويجحد حسنك هذا المرد


وكما ذكر المبارك إبراهيم صديق الشاعر ومن المولعين بشعره والذي ساعد في إخراج ديوان الشاعر (إشراقة) في عام 1955 فان عمل التجاني في سنجر كانت فترة الهام بالنسبة للشاعر . اذ كان التجاني يقابل حسان اليهود والأرمن والنصارى كزملاء في عمله . أو عند تحصيل أقساط الشركة ، لأن الأقباط والأجانب كانوا اغلب الزبائن فقال التجاني :

آمنت بالحسن بردا وبالصبابة نارا
وبالكنيسة عقدا منضدا من عزارا
وبالمسيح ومن طاف حوله واستجارا
إيمان من يعبد الحسن في عيون النصارى

كما قال كذلك :

درج الحسن في مواكب عيسي
مدرج الحب في مساجد احمد


مات التجاني في السابعة والعشرين . وبالرغم من تعاسته وعدم فهم الآخرين ، وداء الصدر الذي قضي عليه وهو في شرخ الشباب ، وانه من بيئة حي السوق وسط المباني الطينية بعيدا عن الحدائق والقصور اخرج أ جمل الشعر قائلا:وعبدناك يا جمال وصغنا لك أنفاسنا هياما وحبا
كما غني للنيل :
أنت يا نيل يا سليل الفراديس
نبيل موفق في مسابك

وهي رائعة الفنان عثمان حسين

ويذكر زرياب المغني الأسود والزرياب طائر اسود جميل الصوت . ويحن إلي المربد منتدى الشعراء في جنوب العراق وهو في أم درمان لم يغادرها ويقول :

]قم يا طرير الشباب غني لنا غني
يا حلو يا مستطاب أنشودة الجن
وامسح علي زرياب واطمس علي معبد
وامشي علي الأحقاب وقف علي المربد


أغنية سيد خليفة .. كما غني للخرطوم وغني لتوتي وشمبات ولم يمدح أي يشر . ورثي الشيخ أبوالقاسم هاشم رئيس المعهد العلمي الذي طرد منه التجاني.
الشيء الذي لا يعرفه الكثيرون ، هو أن التجاني كاتب عميق وناقد أدبي وسياسي . عمل كمصحح وكاتب في مجلة ملتقي النيلين مع العم سليمان داؤود منديل وكتب في مجلة الفجر لصاحبها عرفات. ثم صحفيا في مجلة أم درمان مع مؤرخ السودان الأستاذ محمد عبد الرحيم (جد هاشم بدر الدين) إلا أن المرض اشتد عليه ومات في عمر طرفة ابن العبد صاحب المعلقة والشاعر الانجليزي اللورد بايرون والشابي التونسي الذي يلقي تعظيما عظيما من أهله واسمه يطلق علي الشوارع والمعاهد والأطفال وهنالك إحتفال سنوي باسمه أما التجاني فلم يجد سوي الإهمال إلا في المناسبات المختلفة كمهرجان في بداية الستينات الذي خلقه الأستاذ عبد الله البشير وآخرين وكان تعرض منه دقائق معدودة في الجريدة الأخبارية في السينما . وحديقة تقع إلي الشمال من سوق الخرطوم 2 تعاني الإهمال والجفاف ومهرجان 1946 في القاهرة وصفه الاستاذ الدكتور ابراهيم ناجي انه شكسبير وادي النيل وأشاد به الدكتور مظفر سعيد من جامعة الأزهر . وقال عنه الأستاذ أحمد غلوش انه نابغة الشعراء ونسيناه نحن في السودان كالعادة .
وربما لأنه جاهر بالشك وله قصيدة بعنوان "يؤلمنى شكي" . وأحرق أهله كثيرا من قصائده وكتاباته خوفا من أن يوصف بالجنون أو الالحاد وما وصلنا عن طريق ديوانه إشراقة ليس كل قصائده التي ذهبت إلي مصر وبقيت هنالك لسنين واخذ البعض بعض قصائده ونسبوها إلي أنفسهم !!!!!!!!!!!!!!!!!!!
أعظم قصيدة للتجاني حسب رأي هي" القمر المجنون" وهي تدعو لتعليم المرأة ونهضتها . والقدماء لم يكونوا يعترفون لشاعر إلا بعد أن يأتي بحكمة . هذه القصيدة عميقة مليئة بالحكم الفلسفية .

اصنعي أيتها الشمس الأهلة
وانفحي من روحك الطاهر فيها
وقفي مزهوة منها مدله
موقف المطفلِ ِ من غر بنيها

لسوء الحظ البيت الأخير كتب خطأ في طبعة 1955 وأعيد غلط في طبعة بيروت 1980 وحفظه الناس (من غربتيها ) وضاع المعني الجميل . ونحن حفظنا من الأستاذ عبد الله البشير وسمعنا من آخرين ممن عاصروا الشاعر , من غر بنيها . والمطفل هي المرأة كثيرة الأطفال وغر بمعني صغير وبنيها أبناءها والمرأة عادة تزهو بآخر أطفالها . حتى كلماته أخطأنا فيها ولم نهتم.
نحن لم نكن تستحق التجاني .

التحية
شوقي

__________________
أزهرى الحاج البشير
أزهرى الحاج البشير
مشرف عام
مشرف عام


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

يؤلمني شكي ... النيجاني الكتيابي Empty رد: يؤلمني شكي ... النيجاني الكتيابي

مُساهمة من طرف الفاتح محمد التوم 7th أغسطس 2010, 13:16

ماشاء الله ...ماقصرت أستاذنا سأقوم بطباعته لتكملة مشوار المشروع الذي بدأته عن التجاني .. هذا الشاعر لم يجد الإهتمام والدراسة المتأنية من قبل المختصين ,,وصراحه لا أعرف عنه سوى شاعر كشيوخ المعهد العلمي الشباب .. !!

الفاتح محمد التوم
مشرف المنتدى السياسى
مشرف المنتدى السياسى


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

يؤلمني شكي ... النيجاني الكتيابي Empty رد: يؤلمني شكي ... النيجاني الكتيابي

مُساهمة من طرف أزهرى الحاج البشير 7th أغسطس 2010, 16:20


الشاعر السوداني التجاني يوسف بشير … قراءة إستعادية


محمد جميل أحمد
الشاعر السوداني التجاني يوسف بشير بقلم محمد جميل أحمد*
قراءة إستعادية

إذا كان الإبداع تحولا جماليا لا يتناهى . وسيرورة مستقلة عن الزمن والمكان، من حيث كونه جوهرا متعاليا يصدر عن الذات الإنسانية المبدعة . فإن البحث عن هذا المعنى لم يأخذ حظه كاملا في الكتابات العربية النقدية أي ذلك الجهد المعني باختبار القيم الجمالية والدلالية للنصوص الشعرية القديمة والحديثة . وإعادة قراءتها . ربما كان ذلك يعود في جزء منه إلي محايثة النظريات النقدية لمثالاتها في نصوص الحداثة الشعرية ، وبالتالي إعمال ما يشبه القطيعة مع نصوص تقدمت على ظهور النظرية ــ الموديل ، الأمر الذي ينطوي على إهمال نصوص وتجارب شعرية مهمة تستحق القراءة الإستعادية . و بالرغم من أن ذلك الجهد الإستعادي للكتابة النقدية لا يحيل على التأويل الإنساني الذي يشتغل عليه النقد فحسب، بل يعزز الاختبار النقدي للنص والنظرية معا ومن مطارح ربما كانت نائية كلما كان النص موضع التأويل ينطوي على (مقاومة) جمالية للزمن ، ويؤسس علاقة جدلية تستجيب لجدوى الاختبار النقدي في نفس الوقت الذي يتكشف فيه النص عن تيماته ونظامه المحكم بفعل ذلك الاختبار . فإن ذلك يستصحب الكثير من التجريب الذي يفضي إلي استنتاج علاقات تماه مستترة لنصوص إبداعية من حساسيات ولغات مختلفة. وحين تتجاوز تلك الكتابات النقدية بعض التجارب الشعرية كالتي ذكرنا، بحسب تأويل يصنـّف جوهر الشعر على اعتبار الشكل الفني ، فهنا لانقع على انحياز يجبّ وظيفة النقد فحسب بل يفوّت الكثير من الإضاءات المتصلة بجوهر الإبداع باعتباره طاقة كامنة في تلك النصوص . ربما كان الشاعر السوداني التجاني يوسف بشير (1912ــ 1937) الذي مات في الخامسة والعشرين من عمره . شاعرا أبدع تأويلا خاصا لقراءته . واشتغل على تجربته الشعرية بكتابة مغايرة قطّر فيها شعراً صافيا تتكشف فيه المعاني عن نسغ مركزي ، كما لو كانت نصوصه نصّا واحدا . فالتجاني الذي ظل يمارس ضغطاً متواصلا لمأزقه الوجودي في بيئة شديدة المحافظة ، فجّر في الشعر تجربته بلعبة لغويه أبدعت جدلا جماليا (إن صح التعبير) صاغ فيه أسئلة الوجود والعدم دون أن يحيلنا إلى كد ذهني ، بل انطوى على شفافية وتماسك نسخ المسافة الوهمية بينه وبين نصّه حتى قال في وقت مبكر ما يشبه الوصية ، لمن يكتب عنه
أنا إن مت فالتمسني في شعري / تجد ني مد ثــّرا برقاعة .
فهو لم يفارق الحياة إلا حينما فارق الشعر فراقا مأساويا كانت النهاية فيه تأويلا مكثـفا للحياة والموت والحقيقة برؤية شعرية كشفت عن عالم شديد الحساسية. عالم مهجوس بسؤال فلسفي ناظم لروحية إبداعه الخاص الذي ينجذب دائما من سطح النص إلى أعماق يتأمل فيها الحياة بأسئلة حارقة وغير نهائية ، فالشاعر بحسبه (يفتح الكون بالقصيد) ، كما يقول في إحدى قصائده، وربما لجهة هذه الرؤية الشعرية للعالم عجز عن استعادة فردوس اليقين الديني . فاستعاده في الفن ، (بحسب محمد عبد الحي) ، بعدما أذبله الشك.
أشكّ لاعن رضى منّي ويقتلني / شكي ويذبل من وسواسه عودي
وفي نص التجاني استشراف قيامي للموت ظل يكتب عنه مونولوجا داخليا متواصلا قرّب اليه مسافة العدم حتى إنطفاْ في سديمها المطلق . لقد كانت لحظة الغياب عن هذا العالم هي لحظة
احتراقه بالشعر، بل هي لحظة عبقرية بامتياز كان يقطّر فيها وجوده بالشعر جملة واحدة حتى قال عن هذا الشعر في لحظة نرجسية كاشفة عن هذا الغياب

هو فـنـّي ـ إذا اكتهلتُ ـ وما / زال على ريّق الحداثة فـني
أي لقد كان (التجاني) يخطو بعيدا عن زمانه بهذا الشعر الذي قطرّه في أول الصبا و انطفأ به كيانه الغض عندما انفجر عليه بالرؤى القاتلة فهو فن ينطوي اكتماله على مأساة توازي حدود الشعر بنهاية الحياة . ذلك أن حياة الشاعر القصيرة كانت تجسيدا للأنا الشعرية التي فرضت وجودا لا واعيا على نفسه . وهي حالة يستحيل فيها الشاعر ذاتا مركزية في هذا العالم ، عندما لا يستطيع الكف عن الإحساس بدهشة الأشياء المتجددة . ولذلك لا تنفذ الأحداث في شعره إلا بقناع شفيف يحيل على الرمز والإشارة التي تحيل على تأويل مطلق . فالزمن القصير الذي عاشه التجاني كان مضطربا بالأحداث في السودان من مقاومة الاستعمار إلى ثورة اللواء الأبيض . وكان الشاعر وفق الرؤية التي يرى بها العالم ، يشفـّر في شعره كل هذه الأحداث دون أي إحالة مباشرة لها فالثورة هي حركة الذات القلقة في مواجهة العالم وليست رصدا فوتوغرافيا للأحداث. فحين يتحدث عن الثورة في قصيدته التي تحمل هذا الاسم ينسج على أسلوب يتخفف قدر الإمكان من الدلالات القريبة والجمل الموسيقية الجاهزة والشعارات .
نهلت من دمــي ا لحوا د ث / واستروى يراعي مما يدفع دنـّي
وإذا كانت غربة الشاعر في العالم هي التي تملي عليه هذا الإحساس العابر بالحياة (إلى غاية في ضمير العدم) كما يقول في إحدى قصائده ، فإن هذا الإحساس هو الذي سمح له باشتقاق الأسئلة الفلسفية من عالم مغلق حتى أن التعبير عنها يستحيل إلى دلالات عصية في امتناعها فهي لاتدل على سهولة معانيها بقدر ما تشير إلى المعاناة والشك والحير ة العاجزة عن اختراق ذلك العالم . وتحيل إلى خيال خلاّق يعيد تدوير تلك الأسئلة التي خلقت مأزقه الفلسفي
حبك القضاءُ شباكه ورمى/ للعقل منه بضيّق ٍ ضنـْكِ
أنا من فــوادح ما تجر يدي/ أبدا قنيصة ذلـك الحــْـبكِ

فبين الإحساس العميق بأسرار هذا الكون والعجز المطلق عن فهم تلك الأسرار كانت الحقيقة قناع الموت ، والحيرة شراك العدم ، فيما يشبه لعبة المرايا، لقد كان الموت الفيزيائي هو شط الأسئلة المستعاض عنها باكتمال الشاعرية التي أضنت ذلك القلب بحثا عنها في مطارح الكون
يصّعد بي خافقٌ في الفضاء/ يسوق الصبا ويقود الهــرمْ
جــنــاحـاه يخترقان الوجود/ وعيــنــاه تقــتـنصـان العدمْ

إنه عالم (رامبو) حيث شرط الشعر: تقطير الحياة إلى حد العدم . والمقارنة هنا بين (التجاني) و(رامبو) تتجاوز التناص المعنوي فنحن أمام (توارد مصائر) لاتوارد خواطر ، بحسب محمود درويش ، فالموت المبكر لم يكن هو فقط ما يحيل إلى علاقة الشبه . بل أيضا كيمياء الذات ، والقلق الوجودي المتناهي إلى المطلق ، والخروج عن نظام المجتمع إلى فوضى الشعر ، فالتجاني أيضا أُتهم بالمروق والإلحاد.
كفر ابن يوسف من شقي واعتدى / وبغى ولست بعابئ أو آبه
وشقاء المعرفة . وصولا إلى تناسخ لفظي حتى في اسمي ديوانيهما : فديوان (إشراقة) الوحيد الذي تركه (التجاني يوسف بشير) لم يختلف مع عنوان ديوان (إشراقات) الذي خلفـّه (رامبو) إلا في صيغة المفرد والجمع . لقد رأى كل منهما العدم في مرايا الأسئلة الطالعة من جحيم العقل ولغز الوجود . لقد كان الموت عند التجاني هو نهاية الغموض الذي يفسر ذاته بذاته في المطلق ، وينطوي عليها في ذات الوقت.

أهو الموت ذ لــك الأبــــد/ المطوّيُ في نفسه على سيمائه
إن المعنى الذي يشد الروح إلى المطلق هو لحظات الكشف الشعري التي تخترق الوحي وتنوس حول سماء الأسئلة بين حدى الفصل والوصل في ذات الشاعر، أي ذلك البرزخ الذي يخلق (الوجود المغاير) كما يقول التجاني ، لكنها لحظات خاطفة ينقطع فيها الوحي الشعري بسبب كثافة الطين الذي يعتلق الروح
علِـقـتني من ظلمة الطين ما / أقعدني عن رحابك البيضاء
فيضيق الشعر كلما أسرف الشاعر في رؤى الوجود المغاير ورأى نهاية البوح في حدود الحياة ومثلما توقف (رامبو) عند نص “كيمياء القصيدة” توقف التجاني بعد قصيدة” الصوفي المعذب”
رجع الـلـحن إلى أوتاره بــعد قلــيــل
واختفى بين حنايا المزهر الكل العليل

ونحن هنا لسنا في وارد تفصيل المقارنة النقدية بينهما ، بالرغم من الاختبار العميق لكتابة الشعر باعتبارها تقطيرا للحياة ،لا تعبيرا عنها فحسب ، حيث تنزلق الحدود بين ذات الشاعر ونصّه، لدى كل منهما . فالتجاني الذي أثقلت عقله ثقافة مشرقية بحثا عن المعنى حول حبائل الفلسفة وأقيسه المنطق ، لجأ إلى التصوف الفلسفي (وحدة الوجود عند ابن عربي) . يقول التجاني من قصيدة ” الصوفي المعّذب ”
أنا وحدي كنت أستجلي من العالم همسهْ
أسمع الخطرة في الذرّ وأستبطن حــــّسهْ
***
رُبّ في الإشراقة الأولى على طــينة آدم
أُمــمٌ تذ خر في الغــيب وفي الـطينة عالم

هكذا اشتق التجاني رؤيته الشعرية من ثقافة صوفية مشرقية قلقه هي نفس الثقافة التي هام في أقاليمها الشاعر الفرنسي (آرتور رامبو) من قبل وعانق بعدها الفناء المفزع . بيد أن التأويل العميق لتجربة كل من الشاعرين هو في تقطير الحياة بحثا عن الشعر. بعبارة أخرى إن تلك الرؤية الشعرية للعالم باعتباره نصا مغلقا ، انطوت على مجاز خطير يحيل إلى حياة على حافة العدم . فالشعر حين يفسر العالم يقف بالشاعر على حدود الموت . ذلك أن شفافية الشعر لاتعين على كثافة العالم حين تخترق مجازه الهيولي . لقد كان العالم عند التجاني (صُورٌ مُصورةٌ على أعصابه) ، كما يقول في إحدى قصائده ، بينما كانت قصائده (قطرات) قطّر بها حياته الخاطفة وأودع فيها إبداعا خالدا لا يكف عن مقاومة الزمن. حين وصف قصائده مفتتحا ديوانه من قصيدة ” قطرات”
قطراتٌ من التأمّـل حيرى / مُطْرقاتٌ ، على الدجى مِبراقهْ
ورهامٌ من روحيَ الهائــمُ الو/ لهان أمْكـنْتُ في الزمان وثاقه

فهو أمكن وثاق شعره ضد الزمن الجاري ولهذا السبب عاش غربة موحشة في هذا العالم بكيان هش متوتر إزاء الآخرين
فـما رأيت الوجوه ضاحكة ً / إلا تأولتـــها عـــلى سبــبِ
وما رأيت الثغور باسمـــة ً / إلا حسبت الحسابَ للغضبِ

وإذا كان بإمكاننا اليوم أن نعيد قراءة (التجاني) فسنكتشف نبوء ته الصادقة عن هذا الشعر وقد تحرر من مواضعات عصره وضغط الأنساق التعبيرية التي تجاوزها بغربة شديدة في ذلك الزمن ، أي قبل سبعين عاما ، وأبدع نصا مركب الدلالات بشاعرية متجاوزة . وهذا مما يحيل عليه التأويل النقدي لظاهرة الإبداع باعتباره طاقة كامنة في النصوص العظيمة . ويسمح لنا عبر القراءة الاستعادية باكتشاف تناسخ فريد بين (التجاني يوسف بشير) ، والشاعر الفرنسي الكبير(آرتور رامبو) يتجاوز بكثير تلك المقارنة التقليدية التي سادت أوساط النقد الأدبي منتصف القرن الماضي بين التجاني والشاعر التونسي الشاب أبي القاسم الشابي . وهو ماكان قد سبق اليه الشاعر والناقد السوداني الكبير المرحوم د. محمد عبد الحي في كتابه النقدي الهام عن التجاني : (الرؤيا والكلمات) عندما قارن بين التجاني والشاعر الإنجليزي ( وورد زورث).
وإذا كانت (العيون نوافذ الروح) فأن (خوادع الآل) ــ الفلسفة ــ كانت تجرّ التجاني إلى متاهة العدم الذي ألهمه شعرا صافيا ، بالرغم من محمولا ته العميقة ، حتى انجذب إليه من الوجود المغلق والمُلغِز في الوقت نفسه . …
ربما كان التجاني يوسف بشير هو الشاعر السوداني الوحيد الذي يذكر السودانيون مأساته بعطف نبيل شارف الشعور القومي ، بالرغم من شعره العصيّ ، بعد أن عاش حياة مضيّعة لفظته إلى الهوامش السفلى في مدينة (أمد رمان) ليعمل في محطات الوقود بين الفقر والحرمان حتى فارق الحياة التي نذرها للشعر فكان هو و(محمد المهدي المجذوب) أصفى شاعرين في السودان بحسب (الطيب صالح) .


هو أحمد التجاني بن بشير بن الأمام جزري الكتيابي
ولد في (( أم درمان )) عام 1912 ، و توفي عام 1938
لم يكمل دراسته في المعهد العلمي بعد فصله لأسباب سياسية
عمل في الصحافة ن و في شركة شل للبترول
صدر له ديوان واحد بعنوان : (( إشراقة )) .

أ
مل ميت على النفس ألحدتُ له مـن كلاءة الله قبرا
زهقت روحه وفاضت شعاعاً قبلما ينفذ الطفولة عـمرا
كنت أحيا على ندى من يساقط بــرداً على يدي وعطرا
فى ظلال مطلولة افرغ الشعر عليها من الهناءة فجرا
ثم اودى يا ويحه ضاقت الدنيا به جهدها إحتمالاً وصبرا
بعدما نضّر الحياة بعينى مضى جاهداً واعقب أسرا
أملى فى الزمان مصر فحيا الله مستودع الثقافة مصرا
نضر الله وجهها فهى مـا تزداد إلا بعد علي وعسرا
أزهرى الحاج البشير
أزهرى الحاج البشير
مشرف عام
مشرف عام


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى