ما حكاية الجيوش العربية والاختراعات؟ هل أصبحت تحتضن كل مخترع وعبقري أم أنها تظن أن كل شيء تفعله اختراعاً وعبقرية؟ وما سبب نشاطها الطبي المفاجئ الذي طغى على كل نشاط آخر؟
اكتشف الجيش السوداني علاجاً للآيدز، مؤكداً أنه فعّال بالكامل، وأنه سيوفر العلاج لكل المرضى. قبل ذلك استيقظ العالم على إعلان اللواء طاهر عبدالله من الجيش المصري عن علاج نهائي لفيروس الكبد «سي»، ثم تطور لكل الأمراض، بما فيها السكري، إضافة إلى جهاز لاقط يكتشف المريض من دون وخزة إبرة.
هذا التطور اللافت وغير المسبوق للجيوش العربية ونوعية اهتمامها يبشر بتسابقها مستقبلاً في القضاء على كل الأمراض المستعصية، خصوصاً أن مهمة الجيش أصلاً القضاء على كل خصم وحين تصل قدرته إلى القضاء على الفيروسات، فهذا يعني أن البشر أولى وأدنى.
الملاحظ أن الاختراعات مقتصرة حتى الآن على الدول المحاذية للبحر الأحمر، بما في ذلك اكتشاف عبدالمجيد الزنداني من اليمن علاج الآيدز، ما يجعله الرائد في هذا المجال وإن كان الأمر يقتضي نوعاً من الوحدة العربية عبر اجتماع ثلاثي لهؤلاء الخبراء الطارئين، ودمج خبراتهم الفريدة في سلة واحدة، وبناء معامل أبحاث مشتركة لهم، شرط ألا يكون بينهم نوع من التواطؤ وتبادل المعلومات، فيكون الحق الأصيل للزنداني، فهو الأقدم في ذلك.
يشير الترابط الجغرافي إلى وجود غمامة إبداعية تنشر رذاذها عبر المناخ فيلتقطها المبدع ويحيلها علاجاً لمرض نادر، ولعل ارتداد هذه الغمامة إلى السودان يجعل الصومال المرشح الأقرب لإعلان اختراع جديد.
الملاحظة الأخرى أن السباق اقتصر على الطب والآيدز تحديداً، فما السر في الولع به مع أن علاج السكري أكثر نفعاً وفائدة؟ وهل تخصص الجيوش موازنات ضخمة لهذه الأبحاث؟ وكيف نجحت في ما فشلت فيه مراكز الأبحاث الكبرى على رغم أن هؤلاء المبتكرين العرب ليسوا على أي قائمة علمية مهما كان مستواها؟ وهل يعتبر هذا التوجه رسالة إنسانية تغير صورة الجيوش القاتمة، أم أنه ثورة عسكرية على احتكار شركات الأدوية وسطوتها الكبرى؟
المواطنون العرب محظوظون فالخيرات تتوالى عليهم، فإن قصّرت الجامعات ومراكز البحث في علاجهم أنجدهم الجيش، مبرهناً أن مهمته حمل كل سلاح يقضي على أي خصم. المأمول أن يستثمر العرب هذه الطفرة العلمية العسكرية المفاجئة فيوزعوا الأمراض المزمنة والقاتلة بينهم حتى لا تتداخل جهودهم، ولا يبقى تركيزهم على فيروس الآيدز الذي انهالوا عليه من كل جانب بينما يتمتع إخوانه بالأمن والاستقرار.
يمكن الآن فهم الرغبة الأوروبية في التدخل في الشرق الأوسط بعد أن فاجأهم هذا التطور، الذي سيقضي على امتيازاتهم، ولا شك في أن خوفهم الأكبر هو من ابتكار أسلحة متطورة استناداً إلى أن أطباء عابرين حلّوا مشكلة الآيدز، فالأولى أن ينجح العسكريون في صلب اهتمامهم. من المحتمل أن إعلان هذه الابتكارات رسالة مشفرة للغرب مضمونها: انظروا إلى نجاحنا المعلن، فما ظنكم بما لم نعلن؟
يمكن القول إن هذه الابتكارات من ثمار الربيع العربي، لأن الأحداث المتسارعة ألغت البيروقراطية وفتحت باباً من المرونة، ويبدو أن التوجهات الحالية يطغى عليها نهم علمي فائض، فلا ثمة خوف على المبدعين وعلى كل صاحب فكرة أن يتقدم بها، فالعالم العربي يشهد مناخاً علمياً يغار منه الغرب ويخشى على وجوده بسبب ذلك، ولعل سبب عدوان إسرائيل على غزة هو منع الفصائل الفلسطينية من مثل هذه الابتكارات وإنهاكها بحرب طويلة.
يستطيع أي عربي أن يطمئن على مستقبله وأن يخرج لسانه للأميركيين، فماذا بعد علاج الأيدز؟ ومهما كانت الصورة قاتمة فإن الشمس ستشرق عاجلاً وتطرد كل الظلمة الخانقة.