إنها بردة الميامن بقلم الاستاذ عبدالباسط سبدرات
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
إنها بردة الميامن بقلم الاستاذ عبدالباسط سبدرات
مقال رائع ثم رائع ورفيع السبك كتبه عبدالباسط سبدرات في صديقه مصطفى سند كما أن لنا مع عبدالباسط سبدرات ذكريات عطرة حينما زار أبوجبيهة في يونيو 1978 سنتطرق لها في مقام آخر...نرجع لموضوعنا بردة الميامن:
صديقي الحميم "مصطفى سند".. صديق أبعده عنّي الموت، ولم يستطع أن يبعد همسه في أذني، وأنا أناغي ليلاً (البحر القديم)، صوته لا يزال يهدر هدير النوق.. عزل هو في قصيدة ما - (واعزل هجينك عن حُداة النوق) - عزل صوتها عن إذن الكون ليسمعها هو وحده.. "مصطفى" صاحب القلب الحرير الذي لم يحقد يوماً على كائن.. ولم يقل إلا خيراً وخيراً باسطاً..
عرفته منذ عقود وشربت حتى ارتويت من نبع (البحر القديم) الذي هو مُوجه وطميه وشاطئه وأصدافه الصقيلة اللؤلؤ..
ودون مقدمات.. بغتة.. إذا بمرض عضال يشل حركته، ويطفئ ذلك البريق الأخاذ عن وجهه القمر.. وإذا نحن نقرأ تقرير الطبيب الذي يشخّص ورماً فاحشاً في أحشائه، ويكسر القافية في دواوين الشعر..!!
ثم إذا بنا نرى الحزن على كل موج.. والأسى في كل شاطئ والخوف من فتك المرض يشل قدرة الأمل في أن يورّق في قافية تزف العافية لبيت الشعر!!
ثم سافر "مصطفى" مستشفياً في السعودية.. وهناك رأي بعينيه الهول من ويلات ذلك المرض اللعين.. كان المرض قد استفحل لدرجة فادحة الخطب.. وأجرى جراحة أخذت كل شيء في البطن!! ثم تعقب الجراحة جُرعات من دواء لعين.. (الكيميائي) .. وحسبك هولاً أن تقرأ الاسم (العلاج بالكيميائي).. وكأنه يصف الموت علاجاً من موت..
استسلم صديقي "مصطفى" للأمر.. وبدأ (الكيميائي) يفعل فعله المخيف.. و"مصطفى" وهو تحت ذلك القصف المخيف.. يكتب شعراً.. فيه طعم الموت القادم.. وكأنه "مالك بن الريب" يستجيث البواكيا..
نسيت أن أقول حادثتين بيني وبين صديقي "سند"، الأولى إني كتبت قصيدة (نحاس القرية القديم) ونشرتها إحدى الصحف.. وقرأها "سند"، وهو لا يجامل في الشعر.. ويعرف جيّده ويحسن القراءة فيه.
هاتفني صباحاً وهو يقرأ القصيدة.. وحين يقرأ "مصطفى" الشعر يكتسي الشعر الرواء والخضرة والصحة الأكيدة!!
قرأ قصيدتي ولأول مرة أعرف إني أملك (ملحاً) خاصاً بطعم شوق البحر لليل، وبذلك تعمّدت لأول مرة شاعراً.. ولهذا سترى في القصيدة إشارة لهذه القصيدة:
(يا برزخ الشعراء دق نحاس قَريتك القديم..
يناصف العز المعانّد أن يَرُف
على المعاقل والحصون)..
والحادثة الثانية.. إني أهديت صديقي "مصطفى" (شالاً) مقصّب الأطراف بحرير ساطع الملمس.. بَهيُّ الألوان.. فيه زرقة البَحر.. وغَزل الجزر والمد في رموش الموج.. هذا (الشال) لا يستحقه كتف إلا عارضي صديقي "سند".. عندها فقط يكون مسمى (شال) قد تحقق وانطبق مع الاسم والوصف والتوكيد..
فرح صديقي بذلك (الشال) أيما فرح.. كأني أعطيته وثيقة امتلاك كل الأنهار في الكون.. وظل يذكر ذاك، ثم ها هو قد ضمن (الشال) القصيدة الأخيرة..
(أهلاً بمقدمك الأنيق.. و(شالك)
المنسوج..
من حبر الأصيل)..
ثم إني نسيت كم طرب هو في مساء ما ونحن نسمع أغنية (رجعنالك)، وقد علا فيها الشوق (لوطن القماري)، فإذا هو يخاطبني في القصيدة:
في حضرة الشعراء.. كيف صدى المقاطع أرّق
الدنيا..
وأقلق سادنيك.. وقد أظلك في مساك
العابرون
فمتى تقدم (للبلابل) حزمة أخرى بطاقة
جانحيك
وهل رفعت كما دعاك الساهرون..
لنهتف أن (رجعنالك)..
وتأتلق المدامع في العيون)..
لقد نسيت أيضاً أن أقول في مقدمة هذا المقال:
إن صديقي "مصطفى" كان بعد ذلك العلاج المُرّ يقضي فترة نقاهة في مدينة (أبها)، ولأن أهل السودان أوفياء، ولأنهم يخافون أن تفوتهم فرصة تكريم لـ"مصطفى سند"، وهو بينهم، فقد أقاموا احتفالاً كبيراً تكريماً له.. ومصطفى يعلم أنه احتفال تأبين يستتر خلف أيام قرُب فيها غُروب مؤكد..
وخاطبوني (بالموبايل) في ذلك المساء لأقول كلمة في حق صديقي "سند".. وتحدثت، وأنا أعرف ما تُخبئ الأيام، وقُلت ما يستحق من قول حقيق..
ولأن "مصطفى" يعرف مودتي.. فقد أرسل لي قصيدة (إنها بُردة الميامين)، ثم إنه أيضاً أرسلها لصحيفة (آخر لحظة) التي نشرتها 14 / 12/ 2007م.
نسيت أن أقول إني لم أتكلم في مأتم الفقيد.. فقد أصابني ما أصاب "زكريا" يوم خرج من المحراب يكلم الناس إلا رمزاً.. حبس الحُزن صوتي وأطلق غزيراً دمعي..
وربما لا يعرف القارئ انه قال في الإهداء:
(إهداء الأخ الحبيب "عبد الباسط سبدرات"
لئن صح ما قلته عني عبر مداخلتك الهاتفية العظيمة.. يوم احتفل أبناء الجالية السودانية في مدينتي "أبها" و"خميس مشيط" بشفائي، فإنني سأتطاول زهواً حتى أتربع على قمة القمم من مرتفعات "عسير" الخرافية.. لك ودي وامتناني وعرفاني يا صاحب نحاس القرية القديم)..
وبعد..
بدأتُ تقليب الأوراق ووجدت أوراقاً (كنزاً) وأوراقاً ثروة وأورقاً تحسن استقبالها (سلة النفايات).. من هذه الأوراق النفيسة هذه القصيدة:
مَيامِن في مدارات الأسى والصدق دَارت عَلَى
ساق الشكوك
مَيامِن في مَيامِن.. بل.. ولكنّ الملوك
رفعوا شعارك.. فاحتمل وَرَم المياسر واسترح
حتى يريحك قانصوك
واستسقِهم
فلربما عادوا إلى الأحقاف يحتسبون قافية الميامن
في مزاد البرّ والحِزّم الثقيلة والصُكوك
من آخر الطرق التي كانت تحاذر أن تمُر حِذَا المساعِي
الساجدات على أفاريز البنوك..
ترقي لمن برّ النواجب سَدرة التوصيف تَستقِي
ضَراعات الجَفاف
أسف الميامن؟
لا ولكن البروق توسّدت (مقل) النّمال السالكات
هُدى البصائر في العتامير العِجاف
حدّد سؤالك هل هُموا أوفُوا..؟
بلى أوفُوا.. على جهد المصيبة واحتدامات
الجَفاف
مالَوا به القنديل.. لكن أعلّن القنديل موقفه القديم
وصبره المأزوم كي لا تُؤرق النبضات
في وِرد الخلاص
مِيمُ وقَاف..
مِيم.. ولامُ حُرةّ التوصيف تستعلي عل كل الصحاف
أنا.. لا أخاف
من غرفة التخدير.. أو أن أفقد الشكوى.. فلا
شكوى
بغير لهيبنا ودموعنا الحري.. ولا دفء العِنّاق..؟
فإلى متى أرضي وأقبل أن أساق..؟
وعيوني التعبى تبارك صِدقهم.. ومشارط التنعيم
والهول الرهيب..؟ فيا دَمي جَلجل وأنت تَهدُر
في الشرايين العِتّاق
و"خديجة" انفلتت تصارع بينهم
"بابا"..
ولكن الرفاق
أكلوا جناي.. ودَارت السُحب الكئيبة يا رضاي
بصدمة الإغماء.. ثم بهمسهم: مهلاً.. أفاق
وَرَم على وَرَم الكلام.. فكيف للوَرِم المُراوِّغ
أن يحس وان يُطاق
مَا جاد غَير فجيعة الشك اليقين
وسطوة (الكيمو) وأوردة اليّدين تلّونت
بالأسود الغسقي والبُّور الجهيمة
والتلاحُق والكُمون
وَرَم ظنون
وَرَم شُجون
ورم يكون
ورم جُنون
يا سيدي (الكيمو) سألتك بالذي فطّر التوازن هل
لأورامي
البهيّة من حضور أو مُقَام
أم هَل لها أيضاً عيون...
القصيدة مليئة الضرع.. أتوقف عند هذه الضراعة الشجاعة، وهذه المناجاة:
(يا سيدي "الكيمو" سألتك بالذي فطر التوازن هل...
لأورامي
البهية من حضور أو مقام
أم هل لها أيضاً عيون..)
أنظر لتعامله مع الوَرَم غير الحميد فيسميه (أورام بهيّة) ثم كيف يناجي الكيمائي، بغزل وتذليل (يا سيدي الكيمو)... ثم كيف أنه وَرَم شُجون، وَرَم جُنون، وَرَم ظنون.. وَرَم يكون..
"مصطفى سند" هو "مالك بن الريب" في زماننا هذا.. سجّل لنا تراجيديا..
هي أقرب إلى (بيّنة محتضر)، كما نقول معشر أهل القانون..
هذه القصيدة التي عمدني فيها شيخي "مصطفى سند" شاعراً وأهدانِيّها
وقفت في مقالي السابق عند تلك الضراعة الواثقة القبول لسيدي (الكيمو) الذي لم يستطع أن يزن بميزان الوخز في ذلك الورم.. وقصدت قصداً بائناً بينونة كبرى أن أفصل بين ضفتي القصيدة فأجعل كل الضفة الشرقية تغسل ورم صديقي.. والأخرى ترطب شفة الضفة الأخرى بماء الشجن الذي ينساب عذباً من غيث أخي "سند" ليصب في أرضي الجزر العطشى لماء مبارك تتشقق به صخور البعد والفراق فيهبط من شواهق جبال "عسير" عليَّ وعلى أهل السودان جميعاً.
يقول صديقي "سند" وقد استعاد كل عافية بقيت:
(ويطل من سقف المدينة صوتُك الألق البهيج
على المدى الكوني يهمسُ: يا .. سلام
هل غابتِ الفتن الشكوك..؟ وهل رفيق الحُزن..
أسبل مقلتيه على اقتحام الكوَّة العليا
وأطرقَ.. ثم نام..؟
ما أطيبَ النفَس المراود بيت صدرك
حين نبحر في براءات السكون
الآن.. أنت كما سريت على
البرازخ والحجون
في أول الفتحِ البعيد
غمامة تلهو على شبّاكها النائي
وقد رحل الغمام..
ويطل صوتُك مرةً أخرى.. وتضحكُ: يا سلام..
آهٍ على صدري وأوجاعي.. أحاول أن أجيبك: يا.. سلام)
لنقف هنا.. وأنظر كيف جعل الشاعر مني حديقة وبيتاً ووطناً..
(وهل رفيق الحزن..
أسبل مقلتيه على اقتحام الكوة العليا
وأطرق ثم نام)؟
لا.. يا صديقي.. أيها البحر الإنسان، أنا رفيقُ حزنك وشكايتك ووخز الكيميائي فيك، لم أسبل جفناً في نوم إلا النوم الخزاز، فأنت بؤبؤ عيوننا.. بك رأينا زرقةَ ماء الأزرق رغم "عكر" الفيضان وأنت أنس أماسينا، ثم أنت "فكة الريق" لنا كل ضحى..
وما تزال الغمامةُ تلهو على نوافذ الأشجار وتوقد في منتصف الليل الخيط الأول من فجر الغد.. حين تراك تغزل بنَوْل الشعر أقمصة الحرير لحرائر السودان!! لن تحول تلك الأوجاع أن تصد عن أذني ذلك الهمس الجهير..
آه يا صديقي تعطيني أكثر مما استحق حين تقول:
(يا برزخَ الشعرِ دق نحاس قريتك القديم..
يناصف العز المعاند أن يرق
على المعاقل والحصون..
ويرقّ حين يرقّ سهلُ عيونك التعبى
وينفلت الزمام
فيصوغُ حزنكِ بُردةً كبرى ويستلم الكلام)..
أنت "بُصيرى" من أهل السودان يصوغ بُردة الوجع الدفين.. وشعرك يقرع كل نحاس تليد.. ناح وبكى يستجيش "هيعة الميتة أم رماداً شح" وكأن كريمة "المك النمر" تحزمت بحبلٍ من سعف نخلِ "عسير" وامتشقت سيف "علي" في يوم خيبر، ثم أنت حسان وقد عانق أبا الطيب يدخل "قتام في قتام"..
ثم أنا وأنت بعيد مثل فرس أبي الطيب
فأطلق لا يطال له فيرعى.. ولا هو في العليق ولا اللجام..
أنت تصوغ البردة الكبرى وتستلم الكلام!!
ثم يتدفق نهر البردة عذباً بارداً مليئاً بالري والسقيا..
وأقلق سادنيك.. وقد أظلك في مساك
العابرون..؟
فمتى تُقدِّم للبلابل حزمةً أخرى بطاقةِ
جانحيك..
وهل رجعت كما دعاك الساهرون
لنهتف أن "رجعنالك"
وتأتلق المدامعُ في العيون
{ كنت أنت - يا صديق الخير والرضا والإلفة - الظل المديد الذي امتد كما الأبد لا يقلقه مجييء ضحى.. ولا يخاف للشمس انتصافاً أو زوالاً..أنت وأنت الآن تعطي "البلابل" قلادة الغناء النظيف.. ثم ها أنت تعطي "رجعنالك" شهادة أن تغسل عن الناس وحشة غيابك.. فيعود سمنُ الشجن لضرع الغزلان الحزينة.. ويأتلق القمر بكراً في وطن القماري.. ثم ها أنت تفتأ تذكر "شالا" وتشرفه أن يكون حول عنقك فتقول بليغاً ومفصحاً:
(أهلاً بمقدمك الأنيق.. وشالُك
المنسوجُ
من حبرِ الأصيل
إني رأيتُك.. هل تراني.. كيف صادفت الهوان؟
منافحاً عن طاقة الجسد الهزيل..؟
وأخذت منك مبادرات الوُدِّ.. ثم صرخت يا وطني أحبُّك
أنت قد أنجيت، إني لا أحس الآن..
داء.. لا وشاعرك الجميل
مازال يحتقبُ الوفاءَ منافحاً عنا
ويصعدُ في مراقي المستحيل..
"مُقَل" تلاحق برقَها البدويَّ ينبضُ
في الميامنِ والمياسر.. آهِ يا مُقلَ البراءةِ..
آه يا دوَّامة الورمِ النبيل
ورمٌ تحكَّر في الصباح.. ونام على الظهيرةِ
واستفاقَ مع الأصيل..
ثم ودَّع في المساءِ، وسافر حين أشرقَ صوتُك الحضري
ليهدر في المسافاتِ المهولةِ والجبالِ الشاهقاتْ
يا سبدراتْ!!
يا صديقي.. سبدرات حين خاطبك ذاك المساء لم يكن شخصاً فرداً.. كنت يومها قبيلة الشعراء كلها.. قبيلة "البحر القديم" بكل طمي ذاك النهر الصبور. كنت أراك من خلال الموبايل وأرى - وا حزني - كيف هدَّ المرضُ عافيتك الباذخة الرحيبة الوسم.. ولقد شخصت بالشعر حيثيات الحالة..
آه يا دوامة الورم النبيل.. لم يكن نبيلاً في وجعه ولا.. طريقة علاجه.. ولكنك لا تعرف الأوصاف ذات المخالب.. فأسبغت "النُبل" على خبيث "الورم"، وآه من لؤم ورمٍ مقيم لا يكاد يفتر وخزه وهتكه للأحشاء وبتر اتصال العصب الحساس الدقيق.. آه منه ومن ورم تحكر، في الصباح ونام كاذباً في الظهيرة واستفاق مع الأصيل.. فمتى تنام أنت صديقي!!؟
يناديني صديقي وهو يقترف من نهر الموت غرفة أخيرة..
(.. يا سبدرات..
هذا حضورُكَ في معارجَ من خيوطِ المسرجاتْ
يُضفي على "أبها" نضارتَها ويعلنُ جازماً أن لا ميامن ولا مياسر
بل هو البرءُ الأخير.. هو الشفاءُ.. هو الثباتُ.. هو النباتْ
أهلاً.. فإنَّ حلوقَنا ارتدت حلاوتها ندى
وتَوضَّحَ الوهجُ القديمُ وأورق الإمحال
وأرتدت رؤى الأرنان، ثم توحَّدَ اللحنُ..
الصبي كما يهلُّ الخيلُ مندفعاً.. وتصهلُ
بعدما سكتت بخاطرها شموسُ الأغنياتْ
يا سبدراتْ..
إنَّ الميامن في شفاهِ الأولياءِ فريدةُ البردات ست المفردات
يشدو بها الأحبابُ والخلصاءُ حين غصونها ورقُ الحياة يدرُّ يخصبُ في حقول المعجزات).
أنظر كيف تحول الموبايل لشاشة سينما ذات عدة أبعاد.. يناديني وكأني على يمين كرسيه (يا سبدرات..
هذا حضورُك في معارجَ من خيوطِ المسرجات
يضفي على "أبها" نضارتَها ويعلن حازماً أن لا ميامن ولا مياسر
بل هو البرء الأخير.. هو الشفاء.. هو الثباتُ هو النباتْ)..
ليت كان حديثي إليك برءاً من ورم جنون وليتني - صديقي - أفديك بكبدي وبؤبؤ عيني.. لا شالاً أهديت فرشح محبةً فيك وبك.
أجيب النداءَ بضراعةِ من يعرف أنك تحتاجها، ومِن من لو أقسم على الله لأبرَّه الله.. فكيف بي وأنا قليل الحيلة في ذاك..
كيف بغيرك يتوحد اللحن الصبي.. وقد سلب الورم شرخ الصبا، وأوقف الصهيل الجليل الطويل البحر والقافية.. في هذه البردة المتشحة بهذا الرجاء.. أخي.. بك وبفقدك سكنت في كل الخواطر شموس الأغنيات وضمر فيها الشجنُ والإشراق.. تناديني وأنت قد وضعت قدمك اليمنى في بداية العتبة الأولى من برزخ يفصل بين قدمين.. أولى سبقت وأخرى تريد اللحاق بأختها..
يا صديقي إن هذه "البُردة" التي تكسو بها شخصي.. هي من قماش فضلك ورقيق مشاعرك وحسن ظنك بي وفيَّ..
حين قرأتها شممت وقع أقدام الموت.. فللموت رائحة بطعم الحمى وطعم سلب القدرة في الشهيق ونعاس الزفير.. أحسست بكيف يخفت رويداً رويداً ذاك البريق عميق الضوء في عينين شرب المساء طويلاً حلو بريقها وتمددنا على ضوء قمرها سنوات.. فإذا بخسوف كثيف وإذا بكسوف توأم له يصير ابناً لزمان يغيب فيه موج البحر القديم..
هذه البردة هي آخر ما قويت عليه كفك المرهق بوخز إبر "الكيمو" أن تمسك فيه قلماً ليكتب وصية "مالك بن الريب" بغير ما قصد مالك في استجاشة البواكي من نساء بيته وعترته..
هم ينوحون وأنا ثاكل.. وليست النائحة مثل الثاكلة!!
وأنت ترجو برءاً .. يجييء عبر موبايل.. ورسالة s.m.s . فيها ذكر الآية الحادية عشرة من سورة السجدة.
(قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ). صدق الله العظيم. فقد نفذ ملك الموت كل مفردات التوكيل..
صديقي الحميم "مصطفى سند".. صديق أبعده عنّي الموت، ولم يستطع أن يبعد همسه في أذني، وأنا أناغي ليلاً (البحر القديم)، صوته لا يزال يهدر هدير النوق.. عزل هو في قصيدة ما - (واعزل هجينك عن حُداة النوق) - عزل صوتها عن إذن الكون ليسمعها هو وحده.. "مصطفى" صاحب القلب الحرير الذي لم يحقد يوماً على كائن.. ولم يقل إلا خيراً وخيراً باسطاً..
عرفته منذ عقود وشربت حتى ارتويت من نبع (البحر القديم) الذي هو مُوجه وطميه وشاطئه وأصدافه الصقيلة اللؤلؤ..
ودون مقدمات.. بغتة.. إذا بمرض عضال يشل حركته، ويطفئ ذلك البريق الأخاذ عن وجهه القمر.. وإذا نحن نقرأ تقرير الطبيب الذي يشخّص ورماً فاحشاً في أحشائه، ويكسر القافية في دواوين الشعر..!!
ثم إذا بنا نرى الحزن على كل موج.. والأسى في كل شاطئ والخوف من فتك المرض يشل قدرة الأمل في أن يورّق في قافية تزف العافية لبيت الشعر!!
ثم سافر "مصطفى" مستشفياً في السعودية.. وهناك رأي بعينيه الهول من ويلات ذلك المرض اللعين.. كان المرض قد استفحل لدرجة فادحة الخطب.. وأجرى جراحة أخذت كل شيء في البطن!! ثم تعقب الجراحة جُرعات من دواء لعين.. (الكيميائي) .. وحسبك هولاً أن تقرأ الاسم (العلاج بالكيميائي).. وكأنه يصف الموت علاجاً من موت..
استسلم صديقي "مصطفى" للأمر.. وبدأ (الكيميائي) يفعل فعله المخيف.. و"مصطفى" وهو تحت ذلك القصف المخيف.. يكتب شعراً.. فيه طعم الموت القادم.. وكأنه "مالك بن الريب" يستجيث البواكيا..
نسيت أن أقول حادثتين بيني وبين صديقي "سند"، الأولى إني كتبت قصيدة (نحاس القرية القديم) ونشرتها إحدى الصحف.. وقرأها "سند"، وهو لا يجامل في الشعر.. ويعرف جيّده ويحسن القراءة فيه.
هاتفني صباحاً وهو يقرأ القصيدة.. وحين يقرأ "مصطفى" الشعر يكتسي الشعر الرواء والخضرة والصحة الأكيدة!!
قرأ قصيدتي ولأول مرة أعرف إني أملك (ملحاً) خاصاً بطعم شوق البحر لليل، وبذلك تعمّدت لأول مرة شاعراً.. ولهذا سترى في القصيدة إشارة لهذه القصيدة:
(يا برزخ الشعراء دق نحاس قَريتك القديم..
يناصف العز المعانّد أن يَرُف
على المعاقل والحصون)..
والحادثة الثانية.. إني أهديت صديقي "مصطفى" (شالاً) مقصّب الأطراف بحرير ساطع الملمس.. بَهيُّ الألوان.. فيه زرقة البَحر.. وغَزل الجزر والمد في رموش الموج.. هذا (الشال) لا يستحقه كتف إلا عارضي صديقي "سند".. عندها فقط يكون مسمى (شال) قد تحقق وانطبق مع الاسم والوصف والتوكيد..
فرح صديقي بذلك (الشال) أيما فرح.. كأني أعطيته وثيقة امتلاك كل الأنهار في الكون.. وظل يذكر ذاك، ثم ها هو قد ضمن (الشال) القصيدة الأخيرة..
(أهلاً بمقدمك الأنيق.. و(شالك)
المنسوج..
من حبر الأصيل)..
ثم إني نسيت كم طرب هو في مساء ما ونحن نسمع أغنية (رجعنالك)، وقد علا فيها الشوق (لوطن القماري)، فإذا هو يخاطبني في القصيدة:
في حضرة الشعراء.. كيف صدى المقاطع أرّق
الدنيا..
وأقلق سادنيك.. وقد أظلك في مساك
العابرون
فمتى تقدم (للبلابل) حزمة أخرى بطاقة
جانحيك
وهل رفعت كما دعاك الساهرون..
لنهتف أن (رجعنالك)..
وتأتلق المدامع في العيون)..
لقد نسيت أيضاً أن أقول في مقدمة هذا المقال:
إن صديقي "مصطفى" كان بعد ذلك العلاج المُرّ يقضي فترة نقاهة في مدينة (أبها)، ولأن أهل السودان أوفياء، ولأنهم يخافون أن تفوتهم فرصة تكريم لـ"مصطفى سند"، وهو بينهم، فقد أقاموا احتفالاً كبيراً تكريماً له.. ومصطفى يعلم أنه احتفال تأبين يستتر خلف أيام قرُب فيها غُروب مؤكد..
وخاطبوني (بالموبايل) في ذلك المساء لأقول كلمة في حق صديقي "سند".. وتحدثت، وأنا أعرف ما تُخبئ الأيام، وقُلت ما يستحق من قول حقيق..
ولأن "مصطفى" يعرف مودتي.. فقد أرسل لي قصيدة (إنها بُردة الميامين)، ثم إنه أيضاً أرسلها لصحيفة (آخر لحظة) التي نشرتها 14 / 12/ 2007م.
نسيت أن أقول إني لم أتكلم في مأتم الفقيد.. فقد أصابني ما أصاب "زكريا" يوم خرج من المحراب يكلم الناس إلا رمزاً.. حبس الحُزن صوتي وأطلق غزيراً دمعي..
وربما لا يعرف القارئ انه قال في الإهداء:
(إهداء الأخ الحبيب "عبد الباسط سبدرات"
لئن صح ما قلته عني عبر مداخلتك الهاتفية العظيمة.. يوم احتفل أبناء الجالية السودانية في مدينتي "أبها" و"خميس مشيط" بشفائي، فإنني سأتطاول زهواً حتى أتربع على قمة القمم من مرتفعات "عسير" الخرافية.. لك ودي وامتناني وعرفاني يا صاحب نحاس القرية القديم)..
وبعد..
بدأتُ تقليب الأوراق ووجدت أوراقاً (كنزاً) وأوراقاً ثروة وأورقاً تحسن استقبالها (سلة النفايات).. من هذه الأوراق النفيسة هذه القصيدة:
مَيامِن في مدارات الأسى والصدق دَارت عَلَى
ساق الشكوك
مَيامِن في مَيامِن.. بل.. ولكنّ الملوك
رفعوا شعارك.. فاحتمل وَرَم المياسر واسترح
حتى يريحك قانصوك
واستسقِهم
فلربما عادوا إلى الأحقاف يحتسبون قافية الميامن
في مزاد البرّ والحِزّم الثقيلة والصُكوك
من آخر الطرق التي كانت تحاذر أن تمُر حِذَا المساعِي
الساجدات على أفاريز البنوك..
ترقي لمن برّ النواجب سَدرة التوصيف تَستقِي
ضَراعات الجَفاف
أسف الميامن؟
لا ولكن البروق توسّدت (مقل) النّمال السالكات
هُدى البصائر في العتامير العِجاف
حدّد سؤالك هل هُموا أوفُوا..؟
بلى أوفُوا.. على جهد المصيبة واحتدامات
الجَفاف
مالَوا به القنديل.. لكن أعلّن القنديل موقفه القديم
وصبره المأزوم كي لا تُؤرق النبضات
في وِرد الخلاص
مِيمُ وقَاف..
مِيم.. ولامُ حُرةّ التوصيف تستعلي عل كل الصحاف
أنا.. لا أخاف
من غرفة التخدير.. أو أن أفقد الشكوى.. فلا
شكوى
بغير لهيبنا ودموعنا الحري.. ولا دفء العِنّاق..؟
فإلى متى أرضي وأقبل أن أساق..؟
وعيوني التعبى تبارك صِدقهم.. ومشارط التنعيم
والهول الرهيب..؟ فيا دَمي جَلجل وأنت تَهدُر
في الشرايين العِتّاق
و"خديجة" انفلتت تصارع بينهم
"بابا"..
ولكن الرفاق
أكلوا جناي.. ودَارت السُحب الكئيبة يا رضاي
بصدمة الإغماء.. ثم بهمسهم: مهلاً.. أفاق
وَرَم على وَرَم الكلام.. فكيف للوَرِم المُراوِّغ
أن يحس وان يُطاق
مَا جاد غَير فجيعة الشك اليقين
وسطوة (الكيمو) وأوردة اليّدين تلّونت
بالأسود الغسقي والبُّور الجهيمة
والتلاحُق والكُمون
وَرَم ظنون
وَرَم شُجون
ورم يكون
ورم جُنون
يا سيدي (الكيمو) سألتك بالذي فطّر التوازن هل
لأورامي
البهيّة من حضور أو مُقَام
أم هَل لها أيضاً عيون...
القصيدة مليئة الضرع.. أتوقف عند هذه الضراعة الشجاعة، وهذه المناجاة:
(يا سيدي "الكيمو" سألتك بالذي فطر التوازن هل...
لأورامي
البهية من حضور أو مقام
أم هل لها أيضاً عيون..)
أنظر لتعامله مع الوَرَم غير الحميد فيسميه (أورام بهيّة) ثم كيف يناجي الكيمائي، بغزل وتذليل (يا سيدي الكيمو)... ثم كيف أنه وَرَم شُجون، وَرَم جُنون، وَرَم ظنون.. وَرَم يكون..
"مصطفى سند" هو "مالك بن الريب" في زماننا هذا.. سجّل لنا تراجيديا..
هي أقرب إلى (بيّنة محتضر)، كما نقول معشر أهل القانون..
هذه القصيدة التي عمدني فيها شيخي "مصطفى سند" شاعراً وأهدانِيّها
وقفت في مقالي السابق عند تلك الضراعة الواثقة القبول لسيدي (الكيمو) الذي لم يستطع أن يزن بميزان الوخز في ذلك الورم.. وقصدت قصداً بائناً بينونة كبرى أن أفصل بين ضفتي القصيدة فأجعل كل الضفة الشرقية تغسل ورم صديقي.. والأخرى ترطب شفة الضفة الأخرى بماء الشجن الذي ينساب عذباً من غيث أخي "سند" ليصب في أرضي الجزر العطشى لماء مبارك تتشقق به صخور البعد والفراق فيهبط من شواهق جبال "عسير" عليَّ وعلى أهل السودان جميعاً.
يقول صديقي "سند" وقد استعاد كل عافية بقيت:
(ويطل من سقف المدينة صوتُك الألق البهيج
على المدى الكوني يهمسُ: يا .. سلام
هل غابتِ الفتن الشكوك..؟ وهل رفيق الحُزن..
أسبل مقلتيه على اقتحام الكوَّة العليا
وأطرقَ.. ثم نام..؟
ما أطيبَ النفَس المراود بيت صدرك
حين نبحر في براءات السكون
الآن.. أنت كما سريت على
البرازخ والحجون
في أول الفتحِ البعيد
غمامة تلهو على شبّاكها النائي
وقد رحل الغمام..
ويطل صوتُك مرةً أخرى.. وتضحكُ: يا سلام..
آهٍ على صدري وأوجاعي.. أحاول أن أجيبك: يا.. سلام)
لنقف هنا.. وأنظر كيف جعل الشاعر مني حديقة وبيتاً ووطناً..
(وهل رفيق الحزن..
أسبل مقلتيه على اقتحام الكوة العليا
وأطرق ثم نام)؟
لا.. يا صديقي.. أيها البحر الإنسان، أنا رفيقُ حزنك وشكايتك ووخز الكيميائي فيك، لم أسبل جفناً في نوم إلا النوم الخزاز، فأنت بؤبؤ عيوننا.. بك رأينا زرقةَ ماء الأزرق رغم "عكر" الفيضان وأنت أنس أماسينا، ثم أنت "فكة الريق" لنا كل ضحى..
وما تزال الغمامةُ تلهو على نوافذ الأشجار وتوقد في منتصف الليل الخيط الأول من فجر الغد.. حين تراك تغزل بنَوْل الشعر أقمصة الحرير لحرائر السودان!! لن تحول تلك الأوجاع أن تصد عن أذني ذلك الهمس الجهير..
آه يا صديقي تعطيني أكثر مما استحق حين تقول:
(يا برزخَ الشعرِ دق نحاس قريتك القديم..
يناصف العز المعاند أن يرق
على المعاقل والحصون..
ويرقّ حين يرقّ سهلُ عيونك التعبى
وينفلت الزمام
فيصوغُ حزنكِ بُردةً كبرى ويستلم الكلام)..
أنت "بُصيرى" من أهل السودان يصوغ بُردة الوجع الدفين.. وشعرك يقرع كل نحاس تليد.. ناح وبكى يستجيش "هيعة الميتة أم رماداً شح" وكأن كريمة "المك النمر" تحزمت بحبلٍ من سعف نخلِ "عسير" وامتشقت سيف "علي" في يوم خيبر، ثم أنت حسان وقد عانق أبا الطيب يدخل "قتام في قتام"..
ثم أنا وأنت بعيد مثل فرس أبي الطيب
فأطلق لا يطال له فيرعى.. ولا هو في العليق ولا اللجام..
أنت تصوغ البردة الكبرى وتستلم الكلام!!
ثم يتدفق نهر البردة عذباً بارداً مليئاً بالري والسقيا..
وأقلق سادنيك.. وقد أظلك في مساك
العابرون..؟
فمتى تُقدِّم للبلابل حزمةً أخرى بطاقةِ
جانحيك..
وهل رجعت كما دعاك الساهرون
لنهتف أن "رجعنالك"
وتأتلق المدامعُ في العيون
{ كنت أنت - يا صديق الخير والرضا والإلفة - الظل المديد الذي امتد كما الأبد لا يقلقه مجييء ضحى.. ولا يخاف للشمس انتصافاً أو زوالاً..أنت وأنت الآن تعطي "البلابل" قلادة الغناء النظيف.. ثم ها أنت تعطي "رجعنالك" شهادة أن تغسل عن الناس وحشة غيابك.. فيعود سمنُ الشجن لضرع الغزلان الحزينة.. ويأتلق القمر بكراً في وطن القماري.. ثم ها أنت تفتأ تذكر "شالا" وتشرفه أن يكون حول عنقك فتقول بليغاً ومفصحاً:
(أهلاً بمقدمك الأنيق.. وشالُك
المنسوجُ
من حبرِ الأصيل
إني رأيتُك.. هل تراني.. كيف صادفت الهوان؟
منافحاً عن طاقة الجسد الهزيل..؟
وأخذت منك مبادرات الوُدِّ.. ثم صرخت يا وطني أحبُّك
أنت قد أنجيت، إني لا أحس الآن..
داء.. لا وشاعرك الجميل
مازال يحتقبُ الوفاءَ منافحاً عنا
ويصعدُ في مراقي المستحيل..
"مُقَل" تلاحق برقَها البدويَّ ينبضُ
في الميامنِ والمياسر.. آهِ يا مُقلَ البراءةِ..
آه يا دوَّامة الورمِ النبيل
ورمٌ تحكَّر في الصباح.. ونام على الظهيرةِ
واستفاقَ مع الأصيل..
ثم ودَّع في المساءِ، وسافر حين أشرقَ صوتُك الحضري
ليهدر في المسافاتِ المهولةِ والجبالِ الشاهقاتْ
يا سبدراتْ!!
يا صديقي.. سبدرات حين خاطبك ذاك المساء لم يكن شخصاً فرداً.. كنت يومها قبيلة الشعراء كلها.. قبيلة "البحر القديم" بكل طمي ذاك النهر الصبور. كنت أراك من خلال الموبايل وأرى - وا حزني - كيف هدَّ المرضُ عافيتك الباذخة الرحيبة الوسم.. ولقد شخصت بالشعر حيثيات الحالة..
آه يا دوامة الورم النبيل.. لم يكن نبيلاً في وجعه ولا.. طريقة علاجه.. ولكنك لا تعرف الأوصاف ذات المخالب.. فأسبغت "النُبل" على خبيث "الورم"، وآه من لؤم ورمٍ مقيم لا يكاد يفتر وخزه وهتكه للأحشاء وبتر اتصال العصب الحساس الدقيق.. آه منه ومن ورم تحكر، في الصباح ونام كاذباً في الظهيرة واستفاق مع الأصيل.. فمتى تنام أنت صديقي!!؟
يناديني صديقي وهو يقترف من نهر الموت غرفة أخيرة..
(.. يا سبدرات..
هذا حضورُكَ في معارجَ من خيوطِ المسرجاتْ
يُضفي على "أبها" نضارتَها ويعلنُ جازماً أن لا ميامن ولا مياسر
بل هو البرءُ الأخير.. هو الشفاءُ.. هو الثباتُ.. هو النباتْ
أهلاً.. فإنَّ حلوقَنا ارتدت حلاوتها ندى
وتَوضَّحَ الوهجُ القديمُ وأورق الإمحال
وأرتدت رؤى الأرنان، ثم توحَّدَ اللحنُ..
الصبي كما يهلُّ الخيلُ مندفعاً.. وتصهلُ
بعدما سكتت بخاطرها شموسُ الأغنياتْ
يا سبدراتْ..
إنَّ الميامن في شفاهِ الأولياءِ فريدةُ البردات ست المفردات
يشدو بها الأحبابُ والخلصاءُ حين غصونها ورقُ الحياة يدرُّ يخصبُ في حقول المعجزات).
أنظر كيف تحول الموبايل لشاشة سينما ذات عدة أبعاد.. يناديني وكأني على يمين كرسيه (يا سبدرات..
هذا حضورُك في معارجَ من خيوطِ المسرجات
يضفي على "أبها" نضارتَها ويعلن حازماً أن لا ميامن ولا مياسر
بل هو البرء الأخير.. هو الشفاء.. هو الثباتُ هو النباتْ)..
ليت كان حديثي إليك برءاً من ورم جنون وليتني - صديقي - أفديك بكبدي وبؤبؤ عيني.. لا شالاً أهديت فرشح محبةً فيك وبك.
أجيب النداءَ بضراعةِ من يعرف أنك تحتاجها، ومِن من لو أقسم على الله لأبرَّه الله.. فكيف بي وأنا قليل الحيلة في ذاك..
كيف بغيرك يتوحد اللحن الصبي.. وقد سلب الورم شرخ الصبا، وأوقف الصهيل الجليل الطويل البحر والقافية.. في هذه البردة المتشحة بهذا الرجاء.. أخي.. بك وبفقدك سكنت في كل الخواطر شموس الأغنيات وضمر فيها الشجنُ والإشراق.. تناديني وأنت قد وضعت قدمك اليمنى في بداية العتبة الأولى من برزخ يفصل بين قدمين.. أولى سبقت وأخرى تريد اللحاق بأختها..
يا صديقي إن هذه "البُردة" التي تكسو بها شخصي.. هي من قماش فضلك ورقيق مشاعرك وحسن ظنك بي وفيَّ..
حين قرأتها شممت وقع أقدام الموت.. فللموت رائحة بطعم الحمى وطعم سلب القدرة في الشهيق ونعاس الزفير.. أحسست بكيف يخفت رويداً رويداً ذاك البريق عميق الضوء في عينين شرب المساء طويلاً حلو بريقها وتمددنا على ضوء قمرها سنوات.. فإذا بخسوف كثيف وإذا بكسوف توأم له يصير ابناً لزمان يغيب فيه موج البحر القديم..
هذه البردة هي آخر ما قويت عليه كفك المرهق بوخز إبر "الكيمو" أن تمسك فيه قلماً ليكتب وصية "مالك بن الريب" بغير ما قصد مالك في استجاشة البواكي من نساء بيته وعترته..
هم ينوحون وأنا ثاكل.. وليست النائحة مثل الثاكلة!!
وأنت ترجو برءاً .. يجييء عبر موبايل.. ورسالة s.m.s . فيها ذكر الآية الحادية عشرة من سورة السجدة.
(قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ). صدق الله العظيم. فقد نفذ ملك الموت كل مفردات التوكيل..
خدورة أم بشق- مشرف منتدى الشعر
رد: إنها بردة الميامن بقلم الاستاذ عبدالباسط سبدرات
بعيداً عن شخصية سبدرات والتي للناس فيا آراء بين قادح ومادح.................. لكنه من الجيل الجميل في أواسط الستينات فقد حكى عن زمانه ووصف إنطلاقة ربة الشعر في الجامعة طولاً وعرضاً تدغدغ هذا وتهيج هؤلاء والبنيات الشاطرات السميحات يتهامسن في خلواتهن بابيات صوفية أوغزلية له ولمحمد المكي ابراهيم و محمد تاج الســر و فاطمة بابكر و أمين بله .....خدورة أم بشق كتب:
وَرَم ظنون
وَرَم شُجون
ورم يكون
ورم جُنون
يا سيدي (الكيمو) سألتك بالذي فطّر التوازن هل
لأورامي
البهيّة من حضور أو مُقَام
أم هَل لها أيضاً عيون...
القصيدة مليئة الضرع.. أتوقف عند هذه الضراعة الشجاعة، وهذه المناجاة:
(يا سيدي "الكيمو" سألتك بالذي فطر التوازن هل...
لأورامي
البهية من حضور أو مقام
أم هل لها أيضاً عيون..)
أنظر لتعامله مع الوَرَم غير الحميد فيسميه (أورام بهيّة) ثم كيف يناجي الكيمائي، بغزل وتذليل (يا سيدي الكيمو)... ثم كيف أنه وَرَم شُجون، وَرَم جُنون، وَرَم ظنون.. وَرَم يكون..
محمد المكي ..... كتب حينها .
مدينتك القباب ودمعة التقوى
ووجه النور
وتسبيح الملائكة في ذؤابات النخيل
وفي الحصى المنثور
مدينتك الحقيقة يا رسول الله
كل حدائق الدنيا أقل وسامة وحضور
وسبدرات ......لم يتجاوزه التصوف فكتب حينها ....
يلومني أبي
لأن وجدها برى الفؤاد والحشا
يقول عاشق يا ليته درى مخاطر الهوى
وكيف أن قيساً مات عاشقاً
أجل أبي.. ولدت عاشقاً
واذ أموت.. أموت مثل قيس عاشقاً
***
تالله لو رأيتها
تصطاد كل غيمة عقداً لها
تزين جيدها بالشعر القوي
صغيرة أليفة العينين يا أبي
أليفة كنجمة تغازل المسا
بريئة كضحكة تتوه في المدى
ترتل الأشعار يا أبي أما كفى
تغزل من قوافي الشعر منزلاً
تضيئه بالحرف.. تزينه بالشعر
فكيف يا أبي تلوم عاشقاً لها
....
ولازلت يا استاذ فضل أؤمن على كلامي القديم ((الوارد في مسدار مرثية ناظر المجانين )) تلك أمــــــة خلت تفردت بأشياءها وتجملت بأسمى معــاني الكمـــــــال الإنساني في كل الأصعدة ,,, أشك أن يجود هذا الزمان بأمثـــالكم ................
الفاتح محمد التوم- مشرف المنتدى السياسى
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى