سيرة معا ذ بن جبل
صفحة 1 من اصل 1
سيرة معا ذ بن جبل
بسم الله الرحمن الرحيم
اليوم موعدنا مع صحابي جليل قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم أَعْلَمُ أُمَّتي بالحلال والحرام إنه...
معاذ بن جبل
معاذ بن جبل رضي الله عنه " وأَعْلَمُ أُمَّتي بالحلال والحرام معاذ بن جبل000 " حديث شريف
نسبه
معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس الخزرجي الأنصاري000وكنيته أبو عبدالرحمن
اسلامه
عندما أسلم سعد بن معاذ -رضي الله عنه - سيد الخزرج طلب من قومه أن يسلمـوا فأسلم الخزرج ومعهم معاذ رضي اللـه عنه وكان عمره ثماني عشرة سنـة قدم مع قومه من المدينة الى مكة لمبايعة الرسـول -صلى الله عليه وسلم- ليلـة العقبـة الثانية حضر المشاهـد كلها وروى عن النبـي -صلى الله عليه وسلم- الشيء الكثير من الأحاديث النبوية0
ملازمته للنبي صلى الله عليه وسلم
لزم معاذ بن جبل النبي -صلى الله عليه وسلم- منذ هجرته الى المدينة0فأخذ عنه القرآن وتلقى شرائع الاسلام حتى صار أقرأ الصحابة لكتاب الله وأعلمهم بشرعه
وهو أحد الستة الذين حفظوا القرآن على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-وحسبه شهادة له قول الرسول -صلى الله عليه وسلم- استقرئـوا القرآن من أربعـة من ابن مسعـود , وسالم مولى أبي حذيفـة ,وأبي بن كعب ,ومعاذ بن جبل )
قال له الرسول -صلى الله عليه وسلم- يا مُعاذ ، والله إني لأُحِبّك فلا تنْسَ أن تقول في عَقِب كل صلاة : اللهم أعِنّي على ذِكْرك وشكرك وحُسْن عبادتك )
ولقد حَـذِق معاذ الدرس وأجاد التطبيـقفقد لقيه الرسول -صلى الله عليه وسلم- ذات صباح فسأله كيف أصبحت يا معاذ ؟)
قال أصبحت مؤمنا حقّا يا رسول الله ) قال النبي إن لكل حق حقيقة ، فما حقيقة إيمانك ؟) قال معاذ ما أصبحت صباحا قط إلا ظننت أني لا أمْسي ، ولا أمْسَيت مساء إلا ظننت أني لا أُصْبح ، ولا خطوت خطوة إلا ظننت أني لا أتْبِعُها غيرها ، وكأني أنظر الى كل أمّة جاثية تُدْعى الى كتابها ، وكأني أرى أهل الجنة في الجنة يُنَعَّمون ، وأهل النار في النار يُعَذّبون ) فقال له الرسول عرفتَ فالزم)
ارساله الى اليمن
بعث النبي -صلى الله عليه وسلم- معاذ مع رسل ملوك اليمن يعلم الناس دينهم وأوصاه بأمور عدة,
فقد سأله النبي -صلى الله عليه وسلم- بما تحكم يا معاذ ؟) قال معاذ بكتاب الله )
قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- فان لم تجد ؟ قال معاذ بسنة رسول الله, قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- فان لم تجد ؟قال معاذ أجتهد رأي ولا آلو ,قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله )
حُبّه للعلم
كان معاذا رضي الله عنه- دائب الدعوة الى العلم والى ذكر الله ، فقد كان يقول احذروا زيْغ الحكيم ، واعرفوا الحق بالحق ، فإن للحق نوراً )
وكان يرى العبادة قصداُ وعدلا ، قال له يوما أحد المسلمين علّمني ) فسأله معاذ وهل أنت مطيعي إذا علمتك ؟ قال الرجل إني على طاعتك لحريص ,فقال له معاذ صُمْ وأفْطِر ، وصَلِّ ونَمْ ، واكْتَسِب ولا تأثَمْ ، ولا تموتنَّ إلا مُسْلِما ، وإياك ودَعْوَة المظلوم ) 0
وكان يرى العلم معرفة وعملا فيقول تعلموا ماشئتـم أن تتعلموا ، فلن ينفعـكم الله بالعلم حتى تعْمَلوا )
وكان يرى الإيمان بالله وذكره استحضارا دائما لعظمته ومراجعة دائمة لسلوك النفس ، يقول الأسود بن هلال كُنّا نمشي مع مُعاذ ، فقال لنا : اجلسوا بنا نُؤْمِنْ ساعة )
مكانته عند الخلفاء الراشدين
لقد كان عمـر بن الخطـاب -رضي اللـه عنه- يستشيـره كثيرا وكان يقول في بعـض المواطـن التي يستعيـن فيها برأي مُعاذ وفقهـه لولا معاذ بن جبـل لهلك عمـر )
وأرسل والي الشام الى عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول : يا أمير المؤمنين ان أهل الشام قد كثروا وملأوا المدائن واحتاجوا الى من يعلمهم القرآن،ويفقههم في الدين، فأعني يا أمير المؤمنين برجال يعلمونهم) فأرسل اليه عمر من يعلمهم وكان أحدهم معاذ بن جبل -رضي الله عنه- فلما مات أمير الشام ( أبو عبيدة ) استخلفه أمير المؤمنين على الشام ، ولم يمضِ عليه في الإمارة سوى بضعة أشهر حتى يلقى ربه منيبا ، وكان عمر بن الخطاب يقول لو اسْتَخْلفْت معاذ بن جبل فسألني ربي : لماذا استخلفته ؟000لقلت : سمعت نبيك يقول : إن العلماء إذا حضروا ربهم عزَّ وجل كان معاذ بين أيديهم )0
وصف ابن مسعود لمعاذ بن جبل رضي الله عنهم اجمعين
ولقد أجاد ابـن مسعـود وصفه حيـن قال إن معـاذاً كان أمِّـةً قانتـاً للـهِ حَنيفـاً ، ولقد كنّـا نُشَبِّـه معاذا بإبراهيـم عليـه السـلام )
دخل ( عائذ الله بن عبد الله ) المسجد يوما مع أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أول خلافة عمر ويقول : جلست مجلسا فيه بضعٌ وثلاثون كلهم يَذْكرون حديثا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ،وفي الحلقة شاب شديد الأُدْمَة حلو المنطق وضيء ، وهو أشَبُّ القوم سِنّا ، فإذا اشتبـه عليهم من الحديـث شيء رَدّوه إليه فَأفْتاهم ، ولا يحدثهم إلا حين يسألونه ، ولما قُضيَ مجلسهم دَنَـوْتُ منه وسَألْتُه من أنت يا عبد الله ؟)000قال أنا معاذ بن جبل )
كما قال ( شهر بن حَوْشَب ) كان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا تحدثوا وفيهم معاذ بن جبل ، نظروا إليه هيبة له )
نزاهته وأمانته وورعه
مات الرسول -صلى الله عليه وسلم ومعاذ بن جبل في اليمن ، وفي خلافة أبي بكر رجِع معاذ الى اليمن ، وكان عمر بن الخطاب قد علِمَ أن معاذاً أثرى فاقترح على الخليفة أبي بكر أن يشاطره ثروته وماله ، ولم ينتظر عمر بل نهض مسرعا الى معاذ وأخبره ، وقد كان معاذ -رضي الله عنه- طاهر الكف والذمّة ،
ولئن كان قد أثرى فإنه لم يكتسب إثما ومن ثم فقد رفض عرض عمر وناقشه رأيه ، وتركه عمر وانصرف ، وفي الغداة سارع معاذ الى عمر يلقاه ولا يكاد يراه حتى يعانقه ودموعه تسبق كلماته ويقول لقد رأيت الليلة في منامي أني أخوض حَوْمَة ماء ، أخشى على نفسي الغرق ، حتى جئت فخلصتني يا عمر )
وذهبا معا الى أبي بكر وطلب معاذ إليه أن يشاطره ماله فقال أبو بكر لا آخذ منك شيئاً ) فنظر عمر الى معاذ وقال له الآن حَلَّ وطاب ) فما كان أبو بكر الورع ليترك لمعاذ درهما واحدا ، لو علم أنه أخذه بغير حق
كما أرسله عمر بن الخطاب -رضي الله عنه الى بني كلاب ليقسم فيهم أعطياتهم ويوزع على فقرائهم صدقات أغنيائهم فقام بواجبه خير قيام وعاد الى زوجـه بحلسه (ما يوضع على ظهر الدابة) الذي خرج به
فقالت له امرأته : أين ما جئت به مما يأتي به الولاة من هدية لأهليهـم ؟) فقال معاذ : لقد كان معي رقيب يقظ يحصي علي ,فقالت امرأته لقد كنت أمينا عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر ثم جاء عمر فبعث معك رقيبا يحصي عليك ,وشاع ذلك عند نساء عمر وشكته لهن فبلغ عمر0فأرسل الى معاذ وسأله أنا أرسلت معك رقيبا, فقال : يا أمير المؤمنين لم أجد ما اعتذر به الا هذاوقصدت بالرقيب الله عزوجل , فأعطاه عمر شيئا وقال أرضها به)
وفاته
طاعون عمواس أصيب معاذ -رضي الله عنه- بالطاعون ، فلما حضرته الوفاة قال مرحبا بالموت مرحبا ، زائر بعد غياب وحبيب وفد على شوق )
ثم جعل ينظر الى السماء ويقول اللهم إني كنتُ أخافك ، لكنني اليوم أرجوك ، اللهم انك تعلم أني لم أكن أحب الدنيا وطول البقاء فيها لغرس الأشجار ، وجري الأنهار ، ولكن لظمأ الهواجر، ومكابدة الساعات ، ومزاحمة العلماء عند حلق الذكر ، اللهم فتقبل نفسي بخير ما تتقبل به نفسا مؤمنة ,ثم فاضت روحه بعيدا عن الأهل داعيا الى الله مهاجرا في سبيله ,وكانت وفاته في السنة السابعة عشرة من الهجرة النبوية في طاعون عمواس وعمره ثلاث وثلاثون سنة
رحم الله معاذ بن جبل ورضي الله عنه
منقول
اليوم موعدنا مع صحابي جليل قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم أَعْلَمُ أُمَّتي بالحلال والحرام إنه...
معاذ بن جبل
معاذ بن جبل رضي الله عنه " وأَعْلَمُ أُمَّتي بالحلال والحرام معاذ بن جبل000 " حديث شريف
نسبه
معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس الخزرجي الأنصاري000وكنيته أبو عبدالرحمن
اسلامه
عندما أسلم سعد بن معاذ -رضي الله عنه - سيد الخزرج طلب من قومه أن يسلمـوا فأسلم الخزرج ومعهم معاذ رضي اللـه عنه وكان عمره ثماني عشرة سنـة قدم مع قومه من المدينة الى مكة لمبايعة الرسـول -صلى الله عليه وسلم- ليلـة العقبـة الثانية حضر المشاهـد كلها وروى عن النبـي -صلى الله عليه وسلم- الشيء الكثير من الأحاديث النبوية0
ملازمته للنبي صلى الله عليه وسلم
لزم معاذ بن جبل النبي -صلى الله عليه وسلم- منذ هجرته الى المدينة0فأخذ عنه القرآن وتلقى شرائع الاسلام حتى صار أقرأ الصحابة لكتاب الله وأعلمهم بشرعه
وهو أحد الستة الذين حفظوا القرآن على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-وحسبه شهادة له قول الرسول -صلى الله عليه وسلم- استقرئـوا القرآن من أربعـة من ابن مسعـود , وسالم مولى أبي حذيفـة ,وأبي بن كعب ,ومعاذ بن جبل )
قال له الرسول -صلى الله عليه وسلم- يا مُعاذ ، والله إني لأُحِبّك فلا تنْسَ أن تقول في عَقِب كل صلاة : اللهم أعِنّي على ذِكْرك وشكرك وحُسْن عبادتك )
ولقد حَـذِق معاذ الدرس وأجاد التطبيـقفقد لقيه الرسول -صلى الله عليه وسلم- ذات صباح فسأله كيف أصبحت يا معاذ ؟)
قال أصبحت مؤمنا حقّا يا رسول الله ) قال النبي إن لكل حق حقيقة ، فما حقيقة إيمانك ؟) قال معاذ ما أصبحت صباحا قط إلا ظننت أني لا أمْسي ، ولا أمْسَيت مساء إلا ظننت أني لا أُصْبح ، ولا خطوت خطوة إلا ظننت أني لا أتْبِعُها غيرها ، وكأني أنظر الى كل أمّة جاثية تُدْعى الى كتابها ، وكأني أرى أهل الجنة في الجنة يُنَعَّمون ، وأهل النار في النار يُعَذّبون ) فقال له الرسول عرفتَ فالزم)
ارساله الى اليمن
بعث النبي -صلى الله عليه وسلم- معاذ مع رسل ملوك اليمن يعلم الناس دينهم وأوصاه بأمور عدة,
فقد سأله النبي -صلى الله عليه وسلم- بما تحكم يا معاذ ؟) قال معاذ بكتاب الله )
قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- فان لم تجد ؟ قال معاذ بسنة رسول الله, قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- فان لم تجد ؟قال معاذ أجتهد رأي ولا آلو ,قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله )
حُبّه للعلم
كان معاذا رضي الله عنه- دائب الدعوة الى العلم والى ذكر الله ، فقد كان يقول احذروا زيْغ الحكيم ، واعرفوا الحق بالحق ، فإن للحق نوراً )
وكان يرى العبادة قصداُ وعدلا ، قال له يوما أحد المسلمين علّمني ) فسأله معاذ وهل أنت مطيعي إذا علمتك ؟ قال الرجل إني على طاعتك لحريص ,فقال له معاذ صُمْ وأفْطِر ، وصَلِّ ونَمْ ، واكْتَسِب ولا تأثَمْ ، ولا تموتنَّ إلا مُسْلِما ، وإياك ودَعْوَة المظلوم ) 0
وكان يرى العلم معرفة وعملا فيقول تعلموا ماشئتـم أن تتعلموا ، فلن ينفعـكم الله بالعلم حتى تعْمَلوا )
وكان يرى الإيمان بالله وذكره استحضارا دائما لعظمته ومراجعة دائمة لسلوك النفس ، يقول الأسود بن هلال كُنّا نمشي مع مُعاذ ، فقال لنا : اجلسوا بنا نُؤْمِنْ ساعة )
مكانته عند الخلفاء الراشدين
لقد كان عمـر بن الخطـاب -رضي اللـه عنه- يستشيـره كثيرا وكان يقول في بعـض المواطـن التي يستعيـن فيها برأي مُعاذ وفقهـه لولا معاذ بن جبـل لهلك عمـر )
وأرسل والي الشام الى عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول : يا أمير المؤمنين ان أهل الشام قد كثروا وملأوا المدائن واحتاجوا الى من يعلمهم القرآن،ويفقههم في الدين، فأعني يا أمير المؤمنين برجال يعلمونهم) فأرسل اليه عمر من يعلمهم وكان أحدهم معاذ بن جبل -رضي الله عنه- فلما مات أمير الشام ( أبو عبيدة ) استخلفه أمير المؤمنين على الشام ، ولم يمضِ عليه في الإمارة سوى بضعة أشهر حتى يلقى ربه منيبا ، وكان عمر بن الخطاب يقول لو اسْتَخْلفْت معاذ بن جبل فسألني ربي : لماذا استخلفته ؟000لقلت : سمعت نبيك يقول : إن العلماء إذا حضروا ربهم عزَّ وجل كان معاذ بين أيديهم )0
وصف ابن مسعود لمعاذ بن جبل رضي الله عنهم اجمعين
ولقد أجاد ابـن مسعـود وصفه حيـن قال إن معـاذاً كان أمِّـةً قانتـاً للـهِ حَنيفـاً ، ولقد كنّـا نُشَبِّـه معاذا بإبراهيـم عليـه السـلام )
دخل ( عائذ الله بن عبد الله ) المسجد يوما مع أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أول خلافة عمر ويقول : جلست مجلسا فيه بضعٌ وثلاثون كلهم يَذْكرون حديثا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ،وفي الحلقة شاب شديد الأُدْمَة حلو المنطق وضيء ، وهو أشَبُّ القوم سِنّا ، فإذا اشتبـه عليهم من الحديـث شيء رَدّوه إليه فَأفْتاهم ، ولا يحدثهم إلا حين يسألونه ، ولما قُضيَ مجلسهم دَنَـوْتُ منه وسَألْتُه من أنت يا عبد الله ؟)000قال أنا معاذ بن جبل )
كما قال ( شهر بن حَوْشَب ) كان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا تحدثوا وفيهم معاذ بن جبل ، نظروا إليه هيبة له )
نزاهته وأمانته وورعه
مات الرسول -صلى الله عليه وسلم ومعاذ بن جبل في اليمن ، وفي خلافة أبي بكر رجِع معاذ الى اليمن ، وكان عمر بن الخطاب قد علِمَ أن معاذاً أثرى فاقترح على الخليفة أبي بكر أن يشاطره ثروته وماله ، ولم ينتظر عمر بل نهض مسرعا الى معاذ وأخبره ، وقد كان معاذ -رضي الله عنه- طاهر الكف والذمّة ،
ولئن كان قد أثرى فإنه لم يكتسب إثما ومن ثم فقد رفض عرض عمر وناقشه رأيه ، وتركه عمر وانصرف ، وفي الغداة سارع معاذ الى عمر يلقاه ولا يكاد يراه حتى يعانقه ودموعه تسبق كلماته ويقول لقد رأيت الليلة في منامي أني أخوض حَوْمَة ماء ، أخشى على نفسي الغرق ، حتى جئت فخلصتني يا عمر )
وذهبا معا الى أبي بكر وطلب معاذ إليه أن يشاطره ماله فقال أبو بكر لا آخذ منك شيئاً ) فنظر عمر الى معاذ وقال له الآن حَلَّ وطاب ) فما كان أبو بكر الورع ليترك لمعاذ درهما واحدا ، لو علم أنه أخذه بغير حق
كما أرسله عمر بن الخطاب -رضي الله عنه الى بني كلاب ليقسم فيهم أعطياتهم ويوزع على فقرائهم صدقات أغنيائهم فقام بواجبه خير قيام وعاد الى زوجـه بحلسه (ما يوضع على ظهر الدابة) الذي خرج به
فقالت له امرأته : أين ما جئت به مما يأتي به الولاة من هدية لأهليهـم ؟) فقال معاذ : لقد كان معي رقيب يقظ يحصي علي ,فقالت امرأته لقد كنت أمينا عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر ثم جاء عمر فبعث معك رقيبا يحصي عليك ,وشاع ذلك عند نساء عمر وشكته لهن فبلغ عمر0فأرسل الى معاذ وسأله أنا أرسلت معك رقيبا, فقال : يا أمير المؤمنين لم أجد ما اعتذر به الا هذاوقصدت بالرقيب الله عزوجل , فأعطاه عمر شيئا وقال أرضها به)
وفاته
طاعون عمواس أصيب معاذ -رضي الله عنه- بالطاعون ، فلما حضرته الوفاة قال مرحبا بالموت مرحبا ، زائر بعد غياب وحبيب وفد على شوق )
ثم جعل ينظر الى السماء ويقول اللهم إني كنتُ أخافك ، لكنني اليوم أرجوك ، اللهم انك تعلم أني لم أكن أحب الدنيا وطول البقاء فيها لغرس الأشجار ، وجري الأنهار ، ولكن لظمأ الهواجر، ومكابدة الساعات ، ومزاحمة العلماء عند حلق الذكر ، اللهم فتقبل نفسي بخير ما تتقبل به نفسا مؤمنة ,ثم فاضت روحه بعيدا عن الأهل داعيا الى الله مهاجرا في سبيله ,وكانت وفاته في السنة السابعة عشرة من الهجرة النبوية في طاعون عمواس وعمره ثلاث وثلاثون سنة
رحم الله معاذ بن جبل ورضي الله عنه
منقول
الحازمي- نشط مميز
رد: سيرة معا ذ بن جبل
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين, اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم, اللهم علمنا ما ينفعنا, وانفعنا بما علمتنا, وزدنا علماً, وأرنا الحق حقاً, وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً, وارزقنا اجتنابه, واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه, وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين, أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
قف عند هذا المنعطف :
أيها الأخوة الأكارم، طرأ على درس الاثنين اِنْعِطاف في موضوعه، ولا بد من تَبْيانِ الأسباب التي حمَلَتْني على هذا الانْعطاف؛ وهو أنَّ درس الجمعة بِفَضْل الله تعالى تفْسيرٌ لِكِتاب الله ، وهذا هو الدرس الأول، لأنّه لا شيءَ يعْلو على كلام الله، ودرْسَ الأحد درس حديث نبوي شريف وهو تَبْيانٌ لما في كتاب الله، ولا شيء مما سوى كلام رسول الله يعْلو على كلام رسول الله؛ لكنَّني وجدْتُ نفسي في درس الاثنين أتَتَبَّعُ موضوعات تتعلَّق بالأخلاق وهو الجَوْهَرِ في الدين , والله جلّ جلاله حين وصف النبي عليه الصلاة والسلام وصَفَهُ بأنَّهُ على خلقٍ عظيم، والخلق الحسن ذهب بِخَيْري الدنيا والآخرة، وهناك أحاديث صحيحة وكثيرة تُؤكِّد أنَّ الخُلُق الحَسَن بعد الإيمان بالله هو كُلّ شيء .
فاخْتَرْتُ لكم موضوعات في الأخلاق الإسلامية، ثمّ اخْترْت لكم موضوعات من كتاب إحْياء علوم الدين، وقبل أيام تساءلت في نفْسي: أيُّهما أبْلغ أنْ نعرض الأخلاق الإسلامية بِشَكلٍ نظري، أم أنْ نرى الأخلاق الإسلامية مُجَسَّدَةً في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ لأنّ الخُلق الإسلامي إذا عُرض بِشَكلٍ نظري بَقِيَ حقيقةً تفْتقر إلى البرهان عليها, فإذا قرأت السيرة, سيرة النبي عليه الصلاة والسلام أو أصْحابه الأجلاء رأيْت الأخلاق الإسلاميّة مُجَسَّدَةً فيهم، أيْ رأيت الأخلاق الإسلاميّة مع البرهان عليها، ولقد وجَدْت من خلال خبْرتي السابقة المُتواضعة في الدعوة إلى الله, وفي التدْريس الديني أنَّ مادة القِصَّة ولا سِيَّما قِصص أبطال المسلمين وقِصص أصْحاب رسول الله، هؤلاء الذين اخْتارهم الله على عِلْم لِقَول النبي عليه الصلاة والسلام:
فاخْتَرْتُ لكم موضوعات في الأخلاق الإسلامية، ثمّ اخْترْت لكم موضوعات من كتاب إحْياء علوم الدين، وقبل أيام تساءلت في نفْسي: أيُّهما أبْلغ أنْ نعرض الأخلاق الإسلامية بِشَكلٍ نظري، أم أنْ نرى الأخلاق الإسلامية مُجَسَّدَةً في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ لأنّ الخُلق الإسلامي إذا عُرض بِشَكلٍ نظري بَقِيَ حقيقةً تفْتقر إلى البرهان عليها, فإذا قرأت السيرة, سيرة النبي عليه الصلاة والسلام أو أصْحابه الأجلاء رأيْت الأخلاق الإسلاميّة مُجَسَّدَةً فيهم، أيْ رأيت الأخلاق الإسلاميّة مع البرهان عليها، ولقد وجَدْت من خلال خبْرتي السابقة المُتواضعة في الدعوة إلى الله, وفي التدْريس الديني أنَّ مادة القِصَّة ولا سِيَّما قِصص أبطال المسلمين وقِصص أصْحاب رسول الله، هؤلاء الذين اخْتارهم الله على عِلْم لِقَول النبي عليه الصلاة والسلام:
((إنّ الله قد اخْتارني واخْتار لي أصْحابي ))
[أخرجه البيهقي في سننه ]هو الموضوع الثالث المُهِمّ الذي يأتي بعد تفْسير كتاب الله، وبيان سُنَّة نبِيِّه، لذلك اسْتعَنْتُ بالله عزّ وجل وأردْتُ أنْ أجْعل من درْس الاثنين في السيرة النبويَّة، وفي سيرة أصْحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مِن دون أن أكون مُلْزَماً بِتَسَلْسُلٍ مُعيَّن، ولا بِصحابي دون صحابي، لأنني أخْتار بِفَضْل الله عزّ وجل الصحابِيَّ أو المَوْقف من سيرة النبي عليه الصلاة والسلام الذي نحن في أشدّ الحاجة إليه، وسِرّ هذا أنني كنت مرَّة في عقد قِران، وقام أحد العلماء يُلقي كلمة فَمِن جُمْلة كلِمَتِه ذكر حديثاً للنبي عليه الصلاة والسلام، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ:
((أَخَذَ بِيَدِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَقَالَ: إِنِّي لَأُحِبُّكَ يَا مُعَاذُ, فَقُلْتُ: وَأَنَا أُحِبُّكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَلَا تَدَعْ أَنْ تَقُولَ فِي كُلِّ صَلَاةٍ رَبِّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ ))
[أخرجه النسائي في سننه ]وما أدري لِمَ فعلَتْ هذه الكلمة في نفْسي فِعْل السِّحْر؟ فقلت: إذا أحَبَّك النبي عليه الصلاة والسلام فهل من بعد هذه المرتبة من مرْتبة؟ ولذلك وجدت أنّ كلّ إنْسانٍ يفْرح بِحُبِّ جِهَةٍ له، فكلما ارْتقى الإنسان فرِح بِحُبِّ الله ورسوله له، لأنّ حُب الله عز وجل هو عَيْن حُبّ رسول الله، وحب رسول الله هو عَين حُبّ الله عز وجل، لأنّ الله ورسوله أحقّ أن يُرْضوه، فانْطِلاقاً من هذا الصحابي الجليل الذي قال في حقِّه رسول الله حديثاً؛ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ:
((أَخَذَ بِيَدِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَقَالَ: إِنِّي لَأُحِبُّكَ يَا مُعَاذُ, فَقُلْتُ: وَأَنَا أُحِبُّكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ, فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَلَا تَدَعْ أَنْ تَقُولَ فِي كُلِّ صَلَاةٍ رَبِّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ ))
[أخرجه النسائي في سننه ]أردْت أنْ أجعل هذا الصحابي موضوع الدرس الأول من دروس السيرة مُقْتطفات وفقرات ومواقف وأقْوالاً لهذا الصحابي الجليل، الذي هو سيّدنا معاذ بن جبل رضي الله عنه .
إليكم الحديث عن هيئة سيدنا معاذ بن جبل كما وصفه الواصفون :
قال بعْضهم: دخلْتُ مسْجدَ حِمْص فإذا أنا بِفَتىً حوله الناس؛ جَعْدٍ قطَطٍ، أيْ شعْره أجْعد، إذْ هناك شعْرٌ أجْعد ليس مُسْتَحْسناً، لكن شعْر هذا الصحابي كان أجْعد، ولكنه مُسْتَحْسن، وهو معنى قطط، إذا تكلَّم كأنما يخرج من فيه نورٌ ولُؤلؤ, هذا تأييد الله له، فأنت إذا أخْلصْت أيها الأخ الكريم لله رب العالمين، والْتَزَمْتَ أوامر الديــن، واتّصلْت بالله جل جلاله، أسْبغ الله عليك مهابَةً وجمالاً ووضاءَةً ونوراً وهَيْبَةً وسكينةً ووقاراً .
فقلتُ: من هذا؟ فقالوا: هو مُعاذ بن جبل، وهذا هو معنى قول الله عز وجل حينما خاطب النبي عليه الصلاة والسلام وأصْحابه مَعْنِيون بِهذا الخِطاب وكذا كلّ مؤمن في كلّ مكانٍ وزمان:
فقلتُ: من هذا؟ فقالوا: هو مُعاذ بن جبل، وهذا هو معنى قول الله عز وجل حينما خاطب النبي عليه الصلاة والسلام وأصْحابه مَعْنِيون بِهذا الخِطاب وكذا كلّ مؤمن في كلّ مكانٍ وزمان:
﴿وَرَفعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ﴾
[سورة الشرح الآية: 4] هذا لِكُلّ مؤمن؛ كل مؤمن أخْلص لله عز وجل، وأكْرمه الله عز وجل بِمَنْطقٍ وحُجَّةٍ ووقارٍ ومهابَةٍ ونورٍ ومكانةٍ وسُمْعةٍ ...إلخ .
وعن أبي مسلم الخوْلاني, قال: أتيتُ مسجد دمشق فإذا حلقة فيها كهول من أصْحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا شابٌ فيهم أكحل العين، براق الثنايا، وأسْنانه تلمَع؛ دليل نظافته، ودليل عِنايَتِهِ بِأسْنانه، وكلما اختلفوا في شيء ردوه إلى الفتى، فقلت لِجَليسٍ لي: مَن هذا؟ فقال: هذا مُعاذُ بن جبل، هذا يُذكِّرُني بِمَقولةٍ أنَّ العالم شيْخٌ ولو كان حَدَثاً، وأنّ الجاهل حَدَثٌ، ولو كان شيخًا، وهذا يُذكِّرُني كيف أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم اخْتار أُسامة بن زيد الذي لا تزيد سِنُّهُ عن سبعة عشر عاماً قائداً لِجَيْشٍ فيهم أبو بكرٍ وعمر وعثمان وعليّ؟ وكيف أنّ الشباب في الإسلام لهم شأنٌ كبير، ولهم شأنٌ خطير، وقد قال عليه الصلاة والسلام:
وعن أبي مسلم الخوْلاني, قال: أتيتُ مسجد دمشق فإذا حلقة فيها كهول من أصْحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا شابٌ فيهم أكحل العين، براق الثنايا، وأسْنانه تلمَع؛ دليل نظافته، ودليل عِنايَتِهِ بِأسْنانه، وكلما اختلفوا في شيء ردوه إلى الفتى، فقلت لِجَليسٍ لي: مَن هذا؟ فقال: هذا مُعاذُ بن جبل، هذا يُذكِّرُني بِمَقولةٍ أنَّ العالم شيْخٌ ولو كان حَدَثاً، وأنّ الجاهل حَدَثٌ، ولو كان شيخًا، وهذا يُذكِّرُني كيف أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم اخْتار أُسامة بن زيد الذي لا تزيد سِنُّهُ عن سبعة عشر عاماً قائداً لِجَيْشٍ فيهم أبو بكرٍ وعمر وعثمان وعليّ؟ وكيف أنّ الشباب في الإسلام لهم شأنٌ كبير، ولهم شأنٌ خطير، وقد قال عليه الصلاة والسلام:
(( ريح الجنّة في الشباب ))
[ورد في الأثر] طاقاتهم كامنة، وانْدِفاعهم شديد، وغيرةٌ عظيمة، وتعلُّقٌ بالمبادئ والمُثُل؛ هؤلاء الشباب إذا أُحْسن تَوْجيههم، ودُلوا على الله عز وجل، وعلى طريق البطولة، كان لهم شأنٌ، وأيُّ شأنٍ .
صفات هذا الصحابي الجليل كما ورد إلينا :
1- زهده في الدنيا :
كان هذا الصحابي الجليل زاهِداً في الدنيا، قال مالك الداريّ: أخذ عمر بن الخطاب أربعمئة دينارٍ فَجَعَلها في صُرَّةٍ, فقال لِغُلامٍ له: اِذْهب بها إلى أبي عُبيدة بن الجراح ثمّ تلَه - وهو فعل أمرٍ- أيْ أُلْهُ بشيءٍ حتى تبْقى عنده فَتَنْظر ما يصْنع بها، فذَهب الغلام وقال له: يقول لك أمير المؤمنين: اِجْعل هذه في بعض حاجتك، فقال رضي الله عنه: وصله الله ورحِمَهُ .
أرأيْتُم أيها الأخوة, أنه من لم يشكر الناس لم يشكر الله، فهناك أشْخاص يسوق الله لهم خيراً على يدِ رِجال ثمّ يتنكَّرون, ويقولون: لقد منَّ الله علينا بالهُدى، ولكن هذا لا يمْنَعُ أنْ تشْكر الناس، لأنه من لم يشكر الناس لم يشكر الله، ماذا قال هذا الصحابي الجليل, وماذا فعل؟ قال: وصله الله ورحِمَهُ، ثمّ قال: تعالَيْ يا جارِيَة، واذْهَبي بِهذه السبْعة إلى فلان، وبِهذه الخمسة إلى فلان، وبِهذه الثلاثة إلى فلان، حتى أنْفَذَها جميعَها، فَرَجَع الغُلام إلى عُمر فأَخْبَرَهُ، فوَجَده قد أعَدّ مِثْلها لِمُعاذ بن جبل صاحب هذا الدرس، وقال له: اِذْهب بها إلى معاذ بن جبل وتله في البيت ساعةً حتى تنظر ماذا يصْنع؟ فذَهَب بها إليه، وقال له: يقول لك أمير المؤمنين: اِجْعَل هذه في بعض حاجَتِك، فقال: وصله الله ورحِمَهُ، تعالَيْ يا جارِيَة واذْهبي إلى بيت فلان بكذا، وإلى بيت فلان بِكذا، فاطَّلَعَتْ امْرأته, فقالت: ونحن والله مساكين فأَعْطِنا، ولم يبْقَ في الخِرْقة إلا ديناران فدفع بهما إليها، وقال: خُذي، فرجع الغلام إلى عمر وأخْبره بِذلك، فقال: إنهم أخوة، بعضُهم من بعض, ألم يقف النبي عليه الصلاة والسلام قُبَيْل وفاته وقد نظر إلى أصْحابه وهم يُصلون في المسْجد فتَبَسَّم حتى بَدَتْ نواجذه، وقال: حُكماء علماء، كادوا من فِقْهِهِم أن يكونوا أنبياء؟ إنهم أبطال .
أرأيْتُم أيها الأخوة, أنه من لم يشكر الناس لم يشكر الله، فهناك أشْخاص يسوق الله لهم خيراً على يدِ رِجال ثمّ يتنكَّرون, ويقولون: لقد منَّ الله علينا بالهُدى، ولكن هذا لا يمْنَعُ أنْ تشْكر الناس، لأنه من لم يشكر الناس لم يشكر الله، ماذا قال هذا الصحابي الجليل, وماذا فعل؟ قال: وصله الله ورحِمَهُ، ثمّ قال: تعالَيْ يا جارِيَة، واذْهَبي بِهذه السبْعة إلى فلان، وبِهذه الخمسة إلى فلان، وبِهذه الثلاثة إلى فلان، حتى أنْفَذَها جميعَها، فَرَجَع الغُلام إلى عُمر فأَخْبَرَهُ، فوَجَده قد أعَدّ مِثْلها لِمُعاذ بن جبل صاحب هذا الدرس، وقال له: اِذْهب بها إلى معاذ بن جبل وتله في البيت ساعةً حتى تنظر ماذا يصْنع؟ فذَهَب بها إليه، وقال له: يقول لك أمير المؤمنين: اِجْعَل هذه في بعض حاجَتِك، فقال: وصله الله ورحِمَهُ، تعالَيْ يا جارِيَة واذْهبي إلى بيت فلان بكذا، وإلى بيت فلان بِكذا، فاطَّلَعَتْ امْرأته, فقالت: ونحن والله مساكين فأَعْطِنا، ولم يبْقَ في الخِرْقة إلا ديناران فدفع بهما إليها، وقال: خُذي، فرجع الغلام إلى عمر وأخْبره بِذلك، فقال: إنهم أخوة، بعضُهم من بعض, ألم يقف النبي عليه الصلاة والسلام قُبَيْل وفاته وقد نظر إلى أصْحابه وهم يُصلون في المسْجد فتَبَسَّم حتى بَدَتْ نواجذه، وقال: حُكماء علماء، كادوا من فِقْهِهِم أن يكونوا أنبياء؟ إنهم أبطال .
2- ورعه فيها :
أمّا وَرَعُهُ؛ فكان لِمُعاذ بن جبل امْرأتان، فإذا كان عند إحْداهما لم يشْرب في بيت الأخرى الماء، لِيُحَقِّقَ العدْل الكامل بينهما, هذه الليلة لِفُلانة فيأكل ويشْرب وينام عندها، أمّا عند الأخرى فَكان لا يشْرب عندها الماء في الليلة التي ليسَتْ لها، ألم يقل الله عز وجل:
﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا﴾
[ سورة النساء الآية: 3 ] لذلك قالوا: ركْعتان من ورِع خير من ألف ركعة من مُخلِّط! ألم يتَنَحَّ الإمام أبو حنيفة عن ظلِّ بيتٍ إلى الشمس, فلما قيل له لِمَ؟ قال: هذا البيت مُرْتَهَنٌ عندي، وأنا أكْرهُ أن أسْتفيد من ظِلِّه، وعن ثَوْر بن يزيد, قال:
(( كان مُعاذ بن جبل إذا تهجَّد من الليل, قال: اللهم قد نامت العُيون وغارتِ النجوم وأنت الحيّ القيوم, اللهم طلبي للجنّة بطيء, وهربي من النار ضعيف, اللهم اجْعل لي عندك هُدىً ترُدُّهُ لي يوم القِيامة إنك لا تُخْلف الميعاد ))
ولِذلك علامة المؤمن أنَّهُ يتَّهِم نفْسه دائِما، وعلامةُ المنافق أنَّهُ يرضى عن نفسه، حتى العوام يقولون: لا يرْضى عن نفسه إلا إبليس . وهذا أحد التابعين, قال: الْتَقَيْتُ بِأَربعين صحابِياً ما واحِدٌ منهم إلا ويظنّ أنه منافق، من شِدَّة خوفِهِ من الله، ومُحاسَبَتِهِ لِنَفْسه، ومُراقَبَتِهِ لها، والنبي عليه الصلاة والسلام, قال:
((أَرْحَمُ أُمَّتِي بِأُمَّتِي أَبُو بَكْرٍ, وَأَشَدُّهُمْ فِي أَمْرِ اللَّهِ عُمَرُ, وَأَصْدَقُهُمْ حَيَاءً عُثْمَانُ, وَأَعْلَمُهُمْ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ, وَأَفْرَضُهُمْ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ, وَأَقْرَؤُهُمْ أُبَيٌّ, وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينٌ وَأَمِينُ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ))
[أخرجه الترمذي في سننه]ماذا نستنبط من هذا الحديث المشهور عند أهل العلم ؟
النبي عليه الصلاة والسلام وُجودُهُ يطغى على كلّ إنسان، وعظمتُهٌُ باهرة، ولا يُلْتَفـَتُ إلى إنسانٍ غَيْرِهِ، وفقد عرف قدْرَ أصْحابه، وأعطى كُلّ واحِدٍ منهم قَدْرَهُ، مرَّةً سأل النبي عليه الصلاة والسلام مُعاذ حينما أرسله إلى اليمن،
(( فَعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَبْعَثَ مُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ, قَالَ: كَيْفَ تَقْضِي إِذَا عَرَضَ لَكَ قَضَاءٌ, قَالَ: أَقْضِي بِكِتَابِ اللَّهِ, قَالَ: فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فِي كِتَابِ اللَّهِ, قَالَ: فَبِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, قَالَ: فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا فِي كِتَابِ اللَّهِ, قَالَ: أَجْتَهِدُ رَأْيِي وَلَا آلُو فَضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَدْرَهُ, وَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَفَّقَ رَسُولَ رَسُولِ اللَّهِ لِمَا يُرْضِي رَسُولَ اللَّهِ ))
[أخرجه أبو داود في سننه] القرآن والسنة، والاجْتهاد دخل فيه القِياس والإجماع، ولا تجْتمع أمتي على ضلالة، والقِياس أنْ اكْتَشف عِلَّة التحريم، فإذا اتَّحَدَتْ هذه العِلَّة في حالةٍ ما مع حالةٍ أخرى انْسَحَب التحريم على الحالة الأخرى، كما في الأولى، فالخمر حرام، وعِلَّتُها الإسْكار، فأَيُّ شرابٍ أسْكر فهو حرام، وهذا هو القِياس، ولعلّ هذا الصحابي الجليل كان رائِداً في الاجتهاد، وكأنَّهُ رسَمَ للأئمَّة المُجْتهدين من بعْده أنّ الكِتاب أوَّلاً، ثم السنّة ثانيا، ثمّ الإجماع ثالِثاً، ثمّ القياس رابِعاً، والإجْماع والقِياس هما الاجْتِهاد، والأدلّة كما تعلمون أدِلَّة أصْلية، وأدِلّة فرعِيَّة، فالأصلية الكتاب والسنة، والفرعية القياس والإجماع والاسْتحسان والمصالح المرسلة، إلى آخر الأدلة الفرعية في الاجتهاد.
وعن عاصم بن حميد عن معاذ بن جبل, قال: لما بعثه رسول الله صلى لله عليه وسلم إلى اليمن خرج معه النبي الكريم لِيُوصيه، فهل من الأصول المُتَّبعة الآن أنْ يخرج رأس القوم لِيُوَدِّع أصحابه الذين هم تابِعون له؟ هذا لا نجده عند غير النبي عليه الصلاة والسلام، والأغرب من هذا أن معاذاً كان راكِباً، والنبي عليه الصلاة والسلام يمْشي محاذِيًا راحِلَتَه, ما هذا؟
يَرْوي بعض كُتاب السيرة أنَّه نظر إليه ملِياً وتأمَّلَهُ كثيراً، أنا اسْتنبطتُ من هذا كيف أَنَّ أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام يُحِبون النبي حُباً جماً؟ وكيف أنه أخذ عليهم مجامع قلوبهم ؟ وكيف أنَّه أسَرَهم بِكماله؟ أعتقد أنّ النبي عليه الصلاة والسلام كان يُحِبُّهم حُباً جماً، واعْتقِدوا معي أيها الأخوة أنّ الحُبّ لا يُمكن أن يكون من طرفٍ واحد، كما أنهم كانوا يُحبونه كان عليه الصلاة والسلام يُحِبُّهم، وما خرج مع سيّدنا معاذ بن جبل مُشَيِّعاً له وهو يمْشي ومُعاذٌ يرْكب إلا من شِدَّة حُبّ النبي عليه الصلاة والسلام لمعاذ .
تَرْوي القصص أنه لما قدِم جعْفر أيضاً هشَّ له النبي عليه الصلاة والسلام وبشَّ، فالنبي عليه الصلاة والسلام مشى معه ومُعاذٌ يركب والنبي يمْشي ويُوصيه، فلما فرغ قال: يا معاذ، إنك عسى ألاّ تلْقاني بعد عامي هذا، يُسْتنبط من هذا اسْتِنباط دقيق؛ إذْ إنّ النبي عليه الصلاة والسلام آثر أن يُرسل سيّدنا معاذًا إلى اليمن لِيَدْعُوَ إلى الله هناك، ولِيُعَلِّمَهم كتاب الله وسنَّة رسوله، على أنْ يبْقى إلى جانِبِه، معنى ذلك أنّ أكبر هدفٍ يجب أن نسْعى إليه هو نشْرُ هذا الدِّين، نشرُ هذا العِلْم العظيم، ودعوة الناس إلى الله ورسوله, فالنبي أرْسله إلى اليمن، ولعلَّكَ تمرُّ بِمَسْجِدي هذا وقبري، فَبَكى مُعاذٌ خُشوعاً لِفِراقِ رسول الله، ثمّ الْتَفَت بِوَجْهِهِ إلى المدينة, فقال: إنَّ أوْلى الناس بي المُتَّقون، مَنْ كانوا وحيث كانوا، حُبٌّ شديد، وشَوْقٌ أشدّ، ووفاءٌ لا مثيل له، ومع ذلك الدعوةُ إلى الله عز وجل كانت فوق كُلِّ اعْتِبار .
وعن عاصم بن حميد عن معاذ بن جبل, قال: لما بعثه رسول الله صلى لله عليه وسلم إلى اليمن خرج معه النبي الكريم لِيُوصيه، فهل من الأصول المُتَّبعة الآن أنْ يخرج رأس القوم لِيُوَدِّع أصحابه الذين هم تابِعون له؟ هذا لا نجده عند غير النبي عليه الصلاة والسلام، والأغرب من هذا أن معاذاً كان راكِباً، والنبي عليه الصلاة والسلام يمْشي محاذِيًا راحِلَتَه, ما هذا؟
يَرْوي بعض كُتاب السيرة أنَّه نظر إليه ملِياً وتأمَّلَهُ كثيراً، أنا اسْتنبطتُ من هذا كيف أَنَّ أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام يُحِبون النبي حُباً جماً؟ وكيف أنه أخذ عليهم مجامع قلوبهم ؟ وكيف أنَّه أسَرَهم بِكماله؟ أعتقد أنّ النبي عليه الصلاة والسلام كان يُحِبُّهم حُباً جماً، واعْتقِدوا معي أيها الأخوة أنّ الحُبّ لا يُمكن أن يكون من طرفٍ واحد، كما أنهم كانوا يُحبونه كان عليه الصلاة والسلام يُحِبُّهم، وما خرج مع سيّدنا معاذ بن جبل مُشَيِّعاً له وهو يمْشي ومُعاذٌ يرْكب إلا من شِدَّة حُبّ النبي عليه الصلاة والسلام لمعاذ .
تَرْوي القصص أنه لما قدِم جعْفر أيضاً هشَّ له النبي عليه الصلاة والسلام وبشَّ، فالنبي عليه الصلاة والسلام مشى معه ومُعاذٌ يركب والنبي يمْشي ويُوصيه، فلما فرغ قال: يا معاذ، إنك عسى ألاّ تلْقاني بعد عامي هذا، يُسْتنبط من هذا اسْتِنباط دقيق؛ إذْ إنّ النبي عليه الصلاة والسلام آثر أن يُرسل سيّدنا معاذًا إلى اليمن لِيَدْعُوَ إلى الله هناك، ولِيُعَلِّمَهم كتاب الله وسنَّة رسوله، على أنْ يبْقى إلى جانِبِه، معنى ذلك أنّ أكبر هدفٍ يجب أن نسْعى إليه هو نشْرُ هذا الدِّين، نشرُ هذا العِلْم العظيم، ودعوة الناس إلى الله ورسوله, فالنبي أرْسله إلى اليمن، ولعلَّكَ تمرُّ بِمَسْجِدي هذا وقبري، فَبَكى مُعاذٌ خُشوعاً لِفِراقِ رسول الله، ثمّ الْتَفَت بِوَجْهِهِ إلى المدينة, فقال: إنَّ أوْلى الناس بي المُتَّقون، مَنْ كانوا وحيث كانوا، حُبٌّ شديد، وشَوْقٌ أشدّ، ووفاءٌ لا مثيل له، ومع ذلك الدعوةُ إلى الله عز وجل كانت فوق كُلِّ اعْتِبار .
3- علمه :
سيِّدنا عمر, يقول: لو اسْتَخْلَفْتُ معاذ بن جبل، أيْ لو جعلهُ خليفةً من بعده، فسألني عنه ربي عز وجل: ما حَمَلَكَ على ذلك؟ لَقُلْتُ: سمِعْتُ نبِيَّك صلى الله عليه وسلَّم, يقول: إنَّ العلماء إذا حضروا ربهم عز وجل كان مُعاذٌ بين أيْديهم .
إذاً: معي شهادةٌ من رسول الله صلى الله عليه وسلم بِأنّ مُعاذَ بن جبل أهلٌ لِخِلافة المُسلمين جميعاً، بعض أصْحاب النبي وهو ابن مسْعود, كان يقول هكذا:
إذاً: معي شهادةٌ من رسول الله صلى الله عليه وسلم بِأنّ مُعاذَ بن جبل أهلٌ لِخِلافة المُسلمين جميعاً، بعض أصْحاب النبي وهو ابن مسْعود, كان يقول هكذا:
((إنَّ معاذ بن جبل كان أمَّةً قانتاً لله حنيفاً, فقيل له: إِنّ إبراهيم هو الذي كان أمةً قانتاً لله حنيفاً, فقال: ما نسيتُ ولكن هل تدري ما الأمة وما القانت؟ قُلتُ: الله أعلم، فقال: الأمة الذي يعلمُ الخير والقانت المُطيع لله عز وجل ولِرَسوله وكان مُعاذ بن جبل يُعَلِّمُ الناس الخير وكانَ مُطيعاً لله عز وجل))
إذاً: إنَّ معاذ بن جبل كان أمَّةً قانتاً لله حنيفاً .وعن شهْر بن حَوْشَب:
((كان أصْحاب مُحَمَّدٍ رِضْوان الله عليهم إذا تحَدَّثوا وفيهم مُعاذٌ نظروا إليه هَيْبَةً له))
لقد كانت له هَيْبَة حتى مع أصْحاب النبي .إليكم مواعظ هذا الإمام الجليل :
ومن مواعِظِه رضي الله عنه أنه كان يقول: إنَّ مِن ورائِكم فِتناً يكثر فيها المال، ويُفْتح فيها القرآن، حتى يقْرأه المؤمن والمنافق، والصغير والكبير، والأحمر والأسود، فَيوشِكُ قائِلٌ أنْ يقول: ما لي أقرأ على الناس القرآن فلا يتبعوني عليه ، فما أظنّ أنهم يتبعوني عليه حتى أبتدع لهم غيرَه، إياكم وإياكم وما ابْتُدِع، يعني إياكم والبِدَع، فإنَّ ما ابتُدِع ضلالة، وأُحَذِّركم من زَيْغَة الحكيم - فالحكيمُ أحْياناً يخْطئ - فإنَّ الشيطان يقول: عليَّ في الحكيم كلمة ضلالٍ واحدة، فالشيطان لا يتمنى إلا أنْ ينطق الحكيم بِكَلِمة ضلال واحدة، لأنَّ تلك الكلمة تُسيء إلى الدِّين إساءة كبيرة .
كلكم يعلم أنَّ أبا حنيفة النعمان رحمه الله كان يمشي في الطريق، فرأى غلاماً أمامه حُفْرة, فقال: يا غلام إياك أن تسْقط، ولا أدري كيف أنطَق اللهُ هذا الغُلام؟ وقال: بل أنت يا إمام إياك أن تسْقط، إني إنْ سقطتُ سقطْتُ وحدي، وإنك إنْ سقطتَ سقط العالم معك، فالحكيم إذا تكلَّم كلمة ضلال واحدة سقطت معه الأمة، لأنَّ عامَّة الناس لا يُفَرِّقون بين الإسلام والمُسْلمين، ولا بين الحقِّ وأهل الحقِّ، ولا بين المبادئ وأصْحابها، فهذا التداخل يجْعلهم إنْ سقط أمامهم الحكيم سقط معه الدِّين، فَلِذلك سيّدنا معاذ بن جبل أدْرك بِحاسَّتِه المُرْهفة أنَّ أكبر خطرٍ على الإسلام أنْ ينطق الحكيم بِكَلِمةِ ضلالٍ واحدة، لأنَّ هذه الكلمة الواحدة ربما أسْقطتْ كلّ كلامه الصحيح، فلو أنَّ أحداً أعْطاك مئات المعْلومات الصحيحة، ثمّ قال لك: اثْنين واثنين خمْسة، هنا يداخلك الشكّ، ليس في هذا الكلام، بل في كلّ ما قاله لك .
وقد يقول المنافق كلمة الحق، دقِّق في هذا؛ وقد يقول الحكيم كلمة ضلال، فما الأصل؟ المُتَكّلِّم أم الكلام؟ الكلام، وهذا ما قاله الإمام عليّ:
كلكم يعلم أنَّ أبا حنيفة النعمان رحمه الله كان يمشي في الطريق، فرأى غلاماً أمامه حُفْرة, فقال: يا غلام إياك أن تسْقط، ولا أدري كيف أنطَق اللهُ هذا الغُلام؟ وقال: بل أنت يا إمام إياك أن تسْقط، إني إنْ سقطتُ سقطْتُ وحدي، وإنك إنْ سقطتَ سقط العالم معك، فالحكيم إذا تكلَّم كلمة ضلال واحدة سقطت معه الأمة، لأنَّ عامَّة الناس لا يُفَرِّقون بين الإسلام والمُسْلمين، ولا بين الحقِّ وأهل الحقِّ، ولا بين المبادئ وأصْحابها، فهذا التداخل يجْعلهم إنْ سقط أمامهم الحكيم سقط معه الدِّين، فَلِذلك سيّدنا معاذ بن جبل أدْرك بِحاسَّتِه المُرْهفة أنَّ أكبر خطرٍ على الإسلام أنْ ينطق الحكيم بِكَلِمةِ ضلالٍ واحدة، لأنَّ هذه الكلمة الواحدة ربما أسْقطتْ كلّ كلامه الصحيح، فلو أنَّ أحداً أعْطاك مئات المعْلومات الصحيحة، ثمّ قال لك: اثْنين واثنين خمْسة، هنا يداخلك الشكّ، ليس في هذا الكلام، بل في كلّ ما قاله لك .
وقد يقول المنافق كلمة الحق، دقِّق في هذا؛ وقد يقول الحكيم كلمة ضلال، فما الأصل؟ المُتَكّلِّم أم الكلام؟ الكلام، وهذا ما قاله الإمام عليّ:
((نحن نعرف الرجال بِالحقّ ولا نعْرف الحق بالرجال))
فالأصل هو الحق، قالوا: وما يُدْرينا أنّ الحكيم قد يقول كلمة الضلالة؟ قال: هي كلمةٌ تُنْكِرونها، مُخالفة للفِطرة والعقل والنقل والواقع, تُنْكِرونها بِفِطَرِكم السليمة، وعُقولِكم الراجحة .سيّدنا عمر رضي الله عنه كان يسْتعين بِرَأْيِ مُعاذ بن جبل, حتى إنه قال:
((لولا معاذ بن جبل لَهَلَكَ عُمر))
وعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: أَخَذَ بِيَدِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَقَالَ:((إِنِّي لَأُحِبُّكَ يَا مُعَاذُ, فَقُلْتُ: وَأَنَا أُحِبُّكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ, فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَلَا تَدَعْ أَنْ تَقُولَ فِي كُلِّ صَلَاةٍ رَبِّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ ))
[أخرجه النسائي في سننه ]انصت إليه أيضاً أيها المسلم :
وكان هذا الصحابي, يقول:
((يا بُني إذا صَلَّيْتَ فَصَلِّ صلاة مُوَدِّع، ويا بني إنَّ المؤمن يموت بين حَسَنَتَين: حسنةٍ قدَّمَها، وحسنةٍ أخَّرها))
له أعمالٌ جليلة قبل موته، وترك خيراً كثيراً بعد موته . ويقول هذا الصحابي الجليل:
((قد ابْتُليتُم بِفِتْنَة الضراء فَصَبَرْتُم وسَتُبْلَوْنَ بِفِتْنَةِ السراء وأَخْوَفُ ما أخاف عليكم فِتْنة النِّساء، إذا تسَوَّرْنَ الذهب، ولَبِسْنَ رباط الشام، وعَصْبَ اليَمَن، فأَتْعَبْنَ الغني، وكلَّفنَ الفقير ما لا يجد))
لذلك كما قال عليه الصلاة والسلام:(( إنَ إبليس طلاعٌ رصاد وما هو من فُخوخه - جمع فخّ - بِأَوثق في صَيْدِه في الأتْقِياء من النِّساء ))
[ورد في الأثر]إليكم العبرة من وفاته والمدة التي مكثها في الدنيا :
أيها الأخوة, فلما حضره الموت, قال:
((أصْبَحْنا، فقِيل له: لم نُصْبِحْ؟ فقال رضي الله عنه: أعوذ بالله من ليلةٍ صباحُها النار، مرْحَبًا بالموت مرْحبًا بالموت؛ زائِرٌ مُغِبّ، حبيب جاء على فاقة، اللهم إني كنت أخافُك وأنا اليوم أرْجوك، إنك تعلم أني لم أكن أُحِبّ الدنيا وطول البقاء فيها لِكَرْي الأنهار، ولا لِغَرْس الأشجار، ولكن لظمأ الهواجر، ومُكابَدَة الساعات، ومُزاحَمَة العُلماء بِالرُّكَب عند حِلَق الذِّكر))
وتُوُفِّيَ هذا الصحابي الجليل عن عُمُرٍ لا يزيد عن ثلاث وثلاثين سنة، فالعُمْرُ أَتْفَهُ ما فيه طولُهُ، وأعْظم ما فيه الأعمال الجليلة التي عمِلَها .عن سعيد بن المُسَيِّب, قال:
(( قُبِضَ مُعاذ بن جبل وهو ابنُ ثلاثٍ وثلاثين أو أرْبعٍ وثلاثين عاماً ))
العُمُر يُقاسُ بِوَزْن العمل الذي احْتواهُ لا بِمُدَّتِه .والحمد لله رب العالمين
الحازمي- نشط مميز
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى