حاجتنا إلى القيام بالواجب
صفحة 1 من اصل 1
حاجتنا إلى القيام بالواجب
حاجتنا إلى القيام بالواجب
عظمة الأمة تقاس بقدر قيام أفرادها بالواجب
استعرِض صحف التاريخ وارجِع البصر إلى أعمال الرجال العظام ودقق في سبب تكوين الاختراعات العجيبة تجد ذلك ليس أثر حظ شخصي أو تصادف محض، بل نتيجة إقدام وتمحيص نشأت عن تلبية نداء الشعور بالواجب. والواجب يشمل أبناء الأمة جميعها ويستصرخ كل إنسان كبيراً كان أم صغيراً قوياً كان أم ضعيفاً للدخول في المعترك كل على قدر القسط الذي يترتب عليه إيفاؤه في سبيل ذلك. ومن الأمثلة التي يتجلى فيها هذا الشعور قوياً أن الشيخ الفندلاوي قاضي المالكية في دمشق والشيخ عبدالقادر الحلحولي من علمائها بالرغم من كونهما طاعنين في السن خرجا لقتال الصليبيين إبان مهاجمتهم دمشق ولما قيل للأول "يا شيخ أنت معذور بذلك ونحن نكفيكه" قال: "قد بعت واشترى" يريد الإيماء إلى قوله تعالى: ? إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ? [التوبة: 111] وتقدم الاثنان وحاربا حتى استشهدا عند النيرب في سبيل الله.
قام هذان وأمثالهما بواجبهما لا رغبة في حسن سمعة: ولا حباً في مال أو جراً لنفع أو منصب بل ابتغاء مرضاة الله التي هي الحافز للشعور بالواجب.
وقد كنت ذهبت برفقة الأخوين المخلصين الأستاذ عمر الطيبي والسيد حسن رقية لتفقد قبريهما منذ بضعة أشهر الواقعة في أرض النيرب في بساتين الربوة إلى شرقيها فطفنا تلك الوهاد نفتش عن أثر لقبر الشيخين فلم نجد لغير الفندلاوي مقاماً منفرداً في إحدى بساتين محلة الأكراد علمنا بعد سؤال وتدقيق أن العلامة المرحوم محمود باشا بوظو هو الذي اخرج هذا القبر الموجود بعد أن وقف على حكايتهما في بعض الكتب وقام بواجب ينم عن شعور يحمد عليه.
وهكذا الأمم تحتفظ بذكرى المبرزين في ميادين العمل وتقوم بواجبها نحوهم بإقامة "الركائز" والحفلات وتأليف الكتب عنهم والمقالات تأييداً لأعمالهم وحفظاً لذكراهم على ممر الدهور.
لم يصل القائد العربي عقبة بن نافع في صدر الدولة الأموية إلى بحر الظلمات مجتازاً افريقية الشمالية كلها إلا اعتقاداً منه أنه أمام واجب ديني حق عليه القيام به فتغلغل في تلك الأصقاع النائية حتى وصل مغرب الشمس على شاطئ البحر الخضم الزاخر الذي أوقفه مذهولاً مسلطاً سيفه في الآفاق قائلاً: اشهدك اللهم لو لم يكن هذا البحر مانعاً لمضيت فيه رافعاً اسم جلالك.
وألقى طارق بن زياد خطابه المعلوم على قبضة من المجاهدين الأبرار الذين اخلصوا لله الدين وللوطن الواجب مبيناً لهم أن الخير أمامهم والغرق وراءهم حتى نفذت كلماته إلى نفوسهم فاقتحموا الأندلس وكتبت على جباههم آيات ظفر سطره التاريخ في صحائفهم الذهبية وما زال الواجب يحدوهم للسير في مضماره الأمين حتى نشروا في تلك الأصقاع المدنية الإسلامية بعدما كانت تئن تحت كابوس حكامها الظالمين، فانتقلت بهديهم من الظلمات إلى النور ونعمت في بحبوحة العدالة العربية النقية. ومما لا ريب فيه انه لو لم يقم القائد العربي بالواجب لما وصلت تلك الدعوة السامية إلى ما وراء البحار ولما أنقذت تلك البلاد من براثن الاستبداد، وقامت فيها مدنية زاهرة مضت عليها عصور وما زالت ماثلة للتاريخ نشاهد آثار عظمتها إلى يومنا هذا وقد اعترف المدققون المنصفون من العلماء الغربيين أن هذه الفتوحات لو دامت دون أن يقف في سبيلها جهل القرون الوسطى وظلماتها لكانت أوربا اليوم ارسخ قدماً في طريق المدنية وأروع أثراً ونفعاً في مؤسساتها النافعة من حالتها الحاضرة، ولكانت أسلم عاقبة من الوجهة الأخلاقية التي تنقذها من نيران الأحقاد المحرقة التي تتأجج في أحشائها تلك الأحقاد التي صرفت جهود البشر إلى التفنن في التسليح واختراع أساليب الإفناء فكانت نتائجها شؤماً على الإنسانية البريئة وخطراً دائماً في طريق السلم العام الذي يحاول محبو السلام عبثاً الوصول إليه بوضع قواعد يسير عليها البشر من إنشاء جمعيات أممية ومؤتمرات دولية تسعى لتخفيف ويلاته بتحديد التسليحات ومنع استعمال الغازات السامة وإلغاء المدمرات على المساكن إلى غير ذلك من تحديد أضرارها في المجتمع المعذب.
وفي الغرب كما في الشرق رجال عرفوا قدر الواجب فقاموا بنصرته من هؤلاء نلسن الرجل الانكليزي العظيم الذي قال مخاطباً جنود الأساطيل التي كان يقودها في الموقعة البحرية التي التهمت معظمها أو كادت وهي: "إن الأمة الانكليزية اليوم تتطلب إلى كل فرد من أفرادها أن يقوم بواجبه نحوها".
كان لهذه الكلمات التي تكلم بها نلسن حينما خر جريحاً وهو يلفظ آخر نفس من حياته وقع عجيب في نفس كل فرد من أفراد الأسطول استفزه وجعله يزأر كالأسد بوغت في عرينه غير مبال بما اعتراه من الكلل والملل من حرب طاحنة كان لا يرى فيها بصيص نجاح ولا وميض خلاص، السماء من فوقه والماء من تحته، تتقاذفه النيران عن يمينه وعن شماله، لا ملجأ يأوي إليه ولا مفر، فإذا لم يقتحم الخصم فمصيره حتماً إلى الغرق والاضمحلال.
في تلك الساعة الرهيبة التي أدى بها كل فرد واجبه الوطني نحو أمته متأثراً بكلمة قائده الأعلى، كان الظفر محل الفشل وحل الإخلاص مكان الغرق والهلاك.
إن هذه الجملة التي ألقاها نلسن في الساعة الأخيرة مركبة من كلمات محدودات لكنها زفرات صعدت من القلب فأثرت في القلوب، وهيجت دماً فار فائره في العروق، وكذلك الأعمال التي قامت بها الجنود هي أعمال بسيطة أيضاً ليس فيها ما يستوجب التعمق بالتفكير والتعب الشديد، ولكن ما نجم عن تلك الأعمال البسيطة من النتائج الكبرى جعل دولة بريطانيا العظمى صاحبة الأملاك الشاسعة وسيدة البحار اليوم.
مات نلسن بعيد النتيجة الحاسمة لتلك الحرب الضروس، ولكنه مات مستريح الضمير بعد أن قام بالواجب المتحتم عليه، وشاهد نور الظفر يتلألأ فوق رأس أمته فراح إلى مقره الأخير مخلداً صحائف ذهبية في تاريخ أمته، وذكريات كبيرة في قلوب أبنائها لا يمحيها كر العصور.
وأني لأذكر أن قائد الدانمرك على ما أظن صاح بجنوده قائلاً: إن لدي رسالة خطيرة قد تودي بحياة حاملها فمن يوصلها إلى حيث أريد في سبيل الوطن وسأصرف عنكم وجهي كي لا يستحي أحدكم فيتقدم لذلك خجلاً. ولما عاد إليهم بوجهه وجد الصف كله تقدم خطوة إلى الأمام. هذه هي التضحية الصحيحة في ساعات الخطر بدون رياء أو نفاق.
ما الذي حمل الفتاة جان داك على إنقاذ وطنها غير التفاني في سبيل الواجب؟ أليس ذاك الصوت البليغ صوت الواجب الذي استفزها فأوحى لها التسابق إلى حب الموت مع الفوارق التي بينها وبين الكثيرين من الرجال الذين يحملون معرة هذا الواجب وكأن هذا الشعور المفاجئ هتف بها قائلاً:
"أدركي شعبك من يد العسف والغدر، وأنقدي بلادك من حروب متوالية لا تقف إلا لتستعيد شدتها وتجدد أوارها، خربت البلاد وقطعت أوصال الأمة وكادت تقضي على البقية الباقية منها".
أجل بتأثير الواجب فقط وما يتولد عنه من قوى جبارة تمثلت في تلك الروح الرقيقة قامت هذه الفتاة فناضلت وجاهدت حتى أنقذت بلادها من هوة الهلاك بعد أن استولى العدو على قسم كبير منها خلال حروب المئة عام فكان يوم إحراقها يوماً مذكوراً، يوماً تحتفل به الأمة الافرنسية بذكرى خلاصها وتقدير شعور الواجب الذي حدا بالفتاة للتضحية في سبيله وستحتفل بذكراها ما دام فيها عروق تنبض ودماء تجول.
وقد تختلف حدود الواجب عند بعض الأمم تبعاً للتقاليد ففي الشرق البعيد أمة عظيمة تبلغ نحو سبعين مليوناً من الأفراد سبقت الأمم الشرقية بإدراك كنه الواجب الوطني وحب الموت في سبيله، ومعلوم أن الاميرال الياباني توغو الذي دمر الأسطول الروسي حتى لم يبق له أثر وفتح أمام الجيش الياباني طريق الظفر النهائي دعاه هذا الواجب الوطني الخالص إلى واجب تقليدي قومي وهو الموت في حب عاهله الكبير (!؟) فانتحر بعد مدة من انتصاره حينما مات الميكادو ليبين لأمته وللملأ أجمع مقدار تقديره الواجب.
وليس ذلك بمستبعد على الأمة اليابانية المملوء بمثل هذه التضحيات في تاريخها الحديث التي يتسابق إليها كل ياباني ذكراً كان أم أنثى، يسمعها المرء بكل إعجاب فتعلمه التفاني وتدربه على الموت الشريف في سبيل الواجب مصداقاً لقول الشاعر عنها:
هكذا الميكادو قد علمنا
أن نرى الأوطان أماً وأبا
فإذا سمعنا مآثر هذه الأمة الشرقية تنتشر أخبارها في ربوع العالم أجمع بما فيه دول الغرب العظيمة فيجب أن لا نستعظم ذلك لأن كل فرد من أفراد هذه الأمة يتفانى في سبيل الواجب ويرى نفسه سعيداً إذا مات من أجل القيام به.
فإذا انتحر القائد الياباني في حب الامبراطور فخليق بالمسلم أن يضحي بنفسه ونفيسه في سبيل نصرة أمر الله سبحانه. توقعات الابراج 2017 وهذه بعض الاسماء التي يبحث عنها الأشخاص عبر الإنترنت، توقعات برج الحمل 2017 - توقعات برج الاسد 2017 - توقعات برج الجوزاء 2017 - توقعات برج الجدي 2017 - توقعات ماغى فرح 2017 - توقعات برج السرطان 2017 - توقعات جاكلين عقيقي 2017 - توقعات برج الدلو 2017 - توقعات برج الثور 2017 - توقعات برج القوس 2017 - توقعات برج الحوت 2017 - توقعات برج الميزان 2017 - توقعات عبد العزيز الخطابي 2017 - توقعات سمير طنب 2017 - توقعات ثابت الحسن 2017 - توقعات برج العقرب 2017 - توقعات برج العذراء 2017 - توقعات جوي عياد 2017 - توقعات رجوى سعيد 2017 - توقعات كارمن شماس 2017 - توقعات نجلاء قباني 2017 - توقعات نيفين ابو شالة 2017 - توقعات مايك فغالي 2017 - توقعات ميشال حايك 2017 - توقعات عبير فؤاد 2017 - توقعات ليلى عبد اللطيف 2017
يظهر مما بيناه أن حب الواجب فضيلة تنشأ في الإنسان وللبيئة تأثير قوي في إنمائها وإضعافها حسب ما فيها من عوامل الحياة أو دواعي الفناء.
فالأمم التي ضعف تقديرها للواجب يعسر عليها النهوض من كبوتها فلا تتمكن من الذود عن كيانها إذ ليس لها من أفرادها من يرد الضيم عنها لتتحرر وتتقدم التقدم المنشود بل ربما قضي عليها إذا كانت تمشي الهوينى إلى غايتها في هذا العصر عصر الكهرباء والطيارة والمذياع.. الذي يستلزم النهوض السريع بخطىً ثابتة جريئة.
ومن أعظم الأمثلة على ذلك أمم البلقان الصغيرة التي بنت نهضتها على اقتباس النافع بالسير السريع حتى توصلت إلى غايتها القومية وهذا ما يثبت لنا جلياً أن الأمة الناهضة من سباتها إذا سارت نحو ضالتها المرسومة بخطىً سريعة وخطة حكمية وصلت إلى بغيتها.
يضيق بنا المقام في هذه العجالة عن ذكر أمثلة كثيرة تتعلق بالواجب المفروض على كل فرد والتاريخ مملوء بمثل هذه الحوادث التي ذكرناها والتي هيأت الجماعات البشرية للتقدم والرقي المنشودين في ميادين السباق وقد اقتصرنا على ما ذكرناه منها وفيه كفاية لمحبي النهوض وأن القيام بالواجب أمر سهل جداً إذا أعد المرء له عدته من حزم وإقدام وعده أمراً محتماً لا مفر منه.
وواجب الأمة مشاع؛ فليقم كل منها بما وجب عليه سواء قام بذلك الآخرون أو تقاعدوا. وهكذا فقد تتألف من أعمال الأفراد مجموعة قوة جليلة تدفع سفينة الأمة فتوصلها إلى ساحل الحياة السعيدة.
شيء واحد يضمن للمرء التوفيق أثناء القيام بالواجب هو الإرادة الحازمة مع النظام الذي يقتحم كل عثرة تعترض سبيل العاملين.
وقد آن أن نجد هذه الإرادة الصلدة في أبناء هذا الشرق البائس الذي توالت عليه خطوب في كل منها دروس وعظات جليلة تحرك الهمم وتدفع كل من له لب وقلب إلى العمل الجسدي والسعي الحثيث في سبيل المصالح العامة، نعم إننا نجد في الشرق شيئاً من هذا ولكنه غير كاف، ولا نـزال نحن لرؤية العاملين مجتمعين لا منفردين ومتفقين لا مختلفين وآملين لا قانطين.
ألا وإن للجمعيات الإصلاحية كجمعية التمدن الإسلامي التي من غايتها السعي للإصلاح بالإسلام الحنيف بعيداً عن كل ما نسب إليه وهو منه بريء أثراً كبيراً في تقوية الشعور بالواجب الذي ضعف في أفراد الناس فضعفوا في الحياة وخذلوا أمام أمم الحياة فلنساعد الجمعيات الإصلاحية المخلصة مادة ومعنى فهي من أجل ما يدعو إلى الوصول للحياة الحرة المنشودة.
ليحرص كل فرد منا على إنماء الشعور بالواجب في رعيته، فعلى الأب تقويته في أبنائه، وعلى الأستاذ تنشيطه في تلاميذه، وعلى قادة الأمة أن يحببوه إلى أفرادها فإن في هذا كله دواء ناجعاً تحرص جمعية التمدن الإسلامي ومجلتها على بيانه بحقيقته قياماً بالواجب.
المصدر: مجلة التمدن الإسلامي، السنة الأولى، العدد الأول، 1354هـ
عظمة الأمة تقاس بقدر قيام أفرادها بالواجب
استعرِض صحف التاريخ وارجِع البصر إلى أعمال الرجال العظام ودقق في سبب تكوين الاختراعات العجيبة تجد ذلك ليس أثر حظ شخصي أو تصادف محض، بل نتيجة إقدام وتمحيص نشأت عن تلبية نداء الشعور بالواجب. والواجب يشمل أبناء الأمة جميعها ويستصرخ كل إنسان كبيراً كان أم صغيراً قوياً كان أم ضعيفاً للدخول في المعترك كل على قدر القسط الذي يترتب عليه إيفاؤه في سبيل ذلك. ومن الأمثلة التي يتجلى فيها هذا الشعور قوياً أن الشيخ الفندلاوي قاضي المالكية في دمشق والشيخ عبدالقادر الحلحولي من علمائها بالرغم من كونهما طاعنين في السن خرجا لقتال الصليبيين إبان مهاجمتهم دمشق ولما قيل للأول "يا شيخ أنت معذور بذلك ونحن نكفيكه" قال: "قد بعت واشترى" يريد الإيماء إلى قوله تعالى: ? إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ? [التوبة: 111] وتقدم الاثنان وحاربا حتى استشهدا عند النيرب في سبيل الله.
قام هذان وأمثالهما بواجبهما لا رغبة في حسن سمعة: ولا حباً في مال أو جراً لنفع أو منصب بل ابتغاء مرضاة الله التي هي الحافز للشعور بالواجب.
وقد كنت ذهبت برفقة الأخوين المخلصين الأستاذ عمر الطيبي والسيد حسن رقية لتفقد قبريهما منذ بضعة أشهر الواقعة في أرض النيرب في بساتين الربوة إلى شرقيها فطفنا تلك الوهاد نفتش عن أثر لقبر الشيخين فلم نجد لغير الفندلاوي مقاماً منفرداً في إحدى بساتين محلة الأكراد علمنا بعد سؤال وتدقيق أن العلامة المرحوم محمود باشا بوظو هو الذي اخرج هذا القبر الموجود بعد أن وقف على حكايتهما في بعض الكتب وقام بواجب ينم عن شعور يحمد عليه.
وهكذا الأمم تحتفظ بذكرى المبرزين في ميادين العمل وتقوم بواجبها نحوهم بإقامة "الركائز" والحفلات وتأليف الكتب عنهم والمقالات تأييداً لأعمالهم وحفظاً لذكراهم على ممر الدهور.
لم يصل القائد العربي عقبة بن نافع في صدر الدولة الأموية إلى بحر الظلمات مجتازاً افريقية الشمالية كلها إلا اعتقاداً منه أنه أمام واجب ديني حق عليه القيام به فتغلغل في تلك الأصقاع النائية حتى وصل مغرب الشمس على شاطئ البحر الخضم الزاخر الذي أوقفه مذهولاً مسلطاً سيفه في الآفاق قائلاً: اشهدك اللهم لو لم يكن هذا البحر مانعاً لمضيت فيه رافعاً اسم جلالك.
وألقى طارق بن زياد خطابه المعلوم على قبضة من المجاهدين الأبرار الذين اخلصوا لله الدين وللوطن الواجب مبيناً لهم أن الخير أمامهم والغرق وراءهم حتى نفذت كلماته إلى نفوسهم فاقتحموا الأندلس وكتبت على جباههم آيات ظفر سطره التاريخ في صحائفهم الذهبية وما زال الواجب يحدوهم للسير في مضماره الأمين حتى نشروا في تلك الأصقاع المدنية الإسلامية بعدما كانت تئن تحت كابوس حكامها الظالمين، فانتقلت بهديهم من الظلمات إلى النور ونعمت في بحبوحة العدالة العربية النقية. ومما لا ريب فيه انه لو لم يقم القائد العربي بالواجب لما وصلت تلك الدعوة السامية إلى ما وراء البحار ولما أنقذت تلك البلاد من براثن الاستبداد، وقامت فيها مدنية زاهرة مضت عليها عصور وما زالت ماثلة للتاريخ نشاهد آثار عظمتها إلى يومنا هذا وقد اعترف المدققون المنصفون من العلماء الغربيين أن هذه الفتوحات لو دامت دون أن يقف في سبيلها جهل القرون الوسطى وظلماتها لكانت أوربا اليوم ارسخ قدماً في طريق المدنية وأروع أثراً ونفعاً في مؤسساتها النافعة من حالتها الحاضرة، ولكانت أسلم عاقبة من الوجهة الأخلاقية التي تنقذها من نيران الأحقاد المحرقة التي تتأجج في أحشائها تلك الأحقاد التي صرفت جهود البشر إلى التفنن في التسليح واختراع أساليب الإفناء فكانت نتائجها شؤماً على الإنسانية البريئة وخطراً دائماً في طريق السلم العام الذي يحاول محبو السلام عبثاً الوصول إليه بوضع قواعد يسير عليها البشر من إنشاء جمعيات أممية ومؤتمرات دولية تسعى لتخفيف ويلاته بتحديد التسليحات ومنع استعمال الغازات السامة وإلغاء المدمرات على المساكن إلى غير ذلك من تحديد أضرارها في المجتمع المعذب.
وفي الغرب كما في الشرق رجال عرفوا قدر الواجب فقاموا بنصرته من هؤلاء نلسن الرجل الانكليزي العظيم الذي قال مخاطباً جنود الأساطيل التي كان يقودها في الموقعة البحرية التي التهمت معظمها أو كادت وهي: "إن الأمة الانكليزية اليوم تتطلب إلى كل فرد من أفرادها أن يقوم بواجبه نحوها".
كان لهذه الكلمات التي تكلم بها نلسن حينما خر جريحاً وهو يلفظ آخر نفس من حياته وقع عجيب في نفس كل فرد من أفراد الأسطول استفزه وجعله يزأر كالأسد بوغت في عرينه غير مبال بما اعتراه من الكلل والملل من حرب طاحنة كان لا يرى فيها بصيص نجاح ولا وميض خلاص، السماء من فوقه والماء من تحته، تتقاذفه النيران عن يمينه وعن شماله، لا ملجأ يأوي إليه ولا مفر، فإذا لم يقتحم الخصم فمصيره حتماً إلى الغرق والاضمحلال.
في تلك الساعة الرهيبة التي أدى بها كل فرد واجبه الوطني نحو أمته متأثراً بكلمة قائده الأعلى، كان الظفر محل الفشل وحل الإخلاص مكان الغرق والهلاك.
إن هذه الجملة التي ألقاها نلسن في الساعة الأخيرة مركبة من كلمات محدودات لكنها زفرات صعدت من القلب فأثرت في القلوب، وهيجت دماً فار فائره في العروق، وكذلك الأعمال التي قامت بها الجنود هي أعمال بسيطة أيضاً ليس فيها ما يستوجب التعمق بالتفكير والتعب الشديد، ولكن ما نجم عن تلك الأعمال البسيطة من النتائج الكبرى جعل دولة بريطانيا العظمى صاحبة الأملاك الشاسعة وسيدة البحار اليوم.
مات نلسن بعيد النتيجة الحاسمة لتلك الحرب الضروس، ولكنه مات مستريح الضمير بعد أن قام بالواجب المتحتم عليه، وشاهد نور الظفر يتلألأ فوق رأس أمته فراح إلى مقره الأخير مخلداً صحائف ذهبية في تاريخ أمته، وذكريات كبيرة في قلوب أبنائها لا يمحيها كر العصور.
وأني لأذكر أن قائد الدانمرك على ما أظن صاح بجنوده قائلاً: إن لدي رسالة خطيرة قد تودي بحياة حاملها فمن يوصلها إلى حيث أريد في سبيل الوطن وسأصرف عنكم وجهي كي لا يستحي أحدكم فيتقدم لذلك خجلاً. ولما عاد إليهم بوجهه وجد الصف كله تقدم خطوة إلى الأمام. هذه هي التضحية الصحيحة في ساعات الخطر بدون رياء أو نفاق.
ما الذي حمل الفتاة جان داك على إنقاذ وطنها غير التفاني في سبيل الواجب؟ أليس ذاك الصوت البليغ صوت الواجب الذي استفزها فأوحى لها التسابق إلى حب الموت مع الفوارق التي بينها وبين الكثيرين من الرجال الذين يحملون معرة هذا الواجب وكأن هذا الشعور المفاجئ هتف بها قائلاً:
"أدركي شعبك من يد العسف والغدر، وأنقدي بلادك من حروب متوالية لا تقف إلا لتستعيد شدتها وتجدد أوارها، خربت البلاد وقطعت أوصال الأمة وكادت تقضي على البقية الباقية منها".
أجل بتأثير الواجب فقط وما يتولد عنه من قوى جبارة تمثلت في تلك الروح الرقيقة قامت هذه الفتاة فناضلت وجاهدت حتى أنقذت بلادها من هوة الهلاك بعد أن استولى العدو على قسم كبير منها خلال حروب المئة عام فكان يوم إحراقها يوماً مذكوراً، يوماً تحتفل به الأمة الافرنسية بذكرى خلاصها وتقدير شعور الواجب الذي حدا بالفتاة للتضحية في سبيله وستحتفل بذكراها ما دام فيها عروق تنبض ودماء تجول.
وقد تختلف حدود الواجب عند بعض الأمم تبعاً للتقاليد ففي الشرق البعيد أمة عظيمة تبلغ نحو سبعين مليوناً من الأفراد سبقت الأمم الشرقية بإدراك كنه الواجب الوطني وحب الموت في سبيله، ومعلوم أن الاميرال الياباني توغو الذي دمر الأسطول الروسي حتى لم يبق له أثر وفتح أمام الجيش الياباني طريق الظفر النهائي دعاه هذا الواجب الوطني الخالص إلى واجب تقليدي قومي وهو الموت في حب عاهله الكبير (!؟) فانتحر بعد مدة من انتصاره حينما مات الميكادو ليبين لأمته وللملأ أجمع مقدار تقديره الواجب.
وليس ذلك بمستبعد على الأمة اليابانية المملوء بمثل هذه التضحيات في تاريخها الحديث التي يتسابق إليها كل ياباني ذكراً كان أم أنثى، يسمعها المرء بكل إعجاب فتعلمه التفاني وتدربه على الموت الشريف في سبيل الواجب مصداقاً لقول الشاعر عنها:
هكذا الميكادو قد علمنا
أن نرى الأوطان أماً وأبا
فإذا سمعنا مآثر هذه الأمة الشرقية تنتشر أخبارها في ربوع العالم أجمع بما فيه دول الغرب العظيمة فيجب أن لا نستعظم ذلك لأن كل فرد من أفراد هذه الأمة يتفانى في سبيل الواجب ويرى نفسه سعيداً إذا مات من أجل القيام به.
فإذا انتحر القائد الياباني في حب الامبراطور فخليق بالمسلم أن يضحي بنفسه ونفيسه في سبيل نصرة أمر الله سبحانه. توقعات الابراج 2017 وهذه بعض الاسماء التي يبحث عنها الأشخاص عبر الإنترنت، توقعات برج الحمل 2017 - توقعات برج الاسد 2017 - توقعات برج الجوزاء 2017 - توقعات برج الجدي 2017 - توقعات ماغى فرح 2017 - توقعات برج السرطان 2017 - توقعات جاكلين عقيقي 2017 - توقعات برج الدلو 2017 - توقعات برج الثور 2017 - توقعات برج القوس 2017 - توقعات برج الحوت 2017 - توقعات برج الميزان 2017 - توقعات عبد العزيز الخطابي 2017 - توقعات سمير طنب 2017 - توقعات ثابت الحسن 2017 - توقعات برج العقرب 2017 - توقعات برج العذراء 2017 - توقعات جوي عياد 2017 - توقعات رجوى سعيد 2017 - توقعات كارمن شماس 2017 - توقعات نجلاء قباني 2017 - توقعات نيفين ابو شالة 2017 - توقعات مايك فغالي 2017 - توقعات ميشال حايك 2017 - توقعات عبير فؤاد 2017 - توقعات ليلى عبد اللطيف 2017
يظهر مما بيناه أن حب الواجب فضيلة تنشأ في الإنسان وللبيئة تأثير قوي في إنمائها وإضعافها حسب ما فيها من عوامل الحياة أو دواعي الفناء.
فالأمم التي ضعف تقديرها للواجب يعسر عليها النهوض من كبوتها فلا تتمكن من الذود عن كيانها إذ ليس لها من أفرادها من يرد الضيم عنها لتتحرر وتتقدم التقدم المنشود بل ربما قضي عليها إذا كانت تمشي الهوينى إلى غايتها في هذا العصر عصر الكهرباء والطيارة والمذياع.. الذي يستلزم النهوض السريع بخطىً ثابتة جريئة.
ومن أعظم الأمثلة على ذلك أمم البلقان الصغيرة التي بنت نهضتها على اقتباس النافع بالسير السريع حتى توصلت إلى غايتها القومية وهذا ما يثبت لنا جلياً أن الأمة الناهضة من سباتها إذا سارت نحو ضالتها المرسومة بخطىً سريعة وخطة حكمية وصلت إلى بغيتها.
يضيق بنا المقام في هذه العجالة عن ذكر أمثلة كثيرة تتعلق بالواجب المفروض على كل فرد والتاريخ مملوء بمثل هذه الحوادث التي ذكرناها والتي هيأت الجماعات البشرية للتقدم والرقي المنشودين في ميادين السباق وقد اقتصرنا على ما ذكرناه منها وفيه كفاية لمحبي النهوض وأن القيام بالواجب أمر سهل جداً إذا أعد المرء له عدته من حزم وإقدام وعده أمراً محتماً لا مفر منه.
وواجب الأمة مشاع؛ فليقم كل منها بما وجب عليه سواء قام بذلك الآخرون أو تقاعدوا. وهكذا فقد تتألف من أعمال الأفراد مجموعة قوة جليلة تدفع سفينة الأمة فتوصلها إلى ساحل الحياة السعيدة.
شيء واحد يضمن للمرء التوفيق أثناء القيام بالواجب هو الإرادة الحازمة مع النظام الذي يقتحم كل عثرة تعترض سبيل العاملين.
وقد آن أن نجد هذه الإرادة الصلدة في أبناء هذا الشرق البائس الذي توالت عليه خطوب في كل منها دروس وعظات جليلة تحرك الهمم وتدفع كل من له لب وقلب إلى العمل الجسدي والسعي الحثيث في سبيل المصالح العامة، نعم إننا نجد في الشرق شيئاً من هذا ولكنه غير كاف، ولا نـزال نحن لرؤية العاملين مجتمعين لا منفردين ومتفقين لا مختلفين وآملين لا قانطين.
ألا وإن للجمعيات الإصلاحية كجمعية التمدن الإسلامي التي من غايتها السعي للإصلاح بالإسلام الحنيف بعيداً عن كل ما نسب إليه وهو منه بريء أثراً كبيراً في تقوية الشعور بالواجب الذي ضعف في أفراد الناس فضعفوا في الحياة وخذلوا أمام أمم الحياة فلنساعد الجمعيات الإصلاحية المخلصة مادة ومعنى فهي من أجل ما يدعو إلى الوصول للحياة الحرة المنشودة.
ليحرص كل فرد منا على إنماء الشعور بالواجب في رعيته، فعلى الأب تقويته في أبنائه، وعلى الأستاذ تنشيطه في تلاميذه، وعلى قادة الأمة أن يحببوه إلى أفرادها فإن في هذا كله دواء ناجعاً تحرص جمعية التمدن الإسلامي ومجلتها على بيانه بحقيقته قياماً بالواجب.
المصدر: مجلة التمدن الإسلامي، السنة الأولى، العدد الأول، 1354هـ
بنت مثقفة- نشط ثلاثة نجوم
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى