البوبار........ نماذج سودانيه

البوبار..نماذج سودانية

جلست الحاجة (نفيسة) وسط الصالة وهى تلوح بغوائش الذهب التى تلف ساعديها وهى تحكى لمجموعة النساء التى اجتمعت لحضور مراسم الزواج تفاصيل زيارتها الاخيرة لابنها المغترب باحدى الدول الخليجية وهى تعطى الامر بعض التشويق بطريقتها الدرامية فى السرد عن ايام الراحة والانبساط التى قضتها هناك .. ولم تتوقف عند ذلك بل دلفت الى العمارة ذات الاربعة طوابق التى شرع الابن المغترب فى بناها باحد احياء العاصمة الراقية .. وزادت الامر بالحديث عن زواج ابنتها الاسطورى ..
وليست الحاجة (نفيسة) وحدها التى تعيش (المتعة) فى التفشخر والتباهى بما حققه الابناء ولكن الحكاوى ممتدة للكثيرين من يجدون متعة فى ذلك (ضاغطين) على اعصاب مجموعة المستمعين (الفقراء) الذين ينظرون احيانا للامر كالاساطير او الحكاوى الهلامية ..
(1)
اهلنا يطلقون عليه (البوبار) ويحلونه بلفظ (الفشخرة) وباللغة العربية يطلق عليه (التباهى) ويستعيرطلاب الجامعات فلسفيا اللفظ الانجليزى (شو) لتعريفه وكل هذه مسميات تصب فى خانة الـ(انا) والحديث عن النفس والسلطة والمال بالاضافة للامكانيات الجسدية والنفسية .
الدراسات تقول ان حب الظهور والمباهاة جزء من الغريزة وتنازع البقاء وهو انحراف سلوكى مسئول عن العديد من الانحرافات السلوكية الاخرى حيث يدفع البعض الى السرقة والانحراف الاخلاقى والغش والكذب فى سبيل الوصول للصورة التى كان قد رسمها لنفسه فى عيون الآخرين .
(2)
تحاول سحر ان ترسم لنفسها صورة زاهية فى عيون زملاء العمل بحديثها المتكرر عن حياة الترف التى تعيشها هى (وحيدة) والدها المسئول الكبير باحدى الشركات ووالدتها الطبيبة وتحاول ان تضع لنفسها هالة بحديثها المنمق واصرارها بعدم تناول بعض الاكلات التى ترى بانها لا تليق بالاسر المخملية الراقية .
فهى ربما كانت تعتقد فى دواخلها بان جمالها الساحر لا يستحق الا ان يكون فى مستوى حياة مختلفة رسمتها (وحدها) واخذت تبثه لمن حولها متناسية بان اكاذيبها التى امتدت لعدة اشهر صارت مكشوفة حتى صار حديثها المستمر عن مستوى الحياة التى تعيشها مسار همز ولمز الزملاء وصارت هى تعانى من الديون التى تراكمت على اكتافها ومطاردة الدائين لها فى محاولتها ابراز مظاهر الثراء بصرف بزخى غير مبرر.

(3)
فى كافة مناسبات الافراح وخيم الاتراح يجتمع الناس حول الحاج (مبروك) وهو يسرد بحديثه الشيق اللبق رحلته الطويلة نحو الثراء وكيف انه اجتهد كثيرا ليجمع هذه الاموال الطائلة التى يمتلكها رغم ان الروايات الجانبية لسكان المنطقة تشكك فى مصداقية ثروته المذعومة فهيئته البسيطة وجلبابه العتيق الذى ظل يلازم جسده النحيل فى كافة المناسبات لايوحى بامتلاكه مليما واحدا ناهيك عن المشاريع الزراعية الممتدة بحدود البصر والمنازل المتعددة المفرقة بين الريف والحضر والاموال الطائلة التى تزدحم بها البنوك وهو دائما مايختم حديثه مستشهدا بالاية الكريمة (واما بنعمة ربك فحدث) خوفا من العين كما يقول ..ولكن اموال الحاج مبروك تظل بلا قيمة الا من خلال متعة الفشخرة التى ظل يمارسها لسنوات طويلة..
(4)
البوبار والفشخرة مرض اجتماعى ضرب كافة القطاعات حتى صار المظهر العام للمنزل والملبس يرتقى فوق الاكل والشرب والعلاج احيانا .. فبالنظر لنفسك تجد انك فوخار جدا .

اعتذر احبتى عن عدم التمكن من تحميل الصوره

شكرا ابو الزهور على المرور ولك التحيه