البخل والبخلاء

قيل بخلاء العرب أربعة الحطيئة وحميد الأرقط وأبو الأسود الدؤلي، وخالد ابن صفوان.
فأما الحطيئة فمر به سائل وهو على باب داره وبيده عصا، فقال له: أنا ضيف فأشار الحطيئة إلى العصا وقال: لكعاب الضيوف أعددتها.
وأما حميد الأرقط فكان هجاء للضيوف فحاشا عليهم، نزل به مرة ضيوفا فأطعمهم تمرا وهجاهم وذكر أنهم أكلوه بنواه.
وكان أبو الأسود يقول: لو أطعمنا المساكين من أموالنا كنا أسوأ حالا منهم.
أما خالد بن صفوان فكان يقول للدرهم إذا دخل عليه: يا عيار وكم تطرف وتطير لأطيلن حبسك، ثم يطرحه في الصندوق ويقفل عليه فلا يرى بعد ذلك شمسا. ولا يظهر له صوت.
وقال بن أبي فنن في البخل:
ذريني واتلافي لمالي فإنني
أحب من الأخلاق ما هو أجمل
وإن أحق الناس باللوم شاعر
يلوم على البخل الرجال ويبخل

وكان المنصور شديد البخل، مر به مسلم الحادي في طريقه للحج فحدا له يوما بقول الشاعر:
أغر بين الحاجبين نوره
يزينه حياؤه وخيره
ومسكنه يشوبه كافوره
إذا تغذى رفعت ستوره
فطرب المنصور وقال يا ربيع أعطه نصف درهم، فقال مسلم: نصف درهم؟. لقد حدوت لهشام فأمر لي بثلاثين ألف درهم. فقال: تأخذ من بيت مال المسلمين ثلاثين ألف درهم، يا ربيع وكل به من يستخلص منه هذا المال. قال ربيع فمازلت أمشي بينهما واروضه حتى شرط مسلم على نفسه أن يحدو له في الذهاب والإياب بغير مؤونة.
وقال شاعر في أبو دلف الذي كان كريما في ماله بخيلا في اطعام الغير أو الاستضافة:
أبو دلف يضيع ألف ألف
ويضرب بالحسام على الرغيف
أبو دلف لمطبخه قتار
ولكن دونه سل السيوف

وهناك قصة رجل بخيل من أهل مرو الذين اشتهروا بالبخل الجماعي، أصيب في صدره، فوصف له الطبيب شراب النخالة فشفي، بعد أن طبخت وشُرب ماؤها، فلما حضر موعد غدائه أمر بالنخالة، وفي العشاء كذلك، وقال لامرأته اطبخي لأهل بيتنا نخالة فإني وجدت ماءها يعصم ويجلو الصدر. فقالت له زوجته: لقد جمع لك الله في النخالة غذاء ودواء.

قيل كذلك في هجاء رجل يدعى عيسى اشتهر ببخله :
يُقتِّرُ عيسى على نفسهِ
وليس بباقٍ ولا خالدِ
فلو يستطيعُ لتقتيـرهِ
تنفَّسَ من مِنْخَرٍ واحدِ

اللهم إني أعوذ بك من البخل

اشهر البخلاء ابو عبدالله وابو السارة ..بخلاء الجاحظ..ونختار منهم:
1.قِيل لبخيل: قد رضيت بأن يقال: عبد الله بخيل.

قال: لا أعدمني الله هذا الاسم.

قلت: كيف؟.

قال: لا يقال فلان بخيل إلا وهو ذو مال، فسلم إلي المال، وادعني بأي اسم شئت.
2.ليلى الناطعية ولبس المرقع:

ـ ما زالت ليلى الناطعية ترفع قميصاً لها وتلبسه، حتى صار القميص الرقاع، وذهب القميص الأول، ورفت ( أصلحت ) كساءها ولبسته، حتى صارت لا تلبس إلا الرفو، وذهب جميع الكساء وسمعت قول الشاعر:

البس قميصك ما اهتديت لجيبه فإذا أضلك جيبه فاستبدل

فقالت: إني إذاً لخرقاء، أنا والله أحوص ( أخيط ) الفتق وفتق الفتق وأرقع الخرق وخرق الخرق.

3. البخيل بالبخور:
قال بخيل: حبذا الشتاء فإنه يحفظ رائحة البخور، ولا يحمض فيه النبيذ إذا ترك مفتوحاً، ولا يفسد فيه مرق إذا بقي أياماً، وكان لا يتبخر إلا في منازل أصحابه، فإذا كان في الصيف دعا بثيابه فلبسها على قميصه لكيلا يضيع من البخور شيء.

4. يسمعون بالشبع ويتهمون بأكل الهاضمات:

قال الجاحظ: وحثني أبو الأصبغ بن ربعي قال: دخلت عليه بعد أن ضرب غلمانه بيوم، فقلت له: ما هذا الضرب المبرح، وهذا الخلق السيىء؟ هؤلاء غلمان، ولهم حرمة وكفاية وتربية، وإنما هم ولد هؤلاء كانوا إلى غير هذا أحوج.

ـ قال: إنك لست تدري أنهم أكلوا كل جوارشين. ( بضم الجيم ـ أي: الأدوية الهاضمة ) كان عندي.

ـ قال أبو الأصبع: فخرجت إلى رئيس غلمانه فقلت: ويلك!! مالك وللجوارشن وما رغبتك فيه؟ قال: جعلت فداك: ما أقدر أن أكلمك من الجوع إلا وأنا متكىء، الجوارشن ماذا أصنع به؟ هو نفسه ليس يشبع، ولا يحتاج إلى الجوارشن ونحن الذين إنما نسمع بالشبع سماعاً من أفواه الناس، ما نصنع بالجوارشن.

وكل عام جديد ونحن ابعد ما نكون عن الفقر والبخل