الصراع بين تشاد و السودان ..أحجار على رقعة شطرنج
صفحة 1 من اصل 1
الصراع بين تشاد و السودان ..أحجار على رقعة شطرنج
الصراع بين تشاد و السودان ..أحجار على رقعة شطرنج
الاحد 29 جمادى الأولى 1430 الموافق 24 مايو 2009
عبدالمنعم منيب
أفضل ما يمكن أن نصف به الصراع الحالي بين تشاد والسودان الآن هو "أحجار على رقعة شطرنج", حيث كل القوى المشاركة ظاهرًا في الصراع عبر الحدود السودانية التشادية هي بيادق للاعبين كبار حقيقيين على رقعة شطرنج السياسة الدولية, هذا طبعًا باستثناء حكومة السودان، فحكومة ثورة الإنقاذ بالسودان تحاول أن تظل مستقلةً في قيادة السودان، لكنَّ الظروف الدولية والإقليمية بل وظروف السودان الداخلية كلها تدفع حكومة السودان للركوع قَسْرًا لإرادة الإمبريالية الفرنسية والأمريكية بل والإسرائيلية .
صحيحٌ أن السودان لا يزال يقاوم، لكن هذه المقاومة لم تُؤَدِّ إلا تحويل الركوع المطلوب منها إلى مجرد انحناء، وهذا الانحناء تأمل حكومة الإنقاذ بالسودان أن يكون عابرًا لعاصفة عاتية؛ كي يمر، لكن لا يعلم إلا الله، هل ستَقْنَعُ هذه العاصفة من السودان بالانحناء فقط، و تمر لحال سبيلها، أم أنها ستُصِرُّ على تركيع حكومة السودان أمام مخططاتها؟
الخطوة الأولى للإجابة على هذا السؤال هي معرفة مَنْ هم اللاعبون الكبار الذين يلعبون في الصراع الدائر بين الجارتين المسلمتين؟
و الخطوة الثانية: فهم الكيفية التي يلعبون في هذا الصراع؟
أول اللاعبين الكبار فرنسا، التي يمتد نفوذها بشكل أو بآخر بعدد من الدول الإفريقية، بما يحلو للبعض بتسميته بالحزام الفرنسي، الذي يبدأ من شواطئ المحيط الأطلنطي من المغرب، مارًّا بتونس، والجزائر، وموريتانيا، وتشاد، وإفريقيا الوسطى (وكلها تتكلم الفرنسية لسانًا وثقافة) ثم تصطدم بالسودان فتجدها حاجزًا كبيرًا بينها و بين قواعدها العسكرية في جيبوتي على ساحل البحر الأحمر.
ولفرنسا قواتٌ في تشاد تُقَدَّرُ بما بين 950 و 1100 عسكريٍّ، مدعومين بقوة جوية, وتشكل القوات المنتشرة في تشاد منذ 1986 مع الفوج السادس من مشاة البحرية الفرنسيين المتمركز في ليبرفيل (الغابون)، ركيزةَ الوجود العسكري الفرنسي في وسط إفريقيا، بعد اغلاق القواعد الفرنسية في إفريقيا الوسطى.
و هذه القوات مُوَزَّعَةٌ بين نجامينا العاصمة التشادية وأبيشي (شرق) ووحدة صغيرة في فايا لارغو في الشمال, ويتلقى الجنود الفرنسيون دَعْمًا جويًّا من خمس مقاتلات «ميراج» وطائرات شحن (ترانسال سي ـ 160 وهيركول سي ـ 130) ومروحيات.
وتقدم القوات الفرنسية في تشاد مساعدةً لوجيستيةً للجيش التشادي, ولفرنسا وجودٌ شِبْهُ دائِمٍ في تشاد منذ الاستقلال في 1960, وكانت القوات الفرنسية نُشِرَتْ في فبراير 1986 للتصدي للهجمات الليبية على نظام الرئيس التشادي السابق حسين حبري (1982ـ 1990) وعدد القوات الفرنسية مُتَقَلِّبٌ تَبَعًا لمستويات التوتر، وقد وصل إلى نحو ثلاثة آلاف عنصر في بعض الأوقات.
و القوات الفرنسية تدَخَّلَتْ لحماية الرئيس التشادي إدريس ديبي عندما تدهور موقفه العسكري أمام حركة التمرد العام الماضي, كما أنها تصَدَّتْ للمتمردين ودَحَرَتْهُم على بعد أميالٍ قليلةٍ من القصر الرئاسي أيضًا عام 2006م.
وتأتي المساندة الفرنسية لرئيس تشاد الحالي بسبب تَبَعِيَّتِه لفرنسا بما يحقق لها هدفين:
الأول- الاستيلاء على ثروات تشاد الْمُتَمَثِّلة في الذهب والبترول واليورانيوم.
الثاني- الانطلاق من تشاد لتغذية التمرُّدِ في دارفور، ومن ثم زَعْزعة استقرار السودان، وتفتيته، والقضاء على حكومته ذات التوجه الاستقلالي إزاء الغرب، مما يُسَهِّلُ لها ولحليفتها الولايات المتحدة نَهْبَ ثروات السودان وخدمة إسرائيل بضرب دولةٍ تَدْعَمُ المقاومة ضِدَّها، وتُشَكِّلُ عمقًا استراتيجيًّا لأكبر دولة عربية، وهي مصر.
وليس خافيًا أن عبد الواحد محمد نور زعيم حركة تحرير السودان المتمردة في دارفور يُقِيم في فرنسا، ومن هناك يُدِير التمَرُّدَ المسلح في دارفور، ويرفض أيَّ تفاوض مع الحكومة السودانية.
والولايات المتحدة الأمريكية هي اللاعب الكبير الثاني في الصراع التشادي السوداني، وهي بذلك مُتَعَاوِنَةٌ مع فرنسا وسائر اللاعبين الغربيين في الساحة الإفريقية عامةً، وساحة تشاد والسودان خاصَّةً, فالكل متعاونون ضد أربعة أمور:
1- الإسلام؛ حيث غالبية سكان تشاد و دارفور من المسلمين.
2- حكومة السودان ذات الطبيعة الإسلامية المناوئة بدرجةٍ ما للمطامع الغربية ولإسرائيل.
3- تطويق مصر استراتيجيًّا؛ حيث تُمَثِّلُ السودان عمقًا استراتيجيًّا لمصر، يُمكن من خلاله حَلُّ الكثير من مشكلات مصر والسودان، خاصَّةً المشكلات الاقتصادية والعسكرية، لو صدقت النيات، وتَوَفَّرَتِ الإرادة الصادقة لذلك, والغرب يتحَسَّبُ من قدوم هذه اللحظة التي تتوفر فيها الإرادة السياسية الصادقة لتحقيق ذلك في كُلٍّ من مصر والسودان، فيريد أن يُقَطِّعَ أوصال السودان؛ لئلا يتاح ذلك النهوضُ لمصر والسودان في يومٍ ما.
4- التصدي للصين التي تريد أن تجعل من إفريقيا مَوْرِدًا في مجال المواد الخامِّ عامةً، والبترول واليورانيوم خاصةً، لاقتصادها الضخم المتنامي، في منافسةٍ قَوِيَّةٍ مع الإمبريالية الغربية في إفريقيا, والسودان بالذات هي أولُ مَنْ دعا الشركات الصينية وأفسح المجال لها، خاصة في مجال استخراج النفط، بهدف كَسْرِ الحصار الغربي المضروبِ عليها.
ولم تَقْوَ فرنسا طبعًا بمفردها على مقاومة النفوذ الصيني المتنامي في إفريقيا، فكانت زيارة الرئيس الأمريكي كلينتون في عام 1998م، ومن بعده بوش عام 2003م هي إشارةَ البدء الأمريكية لمنافسة الوجود الصيني والفرنسي في إفريقيا, لكنّ فرنسا في عهد ساركوزي صارتْ أكثرَ تعاوُنًا مع الولايات المتحدة، ومن ثم اعتَبَرَ كثيرٌ من المراقبين أن ساركوزي حَلَّ محل بلير في علاقته بأمريكا, ومن أبرز مظاهر ذلك التفاهم الفرنسي الأمريكي هو الموقف في تشاد والسودان.
أما الكنائس الغربية، كاثولوكية، وبروتستانية، فهي اللاعب الكبير الثالث في الصراع السوداني التشادي, يقول القس "أشو غيري" وزير خارجية الفاتيكان، منذ ست سنوات: " إنّ ما ننفقه في تشاد الآن لكونها من أفقر دول العالم ، نستردّه بكلِّ يُسْر خلال السنوات الأربع القادمة؛ لأنَّ أراضي تشاد من أغنى الأراضي في إفريقيا، والموظفين التشاديين كلّهم أو 90% منهم تخرَّجُوا من مدارسنا …".
و قد بلغ عدد المنصّرين في تشاد عام 2001م فقط (6534) مُنَصِّرًا, منهم (260) يتقنون اللغات المحليّة ، و(15) منهم يتقنون اللغة العربية الفصحى، و(7) منهم حفظة للقرآن الكريم، و(3) علماء في علم الحديث وأصول الفقه، و(30) منهم من أبناء المسلمين الذين تعلَّموا في مدارسهم وتنصَّرُوا، وعدد المؤسسات التعليمية النصرانية حتى هذا التاريخ بلغت (3577) مؤسسة تعليمية ومهنية.
كما أن الكنيسة الأنجليكانية في الولايات المتحدة الأمريكية قد لعبتْ وما زالتْ تلعب دَوْرًا في الضَّغْطِ على القرار الأمريكي فيما يَخُصُّ السودان.
أما الاهتمام الكنسي بالسودان فبرز فيما قامت به الدائرة الألمانية الكاثوليكية عام 1981م، ومَقَرُّهَا بازل في سويسرا، وتبنت هذه الدائرة ألّا يصل الإسلام إلى المناطق المقفولة في الجنوب، وجبال النوبة، وجبال الأنقسنا في النيل الأزرق، و قد أصدر مؤتمر بازل في العام 1981م قرارَ تنصير دارفور، وكُلِّف المطران مكرم ماكس بإنجاز هذه المهمة.
وفي العام الحالي (2009م) بلغ عدد المنظمات التي تعمل لأغراض التنصير تحت غطاء العمل الإغاثي في دارفور أكثر من 60 منظمة.
و لا تغيب إسرائيل عن هذا الصراع فهي لاعِبٌ رئيس فيه، وقد تكوَّنَتْ في واشنطن منظمة "التحالف من أجل انقاذ دارفور" باعتبارها جهةً غير حكومية مَعْنِيّة بالضَّغْطِ على الإدارة الأمريكية للتدخل المباشر في دارفور, ومن الْمُلَاحَظِ أن أكثر من 80% من مُؤَسِّسي هذه المنظمة هم من الجمعيات المسيحية والصهيونية وثيقةِ الصلة بدولة اسرائيل, كما أن عبد الواحد محمد نور زعيم حركة تحرير السودان المتمردة في دارفور قد افتتح لمنظمته مكتبَ تَمْثِيلٍ واتصالٍ في إسرائيل، وأعلن مرارًا طلبه للمساعدة الإسرائيلية.
ويهدف الدَّوْرُ الإسرائيلي في السودان وتشاد إلى تطويق مَدِّ الدعوة الإسلاميةِ، وتفتيتِ السودان وإضْعَافِه، والقضاء على نظام الحكم ذي الصبغة العربية والإسلامية في السودان، ومن ثَمَّ تطويق مصر استراتيجيًّا، بالإضافة للفوز بحصةٍ من موارد السودان وتشاد من المعادن والبترول واليورانيوم.
إذا كان هؤلاء هم اللاعبين، وهذه هي أهدافهم، فما هي أساليبهم؟ وكيف يمكن مواجهتهم؟
يعتمد هؤلاء اللاعبون على أسلوب استنزاف الحكومة السودانية عسكريًّا، واقتصاديًّا عبر الصراع الدائم؛ لئلا تلتقطَ أنفاسَهَا، وتتفَرَّغَ لحل مشكلاتها، وتحقيق النهوض الاقتصادي والاجتماعي, فما إن فرغت من حرب الجنوب حتى فجَّرُوا لها حرب دارفور, وهذا الأسلوب الماكر سبقو أن استخدمه الغرب مع الخلافة العثمانية في القرن الـ 19 الميلادي و مطلع القرن الـ 20 حتى نجحوا في إنهاكِهَا ومن ثَمَّ إسقاطها.
و رغم أن حكومة السودان ضغطتْ دائمًا على جيرانها المساندين للتمرُّدِ (سواء الجنوبي أو الدارفوري) عبر حربٍ باردةٍ تساند عبرها منظماتٍ متمردةً في هذه الدول، حتى وصل الأمر أن معظم الحكومات المجاورة قد وصلت للحكم عبر مساندةٍ رئيسِيَّةٍ من حكومة الخرطوم، كما هو الحال في كلٍّ من إرتيريا وأثيوبيا، بل وتشاد نفسها....فإدريس دبي استولى على الحكم من سلفه حسين حبري المدعومِ من فرنسا عبر المساعدة السودانية، لكنْ سَرْعَان ما انقلبوا جميعًا ضد السودان؛ لأنهم مجرد كومبارس، إنما اللاعبون الحقيقيون هم الغرب والكنائس و إسرائيل, فالحل أن تضغط السودان على اللاعبين الحقيقين، وليس على الكومبارس الذين تحركهم أصابع اللاعبين الحقيقيين, ولابد أن يكون هذا الضغط قويًّا بنفس قوة الضغط الْمُوَجَّهِ ضد السودان.
و السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: كيف يتِمُّ هذا الضغط السوداني؟
و لن نجيب على هذا السؤال الآن، إنما سنترك "سون تزو" الخبير الصيني، صاحِبَ أقدمِ كتابٍ في علم الاستراتيجية؛ ليجيب بقوله: "مَنْ يَقْصُرُ نظره على ما هو واضِحٌ جَلِيٌّ ينتصرْ بصعوبة, ومن يتخَطَّ بصرُهُ حدودَ المعتاد ينتصرْ بسهولة".
الاحد 29 جمادى الأولى 1430 الموافق 24 مايو 2009
عبدالمنعم منيب
أفضل ما يمكن أن نصف به الصراع الحالي بين تشاد والسودان الآن هو "أحجار على رقعة شطرنج", حيث كل القوى المشاركة ظاهرًا في الصراع عبر الحدود السودانية التشادية هي بيادق للاعبين كبار حقيقيين على رقعة شطرنج السياسة الدولية, هذا طبعًا باستثناء حكومة السودان، فحكومة ثورة الإنقاذ بالسودان تحاول أن تظل مستقلةً في قيادة السودان، لكنَّ الظروف الدولية والإقليمية بل وظروف السودان الداخلية كلها تدفع حكومة السودان للركوع قَسْرًا لإرادة الإمبريالية الفرنسية والأمريكية بل والإسرائيلية .
صحيحٌ أن السودان لا يزال يقاوم، لكن هذه المقاومة لم تُؤَدِّ إلا تحويل الركوع المطلوب منها إلى مجرد انحناء، وهذا الانحناء تأمل حكومة الإنقاذ بالسودان أن يكون عابرًا لعاصفة عاتية؛ كي يمر، لكن لا يعلم إلا الله، هل ستَقْنَعُ هذه العاصفة من السودان بالانحناء فقط، و تمر لحال سبيلها، أم أنها ستُصِرُّ على تركيع حكومة السودان أمام مخططاتها؟
الخطوة الأولى للإجابة على هذا السؤال هي معرفة مَنْ هم اللاعبون الكبار الذين يلعبون في الصراع الدائر بين الجارتين المسلمتين؟
و الخطوة الثانية: فهم الكيفية التي يلعبون في هذا الصراع؟
أول اللاعبين الكبار فرنسا، التي يمتد نفوذها بشكل أو بآخر بعدد من الدول الإفريقية، بما يحلو للبعض بتسميته بالحزام الفرنسي، الذي يبدأ من شواطئ المحيط الأطلنطي من المغرب، مارًّا بتونس، والجزائر، وموريتانيا، وتشاد، وإفريقيا الوسطى (وكلها تتكلم الفرنسية لسانًا وثقافة) ثم تصطدم بالسودان فتجدها حاجزًا كبيرًا بينها و بين قواعدها العسكرية في جيبوتي على ساحل البحر الأحمر.
ولفرنسا قواتٌ في تشاد تُقَدَّرُ بما بين 950 و 1100 عسكريٍّ، مدعومين بقوة جوية, وتشكل القوات المنتشرة في تشاد منذ 1986 مع الفوج السادس من مشاة البحرية الفرنسيين المتمركز في ليبرفيل (الغابون)، ركيزةَ الوجود العسكري الفرنسي في وسط إفريقيا، بعد اغلاق القواعد الفرنسية في إفريقيا الوسطى.
و هذه القوات مُوَزَّعَةٌ بين نجامينا العاصمة التشادية وأبيشي (شرق) ووحدة صغيرة في فايا لارغو في الشمال, ويتلقى الجنود الفرنسيون دَعْمًا جويًّا من خمس مقاتلات «ميراج» وطائرات شحن (ترانسال سي ـ 160 وهيركول سي ـ 130) ومروحيات.
وتقدم القوات الفرنسية في تشاد مساعدةً لوجيستيةً للجيش التشادي, ولفرنسا وجودٌ شِبْهُ دائِمٍ في تشاد منذ الاستقلال في 1960, وكانت القوات الفرنسية نُشِرَتْ في فبراير 1986 للتصدي للهجمات الليبية على نظام الرئيس التشادي السابق حسين حبري (1982ـ 1990) وعدد القوات الفرنسية مُتَقَلِّبٌ تَبَعًا لمستويات التوتر، وقد وصل إلى نحو ثلاثة آلاف عنصر في بعض الأوقات.
و القوات الفرنسية تدَخَّلَتْ لحماية الرئيس التشادي إدريس ديبي عندما تدهور موقفه العسكري أمام حركة التمرد العام الماضي, كما أنها تصَدَّتْ للمتمردين ودَحَرَتْهُم على بعد أميالٍ قليلةٍ من القصر الرئاسي أيضًا عام 2006م.
وتأتي المساندة الفرنسية لرئيس تشاد الحالي بسبب تَبَعِيَّتِه لفرنسا بما يحقق لها هدفين:
الأول- الاستيلاء على ثروات تشاد الْمُتَمَثِّلة في الذهب والبترول واليورانيوم.
الثاني- الانطلاق من تشاد لتغذية التمرُّدِ في دارفور، ومن ثم زَعْزعة استقرار السودان، وتفتيته، والقضاء على حكومته ذات التوجه الاستقلالي إزاء الغرب، مما يُسَهِّلُ لها ولحليفتها الولايات المتحدة نَهْبَ ثروات السودان وخدمة إسرائيل بضرب دولةٍ تَدْعَمُ المقاومة ضِدَّها، وتُشَكِّلُ عمقًا استراتيجيًّا لأكبر دولة عربية، وهي مصر.
وليس خافيًا أن عبد الواحد محمد نور زعيم حركة تحرير السودان المتمردة في دارفور يُقِيم في فرنسا، ومن هناك يُدِير التمَرُّدَ المسلح في دارفور، ويرفض أيَّ تفاوض مع الحكومة السودانية.
والولايات المتحدة الأمريكية هي اللاعب الكبير الثاني في الصراع التشادي السوداني، وهي بذلك مُتَعَاوِنَةٌ مع فرنسا وسائر اللاعبين الغربيين في الساحة الإفريقية عامةً، وساحة تشاد والسودان خاصَّةً, فالكل متعاونون ضد أربعة أمور:
1- الإسلام؛ حيث غالبية سكان تشاد و دارفور من المسلمين.
2- حكومة السودان ذات الطبيعة الإسلامية المناوئة بدرجةٍ ما للمطامع الغربية ولإسرائيل.
3- تطويق مصر استراتيجيًّا؛ حيث تُمَثِّلُ السودان عمقًا استراتيجيًّا لمصر، يُمكن من خلاله حَلُّ الكثير من مشكلات مصر والسودان، خاصَّةً المشكلات الاقتصادية والعسكرية، لو صدقت النيات، وتَوَفَّرَتِ الإرادة الصادقة لذلك, والغرب يتحَسَّبُ من قدوم هذه اللحظة التي تتوفر فيها الإرادة السياسية الصادقة لتحقيق ذلك في كُلٍّ من مصر والسودان، فيريد أن يُقَطِّعَ أوصال السودان؛ لئلا يتاح ذلك النهوضُ لمصر والسودان في يومٍ ما.
4- التصدي للصين التي تريد أن تجعل من إفريقيا مَوْرِدًا في مجال المواد الخامِّ عامةً، والبترول واليورانيوم خاصةً، لاقتصادها الضخم المتنامي، في منافسةٍ قَوِيَّةٍ مع الإمبريالية الغربية في إفريقيا, والسودان بالذات هي أولُ مَنْ دعا الشركات الصينية وأفسح المجال لها، خاصة في مجال استخراج النفط، بهدف كَسْرِ الحصار الغربي المضروبِ عليها.
ولم تَقْوَ فرنسا طبعًا بمفردها على مقاومة النفوذ الصيني المتنامي في إفريقيا، فكانت زيارة الرئيس الأمريكي كلينتون في عام 1998م، ومن بعده بوش عام 2003م هي إشارةَ البدء الأمريكية لمنافسة الوجود الصيني والفرنسي في إفريقيا, لكنّ فرنسا في عهد ساركوزي صارتْ أكثرَ تعاوُنًا مع الولايات المتحدة، ومن ثم اعتَبَرَ كثيرٌ من المراقبين أن ساركوزي حَلَّ محل بلير في علاقته بأمريكا, ومن أبرز مظاهر ذلك التفاهم الفرنسي الأمريكي هو الموقف في تشاد والسودان.
أما الكنائس الغربية، كاثولوكية، وبروتستانية، فهي اللاعب الكبير الثالث في الصراع السوداني التشادي, يقول القس "أشو غيري" وزير خارجية الفاتيكان، منذ ست سنوات: " إنّ ما ننفقه في تشاد الآن لكونها من أفقر دول العالم ، نستردّه بكلِّ يُسْر خلال السنوات الأربع القادمة؛ لأنَّ أراضي تشاد من أغنى الأراضي في إفريقيا، والموظفين التشاديين كلّهم أو 90% منهم تخرَّجُوا من مدارسنا …".
و قد بلغ عدد المنصّرين في تشاد عام 2001م فقط (6534) مُنَصِّرًا, منهم (260) يتقنون اللغات المحليّة ، و(15) منهم يتقنون اللغة العربية الفصحى، و(7) منهم حفظة للقرآن الكريم، و(3) علماء في علم الحديث وأصول الفقه، و(30) منهم من أبناء المسلمين الذين تعلَّموا في مدارسهم وتنصَّرُوا، وعدد المؤسسات التعليمية النصرانية حتى هذا التاريخ بلغت (3577) مؤسسة تعليمية ومهنية.
كما أن الكنيسة الأنجليكانية في الولايات المتحدة الأمريكية قد لعبتْ وما زالتْ تلعب دَوْرًا في الضَّغْطِ على القرار الأمريكي فيما يَخُصُّ السودان.
أما الاهتمام الكنسي بالسودان فبرز فيما قامت به الدائرة الألمانية الكاثوليكية عام 1981م، ومَقَرُّهَا بازل في سويسرا، وتبنت هذه الدائرة ألّا يصل الإسلام إلى المناطق المقفولة في الجنوب، وجبال النوبة، وجبال الأنقسنا في النيل الأزرق، و قد أصدر مؤتمر بازل في العام 1981م قرارَ تنصير دارفور، وكُلِّف المطران مكرم ماكس بإنجاز هذه المهمة.
وفي العام الحالي (2009م) بلغ عدد المنظمات التي تعمل لأغراض التنصير تحت غطاء العمل الإغاثي في دارفور أكثر من 60 منظمة.
و لا تغيب إسرائيل عن هذا الصراع فهي لاعِبٌ رئيس فيه، وقد تكوَّنَتْ في واشنطن منظمة "التحالف من أجل انقاذ دارفور" باعتبارها جهةً غير حكومية مَعْنِيّة بالضَّغْطِ على الإدارة الأمريكية للتدخل المباشر في دارفور, ومن الْمُلَاحَظِ أن أكثر من 80% من مُؤَسِّسي هذه المنظمة هم من الجمعيات المسيحية والصهيونية وثيقةِ الصلة بدولة اسرائيل, كما أن عبد الواحد محمد نور زعيم حركة تحرير السودان المتمردة في دارفور قد افتتح لمنظمته مكتبَ تَمْثِيلٍ واتصالٍ في إسرائيل، وأعلن مرارًا طلبه للمساعدة الإسرائيلية.
ويهدف الدَّوْرُ الإسرائيلي في السودان وتشاد إلى تطويق مَدِّ الدعوة الإسلاميةِ، وتفتيتِ السودان وإضْعَافِه، والقضاء على نظام الحكم ذي الصبغة العربية والإسلامية في السودان، ومن ثَمَّ تطويق مصر استراتيجيًّا، بالإضافة للفوز بحصةٍ من موارد السودان وتشاد من المعادن والبترول واليورانيوم.
إذا كان هؤلاء هم اللاعبين، وهذه هي أهدافهم، فما هي أساليبهم؟ وكيف يمكن مواجهتهم؟
يعتمد هؤلاء اللاعبون على أسلوب استنزاف الحكومة السودانية عسكريًّا، واقتصاديًّا عبر الصراع الدائم؛ لئلا تلتقطَ أنفاسَهَا، وتتفَرَّغَ لحل مشكلاتها، وتحقيق النهوض الاقتصادي والاجتماعي, فما إن فرغت من حرب الجنوب حتى فجَّرُوا لها حرب دارفور, وهذا الأسلوب الماكر سبقو أن استخدمه الغرب مع الخلافة العثمانية في القرن الـ 19 الميلادي و مطلع القرن الـ 20 حتى نجحوا في إنهاكِهَا ومن ثَمَّ إسقاطها.
و رغم أن حكومة السودان ضغطتْ دائمًا على جيرانها المساندين للتمرُّدِ (سواء الجنوبي أو الدارفوري) عبر حربٍ باردةٍ تساند عبرها منظماتٍ متمردةً في هذه الدول، حتى وصل الأمر أن معظم الحكومات المجاورة قد وصلت للحكم عبر مساندةٍ رئيسِيَّةٍ من حكومة الخرطوم، كما هو الحال في كلٍّ من إرتيريا وأثيوبيا، بل وتشاد نفسها....فإدريس دبي استولى على الحكم من سلفه حسين حبري المدعومِ من فرنسا عبر المساعدة السودانية، لكنْ سَرْعَان ما انقلبوا جميعًا ضد السودان؛ لأنهم مجرد كومبارس، إنما اللاعبون الحقيقيون هم الغرب والكنائس و إسرائيل, فالحل أن تضغط السودان على اللاعبين الحقيقين، وليس على الكومبارس الذين تحركهم أصابع اللاعبين الحقيقيين, ولابد أن يكون هذا الضغط قويًّا بنفس قوة الضغط الْمُوَجَّهِ ضد السودان.
و السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: كيف يتِمُّ هذا الضغط السوداني؟
و لن نجيب على هذا السؤال الآن، إنما سنترك "سون تزو" الخبير الصيني، صاحِبَ أقدمِ كتابٍ في علم الاستراتيجية؛ ليجيب بقوله: "مَنْ يَقْصُرُ نظره على ما هو واضِحٌ جَلِيٌّ ينتصرْ بصعوبة, ومن يتخَطَّ بصرُهُ حدودَ المعتاد ينتصرْ بسهولة".
أزهرى الحاج البشير- مشرف عام
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى