الحكومة القومية بين ثقافة الحانوتية وفكر الإجماع الوطني
صفحة 1 من اصل 1
الحكومة القومية بين ثقافة الحانوتية وفكر الإجماع الوطني
الحكومة القومية بين ثقافة الحانوتية وفكر الإجماع الوطني
حسن أحمد الحسن
أثارت تصريحات الدكتور غازي صلاح الدين، بشأن اتجاه الحزب الحاكم إلى تشكيل حكومة قومية تضم جميع الأحزاب المعارضة التي شاركت والتي قاطعت الانتخابات، إحساسا بأهمية المرحلة القادمة ومتطلباتها، أثارت تلك التصريحات ردود أفعال متباينة في أوساط تلك القوى.
فبينما رحب حزب الأمة القومي بحذر باعتباره صاحب فكرة تشكيل حكومة انتقالية منذ البداية تمهد لقيام الانتخابات، ولدعوته المتكررة للإجماع القومي، رفض المؤتمر الشعبي مبدأ المشاركة مع الوطني، حتى لا يتشابه البقر الإسلامي على الناس، وقد ظل الشعبي كما قال زعيمه الترابي يميز مواقفه عن الوطني لأسباب معلومة تتعلق بالسيكلوجيا السياسية للأحزاب.
الحزب الاتحادي الديمقراطي لا يمانع، والحركة الشعبية طالبت بإشراك قوى جوبا في الحكومة القادمة، بغض النظر عن نتائج الانتخابات المعروفة سلفا التي صحب مسيرتها لغط كبير أودى بقيمتها السياسية من حيث كونها تحولا ديمقراطيا كاملا، لما شابها من شبهات التزوير والفوضى «الخلاَّقة» التي تفوقت فيها المفوضية على نفسها لتفرز لنا واقع ما بعد الانتخابات بكل تحدياته.
ولعل ما دفع المؤتمر الوطني لإطلاق مبادرة تشكيل حكومة قومية بعد الفوز المعلوم في الانتخابات حسب المراقبين، هو ما توفر من خروقات وعمليات تزوير وفوضى وانسحابات للمرشحين وعمليات مقاطعة لقوى مؤثرة، وعزوف لقطاع واسع من المواطنين أودى بروح التنافس العادل، وحول العملية الانتخابية إلى مجرد تمرين انتخابي لم يبلغ غاياته.
فضلا عن أن ما صحب هذه الانتخابات من تجاوزات ملأت أسماع وأبصار المراقبين، قد أودى بأية فرحة منتظرة للحزب الحاكم تحشد لها الدفوف والمزامير احتفالا بنصر مزعوم على منافسيه وقبرهم ديمقراطيا بعد حجرهم «20» عاما في غرفة الرعاية الشمولية المكثفة.
ثانيا: إن حجم التحديات التي ستجابه الحكومة القادمة ستكون كبيرة وفارقة في تاريخ السودان، مما لا يقدر عليه المؤتمر الوطني بمفرده، من استفتاء وانفصال يلحق به، وتداعيات قيام دولة جديدة في جنوب السودان بكل مشاكلها.
لكن لا بد من فهم أن الدعوة إلى الحكومة القومية من قبل المؤتمر الوطني التي يتبناها الرئيس وبعض مساعديه من الذين يستشعرون خطورة الوضع في السودان، قد لا تتوافق مع «رغبات حانوتية» المؤتمر الوطني من المتشددين الذين وعدوا الأحزاب الكبيرة بقبرها في الانتخابات بوسائلهم التي فُضحت وإلى الأبد، مما حدا بزعيم حزب الأمة القومي الإمام الصادق المهدي إلى وصف كبير عناترتهم بـ «حانوتي المؤتمر»، ولذلك ربما تقتصر نظرة هؤلاء لهذه المشاركة فقط من باب مداراة سوءة الانتخابات وما صحبها من موبغات للحصول على قبول هذه الأحزاب لنتائجها لإضفاء قدر من الشرعية.
وإذا تسيد هذا الفهم فسرعان ما سيقود إلى انفراط عقد أي إجماع وطني، مثلما أن أي تصرف للحزب الحاكم مع شركائه بمنطق أنه حزب فائز في الانتخابات وهو يتفضل عليهم بغض النظر عن تحفظات منافسيه على هذه الانتخابات وما شابها من تجاوزات تطعن في نزاهتها، سيؤدي إلى ذات النتيجة.
ومهما يكن فإن الدعوة إلى تشكيل حكومة قومية تعتبر دعوة عقلانية، إذا أحسنت مقاصدها وصلحت النوايا يمكن أن تسهم في تقليل حجم الانفجارات والمخاطر، وتعطي البلاد فرصة لالتقاط أنفاسها لمواجهة أقدارها القادمة.
وقد أثبتت التجربة الماثلة أن دعوة زعيم حزب الأمة إلى تحقيق الإجماع الوطني عبر صيغة الحكومة القومية أو الاتفاق على برنامج وطني قبل الانتخابات كانت صائبة، مثلما أثبتت الوقائع أن مقاطعة الأمة القومي والشيوعي والحركة في شمال السودان للانتخابات كانت تمثل قراءة متقدمة لمآل ومسار العملية الانتخابية التي لم يعد أحد يجادل في عدم نزاهتها، بل لم يعد أحد من المراقبين الدوليين ينكر ما صحبها من خلل قاتل وإن تجملاً.
وما بين ثقافة الإجماع الوطني والدعوة لحكومة قومية وبرنامج وطني شامل، وما بين ثقافة حانوتية المؤتمر الوطني الذين يريدون تعميق فكرة الإقصاء المباشر عبر القمع وغير المباشر عبر انتخابات غير نزيهة، يظل قدر العقلاء البحث عن مخارج لهذا الوطن المتعثر الذي لا يزال يبحث عن استراحة محارب.
حسن أحمد الحسن
أثارت تصريحات الدكتور غازي صلاح الدين، بشأن اتجاه الحزب الحاكم إلى تشكيل حكومة قومية تضم جميع الأحزاب المعارضة التي شاركت والتي قاطعت الانتخابات، إحساسا بأهمية المرحلة القادمة ومتطلباتها، أثارت تلك التصريحات ردود أفعال متباينة في أوساط تلك القوى.
فبينما رحب حزب الأمة القومي بحذر باعتباره صاحب فكرة تشكيل حكومة انتقالية منذ البداية تمهد لقيام الانتخابات، ولدعوته المتكررة للإجماع القومي، رفض المؤتمر الشعبي مبدأ المشاركة مع الوطني، حتى لا يتشابه البقر الإسلامي على الناس، وقد ظل الشعبي كما قال زعيمه الترابي يميز مواقفه عن الوطني لأسباب معلومة تتعلق بالسيكلوجيا السياسية للأحزاب.
الحزب الاتحادي الديمقراطي لا يمانع، والحركة الشعبية طالبت بإشراك قوى جوبا في الحكومة القادمة، بغض النظر عن نتائج الانتخابات المعروفة سلفا التي صحب مسيرتها لغط كبير أودى بقيمتها السياسية من حيث كونها تحولا ديمقراطيا كاملا، لما شابها من شبهات التزوير والفوضى «الخلاَّقة» التي تفوقت فيها المفوضية على نفسها لتفرز لنا واقع ما بعد الانتخابات بكل تحدياته.
ولعل ما دفع المؤتمر الوطني لإطلاق مبادرة تشكيل حكومة قومية بعد الفوز المعلوم في الانتخابات حسب المراقبين، هو ما توفر من خروقات وعمليات تزوير وفوضى وانسحابات للمرشحين وعمليات مقاطعة لقوى مؤثرة، وعزوف لقطاع واسع من المواطنين أودى بروح التنافس العادل، وحول العملية الانتخابية إلى مجرد تمرين انتخابي لم يبلغ غاياته.
فضلا عن أن ما صحب هذه الانتخابات من تجاوزات ملأت أسماع وأبصار المراقبين، قد أودى بأية فرحة منتظرة للحزب الحاكم تحشد لها الدفوف والمزامير احتفالا بنصر مزعوم على منافسيه وقبرهم ديمقراطيا بعد حجرهم «20» عاما في غرفة الرعاية الشمولية المكثفة.
ثانيا: إن حجم التحديات التي ستجابه الحكومة القادمة ستكون كبيرة وفارقة في تاريخ السودان، مما لا يقدر عليه المؤتمر الوطني بمفرده، من استفتاء وانفصال يلحق به، وتداعيات قيام دولة جديدة في جنوب السودان بكل مشاكلها.
لكن لا بد من فهم أن الدعوة إلى الحكومة القومية من قبل المؤتمر الوطني التي يتبناها الرئيس وبعض مساعديه من الذين يستشعرون خطورة الوضع في السودان، قد لا تتوافق مع «رغبات حانوتية» المؤتمر الوطني من المتشددين الذين وعدوا الأحزاب الكبيرة بقبرها في الانتخابات بوسائلهم التي فُضحت وإلى الأبد، مما حدا بزعيم حزب الأمة القومي الإمام الصادق المهدي إلى وصف كبير عناترتهم بـ «حانوتي المؤتمر»، ولذلك ربما تقتصر نظرة هؤلاء لهذه المشاركة فقط من باب مداراة سوءة الانتخابات وما صحبها من موبغات للحصول على قبول هذه الأحزاب لنتائجها لإضفاء قدر من الشرعية.
وإذا تسيد هذا الفهم فسرعان ما سيقود إلى انفراط عقد أي إجماع وطني، مثلما أن أي تصرف للحزب الحاكم مع شركائه بمنطق أنه حزب فائز في الانتخابات وهو يتفضل عليهم بغض النظر عن تحفظات منافسيه على هذه الانتخابات وما شابها من تجاوزات تطعن في نزاهتها، سيؤدي إلى ذات النتيجة.
ومهما يكن فإن الدعوة إلى تشكيل حكومة قومية تعتبر دعوة عقلانية، إذا أحسنت مقاصدها وصلحت النوايا يمكن أن تسهم في تقليل حجم الانفجارات والمخاطر، وتعطي البلاد فرصة لالتقاط أنفاسها لمواجهة أقدارها القادمة.
وقد أثبتت التجربة الماثلة أن دعوة زعيم حزب الأمة إلى تحقيق الإجماع الوطني عبر صيغة الحكومة القومية أو الاتفاق على برنامج وطني قبل الانتخابات كانت صائبة، مثلما أثبتت الوقائع أن مقاطعة الأمة القومي والشيوعي والحركة في شمال السودان للانتخابات كانت تمثل قراءة متقدمة لمآل ومسار العملية الانتخابية التي لم يعد أحد يجادل في عدم نزاهتها، بل لم يعد أحد من المراقبين الدوليين ينكر ما صحبها من خلل قاتل وإن تجملاً.
وما بين ثقافة الإجماع الوطني والدعوة لحكومة قومية وبرنامج وطني شامل، وما بين ثقافة حانوتية المؤتمر الوطني الذين يريدون تعميق فكرة الإقصاء المباشر عبر القمع وغير المباشر عبر انتخابات غير نزيهة، يظل قدر العقلاء البحث عن مخارج لهذا الوطن المتعثر الذي لا يزال يبحث عن استراحة محارب.
مرتضى عبدالعظيم عبدالماجد- مشرف المنتدى العلمى
مواضيع مماثلة
» الحكومة السودانية الجديدة: الخارجية للمؤتمر الوطني والنفط للحركة الشعبية
» ماهي اجمل مرحله دراسيه مررت بها؟؟
» وظيفة بهيئة القومية للاتصالات
» اخبار الفن والفنانين
» خطأ المؤتمر الوطني
» ماهي اجمل مرحله دراسيه مررت بها؟؟
» وظيفة بهيئة القومية للاتصالات
» اخبار الفن والفنانين
» خطأ المؤتمر الوطني
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى