وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً
في واحدة مِن أحْدث مقالاته التي نُشِرت في الثالث من مارس الماضي 2010 بعنوان "الأمن القومي الجديد والإستراتيجية العسكرية"، كتب الميجور جنرال "بول فاليلي" يقول: "نحن الذين صنعْنا أعظمَ الاختراعات التكنولوجية لأنظمة الأسلحة بَرًّا وبحرًا وجوًّا، وأعظم الاختراعات في أنظِمة الاتصال، والقيادة، وأنظمة المخابرات، لدَيْنا أعظم المخطِّطين للعمليات القتالية على كافَّة المستويات، ولدَيْنا أعظم القادة السياسيِّين في البيت الأبيض، وأعظم القادة العسكريِّين في البنتاجون، وأعظم المتخصِّصين في الأمن القومي، لدَيْنا العديد مِن القيادات العسكريَّة حولَ العالَم لحماية أمنِنا القومي.
إنَّ لدينا مِن هذه القدرات والإمكانات ما لَدَى العالَم كله مجتمعًا، ليستْ هناك نقطة في العالَم لا نستطيع الوصولَ إليها في الوقت الذي نُريده، وليستْ هناك من دولة في العالَم قادرة على إعاقة تفوُّقِنا أو أهدافنا، إذا ما أردْنا تغيير نِظام حُكمٍ ما في العالَم، باستثناء تلك الدُّول التي تمتلك قوةً نوويَّة".
لم ينفرد "فاليلي" بالحديث عن عظمة القوَّة العسكرية الأمريكيَّة، فهناك الكاتب الأمريكي "مايك هويتني"، الذي قال: "مِنَ المفترض أن تكون حربُنا في أفغانستان حربًا من أجْل الخير، ومن أجْل التحرير، وحربًا تلفت أنظارَ العالم إلى القوَّة العسكرية الأمريكيَّة وفنونها القتالية، وجنودها العِظام، إنَّها القوَّة العُظمى في العالَم، التي لا يمكن أن تُهزَم أو تقاوم، إنَّ واشنطن تستطيع أن تنشرَ قواتِها في العالم، وتستطيع أن تُطيحَ بأعدائها في أي وقت تشاء"؛ انظر مقالتنا: "الولايات المتحدة وطالبان: مَن يكسب الحرْب" على موقع (نور الإسلام).
يقول الجهاديُّون - فيما يُشبِه الردَّ على "فاليلي" -: "لم يكن أعداءُ الإسلام متفوقِّين عسكريًّا واقتصاديًّا فقط، لقد كانوا دائمًا أكثرَ عددًا، وأقوى عُدَّة، وأوفر مقدراتٍ مادية على العموم، ليس اليوم فقط، ولكن منذ أن بدأتِ الدعوة للإسلام في الجزيرة العربية، أو في خارجها في زمنِ الفتوحات الكبرى بعدَ ذلك، وليس هذا في حقيقته تفوقًا.
إنَّ التفوُّق الحقيقي والساحِق للإسلام يكمُن في بنائه الرُّوحي والخُلُقي والاجتماعي، ومِن ثَمَّ السياسي والقيادي، وبهذا التفوق اجتاح الإسلامُ الجزيرةَ العربية أولاً، ثم اجتاح الإمبراطوريتَين العظيمتين الممتدتين حولَه: إمبراطوريتي كِسرى وقيصر ثانيًا، واجتاح بعدَ ذلك جوانبَ الأرض الأخرى، سواء كان معه جيش وسيف، أو كان معه مصحفٌ وأذان.
ولولا هذا التفوُّقُ الساحِق ما وقعتِ الخارقة، التي لم يعرفْ لها التاريخ نظيرًا، حتى في الاكتساحات العسكرية التاريخيَّة الشهيرة، كزَحْف التتار في التاريخ القديم، وزحْف الجيوش الهِتلرية في التاريخ الحديث؛ ذلك أنَّه لم يكن اكتساحًا عسكريًّا فحسب، ولكنَّه كان اكتساحًا عقديًّا، ثقافيًّا حضاريًّا، تجلَّى فيه التفوق الساحِق الذي طوى - من غير إكراه - عقائدَ الشعوب ولُغاتِها، وعاداتِها وتقاليدها، الأمر الذي لا نظيرَ له على الإطلاق في أي اكتساح عسكري آخَرَ، قديمًا وحديثًا.
إنَّه وإنْ كانَ مِيْزانُ القُوَى بيننا وبينَ الغرب غيرَ مُتَكَافِئ، فإنَّ القوَّةَ التي يستندُ إليها الغربُ هي قوةٌ مُؤَقَّتَةٌ، تستندُ إلى عواملَ ماديةٍ بَحْتَةٍ، وهذه العواملُ مِنْ شَأْنِها ألاَّ تَدُومَ؛ لأنَّ فسادَ الحياةِ الاجتماعيةِ والشُّعوريةِ عندَ شعوبِها سيقضي عليها، ولو بَعْدَ حينٍ.
إنَّنا مطمئنون إلى وعْد الله القاطِع، وحُكمه الجامع في قوله - عزَّ وجلَّ -: ﴿ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ﴾ [النساء: 141]، وهي تعني: أنَّ الله لن يسلِّطَ الكافرين على المسلمين تسليطَ استئصال، وإن تغلَّبوا على المسلمين في بعض المعارك، وفي بعض الأحايين".
يقول أحد المفكرين الإسلاميِّين: "إني أُقرِّر في ثِقة بوعْد الله لا يُخالجها شكٌّ: أنَّ الهزيمة لا تلحق بالمؤمنين، ولم تلحقْ بهم في تاريخهم كلِّه، إلا وهناك ثغرةٌ في حقيقة الإيمان: إمَّا في الشعور، وإما في العمل، ومِن الإيمان أخْذ العُدة، وإعداد القوَّة في كلِّ حين بنيةِ الجِهاد في سبيل الله، وتحت هذه الرَّاية وحْدَها مجرَّدة من كلِّ إضافة ومِن كل شائبة يكون النصر، وبقدر هذه الثَّغْرة تكون الهزيمة الوقتية، ثم يعود النصرُ للمؤمنين حين يوجدون".
هذه هي تصورات "فاليلي"، و"هويتني"، وهذه هي اعتقاداتُ الجهاديِّين، كلٌّ يتحدَّث عن قدراته وإمكاناته.
لكنَّه سرعانَ ما يَظهر في عالَم الواقع مدَى فاعلية هذَيْن النوعَيْن من القُدرات والإمكانات، "هويتني" نفسه يقول: "لقد أطاح الجهاديُّون بهذه التصوُّرات عن القوَّة الكبرى في العالَم، وجيشها العظيم، وانحرفوا بالحَرْب عن نصوص الكتاب المقدَّس للبنتاجون"، أما "فاليلي" فقد حاول الحديثَ عن الأسباب التي لم تمكِّن الولايات المتحدة مِن استئصال الجهاديِّين، وتحقيق نصْر حاسم وسريع في الحَرْب، فيقول:
"رغمَ كلِّ قدراتنا وإمكاناتنا العسكرية، فإنَّ قادتنا العسكريِّين والسياسيِّين ما زالوا يصوغون إستراتيجياتٍ فاشلةً منذ الحرب العالمية الثانية، وحتى وقتنا هذا، إنَّ الإستراتيجية الأمريكية غيرُ قادرة على تصميم إطارٍ واضح يوجِّه طاقاتِنا العسكريةَ الهائلة، إنَّ على الولايات المتحدة أن تتبنَّى إستراتيجية عسكرية قومية، تَزيد من فاعلية قُدرتها على تدمير الدُّول التي تُعاديها، وتُحطِّم قدراتِ مَن يريدون إيذاءَها، إنَّ على هذه الإستراتيجية أن تدمِّر كلَّ تهديد محتمَل تواجهه الولاياتُ المتحدة".
ويؤكِّد "سيلبورني" في مقالته بعنوان "المعركة الخاسرة مع الإسلام" ما قاله "فاليلي"، فيقول: "إنَّ القيادة الغربية لم تبرز نفسَها لا دبلوماسيًّا ولا عسكريًّا، لقد كانتْ بدون توجه إستراتيجي، وغيرَ قادرةٍ على رسْم خطط حرْب متماسِكة، وفوق هذا كله كانتْ تفتقد إلى هذه اللُّغة التي تجعل أهدافَها واضحةً"؛ انظر مقالتنا: "هزيمة الغرب للإسلام أمر غير ممكن: نظرية دافيد سيلبورني".
www.myportail.com
ويستطرد "فاليلي" قائلاً: "إنَّ حفنةً قليلة من الجهاديِّين بأسلحتهم الصغيرة، ومتفجراتهم اليدوية لا يُمكنهم بأي حالٍ أن يُسبِّبوا أذًى للولايات المتحدة، لماذا إذًا نرسل إليهم في عُقر دارهم جيوشًا ضخْمة تتطلَّب قواعدَ عسكرية تحتاج إلى عتاد وإمداد لوجستي ضخم؟!
ما هذه الإستراتيجية التي أعْمَتْ أعينَ قادتِنا لمواجهة هؤلاء المقاتلين؟!
إنني لأشعرُ بالأسَى حين أتأمل في هذه الإمكانات وهذه القدرات، التي افتقد المسؤولون عنها إلى هذا الحِسِّ العام، الذي كان موجودًا عند الجنرالات والأدميرالات القُدامى، الذين تدرَّبوا وتعلَّموا؛ ليكونوا أصحابَ مبادرات في الحَرْب، وكانت لديهم الجسارةُ التي تجعلهم يدخلون الحروبَ التي نخوضها، ويكسبونها بسرعة وحَسْم.
إنَّني نادرًا ما أسمع مِن قادتنا التحدُّثَ عن قِيَمِ ومبادئِ الحرْب التي اعتاد عليها قادةُ المعارك القُدامى، ويُحقِّقون بها الفوز والنصر، إنَّه ليست هناك عقلانية تجعلنا نُعلِن للشعب الأمريكي أنَّنا في حرْب طويلة المدى، وأن نجعل ذلك متكأً لعدم قدرتنا على تحقيق نصْر حاسم".
ويشرح "سيلبورني" في مقالته التي أشرْنا إليها أسبابَ ذلك فيقول: "الإسلام ليس دِينَ سلام، وليس دِينَ اختطاف، وليس دِينًا أفسدتْه القِلَّة من أبنائه، إنه على خِلاف ذلك كله: دِين فيه صَلابة أخلاقيَّة، وحماسة وغَيْرة بدأتْ تدبُّ في أوصاله، وأخلاقيات جِهادية، حتى إنَّ الكثير من المسلمين في الشتات يرفضون أن يُشاركوا غيرَ المسلمين قِيمَهم على اختلاف أنواعهم، وقرآنُهم يؤيِّدهم في ذلك، الإسلام ليس مجرَّدَ دِين بالمعنى التقليدي للدِّين، إنَّه إلى جانب ذلك حركةٌ سياسيَّة وأخلاقية، ويرى معتنقوه أنَّه دِينٌ يملك حلاًّ لكلِّ مشاكل البشرية، وأنَّ على البَشر جميعًا الخضوعَ لحُكمه.
إنَّ عقيدةً بهذه الصورة تجعل مشروعَ تجذير الديمقراطية في المجتمعات الإسلاميَّة لصالِح الغرْب أمرًا مضحكًا، ومنافيًا للعقل، ولا يقبله الإسلام، كما يبدو مِن السذاجة عندَ التعامل مع هذا الدِّين الفَصْلُ بين أجنحته الإسلاميَّة، وتلك السياسيَّة والعسكريَّة.
ولهذا؛ فإنَّ تصريح "دونالد رامسفيلد" وتأكيده في يونيو 2005 على أنَّ ما يُسمِّيهم بالمتمردِّين في العراق ليس لهم رؤيةٌ، وأنَّهم سيخسرون الحرْب - تصريحٌ يتَّسم بالغباء".
كان "فاليلي" يشكُّ في أنَّ للحرب أهدافًا سياسية داخلية، فيقول: "لم أسمعْ من قادتنا اليومَ مَن يتحدث بلُغة الفوز أو النصر، أو حتى عودة جنودنا إلى دِيارهم وأهليهم، ربَّما لا يريدون ذلك لأسبابٍ سياسية داخلية".
لم يوضِّحْ "فاليلي" طبيعةَ شكوكه هذه، لكن هناك بعض الحقائق التي قد تُلقي الضوءَ على هذه الشكوك، منها:
"أنَّ أكثر مِن ربع الأعضاء الحاليين في الكونجرس استثمروا ما قيمتُه 196 مليون دولار مِن أموالهم الخاصَّة في شركات متعاقدة مع البنتاجون لتوريدِ بضائع وخِدْمات للقوَّات المسلحة، وأنَّ "جون كيري" مرشَّح الرِّئاسة الأسبق هو أكبرُ مَن يملك أسهمًا وسنداتٍ مع الشركات المتعاقِدة مع البنتاجون، وأنَّ أعضاء لجنة العلاقات الخارجيَّة والقوَّات المسلحة في الكونجرس يملكون استثماراتٍ تتراوح من 3 مليون إلى 5 مليون دولار في الشركات المتخصِّصة في الأسلحة والخِدْمات العسكرية.
بالإضافة إلى أنَّ هناك شركاتٍ ضخمةً، مثل: البيبسي كولا، وآي بي إم، وميكروسوفت، وجونسون آند جونسون - حصلتْ على عقود مع وزارة الدِّفاع"؛ انظر مقالتنا: "الجنود الأمريكيون.. الأداة الأضعف في يدِ صُنَّاع الحرب".
www.myportail.com.
توصَّل "فاليلي" إلى حقيقة هامَّة، مؤداها: أنَّ الأمريكيِّين لا يحاربون متمردِّين، وإنَّما يحاربون جهاديِّين، وخلافةً إسلامية كامنة، وكانوا يمهِّدون لاحتلال عسكري طويل.
يقول "فاليلي": "... إنَّه لمِن سوء الحظ أن يعمل القادةُ الأمريكيُّون على تحويل مهامِّ قواتنا العسكرية الضخْمة إلى مجرَّد قوات تحارب التمرُّد، إنَّهم في الحقيقة لا يحاربون تمرُّدًا، إنما يحاربون جهاديِّين إسلاميِّين، وخلافةً إسلاميَّة كامنة، يدخلون معهم في حرْب تقليدية تمهِّد لاحتلال عسكري طويل.
إنَّه مِن المعروف أنَّه لا يمكن تحقيقُ كل الأهداف السياسية عبرَ استخدام القوَّة العسكرية، ويجب الاعترافُ بأنَّ النصر في الحرْب مفقودٌ في عالَم السياسة، إنَّ حربنا ليست حربًا على الإرهاب كما أعلنَّا من قبل، وقمنا بتحليلاتنا على هذا الأساس، إنَّنا نحارب أناسًا أخذوا على أنفسهم عهدًا بالجِهاد؛ طبقًا لإيديولوجية مشتقَّة من القرآن، ذات أهداف عالَميَّة شيطانية، تُشبه تلك التي كانتْ عندَ النازيين والرايخ الثالث" ﴿ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِبًا ﴾ [الكهف: 5].
ثم يستطرد قائلاً: "إنَّ علينا أن نفهمَ أنَّ أولَ أهداف الجِهاد العالمي هو فَرْض الشريعة الإسلامية قسرًا أو تسللاً، أما الهدف الثاني، فهو إعادة إنشاء الخِلافة الإسلامية، إنَّ علينا أن نفهمَ عقيدةَ العدو، وأن يكون لدينا مفهومٌ إستراتيجيٌّ لهزيمته وكسْب الحرب العالمية ضدَّ الجهاد GWOJ.
إنَّنا لم نستطعْ أن نميِّز بيْن الحرب التقليدية والحرْب غير التقليدية، إنَّ الحرب ضدَّ الجهاديين الإسلاميين، وأيديولوجيتهم التي ينطلقون منها هي حرْبٌ غير تقليدية، والذي يبدو لي أنَّ البيت الأبيض والبنتاجون يخشيانِ الدعوة إلى حرْب أيديولوجية، لماذا لم نفهمْ - نحن الأمريكيِّين - أنَّ مهمة جيشنا هي حماية أمننا القومي، والدِّفاع عن بلادنا، وهزيمة أعدائنا؟!
لماذا لم نفهمْ أنَّ سياسة استنزاف مصادرنا وإمكانياتنا العسكرية حولَ العالم في عمليات بناء دول جديدة لا طائلَ مِن ورائها؟!
إنَّ فاعلية قواتنا المسلَّحة يجب أن تُخصَّص لمواجهة التهديدات التي تواجهها البلادُ، لا بناء دول أخرى، يجب أن نفهمَ بعُمْق أنه ليس بإمكاننا بناءُ دولة في منطقة صِراع قبلَ أن نهزم أعداءنا فيها".
تعرَّض "فاليلي" بصورة سريعة إلى محاولة الولايات المتحدة فَرْض دستور علماني مثيل للدستور الأمريكي على العِراق وأفغانستان؛ للقضاء على محاولات تطبيق الشريعة الإسلامية فيهما، بعدَ أن نجحتِ التَّجرِبةُ في اليابان وألمانيا، يقول "فاليلي": "إنَّ الحرب يجب أن تقوم دائمًا على مبدأ الفوْز، وتحقيق النصْر، وما أن نكسبَ الحرْب كما كسبناها في اليابان بعدَ الحرْب العالمية الثانية، علينا أن نُحدِث تغييراتٍ جوهريةً في هذه البلاد التي كسبنا فيها الحرب، لقد حوَّلْنا ألمانيا واليابان من دول ذات حكومات استبدادية إلى ديمقراطيات مزدهِرة، وهذا أدَّى إلى إحداث تغييرات قويَّة عندَ شعوب هذين البلدين"؛ انظر مقالتنا عن هذا الموضوع: "وتظل الشريعة عدوَّهم الأول"، موقع (الألوكة).
لهذه الأسباب دَعا "فاليلي" إلى التراجُع عن الحَرْب المباشرة ضدَّ الجهاديِّين على الأرْض، والتركيز على الضربات الجوية.
يقول "فاليلي": "إنَّ هؤلاء الجهاديِّين بأسلحتهم الصغيرة، ومتفجراتهم اليدوية لا يُمكنهم إيذاؤنا؛ ولهذا لا يجب علينا أن نحاربَهم مباشرة، إنَّ علينا أن نعتمدَ على مخابراتنا الذكية، وتوجيه ضرباتٍ جويَّة مباشرةً من قواعدَ آمنة.
إنَّنا نستطيع هزيمتَهم رغم ما يُسبِّبونه لنا من رُعْب، لقد استطاعوا وضْع ثمانين ألْف قنبلة قابلة للانفجار في أماكنَ متباعدة، وهذا بدوره يجعلنا نطرح سؤالاً عن مدى قدرة قوَّاتنا على استئصال هذه الشبكات الإرهابيَّة، إنَّ علينا أن نتعاونَ مع ما يُسمَّى بالأمم المتحدة، والدول الأخرى كالصِّين وروسيا.
إنَّ علينا أن نفهمَ العقلية التي يفكِّر بها الجهاديُّون، إنَّ إستراتيجية الضربات الجويَّة سوف تمنعهم من تحقيق دعاية ترفع مِن معنوياتهم، بقَتْل جنودنا على الأرض.
علينا أن نبُثَّ الرعبَ في قلوبهم بهذه الضَّربات الجويَّة، بحيث لا يعرفون متى وأين ضربتُنا القادمة ستكون، يجب أن يكون لدى قادتنا الإرادةُ والتصميم، وهذه هي اللُّغة التي يفهمها ويحترمها الجهاديُّون".
السؤال هنا: هل ستنجح إستراتيجيةُ الضربات الجوية في بثِّ الرعب في قلوب الجهاديِّين؟ وهل هذه اللغة هي التي يفهمها ويحترمها الجهاديُّون - كما يقول "فاليلي"؟
الظاهر من هذه التحليلات: أنَّ الحرب بيْن الغرب والجهاديِّين ليستْ مسألةَ قدرات وإمكانات، وإنَّما مَن يُدخل الرُّعبَ في قلْب مَن؟
الجهاديون بأسلحتهم البسيطة، ومتفجراتهم اليدوية، وهم لا يملكون طائراتِ قصْف جوي - أدْخلوا الرعبَ في قلوب جنود جيش أمريكا العظيم، وتعكس كلماتُ الجندي الأمريكي "داميان فيرانديز" لأمِّه عندما صدرتْ إليه الأوامرُ بالعودة للقِتال في أفغانستان هذه الحقيقة، يقول "فيرانديز": "أعيشُ في العام ثلاثمائة وخمسةً وستِّين يومًا، تحت وَطْأَةِ القنابل والألْغام الأرضية في الشوارع، أشاهدُ زُملائي يُقْتَلُون، كلَّ يومٍ أعيشُ في قلقٍ أكثرَ وأكثر، إني أُفَضِّلُ أنْ أَقتلَ نَفْسِي، ولا أعودُ مرةً أخرى إلى الحرْب".
أمَّا الجندي "مايكل دي فلايجر"، والذي جاءتْهُ الأوامرُ مِنْ قيادته بالعودة إلى وحْدته، بعد يومٍ واحدٍ مِنْ خروجه مِنَ المستشفى العسكريِّ، حيث كان يتلقَّى العلاجَ مِنْ أزمةِ اضطرابٍ حادةٍ كان يُعاني منها - فقد قال لأمِّهِ: "يا أُمِّي، إني ذاهبٌ لأموتَ، أنا لنْ أعودَ مرةً أخرى حيًّا، أنا أشعرُ بالموت، أَحْلُمُ به دائمًا"؛ انظر مقالتنا "جيش أمريكا العظيم: الأسطورة والواقع".
www.myportail.com
لم يقتصرِ الرُّعبُ من الجهاديِّين على صِغار الجنود فقط، إنما امتدَّ إلى أعْلى المستويات، سواء في أروقة الكونجرس أو بيْن أجهزة المخابرات، وامتدَّ هذا الرُّعب بهم إلى توهُّم احتمال امتلاك الجهاديِّين لسلاح نووي.
"مايكل بيرليج" - مسؤول بريطاني، وعضو في لجان ما يسميه الغرب "بمكافحة الإرهاب" - جلس يتحدَّث مع كِبار مسؤولي البنتاجون وآخرين غيرهم من الغارقين في قضايا محاربة الجهاديِّين الإسلاميِّين، لاحظ المسؤول البريطاني أنَّ الجدية الفِكرية، والسِّياق العالمي الذي يتحرَّك عبرَه التفكير الأمريكي، يختلف اختلافًا لافتًا للنظر عن هذا الذي ينطلق منه المسؤولون البريطانيُّون، فالأخيرون مشغولون بهاجس "تماسك المجتمع البريطاني"، وما يُسمَّى بـ"تطرُّف الشباب المسلم".
تابع " بيرليج" جلسةَ استماع لجنة الأمن القومي في مجلس الشيوخ الأمريكي حولَ احتمالية قيام هؤلاء الجهاديِّين بهجوم نووي على واشنطن العاصمة، السيناريو كما تخيَّله السناتور "جو ليبرمان"، وكما قال بنفسه: "يصعُب مناقشته، ويصعُب توقعه، وهو على المستوى العاطفي دِرامي ومُقلِق".
تساءل "بيرليج": "ما هذا الذي يتحدَّث عنه "ليبرمان"؟ قنبلة تزِنُ ألْف طن محمولة في شاحِنة عندَ البيت الأبيض، يمكن أن تقتُلَ مائةَ ألف شخص، وتمحوَ من الوجود العديدَ من المباني الفيدرالية على امتداد ميلين، معظم الضحايا سيحترقون، وغالبيتهم من الأمريكيِّين الأفارقة، الذين يعملون لصالِح الحكومة الفيدرالية، خمس وتسعون في المائة من الضحايا سيموتون بعدَ عذاب ومعاناة؛ ذلك لأنَّ القدرةَ الحالية لعلاج هذه الحالات محدودةٌ، ولا تكفي إلا لألْف وخمسمائة شخص، ولأنَّ الرياح تهبُّ من الغرب إلى الشرق، فإنَّ الإشعاع الناتج عن التفجير سيصل إلى مناطقِ السود الفقراء في العاصمة، حيث لا يوجد هناك غيرُ مستشفى واحد".
يقول "ليبرمان": "لقد حان الوقتُ لنقاش صعْب، فلنسأل أسئلةً غير عادية، ونبذل قصارَى جهدنا للإجابة عنها"، يقول "بيرليج" تعليقًا على سيناريو "ليبرمان": "إني لأتعجَّب، وأتساءل في نفس الوقت: ما هي الاستعدادات التي أعدَّتْها بريطانيا لهذا الكابوس الأسود؟
هل يسأل البرلمانيُّون البريطانيُّون مثلَ هذه الأسئلة؟ وهل هم قادرون على مناقشة مثلَ هذا السيناريو؟
برَّر "بيرليج" هذه النظرةَ الأمريكية للأمور بأنَّ الولايات المتحدة تخشى عُنفَ الجهاديِّين، ولهذا تضع تصورًا واقعيًّا للتهديد الذي يمكن أن تواجهه، كما تضع إستراتيجياتٍ متعددةً للتعامل مع الحدث"؛ انظر مقالتنا "نظرية مايكل بيرلج في محاربة الجهاديِّين".
www.myportail.com
إنَّ لدينا مِن هذه القدرات والإمكانات ما لَدَى العالَم كله مجتمعًا، ليستْ هناك نقطة في العالَم لا نستطيع الوصولَ إليها في الوقت الذي نُريده، وليستْ هناك من دولة في العالَم قادرة على إعاقة تفوُّقِنا أو أهدافنا، إذا ما أردْنا تغيير نِظام حُكمٍ ما في العالَم، باستثناء تلك الدُّول التي تمتلك قوةً نوويَّة".
لم ينفرد "فاليلي" بالحديث عن عظمة القوَّة العسكرية الأمريكيَّة، فهناك الكاتب الأمريكي "مايك هويتني"، الذي قال: "مِنَ المفترض أن تكون حربُنا في أفغانستان حربًا من أجْل الخير، ومن أجْل التحرير، وحربًا تلفت أنظارَ العالم إلى القوَّة العسكرية الأمريكيَّة وفنونها القتالية، وجنودها العِظام، إنَّها القوَّة العُظمى في العالَم، التي لا يمكن أن تُهزَم أو تقاوم، إنَّ واشنطن تستطيع أن تنشرَ قواتِها في العالم، وتستطيع أن تُطيحَ بأعدائها في أي وقت تشاء"؛ انظر مقالتنا: "الولايات المتحدة وطالبان: مَن يكسب الحرْب" على موقع (نور الإسلام).
يقول الجهاديُّون - فيما يُشبِه الردَّ على "فاليلي" -: "لم يكن أعداءُ الإسلام متفوقِّين عسكريًّا واقتصاديًّا فقط، لقد كانوا دائمًا أكثرَ عددًا، وأقوى عُدَّة، وأوفر مقدراتٍ مادية على العموم، ليس اليوم فقط، ولكن منذ أن بدأتِ الدعوة للإسلام في الجزيرة العربية، أو في خارجها في زمنِ الفتوحات الكبرى بعدَ ذلك، وليس هذا في حقيقته تفوقًا.
إنَّ التفوُّق الحقيقي والساحِق للإسلام يكمُن في بنائه الرُّوحي والخُلُقي والاجتماعي، ومِن ثَمَّ السياسي والقيادي، وبهذا التفوق اجتاح الإسلامُ الجزيرةَ العربية أولاً، ثم اجتاح الإمبراطوريتَين العظيمتين الممتدتين حولَه: إمبراطوريتي كِسرى وقيصر ثانيًا، واجتاح بعدَ ذلك جوانبَ الأرض الأخرى، سواء كان معه جيش وسيف، أو كان معه مصحفٌ وأذان.
ولولا هذا التفوُّقُ الساحِق ما وقعتِ الخارقة، التي لم يعرفْ لها التاريخ نظيرًا، حتى في الاكتساحات العسكرية التاريخيَّة الشهيرة، كزَحْف التتار في التاريخ القديم، وزحْف الجيوش الهِتلرية في التاريخ الحديث؛ ذلك أنَّه لم يكن اكتساحًا عسكريًّا فحسب، ولكنَّه كان اكتساحًا عقديًّا، ثقافيًّا حضاريًّا، تجلَّى فيه التفوق الساحِق الذي طوى - من غير إكراه - عقائدَ الشعوب ولُغاتِها، وعاداتِها وتقاليدها، الأمر الذي لا نظيرَ له على الإطلاق في أي اكتساح عسكري آخَرَ، قديمًا وحديثًا.
إنَّه وإنْ كانَ مِيْزانُ القُوَى بيننا وبينَ الغرب غيرَ مُتَكَافِئ، فإنَّ القوَّةَ التي يستندُ إليها الغربُ هي قوةٌ مُؤَقَّتَةٌ، تستندُ إلى عواملَ ماديةٍ بَحْتَةٍ، وهذه العواملُ مِنْ شَأْنِها ألاَّ تَدُومَ؛ لأنَّ فسادَ الحياةِ الاجتماعيةِ والشُّعوريةِ عندَ شعوبِها سيقضي عليها، ولو بَعْدَ حينٍ.
إنَّنا مطمئنون إلى وعْد الله القاطِع، وحُكمه الجامع في قوله - عزَّ وجلَّ -: ﴿ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ﴾ [النساء: 141]، وهي تعني: أنَّ الله لن يسلِّطَ الكافرين على المسلمين تسليطَ استئصال، وإن تغلَّبوا على المسلمين في بعض المعارك، وفي بعض الأحايين".
يقول أحد المفكرين الإسلاميِّين: "إني أُقرِّر في ثِقة بوعْد الله لا يُخالجها شكٌّ: أنَّ الهزيمة لا تلحق بالمؤمنين، ولم تلحقْ بهم في تاريخهم كلِّه، إلا وهناك ثغرةٌ في حقيقة الإيمان: إمَّا في الشعور، وإما في العمل، ومِن الإيمان أخْذ العُدة، وإعداد القوَّة في كلِّ حين بنيةِ الجِهاد في سبيل الله، وتحت هذه الرَّاية وحْدَها مجرَّدة من كلِّ إضافة ومِن كل شائبة يكون النصر، وبقدر هذه الثَّغْرة تكون الهزيمة الوقتية، ثم يعود النصرُ للمؤمنين حين يوجدون".
هذه هي تصورات "فاليلي"، و"هويتني"، وهذه هي اعتقاداتُ الجهاديِّين، كلٌّ يتحدَّث عن قدراته وإمكاناته.
لكنَّه سرعانَ ما يَظهر في عالَم الواقع مدَى فاعلية هذَيْن النوعَيْن من القُدرات والإمكانات، "هويتني" نفسه يقول: "لقد أطاح الجهاديُّون بهذه التصوُّرات عن القوَّة الكبرى في العالَم، وجيشها العظيم، وانحرفوا بالحَرْب عن نصوص الكتاب المقدَّس للبنتاجون"، أما "فاليلي" فقد حاول الحديثَ عن الأسباب التي لم تمكِّن الولايات المتحدة مِن استئصال الجهاديِّين، وتحقيق نصْر حاسم وسريع في الحَرْب، فيقول:
"رغمَ كلِّ قدراتنا وإمكاناتنا العسكرية، فإنَّ قادتنا العسكريِّين والسياسيِّين ما زالوا يصوغون إستراتيجياتٍ فاشلةً منذ الحرب العالمية الثانية، وحتى وقتنا هذا، إنَّ الإستراتيجية الأمريكية غيرُ قادرة على تصميم إطارٍ واضح يوجِّه طاقاتِنا العسكريةَ الهائلة، إنَّ على الولايات المتحدة أن تتبنَّى إستراتيجية عسكرية قومية، تَزيد من فاعلية قُدرتها على تدمير الدُّول التي تُعاديها، وتُحطِّم قدراتِ مَن يريدون إيذاءَها، إنَّ على هذه الإستراتيجية أن تدمِّر كلَّ تهديد محتمَل تواجهه الولاياتُ المتحدة".
ويؤكِّد "سيلبورني" في مقالته بعنوان "المعركة الخاسرة مع الإسلام" ما قاله "فاليلي"، فيقول: "إنَّ القيادة الغربية لم تبرز نفسَها لا دبلوماسيًّا ولا عسكريًّا، لقد كانتْ بدون توجه إستراتيجي، وغيرَ قادرةٍ على رسْم خطط حرْب متماسِكة، وفوق هذا كله كانتْ تفتقد إلى هذه اللُّغة التي تجعل أهدافَها واضحةً"؛ انظر مقالتنا: "هزيمة الغرب للإسلام أمر غير ممكن: نظرية دافيد سيلبورني".
www.myportail.com
ويستطرد "فاليلي" قائلاً: "إنَّ حفنةً قليلة من الجهاديِّين بأسلحتهم الصغيرة، ومتفجراتهم اليدوية لا يُمكنهم بأي حالٍ أن يُسبِّبوا أذًى للولايات المتحدة، لماذا إذًا نرسل إليهم في عُقر دارهم جيوشًا ضخْمة تتطلَّب قواعدَ عسكرية تحتاج إلى عتاد وإمداد لوجستي ضخم؟!
ما هذه الإستراتيجية التي أعْمَتْ أعينَ قادتِنا لمواجهة هؤلاء المقاتلين؟!
إنني لأشعرُ بالأسَى حين أتأمل في هذه الإمكانات وهذه القدرات، التي افتقد المسؤولون عنها إلى هذا الحِسِّ العام، الذي كان موجودًا عند الجنرالات والأدميرالات القُدامى، الذين تدرَّبوا وتعلَّموا؛ ليكونوا أصحابَ مبادرات في الحَرْب، وكانت لديهم الجسارةُ التي تجعلهم يدخلون الحروبَ التي نخوضها، ويكسبونها بسرعة وحَسْم.
إنَّني نادرًا ما أسمع مِن قادتنا التحدُّثَ عن قِيَمِ ومبادئِ الحرْب التي اعتاد عليها قادةُ المعارك القُدامى، ويُحقِّقون بها الفوز والنصر، إنَّه ليست هناك عقلانية تجعلنا نُعلِن للشعب الأمريكي أنَّنا في حرْب طويلة المدى، وأن نجعل ذلك متكأً لعدم قدرتنا على تحقيق نصْر حاسم".
ويشرح "سيلبورني" في مقالته التي أشرْنا إليها أسبابَ ذلك فيقول: "الإسلام ليس دِينَ سلام، وليس دِينَ اختطاف، وليس دِينًا أفسدتْه القِلَّة من أبنائه، إنه على خِلاف ذلك كله: دِين فيه صَلابة أخلاقيَّة، وحماسة وغَيْرة بدأتْ تدبُّ في أوصاله، وأخلاقيات جِهادية، حتى إنَّ الكثير من المسلمين في الشتات يرفضون أن يُشاركوا غيرَ المسلمين قِيمَهم على اختلاف أنواعهم، وقرآنُهم يؤيِّدهم في ذلك، الإسلام ليس مجرَّدَ دِين بالمعنى التقليدي للدِّين، إنَّه إلى جانب ذلك حركةٌ سياسيَّة وأخلاقية، ويرى معتنقوه أنَّه دِينٌ يملك حلاًّ لكلِّ مشاكل البشرية، وأنَّ على البَشر جميعًا الخضوعَ لحُكمه.
إنَّ عقيدةً بهذه الصورة تجعل مشروعَ تجذير الديمقراطية في المجتمعات الإسلاميَّة لصالِح الغرْب أمرًا مضحكًا، ومنافيًا للعقل، ولا يقبله الإسلام، كما يبدو مِن السذاجة عندَ التعامل مع هذا الدِّين الفَصْلُ بين أجنحته الإسلاميَّة، وتلك السياسيَّة والعسكريَّة.
ولهذا؛ فإنَّ تصريح "دونالد رامسفيلد" وتأكيده في يونيو 2005 على أنَّ ما يُسمِّيهم بالمتمردِّين في العراق ليس لهم رؤيةٌ، وأنَّهم سيخسرون الحرْب - تصريحٌ يتَّسم بالغباء".
كان "فاليلي" يشكُّ في أنَّ للحرب أهدافًا سياسية داخلية، فيقول: "لم أسمعْ من قادتنا اليومَ مَن يتحدث بلُغة الفوز أو النصر، أو حتى عودة جنودنا إلى دِيارهم وأهليهم، ربَّما لا يريدون ذلك لأسبابٍ سياسية داخلية".
لم يوضِّحْ "فاليلي" طبيعةَ شكوكه هذه، لكن هناك بعض الحقائق التي قد تُلقي الضوءَ على هذه الشكوك، منها:
"أنَّ أكثر مِن ربع الأعضاء الحاليين في الكونجرس استثمروا ما قيمتُه 196 مليون دولار مِن أموالهم الخاصَّة في شركات متعاقدة مع البنتاجون لتوريدِ بضائع وخِدْمات للقوَّات المسلحة، وأنَّ "جون كيري" مرشَّح الرِّئاسة الأسبق هو أكبرُ مَن يملك أسهمًا وسنداتٍ مع الشركات المتعاقِدة مع البنتاجون، وأنَّ أعضاء لجنة العلاقات الخارجيَّة والقوَّات المسلحة في الكونجرس يملكون استثماراتٍ تتراوح من 3 مليون إلى 5 مليون دولار في الشركات المتخصِّصة في الأسلحة والخِدْمات العسكرية.
بالإضافة إلى أنَّ هناك شركاتٍ ضخمةً، مثل: البيبسي كولا، وآي بي إم، وميكروسوفت، وجونسون آند جونسون - حصلتْ على عقود مع وزارة الدِّفاع"؛ انظر مقالتنا: "الجنود الأمريكيون.. الأداة الأضعف في يدِ صُنَّاع الحرب".
www.myportail.com.
توصَّل "فاليلي" إلى حقيقة هامَّة، مؤداها: أنَّ الأمريكيِّين لا يحاربون متمردِّين، وإنَّما يحاربون جهاديِّين، وخلافةً إسلامية كامنة، وكانوا يمهِّدون لاحتلال عسكري طويل.
يقول "فاليلي": "... إنَّه لمِن سوء الحظ أن يعمل القادةُ الأمريكيُّون على تحويل مهامِّ قواتنا العسكرية الضخْمة إلى مجرَّد قوات تحارب التمرُّد، إنَّهم في الحقيقة لا يحاربون تمرُّدًا، إنما يحاربون جهاديِّين إسلاميِّين، وخلافةً إسلاميَّة كامنة، يدخلون معهم في حرْب تقليدية تمهِّد لاحتلال عسكري طويل.
إنَّه مِن المعروف أنَّه لا يمكن تحقيقُ كل الأهداف السياسية عبرَ استخدام القوَّة العسكرية، ويجب الاعترافُ بأنَّ النصر في الحرْب مفقودٌ في عالَم السياسة، إنَّ حربنا ليست حربًا على الإرهاب كما أعلنَّا من قبل، وقمنا بتحليلاتنا على هذا الأساس، إنَّنا نحارب أناسًا أخذوا على أنفسهم عهدًا بالجِهاد؛ طبقًا لإيديولوجية مشتقَّة من القرآن، ذات أهداف عالَميَّة شيطانية، تُشبه تلك التي كانتْ عندَ النازيين والرايخ الثالث" ﴿ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِبًا ﴾ [الكهف: 5].
ثم يستطرد قائلاً: "إنَّ علينا أن نفهمَ أنَّ أولَ أهداف الجِهاد العالمي هو فَرْض الشريعة الإسلامية قسرًا أو تسللاً، أما الهدف الثاني، فهو إعادة إنشاء الخِلافة الإسلامية، إنَّ علينا أن نفهمَ عقيدةَ العدو، وأن يكون لدينا مفهومٌ إستراتيجيٌّ لهزيمته وكسْب الحرب العالمية ضدَّ الجهاد GWOJ.
إنَّنا لم نستطعْ أن نميِّز بيْن الحرب التقليدية والحرْب غير التقليدية، إنَّ الحرب ضدَّ الجهاديين الإسلاميين، وأيديولوجيتهم التي ينطلقون منها هي حرْبٌ غير تقليدية، والذي يبدو لي أنَّ البيت الأبيض والبنتاجون يخشيانِ الدعوة إلى حرْب أيديولوجية، لماذا لم نفهمْ - نحن الأمريكيِّين - أنَّ مهمة جيشنا هي حماية أمننا القومي، والدِّفاع عن بلادنا، وهزيمة أعدائنا؟!
لماذا لم نفهمْ أنَّ سياسة استنزاف مصادرنا وإمكانياتنا العسكرية حولَ العالم في عمليات بناء دول جديدة لا طائلَ مِن ورائها؟!
إنَّ فاعلية قواتنا المسلَّحة يجب أن تُخصَّص لمواجهة التهديدات التي تواجهها البلادُ، لا بناء دول أخرى، يجب أن نفهمَ بعُمْق أنه ليس بإمكاننا بناءُ دولة في منطقة صِراع قبلَ أن نهزم أعداءنا فيها".
تعرَّض "فاليلي" بصورة سريعة إلى محاولة الولايات المتحدة فَرْض دستور علماني مثيل للدستور الأمريكي على العِراق وأفغانستان؛ للقضاء على محاولات تطبيق الشريعة الإسلامية فيهما، بعدَ أن نجحتِ التَّجرِبةُ في اليابان وألمانيا، يقول "فاليلي": "إنَّ الحرب يجب أن تقوم دائمًا على مبدأ الفوْز، وتحقيق النصْر، وما أن نكسبَ الحرْب كما كسبناها في اليابان بعدَ الحرْب العالمية الثانية، علينا أن نُحدِث تغييراتٍ جوهريةً في هذه البلاد التي كسبنا فيها الحرب، لقد حوَّلْنا ألمانيا واليابان من دول ذات حكومات استبدادية إلى ديمقراطيات مزدهِرة، وهذا أدَّى إلى إحداث تغييرات قويَّة عندَ شعوب هذين البلدين"؛ انظر مقالتنا عن هذا الموضوع: "وتظل الشريعة عدوَّهم الأول"، موقع (الألوكة).
لهذه الأسباب دَعا "فاليلي" إلى التراجُع عن الحَرْب المباشرة ضدَّ الجهاديِّين على الأرْض، والتركيز على الضربات الجوية.
يقول "فاليلي": "إنَّ هؤلاء الجهاديِّين بأسلحتهم الصغيرة، ومتفجراتهم اليدوية لا يُمكنهم إيذاؤنا؛ ولهذا لا يجب علينا أن نحاربَهم مباشرة، إنَّ علينا أن نعتمدَ على مخابراتنا الذكية، وتوجيه ضرباتٍ جويَّة مباشرةً من قواعدَ آمنة.
إنَّنا نستطيع هزيمتَهم رغم ما يُسبِّبونه لنا من رُعْب، لقد استطاعوا وضْع ثمانين ألْف قنبلة قابلة للانفجار في أماكنَ متباعدة، وهذا بدوره يجعلنا نطرح سؤالاً عن مدى قدرة قوَّاتنا على استئصال هذه الشبكات الإرهابيَّة، إنَّ علينا أن نتعاونَ مع ما يُسمَّى بالأمم المتحدة، والدول الأخرى كالصِّين وروسيا.
إنَّ علينا أن نفهمَ العقلية التي يفكِّر بها الجهاديُّون، إنَّ إستراتيجية الضربات الجويَّة سوف تمنعهم من تحقيق دعاية ترفع مِن معنوياتهم، بقَتْل جنودنا على الأرض.
علينا أن نبُثَّ الرعبَ في قلوبهم بهذه الضَّربات الجويَّة، بحيث لا يعرفون متى وأين ضربتُنا القادمة ستكون، يجب أن يكون لدى قادتنا الإرادةُ والتصميم، وهذه هي اللُّغة التي يفهمها ويحترمها الجهاديُّون".
السؤال هنا: هل ستنجح إستراتيجيةُ الضربات الجوية في بثِّ الرعب في قلوب الجهاديِّين؟ وهل هذه اللغة هي التي يفهمها ويحترمها الجهاديُّون - كما يقول "فاليلي"؟
الظاهر من هذه التحليلات: أنَّ الحرب بيْن الغرب والجهاديِّين ليستْ مسألةَ قدرات وإمكانات، وإنَّما مَن يُدخل الرُّعبَ في قلْب مَن؟
الجهاديون بأسلحتهم البسيطة، ومتفجراتهم اليدوية، وهم لا يملكون طائراتِ قصْف جوي - أدْخلوا الرعبَ في قلوب جنود جيش أمريكا العظيم، وتعكس كلماتُ الجندي الأمريكي "داميان فيرانديز" لأمِّه عندما صدرتْ إليه الأوامرُ بالعودة للقِتال في أفغانستان هذه الحقيقة، يقول "فيرانديز": "أعيشُ في العام ثلاثمائة وخمسةً وستِّين يومًا، تحت وَطْأَةِ القنابل والألْغام الأرضية في الشوارع، أشاهدُ زُملائي يُقْتَلُون، كلَّ يومٍ أعيشُ في قلقٍ أكثرَ وأكثر، إني أُفَضِّلُ أنْ أَقتلَ نَفْسِي، ولا أعودُ مرةً أخرى إلى الحرْب".
أمَّا الجندي "مايكل دي فلايجر"، والذي جاءتْهُ الأوامرُ مِنْ قيادته بالعودة إلى وحْدته، بعد يومٍ واحدٍ مِنْ خروجه مِنَ المستشفى العسكريِّ، حيث كان يتلقَّى العلاجَ مِنْ أزمةِ اضطرابٍ حادةٍ كان يُعاني منها - فقد قال لأمِّهِ: "يا أُمِّي، إني ذاهبٌ لأموتَ، أنا لنْ أعودَ مرةً أخرى حيًّا، أنا أشعرُ بالموت، أَحْلُمُ به دائمًا"؛ انظر مقالتنا "جيش أمريكا العظيم: الأسطورة والواقع".
www.myportail.com
لم يقتصرِ الرُّعبُ من الجهاديِّين على صِغار الجنود فقط، إنما امتدَّ إلى أعْلى المستويات، سواء في أروقة الكونجرس أو بيْن أجهزة المخابرات، وامتدَّ هذا الرُّعب بهم إلى توهُّم احتمال امتلاك الجهاديِّين لسلاح نووي.
"مايكل بيرليج" - مسؤول بريطاني، وعضو في لجان ما يسميه الغرب "بمكافحة الإرهاب" - جلس يتحدَّث مع كِبار مسؤولي البنتاجون وآخرين غيرهم من الغارقين في قضايا محاربة الجهاديِّين الإسلاميِّين، لاحظ المسؤول البريطاني أنَّ الجدية الفِكرية، والسِّياق العالمي الذي يتحرَّك عبرَه التفكير الأمريكي، يختلف اختلافًا لافتًا للنظر عن هذا الذي ينطلق منه المسؤولون البريطانيُّون، فالأخيرون مشغولون بهاجس "تماسك المجتمع البريطاني"، وما يُسمَّى بـ"تطرُّف الشباب المسلم".
تابع " بيرليج" جلسةَ استماع لجنة الأمن القومي في مجلس الشيوخ الأمريكي حولَ احتمالية قيام هؤلاء الجهاديِّين بهجوم نووي على واشنطن العاصمة، السيناريو كما تخيَّله السناتور "جو ليبرمان"، وكما قال بنفسه: "يصعُب مناقشته، ويصعُب توقعه، وهو على المستوى العاطفي دِرامي ومُقلِق".
تساءل "بيرليج": "ما هذا الذي يتحدَّث عنه "ليبرمان"؟ قنبلة تزِنُ ألْف طن محمولة في شاحِنة عندَ البيت الأبيض، يمكن أن تقتُلَ مائةَ ألف شخص، وتمحوَ من الوجود العديدَ من المباني الفيدرالية على امتداد ميلين، معظم الضحايا سيحترقون، وغالبيتهم من الأمريكيِّين الأفارقة، الذين يعملون لصالِح الحكومة الفيدرالية، خمس وتسعون في المائة من الضحايا سيموتون بعدَ عذاب ومعاناة؛ ذلك لأنَّ القدرةَ الحالية لعلاج هذه الحالات محدودةٌ، ولا تكفي إلا لألْف وخمسمائة شخص، ولأنَّ الرياح تهبُّ من الغرب إلى الشرق، فإنَّ الإشعاع الناتج عن التفجير سيصل إلى مناطقِ السود الفقراء في العاصمة، حيث لا يوجد هناك غيرُ مستشفى واحد".
يقول "ليبرمان": "لقد حان الوقتُ لنقاش صعْب، فلنسأل أسئلةً غير عادية، ونبذل قصارَى جهدنا للإجابة عنها"، يقول "بيرليج" تعليقًا على سيناريو "ليبرمان": "إني لأتعجَّب، وأتساءل في نفس الوقت: ما هي الاستعدادات التي أعدَّتْها بريطانيا لهذا الكابوس الأسود؟
هل يسأل البرلمانيُّون البريطانيُّون مثلَ هذه الأسئلة؟ وهل هم قادرون على مناقشة مثلَ هذا السيناريو؟
برَّر "بيرليج" هذه النظرةَ الأمريكية للأمور بأنَّ الولايات المتحدة تخشى عُنفَ الجهاديِّين، ولهذا تضع تصورًا واقعيًّا للتهديد الذي يمكن أن تواجهه، كما تضع إستراتيجياتٍ متعددةً للتعامل مع الحدث"؛ انظر مقالتنا "نظرية مايكل بيرلج في محاربة الجهاديِّين".
www.myportail.com
moneertom- نشط مميز
رد: وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً
الله غالب 00الهم اجعل كيدهم فى نحرهم
غريق كمبال- مشرف المنتدى الاقتصادى
رد: وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً
مشكور علي المرور ....
ايها الكبير
ايها الكبير
moneertom- نشط مميز
مواضيع مماثلة
» دعاء النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في التهجد
» نَالَتْ عَلَى يَدِهَا مَا لَـمْ تَنَلْـهُ يَـدِي
» إلهي عَلَى كلِّ الأمورِ لَكَ الحمْدُ
» نَالَتْ عَلَى يَدِهَا مَا لَـمْ تَنَلْـهُ يَـدِي
» إلهي عَلَى كلِّ الأمورِ لَكَ الحمْدُ
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى