الزكرى الرابعة لرحيل الفنان الزرى ابراهيم عوض

يصادف اليوم الثالث والعشرون من مايو الحالي الذكرى الرابعة لرحيل القامة السامقة والفنان الأصيل المغفور له بإذن الله إبراهيم عوض. جاء في كتاب (إبراهيم عوض ـ اليوبيل الذهبي لعطائه الفني) للفنان التشكيلي العملاق البروفسور إبراهيم العوام في صفحة (18) ما يلي:- (إبراهيم عوض عبد المجيد سليمان من مواليد حي العرب بأمدرمان، وحي العرب حيّ نبت فيه الإبداع نباتاً حسناً مخضراً مورقاً مزهراً حلو الجنى).ثم يروي إبراهيم العوام كلمات إبراهيم عوضأمدرمان مسقط رأس والدي ووالدتي. حبوبتي آمنة بت الأسطى التي ربتني كان عنقريبي ملتصقاً دايماً بعنقريبها تلمسني من حين إلى حين لتطمئن عليّ بجانبها إلى أن وافاها الأجل من قبل أربعين عاماً. نحن أصلاً من "أبو هور" وكلابشه ولازالت باقي الأسرة هناك وطلعت لينا تعويضات عبارة عن أراضي سكنية هناك واستلمناها. جاء جدي من جنوب مصر وامتلك بيتنا الحالي في المهدية، وكان من عادة البيوت القديمة هذه أن يكون فيها بئر، وهذه البئر حفرها عمي سليمان ولازالت موجودة إلى الآن ولكننا قفلناها بطبلة. التحقت في طفولتي بخلوة الشريف عمر الثوري ثم تركتها لخلوة الفكي عثمان قرب سوق أمدرمان، والسبب في ذلك أنني رفضت أكل "الصَدقة" التي كانت جدتي تحذرني منها) ويواصل العوام (أما المدرسة فقد درس إبراهيم عوض في مدرسة الفكي عوض عمر ـ قرب منزل الفنان أحمد حسن جمعة، وهذه المدرسة أسسها عبدالله الثوري وعدد من أسرته. أما والد الفنان إبراهيم عوض فهو العم عوض عبد المجيد، فقد كان من البنائين القديرين وعمل في تأسيس مباني جبل الأولياء، وكانت تجرى بها بعض التعديلات بالحجر الجيري وعليه صبّات خرصانية مع أخيه سليمان عبد المجيد عم إبراهيم عوض). ثم يحكي البروفسور إبراهيم العوام كيف دخل الفنان إبراهيم عوض عالم الورش والحدادة، فبدأ بورشة الزين الشنقيطي شقيق محمد صالح الشنقيطي. وتدرج حتى عمل في ورشة ناصر فصار حداداً ماهراً حتى أنه صمم وصنع باب منزله بشكل بديع وباب جراجه برسوم النوتة الموسيقية. وبالإضافة لما ذكره البروفسور إبراهيم العوام فإنني شخصياً قمت بزيارة الحداد المبدع سليمان إبراهيم (أطال الله عمره) في مدينة الثورة وعلمت منه أنه وإبراهيم عوض كانا شريكين في ورشة واحدة بعد عملهما في ورشة ناصر، وذلك قبل تفرغ الفنان الذري إبراهيم عوض للفن والشعراء والأداء الأصيل. وقد أورد إبراهيم العوام علاقات إبراهيم عوض مع عمالقة ذلك الزمن، كعبد الرحمن الريح والطاهر إبراهيم وإبراهيم الرشيد وعبد اللطيف خضر (ود الحاوي) والسني الضوي ومحجوب سراج وعوض أحمد خليفة وحسين عثمان منصور وغيرهم. ثم أورد العوام كلمات التحليل العلمي الموسيقي لأداء وألحان إبراهيم عوض، فتحدث عنه الماحي سليمان وبروفسور الفاتح الطاهر والفنان محمد عجاج وغيرهم، حيث أجمعوا على تميُّز صوت إبراهيم عوض بأنه تعبيري LYRICAL وتينور TENOR يغطي مساحتين ولا يهاب المناطق الحادة التي هابها معظم من غنوا قبله وبعده من الذين لم يبرحوا المنطقة الوسطى. أما أصدقاء الفنان إبراهيم عوض الذين ذكرهم إبراهيم العوام في كتابه فهم: كمال محمود المحامي، عمر حسين عبد الرحمن، محجوب الحاج، البروفسور الطيب يوسف صالح، السر عبدالماجد، د. عبد اللطيف البوني، د. نصر الدين شلقامي، أحمد بابكر، اللواء يس (يرحمه الله)، الفريق إبراهيم أحمد عبد الكريم (يرحمه الله)، د. حاتم عبد الرحمن، محمد وعادل خوجلي، عبدالله الفاضل، سيف النصر سليمان حجار، محمد سالم الكردي، بروفسور فيصل إبراهيم، حسين محمد الصائغ، محمد آدم وأسرته، والكاتب عيسى الحلو وكثيرون لا يستوعبهم الحصر. وأذكر أيضاً من أصدقاء الفنان الراحل إبراهيم عوض ابن عمي عبد العظيم عثمان أورتشي (رحمه الله) صاحب ومؤسس محل (معروضات البيت السعيد) بسوق أمدرمان، في أواخر الخمسينات وأوائل الستينيات، أول شارع كرري وكان المحل مشهوراً ببيع الهدايا والإلكترونيات وتأجير مكرفونات المناسبات. في إحدى الأُمسيات كنت جالساً مع ابن عمي عبد العظيم عثمان أورتشي وحضر إليه في المحل الفنان إبراهيم عوض وأخبره بالحفل الذي سيقيمه الفنان في إحدى الجامعات، ولأهمية الحفل طلب منه الفنان إبراهيم عوض إحضار ميكرفون آخر احتياطي، إلا أن عبد العظيم أخبره بأن الجهاز الآخر يعمل في حفل آخر. أصر الفنان إبراهيم عوض على ابن عمي بإحضار الجهاز الآخر، وبدأ يشرح له أن الجهاز حديث جداً وله إمكانيات واسعة في ضبط الصوت ونقائه، إلا أن الفنان إبراهيم عوض كان مصراً، وأخيراً اقتنع ابن عمي بإحضار الجهاز الآخر في اليوم المحدد للحفل، وبدأت التجهيزات وبدأ المهندسون في تركيب الميكرفونات وتجربتها، وفي أثناء العمل حضر الفنان إبراهيم عوض كي يتأكد من التجهيزات بغير العادة، بدأت الفرقة المصاحبة بأخذ مقاعدها وتوصيل الأجهزة المصاحبة مثل الأورغن والجيتار والتي كانت في ذاك الوقت تعتبر من الأجهزة المتقدمة جداً والتي اشتهر بإدخالها الفنان إبراهيم عوض مصاحبة لفرقته، إضافة للآلات الموسيقية التقليدية كالعود والكمان. وفي جانب آخر بدأ الجميع من محبي الفنان إبراهيم عوض كل يأخذ موقعه قريباً من المسرح حتى النساء كانوا بنفس القدر من الاهتمام والمتابعة. بدأ الحفل جميلاً رائعاً والجمهور يردد من خلف الفنان والجميع في نشوة مع اللحن والفرقة الموسيقية التي كانت في قمة الإبداع. انتهى الفاصل الأول من الحفل وبعد نصف ساعة صعد الفنان إبراهيم عوض إلى المسرح والناس في شغف لسماع الفاصل الثاني، وبينما الفنان يستعد للغناء تعطل جهاز الميكرفون وبدأ الجميع في السخط والاستياء، وكان ابن عمي سريع التصرف فأوصل الجهاز الآخر واستمر الحفل رائعاً صاخباً وانتهى بسلام. جاء الفنان إبراهيم عوض وشكر ابن عمي على سرعة التصرف، وقال لهشوف يا عبد العظيم الجهاز الاحتياطي نفعنا كيف؟ قائلاً بعدها.. ده ربنا سبحانه وتعالى عامل لينا احتياطي في روحنا، يعني لو تعطلت كلوة واحدة الثانية احتياطي). واستطرد قائلاً: سبحان الله سبحان الله. إن الذكرى الرابعة للمبدع إبراهيم عوض تمر علينا وقد صار الزمان غير الزمان والغناء غير الغناء وكلمات المغنين غير تلك التي تغنى بها إبراهيم عوض ومحمد وردي وأحمد المصطفى وعثمان حسين والكاشف وعبد الحميد يوسف والتاج مصطفى ورمضان حسن وعبد الدافع عثمان وعبد الكريم الكابلي وحمد الريح وعثمان مصطفى وغيرهم وغيرهم فلا يمكن حصرهم. إنّ أهم ما ميّز إبراهيم عوض صوته المختلف عن معاصريه وإدخال آلات الأورغن والسكسفون، كما أدخل إيقاعات جديدة وجعل لألحان عبد الرحمن الريح حلاوة وطلاوة. ولازلت كما قلت في ذكرى سابقة أنادي بالتوثيق لهؤلاء العمالقة من الفنانين والشعراء الذين قلما يجود بهم الزمان. وهنا تجب الإشارة للابن الأستاذ مهتدي سيف النصر سليمان حجار (حفظه الله) الذي هو المرجع الأول والأخير لكل تراث الفنان الذري إبراهيم عوض، ومن هنا نسوق له التحيات وسوف نتصل به في وقت لاحق لإمدادنا بالمزيد من معلومات هذا الفنان العملاق. اللهم إنا نسألك أن تنزل على قبر إبراهيم عوض سحائب الرحمة والرضوان ونسوق التحيات الزاكيات لأسرته العريقة ولأبنائه عوض والتيمان حسن وهاشم وأخوانهما مازن ومحمد ومجتبى. نسأل الله أن يحفظهم ويسدد خطاهم. (بقلم: محمد صالح أورتشي - حي العمدة ـ أمدرمان)