الديكتاتوريون المبشرون بالجحيم (1/2)
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
الديكتاتوريون المبشرون بالجحيم (1/2)
الديكتاتوريون المبشرون بالجحيم (1/2)
فتحي الضو
faldaw@hotmail.com
تُعد مجلة فورين بوليسي Foreign Policy االأمريكية من أكثر المجلات رصانةً في العالم، ذلك نسبة لمصداقيتها واستقلاليتها وحيدتها ودقة معلوماتها في تناول القضايا السياسية والاقتصادية العالمية. أُسست في العام 1970 على يد وارن ديمان مانشيل إلى جانب المفكر الأمريكي ذائع الصيت صموئيل هنتنجيتون، صاحب الكتاب المثير للجدل الذي صدر في العام 1993 تحت عنوان (صدام الحضارات) The Clash of Civilization ويسميه البعض خطأ بـ (صراع الحضارات) وهو ما لم يقله الكاتب. وقد تحول الكتاب بعدئذٍ إلى نظرية ملأت الدنيا وشغلت الناس. وتتميز المجلة أيضاً بنخبة من الكتاب المرموقين عالمياً ورجال دولة، كذلك دأبت على القيام باستطلاعات واستبيانات وقياسات رأي في قضايا مختلفة، مثل قائمة الدول الفاشلة، والمائة شخصية المؤثرة في العالم، وهذه قائمة ضمت وجوهاً مختلفة المشارب على طريقة (سمك لبن تمر هندي) وهناك قائمة مثيرة للجدل سميت بقائمة أسوأ خمسة أبناء لحكام، وجاء هنيبعل ابن الرئيس القذافي من ضمنهم، وكذلك قائمة أسوأ خمس سيدات ينتمين لأسرة حكمت، وجاءت رغد صدام حسين بينهم. وأيضاً هناك قائمة أغبى خمسة فتاوي إسلامية، كانت فتوى إرضاع الموظفة لزميلها في العمل في المركز الثالث وقس على ذلك. أما عددها المخصص لشهر (يوليو/ اغسطس) الذي صدر الاسبوع الماضي فقد ضم قائمة سمتها (أسوأ السيئين) وهي تحتوي على اسم 23 ديكتاتوراً يحكمون 109 مليار نسمة (عدد سكان العالم حوالي 7 مليار تقريباً) توزعوا على جميع أرجاء الكون ولكنهم تركزوا بصفة خاصة في العالمين العربي والأفريقي. وكمعادل موضوعي لهذا السوء ذكرتنا المجلة أنه وفقاً لتقريرـ (بيت الحريات) فإن 60% يعيشون في ظل أنظمة ديمقراطية. وكأنها لا تريد لفرحتنا اكتمالاً قالت إنها ديمقراطيات غير حقيقية. بالرغم من أن النسبة كانت في العام 1950 حوالي 28% وكان الأمل أن تكون انتهاء الحرب الباردة بمثابة نهاية التاريخ!
ومما يجدر ذكره أن مواطننا محمد فتحي إبراهيم الملياردير الشهير في دوائر المال والأعمال العالمية بـ (مو إبراهيم) والذي دخل وفقاً لمجلة (فوربس) قائمة أغنى أغنياء العالم هذا العام. يهمنا من سيرته هنا أنه يرأس مؤسسة مو للحكم الرشيد، وهي المؤسسة التي خصصت جائزة بمبلغ 5 ملايين دولار لأي زعيم أفريقي يضرب مثلاً في النزاهة والحكم الرشيد. وقد جعل كوفي عنان الأمين العام السابق للأمم المتحدة على رأس مجلس إدارتها. والمعروف أن الفائزين بالجائزة حتى الآن هما رئيس بوتسوانا فيستوس موجاي ورئيس موزمبيق السابق جواكيم شيسانو. أما نيلسون مانديلا رئيس جنوب أفريقيا السابق فقد نالها بشكل فخري في العام 2007 وحالياً وللعام الثاني على التوالي لم تجد الجائزة من يأخذ بيدها! مواطننا كتب في ذات عدد المجلة التي نحن بصددها (فورين بوليسي) مقالاً بما قلَّ ودلَّ من كلمات لم تتجاوز المائتي، وعنوَّنه بالفساد Corruptionونظراً لاهتمامات الكاتب سابقة الذكر فلا شك أن كلمة فيه تزن ذهباً، قال في مقدمته (إنه بمثلما يوجد فساد في القمة كذلك هناك فساد في القاعدة أو القاع) أي أنه السرطان سريع الانتشار لو تعلمون!
نعود لموضوعنا الأساسي، ويبدو لي أن المجلة الرصينة لم تلق كثير عناء في اختيار الشخصية الأولى التي تصدرت قائمة الحكام الديكتاتوريين الثلاثة وعشرين كوكباً (الواقع أنها اختارت ذلك الرقم من ضمن 40 ديكتاتوراً حول العالم بحسب زعمها)، فقد جاء الرئيس الكوري الشمالي كيم يونغ إيل في المقدمة بلا منازع. وأشارت المجلة في الحيثيات المختصرة إنه تسبب في إفقار شعبه بشكل فظيع على مدى الستة عشر عاماً التي قضاها في السلطة، لدرجة تغاضى فيها عن المجاعة التي ضربت البلاد عام 1998 في حين استمر في الإنفاق على البرنامج النووي من موارد بلاده المحدودة. هذا فضلاً عن ممارسة الفريضة التي يمارسها كل الديكتاتوريين وهي الزج بمعارضيه في السجون (قدر عددهم بـ 200 ألف) ولكن ما لم تقله المجلة هو أن الزعيم كيم يونغ المريض بداء عضال، في طريقه لتوريث ابنه الثالث والأصغر كيم يونغ أون، وهي سنة متوارثة – برغم تضادها مع النظام الآيديولوجي - حيث أن كيم يونغ نفسه، ورث السلطة من والده كيم إيل سونغ (محبوب الملايين) كما سمته البروباجندا الإعلامية، وهو مؤسس كوريا الشمالية في العام 1945
أما الرئيس روبرت موغابي فقد جاء ترتيبه الثاني، وهو الجالس على عرش السلطة بسنوات حكم ضعف صِنْوه الأول (30 عاماً) لكنه بحسب المجلة التي وصفته بأحد أبطال الاستقلال قالت إنه تحول إلى طاغية مستبد. ولهذا نتيجة لإدمانه السلطة قام بالتخلص من معارضيه، قتلاً وسحلاً وتعذيباً. وقد استحوذ وحاشيته على ثروات البلاد عن طريق التلاعب في العملات والتحويلات خارج الحدود، الأمر الذي تسبب في معدلات نمو سالبة وتضخم مريع بما نسبته بليون في المائة، ونزيد نحن بالشرح ونقول لو إنك يا قارئنا الكريم كنت واحداً من مواطني تلك الدولة، فلسوف تعد نفسك في زمرة المليونيرات، ذلك لأن دولاراً واحداً من عملتها أصبح يعادل 25 مليون دولار أمريكي، وقيل إنه لهذا السبب ترك التجَّار إحصاء النقود لأنها تضيع الوقت، واكتفوا فقط بوضعها على الميزان!
جاء في المرتبة الثالثة الرئيس سان شو زعيم بورما أو ميانمار كما كان يطلق عليها، ومنحته المجلة لقب (عسكري بلا قلب) وقالت إن السلطة استلبت روحه تماماً. وذكرت إنه أسس سوق سوداء مزدهرة لبيع الغاز الطبيعي الذي تشتهر به البلاد. وقالت المجلة إنه بالرغم من ترصيع صدره بما لذَّ وطاب من الأوسمة والنياشين، إلا أنه أجبن من أن يواجه صندوق انتخابات نزيهة. والواقع أن ذلك قول لم يعجبنِ لكأنه لا يعرف التزوير الذي اشتهر به أقرانه، الأمر الذي سيحدث في غضون هذا العام بعد أن قرر إقامة انتخابات بعد 18 عاماً حسوماً، ولا شك أنه سيحذو حذو عصبتنا في ادّعائه سلفاً بأنها ستكون حرة ونزيهة. وكان الأجدر أن تقول المجلة إنه يخشى أونغ سان سو تشي زعيمة المعارضة والحائزة على جائزة نوبل للسلام، والتي احتفلت هذا الشهر بعيد ميلادها الخامس والستين من وراء القضبان، والتي قضت فيها حتى الآن نحو 15 عاماً على ثلاث فترات وما بينهما كان هدنة في إقامة جبرية. وأشارت المجلة إلى متجارته بالكارثة الطبيعية التي حلت ببلاده في العام 2008 في ما سمي بإعصار بورما، يومذاك صادر المساعدات الدولية وقدمها للمنكوبين على قاعدة الولاء مقابل الغذاء.
لشيء في نفس يعقوب، أستميحك يا عزيزي القاريء عذراً في ترك موقع الرئيس الرابع شاغراً إلى حين. ولنقفز إلى الخامس جوربانجولي بيرد محمدوف رئيس تركمانستان، والذي قالت المجلة إنه بالرغم من كونه جاء في أعقاب رحيل ديكتاتور سبق وأن عيَّن نفسه رئيساً مدى الحياة وهو صابر مراد نيازوف أو تركمانباشي أي أب التركمان، ومن حسناته أنه سمى شهور العام باسمه واسماء العائلة الكريمة. أما خلفه فقد حافظ على سياسة سلفه وكان يفخر بقوله إنه صورة طبق الأصل!
وضعت المجلة الرئيس الأريتري أسياس أفورقي في المركز السادس بسنوات بلغت حتى الآن 17 عاماً. ولسبب أجهله اطلقت عليه لقب (مُحرِّر التماسيح) وقالت إنه حوَّل بلاده الصغيرة إلى سجن كبير. منع فيها ممارسة الإعلام المستقل وكذا الانتخابات الحرة. كما فرضت فيه الخدمة الإلزامية العسكرية. وعملت الحكومة على دعم المليشيات الصومالية أكثر من مساعدة الشعب. واقع الأمر هذا بلد أعرفه ويعرفني، فقد عشت بين ظهراني أهله لنحو عقد كامل من الزمن، ولهذا أرغب في الكتابة عنه بتوسع. والحقيقة التي لا مراء فيها إن الدهشة التي صاحبتني في بداية مشواري فيه ما لبثت أن لازمتني حتى لحظة مغادرتي له، وكان محورها حول ماهية الديكتاتورية الموصوم بها أفورقي. فالرجل كما رأيته وعرفته يعيش عيشة بسيطة خالية تماماً من أي مظاهر للبذخ والترف التي يحياها الديكتاتوريون، وبالطبع فإن ذلك مرده للخلفية الثورية التي قدم منها، فضلاً عن أن بلاده نفسها ليست فيها من الثروات ما يدعوه ورفاقه لتكديسها في بنوك سويسرا. ولكن مع كل هذا الزهد فهو لا يطرف له جفن حينما يضع معارضيه في أقبية السجون بلا محاكمات لما يناهز العقد من الزمن، ولا يشغل باله كثيراً إن تواترت روايات تؤكد موت هذا أو ذاك، مع أن بامكانه أن يقدمهم لمحاكمات لا سيما وأن السلطة القضائية نفسها تقع تحت قبضته. بيد أن أكثر ما يؤرقني في هذا البلد، إنه كانت أمامه فرصة كبيرة لأن يكون واحة ديمقراطية لا مثيل لها في المنطقة وربما في العالم، ذلك لأنه خرج للدنيا من حيث انتهت أنظمة شمولية، فلم يكن بحاجة لتجريب المجرب. كما أنه بلد مساحته صغيرة وعدد سكانه قليل مما يُسهِّل عملية الانضباط الديمقراطي، علاوة على أن الجبهة الحاكمة والتي أنجزت عملية الاستقلال بشهادة كل الأريتريين كان يمكن أن تجد دعماً شعبياً شاملاً، لهذه الاسباب لعل هذه هي الديكتاتورية الوحيدة التي نبتت في وادٍ غير ذي زرع!
احتل رئيس أوزبكستان إسلام كاريموف والذي قضى عقدين في السلطة المركز السابع، قالت المجلة إنه الحكم الأسوأ منذ الانفصال من الاتحاد السوفيتي السابق. واشارت إلى أن كاريموف وضع 6500 معارض في السجون لفترات طويلة للغاية، وأصبح يصف كل من يعارضه على سنة السلطة ورسولها بأنه (إرهابي إسلامي) وقد نكل بالذين وقعوا تحت قبضته، منهم اثنان سلقهما وهم أحياء. وقد بطشت يد قواته بمتظاهري عام 2005 بعد انتفاضة محدودة في مدينة أنديجان. وجاء في المركز الثامن أحمدي نجاد الرئيس الإيراني رضى الله عنه، فهو على الرغم من أنه قضى خمسة أعوام فقط في السلطة وصفته المجلة بأنه عنيد وسريع الاستثارة والخائن لفلسفة الحرية في الثورة الإسلامية، وضربت مثلاً في ذلك بملاحقته البرنامج النووي لبلاده رغم المخاطر التي تحدق بها من قبل الغرب وقوانين المجتمع الدولي، وكذا استمراره في إطلاق التصريحات المستفزة باستمرار، وبالطبع لم تنس المجلة انتخابات عام 2009 والتي أصبحت مثالاً للتزور والزور وعنف السلطة، ولا يشفع له أنها أعادته للرئاسة رغم خسارته، بينما أقصت مستحقيها!
جاء جارنا الشرقي مليس زيناوي رئيس وزراء أثيوبيا في المركز التاسع، وقالت المجلة إنه الأسوأ من الديكتاتور مانغستو هيلا ماريام الماركسي لأنه كتم كل أصوات المعارضة. ولعلني كنت شاهد عيان على واحدة حينما كلفت بتقصي إنتخابات العام 2005 والتي حصدت ارواح 131 أثيوبياً خرجوا في تظاهرات لأول مرة في تاريخهم منذ عهد سيدنا سليمان. ومن لم يمت برصاص الأمن كان السجن نصيبه بما في ذلك قادة المعارضة الذين فازوا في الانتخابات. اتهمت المجلة زيناوي بتحويل ملايين الدولارات لبنوك خارجية باسم زوجته التي تحكم من وراء حجاب، واستناداً لمصادر المعارضة قالت المجلة إن النظام ينهب سنوياً ما مقداره مليار دولار من أموال المساعدات الدولية.
جاء هو جينتاو رئيس الصين الشعبية في المركز العاشر (7 سنوات) وصفته المجلة بأنه (امبراطور حربائي) ويعلم الله إنني لأشفق على ديكتاتورية تدير أمور مليار و338 مليون نفس أي ما يعادل 20% من سكان العالم. وقالت إنه بالرغم من الابتسامة والانحناءة التي يقابل بها المستثمرين، فإنه يقمع شعبه وشعب التبت، ونأخذ على المجلة نسيانها دماء شعب لم تجف بعد في العام 2008، وهو شعب الإيجور المسلم (أقلية تعيش غرب البلاد بتعداد نحو 8 ملايين نسمة) وهي الأحداث التي وضعت حكومة المشروع الحضاري في بلادنا في حرج بالغ، يومذاك لاذت بفقه المصلحة، ولم تجد حرجاً في تأييد الجاني الشيوعي وإدانة المجني عليه المسلم! غير ان أكثر ما حيَّرني وصم المجلة جيتاو بقولها: إنه يحاول إرساء ما يسمى بالاستعمار الجديد في أفريقيا ليضمن لبلاده استمرار الحصول على الموارد الطبيعية حتى تبقي على معدلات نموها المتسارعة. ما المانع إذا ما كان في المنهج الآيديولوجي الشيوعي فقه الضرورة أيضاً!
دعونا يا كرام نتوقف عند هؤلاء العشرة الكرام المبشرون بالجحيم. وأكاد أشتم رائحة حب الاستطلاع تكاد تقتلك في معرفة طويل العمر الذي تضوع سيرته ابهاماً وتركنا مكانه شاغراً. وطالما أنك كنت يا مولاي من الصابرين على شطحاته وترهاته لعقدين كاملين من الزمن، فهل بضعة أيام ستزيدك رهقاً؟
الراكوبة
فتحي الضو
faldaw@hotmail.com
تُعد مجلة فورين بوليسي Foreign Policy االأمريكية من أكثر المجلات رصانةً في العالم، ذلك نسبة لمصداقيتها واستقلاليتها وحيدتها ودقة معلوماتها في تناول القضايا السياسية والاقتصادية العالمية. أُسست في العام 1970 على يد وارن ديمان مانشيل إلى جانب المفكر الأمريكي ذائع الصيت صموئيل هنتنجيتون، صاحب الكتاب المثير للجدل الذي صدر في العام 1993 تحت عنوان (صدام الحضارات) The Clash of Civilization ويسميه البعض خطأ بـ (صراع الحضارات) وهو ما لم يقله الكاتب. وقد تحول الكتاب بعدئذٍ إلى نظرية ملأت الدنيا وشغلت الناس. وتتميز المجلة أيضاً بنخبة من الكتاب المرموقين عالمياً ورجال دولة، كذلك دأبت على القيام باستطلاعات واستبيانات وقياسات رأي في قضايا مختلفة، مثل قائمة الدول الفاشلة، والمائة شخصية المؤثرة في العالم، وهذه قائمة ضمت وجوهاً مختلفة المشارب على طريقة (سمك لبن تمر هندي) وهناك قائمة مثيرة للجدل سميت بقائمة أسوأ خمسة أبناء لحكام، وجاء هنيبعل ابن الرئيس القذافي من ضمنهم، وكذلك قائمة أسوأ خمس سيدات ينتمين لأسرة حكمت، وجاءت رغد صدام حسين بينهم. وأيضاً هناك قائمة أغبى خمسة فتاوي إسلامية، كانت فتوى إرضاع الموظفة لزميلها في العمل في المركز الثالث وقس على ذلك. أما عددها المخصص لشهر (يوليو/ اغسطس) الذي صدر الاسبوع الماضي فقد ضم قائمة سمتها (أسوأ السيئين) وهي تحتوي على اسم 23 ديكتاتوراً يحكمون 109 مليار نسمة (عدد سكان العالم حوالي 7 مليار تقريباً) توزعوا على جميع أرجاء الكون ولكنهم تركزوا بصفة خاصة في العالمين العربي والأفريقي. وكمعادل موضوعي لهذا السوء ذكرتنا المجلة أنه وفقاً لتقريرـ (بيت الحريات) فإن 60% يعيشون في ظل أنظمة ديمقراطية. وكأنها لا تريد لفرحتنا اكتمالاً قالت إنها ديمقراطيات غير حقيقية. بالرغم من أن النسبة كانت في العام 1950 حوالي 28% وكان الأمل أن تكون انتهاء الحرب الباردة بمثابة نهاية التاريخ!
ومما يجدر ذكره أن مواطننا محمد فتحي إبراهيم الملياردير الشهير في دوائر المال والأعمال العالمية بـ (مو إبراهيم) والذي دخل وفقاً لمجلة (فوربس) قائمة أغنى أغنياء العالم هذا العام. يهمنا من سيرته هنا أنه يرأس مؤسسة مو للحكم الرشيد، وهي المؤسسة التي خصصت جائزة بمبلغ 5 ملايين دولار لأي زعيم أفريقي يضرب مثلاً في النزاهة والحكم الرشيد. وقد جعل كوفي عنان الأمين العام السابق للأمم المتحدة على رأس مجلس إدارتها. والمعروف أن الفائزين بالجائزة حتى الآن هما رئيس بوتسوانا فيستوس موجاي ورئيس موزمبيق السابق جواكيم شيسانو. أما نيلسون مانديلا رئيس جنوب أفريقيا السابق فقد نالها بشكل فخري في العام 2007 وحالياً وللعام الثاني على التوالي لم تجد الجائزة من يأخذ بيدها! مواطننا كتب في ذات عدد المجلة التي نحن بصددها (فورين بوليسي) مقالاً بما قلَّ ودلَّ من كلمات لم تتجاوز المائتي، وعنوَّنه بالفساد Corruptionونظراً لاهتمامات الكاتب سابقة الذكر فلا شك أن كلمة فيه تزن ذهباً، قال في مقدمته (إنه بمثلما يوجد فساد في القمة كذلك هناك فساد في القاعدة أو القاع) أي أنه السرطان سريع الانتشار لو تعلمون!
نعود لموضوعنا الأساسي، ويبدو لي أن المجلة الرصينة لم تلق كثير عناء في اختيار الشخصية الأولى التي تصدرت قائمة الحكام الديكتاتوريين الثلاثة وعشرين كوكباً (الواقع أنها اختارت ذلك الرقم من ضمن 40 ديكتاتوراً حول العالم بحسب زعمها)، فقد جاء الرئيس الكوري الشمالي كيم يونغ إيل في المقدمة بلا منازع. وأشارت المجلة في الحيثيات المختصرة إنه تسبب في إفقار شعبه بشكل فظيع على مدى الستة عشر عاماً التي قضاها في السلطة، لدرجة تغاضى فيها عن المجاعة التي ضربت البلاد عام 1998 في حين استمر في الإنفاق على البرنامج النووي من موارد بلاده المحدودة. هذا فضلاً عن ممارسة الفريضة التي يمارسها كل الديكتاتوريين وهي الزج بمعارضيه في السجون (قدر عددهم بـ 200 ألف) ولكن ما لم تقله المجلة هو أن الزعيم كيم يونغ المريض بداء عضال، في طريقه لتوريث ابنه الثالث والأصغر كيم يونغ أون، وهي سنة متوارثة – برغم تضادها مع النظام الآيديولوجي - حيث أن كيم يونغ نفسه، ورث السلطة من والده كيم إيل سونغ (محبوب الملايين) كما سمته البروباجندا الإعلامية، وهو مؤسس كوريا الشمالية في العام 1945
أما الرئيس روبرت موغابي فقد جاء ترتيبه الثاني، وهو الجالس على عرش السلطة بسنوات حكم ضعف صِنْوه الأول (30 عاماً) لكنه بحسب المجلة التي وصفته بأحد أبطال الاستقلال قالت إنه تحول إلى طاغية مستبد. ولهذا نتيجة لإدمانه السلطة قام بالتخلص من معارضيه، قتلاً وسحلاً وتعذيباً. وقد استحوذ وحاشيته على ثروات البلاد عن طريق التلاعب في العملات والتحويلات خارج الحدود، الأمر الذي تسبب في معدلات نمو سالبة وتضخم مريع بما نسبته بليون في المائة، ونزيد نحن بالشرح ونقول لو إنك يا قارئنا الكريم كنت واحداً من مواطني تلك الدولة، فلسوف تعد نفسك في زمرة المليونيرات، ذلك لأن دولاراً واحداً من عملتها أصبح يعادل 25 مليون دولار أمريكي، وقيل إنه لهذا السبب ترك التجَّار إحصاء النقود لأنها تضيع الوقت، واكتفوا فقط بوضعها على الميزان!
جاء في المرتبة الثالثة الرئيس سان شو زعيم بورما أو ميانمار كما كان يطلق عليها، ومنحته المجلة لقب (عسكري بلا قلب) وقالت إن السلطة استلبت روحه تماماً. وذكرت إنه أسس سوق سوداء مزدهرة لبيع الغاز الطبيعي الذي تشتهر به البلاد. وقالت المجلة إنه بالرغم من ترصيع صدره بما لذَّ وطاب من الأوسمة والنياشين، إلا أنه أجبن من أن يواجه صندوق انتخابات نزيهة. والواقع أن ذلك قول لم يعجبنِ لكأنه لا يعرف التزوير الذي اشتهر به أقرانه، الأمر الذي سيحدث في غضون هذا العام بعد أن قرر إقامة انتخابات بعد 18 عاماً حسوماً، ولا شك أنه سيحذو حذو عصبتنا في ادّعائه سلفاً بأنها ستكون حرة ونزيهة. وكان الأجدر أن تقول المجلة إنه يخشى أونغ سان سو تشي زعيمة المعارضة والحائزة على جائزة نوبل للسلام، والتي احتفلت هذا الشهر بعيد ميلادها الخامس والستين من وراء القضبان، والتي قضت فيها حتى الآن نحو 15 عاماً على ثلاث فترات وما بينهما كان هدنة في إقامة جبرية. وأشارت المجلة إلى متجارته بالكارثة الطبيعية التي حلت ببلاده في العام 2008 في ما سمي بإعصار بورما، يومذاك صادر المساعدات الدولية وقدمها للمنكوبين على قاعدة الولاء مقابل الغذاء.
لشيء في نفس يعقوب، أستميحك يا عزيزي القاريء عذراً في ترك موقع الرئيس الرابع شاغراً إلى حين. ولنقفز إلى الخامس جوربانجولي بيرد محمدوف رئيس تركمانستان، والذي قالت المجلة إنه بالرغم من كونه جاء في أعقاب رحيل ديكتاتور سبق وأن عيَّن نفسه رئيساً مدى الحياة وهو صابر مراد نيازوف أو تركمانباشي أي أب التركمان، ومن حسناته أنه سمى شهور العام باسمه واسماء العائلة الكريمة. أما خلفه فقد حافظ على سياسة سلفه وكان يفخر بقوله إنه صورة طبق الأصل!
وضعت المجلة الرئيس الأريتري أسياس أفورقي في المركز السادس بسنوات بلغت حتى الآن 17 عاماً. ولسبب أجهله اطلقت عليه لقب (مُحرِّر التماسيح) وقالت إنه حوَّل بلاده الصغيرة إلى سجن كبير. منع فيها ممارسة الإعلام المستقل وكذا الانتخابات الحرة. كما فرضت فيه الخدمة الإلزامية العسكرية. وعملت الحكومة على دعم المليشيات الصومالية أكثر من مساعدة الشعب. واقع الأمر هذا بلد أعرفه ويعرفني، فقد عشت بين ظهراني أهله لنحو عقد كامل من الزمن، ولهذا أرغب في الكتابة عنه بتوسع. والحقيقة التي لا مراء فيها إن الدهشة التي صاحبتني في بداية مشواري فيه ما لبثت أن لازمتني حتى لحظة مغادرتي له، وكان محورها حول ماهية الديكتاتورية الموصوم بها أفورقي. فالرجل كما رأيته وعرفته يعيش عيشة بسيطة خالية تماماً من أي مظاهر للبذخ والترف التي يحياها الديكتاتوريون، وبالطبع فإن ذلك مرده للخلفية الثورية التي قدم منها، فضلاً عن أن بلاده نفسها ليست فيها من الثروات ما يدعوه ورفاقه لتكديسها في بنوك سويسرا. ولكن مع كل هذا الزهد فهو لا يطرف له جفن حينما يضع معارضيه في أقبية السجون بلا محاكمات لما يناهز العقد من الزمن، ولا يشغل باله كثيراً إن تواترت روايات تؤكد موت هذا أو ذاك، مع أن بامكانه أن يقدمهم لمحاكمات لا سيما وأن السلطة القضائية نفسها تقع تحت قبضته. بيد أن أكثر ما يؤرقني في هذا البلد، إنه كانت أمامه فرصة كبيرة لأن يكون واحة ديمقراطية لا مثيل لها في المنطقة وربما في العالم، ذلك لأنه خرج للدنيا من حيث انتهت أنظمة شمولية، فلم يكن بحاجة لتجريب المجرب. كما أنه بلد مساحته صغيرة وعدد سكانه قليل مما يُسهِّل عملية الانضباط الديمقراطي، علاوة على أن الجبهة الحاكمة والتي أنجزت عملية الاستقلال بشهادة كل الأريتريين كان يمكن أن تجد دعماً شعبياً شاملاً، لهذه الاسباب لعل هذه هي الديكتاتورية الوحيدة التي نبتت في وادٍ غير ذي زرع!
احتل رئيس أوزبكستان إسلام كاريموف والذي قضى عقدين في السلطة المركز السابع، قالت المجلة إنه الحكم الأسوأ منذ الانفصال من الاتحاد السوفيتي السابق. واشارت إلى أن كاريموف وضع 6500 معارض في السجون لفترات طويلة للغاية، وأصبح يصف كل من يعارضه على سنة السلطة ورسولها بأنه (إرهابي إسلامي) وقد نكل بالذين وقعوا تحت قبضته، منهم اثنان سلقهما وهم أحياء. وقد بطشت يد قواته بمتظاهري عام 2005 بعد انتفاضة محدودة في مدينة أنديجان. وجاء في المركز الثامن أحمدي نجاد الرئيس الإيراني رضى الله عنه، فهو على الرغم من أنه قضى خمسة أعوام فقط في السلطة وصفته المجلة بأنه عنيد وسريع الاستثارة والخائن لفلسفة الحرية في الثورة الإسلامية، وضربت مثلاً في ذلك بملاحقته البرنامج النووي لبلاده رغم المخاطر التي تحدق بها من قبل الغرب وقوانين المجتمع الدولي، وكذا استمراره في إطلاق التصريحات المستفزة باستمرار، وبالطبع لم تنس المجلة انتخابات عام 2009 والتي أصبحت مثالاً للتزور والزور وعنف السلطة، ولا يشفع له أنها أعادته للرئاسة رغم خسارته، بينما أقصت مستحقيها!
جاء جارنا الشرقي مليس زيناوي رئيس وزراء أثيوبيا في المركز التاسع، وقالت المجلة إنه الأسوأ من الديكتاتور مانغستو هيلا ماريام الماركسي لأنه كتم كل أصوات المعارضة. ولعلني كنت شاهد عيان على واحدة حينما كلفت بتقصي إنتخابات العام 2005 والتي حصدت ارواح 131 أثيوبياً خرجوا في تظاهرات لأول مرة في تاريخهم منذ عهد سيدنا سليمان. ومن لم يمت برصاص الأمن كان السجن نصيبه بما في ذلك قادة المعارضة الذين فازوا في الانتخابات. اتهمت المجلة زيناوي بتحويل ملايين الدولارات لبنوك خارجية باسم زوجته التي تحكم من وراء حجاب، واستناداً لمصادر المعارضة قالت المجلة إن النظام ينهب سنوياً ما مقداره مليار دولار من أموال المساعدات الدولية.
جاء هو جينتاو رئيس الصين الشعبية في المركز العاشر (7 سنوات) وصفته المجلة بأنه (امبراطور حربائي) ويعلم الله إنني لأشفق على ديكتاتورية تدير أمور مليار و338 مليون نفس أي ما يعادل 20% من سكان العالم. وقالت إنه بالرغم من الابتسامة والانحناءة التي يقابل بها المستثمرين، فإنه يقمع شعبه وشعب التبت، ونأخذ على المجلة نسيانها دماء شعب لم تجف بعد في العام 2008، وهو شعب الإيجور المسلم (أقلية تعيش غرب البلاد بتعداد نحو 8 ملايين نسمة) وهي الأحداث التي وضعت حكومة المشروع الحضاري في بلادنا في حرج بالغ، يومذاك لاذت بفقه المصلحة، ولم تجد حرجاً في تأييد الجاني الشيوعي وإدانة المجني عليه المسلم! غير ان أكثر ما حيَّرني وصم المجلة جيتاو بقولها: إنه يحاول إرساء ما يسمى بالاستعمار الجديد في أفريقيا ليضمن لبلاده استمرار الحصول على الموارد الطبيعية حتى تبقي على معدلات نموها المتسارعة. ما المانع إذا ما كان في المنهج الآيديولوجي الشيوعي فقه الضرورة أيضاً!
دعونا يا كرام نتوقف عند هؤلاء العشرة الكرام المبشرون بالجحيم. وأكاد أشتم رائحة حب الاستطلاع تكاد تقتلك في معرفة طويل العمر الذي تضوع سيرته ابهاماً وتركنا مكانه شاغراً. وطالما أنك كنت يا مولاي من الصابرين على شطحاته وترهاته لعقدين كاملين من الزمن، فهل بضعة أيام ستزيدك رهقاً؟
الراكوبة
nashi- مشرف المنتدى الرياضى
رد: الديكتاتوريون المبشرون بالجحيم (1/2)
ما أحلى وما أريح أن تكون مواطنا عاديا تكدح وتكافح مثلك مثل الاخرين.
جاه وسلطان واتهام بالدكتاتوريه وعيشه مشروطه (لشنو) وفى (شنو).
أنا مالى و (الهوى)
جاه وسلطان واتهام بالدكتاتوريه وعيشه مشروطه (لشنو) وفى (شنو).
أنا مالى و (الهوى)
عوض السيد ابراهيم- مشرف المنتدى العام
رد: الديكتاتوريون المبشرون بالجحيم (1/2)
الديكتاتوريون المبشرون بالجحيم (2/2)
الرقابة الأمنية منعت الجزء الأخير من المقال الخاص بالرئيس البشير
فتحي الضو
faldaw@hotmail.com
مواصلة للجزء الأول من المقال الذي أوردنا فيه اسماء العشرة المبشرين بالجحيم. تجدر الاشارة إلى أن هذه القائمة ليست صمدية، لأنه وفقاً لحديث المجلة (فورين بوليسي); فإن العديد من الدول تطيح بديكتاتور لتفاجأ باستيلاء قرينه على السلطة، لكأنما الأمر يدور في حلقة مفرغة، بل حتى هؤلاء جاءوا إلى السلطة وهم يذرفون دموعاً على الحريات المُهدرة حتى كادت شعوبهم أن تذوب خجلاً من فرط ديمقراطيتهم. ولكن بمجرد جلوسهم على الكراسي تجدهم يمارسون ذات الموبقات، لتكتشف هذه الشعوب أن تلك لم تكن سوى دموع التماسيح. الذي لفت نظري في هذه القائمة أن الذين اتّخذوا الإسلام مطية بلغوا 9 من جملة الـ 23 طاغية ولا غروَّ أن نصفهم تقريباً في العشرة الأوائل. وليس الأمر وقفاً على فورين بوليسي وحدها، فثمة اجتهادات مماثلة لمؤسسات ومراكز تتمتع بمصداقية عالية مثل منظمة الشفافية الدولية التي لديها قائمة باسماء الدول الفاشلة، لم تبتعد عن هذه القائمة إلا بمقدار، وكذلك هناك موقع آخر (الموكب) Parade يقدم خدماته لنحو 74 مليون مشترك، ذكر نفس الوجوه مع تغيير وتبديل في المواقع، ولم يضف سوى المملكة العربية السعودية. بيد أنني أود أن أقول إن الديكتاتورية لا تحتاج لفورين بوليسي أو أي من هؤلاء، فهي واضحة كالشمس في رابعة السماء ولا ينكرها إلا من كان في عينه رمد. وأكثر ما يعيي المرء في هؤلاء طعنهم الظل وتركهم الفيل، أي تشكيكهم في المصدر وغض الطرف عن الديكتاتورية التي يرفلون في نعيمها!
بالعودة للقائمة، لا أدري لماذا ساورني شك عظيم في أن العقيد معمر القذافي الذي جاء في المركز الحادي عشر ستصيبه غيرة شديدة لعدم حصوله على المركز الأول، لا سيّما، وهو يعد الآن عميد الرؤساء العرب والأفارقة، بل دخل مضمار العالمية بعد فيدل كاسترو الذي نحاه المرض عن الحكم بعد نصف قرن إلا خمسة ايام (بالطبع هناك ملوك وأمراء عمَّروا في السلطة ولكنهم لا يحكمون، مثل بوميبول أدولياديج ملك تايلاند واليزابيث الثانية ملكة بريطانيا وألبرت رينيه الثاني أمير أمارة موناكو) أما العقيد فقد استبقى نفسه في سدة السلطة لمدة 41 عاماً حتى الآن ولا يعلم أحد أيان مرساها، ذلك لأنه ليس ثمة انتخابات تلوح في الأفق، فالتمثيل تدجيل وفقاً لهرطقات كتابه الأخضر، ولا حركة جماهيرية تمور تحت السطح ولا فوقه، ذلك لأنه صاحب يد طولى لا تستصعب الوصول لمعارضيه أينما حلوا وحيثما كانوا. والعقيد شأنه شأن أي مهووس بسلطة يخشى فراقها، فهو يعمل على توريث ابنه سيف الإسلام، الذي تمرس على مهام الرئاسة من قبل أن تأتيه الخلافة منقادة تجرجر أذيالها!
حتى نكون منصفين يجب التأكيد على أن ما سبق أعلاه هو انطباعاتنا الخاصة، وليست من بنات أفكار مجلة فورين بوليسي صاحبة قياس الرأي العام، والتي وضعت العقيد في ذلك الموقع الذي افترضنا أنه لا يتواءم والأربعة عقود زمنية التي قضاها في دست الحكم. أما رأي المجلة فقد ذكرت في حيثياتها أنه شخص مغرور وغريب الأطوار، وأضافت أنه مشهور بسياساته الشاذة وأحاديثه المُطلسمة والملتوية، مشيرة إلى أن العقيد القذافي يدير دولة بوليسية تستند على رؤيته المتضمنة كتابه الأخضر، والذي اعتبرته مستنسخ من الكتاب الأحمر للزعيم الصيني الراحل ماو تسي تونغ، وقالت إنه يدعي فيه إنه يحتوي على حل لمسألة الديمقراطية، وليتها قالت إن الاثنين لا يغنيان ولايسمنان من جوع. وختمت تقييمها لشخصية القذافي بقولها إنه يحلو له أن يتقمص دوماً دور ملك ملوك أفريقيا، وتلك لعمري فرضية تفتح شهيتنا لحديث منفصل قد يطول ويطرب سامعيه!
المركز الثاني عشر تم تسكين الرئيس السوري بشار الأسد فيه. المفارقة أن كثيرين بما فيهم المجلة نفسها صاحبة الاستبيان نسوا أو تناسوا أن الأسد الصغير هو أول من قطف ثمار التوريث في سلم الحاكمين في العالم العربي. عموماً فقد ذكرت المجلة أن حكمه الذي قضى فيه عشر أعوام يجييء امتداداً لحكم والده الذي وافته المنية بعد نحو ثلاثة عقود زمنية في الرئاسة، قالت المجلة إن الأسد الصغير يحاول (ارتداء حذاء أبيه وإن كان واسعاً جداً عليه) مشيرة إلى أنه ينفق بلايين الدولارات في مغامرات طائشة في العراق ولبنان، متجاهلاً احتياجات الشعب السوري الأساسية، ولا أظن أن القاريء الحصيف المتابع للشأن السوري في حاجة لقول المجلة إن قبضة الأجهزة الأمنية المكثفة تعمل على ضمان ألا يشتكي أو يتذمر أحد من المواطنين، لأن تلك من البدهيات التي أصبحت لا تلفت انتباه أحد، بل على العكس اتخذها السوريون منطلقاً للتنكيت والتبكيت مثل قولهم إن كلابهم حينما تريد أن تنبح تركض نحو الحدود اللبنانية لتنبح وتعود، بالرغم من أنها نكتة لكن المتأمل يستطيع تطبيقها على كل بلدان العالم العربي من المحيط إلى الخليج!
المركز الثالث عشر خصصته المجلة للرئيس التشادي إدريس ديبي. وهذا رئيس في الواقع لن يضيره شيئاً إن نعته بالديكتاتورية أو وصفته بالديمقراطية، فهو مثل كثيرين وصلوا إلى السلطة قبل عشرين عاماً بعد أن قاد تمرداً مسلحاً ضد ديكتاتور سابق. وكان يمكن ألا يكون في الحكم حتى الآن لولا أن خدمته ظروف كثيرة، ولكن لأن السلطة سجال في تشاد كما في سائر البلدان الأفريقية، فإن سيادته بحسب تأكيد المجلة يواجه تحدياً مماثلاً من أحد اعضاء حكومته السابقين والذي لم تذكر اسمه. لكن هذا كفيل بأن يقوم ديبي بتوجيه معظم النفقات الاجتماعية للمجهود الحربي، وقالت المجلة أيضاً إنه قام ببناء (خندق مائي) حول العاصمة إنجمينا لحماية نفسه من هجمات المتمردين. وبذا يحق لسيادته أن يفخر بأنه الرئيس المسلم الوحيد الذي طبق نظرية سلمان الفارسي بعد أربعة عشر قرناً!
جاء رئيس غينيا الاستوائية ثيودور أوبيانج نجيما مباسوغو في المركز الرابع عشر، والذي قضى 31 عاماً في السلطة قابلة للزيادة. قالت المجلة إن الرئيس وعائلته الكريمة يسيطرون فعلياً على الاقتصاد، إذ يحوزون على ما يفوق الـ 600 مليون دولار، بينما السواد الأعظم من الشعب يرذل في فقر مدقع. وأضافت المجلة أن الدخل القومي الذي تجنيه البلاد من البترول والغاز الطبيعي يوازي الدخل القومي في دول أوروبية، لكن الفارق في كيفية توجيهه نحو مصارفه الطبيعية!
الديكتاتور الذي جاء في المركز الـ 15 بلغ من العمر عتياً وما زال يتشبث بالرئاسة ولا يطيق لها فراقاً، قالت المجلة إن الرئيس المصري محمد حسني مبارك، تعمد الإبقاء على قانون الطواريء طيلة فترة حكمه والتي بلغت 29 عاماً بغرض سحق أي نشاط معارض وتوريث ابنه جمال مؤخراً، والحقيقة أن هذه الفرضية أصبحت الآن في حكم المؤكد بعد طول جدال وشد وجذب ونفي واثبات. وقالت المجلة إن الرئيس مبارك حاز فعلياً على نسبة 23% فقط من أصوات الناخبين في انتخابات عام 2005 الرئاسية مشيرة إلى انه ليس في الأمر عجب. لكن ما لم تقله المجلة أنه الرئيس الاستثناء في العالم الذي ليس لديه نائب منذ تقلده الرئاسة. ويبدو أنه ولهذا السبب قالت المجلة إن مبارك حاكم مستبد شديد الارتياب ممن حوله، وكثير الشكوك حتى من ظله، وإنه يريد أن يحكم بصورة مطلقة!
جاء رئيس جامبيا يحيى جامع في المركز 16 بمثل عدد سنوات حكمه في السلطة. وصفته المجلة بأنه مهرج غريب الأطوار، أخذ على نفسه عهداً بأن يحكم لمدة أربعين عاماً، وقد ادّعى إنه اخترع علاجاً لمرض نقص المناعة المكتسب (الأيدز) وادّعى أيضاً بأن لديه نفحات صوفية سوف تحيل بلاده إلى دولة بترولية وإن لم يحن أوان ذلك بعد. وقد بلغت به النرجسية مبلغاً بأن فرض على رعيته مناداته بهذا اللقب الطويل.. فخامة الشيخ البروفسير الحاج دكتور يحيى عبد العزيز جميس جامع. وتلاه في الترتيب الرئيس الفنزويلي هوجو شافيز، أطلقت عليه المجلة اسم القائد الدجال للثورة، وقالت إنه اختط مذهباً ديمقراطياً للمشاركة بحيث يكون له فيه السطوة الفردانية. وأشارت إلى أنه قام بسجن قادة المعارضة، وقام بإغلاق وسائل الإعلام المستقلة، وأطلق مدة الرئاسة لتبقى مفتوحة حتى يخلد نفسه في السلطة استكمالاً لإحدى عشر عاماً قضاها في هرمها. لكن يشعر المرء أن معايير المجلة قد اختلت هنا باعتبارات الأيديولوجيا!
أما رئيس بوركينا فاسو بليز كومباوري، فقد وصفته بأنه حاكم بلا رؤية ولا أجندة وصل للحكم عام 1987 بعد مقتل سلفه توماس سانكارا في انقلاب عسكري، حافظ على سلطة مستدامة بالتخلص من خصومه والخارجين على سلطته بالوسائل المعروفة. الرئيس اليوغندي يوري موسيفيني إحتل المرتبة 19 بعد 24 عاماً في السلطةً تنكر فيها لمقولة قالها لليوغنديين عشية إعلانه رئيساً (يجب ألا يبقى قائداً أفريقياً في السلطة أكثر من 10 اعوام) لكنه ظل يتحايل على المقولة بواسطة انتخابات ظاهرية. وتلاه في المرتبة الرئيس الرواندي بول كاجيمي، قالت المجلة إنه أنقذ التوتسي من التطهير العرقي في العام 1994 لكنه الآن يمارس نفس سياسة التمييز العنصرية، ويسيطر حزب الجبهة الوطنية الذي يرأسه على كل مقاليد السلطة، الأمن والخدمة المدنية والقضاء والبنوك والجامعات وكل مؤسسات الدولة. ويقوم باعتقال كل من يعارضه إما بدعوى إنه انقسامي أو مُخرِّب!
جاء الرئيس الكوبي راؤول كاسترو في المركز الحادي والعشرين. ويبدو أيضاً أن معيار المجلة اختلّ، ليس لأنه قضى عامين فقط في السلطة بعد تنحي شقيقه فيديل كاسترو، ولكن لأن حديث المجلة جاء موجهاً للأخير باعتبار الأول امتداداً له. مثل قولها إنه يرثى له لأنه غير مدرك بأن الثورة التي قادها منذ أكثر من نصف قرن شُيعت لمثواها الأخير وانتهت إلى فشل ذريع واصبحت لا تواكب تطلعات الكوبيين في الزمن الحاضر، وأضافت إنه يعزي باللائمة على المؤامرات الخارجية ويستخدم هذه الذرائع لمزيد من القبضة على شعبه! وعليه فإن جريرة راؤول إنه ورث هذه التركة!
احتلّ الرئيس البيلاروسي ألكساندر لوكشينكو الذي ظل في السلطة لمدة 16 عاماً المرتبة الـ 22 ووصفته بأنه حاكم مستبد يسيطر على دولته بقبضة حديدية، ويستخدم جهاز الأمن (الكيه جي بي) في قمع المعارضين. وقالت إن طريقته الوحشية في الحكم رشحته لأن يحمل لقب (آخر ديكتاتور في أوروبا) بينما جاء في ذيل القائمة الرئيس الكاميروني بول بيا وقالت عنه إنه لص لطيف كدَّس لحسابه الخاص أكثر من 200 مليون دولار وقصور، ثمَّ قام بتدجين المعارضة وتلاعب بالقوانين مرتين في انتخابات صورية في فترة الـ 28 عاماً التي قضاها في الحكم حتى يضمن سيطرة حزبه!
أما الرئيس الذي جاء في المرتبة الرابعة وأرجأنا الحديث عنه حتى يكون ختامها مسك، فهو يا هداك الله رئيسنا المفدى المشير عمر حسن أحمد البشير. قالت عنه المجلة إنه شخص متعطش للسلطة، ومثال للذين يعتقدون بأنهم على حق في مناصرة أفكارهم العقدية أو السياسية المتطرفة حتى ولو أثبتت خطلها. وأشارت إلى أنه لا يتوانى في استخدام القوة المفرطة لوقف تمدد النشاط المعارض. واعتبرته مسؤولاً عن موت ملايين السودانيين، وقالت لهذا فهو أصبح مطلوباً من المحكمة الجنائية. وقالت إنه قضى 21 عاماً في الحكم. واقع الأمر وجدت نفسي ألعن سنسفيل هذه المجلة التي لم تتابع تطورات الوضع في السودان عن كثب. فيبدو أنها لم تسمع بأن عصبتنا أقامت انتخابات حرة ونزيهة، وأن رئيسنا المفدى اكتسح خصومه المفترضين وتقدم عليهم بلا منافسة، وأن هذه الانتخابات جبَّت ما قبلها من مآسٍ ملّ الناس تكرارها في العقدين المنصرمين. وأنها لم تعلم بأن بلدي الحبيب ينعم بديمقراطية لا توجد حتى في بريطانيا كما قال أحدهم، وأن الحريات مصانة والأمن مستتب، وأن الناس يعيشون ترفاً في التعليم، ورغداً في العيش، وينعمون بصحة جيدة حتى كادت المستشفيات أن تغلق أبوابها، وأن حكومتنا الرشيدة لم تتكون من 77 وزيراً إلا لأننا أردنا أن ندخل بها موسوعة جينيس للأرقام القياسية فقط لا غير، وأن الشعب المطيع حمد لها صنيعها، مثلما شكر الله الذي أنعم علينا برئيس احتلّ المركز الرابع بعدما استعصمنا بذيل كل قائمة في الدنيا... حتى في كرة القدم!!
الراكوبة
الرقابة الأمنية منعت الجزء الأخير من المقال الخاص بالرئيس البشير
فتحي الضو
faldaw@hotmail.com
مواصلة للجزء الأول من المقال الذي أوردنا فيه اسماء العشرة المبشرين بالجحيم. تجدر الاشارة إلى أن هذه القائمة ليست صمدية، لأنه وفقاً لحديث المجلة (فورين بوليسي); فإن العديد من الدول تطيح بديكتاتور لتفاجأ باستيلاء قرينه على السلطة، لكأنما الأمر يدور في حلقة مفرغة، بل حتى هؤلاء جاءوا إلى السلطة وهم يذرفون دموعاً على الحريات المُهدرة حتى كادت شعوبهم أن تذوب خجلاً من فرط ديمقراطيتهم. ولكن بمجرد جلوسهم على الكراسي تجدهم يمارسون ذات الموبقات، لتكتشف هذه الشعوب أن تلك لم تكن سوى دموع التماسيح. الذي لفت نظري في هذه القائمة أن الذين اتّخذوا الإسلام مطية بلغوا 9 من جملة الـ 23 طاغية ولا غروَّ أن نصفهم تقريباً في العشرة الأوائل. وليس الأمر وقفاً على فورين بوليسي وحدها، فثمة اجتهادات مماثلة لمؤسسات ومراكز تتمتع بمصداقية عالية مثل منظمة الشفافية الدولية التي لديها قائمة باسماء الدول الفاشلة، لم تبتعد عن هذه القائمة إلا بمقدار، وكذلك هناك موقع آخر (الموكب) Parade يقدم خدماته لنحو 74 مليون مشترك، ذكر نفس الوجوه مع تغيير وتبديل في المواقع، ولم يضف سوى المملكة العربية السعودية. بيد أنني أود أن أقول إن الديكتاتورية لا تحتاج لفورين بوليسي أو أي من هؤلاء، فهي واضحة كالشمس في رابعة السماء ولا ينكرها إلا من كان في عينه رمد. وأكثر ما يعيي المرء في هؤلاء طعنهم الظل وتركهم الفيل، أي تشكيكهم في المصدر وغض الطرف عن الديكتاتورية التي يرفلون في نعيمها!
بالعودة للقائمة، لا أدري لماذا ساورني شك عظيم في أن العقيد معمر القذافي الذي جاء في المركز الحادي عشر ستصيبه غيرة شديدة لعدم حصوله على المركز الأول، لا سيّما، وهو يعد الآن عميد الرؤساء العرب والأفارقة، بل دخل مضمار العالمية بعد فيدل كاسترو الذي نحاه المرض عن الحكم بعد نصف قرن إلا خمسة ايام (بالطبع هناك ملوك وأمراء عمَّروا في السلطة ولكنهم لا يحكمون، مثل بوميبول أدولياديج ملك تايلاند واليزابيث الثانية ملكة بريطانيا وألبرت رينيه الثاني أمير أمارة موناكو) أما العقيد فقد استبقى نفسه في سدة السلطة لمدة 41 عاماً حتى الآن ولا يعلم أحد أيان مرساها، ذلك لأنه ليس ثمة انتخابات تلوح في الأفق، فالتمثيل تدجيل وفقاً لهرطقات كتابه الأخضر، ولا حركة جماهيرية تمور تحت السطح ولا فوقه، ذلك لأنه صاحب يد طولى لا تستصعب الوصول لمعارضيه أينما حلوا وحيثما كانوا. والعقيد شأنه شأن أي مهووس بسلطة يخشى فراقها، فهو يعمل على توريث ابنه سيف الإسلام، الذي تمرس على مهام الرئاسة من قبل أن تأتيه الخلافة منقادة تجرجر أذيالها!
حتى نكون منصفين يجب التأكيد على أن ما سبق أعلاه هو انطباعاتنا الخاصة، وليست من بنات أفكار مجلة فورين بوليسي صاحبة قياس الرأي العام، والتي وضعت العقيد في ذلك الموقع الذي افترضنا أنه لا يتواءم والأربعة عقود زمنية التي قضاها في دست الحكم. أما رأي المجلة فقد ذكرت في حيثياتها أنه شخص مغرور وغريب الأطوار، وأضافت أنه مشهور بسياساته الشاذة وأحاديثه المُطلسمة والملتوية، مشيرة إلى أن العقيد القذافي يدير دولة بوليسية تستند على رؤيته المتضمنة كتابه الأخضر، والذي اعتبرته مستنسخ من الكتاب الأحمر للزعيم الصيني الراحل ماو تسي تونغ، وقالت إنه يدعي فيه إنه يحتوي على حل لمسألة الديمقراطية، وليتها قالت إن الاثنين لا يغنيان ولايسمنان من جوع. وختمت تقييمها لشخصية القذافي بقولها إنه يحلو له أن يتقمص دوماً دور ملك ملوك أفريقيا، وتلك لعمري فرضية تفتح شهيتنا لحديث منفصل قد يطول ويطرب سامعيه!
المركز الثاني عشر تم تسكين الرئيس السوري بشار الأسد فيه. المفارقة أن كثيرين بما فيهم المجلة نفسها صاحبة الاستبيان نسوا أو تناسوا أن الأسد الصغير هو أول من قطف ثمار التوريث في سلم الحاكمين في العالم العربي. عموماً فقد ذكرت المجلة أن حكمه الذي قضى فيه عشر أعوام يجييء امتداداً لحكم والده الذي وافته المنية بعد نحو ثلاثة عقود زمنية في الرئاسة، قالت المجلة إن الأسد الصغير يحاول (ارتداء حذاء أبيه وإن كان واسعاً جداً عليه) مشيرة إلى أنه ينفق بلايين الدولارات في مغامرات طائشة في العراق ولبنان، متجاهلاً احتياجات الشعب السوري الأساسية، ولا أظن أن القاريء الحصيف المتابع للشأن السوري في حاجة لقول المجلة إن قبضة الأجهزة الأمنية المكثفة تعمل على ضمان ألا يشتكي أو يتذمر أحد من المواطنين، لأن تلك من البدهيات التي أصبحت لا تلفت انتباه أحد، بل على العكس اتخذها السوريون منطلقاً للتنكيت والتبكيت مثل قولهم إن كلابهم حينما تريد أن تنبح تركض نحو الحدود اللبنانية لتنبح وتعود، بالرغم من أنها نكتة لكن المتأمل يستطيع تطبيقها على كل بلدان العالم العربي من المحيط إلى الخليج!
المركز الثالث عشر خصصته المجلة للرئيس التشادي إدريس ديبي. وهذا رئيس في الواقع لن يضيره شيئاً إن نعته بالديكتاتورية أو وصفته بالديمقراطية، فهو مثل كثيرين وصلوا إلى السلطة قبل عشرين عاماً بعد أن قاد تمرداً مسلحاً ضد ديكتاتور سابق. وكان يمكن ألا يكون في الحكم حتى الآن لولا أن خدمته ظروف كثيرة، ولكن لأن السلطة سجال في تشاد كما في سائر البلدان الأفريقية، فإن سيادته بحسب تأكيد المجلة يواجه تحدياً مماثلاً من أحد اعضاء حكومته السابقين والذي لم تذكر اسمه. لكن هذا كفيل بأن يقوم ديبي بتوجيه معظم النفقات الاجتماعية للمجهود الحربي، وقالت المجلة أيضاً إنه قام ببناء (خندق مائي) حول العاصمة إنجمينا لحماية نفسه من هجمات المتمردين. وبذا يحق لسيادته أن يفخر بأنه الرئيس المسلم الوحيد الذي طبق نظرية سلمان الفارسي بعد أربعة عشر قرناً!
جاء رئيس غينيا الاستوائية ثيودور أوبيانج نجيما مباسوغو في المركز الرابع عشر، والذي قضى 31 عاماً في السلطة قابلة للزيادة. قالت المجلة إن الرئيس وعائلته الكريمة يسيطرون فعلياً على الاقتصاد، إذ يحوزون على ما يفوق الـ 600 مليون دولار، بينما السواد الأعظم من الشعب يرذل في فقر مدقع. وأضافت المجلة أن الدخل القومي الذي تجنيه البلاد من البترول والغاز الطبيعي يوازي الدخل القومي في دول أوروبية، لكن الفارق في كيفية توجيهه نحو مصارفه الطبيعية!
الديكتاتور الذي جاء في المركز الـ 15 بلغ من العمر عتياً وما زال يتشبث بالرئاسة ولا يطيق لها فراقاً، قالت المجلة إن الرئيس المصري محمد حسني مبارك، تعمد الإبقاء على قانون الطواريء طيلة فترة حكمه والتي بلغت 29 عاماً بغرض سحق أي نشاط معارض وتوريث ابنه جمال مؤخراً، والحقيقة أن هذه الفرضية أصبحت الآن في حكم المؤكد بعد طول جدال وشد وجذب ونفي واثبات. وقالت المجلة إن الرئيس مبارك حاز فعلياً على نسبة 23% فقط من أصوات الناخبين في انتخابات عام 2005 الرئاسية مشيرة إلى انه ليس في الأمر عجب. لكن ما لم تقله المجلة أنه الرئيس الاستثناء في العالم الذي ليس لديه نائب منذ تقلده الرئاسة. ويبدو أنه ولهذا السبب قالت المجلة إن مبارك حاكم مستبد شديد الارتياب ممن حوله، وكثير الشكوك حتى من ظله، وإنه يريد أن يحكم بصورة مطلقة!
جاء رئيس جامبيا يحيى جامع في المركز 16 بمثل عدد سنوات حكمه في السلطة. وصفته المجلة بأنه مهرج غريب الأطوار، أخذ على نفسه عهداً بأن يحكم لمدة أربعين عاماً، وقد ادّعى إنه اخترع علاجاً لمرض نقص المناعة المكتسب (الأيدز) وادّعى أيضاً بأن لديه نفحات صوفية سوف تحيل بلاده إلى دولة بترولية وإن لم يحن أوان ذلك بعد. وقد بلغت به النرجسية مبلغاً بأن فرض على رعيته مناداته بهذا اللقب الطويل.. فخامة الشيخ البروفسير الحاج دكتور يحيى عبد العزيز جميس جامع. وتلاه في الترتيب الرئيس الفنزويلي هوجو شافيز، أطلقت عليه المجلة اسم القائد الدجال للثورة، وقالت إنه اختط مذهباً ديمقراطياً للمشاركة بحيث يكون له فيه السطوة الفردانية. وأشارت إلى أنه قام بسجن قادة المعارضة، وقام بإغلاق وسائل الإعلام المستقلة، وأطلق مدة الرئاسة لتبقى مفتوحة حتى يخلد نفسه في السلطة استكمالاً لإحدى عشر عاماً قضاها في هرمها. لكن يشعر المرء أن معايير المجلة قد اختلت هنا باعتبارات الأيديولوجيا!
أما رئيس بوركينا فاسو بليز كومباوري، فقد وصفته بأنه حاكم بلا رؤية ولا أجندة وصل للحكم عام 1987 بعد مقتل سلفه توماس سانكارا في انقلاب عسكري، حافظ على سلطة مستدامة بالتخلص من خصومه والخارجين على سلطته بالوسائل المعروفة. الرئيس اليوغندي يوري موسيفيني إحتل المرتبة 19 بعد 24 عاماً في السلطةً تنكر فيها لمقولة قالها لليوغنديين عشية إعلانه رئيساً (يجب ألا يبقى قائداً أفريقياً في السلطة أكثر من 10 اعوام) لكنه ظل يتحايل على المقولة بواسطة انتخابات ظاهرية. وتلاه في المرتبة الرئيس الرواندي بول كاجيمي، قالت المجلة إنه أنقذ التوتسي من التطهير العرقي في العام 1994 لكنه الآن يمارس نفس سياسة التمييز العنصرية، ويسيطر حزب الجبهة الوطنية الذي يرأسه على كل مقاليد السلطة، الأمن والخدمة المدنية والقضاء والبنوك والجامعات وكل مؤسسات الدولة. ويقوم باعتقال كل من يعارضه إما بدعوى إنه انقسامي أو مُخرِّب!
جاء الرئيس الكوبي راؤول كاسترو في المركز الحادي والعشرين. ويبدو أيضاً أن معيار المجلة اختلّ، ليس لأنه قضى عامين فقط في السلطة بعد تنحي شقيقه فيديل كاسترو، ولكن لأن حديث المجلة جاء موجهاً للأخير باعتبار الأول امتداداً له. مثل قولها إنه يرثى له لأنه غير مدرك بأن الثورة التي قادها منذ أكثر من نصف قرن شُيعت لمثواها الأخير وانتهت إلى فشل ذريع واصبحت لا تواكب تطلعات الكوبيين في الزمن الحاضر، وأضافت إنه يعزي باللائمة على المؤامرات الخارجية ويستخدم هذه الذرائع لمزيد من القبضة على شعبه! وعليه فإن جريرة راؤول إنه ورث هذه التركة!
احتلّ الرئيس البيلاروسي ألكساندر لوكشينكو الذي ظل في السلطة لمدة 16 عاماً المرتبة الـ 22 ووصفته بأنه حاكم مستبد يسيطر على دولته بقبضة حديدية، ويستخدم جهاز الأمن (الكيه جي بي) في قمع المعارضين. وقالت إن طريقته الوحشية في الحكم رشحته لأن يحمل لقب (آخر ديكتاتور في أوروبا) بينما جاء في ذيل القائمة الرئيس الكاميروني بول بيا وقالت عنه إنه لص لطيف كدَّس لحسابه الخاص أكثر من 200 مليون دولار وقصور، ثمَّ قام بتدجين المعارضة وتلاعب بالقوانين مرتين في انتخابات صورية في فترة الـ 28 عاماً التي قضاها في الحكم حتى يضمن سيطرة حزبه!
أما الرئيس الذي جاء في المرتبة الرابعة وأرجأنا الحديث عنه حتى يكون ختامها مسك، فهو يا هداك الله رئيسنا المفدى المشير عمر حسن أحمد البشير. قالت عنه المجلة إنه شخص متعطش للسلطة، ومثال للذين يعتقدون بأنهم على حق في مناصرة أفكارهم العقدية أو السياسية المتطرفة حتى ولو أثبتت خطلها. وأشارت إلى أنه لا يتوانى في استخدام القوة المفرطة لوقف تمدد النشاط المعارض. واعتبرته مسؤولاً عن موت ملايين السودانيين، وقالت لهذا فهو أصبح مطلوباً من المحكمة الجنائية. وقالت إنه قضى 21 عاماً في الحكم. واقع الأمر وجدت نفسي ألعن سنسفيل هذه المجلة التي لم تتابع تطورات الوضع في السودان عن كثب. فيبدو أنها لم تسمع بأن عصبتنا أقامت انتخابات حرة ونزيهة، وأن رئيسنا المفدى اكتسح خصومه المفترضين وتقدم عليهم بلا منافسة، وأن هذه الانتخابات جبَّت ما قبلها من مآسٍ ملّ الناس تكرارها في العقدين المنصرمين. وأنها لم تعلم بأن بلدي الحبيب ينعم بديمقراطية لا توجد حتى في بريطانيا كما قال أحدهم، وأن الحريات مصانة والأمن مستتب، وأن الناس يعيشون ترفاً في التعليم، ورغداً في العيش، وينعمون بصحة جيدة حتى كادت المستشفيات أن تغلق أبوابها، وأن حكومتنا الرشيدة لم تتكون من 77 وزيراً إلا لأننا أردنا أن ندخل بها موسوعة جينيس للأرقام القياسية فقط لا غير، وأن الشعب المطيع حمد لها صنيعها، مثلما شكر الله الذي أنعم علينا برئيس احتلّ المركز الرابع بعدما استعصمنا بذيل كل قائمة في الدنيا... حتى في كرة القدم!!
الراكوبة
nashi- مشرف المنتدى الرياضى
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى