المولد

شعاعرنا الكبير محمد المهدي المجذوب مميز عن غيره من الشعراء ان لم يكن امتدادا للتجانى يوسف بشير والشابي فى تونس ولقد جزم النقاد بان محمد المهدى المجذوب اكثر اتصالا بتراث الشعر الصوفي واقدرهم على التعبير عن هذا الانتماء والتواصل مع التربيه الصوفيه فى السفر لدى اعلامها الكبار من طبقه ابن الفارض وبن عربى
اجزم ان المجذوب فنان ورسام فقد رسم لوحه فنية رائعة عن المولد النبوي الشريف وكنت اري ان لا حاجه للصورة المرفقة مع القصيدة في كتاب الاناشيد وهل ترك المجذوب صورة و لم يضمنها في تلك اللوحة. وقد ابدع الفنان الكبير الكابلي في تلحين واداء هذه القصيدة الرائعة.
المولد

صل يا رب على المدثر

وتجاوز عن ذنوبي

وأعني يا إلهي

بمتاب أكبر

فزماني ولع بالمنكر

***

درج الناس على غير الهدى

وتعادوا شهوات

وتمادوا

لا يبالون وقد عاشوا الردى

جنحوا للسلم أم ضاعوا سدى

***

أيكون الخير في الشر انطوى

والقوى

خرجت من ذرة

هي حبلى بالعدم؟!

أتراها تقتل الحرب وتنجو بالسلم

ويكون الضعف كالقوة حقا وذماما

سوف ترعاه الامم

وتعود الأرض حبا وابتساماً

***

رب سبحانك مختاراً قديراً

أنت هيأت القدر

ثم أرسلت نذيرا... للبشر

آية منك ونورا

***

هو عين الله لولا ضوؤه

لم نر العالم في شتى الصور

جعل الموت رجاء.. وبقاء

وغراساً منه لا يفنى الثمر

***

صل يا رب على خير البشر

الذي أسرج في ليل حراء

قمراً أزهر من بدر السماء

يقرأ الناس على أضوائه

حكمة الخلق وأسرار البقاء

.....من إله قد هدى بالقلم

علم الإنسان ما لم يعلم

***

صل يا رب على المدثر

وتجاوز عن ذنوبي واغفر

وأعني يا إلهي بمتاب أكبر

ليلة المولد يا سر الليالي

والجمال

وربيعاً فتن الأنفس بالسحر الحلال

موطني المسلم في ظلك مشبوب الخيال

طاف بالصاري الذي أثمر عنقود سنى

كالثريا

ونضا عن فتنة الحسن الحجابا

ومضى يخرجه زيّاً فزيّا

***

وزها (ميدان عبد المنعم)

ذلك المحسن حياه الغمام

بجموع تلتقي في موسم

والخيام

قد تبرجن وأعلن الهيام

***

وهنا حلقة شيخ يرجحن

يضرب النوبة ضربا فتئن

وترن

ثم ترفضّ هديراً أو تجن

وحواليها طبول صارخات في الغبار

حولها الحلقة ماجت في مدار

نقزت ملء الليالي

تحت رايات طوال

كسفين ذي سوار

في عباب كالجبال

***

وتدانت أنفس القوم عناقاً واصطفاقاً

وتساقوا نشوة طابت مذاقاً

ومكان الأرجل الولهى طيور

في الجلابيب تثور.. وتدور

تتهاوى في شراك

ثم تستنفر جرحي وتلوب

في الشباك

مثلما شب لهيب

***

وعلا فوق صدى الطبل الكرير

كل جسم، جدول فيه خرير

ومشى في حلقة الذكر فتور

لحظة يذهل فيها الجسم والروح تنير

وعيون الشيخ أُغمضن على كون به حلم كبير

***

والمقدم

يتغنى يرفع الصوت عليا

وتقدم

يقرع الطبل الحميا

ورم الذكر وزمزم







واستقامت حلقته وانحنت حين انحنى

وهوت والطبل نار تتضرم

وتصدى ولد الشيخ وترجم

حيث للقطب حضور

وتداعَى وتهدم

***

وينادي منشد شيخاً هو التمساح

يحمي عرشه المضفور من موج الدميرة

ندبوه للملمات الخطيرة

شاعر أوحى له شيخ الطريقة

زاهد قد جعل الزهد غِنى

فله من رقع الجبة ألوانا حديقة

والعصا في غربة الدنيا رفيقة

وله من سبحة اللالوب عقد

ومن الحيران جند

وله طاقية ذات قرون

نهضت فوق جبين

واسع رققه ضوء اليقين

***

وفتى في حلبة الطار تثنى

وتأنَّى

وبيمناه عصاه تتحنَّى

لعبا حركه المداح غنَّى..

رجع الشوق وحنَّا

وحواليه المحبون يشيلون صلاة وسلاما

ويذوبون هياماً

ويهزون العصيا

ويصيحون به أبشر لقد نلت المراما

***

صل يا رب على المدثر

وأعني وانصر

بشفيع الناس يوم المحشر

الذي يسقي صفاء الكوثر

***

وهنا في الجانب الآخر أضواء رقاق

نشرت قوس قزح

من رجاء وفرح

من ربيع في دجى الليل يراق

ونساق

أنفس شتى وبطء واستباق

***

وفتاة لونها الأسمر من ظل الحجاب

تتهادى في شباب وارتياب

قد تحييك وتدعوك بأطراف الثياب

وهي قيد وانطلاق

واضطراب واتساق

إن نأت عنا وأخفتها الديار

فعروس المولد الحلوة جلاها التجار

لبست ألوانها شتى أميره

ما أحيلاها صغيره

وقفت في كرنفال

فوق عرش دونه الحلوى كنوز ولآلي

من أساطير الخيال

***

وهي إن تصمت ففي أعينها الوسن انتظار

حولها الأطفال داروا

بعيون تلمع الألوان فيها وتذيع

وبها من بهجة رفت دموع

***

لهفتا كم عصف البؤس بأطفال صغار

وردوا المولد بالشوق وعادوا بالغبار

ويح أم حسبوها

لو أرادوا النجم جاءت بالدراري

ويحها تحمل سهد الليل في صحو النهار

***

رب أرسلت يتيماً

قام بالحق رحيماً

قد ذكرناه فهل نذكر من أمسى عديماً

وهنا في الجانب الآخر سوق

هو سوق (الزلعة)

وبه طبل وبوق

من صراخ الرغبة

حفلت دولته في (حلة)

سلبت كل العيون

والظنون

كيف لا يا لذة الليل ويا أم الفتون

ربها قلّب عينيه خطيباً في الجماهير الغفيرة

مرسلاً من ناره ريح شواء

تتهادى في الفضاء

بنداء لم يجد فينا عصيا

ودعانا .. ثم حيّا .. وتهيّاً

***

وحواليه الكوانين الوقوره

ولها من داخن الفحم ذريره

وحريره، وضفيرة

ترشق (الأسياخ) فيها

نظمت باللحم نظماً

وارتوت دهناً وشحماً

***

ودخلنا مطبخاً زاط ولا قصر الإماره

ربه البادن عراف اتته كل حاره

وتعيشنا وأحسسنا أمانا

وشربنا وارتوينا

ومشينا، وشعرنا بنعاس في خطانا

وسلام هو لو دام لأحمدنا الزمانا

ومضى الليل وناداني سريري والمنام

فتركت المولد الساهر خلفي والزحام

من نفوس رجت الري ولم يهمل غمام

فهي ظمأى في القتام

***

وبسمعي الطبل دوّى من بعيد

كوليد.. في دجى الليل وحيد

***

وبقايا من نشيد

عبرت سمعي طيرا

في ظلام بشر الآفاق بالصبح الجديد والوعود

***

ربِّ في موطني المسلم قد عدنا إليكا

ما اعتمدنا ربنا إلا عليكا

وذكرنا الهادي المختار ذكرى

ملأت أرواحنا طُهراً وصبرا

***

صل ياربّ عليه

وتجاوز عن ذنوبي واغفر

وأعني بمتاب أكبر

نعم انها من اروع ما كتب فى المصطفى عليه السلام.

تزكرت مباشرة اخونا ميرغن بخيت وهو يترنم بهذا العمل الرائع فى نادى البرش و يظهر حسين بعد ان

يعلن وصوله ( ببورى نيسان ) بام بام بام و بعدها يدرك اخونا ميرغنى بخيت ان عليه ان

يقادر نادى البرش و يفعل.

تحياتى ابو عبد الله

محمد المهدى المجذوب قامة سامقة فى تاريخ الشعر السودانى الحديث ، وهو من بيت علم ودين كبير ، تلك نار المجاذيب التى صقلت معدنه النفيس ،والدوايين الضخمة الأربعة التى صدرت ما هى إلا نذر يسير من كثير شعره ، وللحق لدّى شهادة علمتها قبل يومين فقط من خلال متابعتى لحلقة تحكى مسيرة أخية العلّامة ، وحيد عصره وعبقرى زمانه الحبر الموسوعة البروفسير عبدالله الطيب ، رضى الله عنه وأرضاه، حُكّى فى الحلقة من أن أشعار المجذوب التى حرقها أباه أكثر بكثير من ما وصل إلينا ، لأن والده كان يرى أن محمدا خرج عن خط العائلة الشعرى المفعم بروح الصوفية والمتشرب بالدين ، وحكت زوجة البروفسير أن عبدالله كان عندما يكتب قصيدة ، يركب فى الحال سيارتة قاصدا دار أخية المجذوب محمد المهدى ليطلعه عليها ، أى شهادة بعد هذه.
وقبل الخوض فى موضوع المولد فى أبى جبيهة تذكرت شخصا عمل ضابطا للصحة فى إبى جبيهة فى مطلع الستينات ، رجلا من الأفذاذ ، وقارئ نهم ألا وهو الصديق عبد الكريم مصطفى من فداسى الحليماب ، ولقد أهدانى عبد الكريم أحد الدوايين الأربع الضخمة التى جمعت شعر المجذوب وما زلت أحتفظ به ضمن ما تبقى لى من كتب ، كان عبدالكريم الذى تعرفت عليه وأنا إبن ست سنوات ولا أبالغ إن قلت لكم أن صداقتى بدأت مع الرجل منذ ذلك الحين وأحرص دوما أن ألتقيه منذ ترك العمل بالسعودية حيث كان يعمل خارج الرياض ويزورنى مساء كل جمعة ويشرب عندى القهوة ويدلف نحو مكتبة متواضعة لى وينتقى على الأقل خمسة من أمهات الكتب ويعود بعد أسبوع وحيد وقد أتى عليها - ماشاء الله - لينتقى غيرها ، أذكر أنى أهديته الأعمال الكاملة لعلى الجارم وديوان الدكتور إبراهيم ناجى وهو ديوان ضخم وقال فضل الحاج أن هناك أدلة على أن شعر ناجى هو شعر التجانى يوسف بشير الذى أرسلة ليطبع فى مصر صحبة المبارك إبراهيم مقدم البرنامج الشهير فى الستينات - حقيبة الفن - ولم يرذلك الشعر النور وصعدت روح التجانى إلى ربها بُعيد ذلك بقليل.

المولد فى أبوجبيهة ...............