حكايـــــــة ....وحكايـــــــة ......(5)
3 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
حكايـــــــة ....وحكايـــــــة ......(5)
:: الزوج مات والوقت فات ::
من المؤكد أن الطائرة كانت تسير بسرعة مذهلة في الفضاء الفسيح، لكنني كنت أشعر بأنها متوقفة في مكانها، لا تريد أن تتحرك، وودت لو قفزت منها وجريت أكثر منها وسبقتها، فقلبي يكاد يحترق ويقفز من مكانه، لأن زوجي في المستشفى ولا أعرف حقيقه مرضه، فمنذ ثلاثة أيام اتصل بي ابني الأكبر وأبلغني هذا الخبر، هذه ليست المرة الأولى في السنوات الأخيرة التي يصاب فيها بوعكة، إلا أنني أكثر قلقا وتوترا، لم أستطع تذوق الطعام الذي جاءتني به المضيفة، لقد فشلت هذا العام مثل كل عام في إقناعه بأن نقضي معا عدة أسابيع في باريس عند ابننا الأصغر الذي يعمل أستاذا في الجامعة، اعتدت أن ألبي دعوته، أتنزه وأجري بعض الفحوص الطبية وأقضي وقتا ممتعا مع أحفادي الذين أحبهم، ودائما زوجي يرفض رغم تكرار الدعوة والإلحاح عليه، وجهت لنفسي لوما شديدا وقاسيا؛ لأنني تركته وحيدا وسافرت، لم يخطر ببالي أبدا أن أقطع رحلتي لأعود إليه، رغم أنه طمأنني وحادثني هاتفيا، لكنني شعرت بآلامه التي حاول أن يخفيها؛ حتى لا يقلقني، وطلب مني عدم العودة وأنه بخير، لم أحتمل الصبر ولا البقاء، غلبني إحساسي، لعبت الظنون برأسي، عدة ساعات كانت طويلة بطيئة مثل دهر متوقف، لم أنتظر توقف الطائرة تماما عندما هبطت على أرض المطار رغم التحذيرات، وكنت أول النازلين أتوكأ على عصاي، فقد بلغت من الكبر عتيا واقتربت من السبعين من عمري، ساعدوني في حمل حقائبي وتوجهت بالسيارة مباشرة إلى المستشفى.
كانت المفاجأة أنه في غيبوبة كاملة، سالت دموعي رغما عني، لم أستطع إيقافها، وظللت عند رأسه انتظر إفاقة يراني فيها، وقد حدثت بعد يومين وأنا لا أبرح مكاني، فتح عينيه ألقى عليّ نظرة شعرت فيها بسعادته لأنني بجانبه، كانت بالنسبة لي كعودة الروح وتمنيت أن تتم سعادتي وأن يتم شفاؤه، وبالفعل تحسنت حالته واقترب من العودة إلى طبيعته، وما هي إلا سويعات ونعود إلى منزلنا يتأبط ذراعي، داعبته بأنه سبب شقائي وحرماني من إكمال رحلتي الجميلة، إنه متعِب في حياته كلها معي، دائما ينغص عليّ اللحظات الحلوة، ابتسم وضحك وهو يتقبل كلماتي لأنه متأكد من أنني أمزح معه ولا أقول الحقيقة، فالحياة لا تكون إلا معه وبجانبه، فالعشرة بيننا تعدت نصف قرن.
إنه الرجل الوحيد في حياتي كلها، فقد تقدم لخطبتي وتزوجت وأنا طالبة في السنوات الأولى بالجامعة، كنت حينها في السابعة عشرة، ليست لي أي تجارب عاطفية ولا علاقات، فكان أول من عرفت وأحببت، صحيح كنت جميلة وتقدم كثيرون قبله لخطبتي رغم صغر سني، لكن أبي رفضهم، ولا أدري لماذا وافق على «علاء» تحديدا، واكتشفت فيما بعد أنه يستحقني وأنه ذو منصب رفيع ومن عائلة محترمة ثرية وعلى خلق واحترام، وأيضا شعرت أنني محظوظة لأنني فزت به، وقد أنجبنا ولدينا اللذين صارا أستاذين بالجامعة، وكافحت معه في تعليمهما بأرقى المدارس والجامعات حتى حصلا على شهادتيهما ثم الماجستير والدكتوراة، واستطعنا أن نشتري لكل منهما شقة في حي راق وتحملت أنا وزوجي جميع النفقات ولم يتحمل الولدان من المسؤولية ولا حتى القليل، أشهد بأنه رجل مكافح يعشق العمل ويكره الكسل، فمنذ أن تقاعد من عمله، رفض البقاء في المنزل، وبدأ يبحث عن عمل يناسب خبرته وسنه، واهتدى إلى وظيفة في إحدى الشركات الصناعية، يستيقظ في الفجر ويعود بعد العشاء، حتى تأثرت حالته الصحية، وتركها مضطرا، وبعدها سافر إلى الخارج، لكنه هذه المرة كان يكابر، فلم يعد في مقدوره تحمل الغربة، رغم أنه اعتاد الوحدة ويستطيع أن يقوم بكل شؤون نفسه، وخسرنا كثيرا من هذه التجربة التي لم تعد علينا إلا بالديون.
وقبل أن نغادر المستشفى، حدثت له انتكاسة صحية وعاد إلى الغيبوبة مرة أخرى، وبعد ثلاثة أيام فاضت روحه، ودعت شريك حياتي، بكيته بالدم والدموع، لم أصدق أنه رحل بلا عودة، وأن هذا هو الوداع الأخير، شعرت اليوم باليتم الحقيقي، لقد كان أبي وأخي وزوجي وحبيبي، وأيضا ابني وأحيانا أمي، بالغت في الحزن عليه كما كان يقول من حولي، فهذه مشاعر حقيقية لا أدعيها، فحياتي خالية وشقتي فارغة، أعيش وحيدة بعده، فهو الذي كان يوقظني كل ليلة قبيل الفجر للاستعداد للصلاة، حتى إذا سمع صوت المؤذن وتأكد أنني استيقظت خرج إلى المسجد، ثم يعود وهو يحمل اللبن الطازج وبعض الفطائر، وأقوم بإعداد الإفطار نتناوله معا، ثم يرتدي ملابسه مع إشراقة الصباح ويتوجه إلى عمله، فأجلس أطالع الصحف، ثم أتنقل بين قنوات التلفاز وأتوجه بعد ذلك إلى عملي، وأعود في الثالثة ظهرا، لأبدأ إعداد طعام الغداء، أنتظره إلى أن يعود في المساء متأخرا، نتناول طعامنا ونشرب الشاي، وبعد قليل يأوي إلى فراشه، لم يكن فيه ما كنت أسمعه من صديقاتي وقريباتي وزميلاتي بشأن أزواجهن، فهو بلا مطلب، لا يشكو من شيء، ولا يعيب طعاما ولا يرفضه، بل كان كثيرا ما يقوم ببعض أشغال المنزل، أو يعد الشاي لي وله، أو للضيوف المقربين، أتذكره في كل حركة، هنا كان يجلس، وهنا ينام، وهذا مقعده في الشرفة، أفتقده في الزمان والمكان، لا يعوض غيابه كل الذين تجمعوا حولي يخففون أحزاني، دائما أمام عيني وفي أحلامي.
الرجل يستحق ما أفعله وأكثر، إنني أزوره كل يوم، أترحم عليه في قبره، أشعر بأنه قريب مني، يسمعني ويكاد يحييني، فلا أحد في هذا العالم يعرفني مثله، أقضي ساعات طويلة وأنا أدعو له بالرحمة، وأتلو آيات القرآن، أقلب ألبوم الصور، أستعيد كل ذكرياتنا، العشرة بيننا طويلة في أماكن كثيرة، الشيء الوحيد الذي لم نغيره هو المسكن الذي شهد أيامنا الأولى والأخيرة ورحلة حياتنا، غيور إلى حد المرض، حنون إلى درجة الضعف، كريم حتى التبذير والإسراف، مستسلم حتى الخنوع، قوي مثل الفولاذ، ترك لي قيادة زمام أمور الأسرة من البداية، فقد كانت ظروف عمله تضطره للتغيب بالأسابيع لذلك اعتاد أن يدس في يدي راتبه ولا يحصل منه إلا على القليل الذي يكفي مصروفاته المحدودة، فكما قلت هو رجل بلا مطالب، أقاربه وجهوا له اللوم كثيرا مرارا وتكرارا لأنه يترك لي التصرف في أمور الأسرة، وهو يعلم أنني أحمل عنه مسؤولية كبرى، ومهام جساما في التربية وإدارة البيت والاحتياجات وتدبير كل شؤونا، ويجد نتائج إيجابية مذهلة، لذلك لم يكن يهتم بأقوالهم ولا يلقي لهم بالا.
لقد تحملت عنه مهام متابعة الولدين في الدراسة خلال كل مراحلها، لم أجعله يوما يشعر بأي مشكلة، فقد كنت أتصدى لها، ولا أخبره إلا بعد حلها والتغلب عليها تماما، حتى أصابه الذهول عندما علم أنني استطعت أن أحصل لكل واحد منهما على شقة فاخره، دفعت مقدم الثمن وأقوم بسداد الأقساط بانتظام من غير أن تتأثر حياتنا كثيرا، لا يصدق هذه الإنجازات التي يعجز الكثير من الرجال عن تحقيقها ومعهم الإمكانيات الكبيرة، حافظت على ميراثه من والده، عدة أفدنة من الأراضي الزراعية، تناسيتها لتنفع ولدينا في حياتهما، لم أقترب منها ولم أسأل عنها حتى استسهل التصرف فيها وأنا أعاني تدبير المبالغ المطلوبة، خاصة أن احتياجات الولدين تتزايد وهما مقبلان على الزواج.
طال بي السهر وأنا أتجول في حديقة السنين الغابرة، أتفكر في أحداثها، وتزداد آلامي وتتجدد أحزاني على فقد نصفي الآخر، قمت إلى خزانة ملابسه أعيد ترتيبها رغم أنها ليست بحاجة إلى ترتيب، فهي منظمة وكل شيء في مكانه، إلا أنني أقلب فيها متعللة بذلك، لأنني أريد أن أعيش معها وأقضي وقتا في التقليب فيها، وبعد ما فرغت منها، اتجهت إلى حقيبة أوراقه الخاصة التي لم أفتحها من قبل حتى في حياته، وعندما كنت أحتاج إلى شيء مما فيها كنت أطلبه منه، وبعد ما انتصف الليل لم أتوقف وواصلت الغوص في الذكريات، أقرأ أوراقا حتى إذا كانت بلا قيمة ولا جدوى، ولكن فيها رائحته واسمه وتعاملاته، حتى وقعت عيني على ما لم أصدقه، وهرعت أحضر نظارتي بعد ما اتهمت نظري بالضعف، وأنني مخطئة فيما أقرأ، زوجي سبق له الزواج، ويا للطامة الكبرى، إنه تزوج صديقتي بعقد عرفي بعدما مات زوجها، كدت أصاب بالشلل، ارتعشت أطرافي، عجزت عن التماسك، أعدت قراءة العقد مرات ومرات لا أعرف عددها، حتى أنني حفظتها، بكل تفاصيلها عن ظهر قلب، حفظت شكل كلماتها وحروفها، الآن فهمت لماذا كانت صديقتي تكثر من زيارتي في تلك الفترة، إنني مغفلة كبيرة، لقد سقط هذا الملاك من عيني تماما، وما زاد الطين بلة أنه باع كل ما ورثه ولا أدري أين أنفقه؟، لقد ضاع كل شيء، إنني في كابوس مرعب وددت لو استيقظت منه، لكن للأسف إنها الحقيقة المرة.
اشتد بي الحزن وتجدد متضاعفا، لا حزنا عليه وإنما حزنا من أفعاله، فقد رد الإخلاص بالغدر، والوفاء بالخيانة، طعنني في ظهري، وجاءني الغدر من مأمن، اعتقد من حولي أن هذا الحزن على فراقه، ولم أستطع أن أنفي ذلك وعجزت عن قول الحقيقة، عانيت كثيرا من هذه الطعنات، وقاومت نفسي وأنا أحاول أن أكتمها وألا أبوح بها حفاظا على صورته في عيون ولديه ليظل الأب المثالي كما يتوهمان وعاهدت نفسي على ألا يعرفا الحقيقة هما ولا أحد غيرهما، وجاءت القشة التي قصمت ظهر البعير من صديقة أخرى حاولت أن تخفف عني أحزاني وكانت تتبادل معي الحديث في أمور شتى وفاجأتني بسؤال مباغت: أتدرين ماذا قال لي «علاء» أي زوجي عندما توسطت بينك وبينه لحل المشكلة التي نشبت بينكما في أيام الخطبة؟، قلت لها لا أدري؟، قالت: لقد طلب أن يتزوجني ويتركك؟، لم أجد إجابة ولا ردا على هذه المطرقة الجديدة التي هوت بها على رأسي في الوقت غير المناسب. لقد كان يستطيع أن يتخلص من هذه الأوراق التي قتلني بها بعد موته، وكانت صديقتي تستطيع أن تكتم ما حدث قبل خمسين سنة ولا تطعنني بخنجر مسموم، لكن الوقت قد فات والزوج مات ولا مبرر للبكاء على اللبن المسكوب.
من المؤكد أن الطائرة كانت تسير بسرعة مذهلة في الفضاء الفسيح، لكنني كنت أشعر بأنها متوقفة في مكانها، لا تريد أن تتحرك، وودت لو قفزت منها وجريت أكثر منها وسبقتها، فقلبي يكاد يحترق ويقفز من مكانه، لأن زوجي في المستشفى ولا أعرف حقيقه مرضه، فمنذ ثلاثة أيام اتصل بي ابني الأكبر وأبلغني هذا الخبر، هذه ليست المرة الأولى في السنوات الأخيرة التي يصاب فيها بوعكة، إلا أنني أكثر قلقا وتوترا، لم أستطع تذوق الطعام الذي جاءتني به المضيفة، لقد فشلت هذا العام مثل كل عام في إقناعه بأن نقضي معا عدة أسابيع في باريس عند ابننا الأصغر الذي يعمل أستاذا في الجامعة، اعتدت أن ألبي دعوته، أتنزه وأجري بعض الفحوص الطبية وأقضي وقتا ممتعا مع أحفادي الذين أحبهم، ودائما زوجي يرفض رغم تكرار الدعوة والإلحاح عليه، وجهت لنفسي لوما شديدا وقاسيا؛ لأنني تركته وحيدا وسافرت، لم يخطر ببالي أبدا أن أقطع رحلتي لأعود إليه، رغم أنه طمأنني وحادثني هاتفيا، لكنني شعرت بآلامه التي حاول أن يخفيها؛ حتى لا يقلقني، وطلب مني عدم العودة وأنه بخير، لم أحتمل الصبر ولا البقاء، غلبني إحساسي، لعبت الظنون برأسي، عدة ساعات كانت طويلة بطيئة مثل دهر متوقف، لم أنتظر توقف الطائرة تماما عندما هبطت على أرض المطار رغم التحذيرات، وكنت أول النازلين أتوكأ على عصاي، فقد بلغت من الكبر عتيا واقتربت من السبعين من عمري، ساعدوني في حمل حقائبي وتوجهت بالسيارة مباشرة إلى المستشفى.
كانت المفاجأة أنه في غيبوبة كاملة، سالت دموعي رغما عني، لم أستطع إيقافها، وظللت عند رأسه انتظر إفاقة يراني فيها، وقد حدثت بعد يومين وأنا لا أبرح مكاني، فتح عينيه ألقى عليّ نظرة شعرت فيها بسعادته لأنني بجانبه، كانت بالنسبة لي كعودة الروح وتمنيت أن تتم سعادتي وأن يتم شفاؤه، وبالفعل تحسنت حالته واقترب من العودة إلى طبيعته، وما هي إلا سويعات ونعود إلى منزلنا يتأبط ذراعي، داعبته بأنه سبب شقائي وحرماني من إكمال رحلتي الجميلة، إنه متعِب في حياته كلها معي، دائما ينغص عليّ اللحظات الحلوة، ابتسم وضحك وهو يتقبل كلماتي لأنه متأكد من أنني أمزح معه ولا أقول الحقيقة، فالحياة لا تكون إلا معه وبجانبه، فالعشرة بيننا تعدت نصف قرن.
إنه الرجل الوحيد في حياتي كلها، فقد تقدم لخطبتي وتزوجت وأنا طالبة في السنوات الأولى بالجامعة، كنت حينها في السابعة عشرة، ليست لي أي تجارب عاطفية ولا علاقات، فكان أول من عرفت وأحببت، صحيح كنت جميلة وتقدم كثيرون قبله لخطبتي رغم صغر سني، لكن أبي رفضهم، ولا أدري لماذا وافق على «علاء» تحديدا، واكتشفت فيما بعد أنه يستحقني وأنه ذو منصب رفيع ومن عائلة محترمة ثرية وعلى خلق واحترام، وأيضا شعرت أنني محظوظة لأنني فزت به، وقد أنجبنا ولدينا اللذين صارا أستاذين بالجامعة، وكافحت معه في تعليمهما بأرقى المدارس والجامعات حتى حصلا على شهادتيهما ثم الماجستير والدكتوراة، واستطعنا أن نشتري لكل منهما شقة في حي راق وتحملت أنا وزوجي جميع النفقات ولم يتحمل الولدان من المسؤولية ولا حتى القليل، أشهد بأنه رجل مكافح يعشق العمل ويكره الكسل، فمنذ أن تقاعد من عمله، رفض البقاء في المنزل، وبدأ يبحث عن عمل يناسب خبرته وسنه، واهتدى إلى وظيفة في إحدى الشركات الصناعية، يستيقظ في الفجر ويعود بعد العشاء، حتى تأثرت حالته الصحية، وتركها مضطرا، وبعدها سافر إلى الخارج، لكنه هذه المرة كان يكابر، فلم يعد في مقدوره تحمل الغربة، رغم أنه اعتاد الوحدة ويستطيع أن يقوم بكل شؤون نفسه، وخسرنا كثيرا من هذه التجربة التي لم تعد علينا إلا بالديون.
وقبل أن نغادر المستشفى، حدثت له انتكاسة صحية وعاد إلى الغيبوبة مرة أخرى، وبعد ثلاثة أيام فاضت روحه، ودعت شريك حياتي، بكيته بالدم والدموع، لم أصدق أنه رحل بلا عودة، وأن هذا هو الوداع الأخير، شعرت اليوم باليتم الحقيقي، لقد كان أبي وأخي وزوجي وحبيبي، وأيضا ابني وأحيانا أمي، بالغت في الحزن عليه كما كان يقول من حولي، فهذه مشاعر حقيقية لا أدعيها، فحياتي خالية وشقتي فارغة، أعيش وحيدة بعده، فهو الذي كان يوقظني كل ليلة قبيل الفجر للاستعداد للصلاة، حتى إذا سمع صوت المؤذن وتأكد أنني استيقظت خرج إلى المسجد، ثم يعود وهو يحمل اللبن الطازج وبعض الفطائر، وأقوم بإعداد الإفطار نتناوله معا، ثم يرتدي ملابسه مع إشراقة الصباح ويتوجه إلى عمله، فأجلس أطالع الصحف، ثم أتنقل بين قنوات التلفاز وأتوجه بعد ذلك إلى عملي، وأعود في الثالثة ظهرا، لأبدأ إعداد طعام الغداء، أنتظره إلى أن يعود في المساء متأخرا، نتناول طعامنا ونشرب الشاي، وبعد قليل يأوي إلى فراشه، لم يكن فيه ما كنت أسمعه من صديقاتي وقريباتي وزميلاتي بشأن أزواجهن، فهو بلا مطلب، لا يشكو من شيء، ولا يعيب طعاما ولا يرفضه، بل كان كثيرا ما يقوم ببعض أشغال المنزل، أو يعد الشاي لي وله، أو للضيوف المقربين، أتذكره في كل حركة، هنا كان يجلس، وهنا ينام، وهذا مقعده في الشرفة، أفتقده في الزمان والمكان، لا يعوض غيابه كل الذين تجمعوا حولي يخففون أحزاني، دائما أمام عيني وفي أحلامي.
الرجل يستحق ما أفعله وأكثر، إنني أزوره كل يوم، أترحم عليه في قبره، أشعر بأنه قريب مني، يسمعني ويكاد يحييني، فلا أحد في هذا العالم يعرفني مثله، أقضي ساعات طويلة وأنا أدعو له بالرحمة، وأتلو آيات القرآن، أقلب ألبوم الصور، أستعيد كل ذكرياتنا، العشرة بيننا طويلة في أماكن كثيرة، الشيء الوحيد الذي لم نغيره هو المسكن الذي شهد أيامنا الأولى والأخيرة ورحلة حياتنا، غيور إلى حد المرض، حنون إلى درجة الضعف، كريم حتى التبذير والإسراف، مستسلم حتى الخنوع، قوي مثل الفولاذ، ترك لي قيادة زمام أمور الأسرة من البداية، فقد كانت ظروف عمله تضطره للتغيب بالأسابيع لذلك اعتاد أن يدس في يدي راتبه ولا يحصل منه إلا على القليل الذي يكفي مصروفاته المحدودة، فكما قلت هو رجل بلا مطالب، أقاربه وجهوا له اللوم كثيرا مرارا وتكرارا لأنه يترك لي التصرف في أمور الأسرة، وهو يعلم أنني أحمل عنه مسؤولية كبرى، ومهام جساما في التربية وإدارة البيت والاحتياجات وتدبير كل شؤونا، ويجد نتائج إيجابية مذهلة، لذلك لم يكن يهتم بأقوالهم ولا يلقي لهم بالا.
لقد تحملت عنه مهام متابعة الولدين في الدراسة خلال كل مراحلها، لم أجعله يوما يشعر بأي مشكلة، فقد كنت أتصدى لها، ولا أخبره إلا بعد حلها والتغلب عليها تماما، حتى أصابه الذهول عندما علم أنني استطعت أن أحصل لكل واحد منهما على شقة فاخره، دفعت مقدم الثمن وأقوم بسداد الأقساط بانتظام من غير أن تتأثر حياتنا كثيرا، لا يصدق هذه الإنجازات التي يعجز الكثير من الرجال عن تحقيقها ومعهم الإمكانيات الكبيرة، حافظت على ميراثه من والده، عدة أفدنة من الأراضي الزراعية، تناسيتها لتنفع ولدينا في حياتهما، لم أقترب منها ولم أسأل عنها حتى استسهل التصرف فيها وأنا أعاني تدبير المبالغ المطلوبة، خاصة أن احتياجات الولدين تتزايد وهما مقبلان على الزواج.
طال بي السهر وأنا أتجول في حديقة السنين الغابرة، أتفكر في أحداثها، وتزداد آلامي وتتجدد أحزاني على فقد نصفي الآخر، قمت إلى خزانة ملابسه أعيد ترتيبها رغم أنها ليست بحاجة إلى ترتيب، فهي منظمة وكل شيء في مكانه، إلا أنني أقلب فيها متعللة بذلك، لأنني أريد أن أعيش معها وأقضي وقتا في التقليب فيها، وبعد ما فرغت منها، اتجهت إلى حقيبة أوراقه الخاصة التي لم أفتحها من قبل حتى في حياته، وعندما كنت أحتاج إلى شيء مما فيها كنت أطلبه منه، وبعد ما انتصف الليل لم أتوقف وواصلت الغوص في الذكريات، أقرأ أوراقا حتى إذا كانت بلا قيمة ولا جدوى، ولكن فيها رائحته واسمه وتعاملاته، حتى وقعت عيني على ما لم أصدقه، وهرعت أحضر نظارتي بعد ما اتهمت نظري بالضعف، وأنني مخطئة فيما أقرأ، زوجي سبق له الزواج، ويا للطامة الكبرى، إنه تزوج صديقتي بعقد عرفي بعدما مات زوجها، كدت أصاب بالشلل، ارتعشت أطرافي، عجزت عن التماسك، أعدت قراءة العقد مرات ومرات لا أعرف عددها، حتى أنني حفظتها، بكل تفاصيلها عن ظهر قلب، حفظت شكل كلماتها وحروفها، الآن فهمت لماذا كانت صديقتي تكثر من زيارتي في تلك الفترة، إنني مغفلة كبيرة، لقد سقط هذا الملاك من عيني تماما، وما زاد الطين بلة أنه باع كل ما ورثه ولا أدري أين أنفقه؟، لقد ضاع كل شيء، إنني في كابوس مرعب وددت لو استيقظت منه، لكن للأسف إنها الحقيقة المرة.
اشتد بي الحزن وتجدد متضاعفا، لا حزنا عليه وإنما حزنا من أفعاله، فقد رد الإخلاص بالغدر، والوفاء بالخيانة، طعنني في ظهري، وجاءني الغدر من مأمن، اعتقد من حولي أن هذا الحزن على فراقه، ولم أستطع أن أنفي ذلك وعجزت عن قول الحقيقة، عانيت كثيرا من هذه الطعنات، وقاومت نفسي وأنا أحاول أن أكتمها وألا أبوح بها حفاظا على صورته في عيون ولديه ليظل الأب المثالي كما يتوهمان وعاهدت نفسي على ألا يعرفا الحقيقة هما ولا أحد غيرهما، وجاءت القشة التي قصمت ظهر البعير من صديقة أخرى حاولت أن تخفف عني أحزاني وكانت تتبادل معي الحديث في أمور شتى وفاجأتني بسؤال مباغت: أتدرين ماذا قال لي «علاء» أي زوجي عندما توسطت بينك وبينه لحل المشكلة التي نشبت بينكما في أيام الخطبة؟، قلت لها لا أدري؟، قالت: لقد طلب أن يتزوجني ويتركك؟، لم أجد إجابة ولا ردا على هذه المطرقة الجديدة التي هوت بها على رأسي في الوقت غير المناسب. لقد كان يستطيع أن يتخلص من هذه الأوراق التي قتلني بها بعد موته، وكانت صديقتي تستطيع أن تكتم ما حدث قبل خمسين سنة ولا تطعنني بخنجر مسموم، لكن الوقت قد فات والزوج مات ولا مبرر للبكاء على اللبن المسكوب.
عثمان محمد يعقوب شاويش- مشرف منتدى شخصيات من ابى جبيهه
رد: حكايـــــــة ....وحكايـــــــة ......(5)
أبداع أيه دا يا عمك؟؟؟...غايتو أقترح على الحاجه انو أغنيتها المفضله تكون:
أنا تانى ما بندم عليك
أصلو الندم بفيد شنو
يا العمرو قلبك ما رحم
أنا شفت ناس ظالمين كتير
بس انت أظلم من ظلم
بالله شوف الحاجه دى..الراجل مارس حقو الطبيعى...ودس منها الموضوع حفاظا على مشاعرها..تقوم تعرف بعدما مات ...تزعل منه...بدل نل تقول...يا حبيبى لبدت منى الموضوع
عشان ما تجرح شعورى....
يا حاجه لا
عمك فقط كايس الحلا
وانت بقيتى كركعوبا
منصله
قام شاف لو بنيه مفصله
هاك يا غرام
هاك يا هجيج
لما عرف البهدله
ومات أتلحس....يا حاجه بدل تترحمى عليه...تزعلى منو....عيب يا حاجه عيب...
د.الجنيد احمد سليمان- نشط مميز
رد: حكايـــــــة ....وحكايـــــــة ......(5)
هوىىىىىىىىىى يا اخوى الدكتور
ده كلام شنو
ده
ما عيب الا السرقه من الجيب ...
...بدل نل تقول...يا حبيبى لبدت منى الموضوع
عشان ما تجرح شعورى..
حبيبى قال حبته الشكلوته
له الرحمه والمغفره
ولك الشكر اخى الدكتور على الضحكه البنفتش فيها ما بين
هنا وهنااااااااااااك
لك التحيه اخوى عتماااااان
حكايتك دى جامده جموديه .
وغايتو نصيحه منى ليك ما تهبش كتير عشان ما تلدغ ...
تحياتى لآم علياء
ده كلام شنو
ده
ما عيب الا السرقه من الجيب ...
...بدل نل تقول...يا حبيبى لبدت منى الموضوع
عشان ما تجرح شعورى..
حبيبى قال حبته الشكلوته
له الرحمه والمغفره
ولك الشكر اخى الدكتور على الضحكه البنفتش فيها ما بين
هنا وهنااااااااااااك
لك التحيه اخوى عتماااااان
حكايتك دى جامده جموديه .
وغايتو نصيحه منى ليك ما تهبش كتير عشان ما تلدغ ...
تحياتى لآم علياء
Suhad Abduelgfaar- مشرف حكاوي المهجر
رد: حكايـــــــة ....وحكايـــــــة ......(5)
الرائعين الحلوين الدكاتره والبريطانييين ...لكن ما أبدعت يادكتور الجنيد ...بالجد مداخلتك عجيبه وخطيرة ...ولك التحية دائماً أيها الشامخ .... البريطانية ... نعم إنتو بتحترمونا ...ولكن عندنا حاجااات خاصة جداً لازم ندسها منكن !!...بس دايماً فتشاً وقلبن كويس ... والقراية في كل الأوراق لازم تكون بدقة ....عشان بعدين لا تلومونا أو تزعلوا منا ...بس سامحونا إذا ظلمناكم خفيف .... مداخلتك بطعم السكر أيتها الرائعة .... إحترامي
عثمان محمد يعقوب شاويش- مشرف منتدى شخصيات من ابى جبيهه
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى