قصـــــــــــــة واقعيـــــــــــة ....رقم (11)
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
قصـــــــــــــة واقعيـــــــــــة ....رقم (11)
:: الـــــزوبعــه ::
كنت أشعر بأنني كالأميرة في حياة والدي ''رحمه الله''، فأنا البنت البكر، وقد حظيت بتدليل استثنائي منه، كنا نعيش في سعادة لا حدود لها، وضعنا المادي كان ممتازاً لامتهان والدي التجارة، شيء واحد كان يعكر صفو حياتنا، مزاجية والدتي وعصبيتها، كانت متوترة طوال الوقت، تردد بأنها لا تحب والدنا ولا تطيقه، هو يحاول إرضاءها بأي شكل، وهي تختلق المشاكل وتحول صفاء حياتنا إلى نكد مستمر.
بشكل مفاجئ رحل والدنا وتركنا، خمسة أيتام، كنت في السابعة عشرة من عمري، يليني أخي وهو أصغر مني بعام واحد، ثم تليه أخواتي الثلاث، أصغرهن كانت في الرابعة من عمرها.
اسودت الدنيا أمامنا بعد رحيل الوالد، خصوصاً أنا، فقد تملكني شعور قوي بالخوف، ذلك لأن أبي كان يشكل بالنسبة لي سداً قوياً يشعرني بالحماية والأمان، بعد رحيله كان يراودني ذلك الإحساس الغريب بأن أيامنا السعيدة قد رحلت معه، وإننا بانتظار أيام صعبة وقاسية لا نهاية لها، وهذا بالفعل ما حدث معنا.
الشهامة المزيفة
بعد فترة الحداد وانتهاء أيام العدة لوالدتي، صار عمي يتردد علينا بحجة وقوفه إلى جانب أسرة أخيه المتوفى وخوفه الشديد علينا.
عمي هذا إنسان غريب الأطوار، وهو رجل فقير لديه عائلة كبيرة، كان حاقداً على والدي، وهو غير حريص على التواصل معه في حياته، إلا عندما يوقع نفسه في ورطة جديدة، فإن أول ما يفكر به هو أخوه الوحيد، فكان لا يتردد بطلب المساعدة حتى تنتهي مشكلته فينسى بأن له أخاً، كان متزوجاً من امرأة طماعة مبذرة، كومت له عدداً كبيراً من الأولاد والبنات، وأثقلت كاهله بمسؤولياتهم ثم صارت تضغط عليه ليحضر لها المال بأي شكل، فصار ينصب على هذا ويغش ذاك، حتى ساءت سمعته، وصار الناس ينادونه بـ (النصاب)، وقد حاول والدي إصلاحه لأنه أخوه الأصغر، ولكن بلا فائدة، فيئس منه وتركه لسبيله، مع ذلك فهو لم يتردد يوماً عن مد يد المساعدة له ولأسرته، وكان يسدد عنه بعض الأموال التي كان يستولي عليها عمي عن طريق النصب وتوريط الناس، وكان مستعداً دوماً لذلك الاتصال المستمر من قبل الشرطة، وهم يستدعونه لكفالة أخيه وإخراجه من الحجز.
الشيء الغريب والذي لم استطع فهمه في وقتها هو إن هذا العم وبقدرة قادر تحول إلى رجل شهم، كل همه هو العناية بأبناء أخيه الأيتام وأمهم الأرملة، كان خوفي كبيراً في وقتها، لا أعلم بماذا يفكر، وما هي خططه، وقد كان خوفي في محله، فقد أخبرتنا أمي بأن عمي قد طلب يدها للزواج، وبالطبع فهي لم تعطنا الحق في الرفض أو الموافقة، وإنما فرضت علينا الأمر كأمر واقع يجب أن نرضى به، فهي تعرف تماماً موقفنا من عمي، ولكنها تعرف أيضاً بأننا لا نستطيع أن نقف ضد رغبتها، أرادت فقط أن تضعنا في الصورة، بعد أن اتخذت قرارها وتزوجت عمي بأسرع مما توقعنا.
التحول الغريب
كنت أتساءل مع نفسي: أمي تلك الإنسانة المتكبرة، التي لم يعجبها العجب مع والدي. كيف تقتنع بعمي وهي تعلم بأنه رجل فقير ولديه زوجة وعدد هائل من الأولاد؟ كما إنها تعرف جيداً كل سلوكياته، وكل تاريخه المليء بالمشاكل!!
بصراحة، كان أمرها يصعب على الفهم، وعندما سألتها، قالت: تزوجته من أجلكم، فكرت بأن في هذا الزواج حماية لكم، فأنا لا استطيع أن أتحمل مسؤوليتكم لوحدي. منطق غريب لم نستوعبه أنا وأخي وبقينا حائرين لا ندري ماذا نفعل، والغريب أيضاً هو إن عمي كان يعاملنا بلطف شديد في تلك الفترة، حتى قلت لأخي بأنه ربما تأثر بموت أخيه وقرر أن يتغير، وإن الله قد هداه من أجلنا، ولكن أخي لم يقتنع بذلك وقال لي: أصبري قليلاً وسترين بأن عمي لم يتغير، وإنه يخطط لشيء كبير. كان أخي محقاً، فلم تمضي إلا أشهر قليلة حتى ظهر على حقيقته، خصوصاً بعد أن حصل على وكالة عامة من والدتي لإدارة أموالنا التي هي ارثنا من والدي، فبدأ بإذاقتنا أصنافاً من المذلة والمهانة من ضرب وشتم وتحقير، وكان أفظع ما قام به هو جلب عائلته لتشاركنا السكن في فيلتنا، بحجة إنه لا يملك الوقت الكافي لإدارة البيتين لبعدهما عن بعضهما، وهكذا تحولت الفيلا الراقية الأنيقة إلى اسطبل أو (زريبة) مليئة بالمخلوقات التي لا تعرف شيئاً اسمه النظافة والترتيب، وبالطبع فقد هربت الخادمات من بيتنا، وكان هذا الشيء من مصلحة عمي، فهو لا يريد أن يدفع رواتبهن، واكتفى بالقول: اعتمدوا على أنفسكم في غسل وكي ثيابكم وتنظيف غرفكم، انتم كبار ولن تحتاجوا للخدم. كل شيء كان يمكن أن أتقبله بعد هذا التغيير الكبير الذي حصل في حياتنا، إلا موقف والدتي من كل ما يحدث، فكيف يمكنني أن أتقبل انقلابها الكامل الذي لم أجد له تفسيراً منطقياً، تلك الإنسانة المتمردة التي لم يكن يعجبها العجب مع والدي، والتي لم ترض عنه يوماً بالرغم من كل ما كان يفعله من أجلها، الغريب هو إنها قد تحولت بقدرة قادر إلى امرأة مستكينة لا حول لها ولا قوة، ضعيفة الشخصية لا تستطيع مواجهة زوجها أو الاعتراض على كل ما يفعله، هل هذا يعقل؟ ما الذي حدث لها؟ فكلما ضربها وأهانها وداس بكرامتها الأرض، أجدها تنظر إليه بإكبار وإجلال وإعجاب شديد، ثم تنكس رأسها متظاهرة بأنها مغلوبة على أمرها، يا الهي!! هل هذا الشيء يمكن أن يكون معقولاً؟
مشاكل وصدامات مستمرة حدثت بين عائلتنا وعائلة عمي حتى تحول البيت إلى ساحة للمعارك والمؤامرات والفتن التي لا تنتهي، وقد تحدد مصيرنا أنا وأخوتي بسبب تلك الظروف الصعبة التي أحاطت بنا، أولها هو زواج أختي ذلك الزواج الغريب الذي ظل الناس يتحدثون عنه لفترة غير قصيرة.
زواج الصغار
كان زواج أختي وهي في الرابعة عشرة من عمرها، أشبه بمسرحية مضحكة مبكية، والسبب فيها هو وضعنا الغريب الذي فرضه عمي علينا، بمساندة أمي طبعاً، وبالطبع فإن حكاية هذا الزواج بدأت بسبب التواجد المباشر للعائلتين في مكان واحد دون قيود، فقد اختلطا ببعضهما، أختي وأبن عمي، وهو مراهق في السابعة عشرة من عمره، وقد كشف أمرهما بعد أن وجدهما أخي يتحدثان عند منتصف الليل في إحدى الصالات، أراد أخي أن يؤدب أخته فضربها وسحبها إلى غرفتها، ثم أمسك الولد وأراد أن يضربه، فوقفت أمي أمامه لتمنعه، ثم قالت له: لا تتدخل أنت.. أنا سأتصرف، فما كان منها إلا أن تحدثت مع عمي، فاقترح عمي تزويجهما بسرعة فوافقت والدتي دون تردد، ولم تكترث لاعتراضنا أنا وأخي لأن البنت لازالت صغيرة ولا تدرك مسؤوليات الزواج، وإن الهدف الحقيقي من هذا الزواج هو الاستيلاء على أرثها من والدي.
تزوجت أختي وعاشت مع زوجها في إحدى الغرف، وصارا يذهبان في الصباح إلى المدرسة ثم يعودان منها، فتبدأ معاركهما اليومية، هو يريد أن يثبت رجولته على رأسها، وهي دلوعة لم تتعود على تحمل المسؤولية.
بعد أن ذهب حب المراهقة المليء بالوهم، ظهرت المشاكل التي لا تنتهي أبداً بينهما، أول مشكلة هي إنها قررت عدم الذهاب إلى المدرسة، فرفض زوجها، لأنه يغار منها، فهو لا يقبل أن يستيقظ مبكراً بينما تنعم هي في النوم حتى الظهر، فقال لوالده: إذا تركت هي المدرسة فسأتركها أنا أيضاً، فقام عمي بضربه وأجبرهما على الذهاب للمدرسة بالرغم من أنفيهما.
انتهت مشكلة المدرسة فخرجت مشكلة جديدة هي إنه يريدها أن تغسل وتكوي ثيابه وتنظف غرفتهما، وهي لا تقبل أن يعودا من المدرسة فينام هو، بينما تستمر هي في العمل، وهكذا فإن حياتهما صارت كلها عراك وضرب وشتم حتى انتهت المسرحية بأنه طلقها بعد ستة أشهر من الزواج، وهو لا يدري تأثير مثل هذه التجربة الفاشلة على حياتها.
المشروع الفاشل
كانت والدتي تلح علي بالزواج، وبالطبع فقد رشحت لي أبن عمي الذي يكبرني بسنة واحدة، لفكرة واضحة هي أن عمي يرغب بأن يبقى ارثنا بين يديه فلا يخرج منه فلساً واحداً، ولأنني كنت واعية لكل ما يحدث أخبرت أمي بأنني مستعدة للتنازل لعمي عن كل أرثي ويتركني حرة اختار من أريد، فكان هذا الخبر هو غاية ما يريده، ولكني أجلت موضوع التنازل إلى الوقت الذي سأتزوج فيه. كنت في السنة الجامعية الثالثة عندما تعرفت على شاب، كان مثالاً للوسامة والأخلاق، تعلقت به، وصرت أقضي معظم وقتي في التحدث معه عبر الهاتف، حتى صار محوراً لحياتي كلها، أخبرته عن ظروفي فتفهمها تفهماً شديداً، ولكنه لم يكن راضياً عن فكرة تنازلي عن ارثي لعمي، وقال لي: إنه حقك ولست مضطرة للتخلي عنه. بعد مدة طويلة من تلك العلاقة صارحني بأن لديه مشكلة كبيرة تمنعه من التقدم لخطبتي، فسألته عن تلك المشكلة، فأخبرني بأنه لا يملك الجنسية، وهو من البدون.
كان صعباً علي استيعاب مثل هذا الأمر، فهو يملك مظهراً يوحي بأنه من الأغنياء، فكيف لم أفطن إلى تلك المشكلة؟ عموماً، فإن الوقت قد فات وقد تعلقت به ولم أكن على استعداد للتخلي عنه. أخبرت والدتي بأمره، فغضبت غضباً شديداً عندما علمت بأنه بلا جنسية، فأكدت لها بأنه هو وأجداده قد عاشوا هنا وأن حالتهم المادية ممتازة، ولكنها لم تقتنع ورفضت الفكرة رفضاً تاماً.
قررت التحدث مع أخي، فأنا أعرف بأنه إنسان متفهم وأنا أحترم رأيه على الرغم من كونه أصغر مني، ولكنه استطاع أن يكسب احترام العائلة كلها له، وبالطبع فإنه يستطيع أن يؤثر على الآخرين. ترددت وشعرت بالخوف من مفاتحته ولكن تفهمه ومرونته ساعداني على تلك المصارحة. بعد أن عرف أخي مشكلتي طلب مني وقتاً للتفكير، ثم طلب التعرف على الشاب والتحدث معه، كنت بغاية القلق وأنا بانتظار ما سيقرره أخي، وقد جاءني أخيراً وتحدث معي طويلاً، ثم أقنعني بمنطقه وقدرته العجيبة في الإقناع، بأن مثل هذا الزواج غير مضمون النتائج، ولن يكتب النجاح الكامل، بسبب ظروفي وحاجتي الحقيقية لرجل يملك كل مقومات الزواج الناجح، كي أضمن معه الحماية والأمان، وقد اقترح علي تأجيل فكرة الزواج إلى ما بعد التخرج والحصول على شهادة جامعية تكون عوناً لي في مستقبلي، بمثل هذا المنطق أنقذني أخي من زواج غير مضمون النجاح.
الانقلاب الأخير
فوجئنا بحدث جديد في حياتنا، وهو أن عمي تزوج من فتاة بعمر بناته، هنا أفاقت أمي من غيبوبتها، يبدو أن الصدمة كانت أكبر من تحملها، فجعلتها تصحو أخيراً لتجد بأنها قد عاشت وهماً كبيراً خسرت معه الكثير. فثارت ثائرتها وقامت بطرد عمي وعائلته من بيتنا، لقد استعادت قوتها وجبروتها بطريقة عجيبة، وتحولت إلى وحش حقيقي أرعب الجميع، لم تفلح كل وسائل عمي للسيطرة عليها، وقد أمرته بتطليق زوجته، ولكنه لم يفعل، فلجأت إلى المحاكم ورفعت عليه قضايا كثيرة، تطلب الطلاق وتتهمه بالاستيلاء على أموال الأيتام بغير حق.
بصراحة.. لقد وقفنا كلنا إلى جانبها كي لا تتراجع عما أقدمت عليه، وبفضل الله فقد حصلت أمي على الطلاق، واستعدنا بعض أموالنا، وعادت الوصاية إلى أمي.
تحاول أمنا جاهدة أن تعيد لحياتنا البهجة والتنعم الذي افتقدناه في تلك الزوبعة، فقامت بعمل صيانة للبيت وغيرت الأثاث، ثم أحضرت الخادمة والطباخة والسائق.
وأعادت المزارع الذي صار يعتني بحديقة بيتنا من جديد حتى أورقت وأزهرت كما أزهرت أرواحنا من جديد.
كنت أشعر بأنني كالأميرة في حياة والدي ''رحمه الله''، فأنا البنت البكر، وقد حظيت بتدليل استثنائي منه، كنا نعيش في سعادة لا حدود لها، وضعنا المادي كان ممتازاً لامتهان والدي التجارة، شيء واحد كان يعكر صفو حياتنا، مزاجية والدتي وعصبيتها، كانت متوترة طوال الوقت، تردد بأنها لا تحب والدنا ولا تطيقه، هو يحاول إرضاءها بأي شكل، وهي تختلق المشاكل وتحول صفاء حياتنا إلى نكد مستمر.
بشكل مفاجئ رحل والدنا وتركنا، خمسة أيتام، كنت في السابعة عشرة من عمري، يليني أخي وهو أصغر مني بعام واحد، ثم تليه أخواتي الثلاث، أصغرهن كانت في الرابعة من عمرها.
اسودت الدنيا أمامنا بعد رحيل الوالد، خصوصاً أنا، فقد تملكني شعور قوي بالخوف، ذلك لأن أبي كان يشكل بالنسبة لي سداً قوياً يشعرني بالحماية والأمان، بعد رحيله كان يراودني ذلك الإحساس الغريب بأن أيامنا السعيدة قد رحلت معه، وإننا بانتظار أيام صعبة وقاسية لا نهاية لها، وهذا بالفعل ما حدث معنا.
الشهامة المزيفة
بعد فترة الحداد وانتهاء أيام العدة لوالدتي، صار عمي يتردد علينا بحجة وقوفه إلى جانب أسرة أخيه المتوفى وخوفه الشديد علينا.
عمي هذا إنسان غريب الأطوار، وهو رجل فقير لديه عائلة كبيرة، كان حاقداً على والدي، وهو غير حريص على التواصل معه في حياته، إلا عندما يوقع نفسه في ورطة جديدة، فإن أول ما يفكر به هو أخوه الوحيد، فكان لا يتردد بطلب المساعدة حتى تنتهي مشكلته فينسى بأن له أخاً، كان متزوجاً من امرأة طماعة مبذرة، كومت له عدداً كبيراً من الأولاد والبنات، وأثقلت كاهله بمسؤولياتهم ثم صارت تضغط عليه ليحضر لها المال بأي شكل، فصار ينصب على هذا ويغش ذاك، حتى ساءت سمعته، وصار الناس ينادونه بـ (النصاب)، وقد حاول والدي إصلاحه لأنه أخوه الأصغر، ولكن بلا فائدة، فيئس منه وتركه لسبيله، مع ذلك فهو لم يتردد يوماً عن مد يد المساعدة له ولأسرته، وكان يسدد عنه بعض الأموال التي كان يستولي عليها عمي عن طريق النصب وتوريط الناس، وكان مستعداً دوماً لذلك الاتصال المستمر من قبل الشرطة، وهم يستدعونه لكفالة أخيه وإخراجه من الحجز.
الشيء الغريب والذي لم استطع فهمه في وقتها هو إن هذا العم وبقدرة قادر تحول إلى رجل شهم، كل همه هو العناية بأبناء أخيه الأيتام وأمهم الأرملة، كان خوفي كبيراً في وقتها، لا أعلم بماذا يفكر، وما هي خططه، وقد كان خوفي في محله، فقد أخبرتنا أمي بأن عمي قد طلب يدها للزواج، وبالطبع فهي لم تعطنا الحق في الرفض أو الموافقة، وإنما فرضت علينا الأمر كأمر واقع يجب أن نرضى به، فهي تعرف تماماً موقفنا من عمي، ولكنها تعرف أيضاً بأننا لا نستطيع أن نقف ضد رغبتها، أرادت فقط أن تضعنا في الصورة، بعد أن اتخذت قرارها وتزوجت عمي بأسرع مما توقعنا.
التحول الغريب
كنت أتساءل مع نفسي: أمي تلك الإنسانة المتكبرة، التي لم يعجبها العجب مع والدي. كيف تقتنع بعمي وهي تعلم بأنه رجل فقير ولديه زوجة وعدد هائل من الأولاد؟ كما إنها تعرف جيداً كل سلوكياته، وكل تاريخه المليء بالمشاكل!!
بصراحة، كان أمرها يصعب على الفهم، وعندما سألتها، قالت: تزوجته من أجلكم، فكرت بأن في هذا الزواج حماية لكم، فأنا لا استطيع أن أتحمل مسؤوليتكم لوحدي. منطق غريب لم نستوعبه أنا وأخي وبقينا حائرين لا ندري ماذا نفعل، والغريب أيضاً هو إن عمي كان يعاملنا بلطف شديد في تلك الفترة، حتى قلت لأخي بأنه ربما تأثر بموت أخيه وقرر أن يتغير، وإن الله قد هداه من أجلنا، ولكن أخي لم يقتنع بذلك وقال لي: أصبري قليلاً وسترين بأن عمي لم يتغير، وإنه يخطط لشيء كبير. كان أخي محقاً، فلم تمضي إلا أشهر قليلة حتى ظهر على حقيقته، خصوصاً بعد أن حصل على وكالة عامة من والدتي لإدارة أموالنا التي هي ارثنا من والدي، فبدأ بإذاقتنا أصنافاً من المذلة والمهانة من ضرب وشتم وتحقير، وكان أفظع ما قام به هو جلب عائلته لتشاركنا السكن في فيلتنا، بحجة إنه لا يملك الوقت الكافي لإدارة البيتين لبعدهما عن بعضهما، وهكذا تحولت الفيلا الراقية الأنيقة إلى اسطبل أو (زريبة) مليئة بالمخلوقات التي لا تعرف شيئاً اسمه النظافة والترتيب، وبالطبع فقد هربت الخادمات من بيتنا، وكان هذا الشيء من مصلحة عمي، فهو لا يريد أن يدفع رواتبهن، واكتفى بالقول: اعتمدوا على أنفسكم في غسل وكي ثيابكم وتنظيف غرفكم، انتم كبار ولن تحتاجوا للخدم. كل شيء كان يمكن أن أتقبله بعد هذا التغيير الكبير الذي حصل في حياتنا، إلا موقف والدتي من كل ما يحدث، فكيف يمكنني أن أتقبل انقلابها الكامل الذي لم أجد له تفسيراً منطقياً، تلك الإنسانة المتمردة التي لم يكن يعجبها العجب مع والدي، والتي لم ترض عنه يوماً بالرغم من كل ما كان يفعله من أجلها، الغريب هو إنها قد تحولت بقدرة قادر إلى امرأة مستكينة لا حول لها ولا قوة، ضعيفة الشخصية لا تستطيع مواجهة زوجها أو الاعتراض على كل ما يفعله، هل هذا يعقل؟ ما الذي حدث لها؟ فكلما ضربها وأهانها وداس بكرامتها الأرض، أجدها تنظر إليه بإكبار وإجلال وإعجاب شديد، ثم تنكس رأسها متظاهرة بأنها مغلوبة على أمرها، يا الهي!! هل هذا الشيء يمكن أن يكون معقولاً؟
مشاكل وصدامات مستمرة حدثت بين عائلتنا وعائلة عمي حتى تحول البيت إلى ساحة للمعارك والمؤامرات والفتن التي لا تنتهي، وقد تحدد مصيرنا أنا وأخوتي بسبب تلك الظروف الصعبة التي أحاطت بنا، أولها هو زواج أختي ذلك الزواج الغريب الذي ظل الناس يتحدثون عنه لفترة غير قصيرة.
زواج الصغار
كان زواج أختي وهي في الرابعة عشرة من عمرها، أشبه بمسرحية مضحكة مبكية، والسبب فيها هو وضعنا الغريب الذي فرضه عمي علينا، بمساندة أمي طبعاً، وبالطبع فإن حكاية هذا الزواج بدأت بسبب التواجد المباشر للعائلتين في مكان واحد دون قيود، فقد اختلطا ببعضهما، أختي وأبن عمي، وهو مراهق في السابعة عشرة من عمره، وقد كشف أمرهما بعد أن وجدهما أخي يتحدثان عند منتصف الليل في إحدى الصالات، أراد أخي أن يؤدب أخته فضربها وسحبها إلى غرفتها، ثم أمسك الولد وأراد أن يضربه، فوقفت أمي أمامه لتمنعه، ثم قالت له: لا تتدخل أنت.. أنا سأتصرف، فما كان منها إلا أن تحدثت مع عمي، فاقترح عمي تزويجهما بسرعة فوافقت والدتي دون تردد، ولم تكترث لاعتراضنا أنا وأخي لأن البنت لازالت صغيرة ولا تدرك مسؤوليات الزواج، وإن الهدف الحقيقي من هذا الزواج هو الاستيلاء على أرثها من والدي.
تزوجت أختي وعاشت مع زوجها في إحدى الغرف، وصارا يذهبان في الصباح إلى المدرسة ثم يعودان منها، فتبدأ معاركهما اليومية، هو يريد أن يثبت رجولته على رأسها، وهي دلوعة لم تتعود على تحمل المسؤولية.
بعد أن ذهب حب المراهقة المليء بالوهم، ظهرت المشاكل التي لا تنتهي أبداً بينهما، أول مشكلة هي إنها قررت عدم الذهاب إلى المدرسة، فرفض زوجها، لأنه يغار منها، فهو لا يقبل أن يستيقظ مبكراً بينما تنعم هي في النوم حتى الظهر، فقال لوالده: إذا تركت هي المدرسة فسأتركها أنا أيضاً، فقام عمي بضربه وأجبرهما على الذهاب للمدرسة بالرغم من أنفيهما.
انتهت مشكلة المدرسة فخرجت مشكلة جديدة هي إنه يريدها أن تغسل وتكوي ثيابه وتنظف غرفتهما، وهي لا تقبل أن يعودا من المدرسة فينام هو، بينما تستمر هي في العمل، وهكذا فإن حياتهما صارت كلها عراك وضرب وشتم حتى انتهت المسرحية بأنه طلقها بعد ستة أشهر من الزواج، وهو لا يدري تأثير مثل هذه التجربة الفاشلة على حياتها.
المشروع الفاشل
كانت والدتي تلح علي بالزواج، وبالطبع فقد رشحت لي أبن عمي الذي يكبرني بسنة واحدة، لفكرة واضحة هي أن عمي يرغب بأن يبقى ارثنا بين يديه فلا يخرج منه فلساً واحداً، ولأنني كنت واعية لكل ما يحدث أخبرت أمي بأنني مستعدة للتنازل لعمي عن كل أرثي ويتركني حرة اختار من أريد، فكان هذا الخبر هو غاية ما يريده، ولكني أجلت موضوع التنازل إلى الوقت الذي سأتزوج فيه. كنت في السنة الجامعية الثالثة عندما تعرفت على شاب، كان مثالاً للوسامة والأخلاق، تعلقت به، وصرت أقضي معظم وقتي في التحدث معه عبر الهاتف، حتى صار محوراً لحياتي كلها، أخبرته عن ظروفي فتفهمها تفهماً شديداً، ولكنه لم يكن راضياً عن فكرة تنازلي عن ارثي لعمي، وقال لي: إنه حقك ولست مضطرة للتخلي عنه. بعد مدة طويلة من تلك العلاقة صارحني بأن لديه مشكلة كبيرة تمنعه من التقدم لخطبتي، فسألته عن تلك المشكلة، فأخبرني بأنه لا يملك الجنسية، وهو من البدون.
كان صعباً علي استيعاب مثل هذا الأمر، فهو يملك مظهراً يوحي بأنه من الأغنياء، فكيف لم أفطن إلى تلك المشكلة؟ عموماً، فإن الوقت قد فات وقد تعلقت به ولم أكن على استعداد للتخلي عنه. أخبرت والدتي بأمره، فغضبت غضباً شديداً عندما علمت بأنه بلا جنسية، فأكدت لها بأنه هو وأجداده قد عاشوا هنا وأن حالتهم المادية ممتازة، ولكنها لم تقتنع ورفضت الفكرة رفضاً تاماً.
قررت التحدث مع أخي، فأنا أعرف بأنه إنسان متفهم وأنا أحترم رأيه على الرغم من كونه أصغر مني، ولكنه استطاع أن يكسب احترام العائلة كلها له، وبالطبع فإنه يستطيع أن يؤثر على الآخرين. ترددت وشعرت بالخوف من مفاتحته ولكن تفهمه ومرونته ساعداني على تلك المصارحة. بعد أن عرف أخي مشكلتي طلب مني وقتاً للتفكير، ثم طلب التعرف على الشاب والتحدث معه، كنت بغاية القلق وأنا بانتظار ما سيقرره أخي، وقد جاءني أخيراً وتحدث معي طويلاً، ثم أقنعني بمنطقه وقدرته العجيبة في الإقناع، بأن مثل هذا الزواج غير مضمون النتائج، ولن يكتب النجاح الكامل، بسبب ظروفي وحاجتي الحقيقية لرجل يملك كل مقومات الزواج الناجح، كي أضمن معه الحماية والأمان، وقد اقترح علي تأجيل فكرة الزواج إلى ما بعد التخرج والحصول على شهادة جامعية تكون عوناً لي في مستقبلي، بمثل هذا المنطق أنقذني أخي من زواج غير مضمون النجاح.
الانقلاب الأخير
فوجئنا بحدث جديد في حياتنا، وهو أن عمي تزوج من فتاة بعمر بناته، هنا أفاقت أمي من غيبوبتها، يبدو أن الصدمة كانت أكبر من تحملها، فجعلتها تصحو أخيراً لتجد بأنها قد عاشت وهماً كبيراً خسرت معه الكثير. فثارت ثائرتها وقامت بطرد عمي وعائلته من بيتنا، لقد استعادت قوتها وجبروتها بطريقة عجيبة، وتحولت إلى وحش حقيقي أرعب الجميع، لم تفلح كل وسائل عمي للسيطرة عليها، وقد أمرته بتطليق زوجته، ولكنه لم يفعل، فلجأت إلى المحاكم ورفعت عليه قضايا كثيرة، تطلب الطلاق وتتهمه بالاستيلاء على أموال الأيتام بغير حق.
بصراحة.. لقد وقفنا كلنا إلى جانبها كي لا تتراجع عما أقدمت عليه، وبفضل الله فقد حصلت أمي على الطلاق، واستعدنا بعض أموالنا، وعادت الوصاية إلى أمي.
تحاول أمنا جاهدة أن تعيد لحياتنا البهجة والتنعم الذي افتقدناه في تلك الزوبعة، فقامت بعمل صيانة للبيت وغيرت الأثاث، ثم أحضرت الخادمة والطباخة والسائق.
وأعادت المزارع الذي صار يعتني بحديقة بيتنا من جديد حتى أورقت وأزهرت كما أزهرت أرواحنا من جديد.
عدل سابقا من قبل عثمان محمد يعقوب شاويش في 8th فبراير 2011, 15:49 عدل 1 مرات
عثمان محمد يعقوب شاويش- مشرف منتدى شخصيات من ابى جبيهه
رد: قصـــــــــــــة واقعيـــــــــــة ....رقم (11)
شكرً ياعم شاويش علي قصصك الجميلة ..كلها سواءاً كانت بخط يدك او المنقولة فيها نوع من السلاسة والتلقائية وعدم التكلف ، وكل أحداثها تسير سيرا جميلا مفعما بالتشويق حيث تبطن بين أحداثها وقائع وتصورات وخيالات تنبئ بمقدرة فذة وثرية
سأكون متابعا لأحداث روايتك الجميلة ..
مع تمنياتي لك بكتابة ساهبة متألقة ومشجعة .
علينا أن نكون مرتقبين لأحداث القصة القادمة
تحياتي؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
سأكون متابعا لأحداث روايتك الجميلة ..
مع تمنياتي لك بكتابة ساهبة متألقة ومشجعة .
علينا أن نكون مرتقبين لأحداث القصة القادمة
تحياتي؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
محمد قادم نوية- مشرف منتدى الصوتيات
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى