قصـــــــــــــة واقعيـــــــــــة ..رقم (18)
صفحة 1 من اصل 1
قصـــــــــــــة واقعيـــــــــــة ..رقم (18)
§¤°~®~°¤§ السائق والسيدة .. §¤°~®~°¤§
كنت متفوقا في دراستي، وكانت لي أحلام كثيرة· كنت أحلم أن أكون إنسانا مهما وثريا، ولكن··· عندما كبرت وبدأت أفهم الحقائق كما هي، عرفت بأن تفوقي لن يفيدني، وأن أحلامي كلها زائفة، فأنا إنسان محكوم عليه بالفقر، فما فائدة الشهادة الثانوية إذا لم تساعدني على دخول الجامعة؟، وما فائدة الشهادة الجامعية إن لم تيسر لي الحصول على الوظيفة؟· كل الأمور مرتبطة ببعضها البعض كحلقات متسلسلة تنتهي كلها بعقدة واحدة هي أنني إنسان بلا هوية··· هذه هي الحقيقة· فمن هم مثلي يجب أن لا تتعدى أحلامهم أسوار الفقر، وأن لا يحلموا بالعمل أكثر من عمال أو أجراء، أو أصحاب مهن بسيطة تدر عليهم ما يسدون به احتياجاتهم الآدمية فقط، كي يبقوا أحياء في هذا العالم·
بعد أن عرفت هذه الحقيقة، وتأكدت من أن جميع من كانوا قبلي لم تنفعهم الدراسة في شيء، فلا جامعة ترضى بهم، ولا وظيفة تنتظرهم، ولا أمل لهم في أن يتزوجوا من يريدون بعقد مصدق مشروع· بعد ما عرفت كل ذلك أصابني الإحباط وصرت أرسب عاما بعد عام، عندها أخرجني والدي من المدرسة وقال لي: ما دمت لم تفلح في الدراسة فاذهب وابحث عن عمل· كلام جيد يختصر علي المشوار··· الأفضل أن لا أضيع وقتي في الدراسة، والأفضل أن أبحث عن عمل يستوعب من هم مثلي·
إعلانات مبوبة
شاب وسيم لا تنقصه اللباقة يبحث عن عمل· ليست لديه شهادات أو لغات، أو أوراق هوية، فهو إنسان نبت من هذه الأرض فاحتضنته وسقته من خيرها، فنشأ وفي قلبه عشق أصيل لها· عمره عشرون عاما، من عائلة محترمة· الأب عجوز يعمل سائقا، والأم ربة بيت ممتازة، لا تعرف من الدنيا سوى بيتها وأولادها السبعة، انا أكبرهم، وقد ربتنا على الصلاح والتقوى· راسب في الثانوية ولا أجيد سوى قيادة السيارات·
جاءني الرد سريعا، فقد اتصل بي رجل محترم وسألني: هل تريد أن تعمل سائقا خاصا؟ قلت له: نعم· فأعطاني العنوان وحدد لي موعدا للحضور·
في الموعد المحدد ذهبت فوجدت فيلا فخمة تحيط بها الحدائق والنوافير· منظر رائع لم أشاهد مثله في حياتي·
بعد انتظار طويل جاءني السيد المحترم تحيط به الهيبة والوقار، في الستين من عمره· أخبرني بأنني سأكون السائق الخاص للسيدة، فهي تتضايق من رائحة الآسيويين الذين عملوا في خدمتها، وقد طلبت سائقا وسيم المظهر نظيف الثياب، لا يتحدث كثيرا وينفذ كل ما تطلبه بدون تذمر أو إزعاج·
أخبرته بأنني سأكون رهن إشارة السيدة وسأحرص كل الحرص على أن تكون رائحتي طيبة، وأن لا أعترض ولا أتذمر وأكون رهن إشارتها دائما·
استمهلني لدقائق وذهب ليحضر السيدة، فالأفضل طبعا أن تلقي نظرة عليّ فالكلمة الأولى والأخيره لها كما يبدو·
جاءت السيدة وفوجئت بأنها شابة صغيرة في الخامسة والعشرين من عمرها، جميلة بشكل يفوق الخيال· نظرت إليّ نظرة سريعة وأشارت له بالموافقة ثم عادت أدراجها·
حاولت إخفاء علامات الاستفهام التي ملأت رأسي··· فكيف لهذه الشابة الجميلة أن تتزوج كهلا بعمر والدها؟ لا بد أنه المال· اللعنة عليه· لقد اشتراها بماله وأحضرها من بلدها لتعيش بعيدا عن أهلها·
استدركت نفسي وأبعدت أفكاري وأنا أنصت له وهو يتحدث معي··· يبدو أنه بخيل، فقد حدد لي مرتبا ضئيلا وأخبرني بأنني سأسكن في غرفة صغيرة تقبع بأطراف الحديقة، وأنهم يقدمون لي المأكل والزي الذي سأرتديه·
العيش في الجنة
كانت غرفتي متواضعة ولكن الحديقة الرائعة التي تحيط بها جعلتني أشعر وكأنني في جنة حقيقية، تذكرت المنطقة الشعبية التي أسكنها، والرائحة العفنة التي تفوح منها، فمعظم البيوت أصبحت قديمة وقد استأجرها عدد من العمال الهنود، كل غرفة يتقاسمها عدد كبير منهم، ولا أدري ما هي تلك الروائح الغريبة التي تفوح منهم والتي تختلط مع رائحة بهاراتهم فتشكل مزيجا يساعد على التقيؤ بسهولة·
يبدو أن الحظ سيبتسم لي، سعادتي بتلك السيارة الرائعة التي ستكون تحت تصرفي كانت لا توصف، إنها فاخرة وجديدة وذات مواصفات فاقت كل تصوراتي، فلم أكن أحلم يوما بأن أقود مثل هذه السيارة مهما كانت الشهادات التي سأحصل عليها·
في الأيام الأولى خرج معي سيدي وعلمني كيفية قيادة السيارة والعناية بها ودلني على جميع الأماكن التي ترتادها السيدة، وقد أمطرني بأسئلة كثيرة لا حصر لها وكأنني في حالة استجواب دقيق· لم يبق شيء في حياتي إلا وسألني عنه، أهلي، عشيرتي، المكان الذي أسكن فيه، المدرسة التي كنت أدرس فيها، أصدقائي، معارفي، ولم يكتف بكل ذلك وإنما طلب مني أن آخذه للتعرف على أهلي، فأخذته الى منزلنا وعرفته على والدي وأخوتي، عندها اطمئن الرجل وقرر الاعتماد علي·
فكرت منذ بداية عملي أن أحيط نفسي بهالة من الاحترام والتقدير فلا تسقط الميانة بيني وبينهم فيعاملونني كما يعاملون خدمهم من الآسيويين الذين يعملون عندهم· أنا شخص آخر، أنا مثلهم تماما، أتحدث بنفس لغتهم، وولدت على نفس الأرض التي ولدوا عليها· الفرق الوحيد هو أنهم أغنياء وأنا فقير، وهم لديهم هوية وأنا لا أملكها·
حتى الخدم عرفوا ذلك وصاروا يتعاملون معي بحذر وحيطة، إلا تلك الخادمة اللعينة التي تحضر لي الطعام وتنظف غرفتي، فهي تحاول إثارة انتباهي بأي شكل· تقوم بحركات أنثوية وتحاول استدراجي لإقامة علاقة معها، ولكنني أفهمتها بأنني لا أنظر إلى أمثالها، ولا أفكر بالحرام، فصارت تهددني بأنني لن أبقى في هذا العمل إن لم أستجب لها·
أحلام بعيدة
لم أستطع منع نفسي من تلك الأحلام التي فرضت نفسها علي فرضا، فالسيدة التي أعمل لديها تملك تأثيرا ساحرا على كل من يراها، والشيطان يلعب لعبته معي في تزيين تلك الفكرة الجريئة، -السيدة والسائق- تلك الحكاية التي شاهدتها في أحد الأفلام وقد أعجبتني جدا، ليتني أصبح بطلها الآن، فهذه الشابة إذا أعجبت بي فإنها ستغدق علي المال الذي تبعثره في الأسواق بلا أدنى تفكير، نعيش معا قصة حب عذري خاص، يا له من حلم لذيذ، ولكن للأسف··· أصحو من حلمي على خيبتي الكبيرة، فهذه السيدة تعاملني ببرود شديد وتجاهل لا حدود له، وكأنني لست موجودا في السيارة· تتحدث بالهاتف وتضحك وتنفعل ثم بعد أن تنهي مكالمتها تدخل في جمود وصمت وكأنها مخلوق آخر·
كرامتي لا تسمح لي بالمجازفة، فأي كلمة أقولها ستؤدي إلى طردي من هذا العمل المريح فأحرم من هذه السيارة التي عشقتها بجنون· ولا أستطيع أن أعيش يوما بدونها، ولا أتخيل نفسي وأنا أقود سيارة غيرها··· الأفضل لي إذن أن أبعد أحلامي التي ستلقي بي بعيدا عن الجنة·
رحلة غريبة
في أحد الأيام كان السيد مسافرا فأخبرتني السيدة بأن أستعد في الغد بشكل مبكر لأخذها في رحلة إلى المنطقة الشرقية·
تلك الليلة لم أستطع أن أمنع نفسي من الاستسلام لتلك الأحلام التي يلقيها الشيطان برأسي· لم أنم نوما هنيئا ومع ذلك استيقظت بشكل مبكر وجهزت السيارة ولبست ثيابي وبقيت في حالة انتظار وترقب·
مرت الساعات ثقيلة مملة، وقد جاءتني الخادمة وحاولت أن تتحدث معي ولكني تعاملت معها باحتقار شديد·
انتصف النهار فاعتقدت بأن السيدة قد غيرت رأيها ولكنها اتصلت بي وطلبت مني إحضار السيارة استعدادا للرحلة فأسرعت بإحضارها إلى باب الفيلا فصعدت السيدة وانطلقت مسرعا وأنا أحاول أن أتلافى نظرات تلك الخادمة المتربصة بي·
الطريق طويل وممل، انتظرت منها أن تطلب مني وضع بعض الأشرطة التي تحب سماعها ولكنها لم تفعل، وبعد صمت طويل تحدثت معي بتردد، وصارت تسألني عن نفسي وعن عائلتي وعن السبب الذي دفعني للعمل بهذه المهنة البسيطة·
حدثتها بشكل مفصل عن كل شيء وسألتها عن أهلها فأخبرتني بأن والدها يملك محلا تجاريا وأن أمها ربة بيت، وأن لديها أختين متزوجتين وقد أكملت دراستها الجامعية ولكنها لم تعمل·
فتجرأت وسألتها عن السبب الذي جعلها تتزوج رجلا يكبرها سنا، فقالت: هذا الرجل هو صديق والدي منذ سنين طويلة، وقد كان يزورنا هو وزوجته التي كان يحضرها للعلاج من العقم، وقد كان محبا لها لدرجة أنه لم يتزوج عليها بالرغم من ثرائه وقدرته على فتح عدة بيوت وبقي محروما من الابوة حفاظا على مشاعرها ولكنها مرضت مرضا خبيثا وتوفيت على إثره فمر بفترة نفسية عصيبة جدا، وقد وقفت عائلتنا إلى جانبه في تلك الفترة، وهو أيضا لم يقصر معنا، فقد ساعد والدي ماديا في مواقف كثيرة·
قالت: بصراحة كنت معجبة به كثيرا لأنه رجل نادر، فعلى الرغم من ثرائه الا أنه كان وفيا ومخلصا· كنت أتمنى أن يطلبني للزواج وعندما خطبني فرحت فرحا عظيما وشعرت بأنني أسعد إنسانة في هذا العالم، بعد أن حقق الله لي هذا الحلم الجميل وأنا أحمده كثيرا على هذه النعمة·
بلعت ريقي بصعوبة· لقد تخاذل شيطاني وحمل تلك الأفكار الرخيصة التي أدارها حولي أياما طويلة وأنهزم··· ولكن··· ماذا تريد بهذه الرحلة؟ ولماذا تنازلت وتبسطت معي بالحديث؟ لا بد وأن وراءها أمرا ما·
كان ظني في محله، فقد سألتني إن كنت أجيد حفظ الأسرار فأخبرتها بأنني كالبئر العميق فطلبت مني عدم إخبار سيدي بهذه الرحلة· فتساءلت عن السبب فقالت: بصراحة أنا لم أخرج للتنزه ولكنني أريد زيارة أحد المشايخ المعالجين، فقد سمعت بأنه كالمعجزة يستطيع مساعدة الناس على الشفاء من أعمال السحر والعقد·
فوجئت بقولها، وتساءلت: وهل تعتقدين بوجود سحر قد عمل لك؟ قالت: أعتقد بأنني مصابة بسحر قامت به إحدى قريباتي لمنعي من الإنجاب، فهي تحسدني على زواجي من هذا الرجل الثري، فالسنين تمضي والحمل لا يحدث، وقد أكدت الفحوصات بأنني سليمة وزوجي أيضا سليم، ولكن الحمل لا يحدث بغير سبب واضح· زوجي يرفض تصديق الخزعبلات، وأنا أريد أن أحقق له حلمه بالأبوة التي حرم منها في شبابه··· لذلك قررت المجيء للعلاج دون علمه، وبالطبع فإن دخولي لمنزل ذلك الرجل لوحدي شيء صعب لذلك قررت الاستعانة بك لهذه المهمة·
المشهد الغريب
دخلنا بيت الرجل وكان الوضع مريبا، فالبيت قديم ومتآكل، تنطلق روائح البخور مختلطة بالعفن والرطوبة· حتى شكل الرجل كان مخيفا بثيابه المهلهلة ولحيته المبعثرة وعيناه اللتان تقدحان شررا وكأنهما عينا فهد·
أدخلنا إلى غرفة شبه مظلمة، ثم طلب منها أن تجلس أمامه وتضع يدها في حوض خزفي صغير، ثم غطى رأسها وأطلق البخور وصار يتلو بعض التعاويذ· أحسست بالخوف وندمت لأنني رافقتها لمثل هذا المكان المخيف، ولكن ماذا أفعل؟ هي السيدة وأنا أعمل لديها· صرت أقرأ بعض سور القرآن بداخلي وأنا أرتعش·
أزال الرجل الغطاء عنها وطلب منها أن ترفع يدها من الحوض فأخرج من تحت يدها صرة صغيرة قام بفتحها وأخرج منها أشياء غريبة، قال لها بأنه قد أبطل العمل المعمول لها وبأنها ستحمل قريبا·
شكرته وقبل أن تنصرف دست بيده مبلغا كبيرا من المال· تأوهت حسرة بصمت· هذا المخلوق يستولي على هذا المبلغ الكبير بدون جهد وأنا أكدح طول النهار ولا أحصل إلا على الفتات· ماذا أقول··· رزق الهبل على المجانين·
عدنا من تلك الرحلة وكانت السيدة منشرحة النفس تتحدث بسعادة عن حلمها الذي سيتحقق ويكون لديها طفل تسعد به هي وزوجها·
وصلنا إلى الفيلا متأخرين بعد أن حل الظلام، أوقفت السيارة، فنزلت السيدة وهي لا تزال تضحك على تعليقاتي ووصفي لذلك المشهد المرعب في بيت المعالج، فوجئنا بوجود السيد، كان واقفا أمام الباب تبدو عليه علامات العصبية، إلى جانبه تقف تلك الخادمة الخبيثة وهي تبتسم بلؤم·
نظر الرجل لزوجته نظرة حارقة وقال لها: أين كنت لهذه الساعة؟ سكتت المرأة قليلا وهي لا تدري ما تقول··· ثم سألته محاولة تغيير الموضوع: ألم تخبرني بأنك مسافر؟ أجابها بعصبية: كنت تنتظرين غيابي لتفعلي ما يحلو لك··· آخر شيء كنت أفكر فيه هو خيانتك لي مع هذا الحشرة·
صعقت المرأة وصرخت مدافعة عن نفسها: ماذا تقول! أنا أخونك؟ هل جننت؟ دفع الرجل زوجته إلى داخل الفيلا وعاد إلي فلطمني على وجهي لطمة قوية وقال لي: لو تأكدت بأنك فعلت شيئا لزوجتي فسأدخلك السجن مدى حياتك··· سلمني مفاتيح السيارة وغادر المنزل حالا·
حاولت أن أقول شيئا ولكنه لم يعطني الفرصة فخرجت من منزله وأنا منهار تماما·
ترى بماذا أخبرته تلك الخادمة الخبيثة؟ مسكينة زوجته··· إنها بريئة··· ماذا سيفعل معها؟
بعد أيام صعبة وقاسية مررت بها طلبت من والدي أن يلتقي بالرجل ويوضح له الأمور كي لا يظلم زوجته وهي بريئة، ففعل والدي ما أردت، ثم عاد إلي وهو سعيد فقد قابله الرجل بترحيب شديد وأخبره بأنه يعتذر جدا عن سوء الظن الذي أحدثته تلك الخادمة الخبيثة، فقد أخبرته زوجته بالحقيقة فصدقها وتأسف لأنه ظلمها وظلمني، ثم أعطى والدي مبلغا من المال كمساعدة منه لعائلتنا واعتذر لعدم رغبته بعودتي لعملي لأن زوجته قد قررت أن تتعلم قيادة السيارة بنفسها·
ارتحت كثيرا بعد أن سمعت هذه الأخبار وقررت البحث عن عمل جديد شرط أن لا أكون سائقا خاصا لسيدة .
عثمان محمد يعقوب شاويش- مشرف منتدى شخصيات من ابى جبيهه
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى