فى وداع بوش .. قصيدة للشاعر الكبير فاروق جويدة
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
فى وداع بوش .. قصيدة للشاعر الكبير فاروق جويدة
ارحلْ.. وعارُكَ فى يديكْ
كل الذى أخفيته يبدو عليكْ
فاخلع ثيابك وارتحلْ
اعتدتَ أن تمضى أمامَ الناسِ يوماً عارياً
فارحل وعارُكَ فى يديكْ
لا تنتظر طفلاً يتيماً بابتسامته البريئة
أنْ يقبِّلَ وجنتيكْ
لا تنتظر عصفورةً بيضاءَ تغفو فى ثيابكَ
ربما سكنتْ إليكْ
لا تنتظر أُمّاً تطاردها دموعُ الراحلينَ
لعلها تبكى عليكْ
لا تنتظر صفحاً جميلاً
فالدماءُ السودُ مازالت تلوث راحتيكْ
وعلى يديكَ دماءُ شعبٍ آمنٍ
مهما توارتْ لن يفارق مقلتيكْ
كل الصغار الضائعين
على بحارِ الدم فى بغدادَ صاروا..
وشمَ عارٍ فى جبينكَ
كلما أخفيتَه يبدو عليكْ
كل الشواهد فوقَ غزةَ والجليلَ
الآن تحمل سخطَها الدامى
وتلعنُ والديكْ
ماذا تبقى من حشود الموتِ
فى بغدادَ.. قلْ لى
لم يعد شىء لديكْ
هذى نهايتك الحزينة
بين أطلال الخرائبِ
والدمارُ يلف غزةَ
والليالى السودُ.. شاهدةً عليكْ
فارحل وعاركَ فى يديكْ
الآن ترحل غير مأسوفٍ عليكْ..
ارحل وعارُكَ فى يديكْ
انظرْ إلى صمتِ المساجدِ
والمنابر تشتكى
ويصيحُ فى أرجائها شبحُ الدمارْ
انظرْ إلى بغدادَ تنعى أهلها
ويطوفُ فيها الموتُ من دارٍ لدارْ
الآن ترحلُ عن ثرى بغدادَ
خلفَ جنودك القتلى
وعارك أى عارْ
مهما اعتذرتَ أمامَ شعبكَ
لن يفيدكَ الاعتذارْ
ولمن يكونُ الاعتذارْ؟
للأرضِ.. للطرقاتِ.. للأحياءِ..للموتى..
وللمدنِ العتيقةِ.. للصغارْ؟!
ولمن يكونُ الاعتذارْ؟
لمواكب التاريخ.. للأرض الحزينةِ
للشواطئِ.. للقفارْ؟!
لعيونِ طفلٍ
مات فى عينيه ضوءُ الصبحِ
واختنقَ النهارْ؟!
لدموعِ أمٍّ
لم تزل تبكى وحيداً
صارَ طيفاً ساكناً فوق الجدارْ؟!
لمواكبٍ غابت
وأضناها مع الأيام طول الانتظارْ؟!
لمن يكون الاعتذار؟
لأماكنٍ تبكى على أطلالها
ومدائن صارت بقايا من غبارْ؟!
للّهِ حين تنام
فى قبر وحيداً.. والجحيمُ تلال نارْ؟!!
ارحل وعارك فى يديكْ
لا شىء يبكى فى رحيلك..
رغم أن الناس تبكى عادة
عند الرحيلْ
لا شىء يبدو فى وداعك
لا غناءَ.. ولا دموعَ.. ولا صهيلْ
مالى أرى الأشجار صامتةً
وأضواءَ الشوارعِ أغلقتْ أحداقها
واستسلمتْ لليلِ.. والصمتِ الطويلْ
مالى أرى الأنفاسَ خافتةً
ووجهَ الصبح مكتئباً
وأحلاماً بلون الموتِ
تركضُ خلفَ وهمٍ مستحيلْ
اسمعْ جنودكَ
فى ثرى بغدادَ ينتحبون فى هلعٍ
فهذا قاتلٌ.. ينعى القتيلْ..
جثث الجنودِ على المفارقِ
بين مأجورٍ يعربدُ
أو مُصاب يدفنُ العلمَ الذليلْ
ماذا تركتَ الآن فى بغدادَ من ذكرى
على وجه الجداولِ..
غير دمع كلما اختنقتْ يسيلْ
صمتُ الشواطئ.. وحشةُ المدن الحزينةِ..
بؤسُ أطفالٍ صغارٍ
أمهات فى الثرى الدامى
صراخٌ.. أو عويلْ..
طفلٌ يفتش فى ظلام الليلِ
عن بيتٍ توارى
يسأل الأطلالَ فى فزعٍ
ولا يجدُ الدليلْ
سربُ النخيل على ضفافِ النهر يصرخ
هل تُرى شاهدتَ يوماً..
غضبةَ الشطآنِ من قهرِ النخيلْ؟!
الآن ترحلُ عن ثرى بغدادَ
تحمل عارك المسكونَ
بالنصر المزيفِ
حلمَكَ الواهى الهزيلْ..
ارحلْ وعارُكَ فى يديكْ
هذى سفينَتك الكئيبةُ
فى سوادِ الليل ترحلُ
لا أمانَ.. ولا شراعْ
تمضى وحيداً فى خريف العمرِ
لا عرشٌ لديكَ.. ولا متاعْ
لا أهلَ.. لا أحبابَ.. لا أصحابَ
لا سنداً.. ولا أتباعْ
كلُّ العصابةِ فارقتكَ إلى الجحيمِ
وأنت تنتظرُ النهايةَ..
بعد أن سقط القناعْ
الكونُ فى عينيكَ كان مواكباً للشرِّ..
والدنيا قطيعٌ من رعاعْ
الأفق يهربُ والسفينةُ تختفى
بين العواصفِ.. والقلاعْ
هذا ضميرُ الكون يصرخُ
والشموعُ السودُ تلهثُ
خلفَ قافلةِ الوداعْ
والدهر يروى قصةَ السلطانِ
يكذبُ.. ثم يكذبُ.. ثم يكذبُ
ثم يحترفُ التنطُّعَ.. والبلادةَ والخداعْ
هذا مصيرُ الحاكمِ الكذابِ
موتٌ.. أو سقوطٌ.. أو ضياعْ
ما عاد يُجِدى..
أن تُعيدَ عقاربَ الساعاتِ..
يوماً للوراءْ
أو تطلبَ الصفحَ الجميلَ..
وأنت تُخفى من حياتكَ صفحةً سوداءْ
هذا كتابك فى يديكَ
فكيف تحلم أن ترى..
عند النهايةِ صفحةً بيضاءْ
الأمسُ ماتَ..
ولن تعيدَك للهدايةِ توبةٌ عرجاءْ
وإذا اغتسلتَ من الذنوبِ
فكيف تنجو من دماء الأبرياءْ
وإذا برئتَ من الدماءِ..
فلن تُبَرئَكَ السماءْ
لو سالَ دمعك ألفَ عامٍ
لن يطهرَكَ البكاءْ
كل الذى فى الأرضِ
يلعنُ وجهكَ المرسومَ
من فزعِ الصغارِ وصرخة الشهداءْ
أخطأتَ حين ظننتَ يوماً
أن فى التاريخ أمجاداً
لبعضِ الأغبياءْ..
ارحلْ وعاركَ فى يديكْ
وجهٌ كئيبٌ
وجهك المنقوشُ
فوق شواهدِ الموتى
وسكان القبورْ
أشلاءُ غزةَ
والدمارُ سفينةٌ سوداءُ
تقتحمُ المفارقَ والجسورْ
انظر إلى الأطفال يرتعدون
فى صخب الليالى السود..
والحقدُ الدفينُ على الوجوهِ
زئيرُ بركانٍ يثورْ
وجهٌ قبيحٌ وجهك المرصودُ
من عبثِ الضلالِ.. وأوصياءِ الزورْ
لم يبق فى بغداد شىءٌ..
فالرصاصُ يطل من جثثِ الشوارع
والرَّدَى شبحٌ يدورْ
حزن المساجد والمنابرِ تشتكى
صلواتُها الخرساءُ..
من زمنِ الضلالةِ والفجورْ
ارحلْ وعاركَ فى يديكْ
ما عاد يُجدى
أن يفيقَ ضميركَ المهزومُ
أن تبدى أمامَ الناسِ شيئاً من ندمْ
فيداكَ غارقتانِ فى أنهار دمْ
شبحُ الشظايا والمدى قتلى
ووجه الكونِ أطلالٌ.. وطفل جائعٌ
من ألفِ عامٍ لم ينمْ
جثثٌ النخيل على الضفافِ
وقد تبدل حالُها
واستسلمتْ للموتِ حزناً.. والعدمْ
شطآن غزةَ كيف شردها الخرابُ
ومات فى أحشائها أحلى نغمْ
وطنٌ عريق كان أرضاً للبطولةِ..
صار مأوىً للرممْ!
الآن يروى الهاربونَ من الجحيمِ
حكايةَ الذئبِ الذى أكل الغنمْ:
كان القطيع ينام سكراناً
من النفطِ المعتَّقِ
والعطايا.. والهدايا.. والنعمْ
منذ الأزلْ
كانوا يسمونَ العربْ
عبدوا العجولَ.. وتَوَّجوا الأصنامَ..
واسترخت قوافلُهم.. وناموا كالقطيع
وكل قافلةٍ يزينها صنمْ
يقضون نصفَ الليلِ فى وكرِ البغايا..
يشربونَ الوهمَ فى سفحِ الهرمْ
الذئب طافَ على الشواطئ
أسكرته روائحُ الزمنِ اللقيطِ
لأمةٍ عرجاء قالوا إنها كانت ـ وربِّ الناس ـ
من خير الأممْ..
يحكون كيف تفرعنَ الذئبُ القبيحُ
فغاصَ فى دم الفراتِ..
وهام فى نفطِ الخليج..
وعَاثَ فيهم وانتقمْ
سجنَ الصغ
سجنَ الصغارَ مع الكبارِ..
وطاردَ الأحياءَ والموتَى
وأفتى الناسَ زوراً فى الحرمْ
قد أفسدَ الذئبُ اللئيمُ
طبائعَ الأيام فينا.. والذممْ
الأمةُ الخرساءُ تركع دائماً
للغاصبين.. لكل أفاق حكمْ
لم يبق شىء للقطيعِ
سوى الضلالة.. والكآبةِ.. والسأمْ
أطفالُ غزةَ يرسمونَ على
ثراها ألفَ وجهٍ للرحيلِ..
وألفَ وجهٍ للألمْ
الموتُ حاصرهم فناموا فى القبورِ
وعانقوا أشلاءهم
لكن صوتَ الحقِ فيهم لم ينمْ
يحكون عن ذئبٍ حقيرٍ
أطلقَ الفئرانَ ليلاً فى المدينةِ
ثم أسكره الدمارُ
مضى سعيداً.. وابتسمْ..
فى صمتها تنعى المدينةُ
أمةً غرقتْ مع الطوفانِ
واسترختْ سنيناً فى العدمْ
يحكون عن زمنِ النطاعةِ
عن خيولٍ خانها الفرسانُ
عن وطنٍ تآكل وانهزمْ
والراكعون على الكراسى
يضحكون مع النهاية..
لا ضميرَ.. ولا حياءَ.. ولا ندمْ
الذئب يجلسُ خلف قلعته المهيبةِ
يجمع الحراسَ فيها.. والخدمْ
ويطلُ من عينيه ضوءٌ شاحبٌ
ويرى الفضاء مشانقاً
سوداءَ تصفعُ كل جلادٍ ظلمْ
والأمةُ الخرساءُ
تروى قصةَ الذئبِ الذى
خدعَ القطيعَ..
ومارسَ الفحشاءَ.. واغتصبَ الغنمْ
ارحلْ وعاركَ فى يديكْ
مازلت تنتظر الجنود العائدينَ..
بلا وجوه.. أو ملامحْ
صاروا على وجه الزمانٍ
خريطةً صماءَ تروى..
ما ارتكبتَ من المآسى.. والمذابح
قد كنت تحلمُ أن تصافحهم
ولكن الشواهدَ والمقابرَ لا تصافِحْ
إن كنتَ ترجو العفو منهم
كيف للأشلاءِ يوماً أن تسامحْ
بين القبورِ تطل أسماءٌ..
وتسرى صرخةٌ خرساءُ
نامت فى الجوانحْ
فرقٌ كبيرٌ..
بين سلطانٍ يتوِّجُه الجلالُ
وبين سفاح تطارده الفضائحْ -3
منقول
كل الذى أخفيته يبدو عليكْ
فاخلع ثيابك وارتحلْ
اعتدتَ أن تمضى أمامَ الناسِ يوماً عارياً
فارحل وعارُكَ فى يديكْ
لا تنتظر طفلاً يتيماً بابتسامته البريئة
أنْ يقبِّلَ وجنتيكْ
لا تنتظر عصفورةً بيضاءَ تغفو فى ثيابكَ
ربما سكنتْ إليكْ
لا تنتظر أُمّاً تطاردها دموعُ الراحلينَ
لعلها تبكى عليكْ
لا تنتظر صفحاً جميلاً
فالدماءُ السودُ مازالت تلوث راحتيكْ
وعلى يديكَ دماءُ شعبٍ آمنٍ
مهما توارتْ لن يفارق مقلتيكْ
كل الصغار الضائعين
على بحارِ الدم فى بغدادَ صاروا..
وشمَ عارٍ فى جبينكَ
كلما أخفيتَه يبدو عليكْ
كل الشواهد فوقَ غزةَ والجليلَ
الآن تحمل سخطَها الدامى
وتلعنُ والديكْ
ماذا تبقى من حشود الموتِ
فى بغدادَ.. قلْ لى
لم يعد شىء لديكْ
هذى نهايتك الحزينة
بين أطلال الخرائبِ
والدمارُ يلف غزةَ
والليالى السودُ.. شاهدةً عليكْ
فارحل وعاركَ فى يديكْ
الآن ترحل غير مأسوفٍ عليكْ..
ارحل وعارُكَ فى يديكْ
انظرْ إلى صمتِ المساجدِ
والمنابر تشتكى
ويصيحُ فى أرجائها شبحُ الدمارْ
انظرْ إلى بغدادَ تنعى أهلها
ويطوفُ فيها الموتُ من دارٍ لدارْ
الآن ترحلُ عن ثرى بغدادَ
خلفَ جنودك القتلى
وعارك أى عارْ
مهما اعتذرتَ أمامَ شعبكَ
لن يفيدكَ الاعتذارْ
ولمن يكونُ الاعتذارْ؟
للأرضِ.. للطرقاتِ.. للأحياءِ..للموتى..
وللمدنِ العتيقةِ.. للصغارْ؟!
ولمن يكونُ الاعتذارْ؟
لمواكب التاريخ.. للأرض الحزينةِ
للشواطئِ.. للقفارْ؟!
لعيونِ طفلٍ
مات فى عينيه ضوءُ الصبحِ
واختنقَ النهارْ؟!
لدموعِ أمٍّ
لم تزل تبكى وحيداً
صارَ طيفاً ساكناً فوق الجدارْ؟!
لمواكبٍ غابت
وأضناها مع الأيام طول الانتظارْ؟!
لمن يكون الاعتذار؟
لأماكنٍ تبكى على أطلالها
ومدائن صارت بقايا من غبارْ؟!
للّهِ حين تنام
فى قبر وحيداً.. والجحيمُ تلال نارْ؟!!
ارحل وعارك فى يديكْ
لا شىء يبكى فى رحيلك..
رغم أن الناس تبكى عادة
عند الرحيلْ
لا شىء يبدو فى وداعك
لا غناءَ.. ولا دموعَ.. ولا صهيلْ
مالى أرى الأشجار صامتةً
وأضواءَ الشوارعِ أغلقتْ أحداقها
واستسلمتْ لليلِ.. والصمتِ الطويلْ
مالى أرى الأنفاسَ خافتةً
ووجهَ الصبح مكتئباً
وأحلاماً بلون الموتِ
تركضُ خلفَ وهمٍ مستحيلْ
اسمعْ جنودكَ
فى ثرى بغدادَ ينتحبون فى هلعٍ
فهذا قاتلٌ.. ينعى القتيلْ..
جثث الجنودِ على المفارقِ
بين مأجورٍ يعربدُ
أو مُصاب يدفنُ العلمَ الذليلْ
ماذا تركتَ الآن فى بغدادَ من ذكرى
على وجه الجداولِ..
غير دمع كلما اختنقتْ يسيلْ
صمتُ الشواطئ.. وحشةُ المدن الحزينةِ..
بؤسُ أطفالٍ صغارٍ
أمهات فى الثرى الدامى
صراخٌ.. أو عويلْ..
طفلٌ يفتش فى ظلام الليلِ
عن بيتٍ توارى
يسأل الأطلالَ فى فزعٍ
ولا يجدُ الدليلْ
سربُ النخيل على ضفافِ النهر يصرخ
هل تُرى شاهدتَ يوماً..
غضبةَ الشطآنِ من قهرِ النخيلْ؟!
الآن ترحلُ عن ثرى بغدادَ
تحمل عارك المسكونَ
بالنصر المزيفِ
حلمَكَ الواهى الهزيلْ..
ارحلْ وعارُكَ فى يديكْ
هذى سفينَتك الكئيبةُ
فى سوادِ الليل ترحلُ
لا أمانَ.. ولا شراعْ
تمضى وحيداً فى خريف العمرِ
لا عرشٌ لديكَ.. ولا متاعْ
لا أهلَ.. لا أحبابَ.. لا أصحابَ
لا سنداً.. ولا أتباعْ
كلُّ العصابةِ فارقتكَ إلى الجحيمِ
وأنت تنتظرُ النهايةَ..
بعد أن سقط القناعْ
الكونُ فى عينيكَ كان مواكباً للشرِّ..
والدنيا قطيعٌ من رعاعْ
الأفق يهربُ والسفينةُ تختفى
بين العواصفِ.. والقلاعْ
هذا ضميرُ الكون يصرخُ
والشموعُ السودُ تلهثُ
خلفَ قافلةِ الوداعْ
والدهر يروى قصةَ السلطانِ
يكذبُ.. ثم يكذبُ.. ثم يكذبُ
ثم يحترفُ التنطُّعَ.. والبلادةَ والخداعْ
هذا مصيرُ الحاكمِ الكذابِ
موتٌ.. أو سقوطٌ.. أو ضياعْ
ما عاد يُجِدى..
أن تُعيدَ عقاربَ الساعاتِ..
يوماً للوراءْ
أو تطلبَ الصفحَ الجميلَ..
وأنت تُخفى من حياتكَ صفحةً سوداءْ
هذا كتابك فى يديكَ
فكيف تحلم أن ترى..
عند النهايةِ صفحةً بيضاءْ
الأمسُ ماتَ..
ولن تعيدَك للهدايةِ توبةٌ عرجاءْ
وإذا اغتسلتَ من الذنوبِ
فكيف تنجو من دماء الأبرياءْ
وإذا برئتَ من الدماءِ..
فلن تُبَرئَكَ السماءْ
لو سالَ دمعك ألفَ عامٍ
لن يطهرَكَ البكاءْ
كل الذى فى الأرضِ
يلعنُ وجهكَ المرسومَ
من فزعِ الصغارِ وصرخة الشهداءْ
أخطأتَ حين ظننتَ يوماً
أن فى التاريخ أمجاداً
لبعضِ الأغبياءْ..
ارحلْ وعاركَ فى يديكْ
وجهٌ كئيبٌ
وجهك المنقوشُ
فوق شواهدِ الموتى
وسكان القبورْ
أشلاءُ غزةَ
والدمارُ سفينةٌ سوداءُ
تقتحمُ المفارقَ والجسورْ
انظر إلى الأطفال يرتعدون
فى صخب الليالى السود..
والحقدُ الدفينُ على الوجوهِ
زئيرُ بركانٍ يثورْ
وجهٌ قبيحٌ وجهك المرصودُ
من عبثِ الضلالِ.. وأوصياءِ الزورْ
لم يبق فى بغداد شىءٌ..
فالرصاصُ يطل من جثثِ الشوارع
والرَّدَى شبحٌ يدورْ
حزن المساجد والمنابرِ تشتكى
صلواتُها الخرساءُ..
من زمنِ الضلالةِ والفجورْ
ارحلْ وعاركَ فى يديكْ
ما عاد يُجدى
أن يفيقَ ضميركَ المهزومُ
أن تبدى أمامَ الناسِ شيئاً من ندمْ
فيداكَ غارقتانِ فى أنهار دمْ
شبحُ الشظايا والمدى قتلى
ووجه الكونِ أطلالٌ.. وطفل جائعٌ
من ألفِ عامٍ لم ينمْ
جثثٌ النخيل على الضفافِ
وقد تبدل حالُها
واستسلمتْ للموتِ حزناً.. والعدمْ
شطآن غزةَ كيف شردها الخرابُ
ومات فى أحشائها أحلى نغمْ
وطنٌ عريق كان أرضاً للبطولةِ..
صار مأوىً للرممْ!
الآن يروى الهاربونَ من الجحيمِ
حكايةَ الذئبِ الذى أكل الغنمْ:
كان القطيع ينام سكراناً
من النفطِ المعتَّقِ
والعطايا.. والهدايا.. والنعمْ
منذ الأزلْ
كانوا يسمونَ العربْ
عبدوا العجولَ.. وتَوَّجوا الأصنامَ..
واسترخت قوافلُهم.. وناموا كالقطيع
وكل قافلةٍ يزينها صنمْ
يقضون نصفَ الليلِ فى وكرِ البغايا..
يشربونَ الوهمَ فى سفحِ الهرمْ
الذئب طافَ على الشواطئ
أسكرته روائحُ الزمنِ اللقيطِ
لأمةٍ عرجاء قالوا إنها كانت ـ وربِّ الناس ـ
من خير الأممْ..
يحكون كيف تفرعنَ الذئبُ القبيحُ
فغاصَ فى دم الفراتِ..
وهام فى نفطِ الخليج..
وعَاثَ فيهم وانتقمْ
سجنَ الصغ
سجنَ الصغارَ مع الكبارِ..
وطاردَ الأحياءَ والموتَى
وأفتى الناسَ زوراً فى الحرمْ
قد أفسدَ الذئبُ اللئيمُ
طبائعَ الأيام فينا.. والذممْ
الأمةُ الخرساءُ تركع دائماً
للغاصبين.. لكل أفاق حكمْ
لم يبق شىء للقطيعِ
سوى الضلالة.. والكآبةِ.. والسأمْ
أطفالُ غزةَ يرسمونَ على
ثراها ألفَ وجهٍ للرحيلِ..
وألفَ وجهٍ للألمْ
الموتُ حاصرهم فناموا فى القبورِ
وعانقوا أشلاءهم
لكن صوتَ الحقِ فيهم لم ينمْ
يحكون عن ذئبٍ حقيرٍ
أطلقَ الفئرانَ ليلاً فى المدينةِ
ثم أسكره الدمارُ
مضى سعيداً.. وابتسمْ..
فى صمتها تنعى المدينةُ
أمةً غرقتْ مع الطوفانِ
واسترختْ سنيناً فى العدمْ
يحكون عن زمنِ النطاعةِ
عن خيولٍ خانها الفرسانُ
عن وطنٍ تآكل وانهزمْ
والراكعون على الكراسى
يضحكون مع النهاية..
لا ضميرَ.. ولا حياءَ.. ولا ندمْ
الذئب يجلسُ خلف قلعته المهيبةِ
يجمع الحراسَ فيها.. والخدمْ
ويطلُ من عينيه ضوءٌ شاحبٌ
ويرى الفضاء مشانقاً
سوداءَ تصفعُ كل جلادٍ ظلمْ
والأمةُ الخرساءُ
تروى قصةَ الذئبِ الذى
خدعَ القطيعَ..
ومارسَ الفحشاءَ.. واغتصبَ الغنمْ
ارحلْ وعاركَ فى يديكْ
مازلت تنتظر الجنود العائدينَ..
بلا وجوه.. أو ملامحْ
صاروا على وجه الزمانٍ
خريطةً صماءَ تروى..
ما ارتكبتَ من المآسى.. والمذابح
قد كنت تحلمُ أن تصافحهم
ولكن الشواهدَ والمقابرَ لا تصافِحْ
إن كنتَ ترجو العفو منهم
كيف للأشلاءِ يوماً أن تسامحْ
بين القبورِ تطل أسماءٌ..
وتسرى صرخةٌ خرساءُ
نامت فى الجوانحْ
فرقٌ كبيرٌ..
بين سلطانٍ يتوِّجُه الجلالُ
وبين سفاح تطارده الفضائحْ -3
منقول
MOHAMED HETILA- ابوجبيهه يابلدى
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى