قطاع الشمال: دي آخرتها؟ د. عبد الله علي إبراهيم
4 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
قطاع الشمال: دي آخرتها؟ د. عبد الله علي إبراهيم
قطاع الشمال: دي آخرتها؟
عبد الله علي إبراهيم
صدر أمس الأول بيان الحركة الشعبية قطاع الشمال بتوقيع ياسر عرمان عن الأحداث في هجليج. ويؤسفني أنه كان بياناً "كرازاييا" في معنى الإرادة المسلوبة. وقد رأيت المصطلح مستخدماً بين المناصير. فأهل الخيار المحلي وصفوا من قبلوا بتهجير الحكومة ب"الكرازايات". كنت أنتظر من قطاع الشمال، كحركة سياسية "في دولة السودان" كما قال، بياناً أكثر اشتغالاً بالأمر وأعقد. فلم يكتب أياً من معارضي الإنقاذ في الداخل بيانه عن هجليج بغير معاناة عظمي في استخلاص الوطن ناقص الأطراف ( الذي فرضته علينا الحركة الشعبية ضمن آخرين) من مظالمنا من المؤتمر الوطني. ولم المس في بيان ياسر هذه المكابدة في الزعازع بين الوطن، الديمقراطية، السودان التاريخي، التغيير. فالبيان عبارة عن "تنوير" من توجيه معنوي للجيش الشعبي لدولة جنوب السودان.
زعم البيان أن ما يحدث في هجليج هو حالة حرب تنتاب، وانتابت، المؤتمر الوطني دائماً وأبداً. فلا جديد في هجليج. وكان هذا القول جائزاً حتى قيام دولة الجنوب لأن المؤتمر الوطني كان عاهتنا الوطنية معاً. أما وقد صار الجنوب دولة أجنبية فليدافع عن نفسه، متى أعتدى المؤتمر عليه، بالأصول الدولية المتعارفة والتي يطالبه المجتمع الدولي حالياً بمراعاتها. ربما كان السودان ما يزال واحداً في فكر ياسر حتى لو "طار" كما تجري الطرفة. وهذا وهم إيدلوجي يدنيه من حزب التحرير الإسلامي الذي يعتقد في الخلافة الإسلامية ما يزال. وسيجتاج الإنسان إلى ذاكرة من صخر لكي يواصل الاعتقاد في السودان الجديد بعد ما حدث. فالسودان وطن جديد. وهذا يجعل حركة ياسر "قطرية" على أقل تقدير عليها استصحاب بلدها وشعبها مهما يكن.
عاد بيان ياسر إلى سيرة البحر. فهجليج كما قال ليست أول قطعة سُلخت من السودان. خذ عندك: حلايب والفشقة. واستنكر البيان أن يتباكى المؤتمر ( السودان) على هجليج بكاء لم يذرفه على تلك المناطق. وهذا كلام طير. فكون أن المؤتمر الوطني لم يبك عليهما لا يعني أننا لم نبك. فهذا الشعب يبكي ويطوي البرش إلى حين. ولم نسمع، من الجهة الأخرى، بكاء ولا تباكياً من الحركة على حلايب ولا الفشقة وهي في سدة الحكم لخمسة أعوام. ولا حمل ظلامتهما برنامج ياسر الرئاسي. وبوسعنا بالطبع القول لماذا بكى جنوب السودان عند هجليج ولم يبك عند مثلث الليني على حدوده مع كينيا. يحتار المرء للنهايات القصوى التي سنبلغها متى سادت فينا فكرة أن هجليج هينة الحقوا حلايب والفشقة. بعبارة بسيطة: سنقيم يوماً مفتوحاً على السودان. فهلموا يا جيران وغير الجيران إنقصوا السودان من أطرافه حتى يسترد الفشقة وحلايب. نعم التعليم!
أما ثالثة الأثافي فهي منطق ياسر في تثويرنا معشر السودانيين لننتفض ونقضي على الإنقاذ. فالمؤتمر الوطني برأيه لا يبكي على هجليج بل على بترولها الذي يستخدمه في الاستهلاك المحلي وجلب النقد الاجنبي. وزاد بأن الجبهة الثورية (المرة الوحيدة التي ذكرها في البيان) ستقضي على ما تبقى للمؤتمر "من بترول حتى يتمكن الشعب السوداني من أسقاط النظام ويتم اصلاح العلاقات مع كل دول الجوار واصلاح علاقات الشمال –الشمال أولا وبناء وطن يسع الجميع". دي آخرتها يا ياسر؟ هل قنعت في خير منا نثور به طلباً للحرية والحق، والجمال؟ وأردت "تركعينا ديس" نطلب التغيير مذلولين مهانين ضيقاَ بصفوف البنزين والخبز؟ وهل سيسعنا وطن ياسر الموعود كمواطنين حين نأتيه كرعايا مفرغين من المعنى كسيري الخاطر؟ وكم أخلف ياسر عهده بذلك الوطن المنشود؟ وهل هذا التركيع شرط من شروط الانتفاضة حسب لينين؟
ياسر: هل تريد حكومة تكرهها أم وطناً تحبه؟ أنظر كيف ساقك كره النظام لتروج لثورة كالأشغال الشاقة.
عبد الله علي إبراهيم
صدر أمس الأول بيان الحركة الشعبية قطاع الشمال بتوقيع ياسر عرمان عن الأحداث في هجليج. ويؤسفني أنه كان بياناً "كرازاييا" في معنى الإرادة المسلوبة. وقد رأيت المصطلح مستخدماً بين المناصير. فأهل الخيار المحلي وصفوا من قبلوا بتهجير الحكومة ب"الكرازايات". كنت أنتظر من قطاع الشمال، كحركة سياسية "في دولة السودان" كما قال، بياناً أكثر اشتغالاً بالأمر وأعقد. فلم يكتب أياً من معارضي الإنقاذ في الداخل بيانه عن هجليج بغير معاناة عظمي في استخلاص الوطن ناقص الأطراف ( الذي فرضته علينا الحركة الشعبية ضمن آخرين) من مظالمنا من المؤتمر الوطني. ولم المس في بيان ياسر هذه المكابدة في الزعازع بين الوطن، الديمقراطية، السودان التاريخي، التغيير. فالبيان عبارة عن "تنوير" من توجيه معنوي للجيش الشعبي لدولة جنوب السودان.
زعم البيان أن ما يحدث في هجليج هو حالة حرب تنتاب، وانتابت، المؤتمر الوطني دائماً وأبداً. فلا جديد في هجليج. وكان هذا القول جائزاً حتى قيام دولة الجنوب لأن المؤتمر الوطني كان عاهتنا الوطنية معاً. أما وقد صار الجنوب دولة أجنبية فليدافع عن نفسه، متى أعتدى المؤتمر عليه، بالأصول الدولية المتعارفة والتي يطالبه المجتمع الدولي حالياً بمراعاتها. ربما كان السودان ما يزال واحداً في فكر ياسر حتى لو "طار" كما تجري الطرفة. وهذا وهم إيدلوجي يدنيه من حزب التحرير الإسلامي الذي يعتقد في الخلافة الإسلامية ما يزال. وسيجتاج الإنسان إلى ذاكرة من صخر لكي يواصل الاعتقاد في السودان الجديد بعد ما حدث. فالسودان وطن جديد. وهذا يجعل حركة ياسر "قطرية" على أقل تقدير عليها استصحاب بلدها وشعبها مهما يكن.
عاد بيان ياسر إلى سيرة البحر. فهجليج كما قال ليست أول قطعة سُلخت من السودان. خذ عندك: حلايب والفشقة. واستنكر البيان أن يتباكى المؤتمر ( السودان) على هجليج بكاء لم يذرفه على تلك المناطق. وهذا كلام طير. فكون أن المؤتمر الوطني لم يبك عليهما لا يعني أننا لم نبك. فهذا الشعب يبكي ويطوي البرش إلى حين. ولم نسمع، من الجهة الأخرى، بكاء ولا تباكياً من الحركة على حلايب ولا الفشقة وهي في سدة الحكم لخمسة أعوام. ولا حمل ظلامتهما برنامج ياسر الرئاسي. وبوسعنا بالطبع القول لماذا بكى جنوب السودان عند هجليج ولم يبك عند مثلث الليني على حدوده مع كينيا. يحتار المرء للنهايات القصوى التي سنبلغها متى سادت فينا فكرة أن هجليج هينة الحقوا حلايب والفشقة. بعبارة بسيطة: سنقيم يوماً مفتوحاً على السودان. فهلموا يا جيران وغير الجيران إنقصوا السودان من أطرافه حتى يسترد الفشقة وحلايب. نعم التعليم!
أما ثالثة الأثافي فهي منطق ياسر في تثويرنا معشر السودانيين لننتفض ونقضي على الإنقاذ. فالمؤتمر الوطني برأيه لا يبكي على هجليج بل على بترولها الذي يستخدمه في الاستهلاك المحلي وجلب النقد الاجنبي. وزاد بأن الجبهة الثورية (المرة الوحيدة التي ذكرها في البيان) ستقضي على ما تبقى للمؤتمر "من بترول حتى يتمكن الشعب السوداني من أسقاط النظام ويتم اصلاح العلاقات مع كل دول الجوار واصلاح علاقات الشمال –الشمال أولا وبناء وطن يسع الجميع". دي آخرتها يا ياسر؟ هل قنعت في خير منا نثور به طلباً للحرية والحق، والجمال؟ وأردت "تركعينا ديس" نطلب التغيير مذلولين مهانين ضيقاَ بصفوف البنزين والخبز؟ وهل سيسعنا وطن ياسر الموعود كمواطنين حين نأتيه كرعايا مفرغين من المعنى كسيري الخاطر؟ وكم أخلف ياسر عهده بذلك الوطن المنشود؟ وهل هذا التركيع شرط من شروط الانتفاضة حسب لينين؟
ياسر: هل تريد حكومة تكرهها أم وطناً تحبه؟ أنظر كيف ساقك كره النظام لتروج لثورة كالأشغال الشاقة.
أزهرى الحاج البشير- مشرف عام
رد: قطاع الشمال: دي آخرتها؟ د. عبد الله علي إبراهيم
عرمان شطح فانبطح ....مرة ثانية بفقد بوصلته في فرصة ذهبية أتته طائعة ...... التالتة لن يجد مكانه في العير وهو أصلاً بعيداً عن النفير .... " ورق واتحرق"
الفاتح محمد التوم- مشرف المنتدى السياسى
رد: قطاع الشمال: دي آخرتها؟ د. عبد الله علي إبراهيم
ما زلنا يا شهاب كما يقول فيصل .. ما زلنا بحاجة لدروس في التفرقة ما بين الوطن والحكومات .. سلامي الحار
أزهرى الحاج البشير- مشرف عام
رد: قطاع الشمال: دي آخرتها؟ د. عبد الله علي إبراهيم
ما ذلت أقدر مجهودات هذا القلم الكبير د .عبد الله على إبراهيم
قابلته فى دار الوثائق ذات عجالةٍ .. يتأبط مدفعاً من الحجج .. بقاتل به الظلاميين فى لندن ..
الفلسفة التى توصل إليها بعض السياسيين و أنتجوا منها برامج للإطاحة بالحكومة صدقونى تدل عن حجم الإفلاس السياسى الذى وصلوا إليه .. ما مكن نبقى زى ما حكت الطرفة (الجماعة لا قوا الحاجة و هى راجعة .. قالوا ياحاجة كفارة القطية اكلتها النار .. قالت ليهم عجبنى للمرقود) .. نقول ليهم قوات أجنبية دخلت هجليج يقولوا لينا .. عجبنى للمؤتمر الوطنى .. ياسر عرمان و من لف لفه .. وصل مرحلة بعيدة من الإفلاس السياسى ..
أتفق مع الدكتور عبد الله على إبراهيم .. المؤتمر الوطنى أمامه تحدى ضخم وهو الخروج بالوطن إلى بر الأمان .. لكن ما عشان الناس زعلانين منو .. يسلموه للأجانب .. و بعدين لمن يستنجد ياسر بالجنوبيين و غيرهم .. هل عبقرية السوادنيين خلاس فترت ؟؟ السودانيين و متى ما إقتنعوا بتغيير النظام سيغيرونه بدون مساعدة حتى الضيوف الفى الداخل ... و دونكم ثورة الإستقلال و ما تلاها من ثورات بما فيها الإنقاذ ..
شكراً أزهرى .. لن يختلف أثنان فى حراجة الوضع الراهن و لن يختلف اثنان فى الحوجة الماسة للإصلاح و إعادة الإعمار المؤسسى و التنظيمى للهياكل الإقتصادية و السياسية و الإجتماعية بكل ما تحتوى من فئات ..
لكن لا أظن أن أحدنا يرغب فى أن يأتى الجنوبيون أو الأمريكان ليساعدونا فى تحديد ما نريد .. و متى نريد و كيف تريد ...
الحقيقة التى يجب التذكير بها و التركيز عليها هى .. أن الجنوب صار دولة كاملة السيادة و ترك لنا دولة دولة كاملة السيادة .. لا أحد يملى علينا متى و كيف نثور ..
قابلته فى دار الوثائق ذات عجالةٍ .. يتأبط مدفعاً من الحجج .. بقاتل به الظلاميين فى لندن ..
الفلسفة التى توصل إليها بعض السياسيين و أنتجوا منها برامج للإطاحة بالحكومة صدقونى تدل عن حجم الإفلاس السياسى الذى وصلوا إليه .. ما مكن نبقى زى ما حكت الطرفة (الجماعة لا قوا الحاجة و هى راجعة .. قالوا ياحاجة كفارة القطية اكلتها النار .. قالت ليهم عجبنى للمرقود) .. نقول ليهم قوات أجنبية دخلت هجليج يقولوا لينا .. عجبنى للمؤتمر الوطنى .. ياسر عرمان و من لف لفه .. وصل مرحلة بعيدة من الإفلاس السياسى ..
أتفق مع الدكتور عبد الله على إبراهيم .. المؤتمر الوطنى أمامه تحدى ضخم وهو الخروج بالوطن إلى بر الأمان .. لكن ما عشان الناس زعلانين منو .. يسلموه للأجانب .. و بعدين لمن يستنجد ياسر بالجنوبيين و غيرهم .. هل عبقرية السوادنيين خلاس فترت ؟؟ السودانيين و متى ما إقتنعوا بتغيير النظام سيغيرونه بدون مساعدة حتى الضيوف الفى الداخل ... و دونكم ثورة الإستقلال و ما تلاها من ثورات بما فيها الإنقاذ ..
شكراً أزهرى .. لن يختلف أثنان فى حراجة الوضع الراهن و لن يختلف اثنان فى الحوجة الماسة للإصلاح و إعادة الإعمار المؤسسى و التنظيمى للهياكل الإقتصادية و السياسية و الإجتماعية بكل ما تحتوى من فئات ..
لكن لا أظن أن أحدنا يرغب فى أن يأتى الجنوبيون أو الأمريكان ليساعدونا فى تحديد ما نريد .. و متى نريد و كيف تريد ...
الحقيقة التى يجب التذكير بها و التركيز عليها هى .. أن الجنوب صار دولة كاملة السيادة و ترك لنا دولة دولة كاملة السيادة .. لا أحد يملى علينا متى و كيف نثور ..
كرم هجانه- نشط مميز
جنوب السودان.. من الثورة إلى الدولة .. د. عبدالله علي إبراهيم
قال أكاديمي من جنوب السودان إنه لن يكون بوسعهم بعد الانفصال أن يشكوا من العدو من الخارج وهو السودان. وسيتعين عليهم بدلاً عنه الشكوى من عدو الداخل وهو أنفسهم. وهي كلمة حكيمة ينبغي ألا تذهب بصدقها الحرب التي تجري في حدود البلدين. فالخصم في الداخل هو الذي يستحق أن يكون هاجس الجنوب بغير تجاهل لخصم الخارج بالطبع. وسيجد جنوب السودان مواجهة خصم الداخل، بناء دولة ذات سيادة، عسيراً. فلم يتعود قادته هذه المواجهة. فقد كان عدو الداخل "خائناً" منهم باع نفسه للشمال فتجري تصفيته بلا وازع.
جاء محمود محمداني، الكاتب الأفريقي من أصول هندية، في كتابه عن أزمة دارفور بتفرقة بين النظرة القانونية لجماعة من الناس والنظرة السياسية لها. وسيكون عسر صفوة الجنوب الأعظم أن تنفد بجلدها من العالم الذي عطف عليها كموضوع أزلي للشفقة والبر إلى عالم يتعاطى معها كجماعة سياسة مستحقة." الجنوب استظل طويلاً بالقانون الدولي الذي يحمي الجماعات المستضعفة, ولم يتعاط معه العالم من زاوية السياسة كجماعة مواطنين في دولة ذات سيادة تسقط شرعيتها متى فشلت في حماية مواطنيها " |
وخطَّأ محمداني النظرة الحقوقية للرفق بالناس لأنها لا تنظر للبشري مستأهل الحقوق كمواطن بل كمستفيد من العاطفة الإنسانية وطرف متلق للإحسان. فالإنسانية لا تطلب تمكين المواطن في مواطنته بل في آدميته بصونه من الهلاك. والتمكين المقصود هنا مرموز له بإسباغ الـ "agency" حتى على الضحية. وهذا مصطلح دائر في علوم الاجتماع السياسي تعذر عليّ الإصابة في تعريبه. وقصارى القول إنك ما لم تسبغ على الإنسان تلك الميزة جردته من تبعات القيام بأمره سلباً وإيجاباً، أي قيامه بالفعل أصالة استحق بها التكليف. فهو ضحية مستدامة "غير مؤاخذ" حتى إن أخطأ خطأ بيناً.
اتفق لي مؤخراً أن أطالع مكتوبين جسدا نظرة العالم المتنفذ لدولة الجنوب الوليدة تراوحا بين نظرة البر القانونية ونظرة السياسة. كان النص الأول هو وقائع جلسة لجنة أفريقيا بمجلس النواب الأميركي (16 يونيو/حزيران 2011) لتداول الرأي حول الدولة الطارفة: جنوب السودان. وكانت الجلسة مناسبة أيضاً ليهنئ صقورها أنفسهم على إنجازهم بتخليص الجنوب، الذي كان موضع برهم، من المستبدين الشماليين.
فالسودان كان شاغل كثير منهم لسنوات مثل النائب فرانك وولف "الموصوف بأنه شمر في المعركة" طويلاً لرد مظلمة الجنوبيين. ولم يخف دونالد بين تطرفه الذي لا يليق برجل دولة. فقال إنه ظل يزور السودان من مدخل المناطق المحررة منه منذ 1993 ولكنه لم يضع قدمه في الخرطوم لأنه لا يريد أن يعطي الشرعية لحكومة لقيطة.
وتجلى نهج إِبرار اللجنة في قائمة من شهدوا أمامها بالأوضاع المستجدة في الجنوب وفي خطابها. فغلب في الشهود ناشطو البر الإنساني. ومنهم جون إيبنر مدير منظمة التضامن المسيحي في أميركا ومٌدَبر افتداء الرقيق المزعومين من ملاكهم الشماليين بثمن. وجاء للجلسة مصطحباً "معروضه" جنوبياً عتيقاً. كما شهد أمام اللجنة قسيسان من جبال النوبة والجنوب. وجرى تعريف الجنوبي منهما بأن أمه قتلت بواسطة الشماليين وهو طفل بعد. وشهد بالجلسة السفير روجر ونتر الضالع في حقوق الإنسان حتى انتهى إلى دبلوماسية أميركا للغوث.
إلى جانب هؤلاء كان السفير برنستون ليمان، مبعوث أميركا لمعالجة الوضع السوداني، الذي كان في الكرسي الساخن لعدم رضى أكثر الأعضاء بتمنع أوباما عن لجم السودان وتأديبه. بل كان بين وثائق الجلسة خطاب من عضو اللجنة وولف إلى أوباما يحتج على اقتحام السودان لأبيي. ووصف استجابة الرئيس لخطابه بأنها "زيرو زيرو زيرو". هذا بينما وضع الطاهرة في يد الرئيس الصيني، الذي تزود بلاده السودان بالسلاح، ضارباً عرض الحائط بمقامه كحامل لجائزة نوبل.
كان مربط الفرس في خطاب البر هو زعم السفير ونتر بخطأ مساواتنا بين السودان وجنوب السودان في مثل العبارة الدارجة "إن على الدولتين فعل هذا الشيء أو ذاك". وربما كان يشير إلى كلمة لأوباما تَحمِل على الطرفين للوفاء بالتزاماتهما الدولية. وكان من رأي ونتر أن في مثل هذه السوية في تقسيم المسؤولية تكافؤ أخلاقي (moral equivalency) فاسد بين الطرفين. فالخرطوم هي الظالمة. وطالب بعمل عسكري ضد منشآت حربية فيها برغم أنه يرى الإجراء غاية في الغلو.
وحلقت عبارة "التكافؤ الأخلاقي" في الجلسة. فكررها النائب بين في سؤال لليمان الذي قال إنه لا رغبة له في الخوض في الموضوع الأخلاقي المعروف لديه. ولكنه قال إن في واقعة أبييّ خالف كل من السودان وجنوب السودان الاتفاق مع الأمم المتحدة. وأظنه قصد إلى زعزعة عقيدة النواب التي أصلها في الإبرَار التي تجعل السودان شراً مطلقاً وجنوب السودان خيراً مطلقاً.
فقال إن سياستنا لا تفرق بين أشرار وأطهار. فسنظل نلح على السودان ليرى أن مصلحته، وكذلك جنوب السودان، في السلم. وسيستجيب السودان لأنه يعرف أنه يحتاج لنا. وفي هذا صدى من قول جستر كروكر، مساعد وزير الخارجية للشأن الأفريقي تحت الرئيس ريغان، إنه ينبغي لنا أن نرسم سياستنا بدقة ليتبعها الخيَّر، والرذيل لا يلوي على شيء، وما بينهما.
" ساء الدوائر الاقتصادية والمالية في جنوب السودان إيقافهم ضخ نفطهم، الذي يشكل 98% من دخل دولتهم، ولم تر فيه وضعاً درامياً غير مسبوق فحسب بل بدا منه أن ساسة الجنوب غير مدركين لمغازيه أو مترتباته " |
فالناتج القومي الإجمالي للدولة سينهار من جرائه، وستتدهور قيمة جنيه جنوب السودان بصورة حادة، وسيحدث تضخم هائل لأن كل السلع الضرورية والتفاخرية مستوردة، وستنفد أرصدة العملات الأجنبية. فبوتيرة الصرف الحالية ستخلو خزينة الدولة من الأرصدة في يوليو/تموز 2012. ولن تجدي فتيلا خطط الحكومة لتفادي هذا الوضع المأساوي.
وفي الجانب الاجتماعي ستتردى كسوب الجنوب التي وقعت له منذ اتفاقية السلام الشامل في 2005. ستزداد نسبة الفقر إلى 83% في 2013 من 51% وكانت 90% في 2004. ومعنى هذا أن 3 فاصل 6 من السكان سينحدرون إلى ما تحت خط الفقر. وسيزيد معدل وفاة الأطفال دون سن الخامسة من 10% (2012) إلى 20%. وكانت 25% في 2004. وستهبط نسبة الداخلين للمدارس من 50% (2012) إلى 20% (2013) وكانت 20% في 2004.
ولم تقتنع الدوائر المالية العالمية بحجج الصفوة الحاكمة التي قللت من مغبة إغلاق الدولة لنافورة رزقها. فلم تقبل قولها إن التضخم لن يطال جمهرة الجنوبيين بصورة مزعجة لأن أكثرهم محصن في اقتصادهم الطبيعي. وكان من رأي الخبراء أنه لا منآة لأحد من أثر اقتصاد السوق. فنسبة 46% من الغذاء مستورد والباقي إما منتج محلياً أو يأتي في شكل إعانات. وفي السنة شهور تتعذر الزراعة فيها وتضطر الريفيين إلى بيع سلعتهم بتراب الفلوس. ولم ير الخبراء في خطط الحكومة للتركيز على الصادرات غير البترولية شيئاً من الواقعية. ولم يطمئنوا لقول صفوة الجنوب إنهم سيتقشفون. فالجنوب سيحتاج إلى إرادة إنجيلية من التقشف لا طاقة لغير القديسين بها.
ووجدت صفوة الجنوب أن ما تعودت عليه كحركة مقاومة مدللة لا مشتر له في سوق المال والأعمال. فلم يقبل السوق منها العبارات الوطنية مثل أن الجنوب عانى سنيناً ولن يضره أن يعاني لسنوات أخرى من أجل عزته. ورأت فيها عماء عن الخطر المحدق ببلدهم. فاحتار خبراء السوق في خطوة وقف الضخ للنفط. فبدأت لهم كلغز تحتاج حكومة جنوب السودان لاكتراء خبراء لشرحه للآخرين وبيان إستراتيجية الدولة لاحتواء آثاره. ورأوا انتداب خبير ضليع في العلاقات العامة لضمان استمرار الدول المانحة في دعم الدولة خلال الأزمة. والغرض من كل هذا أن تتواضع حكومة الجنوب على رسالة واحدة عن فعلتها المحيرة تذاع على العالم "تبيض" وجه القرار وتمنع تضارب المسؤولين حول مغزاه. وأن تبذل الصفوة قصارى جهدها لتضمن استمرار تعاطف العالم مع حكومة يراها بلا محور تركيز ولا إستراتيجية وعيية في إبلاغ أهدافها.
فلم تنجح الحكومة في نظر الخبراء في تكييف بيان شاف للعالم عن لماذا أوقفت الضخ. فتضارب المسؤولون في التعليل. فمنهم من قال إنهم يريدون به إسقاط حكومة الخرطوم. بينما قال آخرون إن دولتهم تخسر من الضخ فلماذا لا يخسر الآخر، السودان، صاحب الأنابيب، أيضاً. ولم يستحسن المجتمع الدولي أياً من التفسيرين.
ويعتقد المجتمع الدولي أن الحكومة بحاجة إلى نصح كثير شريطة أن تستمع له وتتبعه كله. فقول سدنتها إنهم سيجتازون المحنة على أي حال غير واقعي. فليس من بين الجهات الصارفة للمال الحكومي من استعدت للتقشف. فلم تتواثق مثلاً عند أوليات للصرف بالنظر إلى أن المطلوب من كل الوحدات اقتطاع 26% من منصرفها. ولعل أخطر ما يحمله العالم على حكومة الجنوب أنها قليلة الاكتراث بشعبها. وهذا مقلق للعالم ويرسل رسالة بأن الحكومة تزجهم في الويلات لهدف غير واضح.
سيجد جنوب السودان من سيواصل الحديث عنه كحالة للبر والتقوى. ولكنه سيبدأ مرغماً في سماع من سيراقبهم في ولايتهم عن دولتهم وشعبهم كما رأينا. وسيكون تأقلم الصفوة العسكرية الجنوبية على فيل الدولة الذي دخل غرفتها عسيراً جداً. فهم تصرفوا في ملايين الملايين من العتاد الحربي في حرب تحرير طالت بغير تدبير منهم أو ضبط ميزانية. بل قاتلوا دون أن تقوم للدولة قائمة في مقاومة اتسمت بـ"الفوضوية" في معناها السياسي. والفوضوية هي هدم الدولة كمصدر للشر.
" وزير جنوبي: إن صفوة الحكم الجنوبية ليست فاسدة فساداً لا يقع من الآخرين ولكن المال الذي يأتي إلى خزائنها كمن يبتلعه جحر أسود لأن اللادولة خلو من نظم محاسبية ومصرفية " |
كما أوقف "التمرد" التنقيب عن البترول الذي بدأته شيفرون الأميركية في أوائل الثمانينات. وعادت دولة الإنقاذ لمواصلة العمل فيه بفضل الصين وماليزيا بإصرار في أوائل التسعينات طلباً لمورد ينتشلها من كساد اقتصادي عميق. وسهرت على تأمينه باستدراج أهل المنطقة في مليشيات غذت البعد الإثني في حرب السودان الأهلية.
ولم ترث دولة الجنوب دولة بل مدناً محدودة عبارة عن ثكنات عسكرية للجيش السوداني. ولذا ورث القوميون في الجنوب "لا دولة". ولهذا قال وزير جنوبي إن صفوة الحكم الجنوبية ليست فاسدة فساداً لا يقع من الآخرين ولكن المال الذي يأتي إلى خزائنها كمن يبتلعه جحر أسود لأن اللادولة خلو من نظم محاسبية ومصرفية.
ومهما قلنا عن مخارج جنوب السودان من الثورة إلى الدولة فالطريق المؤكد لذلك أن يجد زمالة غراء من السودان حين تتفق للأخير إستراتيجية لما بعد الانفصال أرجح مما نرى.
أزهرى الحاج البشير- مشرف عام
رد: قطاع الشمال: دي آخرتها؟ د. عبد الله علي إبراهيم
نعم وألف نعم ما زلنا بحاجة لدروس في التفرقة ما بين الوطن والحكومات
خدورة أم بشق- مشرف منتدى الشعر
مواضيع مماثلة
» د. حيدر إبراهيم:انفصال جنوب السودان أثمر دولتين فاشلتين في الشمال والجنوب
» قطاع الشمال يغتال قيادياً بالوطني وأربعة مواطنين في أبوكرشولا
» هل من الصواب وضع إشتراط نزع سلاح قطاع الشمال مقابل مرور نفط الجنوب ؟؟
» أحمد خميس والياً لغرب كردفان الجديدة...وأحمد هارون منقولاً لشمال كردفان!
» استشهاد (38) مواطناً أثناء أدائهم صلاة الفجر بهجوم لمتمردي قطاع الشمال بجنوب كردفان
» قطاع الشمال يغتال قيادياً بالوطني وأربعة مواطنين في أبوكرشولا
» هل من الصواب وضع إشتراط نزع سلاح قطاع الشمال مقابل مرور نفط الجنوب ؟؟
» أحمد خميس والياً لغرب كردفان الجديدة...وأحمد هارون منقولاً لشمال كردفان!
» استشهاد (38) مواطناً أثناء أدائهم صلاة الفجر بهجوم لمتمردي قطاع الشمال بجنوب كردفان
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى