كَبِيرٌ عَلَىَ بَغْدَادَ عبدالرزاق عبدالواحد
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
كَبِيرٌ عَلَىَ بَغْدَادَ عبدالرزاق عبدالواحد
كَبِيرٌ عَلَىَ بَغْدَادَ عبدالرزاق عبدالواحد
وَأَنِّي عَلَىَ أمْنِي لَدَيْهَا أَخَافُهَا سَلاَمٌ عَلَىَ بَغْدَادَ أَنِّي أَعَافُهَا
كَبِيرٌ عَلَيْهَا، بَعْدَمَا شَابَ مِفْرَقِي وَجفَّتْ عُرُوقُ الْقَلْبِ حَتَّىَ شِغَافُهَا
تَتبَّعْتُ لِلسَّبْعِينِ شُطآنَ نَهْرِهَا وَأَمْوَاجَهُ فِي الّليْلِ كَيْفَ ارْتِجَافُهَا
وآخَيْتُ فِيهَاَ النَّخْلَ طَلْعَاً، فَمُبْسِرَاً إِلى التَّمْرِ، والأَعْذَاقُ زَاَهٍ قِطَافُهَا
تَتبَّعْتُ أَوْلاَدِي وَهُمُ يَمْلأُونَهَا ! صِغاَرَاً إِلى أَنْ شَيَّبتْهُمُ ضِفَافُهَا
تَتبَّعْتُ أَوْجَاعِي، وَمَسْرَىَ قَصَائِدِي وَأَيَّامَ يُغْنِي كُلَّ نَفْسٍ كَفَافُهَا
وأَيَّامَ أَهْلِي يَمْلأُ الغَيْثُ دَارَهَم حَيَاءً، ويُرْوِيهُمُ حَيَاءً جَفَافُهَا!
فَلَمْ أرَ فِي بَغْدَادَ ، مَهْمَا تَلبَّدَتْ مَوَاجِعُهَا، عَيْنَاً يَهُونُ انْذِرَافُهَا
وَلَمْ أَرَ فِيهَا فَضْلَ نَفْسٍ، وَإِنْ ذَوَتْ يُنَازِعُهَا فِي الضَّائِقَاتِ إنْحِرَافُهَا
وَكُنَّا إِذَا أَخَنَتْ عَلَى النَّاسِ غُمّةٌُ نَقُولُ بِعَوْنِ اللهِ يَأْتِي انْكِشَافُهَا
وَنَغْفُو، وَتَغْفُو دُورُنَا مُطْمَئِنَّةً وَسَائِدُهَا طُهْرٌ، وَطُهْرٌ لِحَافُهَا
فَمَاذَا جَرَى لِلأَرْضِ حَتَّى تَبَدَّلتْ بِحَيْثُ اسْتَوَتْ وِدْيانُها وشِعَافُهَا
وَمَاذَا جَرَىَ لِلأَرْضِ حَتَّىَ تَلَوَّثَتْ إِلَى حَدِّ فِي الأَرْحَامِ ضَجَّتْ نِطَافُهَا
وَمَاذَا جَرَىَ لِلأَرْضِ !كَانَتْ عَزِيزَةً فَهَانَتْ غَوَالِيهَا، وَدَانَتْ طِرَافُهَا
سَلاَمٌ عَلَىَ بَغْدَادَ شَاخَتْ مِنْ الأَسَى شَنَاشِيلُهَا.. أَبْلامُهَا.. وقِفَافُهَا
وَشَاخَتْ شَوَاطِيهَا وَشَاخَتْ قِبَابُهَا وَشَاخَتْ لِفَرْطِ الْهَمِّ حَتَّى سُلاَفُهَا
فلا اكتُنِفَتْ باِلْخَمْرِ شُطْآنُ نَهْرِهَا وَلاَ عَادَ فِي وُسِعِ النَّدَامَى اكْتِنَافُهَا
سَلاَمٌ عَلَىَ بَغْدَادَ . لَسْتُ بِعَاتِبٍ عَلَيْهَا، وأنَّىَ لِي ، وَرُوحِي غِلاَفُهَا
فَلَوْ نَسْمةٌ طَاَفَتْ عَلَيْهَا بِغَيْرِ مَا تُرَاحُ بِهِ ، أَدْمَى فُؤَادِي طَوَافُهَا
وَهَا أَنَا فِي السَّبْعِينَ أُزمِعُ عَوْفَهَا كَبِيرٌ عَلَىَ بَغْدَادَ أَنِّي أَعَافُهَا
خدورة أم بشق- مشرف منتدى الشعر
رد: كَبِيرٌ عَلَىَ بَغْدَادَ عبدالرزاق عبدالواحد
تعرف ياسيدي ان هذه القصيده تدمي فؤادي وتعصره
كلما قرأتها ابكي بغداد دما
حزني عليها كحزن مدن عزيزة على قلبي في وطني الغالي
ألماً لما يصيبها مراراً وتكراراً من ترويع وخوف ووجل
انها جروحي التي لم تندمل
دعائي لكل العواصم ولتلك المدن الحالمة في جبالنا الشرقية وصلاتي تضرعا لعودة السلام
سيدي الراقي
ايقظت ذكريات لم انسها مهما مرت الايام
بل أعيشها يوميـــاً ....
لك شكري وفائق تقديري
لانك منحت لدموعي مساحة كي تُنفس عن غصة قلب
دوماً أنت راقِ ومرهف .....
أما بخصوص الشاعر المبدع عبد الرزاق عبد الواحد فقد تابعته من خلال قناة الجمــال (أم درمان ) قبيل أيام
بالجد ممتـــــــع وصريح ومباشر .....واليك هـــذا التوغل في القصيدة بقلم الكاتب العراقي الذي أعرف ... عبدالجبـــار سعد
ين يديَّ قصيدة لواحدٍِ من ملوك الشعر العربي المعاصر الكبار وهو الشاعر العراقي الأستاذ / عبد الرزاق عبد الواحد عنوانها " كبير على بغداد...... هذه القصيدة تسلبك وقارك وتختلس دمع عينيك قهراً ثم أنت لا تدري من أين يجيء الحزن فيها.. فالشاعر يريد أن يقول لك كلمة واحدة هي عنوان قصيدته " كبير على بغداد أني أعافها " ثم هو لا يعلمك ما الذي أوجب هذا القول.. ويدعك وحدك تفتش عن السرِّ الذي يدفعه إلى تكرار هذا القول وكأنما هو يردُّ بها على من تتعرض له من فاتنات الغزو تغريه بنفسها وتراوده عن نفسه كي يعشقها بدلاً عن حبيبته الأولى بغداد وكي يعاف بغداد.. كأن فاتنة أخرى هتكت ستر محبوبته الأولى ولفقت عليها كل دنيئة كي تبعده عنها.. كأنها نسبت إليها كل فاحشه.. كأنها اجتهدت في تشويه صورتها التي يعرفها عنها لكن كل هذا هو ما تستنتجه أنت أو تتخيله أنت أما هو فلا يقولها وكيف له أن يقبل مجرد ترداد الوصف الذي يرفضه أن يكون لصيقاً ببغداد سواءً أكان حقاً أم باطلاً! صدقاً أم كذباً!واقعة كانت أم فرية! لكنه بدلاً عن ذلك يتذكر أوصاف محبوبته الأولى " بغداد " وكأنه يعطيك المقابل لما تحاول فاتنة أخرى أن تلصقه بها من صفات مذمومة..
هل سمعتم ب (المومس العمياء) ؟ إذا لم تسمعوا بها فعليكم أن تتقصوا أخبارها من ملك الشعر الكبير بدر شاكر السياب في قصيدته المسماه باسمها (المومس العمياء).. لأنها هي.. هي.. إنها فاتنة من فاتنات قوادي الغزو تبرَّجت وتصبَّغت وتبخَّرت وتعطَّرت وجاءت كي تغري طوائف الرجال بمحاسنها أو بمفاتنها القبيحة!! ولأنها عمياء فقد ذهب عنها الحياء مع ما ذهب من العفة فوق ما ذهب من عمرها.. هل تحبون أن تطلوا عليها مجرد إطلالة مع شاعرنا العربي الكبير نزار قباني حيث رسمها في بيت واحدة حين قال :
وعجوز خلف نرجيلتها
عمرها أقدم من عمر الرذيلة
ألا يكفي هذا ؟!.. لكن أتدرون أي حسن وأي جمال وأي فتنة تلك التي تكتنزها هذه المومس العمياء لطلابها حين تتعرى وتعرض عليهم هذه الجمالات المخبوءة خلف ما ترفل به من ثياب العهر وخلف كل الأصباغ والمساحيق.. تعالوا كي نطل عليها بلمحة وهي تكشف عن نهدها كي تغري به صاحبنا !!.. فحروف شاعرنا الكبير نزار ترسمها لنا في لقطة ثانية تختزل كل المفاتن الأخرى حين يقول :
نهدها حبَّةُ تِينٍ يَبِست
رحم الله زمان اللَّبَن.
لكن ليس هذا هو كل شئ.. كل هذا لا يغني عن مطالعة قصيدة السياب لأن هذه المومس تعدد مناقبها وتلِوِّيها على الأسرة وكيف تؤنس مضاجعيها من السكارى وهي تعلم أن أعظم مناقبها أنها (عربية سمراء) وأن العرب لا يرتضون حتى لإفراغ شهواتهم المحرمة غير العربيات.. اسمع بعض حديثها الشجي عن نفسها وعن معارفها بعالم العهر وأسواق اللذة الحرام وهي تقول :لا تقلقوا.. فعماي ليس مهابةً لي أو وقارا
ما زلت أعرف كيف أرعش ضحكتي خلل الرداء
إبان خلعي للرداء وكيف أرقص في إرتخاء
وأمس أغطيه السرير وأشرئب إلى الوراء
ما زلت أعرف كل هذا,
جربوني يا سكارى..
من ضاجع العربية السمراء،
لا يلقى خسارا !!
كالقمح لونك يا ابنة العرب
أو كالفرات، على ملامحه
لا تتركوني .. فالضحى نسبي
عربية أنا : أمتي دمها
كالفجر بين عرائش العنب
دعة الثرى وضراوة الذهب.
من فاتح، ومجاهد، ونبي!
خير الدماء.. كما يقول أبي.
في موضع الأرجاس من جسدي، وفي الثدي المذال
تجري دماء الفاتحين، فلوثوها، يا رجال
أواه من جنس الرجال... فأمس عاث بها الجنود
الزاحفون من البحار كما يفور قطيع دود
يا ليت للموتى عيونا من هباء في الهواءِ
ترى شقائي
فيرى أبي دمه الصريح يعبُّ أوشال الدماءِ
كالوحل في المستنقعات : فلا يرد الخاطبين
أبٌ سواه: لأن جدة أم ذاك من الإماء
ولأن زوجة خال ذلك بنت خالة هؤلاء!
أنا يا سكارى لا أرد من الزبائن أجمعين
إلا العفاة المفلسين
أنا زهرة المستنقعات أعبُّ من وحل وطين.
لله درك يا (بدر).. بأي بصيرةٍ رأيت هذه المومس العمياء التي كانت تفصلك عنها نيفٌ وأربعون عاماً ؟! ورأيتها كما لم يرها الكثير من الناظرين اليوم ولا تفصلهم عنها غير أسمالهم !! وأسمائهم !!..
****
أرأيتم ما وراء هذه القصيدة الباكية لشاعرنا عبد الرزاق عبد الواحد.. إنها الفتنة إذن ! وأية فتنةٍ هي ؟!.
لكن شاعرنا كلما تعرضت له تلك الفتنة يردد علينا وعليها وعلى الدنيا كلها (كبير على بغداد أني أعافها).. وكيف ولماذا أعافها ؟ وهل كانت بغداد يوماً مومساً كهذه عمياء؟ أو حتى مبصرة ؟! هل كانت لحماً آدمياً معروضاً في أسواق الليل ومواخير اللذة؟
****
القصيدة عشرون بيتاً من البحر الطويل :
(طويل له بين البحور فضائل
فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيل)
فلنصغ إليها إذن :
1. كبير على " بغداد" أني أعافها
وأني على أمنى لديها أخافها
كيف لي وأنا الآمن في كنفها أعود الآن كي أخافها ؟ إذن فهناك من يحاول أن يخوفه منها.. كواقع أو كإفك أو إكراه.
2. كبير عليها بعد ما شاب مفرقي
وجفت عروق القلب حتى شغافها
أو بعد السبعين أبدأ في الخوف ممن أمنتها على روحي طوال السبعين عاماً من عمري حتى اشتعل رأسي شيباً ؟! لقد ذهب شغف القلب كما ذهبت قوى الجسد وتوقف العمر النبيل عند ما شب عليه كلاهما من عواطف فلم يعد بمقدوره أن يزيد أو يستزيد كما لم يعد بمقدوره أن يتخلى عنها أو أن لا يريد..3. تتبعت للسبعين شطآن نهرها
4. و آخيت فيها النخل طلعاً فمبسراً
و أمواجه في الليل كيف ارتجافها
إلى التمر والأعْذاق زاهٍ قطافها
* * * * *
ما أجمل هذا التتبع لموج النهر في الليالي وهي ترتجف وقد غادرها دفء الشمس وما أجمل هذه المؤاخاة للنخل وهو ذو العمر المديد المتجدد.. من الطلع حتى البسر حتى الرطب في اعذاقها الزاهية القطاف إلى التمر (والنخل باسقات لها طلع نضيد تبصرةً وذكرى لكل عبدٍ منيب )..فكأنه يستحضر ما يرويه البعض مما ورد في الكتب القديمة عن المواخاة الأولى بين النخل وإبن آدم حيث روي أن الله إنتقى طينة آدم من كل بقاع الأرض ثم نخلها فصاغ من نقيها خِلقة آدم وخلق من بقيتها وهي النخالة شجرة (النخل) ويروي البعض ما يعده حديثاً "أكرموا عمتكم النخلة إذا مالت فاركوها وإذا ماتت فابكوها ".. فهي عمتنا باعتبارها أخت أبينا آدم عليه السلام وهي أختنا باعتبارنا آدميون كما عبر شاعرنا..
****
ثم إن الشاعر يقول لنا إنه تتبع أولاده وهم يعمرون بغداد صغاراً.. ويشيخون في ضفافها وأنه تتبع مواجعه فيها والمدى الذي وصلت إليه قصائده في سريانها بين أحبابها وأحبابه في زمن كان غنى النفوس بالكفاف والقصد في المعيشة مع عزة النفس والترفع عن كل ما يجرح الكرامة والمروءة مهما كان فيه من ترفٍ وعطاء غير مجذوذ هو الطابع المميِّز (لبغداد).. أيام كان غيث السماء يملأ الأرض حياءً فيرزقون منها ويروى الحياء نفوس أهله عند الجفاف و شحة السنين فيقنعون أو قل.. أيام كان الغيث يملأ دور أهله بالأرزاق ، فيكتفون وكان الجفاف يروي نفوسهم بالحياء فيعفون (يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف لا يسألون الناس إلحافا)
* * * *
ويقول إنه في كل هذه السنين وتقلباتها لم ير في بغداد مهما تلبدت المواجع عيناً واحدة يهون على الناس انذرافها فكلهم يواسون بعضهم كأنهم بيت واحدة وكلهم كرام لا يستحقون إلا الغاية من التعظيم والإكرام.. ولم ير نفساً مهما كانت غير ذات شأن (فضل نفس) مهما قسى عليها العيش في بغداد تنازعها الرغبة في الانحراف حتى مع ضيق العيش و كنا (كما يقول): إذا حلت على الناس غُمةَ نقول بعون الله تنكشف الغمة وقد استخدم لفظ (أخنت) وهذه الكلمة لا تستخدم إلا إذا تقادم العهد وطال زمن مثل هذه الغمة إشارة إلى قوة الصبر والتحمل مع شدة المعاناة والرضى بقضاء الله واليقين بلطف التدبير الإلهي ويقين الفرج مهما طالت وعظمت الشدة.. وكنا نغفو وتغفو دورنا مطمئنة.. وسائدها الطهر ولحافها الطهر أو قل باطنها نقي طاهر وظاهرها نقي طاهر.. استمع إليه إذن:
5. تتبّعتُ أولادي وهم يملأونها
6. تتبّعتُ أوجاعي ومسرى قصائدي
7. وأيام أهلي يملأ الغيث دَارهمْ
8. فلم أرَ في بغداد مهما تلبَََّدت
9. ولم أرَ فيها فضْلَ نفس وإن قستْ
10. وكنا إذا أخنتْ على الناس غُمةُُ
11. ونغفو وتغفو دورُنا مُطمئنة
صغاراً إلى أن شيبتهم ضفافها
وأيام يُغْني كل نفس كفافها
حياءً ويرويهم حياءً جفافها
مواجعُها عيناً يهونُ انذرا فُها
ينازعها في الضائقات انحرافها
نقول بعون الله يأتي انكشافها
وسائدُها طُهْرٌ وطهرٌ لحافُها
* * * *
فما الذي جرى للأرض.. حتى تبدلت بحيث أصبحت الوديان كالشعاف (سهولها كرؤوس جبالها) وأصبح العزيز كالذليل والحقير الوضيع كالرفيع النبيل ؟! وماذا جرى حتى تلوثت وتنجست بحيث ضجت من هذا الدنس حتى النطف في الأرحام؟! وماذا جرى كانت عزيزةً فهانت العوالي منها ودانت الطراف كيف دانت وهانت (عواليها) بيوت الحجر والمدر و( طرافها) بيوت الجلد والوبر؟..
سلام عليك يا بغداد بعد أن شاخ من الأسى فيك مالا يشيخ.. شاخت شناشيلها (ما برز من النوافذ إلى الخارج من تزيينات خشبية) وزوارقها وقفافها (أوعية تخصف من سعف النخيل) وقبابها.. وشاخت الشواطئ وشاخت لفرط الهم حتى سلافتها (الخمره) فما عادت تلك الخمرة التي تدعوها الشطآن إليها مع الندامى ، وما عاد الندامى يقصدون بها تلك الشطآن لقد شاخت لفرط الهم مع أن الخمرة كلما تعتقت في الدنان كانت أطيب وأحلى ولكن الشاعر يستدرك بالقول إٍنني أعني ما أقول فلقد أصاب هذه السلافة من الشيخوخة ما حطم قواهاوأذهب حميَّاها وسلبها القدرة على الإيناس والإطراب فشيخوختها إذن لا تعني عتقها فلم تعد هذه تؤنس النديم ولا عاد النديم يأنس بها فكأنها خمرة المتنبي التي عبّر عنها بقوله في لحظة مشابهه من لحظات الهم والألم :
أصخرةٌ أنا مالي لا تحركني
يا ساقيَيََّ أخمرٌ في كؤوسكما
إذا طلبت كُميت اللون صافيةً
هذي المدام ولا هذي الأغاريدُ؟
أم في كؤوسكما همٌ وتسهيدُ؟
وجدتها وحبيبُ النفس مفقودُ
ولست أدري إن كان ما افتقده من خمرة هي تلك التي حدثنا عنها سلطان العاشقين عمر بن الفارض حين قال:
شربنا على ذكر الحبيب مدامةً
لها البدر كأسٌ وهي شمسٌ يديرها
سكرنا بها من قبل أن يُخلق الكرم
هلالٌ وكم يبدو إذا مزجت نجمُ
ولولا شذاها ما اهتدينا لحانها وفيها
فإن ذُكِرت في الحي أصبح أهله
ولولا سناها ما تصورها الوهم
نشاوى ولا عارٌ عليهم ولا إثمُ
وهي التي يقول عنها :
وقالوا شربت الإثم كلا وإنما
شربت الذي في تركها عندي الإثم
ثم يختمها بالقول :
على نفسه فليبكِ من ضاع عمره
وليس له فيها نصيبٌ ولا سهم.
****
ومع هذا فشاعرنا ليس بعاتب على بغداد.. وكيف يعتب على من هي روحه أو هو روحها.. هي تراح به وهو يراح بها.. رغم أن تطوافها وعناءَها بعد العز يدمي قلبه.. وهي تبحث عن نفسها في هذا الطواف وقد كانت آمنة مستقره يأتيها رزقها من منبت العز حتى لو كان كفافاً فكأنها فتحت باباً ثانياً لا تدري إلى أين انفتح؟.. إسمعه كيف يقول :
12. فماذا جرى للأرض حتى تبدلت
13. وما ذا جرى للأرض حتى تلوثت
14. وماذا جرى للأرض كانت عزيزة
15. سلام على"بغداد"شاختْ من الأسى
16. وشاخت شواطيها وشاختْ قبابُها
17. فلا اكتُنفتْ بالخمر شطآن نهرها
18. سلام على بغداد لستُ بعاتب
19. فَلو نَسمة ٌ طافَتْ عليها بغير ِ ما
20. كبيرُ ُ على بغداد أني أعافها !
بحيثُ استوت وديانُها وشعا فُها ؟
إلى حدِّ في الأرحام ضجَّتْ نطافُها ؟
فهانتْ عواليها ودانت طرافُها ؟
شناشيلُها.. أبلامُها.. وقفافها
وشاختْ لفرْط الهم حتى سلافُها
ولا عاد في وسْع الندامى اكتنافها !
عليها وأنَّى لي وروحي غلافُها
تراحُ به أدمى فؤادي طوافُها!
كبيرُُ ُ على بغداد أني أعافها !
* * * *
وككل ملوك الشعر لا يتركك عبد الرزاق متحيراً تتساءل عن من هو الشاعر ومن أين أتى ؟ وحتى لو لم يذكر اسم (بغداد) فإنك من خلال أبيات القصيدة تكوّن صورة البيئة العراقية كأنها ترتسم لك بالكلمات بمفرداتها النهر – النخيل – ارتجاف الموج ، الشناشيل الأبلام (الزوارق) القفاف.. الخ..نفس الصورة التي تجدها عند ملوك الشعر الكبار أمثال السياب في (أنشودة المطر)
عيناك غابتا نخيلٍ ساعة السحر
أو شرفتان راح ينأى عنهما القمر
عيناك حين تبسمان تورق الكروم
وترقص الأضواء كالأقمار في نهر
يرجُّه المجداف وهناً ساعة السحر
كأنما تنبض في غوريهما النجوم...
مطر.. مطر.. مطر
وفيها نفس الحزن، فكأن (بغداد) عادت إلى عهدها قبل أربعين عاماً حيث كانت شُبَّابة السياب تعزف لنا أنشودة المطر.. وتذكر لنا أحزان عراق ذلك الزمان.. ومجاعاته..
أتعلمين أيُّ حزنٍ يبعث المطر؟
وكيف تنشج المزاريب إذا انهمر؟
وكيف يشعر الوحيد فيه بالضياع ؟
بلا انتهاء كا لدم المراق كا لجباع
كالحب كا لاطفال كا لموتى هو المطر
مطر مطر مطر
وكم ذرفنا ليلة الرحيل من دموع
ثم إعتللنا خوف أن نلام بالمطر
مطر مطر مطر
ومنذ أن كنا صغاراً، كانت السماء
تغيم في الشتاء
ويهطل المطر
وكل عام حين يعشب الثرى نجوع
ما مر عامٌ والعراق ليس فيه جوع
مطر مطر مطر
الفاتح محمد التوم- مشرف المنتدى السياسى
مواضيع مماثلة
» حروف كروية .. عبدالمجيد عبدالرزاق
» بالصورة: عبدالواحد نور يمتطي حماراً بعد معركة ( فنقا ) !!
» في زمان الغضب..للدكتور عبدالواحد عبدالله يوسف
» مهرجان ملتقى النيلين الشعري قصيدة الحب والغضب عبدالرزاق عبد الواحد
» بالصورة: عبدالواحد نور يمتطي حماراً بعد معركة ( فنقا ) !!
» في زمان الغضب..للدكتور عبدالواحد عبدالله يوسف
» مهرجان ملتقى النيلين الشعري قصيدة الحب والغضب عبدالرزاق عبد الواحد
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى