مدونة الكاتب الصحفي عوض الله الصافي (اخر اليل)
صفحة 1 من اصل 1
مدونة الكاتب الصحفي عوض الله الصافي (اخر اليل)
نقلاً عن ( اخر اليل) مدونة الكاتب الصحفي عوض الله الصافي.(www.awd-kambal.blogspot.com)
حق تقرير المصير
أستهل هذه الدراسة بمقدمة وجيزة عن الأساس التاريخي لحق تقرير المصير ثم أستعرض بعد ذلك أساسه القانوني ثم أتبع ذلك بخاتمة وتوصيات وذلك وفقا للنسق التالي:-
أقول وفقا للسياق التاريخي إن مفهوم حق تقرير المصير قد برز إلى حيز الوجود في الفقرة الخامسة من مقترحات الرئيس الأمريكي ودرو ولسون المعلن عنها في الثامن من يناير من عام 1918 (1)، و قد إستهدفت الفقرة المعنية تسوية أوضاع شعوب الأقاليم المستعمرة التي كانت ترزح تحت هيمنة قوى أجنبية آنذاك .عليه إن حق تقريرالمصير في سياقه التاريخي قد عنيت به أساسا الشعوب التي كانت قابعة تحت سيطرة قوى إستعمارية و لم تعن به الأقليات الوطنية القاطنة في إطار إقليم دولة مستقلة ذات سيادة.
أما وفقا للسياق القانوني التعاقدي فقد أكد ت عصبة الأمم على حق الشعوب المستعمرة في ممارسة مبدأ تقرير المصير وذلك وفقا لتدابير قانونية- إدارية ضمنت في نص المادة 22 من ميثاق عصبة الأمم بشأن تسوية وضعيات شعوب الأقاليم التي تم إنتزاعها من قبضة الدول المنهزمة في الحرب الكونية الأولى و وضعها(أي الأقاليم) تحت نظام مفوضية عصبة الأمم (2). و إثر إنهيار نظام عصبة الأمم نتيجة لإندلاع الحرب الكونية الثانية تحققت صيرورة منظمة الأمم المتحدة التي قعدت لمبدأ تقرير المصير كحق تمارسه الشعوب في الفقرة الثانية من المادة الأولى في الفصل الأول من ميثاقها فقد نصت الفقرة المشار إليها أعلاه على (تنمية علاقات ودية بين الشعوب قائمة على مبدأ إحترام الحقوق المتساوية و حق تقرير المصير للشعوب،و إتخاذ تدابيرأخرى ملائمة لتعزيزالسلام العالمي.) (3). نقلا عن الإنجليزية.
و إرتكازا إلى نص المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم 1514 الذي يتضمن أحكاما تؤكد حق الشعوب في ممارسة التقرير بحرية في أوضاعها السياسية، الإقتصادية، الإجتماعية و الثقافية. فقد نصت الفقرة الأولى من القرار المذ كور أعلاه على أن (إستهداف، إستعباد، الهيمنة على و إستغلا ل الشعوب - من قبل قوى - أجنبية يمثل إنكارا للحقوق الأساسية للإنسان و تعارضا مع أحكام ميثاق الأمم المتحدة وعائقا لتنمية التعاون و السلم الدوليين.) (4) نقلا عن الإنجليزية.
وتنص الفقرة الثانية من القرار المذكور على أن (كل الشعوب تمتلك حق تقرير المصير بمقتضى ذلك الحق لها أن تقرر في حرية وضعيتها السياسية و تمارس في حرية تنميتها الإقتصادية، الإجتماعية والثقافية.) (5) نقلا عن الإنجليزية.
أما الفقرة الخامسة من القرار المشار إليه أعلاه تنص على أن: (إجراءات فورية يجب أن تتخذ دون شروط أو تحفظات أو قيود بسبب العرق، العقيدة أو اللون ووفقا لرغبتهم و التعبير الحر عن إراداتهم لنقل كافة السلطات إلى شعوب الأقاليم التي تحت نظام الوصاية و الأقاليم التي لا تتمتع بالحكم الذاتي وكل الأقاليم الأخرى التي لم تنل الإستقلال بعد لأجل تمكينها من التمتع بالإستقلال التام و الحرية.) (6) نقلا عن الإنجليزية.
هذا، و إتساقا مع المنطوق الصريح للأحكام متون الفقرات المشار إليها من قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 1514 يتضح بجلاء أن ممارسة مبدأ تقرير المصير حق مكفول بالأصالة لشعوب المستعمرات التي ترزح تحت هيمنة قوى أجنبية و تلك التي تحت نظام الوصاية و شعوب الأقاليم التي لم تتمتع بعد بممارسة الحكم الذاتي . وكذلك يفهم ضمنيا أن مبدأ تقرير المصير تجوز ممارسته أيضا من قبل الجماهير الشعبية القاطنة في أقاليم دول مستقلة شريطة إلتزامها بمراعاة المحافظة على النظام السياسي و وحدة إقليم الدول التي هم مواطنون فيها و ذلك إستنادا إلي مضمون متن الفقرة السادسة من قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 1514 المذكور أعلاه الذي ينص على أن " أية محاولة تستهدف التمزيق الجزيء أو الكلي للوحدة الوطنية ووحدة إقليم القطر تتعارض و أهداف و مباديء ميثاق الأمم المتحدة."(7) نقلا عن الإنجليزية. وتجدر الإشارة هنا إلى أن كل من المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة و قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 1514 المشار إليه آنفا لم يشيرا صراحة و لا ضمنا،مباشرة أو غير مباشرة إلى أية صلة تقرن مبدأ تقرير المصير و مطلب الإنفصال.
في إطار السياق القانوني أود أن أيضا إلى أن مبدأ تقرير المصير قد تم تقعيده في الفقرة الأولى من المادة الأولى في الجزء الأول من الميثاق العالمي للحقوق الإقتصادية الإجتماعية و الثقافية المعمول به منذ الثالث من يناير من عام 1976، فقد نصت الفقرة المذكورة على أن (كل الشعوب تمتلك حق تقرير المصير، و بمقتضى ذلك الحق لها أن تقرر في حرية وضعيتها السياسية، و في حرية ممارسة تنميتها الإقتصادية، الإجتماعية و الثقافية.) ( نقلا عن الإنجليزية.
إن الميثاق العالمي المذكور أعلاه قد كفل ممارسة حق تقرير المصير للشعوب التي كانت قابعة تحت هيمنة قوى أجنبية فقط، والقرينة على ذلك المنطوق الصريح لنص الفقرة الثالثة من المادة الأولى في الجزء الأول من الميثاق المشار إليه أعلاه، إذ تنص الفقرة المنوه عنها على (الدول أطراف الميثاق الكائن و تلك التي تتحمل مسئولية إدارة الأقاليم التي لا تحكم نفسها و التي تحت نظام الوصاية عليها تعزيز إنجاز حق تقرير المصير و إحترامه إنسجاما و أحكام ميثاق الأمم المتحدة.) (9) نقلا عن الإنجليزية.
هذا، و في ذات السياق أشير هنا أيضا إلى أن الميثاق العالمي للحقوق المدنية و السياسية المعمول به منذ 23 من مارس من عام 1976 قد أكد في الفقرة الأولى من المادة الأولى في الجزء الأول منه على حق الشعوب في ممارسة مبدأ تقرير المصير، و تلافيا للتكرار أحيل القاريء الكريم إلى متن وثيقة الميثاق العالمي للحقوق المدنية و السياسية.(10).و تجدر الإشارة هنا إلى ثمة حقيقة هامة و هي أن كل من الميثاقين المذكورين أعلاه لم يشيرا صراحة ولا ضمنا إلى أية علاقة مباشرة أو غير مباشرة تربط بين مبدأ تقرير المصير و مطلب الإنفصال.
أيضا في سياق الأساس القانوني لمبدأ تقرير المصير تجدر الإشارة إلى أن إعلان مباديء القانون الدولي المنظمة للعلاقات الودية و التعاون بين الدول وفقا لأحكام ميثاق الأمم المتحدة المتبنى بالإجماع من قبل أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة في 24 من أكتوبر من عام 1970 قد جعل من معطيي الحقوق المتساوية و حق تقرير المصير مبدأين دوليين راسخين قعدهما في متنه. فقد جاء في متن إعلان مباديء القانون الدولي المشار إليه أعلاه تحت عنوان مباديء الحقوق المتساوية وحق تقرير المصير ما نصه (بمقتضى مبدأ الحقوق المتساوية و تقرير المصير المتضمن في ميثاق الأمم المتحدة، كل الشعوب دون تدخل خارجي تمتلك في حرية تقرير وضعها السياسي و تمارس تنميتها الإقتصادية،الإجتماعية والثقافية، و أن كل دولة عليها إلتزام إحترام هذا الحق وفقا لأحكام الميثاق.)(11) نقلا عن الإنجليزية.
إن عمومية نص هذه الفقرة تجعل من الممكن القول بأن مكنة ممارسة تقرير المصير ليست مقصورة فقط على شعوب المستعمرات بل مكنة مكفولة ممارستها أيضا للجماهير الشعبية في الدول المستقلة شريطة إلتزامها بقيد عدم القيام بأي عمل من شأنه أن يؤدي إلى تهديد وحدة أقاليم،الوحدة السياسية و السيادية لدول مستقلة . فقد نصت الفقرة التالية تحت مبدأ الحقوق المتساوية وحق تقرير المصير المشار إليه أعلاه على أنه "لا شيء في الفقرات السابقة يمكن ترجمته بإعتباره مخولا أو محفذا على الإتيان بأي فعل من شأنه أن يمزق أو يصدع جزئيا أو كليا وحدة الإقليم و الوحدة السياسية و السيادية لدول مستقلة تراعي إلتزاماتها بمبدأ الحقوق المتساوية ومبدأ تقرير المصير و تمتلك حكومة تمثل كافة الشعب المنتمي إلى إقليمها دون تمييز لعرق،أو عقيدة أو لون." (12) نقلا عن الإنجليزية.
هذا، فإن القراءة الحرفية لمنطوق نصي الفقرتين المشار إليهما أعلاه تؤكد في غير تخصيص على أن حق ممارسة مبدأ تقرير المصير قد كفل للشعوب التي كانت ترزح تحت هيمنة القوى الإستعمارية و كذلك أيضا كفل لجماهير الشعوب التي تعيش في أقاليم دولها الوطنية. بيد أن هاتين الفقرتان تنشئان إلتزامات متبادلة يجب علي كل من الدول و رعاياها مراعاتها، فعلى الدول مراعاة و إحترام مطالب شعوبها ممارسة حق تقرير المصير في سياقاتة السياسية، الإقتصادية، الإجتماعية و الثقافية، بينما على الجماهير الشعبية موطنو تلك الدول التقيد بالإمتناع عن القيام بأي فعل من شأنه أن يهدد جزئيا أو كليا سلامة إستقلال و سيادة و وحدة الإقليم الوطني لدولهم. و تجدر الإشارة هنا إلى أن إعلان مباديء القانون الدولي المذكور أعلاه لم يشر صراحة ولا ضمنا إلى أية وشيجة تقرن مبدأ تقرير المصير و مطلب الإنفصال.
إن مبدأ حق تقرير المصير قد تمت معالجته أيضا في متن الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان و الشعوب المعمول به منذ الحادي و العشرون من أكتوبر من عام 1986. فقد نصت الفقرة الأولى من المادة 20 في الجزء الأول من الميثاق المذكور بكيفية عامة و في غير تمييز بين شعوب الدول المستقلة و شعوب المستعمرات على "كل الشعوب تمتلك حق الحياة و لها بلا منازع حق أصيل في تقرير المصير، و لها أن تقرر في حرية وضعها السياسي، و ممارسة التنمية الإقتصادية، الإجتماعية وفقا للسياسة التي أختارتها بحرية." (13) نقلا عن الإنجليزية. و تجدر الإشارة هنا إلى أن الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان و الشعوب المشار إليه أعلاه قد كفل و بالنص الصريح ممارسة حق تقرير المصير للشعوب القابعة تحت هيمنة قوى أجنبية ، فقد نصت الفقرة الثانية من المادة 20 على أن "للشعوب المستعمرة أو المضطهدة حق تحرير أنفسهم من قيود الهيمنة باللجوء إلى أية وسيلة معترف بها من قبل المجتمع الدولي" (14) نقلا عن الإنجليزية. فمثلما كفلت الفقرة الأولى من المادة 20 من الميثاق الأفريقي المشار إليه أعلاه للجماهير الشعبية مواطني الدول المستقلة ممارسة حق تقرير المصير بكيفية ضمنية فقد أثقلت الأحكام الواردة في فقرات المادتين 27 و29 من الميثاق المذكور أفراد المجتمعات الشعبية في الدول المستقلة بالتزامات أوجبت مراعاتها و التقيد بها، فقد نصت الفقرة الأولى من المادة 27 "على كل فرد تحمل إلتزامات تجاه عائلته، مجتمعه، الدولة و مجتمعات معترف بها قانونيا و المجتمع الدولي." (15) نقلا عن الإنجليزية. أما الفقرة الثالثة من المادة 29 في الفصل الثاني من ذات الميثاق الأفريقي فقد نصت على إلتزام الفرد بعدم التفريط في أمن وطنه "أللا يساوم على أمن الدولة التي هو مواطن أو مقيم فيها." (16) نقلا عن الإنجليزية. و كذلك نصت الفقرة 4 من المادة 29 في الفصل الثاني من الميثاق الأفريقي على الفرد أن "يصون ويمنع الأمن والتضامن الإجتماعي و الوطني سيما عندما يتهدد الأخير." (17) وتنص الفقرة 5 من المادة 29 أيضا على الفرد أن "يصون و يعزز الإستقلال الوطني و وحدة إقليم قطره و أن يسهم في الدفاع عنه و فقا للقانون." (18) نقلا عن الإنجليزية.
و تجدر الإشارة هنا إلى أن الميثاق الأفريقي المذكور لم يشر صراحة و لا ضمنا إلي أية رابطة تقرن مبدأ تقرير المصير و مطلب الإنفصال.
هذا، و وفقا للممارسات القانونية و التاريخية فأن مبدأ تقرير المصير ينقسم إلى نمطين مبدأ تقرير المصير الخارجي المطلق(غير المقيد) و مبدأ تقرير المصير الداخلي غير المطلق (المقيد) سأتناول في عرض موجز كل منهما على حدة وفقا للسياق التالي:-
مبدأ تقرير المصير الخارجي المطلق.
إن حق تقرير المصير الخارجي المطلق (غير المقيد) سمي بذلك لعدم تقيد حرية شعوب المستعمرات أو شعوب الأقاليم التي كانت تحت نظام الوصاية و تلك التي لم تمارس الحكم الذاتي بعد أن تتبنى و تقرر في حرية مطلقة أي من الخيارات القانونية المتاحة يلائمها، خيار الإستقلال التام و إقامة دولة ذات سيادة أم خيار ممارسة الحكم الذاتي مع إقامة علاقة تعاقدية مع دولة مستقلة تمارس وكالة عنها بعض شؤونها الدفاعية والخارجية (الدولية) أم خيار الإندماج في كيان دولة مستقلة ومن ثم الصيرورة بعضا منها أو أية صيغة نظمية سياسية تلائمها .فقد نصت الفقرة (ب) تحت مبدأي الحقوق المتساوية وتقرير المصير من إعلان القانون الدولي المتعلق بالعلاقات الودية و التعاون بين الدول المذكور أعلاه على حق شعوب المستعمرات و الأقاليم التي تحت الوصاية و تلك التي لا تمارس الحكم الذاتي عند ممارسة حق تقرير المصير أن تختار بين " إقامة دولة مستقلة ذات سيادة ،الإرتباط / ب/ أو الإندماج في دولة مستقلة أو أية صيغة سياسية أخرى يقررها بحرية الشعب تنفيذا لحق تقرير المصير" (19) نقلا عن الإنجليزية.
هذا، فإن حق تقرير المصير الخارجي المطلق كمكنة قانونية أستهدفت تصفية ظاهرة الإستعمار بإطلاق أيدي الشعوب المستعمرة في تقرير مصائرها إعمالا لإراداتها الحرة. إن شعوب المستعمرات بصفة عامة وشعوب الأقاليم التي كانت قد وضعت تحت نظام مفوضية عصبة الأمم أولا ثم تحت نظام الوصاية الذي أنشأته منظمة الأمم المتحدة فيما بعد والأقاليم التي لم تكن تمارس الحكم الذاتي قد مارست حق تقرير المصير الخارجي المطلق و قد نتج عن تلك الممارسات المحصلات
التالية:-
أولا:
إن الغالبية العظمى من شعوب المستعمرات قد فضلت خيار الإستقلال التام ونتيجة لذلك برز إلى حيز الوجود على الصعيد الأفريقي 53 دولة مستقلة ذات سيادة من بينها جمهورية السودان.
ثانيا:
فضلت بعض شعوب الأقاليم التي كانت تحت نظام الوصاية الذي أقامته منظمة الأمم المتحدة الإندماج في شعوب دول مستقلة والصيرورة بعضا منها،فعلى الصعيد الأفريقي فضل شعب الإقليم الغربي من المستعمرة الألمانية السابقة توغو الذي كان تحت الإدارة البريطانية من نظام الوصاية الإندماج في شعب جمهورية غانا، و كذلك فضل شعب الإقليم الشمالي الغربي من المستعمرة الألمانية السابقة الكامرون الذي كان تحت الإدارة البريطانية من نظام الوصاية الإندماج في شعب جمهورية نيجيريا و كذلك أيضا فضل شعب الصومال في المستعمرة الإيطالية السابقة الذي وضع تحت الإدارة البريطانية من نظام الوصاية الإندماج في شعب الصومال في مستعمرة الصومال البريطاني السابقة .
ثالثا:
إن بعض شعوب الأقاليم التي كانت تحت نظام الوصاية فضلت خيار ممارسة الحكم الذاتي و إقامة علاقات إتحادية خاصة مع الدول التي كانت تمارس إدارتها تحت نظام الوصاية . فعلى سبيل النمذجة فضلت الأقاليم التالي ذكرها خيار الحكم الذاتي مع الإرتباط التعاقدي مع الولايات المتحدة الأمريكية. بويرتاريكو، جزر مكرونيشيا، جزر مارشال، جزر ماريانا و بالاو(20)
مبدأ تقرير المصير الداخلي المقيد:
إن مبدأ تقرير المصير الداخلي المقيد سمي بذلك لتقيد إرادة جماهير الدول المستقلة عند ممارستها له بالإلتزام و التقيد بإحترام وحدة الإقليم الوطني و السيادة و الإستقلال السياسي للدولة التي هم مواطنون فيها .إن حق تقرير المصير الداخلي المقيد هو مكنة قانونية كفلتها المواثيق الدولية لشعوب الدول المستقلة إستهدافا لتعزيز الحريات الأساسية و حقوق الإنسان في سياقاتها السياسية، ألإقتصادية، الإجتماعية و الثقافية و ضمان ممارستها إلى أقصى مدى ممكن و ذلك صونا لإنسانيته و تحقيقا لكرامته و تعزيزا لحريته في مناخ من الديموقراطية أرحب. فعلى سبيل النمذجة نصت الفقرة 1 من المادة 2 من إعلان حقوق الأشخاص المنتمين إلى أقليات وطنية عرقية ،دينية و لغوية (دكلاريشن أون ذا رايتس أوف برسونز بلونققنق تو ناشنال أور أثنك ،رليجنز آند لنقوستك ماينوريتيز) على "الأشخاص المنتمون إلى أقليات وطنية عرقية ،دينية و لغوية (سيشار إليهم لاحقا بالأشخاص المنتمين إلى أقليات ) لهم حق التمتع و بحرية بثقافاتهم ، إظهار و ممارسة ( طقوسهم ) الدينية وإستعمال لغاتهم (على) الصعيدين الخاص و العام بدون تدخل (من الغير)أو أي تمييز." (21) نقلا عن الإنجليزية . و كذلك نصت الفقرة 2 من المادة 2 من ذات الإعلان المذكور أعلاه على "الأشخاص المنتمون إلى أقليات لهم حق المشاركة بفعالية في الحياة العامة الثقافية ،الدينية،الإجتماعية و الإقتصادية." (22) نقلا عن الإنجليزية . و في ذات السياق فإن الفقرة 1 من المادة 3 من الميثاق رقم 169 المتعلق بالسكان الأصليين و القبائليين في الأقطار المستقلة (كانفنشن نمبر 169 كانسيرننق إندجنص آند ترايبل بيبول إن إندبندنت كانترز) الذي تبناه المؤتمر العام لمنظمة العمل الدولية في دورته السادسة والسبعين في 27 من يونيو من عام 1989 و المعمول به منذ 5 من سبتمبر من عام 1991 قد نصت علي"السكان الأصليون والقبائليون لهم حق التمتع إلى أقصى مدى بحقوق الإنسان و الحريات الأساسية بدون معوقات أو تمييز ..." (23) نقلا عن الإنجليزية . و لما أن أحكام المواثيق الدولية تعد بطبيعتها القانونية مصدر إلزام للدول المستقلة أعضاء المجتمع الدولي إستنادا إلى منطوق القاعدة الآمرة "باكتا صونت سيرفاندا" و كذلك القاعدة العامة "العقد شريعة المتعاقدين" فإن الدول المستقلة تعد ملزمة بالتقيد بأحكام الإتفاقيات الدولية سيما تلك التي تستهدف صون حقوق الإنسان و تعزيز الحريات الأساسية و ذلك بالعمل على تمكين جماهير شعوبها من ممارسة حق تقرير المصيرالداخلي في معطياته السياسية، الإقتصادية، الإجتماعية و الثقافية عبر منظماتهم السياسية، مؤسساتهم الإقتصادية و مثاباتهم الثقافية التي إختاروها بمحض إراداتهم الحرة .إلا أنه يجب التأكيد هنا في هذا المقام على أن القانون الدولي العام لم يمنح حق تقرير المصير الخارجي المطلق لجماهير السكان الأصليين مواطنو الدول المستقلة الذين يسعون إلى الإنفصال و ذلك للأسباب التالية:
أولا-
إن جماهير السكان الأصليين مواطنو الدول المستقلة لا يناضلون من أجل التحرر من نفوذ و هيمنة قوى أجنبية و إنما يسعون إلى الخروج عن سلطان حكومات دولهم . فإن الخروج عن سلطان حكم القانون سلوك يهدد الأمن و النظام العام في آحاد للدول الذي هو بعضا من الأمن و النظام العالمي .لذا فإن القانون الدولي العام يقر بحق الدول المستقلة في ممارسة سيادتها على مواطنيها توطيدا لحكم القانون و صونا لوحدة أقاليمها و سيادتها الوطنية بكافة الوسائل القانونية بما فيها الإستخدام المشروع للقوة العسكرية للدولة . فقد نصت الفقرة (ب) تحت مبدأ السيادة المتساوية بين الدول على " لكل دولة التمتع بالحقوق المتضمنه في سيادتها الكاملة ." (24) الأمر الذي يعني ضمن أمور أخرى حق الدولة في تطبيق أحكام سلطاتها السيادية على الأشخاص المقيمين داخل إقليمها كانوا مواطنين أو أجانب . و في ذات السياق نصت الفقرة 3 من المادة 8 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لعام 1998 علي " لا شيء في الفقرة 2 / د ... يؤثر على مسؤولية الحكومة في صون و ترسيخ حكم القانون و النظام في الدولة أو الدفاع عن وحدة و تماسك إقليمها بكافة الوسائل المشروعة ."(25) نقلا عن الإنجليزية .و في هذا المقام تجدر الإشارة إلى أن مسّودة مشروع بمسمى "إعلان الأمم المتحدة لحقوق السكان الأصليين ." يقترح في المادة 3 منه منح السكان الأصليين مواطنو الدول المستقلة ممارسة حق تقرير المصير قدم من قبل عصبة من البحاث المهتمين بأوضاع السكان الأصليين إلى المندوب السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان قد تم تجاهله من قبل أعضاء الأمم المتحدة. فقد نصت المادة 3 من مسودة مشروع الإعلان المقترح المنوه عنه أعلاه على "السكان الأصليون لهم حق تقرير المصير.و وفقا لذلك الحق لهم تقرير أوضاعهم السياسية بحرية وممارسة تنميتهم الإقتصادية، الإجتماعية و الثقافية."(26).
ثانيا-
إن جماهير الأهالي الأصليين لم يعتبرهم "الميثاق رقم 169المتعلق بالسكان الأصليين و القبائليين في الأقطار المستقلة الذي تبناه المؤتمر العام لمنظمة العمل الدولية والمعمول به منذ 5 من سبتمبر من عام 1991" شعوبا قائمة و متميزة بذاتها و إنما أعتبرهم بعضا من شعوب الدول التي هم مواطنون فيها، لذا لم يخصهم بالمزايا التي كفلها القانون الدولي لشعوب المستعمرات و التي من بينها ممارسة حق تقرير المصير الخارجي المطلق. فقد نصت الفقرة 3 من المادة 1 من الميثاق المذكور أعلاه علي "إن مصطلح شعوب (بيبولز)الوارد في هذا الميثاق لا يجب أن يفسر على أنه يحمل ذات الدلالة و لا يتضمن ذات الحقوق التي يتضمنها مصطلح شعوب المستخدم في متون القانون الدولي" (27). نقلا عن الإنجليزية.
ثلثا-
إن الأقاليم التي يسعى السكان الأصليون إلى تقرير مصيرها و من ثم فصلها ليس لها شخصية إعتبارية قانونية دولية كما هو حال الأقاليم المستعمرة و إنما هي بعضا من الأقاليم الوطنية لدول مستقلة. فقد نصت الفقرة (ب) تحت مبدأي الحقوق المتساوية و وتقرير المصير من إعلان مباديء القانون الدولي المتعلق بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول المشار إليه آنفا على " لإقليم مستعمرة أو إقليم لا يمارس الحكم الذاتي تحت الميثاق وضعية منفصلة و متميزة عن إقليم الدولة المديرة له..."(28) نقلا عن الإنجليزية.
رابعا-
إن حقوق السكان الأصليين مواطني الدول المستقلة قد حددتها و حضت على رعايتها و صونها مواثيق و إعلانات دولية "كالميثاق رقم 169 المتعلق بحقوق السكان الأصليين و القبائليين في الأقطار المستقلة" المشار إليه أعلاه و "إعلان حقوق الأشخاص المنتمين إلى أقليات وطنية عرقية،دينية و لغوية" الذي تبنته الجمعية العامة للأمم المتحدة بالقرار رقم 135/47 في 18 ديسمبر من عام 1992 فإن هاتين الوثيقتان الدوليان لم تنصا صراحة ولا ضمنا علي منح السكان الأصليين مواطني الدول المستقلة مكنة ممارسة حق تقرير المصير الخارجي كما لم تنصا على وجود أية علاقة مباشرة أو غير مباشرة تربط بين حق تقرير المصير و الإنفصال ، بل نصتا صراحة على عدم وجود أي شيء في متون نصوصهما من شأنه يمكن تفسيره مخولا القيام بأي عمل من شأنه أن يهدد وحدة إقليم أو إستقلال دولة مستقلة ذات سيادة. فعلى سبيل النمذجة نصت الفقرة 4 من المادة 8 من إعلان حقوق الأشخاص المنتمين إلى أقليات وطنية عرقية،دينية و لغوية المشار إليه أعلاه على أنه "لا شيء في الإعلان الحالي ما يمكن تفسيره مخولا القيام بأي عمل يتعارض و غايات و مباديء الأمم المتحدة ..." (29) نقلا عن الإنجليزية .
إن من بين مستهدفات إقرار ممارسة حق تقرير المصير الداخلي المقيد من قبل الجماهير الشعبية مواطني الدول المستقلة هو إشاعة مباديء و قيم الديموقراطية و جمهرت ممارستها في المحيطات الوطنية للدول المستقلة. إن حق تقرير المصير الداخلي المقيد في سياقاته السياسية، الإقتصادية، الإجتماعية، الثقافية و الأمنية قد طبقته عمليا الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الإشتراكية عبر ممارسة السلطة الشعبية بكيفية المؤتمرات الشعبية الأساسية كجهة تقرير و اللجان الشعبية كجهة تنفيذ و بالشعب المسلح كآلية أمنية ذلك في سياق الديموقراطية المباشرة. كذلك أيضا أن حق تقرير المصير الداخلي المقيد في سياقه الثقافي قد عبرت عنه الفقرة الأولى من المادة السادسة في الفصل الأول من دستور جمهورية جنوب أفريقيا حيث جعلت من أحد عشر لسانا وطنينا لغات رسمية في الجمهورية. (30)
هذا، تقتضي الموضوعية تعزيز مطلب ممارسة حق تقرير المصير الداخلي المقيد و ذلك للمسوغات التالية:-
أولا:
إن النداء من أجل ممارسة حق تقرير المصير الداخلي مطلب عادل تدعمه الشرعية القانونية الدولية المعبر عنها في متون المواثيق الدولية.
ثانيا:
إن ممارسة حق تقرير المصير الداخلي المقيد يعد إعمالا لإرادة الجماهير في ممارسة الحقوق الأساسية للإنسان في سياقاتها السياسية، الإقتصادية، الإجتماعية و الثقافية، و يعني أيضا إشاعة لقيم و مباديء الديموقراطية عبر آلية (الممارسة الفعلية)لا(المشاركة الشكلية) لسلطان الحاكمية و ذلك بتمليك الجماهير الشعبية عمليا مقاليد الحكم المتمثلة في السلطة و الثروة والسلاح. ذلك يعني بالضرورة صيرورة كل أبناء الشعب حكومة أي جهة للتقرير و التنفيذ في كل متعلقات حياة المجتمع و الوطن.
ثالثا:
إن ممارسة حق تقرير المصير الداخلي المقيد يعني تحرير وإطلاق إرادات أبناء الشعب السوداني في أقاليمه المختلفة و كسر إحتكار ممارسة سلطان الحاكمية من قبل فرد، حزب، طائفة أو زمرة متسلطة عسكرية كانت أو مدنية.
رابعا:
إن ممارسة حق تقرير المصير الداخلي المقيد يعني وئدا لدكتاتورية حكم الأغلبية وممارسة للحكم الذاتي المباشر من قبل الجماهير الشعبية في أقاليمها، و كذلك يعني أيضا ضمن معطيات أخرى تجسيدا لمبدأ حكم الشعب بالشعب للشعب المدلول الحقيقي لمفهوم الديموقراطية حيث تأتلف كافة الفعاليات السياسية الجماهيرية الشعبية في إطار حكومة وحدة وطنية من أجل تنفيذ برامج تنموية إستراتيجية قررتها في حرية تامة إرادة الجماهير الشعبية.
و في المقابل تقتضي الموضوعية رفض مطلب الإنفصال و ذلك للبواعث التالية:
أولا:
إن مطلب الإنفصال لا تدعمه مسوغات موضوعية و لا تسنده شرعية قانونية دستورية كانت أو قانونية دولية.
ثانيا:
موضوعيا أن مطلب الإنفصال في جوهره يتعارض إستراتيجيا و المصالح الوطنية العليا للبلاد وذلك للأسباب التالية:
(أ) إن موافقة حكومة السودان على مطلب فصل الإقليم الجنوبي عن الوطن و من ثم صيرورته دولة ذات سيادة يعني قانونيا تدويل المشكل السوداني و هذا موضوع يضيق المجال عن الخوض فيه.
(ب) إن فصل الإقليم الجنوبي عن الوطن يمثل تهديدا مباشرا للأمن الوطني السوداني في معطياته المتعددة:
1- معطى الأمن الوطني العام:
إن صيرورة الإقليم الجنوبي من الوطن دولة ذات سيادة سيفتح المجال الوطني لتغلغل النفوذ الأجنبي في سياقاته المتباينة عسكريا، سياسيا، إقتصاديا، ثقافيا و غير ذلك.
2- معطى الأمن الإجتماعي:
إن إنفصال الإقليم الجنوبي عن الوطن يعني تمزيق لحمة كيان المجتمع الوطني و بالمقابل يعزز النعرات العرقية و الإقليمية الأمر الذي في النهاية يهدد الهوية الوطنية السودانية بالفناء.
3- معطى الأمن الغذائي:
إن قيمة الوطن السوداني كقطر تكمن في غنى موارده الطبيعية المتجددة، و الإقليم الجنوبي من الوطن يمثل المستودع الإستراتيجي الرئيس للثروة الوطنية الطبيعية. فهو مصدر المياه التي لا قيمة للمشاريع الزراعية الوطنية الإستراتيجية القائمة على الري الدائم و كذلك لا قيمة لمشاريع الصناعات الوطنية الإستراتيجية القائمة على الطاقة الهايدروكهربائية في شمال الوطن إذا إنفصل الجنوب . إن إنفصال الإقليم الجنوبي عن الوطن يعني توقف محركات دواليب مولدات الطاقة الهايدروكهربائية في الشمال. إن ندرة الأمطار في أقاليم شمال، شمال شرق و شمال غرب السودان و تد ني معدلات تساقط الأمطار في وسط، و شرق وغرب السودان نتيجة للتغيرات المناخية كظاهرة التشوب و الإستحرار العالمي و الزحف الصحرائي المخيف نحو حزام السافانا الأخضر وموجات الجفاف المتواترة الصيرورة و التي ما فتئت تجتاح ربوع البلاد فينة أثر أخرى عوامل في مجملها تنذر بحدوث كارثة بيئية ساحقة ماحقة تهدد بإنقراض أسباب الحياة في جل أصقاع السودان سيما الشمالي منها. إنفصال الإقليم الجنوبي عن الوطن يعني صيرورة الهجرة الجماعية للإنسان والحيوان جنوبا حيث مقومات الحياة تبقى في حكم المستحيل و العدم. إن بروتوكول نايفاشا حول إقتسام السلطة و الثروة بين حكومة السودان و الحركة الشعبية لتحرير السودان لم يتضمن فقرة واحدة تؤمن من خلالها حصة مائية تقيم أود أبناء السودان في الشمال حالة تأكد إنفصال الإقليم الجنوبي من الوطن و صيرورته دولة ذات سيادة.
4- معطى الأمن السياسي و بقاء الدولة السودانية:
إن موافقة حكومة السودان على مطلب فصل الإقليم الجنوبي عن الوطن وصيرورته دولة ذات سيادة بلا جدال يمثل سابقة دستورية و مرجعية لشرعية قانونية سترتكز عليها مطالب قوى الإنفصال مستقبلا . إن إنفصال الإقليم الجنوبي عن الوطن يجسد عملا لا وحدوي لامراء سيحفذ قوى الإنفصال في أقاليم السودان الأخرى لتحذو حذوه. إن إرهاصات الحروب الأهلية التي تلوح في أفق البلاد تقوي إحتمالات صيرورتها وقائع الأحداث الدموية التي يشهدها إقليم غرب دار فور و كذلك التداعيات الأمنية والفوضى التي تجتاح إقليمي جنوب النيل الأزرق و إقليم شرق السودان. إن إنفصال الإقليم الجنوبي عن الوطن لا يعني فقط زعزعة الأمن السياسي للبلاد و إنما يعني تهديدا لكيان الدولة بالتصدع بل بالإندثار.
هذا و أختتم هذه الدراسة بالمحصلات التالية :
أولا إن مبدأ تقرير المصير الخارجي المطلق تاريخيا قد قعدته أحكام القانون الدولي بغية تصفية ظاهرة الإستعمار و من ثم تمكين شعوب المستعمرات من إسترداد إستقلالها الوطني و التمتع بحرياتها و تقرير أوضاعها السياسية، الإقتصادية، ألإجتماعية و الثقافية في حرية تامة و دون تدخلات أجنبية .
ثانيا إن مبدأ تقرير المصير الداخلي المقيد قد كفلته أحكام القانون الدولي للجماهير الوطنية في الدول المستقلة(سيما الأقليات) و ذلك تعزيزا لحقوق الإنسان و صونا للحريات الأساسية و ترسيخا للممارسات العملية لقيم الديموقراطية لتمكين الجماهير الوطنية من ممارسة التقرير في متعلقات أوضاعها السياسية، الإقتصادية، الإجتماعية و الثقافية في إطار وحدة أقاليم دولها و تحت سياداتها الوطنية
ثالثا إن أحكام القانون الدولي المتضمنة في متون المواثيق الدولية التي قعدت مبدأ حق تقرير المصير الداخلي المقيد لم تنص صراحة و لا ضمنا ، مباشرة أو غير مباشرة على أية وشيجة تقرن حق ممارستة بمطلب الإنفصال .
هذا ، أستتبع هذه الخاتمة بالتوصيات التالية:
أولا :
إنسجاما مع التوجهات الدولية،و وفاءا بالإلتزامات المنبثقة عن أحكام الإتفاقيات و المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان و تعزيزا للحريات الأساسية أقترح على جهات الإختصاص إصدار الوثيقة السودانية لحقوق الإنسان لتكون مرجعا قانونيا ضامنا و معززا للحقوق و الحريات الأساسية للمواطن السوداني .
ثانيا :
من أجل الإسهام في بلورة و ترسيخ رأي وطني و دولي حول المضمون المفاهيمي و القانوني لمبدأ تقرير المصير الداخلي المقيد كحق كفلت أحكام القانون الدولي للجماهير الشعبية ممارسته في إطار أقاليم دولها الوطنية وتحت سيادتها في غير إرتباط بمطالب الإنفصال أقترح إلى جهات الإختصاص في حكومة السودان إستضافة ندوة عالمية تحت عنوان "المضمون الديموقراطي لممارسة حق تقرير المصير الداخلي المقيد " على أن تدعى إليها فعاليات أكاديمية، سياسية و منظمات حكومية و غير حكومية تعنى بقضايا حقوق الإنسان و الحريات العامة و كذلك يدعى إليها ممثلين لدول تعاني من أنشطة منظمات إنفصالية كبريطانيا، أسبانيا، الإتحاد الفدرالي الروسي، جمهورية الصين الشعبية، صربيا، تركيا، سيرالانكا، كندا و جمهورية إيران الإسلامية و كذلك يدعى إليها كضيوف شرف ممثلين عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان ،و منظمة الإتحاد الأفريقي والإتحاد الأوروبي بصفة مراقبين.
ثالثا :
أقترح تشكيل هيئة إستشارية شعبية عمادها أهل الإختصاص من أكادميين، وخبرويين لتقديم توصيات فنية إلى جهات الإختصاص في الأمور الحيوية المصيرية التي تتعلق بوحدة الوطن و مستقبله على أن تنشر التوصيات في الصحف السيارة لإطلاع الرأي العام عليها، ذلك لأن القضايا الحيوية المصيرية التي تتعلق بالسيادة و وحدة التراب الوطني تقتضي الموضوعية النظر و من ثم التقرير فيها بالعقل الجماعي و ليس بالبصيرة الآحادية مهما كانت حصافتها.
.و الله الموفق إلي ما فيه مصلحة الوطن و خير المواطن.
حق تقرير المصير
أستهل هذه الدراسة بمقدمة وجيزة عن الأساس التاريخي لحق تقرير المصير ثم أستعرض بعد ذلك أساسه القانوني ثم أتبع ذلك بخاتمة وتوصيات وذلك وفقا للنسق التالي:-
أقول وفقا للسياق التاريخي إن مفهوم حق تقرير المصير قد برز إلى حيز الوجود في الفقرة الخامسة من مقترحات الرئيس الأمريكي ودرو ولسون المعلن عنها في الثامن من يناير من عام 1918 (1)، و قد إستهدفت الفقرة المعنية تسوية أوضاع شعوب الأقاليم المستعمرة التي كانت ترزح تحت هيمنة قوى أجنبية آنذاك .عليه إن حق تقريرالمصير في سياقه التاريخي قد عنيت به أساسا الشعوب التي كانت قابعة تحت سيطرة قوى إستعمارية و لم تعن به الأقليات الوطنية القاطنة في إطار إقليم دولة مستقلة ذات سيادة.
أما وفقا للسياق القانوني التعاقدي فقد أكد ت عصبة الأمم على حق الشعوب المستعمرة في ممارسة مبدأ تقرير المصير وذلك وفقا لتدابير قانونية- إدارية ضمنت في نص المادة 22 من ميثاق عصبة الأمم بشأن تسوية وضعيات شعوب الأقاليم التي تم إنتزاعها من قبضة الدول المنهزمة في الحرب الكونية الأولى و وضعها(أي الأقاليم) تحت نظام مفوضية عصبة الأمم (2). و إثر إنهيار نظام عصبة الأمم نتيجة لإندلاع الحرب الكونية الثانية تحققت صيرورة منظمة الأمم المتحدة التي قعدت لمبدأ تقرير المصير كحق تمارسه الشعوب في الفقرة الثانية من المادة الأولى في الفصل الأول من ميثاقها فقد نصت الفقرة المشار إليها أعلاه على (تنمية علاقات ودية بين الشعوب قائمة على مبدأ إحترام الحقوق المتساوية و حق تقرير المصير للشعوب،و إتخاذ تدابيرأخرى ملائمة لتعزيزالسلام العالمي.) (3). نقلا عن الإنجليزية.
و إرتكازا إلى نص المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم 1514 الذي يتضمن أحكاما تؤكد حق الشعوب في ممارسة التقرير بحرية في أوضاعها السياسية، الإقتصادية، الإجتماعية و الثقافية. فقد نصت الفقرة الأولى من القرار المذ كور أعلاه على أن (إستهداف، إستعباد، الهيمنة على و إستغلا ل الشعوب - من قبل قوى - أجنبية يمثل إنكارا للحقوق الأساسية للإنسان و تعارضا مع أحكام ميثاق الأمم المتحدة وعائقا لتنمية التعاون و السلم الدوليين.) (4) نقلا عن الإنجليزية.
وتنص الفقرة الثانية من القرار المذكور على أن (كل الشعوب تمتلك حق تقرير المصير بمقتضى ذلك الحق لها أن تقرر في حرية وضعيتها السياسية و تمارس في حرية تنميتها الإقتصادية، الإجتماعية والثقافية.) (5) نقلا عن الإنجليزية.
أما الفقرة الخامسة من القرار المشار إليه أعلاه تنص على أن: (إجراءات فورية يجب أن تتخذ دون شروط أو تحفظات أو قيود بسبب العرق، العقيدة أو اللون ووفقا لرغبتهم و التعبير الحر عن إراداتهم لنقل كافة السلطات إلى شعوب الأقاليم التي تحت نظام الوصاية و الأقاليم التي لا تتمتع بالحكم الذاتي وكل الأقاليم الأخرى التي لم تنل الإستقلال بعد لأجل تمكينها من التمتع بالإستقلال التام و الحرية.) (6) نقلا عن الإنجليزية.
هذا، و إتساقا مع المنطوق الصريح للأحكام متون الفقرات المشار إليها من قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 1514 يتضح بجلاء أن ممارسة مبدأ تقرير المصير حق مكفول بالأصالة لشعوب المستعمرات التي ترزح تحت هيمنة قوى أجنبية و تلك التي تحت نظام الوصاية و شعوب الأقاليم التي لم تتمتع بعد بممارسة الحكم الذاتي . وكذلك يفهم ضمنيا أن مبدأ تقرير المصير تجوز ممارسته أيضا من قبل الجماهير الشعبية القاطنة في أقاليم دول مستقلة شريطة إلتزامها بمراعاة المحافظة على النظام السياسي و وحدة إقليم الدول التي هم مواطنون فيها و ذلك إستنادا إلي مضمون متن الفقرة السادسة من قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 1514 المذكور أعلاه الذي ينص على أن " أية محاولة تستهدف التمزيق الجزيء أو الكلي للوحدة الوطنية ووحدة إقليم القطر تتعارض و أهداف و مباديء ميثاق الأمم المتحدة."(7) نقلا عن الإنجليزية. وتجدر الإشارة هنا إلى أن كل من المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة و قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 1514 المشار إليه آنفا لم يشيرا صراحة و لا ضمنا،مباشرة أو غير مباشرة إلى أية صلة تقرن مبدأ تقرير المصير و مطلب الإنفصال.
في إطار السياق القانوني أود أن أيضا إلى أن مبدأ تقرير المصير قد تم تقعيده في الفقرة الأولى من المادة الأولى في الجزء الأول من الميثاق العالمي للحقوق الإقتصادية الإجتماعية و الثقافية المعمول به منذ الثالث من يناير من عام 1976، فقد نصت الفقرة المذكورة على أن (كل الشعوب تمتلك حق تقرير المصير، و بمقتضى ذلك الحق لها أن تقرر في حرية وضعيتها السياسية، و في حرية ممارسة تنميتها الإقتصادية، الإجتماعية و الثقافية.) ( نقلا عن الإنجليزية.
إن الميثاق العالمي المذكور أعلاه قد كفل ممارسة حق تقرير المصير للشعوب التي كانت قابعة تحت هيمنة قوى أجنبية فقط، والقرينة على ذلك المنطوق الصريح لنص الفقرة الثالثة من المادة الأولى في الجزء الأول من الميثاق المشار إليه أعلاه، إذ تنص الفقرة المنوه عنها على (الدول أطراف الميثاق الكائن و تلك التي تتحمل مسئولية إدارة الأقاليم التي لا تحكم نفسها و التي تحت نظام الوصاية عليها تعزيز إنجاز حق تقرير المصير و إحترامه إنسجاما و أحكام ميثاق الأمم المتحدة.) (9) نقلا عن الإنجليزية.
هذا، و في ذات السياق أشير هنا أيضا إلى أن الميثاق العالمي للحقوق المدنية و السياسية المعمول به منذ 23 من مارس من عام 1976 قد أكد في الفقرة الأولى من المادة الأولى في الجزء الأول منه على حق الشعوب في ممارسة مبدأ تقرير المصير، و تلافيا للتكرار أحيل القاريء الكريم إلى متن وثيقة الميثاق العالمي للحقوق المدنية و السياسية.(10).و تجدر الإشارة هنا إلى ثمة حقيقة هامة و هي أن كل من الميثاقين المذكورين أعلاه لم يشيرا صراحة ولا ضمنا إلى أية علاقة مباشرة أو غير مباشرة تربط بين مبدأ تقرير المصير و مطلب الإنفصال.
أيضا في سياق الأساس القانوني لمبدأ تقرير المصير تجدر الإشارة إلى أن إعلان مباديء القانون الدولي المنظمة للعلاقات الودية و التعاون بين الدول وفقا لأحكام ميثاق الأمم المتحدة المتبنى بالإجماع من قبل أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة في 24 من أكتوبر من عام 1970 قد جعل من معطيي الحقوق المتساوية و حق تقرير المصير مبدأين دوليين راسخين قعدهما في متنه. فقد جاء في متن إعلان مباديء القانون الدولي المشار إليه أعلاه تحت عنوان مباديء الحقوق المتساوية وحق تقرير المصير ما نصه (بمقتضى مبدأ الحقوق المتساوية و تقرير المصير المتضمن في ميثاق الأمم المتحدة، كل الشعوب دون تدخل خارجي تمتلك في حرية تقرير وضعها السياسي و تمارس تنميتها الإقتصادية،الإجتماعية والثقافية، و أن كل دولة عليها إلتزام إحترام هذا الحق وفقا لأحكام الميثاق.)(11) نقلا عن الإنجليزية.
إن عمومية نص هذه الفقرة تجعل من الممكن القول بأن مكنة ممارسة تقرير المصير ليست مقصورة فقط على شعوب المستعمرات بل مكنة مكفولة ممارستها أيضا للجماهير الشعبية في الدول المستقلة شريطة إلتزامها بقيد عدم القيام بأي عمل من شأنه أن يؤدي إلى تهديد وحدة أقاليم،الوحدة السياسية و السيادية لدول مستقلة . فقد نصت الفقرة التالية تحت مبدأ الحقوق المتساوية وحق تقرير المصير المشار إليه أعلاه على أنه "لا شيء في الفقرات السابقة يمكن ترجمته بإعتباره مخولا أو محفذا على الإتيان بأي فعل من شأنه أن يمزق أو يصدع جزئيا أو كليا وحدة الإقليم و الوحدة السياسية و السيادية لدول مستقلة تراعي إلتزاماتها بمبدأ الحقوق المتساوية ومبدأ تقرير المصير و تمتلك حكومة تمثل كافة الشعب المنتمي إلى إقليمها دون تمييز لعرق،أو عقيدة أو لون." (12) نقلا عن الإنجليزية.
هذا، فإن القراءة الحرفية لمنطوق نصي الفقرتين المشار إليهما أعلاه تؤكد في غير تخصيص على أن حق ممارسة مبدأ تقرير المصير قد كفل للشعوب التي كانت ترزح تحت هيمنة القوى الإستعمارية و كذلك أيضا كفل لجماهير الشعوب التي تعيش في أقاليم دولها الوطنية. بيد أن هاتين الفقرتان تنشئان إلتزامات متبادلة يجب علي كل من الدول و رعاياها مراعاتها، فعلى الدول مراعاة و إحترام مطالب شعوبها ممارسة حق تقرير المصير في سياقاتة السياسية، الإقتصادية، الإجتماعية و الثقافية، بينما على الجماهير الشعبية موطنو تلك الدول التقيد بالإمتناع عن القيام بأي فعل من شأنه أن يهدد جزئيا أو كليا سلامة إستقلال و سيادة و وحدة الإقليم الوطني لدولهم. و تجدر الإشارة هنا إلى أن إعلان مباديء القانون الدولي المذكور أعلاه لم يشر صراحة ولا ضمنا إلى أية وشيجة تقرن مبدأ تقرير المصير و مطلب الإنفصال.
إن مبدأ حق تقرير المصير قد تمت معالجته أيضا في متن الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان و الشعوب المعمول به منذ الحادي و العشرون من أكتوبر من عام 1986. فقد نصت الفقرة الأولى من المادة 20 في الجزء الأول من الميثاق المذكور بكيفية عامة و في غير تمييز بين شعوب الدول المستقلة و شعوب المستعمرات على "كل الشعوب تمتلك حق الحياة و لها بلا منازع حق أصيل في تقرير المصير، و لها أن تقرر في حرية وضعها السياسي، و ممارسة التنمية الإقتصادية، الإجتماعية وفقا للسياسة التي أختارتها بحرية." (13) نقلا عن الإنجليزية. و تجدر الإشارة هنا إلى أن الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان و الشعوب المشار إليه أعلاه قد كفل و بالنص الصريح ممارسة حق تقرير المصير للشعوب القابعة تحت هيمنة قوى أجنبية ، فقد نصت الفقرة الثانية من المادة 20 على أن "للشعوب المستعمرة أو المضطهدة حق تحرير أنفسهم من قيود الهيمنة باللجوء إلى أية وسيلة معترف بها من قبل المجتمع الدولي" (14) نقلا عن الإنجليزية. فمثلما كفلت الفقرة الأولى من المادة 20 من الميثاق الأفريقي المشار إليه أعلاه للجماهير الشعبية مواطني الدول المستقلة ممارسة حق تقرير المصير بكيفية ضمنية فقد أثقلت الأحكام الواردة في فقرات المادتين 27 و29 من الميثاق المذكور أفراد المجتمعات الشعبية في الدول المستقلة بالتزامات أوجبت مراعاتها و التقيد بها، فقد نصت الفقرة الأولى من المادة 27 "على كل فرد تحمل إلتزامات تجاه عائلته، مجتمعه، الدولة و مجتمعات معترف بها قانونيا و المجتمع الدولي." (15) نقلا عن الإنجليزية. أما الفقرة الثالثة من المادة 29 في الفصل الثاني من ذات الميثاق الأفريقي فقد نصت على إلتزام الفرد بعدم التفريط في أمن وطنه "أللا يساوم على أمن الدولة التي هو مواطن أو مقيم فيها." (16) نقلا عن الإنجليزية. و كذلك نصت الفقرة 4 من المادة 29 في الفصل الثاني من الميثاق الأفريقي على الفرد أن "يصون ويمنع الأمن والتضامن الإجتماعي و الوطني سيما عندما يتهدد الأخير." (17) وتنص الفقرة 5 من المادة 29 أيضا على الفرد أن "يصون و يعزز الإستقلال الوطني و وحدة إقليم قطره و أن يسهم في الدفاع عنه و فقا للقانون." (18) نقلا عن الإنجليزية.
و تجدر الإشارة هنا إلى أن الميثاق الأفريقي المذكور لم يشر صراحة و لا ضمنا إلي أية رابطة تقرن مبدأ تقرير المصير و مطلب الإنفصال.
هذا، و وفقا للممارسات القانونية و التاريخية فأن مبدأ تقرير المصير ينقسم إلى نمطين مبدأ تقرير المصير الخارجي المطلق(غير المقيد) و مبدأ تقرير المصير الداخلي غير المطلق (المقيد) سأتناول في عرض موجز كل منهما على حدة وفقا للسياق التالي:-
مبدأ تقرير المصير الخارجي المطلق.
إن حق تقرير المصير الخارجي المطلق (غير المقيد) سمي بذلك لعدم تقيد حرية شعوب المستعمرات أو شعوب الأقاليم التي كانت تحت نظام الوصاية و تلك التي لم تمارس الحكم الذاتي بعد أن تتبنى و تقرر في حرية مطلقة أي من الخيارات القانونية المتاحة يلائمها، خيار الإستقلال التام و إقامة دولة ذات سيادة أم خيار ممارسة الحكم الذاتي مع إقامة علاقة تعاقدية مع دولة مستقلة تمارس وكالة عنها بعض شؤونها الدفاعية والخارجية (الدولية) أم خيار الإندماج في كيان دولة مستقلة ومن ثم الصيرورة بعضا منها أو أية صيغة نظمية سياسية تلائمها .فقد نصت الفقرة (ب) تحت مبدأي الحقوق المتساوية وتقرير المصير من إعلان القانون الدولي المتعلق بالعلاقات الودية و التعاون بين الدول المذكور أعلاه على حق شعوب المستعمرات و الأقاليم التي تحت الوصاية و تلك التي لا تمارس الحكم الذاتي عند ممارسة حق تقرير المصير أن تختار بين " إقامة دولة مستقلة ذات سيادة ،الإرتباط / ب/ أو الإندماج في دولة مستقلة أو أية صيغة سياسية أخرى يقررها بحرية الشعب تنفيذا لحق تقرير المصير" (19) نقلا عن الإنجليزية.
هذا، فإن حق تقرير المصير الخارجي المطلق كمكنة قانونية أستهدفت تصفية ظاهرة الإستعمار بإطلاق أيدي الشعوب المستعمرة في تقرير مصائرها إعمالا لإراداتها الحرة. إن شعوب المستعمرات بصفة عامة وشعوب الأقاليم التي كانت قد وضعت تحت نظام مفوضية عصبة الأمم أولا ثم تحت نظام الوصاية الذي أنشأته منظمة الأمم المتحدة فيما بعد والأقاليم التي لم تكن تمارس الحكم الذاتي قد مارست حق تقرير المصير الخارجي المطلق و قد نتج عن تلك الممارسات المحصلات
التالية:-
أولا:
إن الغالبية العظمى من شعوب المستعمرات قد فضلت خيار الإستقلال التام ونتيجة لذلك برز إلى حيز الوجود على الصعيد الأفريقي 53 دولة مستقلة ذات سيادة من بينها جمهورية السودان.
ثانيا:
فضلت بعض شعوب الأقاليم التي كانت تحت نظام الوصاية الذي أقامته منظمة الأمم المتحدة الإندماج في شعوب دول مستقلة والصيرورة بعضا منها،فعلى الصعيد الأفريقي فضل شعب الإقليم الغربي من المستعمرة الألمانية السابقة توغو الذي كان تحت الإدارة البريطانية من نظام الوصاية الإندماج في شعب جمهورية غانا، و كذلك فضل شعب الإقليم الشمالي الغربي من المستعمرة الألمانية السابقة الكامرون الذي كان تحت الإدارة البريطانية من نظام الوصاية الإندماج في شعب جمهورية نيجيريا و كذلك أيضا فضل شعب الصومال في المستعمرة الإيطالية السابقة الذي وضع تحت الإدارة البريطانية من نظام الوصاية الإندماج في شعب الصومال في مستعمرة الصومال البريطاني السابقة .
ثالثا:
إن بعض شعوب الأقاليم التي كانت تحت نظام الوصاية فضلت خيار ممارسة الحكم الذاتي و إقامة علاقات إتحادية خاصة مع الدول التي كانت تمارس إدارتها تحت نظام الوصاية . فعلى سبيل النمذجة فضلت الأقاليم التالي ذكرها خيار الحكم الذاتي مع الإرتباط التعاقدي مع الولايات المتحدة الأمريكية. بويرتاريكو، جزر مكرونيشيا، جزر مارشال، جزر ماريانا و بالاو(20)
مبدأ تقرير المصير الداخلي المقيد:
إن مبدأ تقرير المصير الداخلي المقيد سمي بذلك لتقيد إرادة جماهير الدول المستقلة عند ممارستها له بالإلتزام و التقيد بإحترام وحدة الإقليم الوطني و السيادة و الإستقلال السياسي للدولة التي هم مواطنون فيها .إن حق تقرير المصير الداخلي المقيد هو مكنة قانونية كفلتها المواثيق الدولية لشعوب الدول المستقلة إستهدافا لتعزيز الحريات الأساسية و حقوق الإنسان في سياقاتها السياسية، ألإقتصادية، الإجتماعية و الثقافية و ضمان ممارستها إلى أقصى مدى ممكن و ذلك صونا لإنسانيته و تحقيقا لكرامته و تعزيزا لحريته في مناخ من الديموقراطية أرحب. فعلى سبيل النمذجة نصت الفقرة 1 من المادة 2 من إعلان حقوق الأشخاص المنتمين إلى أقليات وطنية عرقية ،دينية و لغوية (دكلاريشن أون ذا رايتس أوف برسونز بلونققنق تو ناشنال أور أثنك ،رليجنز آند لنقوستك ماينوريتيز) على "الأشخاص المنتمون إلى أقليات وطنية عرقية ،دينية و لغوية (سيشار إليهم لاحقا بالأشخاص المنتمين إلى أقليات ) لهم حق التمتع و بحرية بثقافاتهم ، إظهار و ممارسة ( طقوسهم ) الدينية وإستعمال لغاتهم (على) الصعيدين الخاص و العام بدون تدخل (من الغير)أو أي تمييز." (21) نقلا عن الإنجليزية . و كذلك نصت الفقرة 2 من المادة 2 من ذات الإعلان المذكور أعلاه على "الأشخاص المنتمون إلى أقليات لهم حق المشاركة بفعالية في الحياة العامة الثقافية ،الدينية،الإجتماعية و الإقتصادية." (22) نقلا عن الإنجليزية . و في ذات السياق فإن الفقرة 1 من المادة 3 من الميثاق رقم 169 المتعلق بالسكان الأصليين و القبائليين في الأقطار المستقلة (كانفنشن نمبر 169 كانسيرننق إندجنص آند ترايبل بيبول إن إندبندنت كانترز) الذي تبناه المؤتمر العام لمنظمة العمل الدولية في دورته السادسة والسبعين في 27 من يونيو من عام 1989 و المعمول به منذ 5 من سبتمبر من عام 1991 قد نصت علي"السكان الأصليون والقبائليون لهم حق التمتع إلى أقصى مدى بحقوق الإنسان و الحريات الأساسية بدون معوقات أو تمييز ..." (23) نقلا عن الإنجليزية . و لما أن أحكام المواثيق الدولية تعد بطبيعتها القانونية مصدر إلزام للدول المستقلة أعضاء المجتمع الدولي إستنادا إلى منطوق القاعدة الآمرة "باكتا صونت سيرفاندا" و كذلك القاعدة العامة "العقد شريعة المتعاقدين" فإن الدول المستقلة تعد ملزمة بالتقيد بأحكام الإتفاقيات الدولية سيما تلك التي تستهدف صون حقوق الإنسان و تعزيز الحريات الأساسية و ذلك بالعمل على تمكين جماهير شعوبها من ممارسة حق تقرير المصيرالداخلي في معطياته السياسية، الإقتصادية، الإجتماعية و الثقافية عبر منظماتهم السياسية، مؤسساتهم الإقتصادية و مثاباتهم الثقافية التي إختاروها بمحض إراداتهم الحرة .إلا أنه يجب التأكيد هنا في هذا المقام على أن القانون الدولي العام لم يمنح حق تقرير المصير الخارجي المطلق لجماهير السكان الأصليين مواطنو الدول المستقلة الذين يسعون إلى الإنفصال و ذلك للأسباب التالية:
أولا-
إن جماهير السكان الأصليين مواطنو الدول المستقلة لا يناضلون من أجل التحرر من نفوذ و هيمنة قوى أجنبية و إنما يسعون إلى الخروج عن سلطان حكومات دولهم . فإن الخروج عن سلطان حكم القانون سلوك يهدد الأمن و النظام العام في آحاد للدول الذي هو بعضا من الأمن و النظام العالمي .لذا فإن القانون الدولي العام يقر بحق الدول المستقلة في ممارسة سيادتها على مواطنيها توطيدا لحكم القانون و صونا لوحدة أقاليمها و سيادتها الوطنية بكافة الوسائل القانونية بما فيها الإستخدام المشروع للقوة العسكرية للدولة . فقد نصت الفقرة (ب) تحت مبدأ السيادة المتساوية بين الدول على " لكل دولة التمتع بالحقوق المتضمنه في سيادتها الكاملة ." (24) الأمر الذي يعني ضمن أمور أخرى حق الدولة في تطبيق أحكام سلطاتها السيادية على الأشخاص المقيمين داخل إقليمها كانوا مواطنين أو أجانب . و في ذات السياق نصت الفقرة 3 من المادة 8 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لعام 1998 علي " لا شيء في الفقرة 2 / د ... يؤثر على مسؤولية الحكومة في صون و ترسيخ حكم القانون و النظام في الدولة أو الدفاع عن وحدة و تماسك إقليمها بكافة الوسائل المشروعة ."(25) نقلا عن الإنجليزية .و في هذا المقام تجدر الإشارة إلى أن مسّودة مشروع بمسمى "إعلان الأمم المتحدة لحقوق السكان الأصليين ." يقترح في المادة 3 منه منح السكان الأصليين مواطنو الدول المستقلة ممارسة حق تقرير المصير قدم من قبل عصبة من البحاث المهتمين بأوضاع السكان الأصليين إلى المندوب السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان قد تم تجاهله من قبل أعضاء الأمم المتحدة. فقد نصت المادة 3 من مسودة مشروع الإعلان المقترح المنوه عنه أعلاه على "السكان الأصليون لهم حق تقرير المصير.و وفقا لذلك الحق لهم تقرير أوضاعهم السياسية بحرية وممارسة تنميتهم الإقتصادية، الإجتماعية و الثقافية."(26).
ثانيا-
إن جماهير الأهالي الأصليين لم يعتبرهم "الميثاق رقم 169المتعلق بالسكان الأصليين و القبائليين في الأقطار المستقلة الذي تبناه المؤتمر العام لمنظمة العمل الدولية والمعمول به منذ 5 من سبتمبر من عام 1991" شعوبا قائمة و متميزة بذاتها و إنما أعتبرهم بعضا من شعوب الدول التي هم مواطنون فيها، لذا لم يخصهم بالمزايا التي كفلها القانون الدولي لشعوب المستعمرات و التي من بينها ممارسة حق تقرير المصير الخارجي المطلق. فقد نصت الفقرة 3 من المادة 1 من الميثاق المذكور أعلاه علي "إن مصطلح شعوب (بيبولز)الوارد في هذا الميثاق لا يجب أن يفسر على أنه يحمل ذات الدلالة و لا يتضمن ذات الحقوق التي يتضمنها مصطلح شعوب المستخدم في متون القانون الدولي" (27). نقلا عن الإنجليزية.
ثلثا-
إن الأقاليم التي يسعى السكان الأصليون إلى تقرير مصيرها و من ثم فصلها ليس لها شخصية إعتبارية قانونية دولية كما هو حال الأقاليم المستعمرة و إنما هي بعضا من الأقاليم الوطنية لدول مستقلة. فقد نصت الفقرة (ب) تحت مبدأي الحقوق المتساوية و وتقرير المصير من إعلان مباديء القانون الدولي المتعلق بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول المشار إليه آنفا على " لإقليم مستعمرة أو إقليم لا يمارس الحكم الذاتي تحت الميثاق وضعية منفصلة و متميزة عن إقليم الدولة المديرة له..."(28) نقلا عن الإنجليزية.
رابعا-
إن حقوق السكان الأصليين مواطني الدول المستقلة قد حددتها و حضت على رعايتها و صونها مواثيق و إعلانات دولية "كالميثاق رقم 169 المتعلق بحقوق السكان الأصليين و القبائليين في الأقطار المستقلة" المشار إليه أعلاه و "إعلان حقوق الأشخاص المنتمين إلى أقليات وطنية عرقية،دينية و لغوية" الذي تبنته الجمعية العامة للأمم المتحدة بالقرار رقم 135/47 في 18 ديسمبر من عام 1992 فإن هاتين الوثيقتان الدوليان لم تنصا صراحة ولا ضمنا علي منح السكان الأصليين مواطني الدول المستقلة مكنة ممارسة حق تقرير المصير الخارجي كما لم تنصا على وجود أية علاقة مباشرة أو غير مباشرة تربط بين حق تقرير المصير و الإنفصال ، بل نصتا صراحة على عدم وجود أي شيء في متون نصوصهما من شأنه يمكن تفسيره مخولا القيام بأي عمل من شأنه أن يهدد وحدة إقليم أو إستقلال دولة مستقلة ذات سيادة. فعلى سبيل النمذجة نصت الفقرة 4 من المادة 8 من إعلان حقوق الأشخاص المنتمين إلى أقليات وطنية عرقية،دينية و لغوية المشار إليه أعلاه على أنه "لا شيء في الإعلان الحالي ما يمكن تفسيره مخولا القيام بأي عمل يتعارض و غايات و مباديء الأمم المتحدة ..." (29) نقلا عن الإنجليزية .
إن من بين مستهدفات إقرار ممارسة حق تقرير المصير الداخلي المقيد من قبل الجماهير الشعبية مواطني الدول المستقلة هو إشاعة مباديء و قيم الديموقراطية و جمهرت ممارستها في المحيطات الوطنية للدول المستقلة. إن حق تقرير المصير الداخلي المقيد في سياقاته السياسية، الإقتصادية، الإجتماعية، الثقافية و الأمنية قد طبقته عمليا الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الإشتراكية عبر ممارسة السلطة الشعبية بكيفية المؤتمرات الشعبية الأساسية كجهة تقرير و اللجان الشعبية كجهة تنفيذ و بالشعب المسلح كآلية أمنية ذلك في سياق الديموقراطية المباشرة. كذلك أيضا أن حق تقرير المصير الداخلي المقيد في سياقه الثقافي قد عبرت عنه الفقرة الأولى من المادة السادسة في الفصل الأول من دستور جمهورية جنوب أفريقيا حيث جعلت من أحد عشر لسانا وطنينا لغات رسمية في الجمهورية. (30)
هذا، تقتضي الموضوعية تعزيز مطلب ممارسة حق تقرير المصير الداخلي المقيد و ذلك للمسوغات التالية:-
أولا:
إن النداء من أجل ممارسة حق تقرير المصير الداخلي مطلب عادل تدعمه الشرعية القانونية الدولية المعبر عنها في متون المواثيق الدولية.
ثانيا:
إن ممارسة حق تقرير المصير الداخلي المقيد يعد إعمالا لإرادة الجماهير في ممارسة الحقوق الأساسية للإنسان في سياقاتها السياسية، الإقتصادية، الإجتماعية و الثقافية، و يعني أيضا إشاعة لقيم و مباديء الديموقراطية عبر آلية (الممارسة الفعلية)لا(المشاركة الشكلية) لسلطان الحاكمية و ذلك بتمليك الجماهير الشعبية عمليا مقاليد الحكم المتمثلة في السلطة و الثروة والسلاح. ذلك يعني بالضرورة صيرورة كل أبناء الشعب حكومة أي جهة للتقرير و التنفيذ في كل متعلقات حياة المجتمع و الوطن.
ثالثا:
إن ممارسة حق تقرير المصير الداخلي المقيد يعني تحرير وإطلاق إرادات أبناء الشعب السوداني في أقاليمه المختلفة و كسر إحتكار ممارسة سلطان الحاكمية من قبل فرد، حزب، طائفة أو زمرة متسلطة عسكرية كانت أو مدنية.
رابعا:
إن ممارسة حق تقرير المصير الداخلي المقيد يعني وئدا لدكتاتورية حكم الأغلبية وممارسة للحكم الذاتي المباشر من قبل الجماهير الشعبية في أقاليمها، و كذلك يعني أيضا ضمن معطيات أخرى تجسيدا لمبدأ حكم الشعب بالشعب للشعب المدلول الحقيقي لمفهوم الديموقراطية حيث تأتلف كافة الفعاليات السياسية الجماهيرية الشعبية في إطار حكومة وحدة وطنية من أجل تنفيذ برامج تنموية إستراتيجية قررتها في حرية تامة إرادة الجماهير الشعبية.
و في المقابل تقتضي الموضوعية رفض مطلب الإنفصال و ذلك للبواعث التالية:
أولا:
إن مطلب الإنفصال لا تدعمه مسوغات موضوعية و لا تسنده شرعية قانونية دستورية كانت أو قانونية دولية.
ثانيا:
موضوعيا أن مطلب الإنفصال في جوهره يتعارض إستراتيجيا و المصالح الوطنية العليا للبلاد وذلك للأسباب التالية:
(أ) إن موافقة حكومة السودان على مطلب فصل الإقليم الجنوبي عن الوطن و من ثم صيرورته دولة ذات سيادة يعني قانونيا تدويل المشكل السوداني و هذا موضوع يضيق المجال عن الخوض فيه.
(ب) إن فصل الإقليم الجنوبي عن الوطن يمثل تهديدا مباشرا للأمن الوطني السوداني في معطياته المتعددة:
1- معطى الأمن الوطني العام:
إن صيرورة الإقليم الجنوبي من الوطن دولة ذات سيادة سيفتح المجال الوطني لتغلغل النفوذ الأجنبي في سياقاته المتباينة عسكريا، سياسيا، إقتصاديا، ثقافيا و غير ذلك.
2- معطى الأمن الإجتماعي:
إن إنفصال الإقليم الجنوبي عن الوطن يعني تمزيق لحمة كيان المجتمع الوطني و بالمقابل يعزز النعرات العرقية و الإقليمية الأمر الذي في النهاية يهدد الهوية الوطنية السودانية بالفناء.
3- معطى الأمن الغذائي:
إن قيمة الوطن السوداني كقطر تكمن في غنى موارده الطبيعية المتجددة، و الإقليم الجنوبي من الوطن يمثل المستودع الإستراتيجي الرئيس للثروة الوطنية الطبيعية. فهو مصدر المياه التي لا قيمة للمشاريع الزراعية الوطنية الإستراتيجية القائمة على الري الدائم و كذلك لا قيمة لمشاريع الصناعات الوطنية الإستراتيجية القائمة على الطاقة الهايدروكهربائية في شمال الوطن إذا إنفصل الجنوب . إن إنفصال الإقليم الجنوبي عن الوطن يعني توقف محركات دواليب مولدات الطاقة الهايدروكهربائية في الشمال. إن ندرة الأمطار في أقاليم شمال، شمال شرق و شمال غرب السودان و تد ني معدلات تساقط الأمطار في وسط، و شرق وغرب السودان نتيجة للتغيرات المناخية كظاهرة التشوب و الإستحرار العالمي و الزحف الصحرائي المخيف نحو حزام السافانا الأخضر وموجات الجفاف المتواترة الصيرورة و التي ما فتئت تجتاح ربوع البلاد فينة أثر أخرى عوامل في مجملها تنذر بحدوث كارثة بيئية ساحقة ماحقة تهدد بإنقراض أسباب الحياة في جل أصقاع السودان سيما الشمالي منها. إنفصال الإقليم الجنوبي عن الوطن يعني صيرورة الهجرة الجماعية للإنسان والحيوان جنوبا حيث مقومات الحياة تبقى في حكم المستحيل و العدم. إن بروتوكول نايفاشا حول إقتسام السلطة و الثروة بين حكومة السودان و الحركة الشعبية لتحرير السودان لم يتضمن فقرة واحدة تؤمن من خلالها حصة مائية تقيم أود أبناء السودان في الشمال حالة تأكد إنفصال الإقليم الجنوبي من الوطن و صيرورته دولة ذات سيادة.
4- معطى الأمن السياسي و بقاء الدولة السودانية:
إن موافقة حكومة السودان على مطلب فصل الإقليم الجنوبي عن الوطن وصيرورته دولة ذات سيادة بلا جدال يمثل سابقة دستورية و مرجعية لشرعية قانونية سترتكز عليها مطالب قوى الإنفصال مستقبلا . إن إنفصال الإقليم الجنوبي عن الوطن يجسد عملا لا وحدوي لامراء سيحفذ قوى الإنفصال في أقاليم السودان الأخرى لتحذو حذوه. إن إرهاصات الحروب الأهلية التي تلوح في أفق البلاد تقوي إحتمالات صيرورتها وقائع الأحداث الدموية التي يشهدها إقليم غرب دار فور و كذلك التداعيات الأمنية والفوضى التي تجتاح إقليمي جنوب النيل الأزرق و إقليم شرق السودان. إن إنفصال الإقليم الجنوبي عن الوطن لا يعني فقط زعزعة الأمن السياسي للبلاد و إنما يعني تهديدا لكيان الدولة بالتصدع بل بالإندثار.
هذا و أختتم هذه الدراسة بالمحصلات التالية :
أولا إن مبدأ تقرير المصير الخارجي المطلق تاريخيا قد قعدته أحكام القانون الدولي بغية تصفية ظاهرة الإستعمار و من ثم تمكين شعوب المستعمرات من إسترداد إستقلالها الوطني و التمتع بحرياتها و تقرير أوضاعها السياسية، الإقتصادية، ألإجتماعية و الثقافية في حرية تامة و دون تدخلات أجنبية .
ثانيا إن مبدأ تقرير المصير الداخلي المقيد قد كفلته أحكام القانون الدولي للجماهير الوطنية في الدول المستقلة(سيما الأقليات) و ذلك تعزيزا لحقوق الإنسان و صونا للحريات الأساسية و ترسيخا للممارسات العملية لقيم الديموقراطية لتمكين الجماهير الوطنية من ممارسة التقرير في متعلقات أوضاعها السياسية، الإقتصادية، الإجتماعية و الثقافية في إطار وحدة أقاليم دولها و تحت سياداتها الوطنية
ثالثا إن أحكام القانون الدولي المتضمنة في متون المواثيق الدولية التي قعدت مبدأ حق تقرير المصير الداخلي المقيد لم تنص صراحة و لا ضمنا ، مباشرة أو غير مباشرة على أية وشيجة تقرن حق ممارستة بمطلب الإنفصال .
هذا ، أستتبع هذه الخاتمة بالتوصيات التالية:
أولا :
إنسجاما مع التوجهات الدولية،و وفاءا بالإلتزامات المنبثقة عن أحكام الإتفاقيات و المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان و تعزيزا للحريات الأساسية أقترح على جهات الإختصاص إصدار الوثيقة السودانية لحقوق الإنسان لتكون مرجعا قانونيا ضامنا و معززا للحقوق و الحريات الأساسية للمواطن السوداني .
ثانيا :
من أجل الإسهام في بلورة و ترسيخ رأي وطني و دولي حول المضمون المفاهيمي و القانوني لمبدأ تقرير المصير الداخلي المقيد كحق كفلت أحكام القانون الدولي للجماهير الشعبية ممارسته في إطار أقاليم دولها الوطنية وتحت سيادتها في غير إرتباط بمطالب الإنفصال أقترح إلى جهات الإختصاص في حكومة السودان إستضافة ندوة عالمية تحت عنوان "المضمون الديموقراطي لممارسة حق تقرير المصير الداخلي المقيد " على أن تدعى إليها فعاليات أكاديمية، سياسية و منظمات حكومية و غير حكومية تعنى بقضايا حقوق الإنسان و الحريات العامة و كذلك يدعى إليها ممثلين لدول تعاني من أنشطة منظمات إنفصالية كبريطانيا، أسبانيا، الإتحاد الفدرالي الروسي، جمهورية الصين الشعبية، صربيا، تركيا، سيرالانكا، كندا و جمهورية إيران الإسلامية و كذلك يدعى إليها كضيوف شرف ممثلين عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان ،و منظمة الإتحاد الأفريقي والإتحاد الأوروبي بصفة مراقبين.
ثالثا :
أقترح تشكيل هيئة إستشارية شعبية عمادها أهل الإختصاص من أكادميين، وخبرويين لتقديم توصيات فنية إلى جهات الإختصاص في الأمور الحيوية المصيرية التي تتعلق بوحدة الوطن و مستقبله على أن تنشر التوصيات في الصحف السيارة لإطلاع الرأي العام عليها، ذلك لأن القضايا الحيوية المصيرية التي تتعلق بالسيادة و وحدة التراب الوطني تقتضي الموضوعية النظر و من ثم التقرير فيها بالعقل الجماعي و ليس بالبصيرة الآحادية مهما كانت حصافتها.
.و الله الموفق إلي ما فيه مصلحة الوطن و خير المواطن.
عوض الله الصافي- عضو نشط
مواضيع مماثلة
» نداء ... لإخوتي : فيصل عبدالله سعد ... وعوض الله الصافي نواي ....
» المسيح المصلوب فى لوح المحبوب: الحركة الاسلامية، دائرة الضوء وخيوط الظلام
» مدونة دنماركية : ثلاثة رؤساء من الحكام الراشدين فى العالم فقط
» صانع الفيلم القبيح رهن التحقيق
» وفاة الصحفي والشاعر سعد الدين ابراهيم
» المسيح المصلوب فى لوح المحبوب: الحركة الاسلامية، دائرة الضوء وخيوط الظلام
» مدونة دنماركية : ثلاثة رؤساء من الحكام الراشدين فى العالم فقط
» صانع الفيلم القبيح رهن التحقيق
» وفاة الصحفي والشاعر سعد الدين ابراهيم
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى