فلسفة الجوع ......... أم ضياء
5 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
فلسفة الجوع ......... أم ضياء
فلسفة الجوع
من سلسلة الأعمال المجهولة
قد يبدو لك هذا الموضوع غريباً فى بابه ‘ولكننا الآن فى عصر العجائب والغرائب
ولاغرواذا شذذنا عن المواضيع التي ألفتها الاسماع وطرقنا موضوعا جديداً.
افتتحنا السنة الاولى من (المجلة)بمقالة عنوانها (فلسفة القوة ) املتها علينا دروس
الحرب الاوربية ‘والآن نفتتح السنة الثانية بمقالة عنوانها (فلسفة الجوع ).
والراسخون فى العلم يعلمون ما تكون افتتاحية السنة الثالثة‘ اذا ظللنا على قيد
الحياة .
فلسفة الجوع ...اقوي فلسفات العالم واشدها تاثيراً فى الهيئة الاجتماعية ‘وهي اقوي
من فلسفة القوة بما لايقدر .
القوى ضربان : الواحد منهما ساكن او كامن ‘ والآخر عامل اومتحرك .خذ .....
الكهربائية مثلاً ، تراها متى كانت متوازنة كامنة لا أثر لها على الاطلاق . فهي
كاللاكهربائية أوكاللاقوة‘خلافاً لما تكون عليه وهى عاملة أو متحركة.
فإنها تحرك حينئذ القطروتدير المعامل والمطارق الصناعية‘وتطلق المدافع
الضخمة التي تدك الحصون وتترك المعامل اثراً بعد عين. ومتي كانت
الكهربائية كامنة او ساكنة‘لا يظهرمن أثرها ما يدل علي قوتها‘فتكون
عندئذ بمثابة العدم .
أما الجوع فهوضرب من ضروب القوة ولكنه يختلف عن سائرالقوي في امرخطير
هو أنه لايمكن ولايكون مطلقاً في حالة التوازن بل هو متحرك دائماً وابداً ، وفعله فى
الأحياء اشد من سائر قوي الطبيعة مجتمعة.
إذا امعنت النظرفي الكائنات الحيةعلي وجه العموم‘ وجدت العامل الاكبرلارتقائها
إنما هو الجوع‘ لأنه الدافع الأعظم الى الحركة فلولا الجوع لم يكن هناك طلب غذاء
و لم يكن تنازع بقاء.
فالجوع اذاً اكبر عامل في تنازع البقاء‘وهو يتناول عالم النبات كما يتناول
عالم الحيوان . و تنازع البقاء في اقوى معانيه و أتمها. انما هو تنازع الغذاء.
اذا غرست نبتيتن جنباً إلى جنب, تنازعتا غذاء التربة و اشتبكتا في حرب طاحنة
صامتة قوامها تفاعل الجذور. فتلتف جذور النباتات القوية على الضعبف‘ ولا تنفك
عنها حتى تخنقها ‘ كما يخنق رجل رجلاً. وقس عليه تنازع الافراد و الانواع
والجماعات والانواع.
كان الجوع او الحاجة الى الغذاء ‘ اعظم دافع لترقية الانواع.ولو لا ذلك لبقيت
الكا ئنات الحية في حال الترهل و الخمول‘ ولما تكيفت و ارتقت الارتقاء الذي نراه
عليها الآن .
بيد ان للجوع في الهيئة الاجتماعية اثراً في ترقيته قد يفوق سائر الفواعل الاخرى .
و الحقيقة انه كان الحد الفاصل الاعظم في التاريخ بين العصور المظلمة
والعصور النيرة , واليه يرجع الفضل الاكبر في حدوث اعظم الحوادث
التاريخية على وجه الكرة الارضية طرا ، وهو الثورة الفرنسية .
لا ريب في ان كتابات فولتير وجان جاك روسو وغيرهما من فلاسفة الفرنسيين
كانت بمثابة باعثاً كبيراً على إثارة الخواطر. ولكن فلسفة الجوع فاقت فلسفتها
و جميع فلاسفة العالم لأنها كانت السبب المباشر في نهوض تلك الامة الغريبة ‘
و إتيانها اعمالا عجيبة بدلت تاريخها و تاريخ العالم اجمع.
تعود شرارة الثورة الفرنسية الى ايام الملك لويس الخامس عشر الذي سمي حينئذ
((حبيب الامة )) خطأ . فقد عض الجوع يومئذ الشعب بنابه ‘ فأرسل الى ملكه
لجنة تطلب منه خبزاً للشعب الجائع ‘ فكان جواب الملك ان شنق اعضاء اللجنة
لجرأتهم علي طلب الخبز‘ وكانت جثثهم المتمرجحة فى الخلاء ، كما قال
الكاتب الشهيركارليل أحرفاً هيروغلوفية ترمز الى الويلات العتيدة .
لو لم يقرص الجوع الشعب الفرنسي ‘ لما تأججت نيران تلك الثورة الكبري والتي
يحسبها المؤرخون بدء التاريخ الحديث . فقد هجمت النساء الجائعات‘
حاملات أطفالهن الجياع ‘علي قصر فرساي جيشاً جراراً‘ وطلبن من الملك
لويس السادس عشر المنكود الطالع خبزاً لهن ولأطفالهن .أمام هذا الجيشالكبير
من النساء الجائعات ‘وقــف الجنود الفرنسيون البواسل حياري‘ لا يجسرون
عن شهرسيف في وجههن اواطلاق بندقية علي أجسادهن.
خرقن صفوف الجيش كاللبؤات الهائجات أوالنمورة المستقتلات ‘لان الجوع أوتــر
عضلاتهن وجرح قلوبهن ‘حتي هال منظرهن الجنود الذين خاضوا غمار المنية في
ساحات المعارك لايرهبون المعاقل ولا المدافع .
رفــــــض الجوع التسوية بين طبقات الشعب . ومالبث الشعب الفرنسي بعد ذلك ان
استفزه الجوع ‘فحمل علي الاغنياء والشرفاء الذين كانوا يبتزون أمواله, تلك الحملة
الشعواء التي لا مثيل لها في التاريخ , حتى أصبح الغنى و الشرف مسبة , فساق
أغنياءه الى المقصلة او الغيلوتين, حتى دب الذعر في قلوب هؤلاء فهربوا الى
الحدود ، بينما ارتدى من بقي منهم في البلاد أطماراً بالية , وأصبح الاغنياء
والشرفاء يتبارون في الظهور امام الشعب بمظهر العامة والفقراء.
فعلت فلسفة الجوع في الشعب الفرنسي ما لم تفعله فلسفة فولتير وروسو واضربهما , لانها فلسفة قاهرة , يؤثر منطقها في النفوس حالاً . فلسفة لا متسع عندها للانتظار , و هي لا تجادل ولا تناقض ولا تصبر ولا تأتي في أبحاثها على براهين أو أدلة ، لأن العضو المفكر في هذا الفلسفة هو المعدة ...لا الدماغ.
قوام فلسفة الجوع القوة لا الحق , او الحق الذي تتعتبره القوة حقاً . وهي الفلسفة التي تجري عليها الأن الدول المتحاربة , وهي أرقى دول اوربا . فتوزيع الطعام على أفراد الشعب توزيعاً عادلاً , واهتمام الحكومات بأيجاد عمل لكل عمال شعبها ، وتقديم الطعام للعائلات التي لا معين لها , نتيجة من نتائج فلسفة الجوع .
كانت المانيا التي هي أسبق العالم الى السير على نظام دقيق في كل شي , أسبق الدول المتحاربة الى أدراك فلسفة الجوع و العمل بها منذ بدء نشوب الحرب . ومن
قواعدها العامة في هذا الصدد , ان كل من يتناول طعاماً اكثر مما يلزم لكفياته فهو
خائن لوطنه ومعاون للاعداء على خراب بيته. وقد شاهدنا منذ بضعة أشهر رسماً في بعض الصحف المصورة , يمثل المانيا في مطعم وقد اخذ بخناقة شرطيان ووجه كل
منهما مسدساً الى دماغه و قاداه الى المحكمة والذنب الذي ارتكبه انما كان طلبه لحماً مشوياً وشيئأ من البطاطا.
اجل , لقد فعلت فلسفة الجوع في سبيل مبادئ الاشتراكية في اوربا ما لم يفعله فلاسفة الاشتراكيين في العالم أجمع , و لم يبق عامل في البلدان المتحاربة بلا عمل ،
و اصبحت العائلات التي كانت تقاسي سابقاً الام الجوع مساوية للعائلات الغنية التي كانت تعيش بالترف وبالبذخ .وعلى الاجمال , فان العمال الأن في البلدان المتحاربة
على حال من الاكتفاء لم يحلموا به قبلا ...
كان من حسنات هذه الحرب الطاحنة ان افسحت مجالا لفلسفة الجوع التي خففت احلام الاشتراكيين اثناء الحرب . ونحن على يقين من انها ستحققها ايضاً بعد انتهاء هذا العراك الهائل , لانه من المحال أن يبقى العالم سائراً على النظام القديم الذي كان
جائراً على الفقير والعامل جوراً كبيراً. و لم ير العمرانيون حلاً عملياً لهذه المعضلة , حتى جاءت هذه الحرب فقطعت هذه المعضلة بسيفها .
اجل ,سيكون العالم بعد هذه الحرب عالماً جديداًَ , لا بسبب الفظائع والخسائر الكبيرة بالمال والرجال التي افضت اليها الاجراءت الحربية مباشرةً ، بل بسبب
الجوع ايضا ً الذي قرص شعوب الدول المتحاربة واثقل كواهل ملايين البشر شقاء وآلاما تربو على آلام الجنود في الخنادق و الجيوش التي تتلقى بصدورها قنابل المدافع و رصاصات البنادق و نصال الحراب .
سوف تغلب الشعوب العروش الباذخة و الملوك المستبدين والحكام الجائرين ، وتشيد على هذه الانقاض حكومات دستورية بالفعل , لاتكون ألاعيب في ايدي رؤسائها .
لقد ضجرت الأمم والشعوب من اكاذيب التمدن و ترهات العمران و عيل صبرها.
وهي تريد ان تكون سيدات وسادة نفسها , لا كرات تتقاذفها صوالح اصحاب المطامح وذوي الاغراض . لا تريدالأمم والشعوب ان تتكرر هذه الفاجعة العظمى
مرة اخرى على مسرح العالم , و سوف ترفع صوتها بالاحتجاج حتى تسمعها الناس على الارض والآلهة في السماء .
سوف تفعل اكثر من الاحتجاج العقيم الذي لا يجدي نفعاً , فتتألب الشعوب على ظالميها والذين اذاقوها مرارة الجوع , فتلتف عليهم التفاف الافعى الهائلة , وتصهرهم بحلقاتها المتقبضة فتسحق عظامهم سحقا .
كما أطعموها حشيشاً ستضع في افواهم حشيشاً . و كما كانوا يشاهدون شقاءها دون ان تأخذهم شفقة ولا رحمة , سوف تشاهدهم في حشرجة الموت دون ان يخفق لها قلب او يختلج لها عضو .
كما ارهبوها بالحديد سوف ترهبهم بالفولاذ و كما ادبوها بالسياط سوف تؤدبهم
بالعقارب .وكما طحنوها بالفيالق سوف تطحنهم بجيوش لاتبدوبجانبها الجيوش الحاضرة ‘ علي عظمتها وضخامتها ‘ شيئاًَ مذكوراً. لأن الأمم والشعوب سوف تكون كلها‘ برجالها ونسائها وشبانها وشيوخها وكهولها وفتيانها‘ جيوشاً جرأرةً تزأر
كالآساد الزاحفة من عرائنها و قد قرصها الجوع.
الويل للظالمين ، الذين ترتد عليهم الأمم ارتداد لبؤات جائعات أحاطت بها أشبالها
الجائعة كــما كانت اصوات الجرحى و المنازعين في الخنادق وساحات الوغى تعلو
رعود المدافع و قصف الرشاشات كذلك يعلو صراخ الظالمين والطغاة حتى يرتفع فوق غضبة الامم الهائجة والشعوب المظلومة.
سوف تتشنج الارض كما بأنفجار لغم هائل يمتد من القطب الشمالي الى القطب الجنوبي... فيدك عروش البغاة وحصون العتاة وقصور الظالمين وأندية المستبدين ...
فتزلزل الارض زلزالها بانفجار بركان يشق جوانبه و يقذف من فوهته حمماً ودخاناً
و ناراً تحرق كل ظالم و تخنق كل باق وتأكل كل طاغية.
إن معضلة العالم الكبرى,التي قصرت عن حلها فلسفة القوة و فلسفة الحــق , سوف تحيلها فلسفة الجوع. لان هذه الفلسفة تأكل كل شي حتى الفلاسفة انفسهم .
تنسى الامم قتل الحرب و الدماء التي أريقت في ساحات الوغى ,و تتبدل الصداقة
والعداوة و ينقلب العدو صديقاً و الصديق عدواً , كما تشهد بذاك هذه الحرب... ولكن الامم لا تنسى, ولن تنسى قتلى الجوع .
أجل , سيكون خلاص العالم على يد فلسفة الجوع. و متى انتهت هذه الحرب الطاحنة ارتدت الامم على حكوماتها الظالمة وحكامها الطغاة, وناقشتها الحساب على ما جنت أيديها من البغي و الطغيان وما أنزلته بها من الجوع والشقاء .
بل قد يكون قيام الامم على حكوماتها , وملوكها المستبدين الباعث الاعظم على تقصير أجل هذه الحرب التي اضجرت الآلهة في السمــاء والناس على الارض.
وسيكون الجوع العامل الاكبر في هذه النهضة التي سوف تدق حصون الاستبداد ومعاقل الظلم الى الابد .
الويــل للظالمين يوم يجئ الحساب, وترتد الشعوب على مروضيها الذين ساقوها قسراً الى هذه الحرب الطاحنة .
انه سيكون يوماً رهيباً يصرخ فيه الطغاة قائلين ( يا جبال اسقطي علينا ...ويا آكام غطينا ... )) (( أم ضياء )) 14/3/2010
من سلسلة الأعمال المجهولة
قد يبدو لك هذا الموضوع غريباً فى بابه ‘ولكننا الآن فى عصر العجائب والغرائب
ولاغرواذا شذذنا عن المواضيع التي ألفتها الاسماع وطرقنا موضوعا جديداً.
افتتحنا السنة الاولى من (المجلة)بمقالة عنوانها (فلسفة القوة ) املتها علينا دروس
الحرب الاوربية ‘والآن نفتتح السنة الثانية بمقالة عنوانها (فلسفة الجوع ).
والراسخون فى العلم يعلمون ما تكون افتتاحية السنة الثالثة‘ اذا ظللنا على قيد
الحياة .
فلسفة الجوع ...اقوي فلسفات العالم واشدها تاثيراً فى الهيئة الاجتماعية ‘وهي اقوي
من فلسفة القوة بما لايقدر .
القوى ضربان : الواحد منهما ساكن او كامن ‘ والآخر عامل اومتحرك .خذ .....
الكهربائية مثلاً ، تراها متى كانت متوازنة كامنة لا أثر لها على الاطلاق . فهي
كاللاكهربائية أوكاللاقوة‘خلافاً لما تكون عليه وهى عاملة أو متحركة.
فإنها تحرك حينئذ القطروتدير المعامل والمطارق الصناعية‘وتطلق المدافع
الضخمة التي تدك الحصون وتترك المعامل اثراً بعد عين. ومتي كانت
الكهربائية كامنة او ساكنة‘لا يظهرمن أثرها ما يدل علي قوتها‘فتكون
عندئذ بمثابة العدم .
أما الجوع فهوضرب من ضروب القوة ولكنه يختلف عن سائرالقوي في امرخطير
هو أنه لايمكن ولايكون مطلقاً في حالة التوازن بل هو متحرك دائماً وابداً ، وفعله فى
الأحياء اشد من سائر قوي الطبيعة مجتمعة.
إذا امعنت النظرفي الكائنات الحيةعلي وجه العموم‘ وجدت العامل الاكبرلارتقائها
إنما هو الجوع‘ لأنه الدافع الأعظم الى الحركة فلولا الجوع لم يكن هناك طلب غذاء
و لم يكن تنازع بقاء.
فالجوع اذاً اكبر عامل في تنازع البقاء‘وهو يتناول عالم النبات كما يتناول
عالم الحيوان . و تنازع البقاء في اقوى معانيه و أتمها. انما هو تنازع الغذاء.
اذا غرست نبتيتن جنباً إلى جنب, تنازعتا غذاء التربة و اشتبكتا في حرب طاحنة
صامتة قوامها تفاعل الجذور. فتلتف جذور النباتات القوية على الضعبف‘ ولا تنفك
عنها حتى تخنقها ‘ كما يخنق رجل رجلاً. وقس عليه تنازع الافراد و الانواع
والجماعات والانواع.
كان الجوع او الحاجة الى الغذاء ‘ اعظم دافع لترقية الانواع.ولو لا ذلك لبقيت
الكا ئنات الحية في حال الترهل و الخمول‘ ولما تكيفت و ارتقت الارتقاء الذي نراه
عليها الآن .
بيد ان للجوع في الهيئة الاجتماعية اثراً في ترقيته قد يفوق سائر الفواعل الاخرى .
و الحقيقة انه كان الحد الفاصل الاعظم في التاريخ بين العصور المظلمة
والعصور النيرة , واليه يرجع الفضل الاكبر في حدوث اعظم الحوادث
التاريخية على وجه الكرة الارضية طرا ، وهو الثورة الفرنسية .
لا ريب في ان كتابات فولتير وجان جاك روسو وغيرهما من فلاسفة الفرنسيين
كانت بمثابة باعثاً كبيراً على إثارة الخواطر. ولكن فلسفة الجوع فاقت فلسفتها
و جميع فلاسفة العالم لأنها كانت السبب المباشر في نهوض تلك الامة الغريبة ‘
و إتيانها اعمالا عجيبة بدلت تاريخها و تاريخ العالم اجمع.
تعود شرارة الثورة الفرنسية الى ايام الملك لويس الخامس عشر الذي سمي حينئذ
((حبيب الامة )) خطأ . فقد عض الجوع يومئذ الشعب بنابه ‘ فأرسل الى ملكه
لجنة تطلب منه خبزاً للشعب الجائع ‘ فكان جواب الملك ان شنق اعضاء اللجنة
لجرأتهم علي طلب الخبز‘ وكانت جثثهم المتمرجحة فى الخلاء ، كما قال
الكاتب الشهيركارليل أحرفاً هيروغلوفية ترمز الى الويلات العتيدة .
لو لم يقرص الجوع الشعب الفرنسي ‘ لما تأججت نيران تلك الثورة الكبري والتي
يحسبها المؤرخون بدء التاريخ الحديث . فقد هجمت النساء الجائعات‘
حاملات أطفالهن الجياع ‘علي قصر فرساي جيشاً جراراً‘ وطلبن من الملك
لويس السادس عشر المنكود الطالع خبزاً لهن ولأطفالهن .أمام هذا الجيشالكبير
من النساء الجائعات ‘وقــف الجنود الفرنسيون البواسل حياري‘ لا يجسرون
عن شهرسيف في وجههن اواطلاق بندقية علي أجسادهن.
خرقن صفوف الجيش كاللبؤات الهائجات أوالنمورة المستقتلات ‘لان الجوع أوتــر
عضلاتهن وجرح قلوبهن ‘حتي هال منظرهن الجنود الذين خاضوا غمار المنية في
ساحات المعارك لايرهبون المعاقل ولا المدافع .
رفــــــض الجوع التسوية بين طبقات الشعب . ومالبث الشعب الفرنسي بعد ذلك ان
استفزه الجوع ‘فحمل علي الاغنياء والشرفاء الذين كانوا يبتزون أمواله, تلك الحملة
الشعواء التي لا مثيل لها في التاريخ , حتى أصبح الغنى و الشرف مسبة , فساق
أغنياءه الى المقصلة او الغيلوتين, حتى دب الذعر في قلوب هؤلاء فهربوا الى
الحدود ، بينما ارتدى من بقي منهم في البلاد أطماراً بالية , وأصبح الاغنياء
والشرفاء يتبارون في الظهور امام الشعب بمظهر العامة والفقراء.
فعلت فلسفة الجوع في الشعب الفرنسي ما لم تفعله فلسفة فولتير وروسو واضربهما , لانها فلسفة قاهرة , يؤثر منطقها في النفوس حالاً . فلسفة لا متسع عندها للانتظار , و هي لا تجادل ولا تناقض ولا تصبر ولا تأتي في أبحاثها على براهين أو أدلة ، لأن العضو المفكر في هذا الفلسفة هو المعدة ...لا الدماغ.
قوام فلسفة الجوع القوة لا الحق , او الحق الذي تتعتبره القوة حقاً . وهي الفلسفة التي تجري عليها الأن الدول المتحاربة , وهي أرقى دول اوربا . فتوزيع الطعام على أفراد الشعب توزيعاً عادلاً , واهتمام الحكومات بأيجاد عمل لكل عمال شعبها ، وتقديم الطعام للعائلات التي لا معين لها , نتيجة من نتائج فلسفة الجوع .
كانت المانيا التي هي أسبق العالم الى السير على نظام دقيق في كل شي , أسبق الدول المتحاربة الى أدراك فلسفة الجوع و العمل بها منذ بدء نشوب الحرب . ومن
قواعدها العامة في هذا الصدد , ان كل من يتناول طعاماً اكثر مما يلزم لكفياته فهو
خائن لوطنه ومعاون للاعداء على خراب بيته. وقد شاهدنا منذ بضعة أشهر رسماً في بعض الصحف المصورة , يمثل المانيا في مطعم وقد اخذ بخناقة شرطيان ووجه كل
منهما مسدساً الى دماغه و قاداه الى المحكمة والذنب الذي ارتكبه انما كان طلبه لحماً مشوياً وشيئأ من البطاطا.
اجل , لقد فعلت فلسفة الجوع في سبيل مبادئ الاشتراكية في اوربا ما لم يفعله فلاسفة الاشتراكيين في العالم أجمع , و لم يبق عامل في البلدان المتحاربة بلا عمل ،
و اصبحت العائلات التي كانت تقاسي سابقاً الام الجوع مساوية للعائلات الغنية التي كانت تعيش بالترف وبالبذخ .وعلى الاجمال , فان العمال الأن في البلدان المتحاربة
على حال من الاكتفاء لم يحلموا به قبلا ...
كان من حسنات هذه الحرب الطاحنة ان افسحت مجالا لفلسفة الجوع التي خففت احلام الاشتراكيين اثناء الحرب . ونحن على يقين من انها ستحققها ايضاً بعد انتهاء هذا العراك الهائل , لانه من المحال أن يبقى العالم سائراً على النظام القديم الذي كان
جائراً على الفقير والعامل جوراً كبيراً. و لم ير العمرانيون حلاً عملياً لهذه المعضلة , حتى جاءت هذه الحرب فقطعت هذه المعضلة بسيفها .
اجل ,سيكون العالم بعد هذه الحرب عالماً جديداًَ , لا بسبب الفظائع والخسائر الكبيرة بالمال والرجال التي افضت اليها الاجراءت الحربية مباشرةً ، بل بسبب
الجوع ايضا ً الذي قرص شعوب الدول المتحاربة واثقل كواهل ملايين البشر شقاء وآلاما تربو على آلام الجنود في الخنادق و الجيوش التي تتلقى بصدورها قنابل المدافع و رصاصات البنادق و نصال الحراب .
سوف تغلب الشعوب العروش الباذخة و الملوك المستبدين والحكام الجائرين ، وتشيد على هذه الانقاض حكومات دستورية بالفعل , لاتكون ألاعيب في ايدي رؤسائها .
لقد ضجرت الأمم والشعوب من اكاذيب التمدن و ترهات العمران و عيل صبرها.
وهي تريد ان تكون سيدات وسادة نفسها , لا كرات تتقاذفها صوالح اصحاب المطامح وذوي الاغراض . لا تريدالأمم والشعوب ان تتكرر هذه الفاجعة العظمى
مرة اخرى على مسرح العالم , و سوف ترفع صوتها بالاحتجاج حتى تسمعها الناس على الارض والآلهة في السماء .
سوف تفعل اكثر من الاحتجاج العقيم الذي لا يجدي نفعاً , فتتألب الشعوب على ظالميها والذين اذاقوها مرارة الجوع , فتلتف عليهم التفاف الافعى الهائلة , وتصهرهم بحلقاتها المتقبضة فتسحق عظامهم سحقا .
كما أطعموها حشيشاً ستضع في افواهم حشيشاً . و كما كانوا يشاهدون شقاءها دون ان تأخذهم شفقة ولا رحمة , سوف تشاهدهم في حشرجة الموت دون ان يخفق لها قلب او يختلج لها عضو .
كما ارهبوها بالحديد سوف ترهبهم بالفولاذ و كما ادبوها بالسياط سوف تؤدبهم
بالعقارب .وكما طحنوها بالفيالق سوف تطحنهم بجيوش لاتبدوبجانبها الجيوش الحاضرة ‘ علي عظمتها وضخامتها ‘ شيئاًَ مذكوراً. لأن الأمم والشعوب سوف تكون كلها‘ برجالها ونسائها وشبانها وشيوخها وكهولها وفتيانها‘ جيوشاً جرأرةً تزأر
كالآساد الزاحفة من عرائنها و قد قرصها الجوع.
الويل للظالمين ، الذين ترتد عليهم الأمم ارتداد لبؤات جائعات أحاطت بها أشبالها
الجائعة كــما كانت اصوات الجرحى و المنازعين في الخنادق وساحات الوغى تعلو
رعود المدافع و قصف الرشاشات كذلك يعلو صراخ الظالمين والطغاة حتى يرتفع فوق غضبة الامم الهائجة والشعوب المظلومة.
سوف تتشنج الارض كما بأنفجار لغم هائل يمتد من القطب الشمالي الى القطب الجنوبي... فيدك عروش البغاة وحصون العتاة وقصور الظالمين وأندية المستبدين ...
فتزلزل الارض زلزالها بانفجار بركان يشق جوانبه و يقذف من فوهته حمماً ودخاناً
و ناراً تحرق كل ظالم و تخنق كل باق وتأكل كل طاغية.
إن معضلة العالم الكبرى,التي قصرت عن حلها فلسفة القوة و فلسفة الحــق , سوف تحيلها فلسفة الجوع. لان هذه الفلسفة تأكل كل شي حتى الفلاسفة انفسهم .
تنسى الامم قتل الحرب و الدماء التي أريقت في ساحات الوغى ,و تتبدل الصداقة
والعداوة و ينقلب العدو صديقاً و الصديق عدواً , كما تشهد بذاك هذه الحرب... ولكن الامم لا تنسى, ولن تنسى قتلى الجوع .
أجل , سيكون خلاص العالم على يد فلسفة الجوع. و متى انتهت هذه الحرب الطاحنة ارتدت الامم على حكوماتها الظالمة وحكامها الطغاة, وناقشتها الحساب على ما جنت أيديها من البغي و الطغيان وما أنزلته بها من الجوع والشقاء .
بل قد يكون قيام الامم على حكوماتها , وملوكها المستبدين الباعث الاعظم على تقصير أجل هذه الحرب التي اضجرت الآلهة في السمــاء والناس على الارض.
وسيكون الجوع العامل الاكبر في هذه النهضة التي سوف تدق حصون الاستبداد ومعاقل الظلم الى الابد .
الويــل للظالمين يوم يجئ الحساب, وترتد الشعوب على مروضيها الذين ساقوها قسراً الى هذه الحرب الطاحنة .
انه سيكون يوماً رهيباً يصرخ فيه الطغاة قائلين ( يا جبال اسقطي علينا ...ويا آكام غطينا ... )) (( أم ضياء )) 14/3/2010
أزهرى الحاج البشير- مشرف عام
رد: فلسفة الجوع ......... أم ضياء
فعلا الجوع له اثاره السالبة اجتماعيا اخلاقيا واقتصاديا وسياسيا ويمكنة ان يكون الجوع اخطر من الاسلحة الفتاكة
عندمايجوع الانسان يصبح سلوكه غير عادية وعندما يجوع الحيوان يصبح سلكه عدائيا اما الانسان عندما يفتك به الجوع يبحث عن اي شي من اجل اشباع بطنه لو كان بطريقة شرعية او غيرة اذا نظرنا لا ثار الجوع وجدنا المرض والفسادو جميع انواع الانحطاط
في القران سبق الطعام و والمعيشة الامن (الذي اطعمهم من جوع وامنهم من خوف) اخي ازهري تخل لو فقد الانسان وحتي الحيوان الطعام والامان تخيل الفوضى التي تحصل في الدنيا فلسفة الجوع كنا نجوع وناكل ولا نفكر في ابعاده شكرا ازهري
عندمايجوع الانسان يصبح سلوكه غير عادية وعندما يجوع الحيوان يصبح سلكه عدائيا اما الانسان عندما يفتك به الجوع يبحث عن اي شي من اجل اشباع بطنه لو كان بطريقة شرعية او غيرة اذا نظرنا لا ثار الجوع وجدنا المرض والفسادو جميع انواع الانحطاط
في القران سبق الطعام و والمعيشة الامن (الذي اطعمهم من جوع وامنهم من خوف) اخي ازهري تخل لو فقد الانسان وحتي الحيوان الطعام والامان تخيل الفوضى التي تحصل في الدنيا فلسفة الجوع كنا نجوع وناكل ولا نفكر في ابعاده شكرا ازهري
محمد النو- نشط مميز
رد: فلسفة الجوع ......... أم ضياء
سوف تغلب الشعوب العروش الباذخة و الملوك المستبدين والحكام الجائرين ، وتشيد على هذه الانقاض حكومات دستورية بالفعل , لاتكون ألاعيب في ايدي رؤسائها .
لقد ضجرت الأمم والشعوب من اكاذيب التمدن و ترهات العمران و عيل صبرها.
وهي تريد ان تكون سيدات وسادة نفسها , لا كرات تتقاذفها مصالح اصحاب المطامح وذوي الاغراض
لك تحياتي وسلامي الخالة ام الضياء على المقال الحيوي والهام ذو الدلالات العميقة ، ويقيني أن هذا العامل كان أحد الأسباب التي عصفت بنظام النميري في أبريل 85 عقب الضنك والمجاعة التي عمت السودان في العام 1984 لدرجة أن حفر البعض بيوت النمل ..وسيعصف بكل فاسد يتلاعب بقوت الشعب ولو بعد حين ؟؟؟ ثورة الجياع لا كابح لها هكذا علمنا التاريخ بمثلما تفضلت في المقال بذكر أسباب إندلاع الثورة الفرنسية
لقد ضجرت الأمم والشعوب من اكاذيب التمدن و ترهات العمران و عيل صبرها.
وهي تريد ان تكون سيدات وسادة نفسها , لا كرات تتقاذفها مصالح اصحاب المطامح وذوي الاغراض
لك تحياتي وسلامي الخالة ام الضياء على المقال الحيوي والهام ذو الدلالات العميقة ، ويقيني أن هذا العامل كان أحد الأسباب التي عصفت بنظام النميري في أبريل 85 عقب الضنك والمجاعة التي عمت السودان في العام 1984 لدرجة أن حفر البعض بيوت النمل ..وسيعصف بكل فاسد يتلاعب بقوت الشعب ولو بعد حين ؟؟؟ ثورة الجياع لا كابح لها هكذا علمنا التاريخ بمثلما تفضلت في المقال بذكر أسباب إندلاع الثورة الفرنسية
اشرف بشرى إدريس- مبدع مميز
رد: فلسفة الجوع ......... أم ضياء
الجوع هو اللحظة الصعبة التي تركع تحتها الخيارات....
وهو المسافة الفاصلة بين البقاء والفناء - الحرية والتبعية- وبين القوّة والضعف.
شبح يجبر الفرد علي الاعتراف بالضعف والوهن..
الصوم ابلغ حكمة انسانية لشرح رد فعل هذه الحاسة
ومشكوووورة ام ضياء لطرقكم علي باب هذه النافذة
وهو المسافة الفاصلة بين البقاء والفناء - الحرية والتبعية- وبين القوّة والضعف.
شبح يجبر الفرد علي الاعتراف بالضعف والوهن..
الصوم ابلغ حكمة انسانية لشرح رد فعل هذه الحاسة
ومشكوووورة ام ضياء لطرقكم علي باب هذه النافذة
amin_manga- نشط مميز
من أم الضياء
فلسفة الجوع
من سلسلة الأعمال المجهولة
قد يبدو لك هذا الموضوع غريباً فى بابه ‘ولكننا الآن فى عصر العجائب والغرائب
ولاغرواذا شذذنا عن المواضيع التي ألفتها الاسماع وطرقنا موضوعا جديداً.
افتتحنا السنة الاولى من (المجلة)بمقالة عنوانها (فلسفة القوة ) املتها علينا دروس
الحرب الاوربية ‘والآن نفتتح السنة الثانية بمقالة عنوانها (فلسفة الجوع ).
والراسخون فى العلم يعلمون ما تكون افتتاحية السنة الثالثة‘ اذا ظللنا على قيد
الحياة .
فلسفة الجوع ...اقوي فلسفات العالم واشدها تاثيراً فى الهيئة الاجتماعية ‘وهي اقوي
من فلسفة القوة بما لايقدر .
القوى ضربان : الواحد منهما ساكن او كامن ‘ والآخر عامل اومتحرك .خذ .....
الكهربائية مثلاً ، تراها متى كانت متوازنة كامنة لا أثر لها على الاطلاق . فهي
كاللاكهربائية أوكاللاقوة‘خلافاً لما تكون عليه وهى عاملة أو متحركة.
فإنها تحرك حينئذ القطروتدير المعامل والمطارق الصناعية‘وتطلق المدافع
الضخمة التي تدك الحصون وتترك المعامل اثراً بعد عين. ومتي كانت
الكهربائية كامنة او ساكنة‘لا يظهرمن أثرها ما يدل علي قوتها‘فتكون
عندئذ بمثابة العدم .
أما الجوع فهوضرب من ضروب القوة ولكنه يختلف عن سائرالقوي في امرخطير
هو أنه لايمكن ولايكون مطلقاً في حالة التوازن بل هو متحرك دائماً وابداً ، وفعله فى
الأحياء اشد من سائر قوي الطبيعة مجتمعة.
إذا امعنت النظرفي الكائنات الحيةعلي وجه العموم‘ وجدت العامل الاكبرلارتقائها
إنما هو الجوع‘ لأنه الدافع الأعظم الى الحركة فلولا الجوع لم يكن هناك طلب غذاء
و لم يكن تنازع بقاء.
فالجوع اذاً اكبر عامل في تنازع البقاء‘وهو يتناول عالم النبات كما يتناول
عالم الحيوان . و تنازع البقاء في اقوى معانيه و أتمها. انما هو تنازع الغذاء.
اذا غرست نبتيتن جنباً إلى جنب, تنازعتا غذاء التربة و اشتبكتا في حرب طاحنة
صامتة قوامها تفاعل الجذور. فتلتف جذور النباتات القوية على الضعبف‘ ولا تنفك
عنها حتى تخنقها ‘ كما يخنق رجل رجلاً. وقس عليه تنازع الافراد و الانواع
والجماعات والانواع.
كان الجوع او الحاجة الى الغذاء ‘ اعظم دافع لترقية الانواع.ولو لا ذلك لبقيت
الكا ئنات الحية في حال الترهل و الخمول‘ ولما تكيفت و ارتقت الارتقاء الذي نراه
عليها الآن .
بيد ان للجوع في الهيئة الاجتماعية اثراً في ترقيته قد يفوق سائر الفواعل الاخرى .
أزهرى الحاج البشير- مشرف عام
رد: فلسفة الجوع ......... أم ضياء
أولاً :جزاك الله خير لهــذا التعمق التأطيري لفلسفة الجوع ,, وفعلاً " فالجوع اذاً اكبر عامل في تنازع البقاء‘"
ثانياً : تقبل تحيات البروف ... رسالته لك"شكراً للوفاء بالوعد, فالصدق أهل لكم ,, "....
ثانياً : تقبل تحيات البروف ... رسالته لك"شكراً للوفاء بالوعد, فالصدق أهل لكم ,, "....
الفاتح محمد التوم- مشرف المنتدى السياسى
رد: فلسفة الجوع ......... أم ضياء
حادينا الأزهري :التحية ,, لأم المنتدى ,, أم ضياء في إلقاء الضوء على الوجه المظلم من الفلسفة , صراحة موضوع جدير بالتعمق و التفكير.
الفاتح محمد التوم- مشرف المنتدى السياسى
مواضيع مماثلة
» أبو جبيهة فلسفة الجمال - المياه والبيئة
» بيان--الانقاذتفرض علي المسيرية الجوع والتفتبت
» فلسفة
» فلسفة الحظ
» عفوا ( ام ضياء )
» بيان--الانقاذتفرض علي المسيرية الجوع والتفتبت
» فلسفة
» فلسفة الحظ
» عفوا ( ام ضياء )
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى