جحا السوداني يحي فضل الله
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
جحا السوداني يحي فضل الله
جحا السوداني
يحي فضل الله
لاول مرة اجرب هذه الطريقة للإتصال الهاتفي ، ان اتصل عبر كرت و من حيث انا اتواجد اتصل بكل العالم بهذه الطريقة السهلة جدا ، عبر الكرت أدير الارقام 1230 و من ثم يأتيني صوت نسائي رقيق يامرني ان اضغط علي الرقم2 وان ادخل بعد ذلك رقم البطاقة ليأتيني الصوت الرقيق مرة اخري كي يخبرني عن مدة الاتصال بتحديد ثمن الكرت ، بعدها اتصل
بالرقم الذي اطلبه ،هي المرة الاولي ان اتعامل مع هذا الكرت الساحر و احس فعلا انني ادخل الالفية الثالثة و هانذا اوثق علاقتي و تعاملي مع هذه الأداة الحضارية و اتامل كيف طورت الانسانية علاقتها بالرقم ، الرقم الذي اتصلت به هو رقم تلفون الاخ الصديق و الشريك الحميم الشاعر و المخرج المسرحي و التلفزيوني قاسم ابو زيد ، كنت اتصل من (مسقط ) العاصمة العمانية و من الغرفة318 بفندق ( سفير للإجنحة الفندقية ) حين كان الجرس يرن هناك في الفتيحاب كنت اتذوق لذة ان اتصل بالفتيحاب من مسقط كان ذلك الإتصال الهاتفي في يوم الاحد 30 يناير 2000 م ، يرن جرس التلفون ، هناك ، في الفتيحاب ، حيث يسكن صديقي قاسم ابو زيد ، اسمع صوت الاخت الصديقة سهير السعيد – زوجة قاسم - ، اميزه و اهلل بالتحايا و تصيح حين تسمع اسمي و تحولني سريعا كي التقي بصوت قاسم ابو زيد ، احس به مرهقا ، صوت قاسم ابو زيد ليس في حيويته التي اعرفها و رغم ذلك تضج بنا التحايا عبر الاسلاك ، الاسلاك ؟ ، هل هي اسلاك ؟ تلك التي تحملت كل تلك المسافات التي ما عادت مسافات بفضل ثورة الاتصالات ، ثورة الإتصالات هي الثورة الوحيدة التي يمكنني ان اعلن إنتمائي اليها دون مواربة او خجل سياسي ، تري هل هناك ما تبقي من خجل سياسي حين نستذكر او نراجع ثوراتنا السودانية ؟ عبر ذلك الاتصال الهاتفي وبكل حزن الدنيا يقول لي قاسم ابو زيد
(( سليمان حسين ، جحا ، مات ، انا جيت هسه من المقابر ))
وهكذا اصبح تجربتي الاولي مع هذه الطريقة من الاتصال الهاتفي الساحرة موثقة بموت هذا الفنان المسرحي سليمان حسين المشهور ب (سليمان جحا ) من برنامج ( جنة الاطفال ) ، البرنامج التلفزيوني المعروف كان سليمان حسين يتقمص شخصية ( جحا ) عبر سنوات و سنوات ، ترافقه في هذا المشوار الطفولي الجميل الممثلة الرائدة نفيسة محمد محمود و هي تتقمص دور زوجته ( السنينة ) و الممثل و المخرج الاذاعي محمد بشر دفع الله المشهور ب( حريكه) و المخرج المتنقل بين المسرح و الاذاعة الكاتب المسرحي و القصصي الاستاذ عثمان علي الفكي ، كان سليمان حسين يسودن شخصية ( جحا ) مستصحبا معه الحكايات الشعبية السودانية و يذهب بعيدا في ذلك فيضع (جحا) في مواقف درامية داخل نسيج درامي سوداني معاصر فقد كان سليمان حسين يقدم ( جحا ) السوداني بمثابرة و إجتهاد عظيميين سليمان حسين كان خفيف الظل ، رشيق التعليقات ، صافي النية ، نقي العلاقات ،متفقا عليه بالحب في الوسط المسرحي ، دخل علي الوسط المسرحي و هو موظف في الخدمة المدنية ، إختار ان يعمل كممثل في مجال مسرح الطفل فعرف و اشتهر بشخصية ( جحا ) ، كما انه قدم كممثل عددا من المسرحيات علي خشبة المسرح القومي و قد شاركني الفيلم التلفزيوني ( عبير الامكنة ) الذي اخرجه للتلفزيون قاسم ابو زيد و قد إقتربت كثيرا من سليمان حسين حين جاوره قاسم ابو زيد في الفتيحاب ، عرفته وهو يوزع علينا طاقته الهائلة من الانس الجميل يلوذ بتفجير الضحكة و اللمحة الساخرة المتهكمة و عرفته أبا حنونا وقد جرحت ابوة هذا الفنان المسرحي و ذلك حين تسلل ذلك الهوس الديني الي بيته و تملك و سيطر علي أبنه الاكبر و الذي اندفع بدافعية مجاهد كي يفقد حياته في احدي معارك الجنوب في تسعينات الحور العين و قصور الجنة حمل سليمان حسين حزنه علي إبنه ذلك الذي ضاع منه في حرب لا منتصر فيها و رفضت دواخله فكرة ذلك الشهيد المزيف الذي تتباهي به السلطة الظلامية فكان ان خفت و بهتت جذوة الكوميديا التي كانت تميز الفنان المسرحي سليمان حسين ، تلك الجذوة التي جعلته يدمن ان يتحرك في وجدان الطفل السوداني بخفة ظل ( جحا ) ، كان سليمان حسين قد حاول محاولات كثيرة و مختلفة المداخل كي يبعد إبنه ، ذلك الجرح النازف في انسجة عاطفته كأب ، حاول ان يبعده عن كل ذلك الهوس القاتل و بشتي الطرق و لكن باءت كل محاولاته بالفشل لان داء ذلك الهوس كان قد تسرطن حتي اودي بحياة إبنه مما ادي بهذا الفنان ان يدمن حزنه حتي الموت تغيرت تفاصيل حياة الفنان المسرحي سليمان حسين ، تلك الحياة الميالة الي النكتة و التعليق الساخر والمحبة للضحكة الذكية ، تغيرت حياة سليمان حسين و اصبحت تجادل عتمتها الحزينة و إحساسها باللاجدوي هكذا و بخبث من الملاريا التي وجدت ان رغبة هذا الفنان المسرحي في الحياة اصبحت في مهب رياح ذلك الفقد ، فقد الاب لإبنه و لاسباب سياسية خربت الحياة في السودان ،تمكن خبث الملاريا من هذا الجسد الذي تقمص شخصية ( حجا ) بكل طرافته و سخريته و حكمته الضاحكة فكان ان إنسحب الفنان المسرحي سليمان حسين من حياته بعد ان ودع من صادفه من زملاء المهنة، في نهار الخميس الذي سبق يوم رحيله ، جاء سليمان حسين الي الحيشان الثلاثة في نهار الخميس وهو يحمل معاناته من حمي الملاريا و وزع تحاياه و ضحكته المجروحة بحزن متأصل علي من صادفه من الزملاء و الاصدقاء و رجع الي الفتيحاب و عبر هذا العالم في صباح الاحد 30 يناير2000 م هكذا إنسحب (جحا)السوداني من هذا العالم بخبث من الملاريا و بذاكرة مظلوم حد الغبن من قبل ذلك الهوس الديني الذي اضاع حياة إبنه الكبير .
يحي فضل الله
لاول مرة اجرب هذه الطريقة للإتصال الهاتفي ، ان اتصل عبر كرت و من حيث انا اتواجد اتصل بكل العالم بهذه الطريقة السهلة جدا ، عبر الكرت أدير الارقام 1230 و من ثم يأتيني صوت نسائي رقيق يامرني ان اضغط علي الرقم2 وان ادخل بعد ذلك رقم البطاقة ليأتيني الصوت الرقيق مرة اخري كي يخبرني عن مدة الاتصال بتحديد ثمن الكرت ، بعدها اتصل
بالرقم الذي اطلبه ،هي المرة الاولي ان اتعامل مع هذا الكرت الساحر و احس فعلا انني ادخل الالفية الثالثة و هانذا اوثق علاقتي و تعاملي مع هذه الأداة الحضارية و اتامل كيف طورت الانسانية علاقتها بالرقم ، الرقم الذي اتصلت به هو رقم تلفون الاخ الصديق و الشريك الحميم الشاعر و المخرج المسرحي و التلفزيوني قاسم ابو زيد ، كنت اتصل من (مسقط ) العاصمة العمانية و من الغرفة318 بفندق ( سفير للإجنحة الفندقية ) حين كان الجرس يرن هناك في الفتيحاب كنت اتذوق لذة ان اتصل بالفتيحاب من مسقط كان ذلك الإتصال الهاتفي في يوم الاحد 30 يناير 2000 م ، يرن جرس التلفون ، هناك ، في الفتيحاب ، حيث يسكن صديقي قاسم ابو زيد ، اسمع صوت الاخت الصديقة سهير السعيد – زوجة قاسم - ، اميزه و اهلل بالتحايا و تصيح حين تسمع اسمي و تحولني سريعا كي التقي بصوت قاسم ابو زيد ، احس به مرهقا ، صوت قاسم ابو زيد ليس في حيويته التي اعرفها و رغم ذلك تضج بنا التحايا عبر الاسلاك ، الاسلاك ؟ ، هل هي اسلاك ؟ تلك التي تحملت كل تلك المسافات التي ما عادت مسافات بفضل ثورة الاتصالات ، ثورة الإتصالات هي الثورة الوحيدة التي يمكنني ان اعلن إنتمائي اليها دون مواربة او خجل سياسي ، تري هل هناك ما تبقي من خجل سياسي حين نستذكر او نراجع ثوراتنا السودانية ؟ عبر ذلك الاتصال الهاتفي وبكل حزن الدنيا يقول لي قاسم ابو زيد
(( سليمان حسين ، جحا ، مات ، انا جيت هسه من المقابر ))
وهكذا اصبح تجربتي الاولي مع هذه الطريقة من الاتصال الهاتفي الساحرة موثقة بموت هذا الفنان المسرحي سليمان حسين المشهور ب (سليمان جحا ) من برنامج ( جنة الاطفال ) ، البرنامج التلفزيوني المعروف كان سليمان حسين يتقمص شخصية ( جحا ) عبر سنوات و سنوات ، ترافقه في هذا المشوار الطفولي الجميل الممثلة الرائدة نفيسة محمد محمود و هي تتقمص دور زوجته ( السنينة ) و الممثل و المخرج الاذاعي محمد بشر دفع الله المشهور ب( حريكه) و المخرج المتنقل بين المسرح و الاذاعة الكاتب المسرحي و القصصي الاستاذ عثمان علي الفكي ، كان سليمان حسين يسودن شخصية ( جحا ) مستصحبا معه الحكايات الشعبية السودانية و يذهب بعيدا في ذلك فيضع (جحا) في مواقف درامية داخل نسيج درامي سوداني معاصر فقد كان سليمان حسين يقدم ( جحا ) السوداني بمثابرة و إجتهاد عظيميين سليمان حسين كان خفيف الظل ، رشيق التعليقات ، صافي النية ، نقي العلاقات ،متفقا عليه بالحب في الوسط المسرحي ، دخل علي الوسط المسرحي و هو موظف في الخدمة المدنية ، إختار ان يعمل كممثل في مجال مسرح الطفل فعرف و اشتهر بشخصية ( جحا ) ، كما انه قدم كممثل عددا من المسرحيات علي خشبة المسرح القومي و قد شاركني الفيلم التلفزيوني ( عبير الامكنة ) الذي اخرجه للتلفزيون قاسم ابو زيد و قد إقتربت كثيرا من سليمان حسين حين جاوره قاسم ابو زيد في الفتيحاب ، عرفته وهو يوزع علينا طاقته الهائلة من الانس الجميل يلوذ بتفجير الضحكة و اللمحة الساخرة المتهكمة و عرفته أبا حنونا وقد جرحت ابوة هذا الفنان المسرحي و ذلك حين تسلل ذلك الهوس الديني الي بيته و تملك و سيطر علي أبنه الاكبر و الذي اندفع بدافعية مجاهد كي يفقد حياته في احدي معارك الجنوب في تسعينات الحور العين و قصور الجنة حمل سليمان حسين حزنه علي إبنه ذلك الذي ضاع منه في حرب لا منتصر فيها و رفضت دواخله فكرة ذلك الشهيد المزيف الذي تتباهي به السلطة الظلامية فكان ان خفت و بهتت جذوة الكوميديا التي كانت تميز الفنان المسرحي سليمان حسين ، تلك الجذوة التي جعلته يدمن ان يتحرك في وجدان الطفل السوداني بخفة ظل ( جحا ) ، كان سليمان حسين قد حاول محاولات كثيرة و مختلفة المداخل كي يبعد إبنه ، ذلك الجرح النازف في انسجة عاطفته كأب ، حاول ان يبعده عن كل ذلك الهوس القاتل و بشتي الطرق و لكن باءت كل محاولاته بالفشل لان داء ذلك الهوس كان قد تسرطن حتي اودي بحياة إبنه مما ادي بهذا الفنان ان يدمن حزنه حتي الموت تغيرت تفاصيل حياة الفنان المسرحي سليمان حسين ، تلك الحياة الميالة الي النكتة و التعليق الساخر والمحبة للضحكة الذكية ، تغيرت حياة سليمان حسين و اصبحت تجادل عتمتها الحزينة و إحساسها باللاجدوي هكذا و بخبث من الملاريا التي وجدت ان رغبة هذا الفنان المسرحي في الحياة اصبحت في مهب رياح ذلك الفقد ، فقد الاب لإبنه و لاسباب سياسية خربت الحياة في السودان ،تمكن خبث الملاريا من هذا الجسد الذي تقمص شخصية ( حجا ) بكل طرافته و سخريته و حكمته الضاحكة فكان ان إنسحب الفنان المسرحي سليمان حسين من حياته بعد ان ودع من صادفه من زملاء المهنة، في نهار الخميس الذي سبق يوم رحيله ، جاء سليمان حسين الي الحيشان الثلاثة في نهار الخميس وهو يحمل معاناته من حمي الملاريا و وزع تحاياه و ضحكته المجروحة بحزن متأصل علي من صادفه من الزملاء و الاصدقاء و رجع الي الفتيحاب و عبر هذا العالم في صباح الاحد 30 يناير2000 م هكذا إنسحب (جحا)السوداني من هذا العالم بخبث من الملاريا و بذاكرة مظلوم حد الغبن من قبل ذلك الهوس الديني الذي اضاع حياة إبنه الكبير .
مرتضى عبدالعظيم عبدالماجد- مشرف المنتدى العلمى
رد: جحا السوداني يحي فضل الله
تداعيات
ــــــــــ
يحيي فضل الله
اللافتــة
صباح لا يراهن إلا على التعاسة ، هكذا كان هذا الصباح بخطوات تحاول أن تجد لها مبرراً من الذهاب في الاتجاه الذي سجنه الملل وافقده التكرار معنى أن يتجدد ، بهذه الخطوات المرغمة جداً على فعل متكرر خرج " يوسف " من المنزل متجهاً إلي حيث يعمل ، على شارع متسع وفي ركن يتميز بحسن تجاري يوجد كشك الجرائد الذي يديره شراكه مع صديق قديم لم يفعل شيئاً سوى أنه تخلى عن جزء من ماله كي يكون " يوسف " سجيناً مثالياً لهذا الكشك الذي أعلن عن نفسه بلافتة متواضعة تقول " مكتبة الأمل " . اكثر ما يغيظ يوسف هو اختياره هذا الاسم .
عادة ما يضحك " يوسف " ضحكة مكتومة كل صباح حين يفتح الكشك وتلقائياً تقع نظراته على هذه اللافتة ، يضحك تلك الضحكة المكتومة لانه يتذوق بلسانه حروف كلمة "الأمل" بينما تتذوق دواخله اليائسة تناقضها مع هذا المعنى المشرق ، يفكر " يوسف " في أنه ستتبدل كلمة " الأمل " بكلمة أخرى تعمل على الأقل على نفي هذا العكس وتذوقه الداخلي لمعنى النقيض .
لم ينس " يوسف " أن يضحك ضحكته المكتومة تلك وهو يفتح باب الكشك هذا الصباح ، ألقى نظرة عميقة على اللافتة الجديدة التي تقع في زاوية من زوايا الكشك بالداخل ، رتب بعض الترتيبات ، نفض الغبار ، رفع باب الكشك . وثبت عليه القوائم بحيث تسلل الضوء إلي الداخل ، أعاد مرة أخرى نفض الغبار تلك العملية التي فعلها من قبل كعملية سابقة لأوانها مستسلماً إلى مهمته الصباحية المعتادة ، رفع اللافتة الجديدة ونظر إليها ملياً وكأنه يتحسس خروجه المنفلت من سجن ذلك المعنى ، معنى الأمل الذي فقد الرغبة في أن يتالف معه ، ارتاحت نظراته على اللون الأخضر الذى سيطر على اللافتة الجديدة ، أشعل سيجارة " برنجي " اشتراها بـ "150" جنيهاً ، إنها سيجارته الوحيدة خلال اليوم وهذا ليس اقتناعاً بتلك الحكمة الصحية التي تقول أن التدخين ضار جداً بالصحة ولكن لأسباب تتعلق بضيق ذات اليد ، تلك التي فقدت مساماتها روح الاحتفاء بالحياة ، هكذا تخلص " يوسف " من إدمانه الممتع للتدخين واكتفى بسيجارته الصباحية المكلفة جداً ، ومن بين فتحة أنفه يخرج دخان " البر نجي " متمهلاً حذراً من مغبة أن تضيع منه متعته المختزلة كلها في سيجارة واحدة فقط
في اليوم ، عادة ما يحس " يوسف " حين يطفئ هذه السيجارة أنه سيواجه صداعه الخاص بالحرمان حتى يأتي صباح جديد بسيجارة جديدة .
زحمة قراء الصحف الرياضية على باب الكشك ، عادة ما تتواري الصحف السياسية خجلاً أمام الصحف الرياضية خاصة حين يكون الدوري في حرارة التنافس
· " أخبار الرياضة لو سمحت "
· " الشبكة من فضلك "
· " احجز لي نجوم الرياضة بمر عليك بعدين "
· " حوار كاريكا نزل لو سمحت "
زحمة لا تفعل في دواخله سوى الغثيان ولا يملك إزائها إلا وضع ابتسامة زائفة على فمه لزوم مواجهة " الزبائن "، من بين زحمة هذا الصباح لمحه " يوسف " بزيه الكاكي على كتفيه علامة تعلن عن رتبة " صول " في البوليس ، وجه وقور تدل ملامحه على تجاوزه الخمسين ، يقف بعيداً عن الزحمة بصرامة عسكرية معروفة ، حاول " يوسف " ان يخصه باحترام خاص :
· " أيوة يا حضرة الصول "
· " معليش يا بني مش الناس ديل "
· " ما في مشكلة ينتظروا "
· " أنا عايزك أنت "
ورجع " يوسف " إلي زحمة الطلبيات بينما ازدحم عقله بالتساؤلات تلك التي تحاول ان تفسر أن يقف صول في البوليس ويطلب شخصاً بعينه وسط زحمة المشترين في هذا الصباح وان يكون هو ذلك الشخص ، كان يلبي طلبات الزبائن بالية مألوفة ذهنه يمارس شروده الذي يتحد مع الخوف من حالة كونه مطلوبا من البوليس ، تتقاطع أصوات المشترين مع تساؤلات " يوسف " الداخلية
· " النجوم لو سمحت "
· " يا ربي في مشكلة ولا شنوا ؟ "
· " خليك معاي بقولك الكورة "
· في زول اشتكاني للبوليس "
· يابني آدم بقولك الهدف تديني ألوان ؟ "
· " أكون عامل مشكلة وما عارف ؟ "
· " خفف يدك يا ابن العم نجوم الرياضة "
· " معقول بس ، بوليس عديل كدة "
· أنا ما عايز الأنباء ، أديني القون ، القون يا راجل "
· " منو الممكن يشتكيني للبوليس ؟ "
· " ما تفوتني يا أخوي ، أي الكورة "
وتختلط الطلبات ويفقد يوسف " تركيزه والصول لا يزال يقف هناك محرضاً " يوسف على التساؤلات الداخلية التي أورثته هذا الشرود ، ينظر "يوسف " خلسة إلي وقفته العسكرية الصارمة ، ويلاحظ أن الصول يحمل في يده اليمنى ملفاً يعلن عن ضخامته فيزداد شعوره بالخوف من أن يكون ملفا للقضايا ، يحاول " يوسف " مرة أخري أن يخرج حضرة الصول من جمود هذا الانتظار المخيف .
· " طلباتك يا حضرة الصول "
· " معليش عايزك براك "
وتضج دواخل " يوسف " بالخوف ويتصبب منه العرق ، ترتجف أصابعه وهو يناول الزبائن ما يريدون ، يستسلم لفكرة واحدة وهي أنه مطلوب للذهاب إلى القسم ، تعزيه رغبته في معرفة أسباب ذهابه إلي هناك . حين بدأت الزحمة
في التلاشي ، لم يبق أمام " يوسف " سوى ثلاثة أشخاص ، حاول يوسف الصول مرة أخرى كي يخرج عن هذا الانتظار المخيف .
· " وقفت كثير يا حضرة الصول "
· " ما في مشكلة ، أنا عايزك براك "
ألان لم يعد هناك أحد أمام الكشك ، نظر " يوسف " إلي حضرة الصول نظرة لم تستطع التخلص عن معان متعددة للخوف والتساؤلات ، اقترب الصول بهدوء نحو " يوسف " حاول أن يتكلم لاذ بصمت مريب لبرهة قليلة " يوسف " يتكثف الخوف في دواخله كنتيجة حتمية لهذا الصمت ، الصول ينظر إلى " يوسف " وتتراجع نظراته عنه بطريقة غريبة .
· " أبوة طلباتك يا حضرة الصول "
· " معليش يا أبني بس "
· " ما في مشكلة . عايز حاجة "
· " بس الحقيقة يا أبني أنا "
· " عايزني في القسم ولا حاجة "
· " لا أبدا .. بس لو سمحت يعني . لو ممكن بس .. أنا عايز .. معليش ب أنت عارف الظروف .. أنا يعني .. عايز ..
آسف للإزعاج يا ابني ، لكن .. أنا .. محتاج .. بس معليش أوع أكون أزعجتك ؟ "
· " ما في إزعاج أبدا ما في إزعاج "
· " شكرا يا أبني . الحقيقة أنا انقطعت وعايز لو ممكن يعني .. ألف جنيه "
· " جداً ما في مشكلة "
ببقية ارتجاف في اليدين ناول "يوسف " حضرة الصول ورقة من فئة الألف جنيه ، وتبدد ذلك الخوف الغريب ليحتل مكانه وبكثافة متناهية وممتدة ذلك الأسى
العميق ، نظر "يوسف " إلي حضرة الصول وهو يذهب متباعدا ويتلاشى في تقاطع ذلك الشارع البائس بؤس هذا الصباح ، طاقة غريبة تلك التي دفعت بـ يوسف كي ينزع تلك اللافتة التي تقول " مكتبة الأمل " وبطاقة أزيد وتقترب من الحماقة يعلق في مكانها لافتة تقول " مكتبة الشتات "
في صباح البوم التالي استطاع " يوسف " أن يتخلص من ضحكته تلك المكتومة وذلك حين مر به أحد الأصدقاء ، لاحظ الصديق اللافتة الجديدة وضحك بمتعة وصرخ في وجه " يوسف " بنفس تلك المتعة قائلاً :"-
* " شتات يا فردة "
الراكوبة
ــــــــــ
يحيي فضل الله
اللافتــة
صباح لا يراهن إلا على التعاسة ، هكذا كان هذا الصباح بخطوات تحاول أن تجد لها مبرراً من الذهاب في الاتجاه الذي سجنه الملل وافقده التكرار معنى أن يتجدد ، بهذه الخطوات المرغمة جداً على فعل متكرر خرج " يوسف " من المنزل متجهاً إلي حيث يعمل ، على شارع متسع وفي ركن يتميز بحسن تجاري يوجد كشك الجرائد الذي يديره شراكه مع صديق قديم لم يفعل شيئاً سوى أنه تخلى عن جزء من ماله كي يكون " يوسف " سجيناً مثالياً لهذا الكشك الذي أعلن عن نفسه بلافتة متواضعة تقول " مكتبة الأمل " . اكثر ما يغيظ يوسف هو اختياره هذا الاسم .
عادة ما يضحك " يوسف " ضحكة مكتومة كل صباح حين يفتح الكشك وتلقائياً تقع نظراته على هذه اللافتة ، يضحك تلك الضحكة المكتومة لانه يتذوق بلسانه حروف كلمة "الأمل" بينما تتذوق دواخله اليائسة تناقضها مع هذا المعنى المشرق ، يفكر " يوسف " في أنه ستتبدل كلمة " الأمل " بكلمة أخرى تعمل على الأقل على نفي هذا العكس وتذوقه الداخلي لمعنى النقيض .
لم ينس " يوسف " أن يضحك ضحكته المكتومة تلك وهو يفتح باب الكشك هذا الصباح ، ألقى نظرة عميقة على اللافتة الجديدة التي تقع في زاوية من زوايا الكشك بالداخل ، رتب بعض الترتيبات ، نفض الغبار ، رفع باب الكشك . وثبت عليه القوائم بحيث تسلل الضوء إلي الداخل ، أعاد مرة أخرى نفض الغبار تلك العملية التي فعلها من قبل كعملية سابقة لأوانها مستسلماً إلى مهمته الصباحية المعتادة ، رفع اللافتة الجديدة ونظر إليها ملياً وكأنه يتحسس خروجه المنفلت من سجن ذلك المعنى ، معنى الأمل الذي فقد الرغبة في أن يتالف معه ، ارتاحت نظراته على اللون الأخضر الذى سيطر على اللافتة الجديدة ، أشعل سيجارة " برنجي " اشتراها بـ "150" جنيهاً ، إنها سيجارته الوحيدة خلال اليوم وهذا ليس اقتناعاً بتلك الحكمة الصحية التي تقول أن التدخين ضار جداً بالصحة ولكن لأسباب تتعلق بضيق ذات اليد ، تلك التي فقدت مساماتها روح الاحتفاء بالحياة ، هكذا تخلص " يوسف " من إدمانه الممتع للتدخين واكتفى بسيجارته الصباحية المكلفة جداً ، ومن بين فتحة أنفه يخرج دخان " البر نجي " متمهلاً حذراً من مغبة أن تضيع منه متعته المختزلة كلها في سيجارة واحدة فقط
في اليوم ، عادة ما يحس " يوسف " حين يطفئ هذه السيجارة أنه سيواجه صداعه الخاص بالحرمان حتى يأتي صباح جديد بسيجارة جديدة .
زحمة قراء الصحف الرياضية على باب الكشك ، عادة ما تتواري الصحف السياسية خجلاً أمام الصحف الرياضية خاصة حين يكون الدوري في حرارة التنافس
· " أخبار الرياضة لو سمحت "
· " الشبكة من فضلك "
· " احجز لي نجوم الرياضة بمر عليك بعدين "
· " حوار كاريكا نزل لو سمحت "
زحمة لا تفعل في دواخله سوى الغثيان ولا يملك إزائها إلا وضع ابتسامة زائفة على فمه لزوم مواجهة " الزبائن "، من بين زحمة هذا الصباح لمحه " يوسف " بزيه الكاكي على كتفيه علامة تعلن عن رتبة " صول " في البوليس ، وجه وقور تدل ملامحه على تجاوزه الخمسين ، يقف بعيداً عن الزحمة بصرامة عسكرية معروفة ، حاول " يوسف " ان يخصه باحترام خاص :
· " أيوة يا حضرة الصول "
· " معليش يا بني مش الناس ديل "
· " ما في مشكلة ينتظروا "
· " أنا عايزك أنت "
ورجع " يوسف " إلي زحمة الطلبيات بينما ازدحم عقله بالتساؤلات تلك التي تحاول ان تفسر أن يقف صول في البوليس ويطلب شخصاً بعينه وسط زحمة المشترين في هذا الصباح وان يكون هو ذلك الشخص ، كان يلبي طلبات الزبائن بالية مألوفة ذهنه يمارس شروده الذي يتحد مع الخوف من حالة كونه مطلوبا من البوليس ، تتقاطع أصوات المشترين مع تساؤلات " يوسف " الداخلية
· " النجوم لو سمحت "
· " يا ربي في مشكلة ولا شنوا ؟ "
· " خليك معاي بقولك الكورة "
· في زول اشتكاني للبوليس "
· يابني آدم بقولك الهدف تديني ألوان ؟ "
· " أكون عامل مشكلة وما عارف ؟ "
· " خفف يدك يا ابن العم نجوم الرياضة "
· " معقول بس ، بوليس عديل كدة "
· أنا ما عايز الأنباء ، أديني القون ، القون يا راجل "
· " منو الممكن يشتكيني للبوليس ؟ "
· " ما تفوتني يا أخوي ، أي الكورة "
وتختلط الطلبات ويفقد يوسف " تركيزه والصول لا يزال يقف هناك محرضاً " يوسف على التساؤلات الداخلية التي أورثته هذا الشرود ، ينظر "يوسف " خلسة إلي وقفته العسكرية الصارمة ، ويلاحظ أن الصول يحمل في يده اليمنى ملفاً يعلن عن ضخامته فيزداد شعوره بالخوف من أن يكون ملفا للقضايا ، يحاول " يوسف " مرة أخري أن يخرج حضرة الصول من جمود هذا الانتظار المخيف .
· " طلباتك يا حضرة الصول "
· " معليش عايزك براك "
وتضج دواخل " يوسف " بالخوف ويتصبب منه العرق ، ترتجف أصابعه وهو يناول الزبائن ما يريدون ، يستسلم لفكرة واحدة وهي أنه مطلوب للذهاب إلى القسم ، تعزيه رغبته في معرفة أسباب ذهابه إلي هناك . حين بدأت الزحمة
في التلاشي ، لم يبق أمام " يوسف " سوى ثلاثة أشخاص ، حاول يوسف الصول مرة أخرى كي يخرج عن هذا الانتظار المخيف .
· " وقفت كثير يا حضرة الصول "
· " ما في مشكلة ، أنا عايزك براك "
ألان لم يعد هناك أحد أمام الكشك ، نظر " يوسف " إلي حضرة الصول نظرة لم تستطع التخلص عن معان متعددة للخوف والتساؤلات ، اقترب الصول بهدوء نحو " يوسف " حاول أن يتكلم لاذ بصمت مريب لبرهة قليلة " يوسف " يتكثف الخوف في دواخله كنتيجة حتمية لهذا الصمت ، الصول ينظر إلى " يوسف " وتتراجع نظراته عنه بطريقة غريبة .
· " أبوة طلباتك يا حضرة الصول "
· " معليش يا أبني بس "
· " ما في مشكلة . عايز حاجة "
· " بس الحقيقة يا أبني أنا "
· " عايزني في القسم ولا حاجة "
· " لا أبدا .. بس لو سمحت يعني . لو ممكن بس .. أنا عايز .. معليش ب أنت عارف الظروف .. أنا يعني .. عايز ..
آسف للإزعاج يا ابني ، لكن .. أنا .. محتاج .. بس معليش أوع أكون أزعجتك ؟ "
· " ما في إزعاج أبدا ما في إزعاج "
· " شكرا يا أبني . الحقيقة أنا انقطعت وعايز لو ممكن يعني .. ألف جنيه "
· " جداً ما في مشكلة "
ببقية ارتجاف في اليدين ناول "يوسف " حضرة الصول ورقة من فئة الألف جنيه ، وتبدد ذلك الخوف الغريب ليحتل مكانه وبكثافة متناهية وممتدة ذلك الأسى
العميق ، نظر "يوسف " إلي حضرة الصول وهو يذهب متباعدا ويتلاشى في تقاطع ذلك الشارع البائس بؤس هذا الصباح ، طاقة غريبة تلك التي دفعت بـ يوسف كي ينزع تلك اللافتة التي تقول " مكتبة الأمل " وبطاقة أزيد وتقترب من الحماقة يعلق في مكانها لافتة تقول " مكتبة الشتات "
في صباح البوم التالي استطاع " يوسف " أن يتخلص من ضحكته تلك المكتومة وذلك حين مر به أحد الأصدقاء ، لاحظ الصديق اللافتة الجديدة وضحك بمتعة وصرخ في وجه " يوسف " بنفس تلك المتعة قائلاً :"-
* " شتات يا فردة "
الراكوبة
nashi- مشرف المنتدى الرياضى
مواضيع مماثلة
» في ذمة الله الفنان السوداني صديق عباس
» سبحان الله--النظام السوداني لا يعرف موقع كاودا لكنه يهدد بغزوها
» صانع الفيلم القبيح رهن التحقيق
» كتاب الله لم يحترق بسيارة محروقة ....يا سبحان الله ....تعاااال نشوووف:
» حادث مؤلم لطلاب ابوجبيهه المتوجيهين للخدمة الوطنية
» سبحان الله--النظام السوداني لا يعرف موقع كاودا لكنه يهدد بغزوها
» صانع الفيلم القبيح رهن التحقيق
» كتاب الله لم يحترق بسيارة محروقة ....يا سبحان الله ....تعاااال نشوووف:
» حادث مؤلم لطلاب ابوجبيهه المتوجيهين للخدمة الوطنية
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى