الاقتباس والسرقات الأدبية عند شعراء الغرب
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
الاقتباس والسرقات الأدبية عند شعراء الغرب
هذه المحاضرة الهامة للبروفيسير عبدالله الطيب ألقاها في الدوحة عن تي. أس . إليوت الشاعر الانجليزي الشهير والذي اعتبره كثير من شعراء الشعر الحديث إلهاً للشعر وهو من كبار المقتبسين من الشعر العربي وإليكم هذه المحاضرة القيمة:
العنوان: الفتنة باليوت بين شعراء العرب- محاضرة لبروفيسور عبد الله الطيب
التاريخ: اكتوبر 1976م
الفتنة باليوت والأرض المقفرة
محاضرة لبروفسير عبد الله الطيب- بالدوحة
الفتنة باليوت بين ادباء العرب المعاصرين كبيرة جدا . وينسب اليه تفوق وابداع وابتكار . ومما ينسب اليه فى باب الابتكار مذهبه فى الاشارات والاقتباس. وهذا المذهب قديم فى اللغة الانجليزية واقدم فى اللغة العربية أفتن فيه من الجاهليين ، على سبيل المثال زهير ونابغة بني ذبيان ، ودع الفرزدق وجريرا وذا الرمة وابا نواس وشيخ المذهب فى المحدثين ابا تمام ونلاميذه من لدن ابي العلاء الى الحريرى . ومن جون ملتون الشاعر الانجليزى الكبير المشهور ، استفاد هو طريقة مذهبه فى الاشارات والاقتباس فتأمل هذه الألتواءة ، وكإنما كان اسلوب امثالها له ديدنا وطبيعة والله تعالى أعلم بشرائر غيابات النفوس.
ويدعو الداعون الى الاقتداء باسلوب إليوت والتمذهب بمذهبه ويبغون بذلك النهوض بالشعر العربي الحديث وبث روح جديد فيه او هكذا يقولون. وفى هذه القضية نظر. هذا أقل ما يقال. ولو قلنا انها قضية دعوى من الضلال البعيد والانحراف السمح ما غلونا. واليك بعض البيان.
الاضراب عن ذكر العرب
أولاً : لفت نظرى أن تعليقات اليوت التى جعلها فى ذيل منظومته المسماة " الارض المقفرة " خالية من الاشارة الى العرب وما يمت الى العرب وما العرب يمتون اليه " القرآن مثلاً والاسلام" مع ان هذه التعليقات ذات حظ وافر من الحرص على اظهار المعرفة العريضة والاطلاع الواسع وبعض الغلو فى ذلك حتى انها لتوشك ان تشمل اكثر امم الارض ولغتها وآدابها الحاضرة والغابرة.
ثانياً : لفت نظرى ان اليوت قد ضمن منظومته " الارض المقفرة " راجع طبعة لندن فى السنوات 1972 و 1973 و1975م فى الاسطر 100-103 ص 30 اشارة الى شى من شعر وليم وردزورث الرومانتكي الانجليزى الكبير وفى السطر 263-265 من ص 37 اشارة الى شىء من شعر والتردي لامير من شعراء صدر هذا القرن الشديدى التأُر بالرومانتيكة . ولم يذكر فى تعليقاته شيئا يدل على هاتين الاشارتين. وقد يبدو لاول وهلة ان سبب هذا السكوت هو شهرة الشعر المشار اليه. ولكننا نجد ان اليوت يشير الى بيت مشهور تكرر فى منظومته من شعر سبنسر ( راجع 23 و 34 ص 176 و183) وآخر مشهور جدا من شعر أندرومارفل ( راجع ص 34 س196) واشياء معروفة من التوراة والانجيل وغير ذلك. اذن ينبغى ان نبحث عن سبب آخر لسكون اليوت عن البيان غير شهرة ما اشار اليه على نحو ماهو معروف من مذهبه.
ثالثاً: لفت نظرى ان ذكر العرب الذى قد اضرب عنه اليوت كل الاضراب له ورود واضح فى اصل الاشارتين اللتين تضمنت معانيهما والفاظهما الاسطار التى اشرنا اليها من قبل فى منظومته- الاشارة الوردزوثية ، نسبة الى وليم وردزورث ، فى الاسطر 100-103 ، والاشارة الديلميرية ، نسبة الى والتردى لامير ، فى الاسطر 263-265 (أ) الاشارة التى وردت من اليوت فى س 100-103 من ص 30 الى شيء من شعر وليم وردزورث هى قوله
…Yet there the nightingale filled all the desert with inviolable voice and still she cried, and still the world pursues jug jug, to dirty ears-
ترجمة تقريبية :
ولكن هناك البلبل
التى لا تنال لتوحدها وبداوتها الى الصوت نفسه فزعم له عذرية سرمدية لا يستطاع نيلها بغصب وطمث ، لا يطمثها احد لا انس ولا جان كحور الجنة . وازعم ان اليوت لا يخلو ان يكون نظر فى قوله الى المعنى القرآني – قال تعالى فى سورة الرحمن فى وصف الحور العين : { لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان} ، وذلك ان ترجمات القرآن فى اللغة الانجليزية وغيرها من لغات أوربا كثيرة والاطلاع عليها واسع.
هذا واليوت فى السطر 99 من منظومته يذكر تغيير صورة فيلوميل فى نوع من تكلف واقحام :
The change of Philomel
وهو يريد بذلك ان يوقع فى وهمنا انه يشير الى خبر فيلوميا الاسطورى وخلاصته ( وقد اشار اليه فى التعليقات ص 46 ) ان ملكا تزوج اخت فيلوميلا ( او فيلوميل) ثم شغف بها هى حباً وغصبها نفسها ثم قطع لسانها لكى لا تكلم احدا بذلك فاحتالت على بث خبرها بتطريز طرزته... وتنتهى الاسطورة بمسخ الغاصب والمرأتين طيراً ، وصيرورة فيلوميلا ( فيلوميل ) بلبلا لتتغنى كالتعويض لها عن لسانها الذى قطع . وما اشبه كلمة بلبل بفيلوميل لسهولة تحول الفا والميم باء ويجوز ان اصل اللفظين واحد قديم موغل فى القدم. وهل لذلك صلة ببابل وهى من امهات الحضارة؟ ومن خطأ اليونان او غيرهم فى هذه الاسطورة نسبة الغناء الى أنثى البلبل لان الصادح فى الحقيقة هو الذكر.
والدليل القاطع على ان اصل معنى اليوت اخذه من حاصدة وردزورث المتوحدة محاكاته الواضحة لصياغة وردزورث.. استبدل اليوت قول وردزورث " الرمال العربية ، بقوله هو " كل الصحراء " وما قوله كل الصحراء الا كما لو قال رمال العرب او الرمال العربية او الصحراء العربية . واستبدل اليوت قول وردزورث " لجماعات مضناة بقوله هو " للآذان او الى الآذان القذرة وشبه الصياغة ودليل الاخذ فى النص الانجليزى واضح جدا. ولاحظ مع هذا ان اليوت حذف اللفظ الدال على العرب حين استبدل قول وردزورث " بين الرمال العربية " بقوله هو " كل الصحراء"
وردزوث :Among Arabian Sands
اليوت :Filled all the desert
وقوله اليوت :....Jug jug to dirty ears
اى زقزقة صفير البلبل الى الآذان القذرة
ملأ كل الصحراء بصوت لا يطمث ولا يغتصب
واستمر يصيح وتستمر الدنيا تطارد
زقزقة صفيره الى الآذان القذرة
هذا والذى اشار اليه اليوت من شعر وليم وردزورث هو قول هذا فى منظومته
The Solitary Reaper
اى الحاصدة المتوحدة :
O listen for the vale profound
Is overflowing with the sound
No Nightingal did everchant
More welcome notes to weary bands
Of travelers in some shady haunt
Among Arabian Sands
وضعنا خطا تحت الكلمة الدالة على العرب من نظم وردزورث لمجدر التنبيه على موضوعها وترجمة هذا النظم التقريبية كما يلى :
أل فاسمع فان الوادى العميق
يفيض مفعماً بالصوت
وما غنى أبداً بلبل
نغمات أطيب لجماعات مضناة
من المسافرين فى ظل مكان ما
بين الرمال العربية
أخذ اليوت معنى فيض الوادى وافعامة بالصوت من قول وليم وردزورث حيث قال ( راجع السطر الثانى من كلامه الذى مر ) :
Overflowing with the sound
اى : يفيض مفعما بالصوت
فجاء بقوله فى السطر 100 :
Filled all the desert
أي ملأ كل الصحراء كما مر بك فى الترجمة ، وتتمة السطر فى نعت البلبل بان صوته الذى ملأ الصحراء لا يستطيع احد له اغتصابا وطمثا inviolable واصل هذا المعنى ماخوذ من حاصدة وردزورث المتوحدة. شبه اليوت صوت بلبله بالعذراء الحاصدة المتوحدة التى افعم صوتها الوادى العميق وفضله وردزورث على صوت كل بلبل، ونقل عذرية الحاصدة انما جاء فيه بحكاية الصوت " زق زق" ليوهم بانه يشير الى شكسبير ومعاصرية لكثرة ورود هذه الحكاية فى اشعارهم ويصرف الاذهان عن محاكاته لوردزورث كما بينا من قبل.
ولا يخفى ان ثم رابطة قوية بين طي اليوت لذكر العرب وطيه لذكر وردزورث وان هذا الامر قد كان منه عن عمد لا مجدر مصادفة واتفاق
(ب) : الاشارة الديلميرية نسبة الى والتر دي لامير.
قال اليوت فى منظومته السطر 263-265 ص 30 :
Where fishmen lounge at noon, where the walls magnus martr hold
Inexplicable splendours of lonian and gold.
الترجمة التقريبية :
حيث يستريح صائدو الحوت فى نصف النهار حيث جدران (كنيسة ) ماغنس الشهيد تحوى ما يعجز الشرح من روعة الأبيض اليوناني والذهبي.
الكلمة inexplicable فى هذا النص ومعناها ما يعجز الشرح والتفسير تشبه فى روح الفكرة والصناعة كلمته التى تقدمت فى اخذه من وردزورث وهى inviolable اى لا يتطاع اغتصابه. وفكرة الابيض اليونانى والذهبي فيها مشابه من فكرة اقحامه " فيلوميل" من قبل من حيث الايهام بالرجوع الى الاصول القديمة الكلاسيكية وصرف النظر عن موضع الاخذ القريب. وكذلك ذكر كنيسة ماغنس الشهيد وتعليقه بذكر المعمارى رنWren فى ص 48 وهو السير كرستوفر رن يشبه اقحامه " زق زق" ليصرف النظر عن اخذه عن دي لامير ويوهم باشارة بدل ذلك الى هذا المعمارى وعصره الرفيع فى تاريخ الحضارة والفن والأدب.
عنى اليوت بالابيض اليونانى والذهب من قوله المتقدم نقوش الفسيفساء التى فى سقف الكنيسة من الداخل واصلها يونانى . وقول اليوت :Magnus martyr اى ماغنس الشهيد عنى به كنيسة القديس ماغنس وذلك اسم كنيسة مما صممه المعمارى المهندس السير كرستوفررن ، ومعنى مارت التى اقحمها اليوت هو الشهيد ، وصف وصف به القديس ماغنس المسماة باسمه الكنيسة ،( راجع A History of Architecture اى تاريخ العمارة ) لمؤلفه السير بانستر فلتشر طبع مدينة لندن سنة 1948 م ص 811-815)
السير كريستوفررن (1631-1723م) من كبار رجال الفكر والعلم والهندسة والعمارة في بريطانيا في القرن السابع عشر الميلادي، وثيق الصلة بملكهاشارلس الثاني، أعاد تصميم عدد كبير من كنائس مدينة لندن بعد حريقها الكبير في سنة 1666م ومما أعاد تصميمه كاتدرائية القديس بولس المعروف ونقوش سقفها الداخلية البيض المذهبات تعد من الروائع وقد حاكى بها كريستوفر رن فن النهضة في سائر ما صممه ولا يستبعد إن يكون اليوت ضمن قوله ( ماغنس مار تر) على شرحه المتكلف له في ص 48 في التعليقات، معنى كاتدرائية القديس بولس تشبيها لها بكنيسة القديس بطرس في روما إذ لا يخفى إن بطرس الحواري هو شهيد المسيحية العظيم ( ماغنس مار تر) وهذا معنى جانبي تجيء ظلاله من طريق تداعى المعاني والأول مع الشرح هو الظاهر ولكني أحسب إن هذا هو المقصود وهو الأصل.
أضرب اليوت عن ذكر دي لامير وأخفاه
وقول والتر دي لامير الذي أشار إليه هو أول كلمته Arabia أي الجزيرة العربية، هذا هو العنوان ( انظر ص 155 من مختارات الشعر الانجليزى المسماةSelection from modern Poets لصانعها ج. س. سكوير J.C.Squire طبع لندن – مارتن سكر سنه 1921) قال والتر دي لامير في أول منظومته:
Far are the shades of Arabia
Where the princes ride at noon
هذان أول سطرين وقد نظر إلى هذين السطرين والى ما بعدهما اليوت نظرا شديدا في الإطار التي ذكر فيها فيلوميل والتي قبلها ( راجع من أول الفصل الذي عنوانه لعبة الشطرنج حيث يبدأ بشيء كمحاكاة وصف شكسبير لسفينة كيلوباترة في السطر 99) وليس هنا موضع تفصيل ذلك.
وترجمة سطري دي لامير على وجه التقريب:
هيهات ظلال جزيرة العرب
حيث يركب الأمراء في نصف النهار
استبدل اليوت عبارة دي لامير the shades of Arabia ( ظلال جزيرة العرب) بعبارته هو the walls /of Magnus martyr ( جدران كنيسة ماغنس الشهيد)
حذف اليوت اللفظ الدال عل العرب وهو جزيرة العرب واستبدله بكنيسة ماغنس الشهيد وجعل الجدران في مكان الظلال التي في عبارة والتردي لامير... ولا يخفى أن الجدران وثيقة الصلة بالظلال. والفرار عن جزيرة العرب إن يك بعضة صادرا عن تعصب ديني أو عنصري أو عقابيل شعور صليبي مما يدعو إلى التماس ملجأ عن الكنيسة إذ لا يخفى إن ظلال جزيرة العرب لا تخلو من معنى ظلال سيوف محمد وصلاح الدين والإسلام والجهاد.
وقد كان والتر دي لامير ( 1873-1956م ) معاصرا لاليوت ، أسن منه شيئاً.. وقد وصفه تاريخ كمبريدج الصغير لآداب اللغة الإنجليزية بالأصالة والملكة ذات الطبع الجذاب – (انظر ص 847-848 من كتابThe Concise Cambridge History of English Literature دي لامير : Where the prince ride art noon لمؤلفة جورج سامبسون طبعة 1975 م ، وقد كان ذا روح رومانتيكى . وطوى اليوت ذكره طيا مع إن شاهد محاكاته له واضح في الصياغة والتركيب كما طوى ذكر العرب والجزيرة العربية.
واستبدل اليوت لفظ الأمراء The Princesالوارد في بيت دي لامير بقولهthe fish men اى صائدو الحوت وقول دي لامير ride (يركب) بقولهLounge واحتفظ بلفظ نصف النهارat noon وهو وحده كاف في النميمة بالمحاكاة.. وكرر اليوت لفظwhere ( حيث) الوارد في بيت ( حيث يركب الأمراء في نصف النهار)
يترنم به كما ترى
لا يخفى إن ثم رابطة قوية بين طي اليوت لذكر دي لامير وجزيرته العربية كما بين طيه لذكر وردزورث ورماله العربية.
بعض هذا مرجعه كما قدمنا منذ حين إلى الشعور الصليبي الموروث والتعصب الديني والتعصب العنصري، وبعضه مرده إلى الزهو والغرور والاعتداد بالانتماء إلى حضارة اليونان والرومان وأوربا والسوريون وهارفارد وأكسفورد والاستنكاف عن إن ينسب إلى الرومانتيكية لا دعائه الانتساب إلى الكلاسيكية مع انه غارق إلى أذنيه في الرومانتيكية مدين لشاعرها وردزورث السابق له في الأوان ولشارعها والتردي لامير المعاصر له في الزمان، وبعضه مرده إلى شخصيته وبيئته كنشأته في أمريكيا وتحوله إلى الجنسية البريطانية وتقلب أهوائه في السياسة والدين، وأكثره مرده إلى طموح جامح طلب بملكه محدودة المدى إن يساوى ملتون وشكسبير ويحل كمثل محلها في عصره، معتمدا في ذلك على الكد والمكر والدهاء كالذي رأيت من كتمانه محاكاته لوردزورث ودي لامير وتغطية ذلك بضباب من الكلاسيكية والتعليقات الأكاديمية. وككتمانه أمر دينه لهما وإضرابه عن ذكرهما في النص والتعليقات. كذلك كتم أمر دينه للعربية وأَرب عن ذكره والإشارة إليه كل الإضراب.
صورة اليوت
وجدت في كتاب برنارد برغونزي عن ت. س. اليوت في طبعته البريطانية الثانية سنة 1972 ص 143، راجع الكتاب واسمه بالإنجليزيةT.S.Eliot by Bernard Begonzi أشطارا هجاه بها أحد نقاده ونصها كما يلي:
How UN pleasant to meet Mr. Eliot!
With his features of clerical cut,
And his brow so grim
And his mouth so prim
And his conversation, son nicely
Restricted to what precisely
And If and Perhaps and but.
وترجمتها على وجه التقريب:
ما أسمج لقاء المستر اليوت
بسمت تقاطيعه الاكيروسى
وبحاجبيه جد الكالح
وبفمه جد المتنطس
وبمحادثته الحريصة على أن
تتقيد بأمثال ماذا تقول على وجه التحديد
وأمثال إذا كان ويجوز ولكن.
ومع مافى هذه الأشطار من سخرية ومرارة فإن الصورة التي تطالع القارىء منها غير بعيدة الصفة والملامح جدا مما يطالع قارىء شعر اليوت من أُناء أسطاره وتعليقاته قبل إن يطلع عليها. وفي الذي قدمنا ما عسى أن يشهد بصحة ما نقوله في هذا الصدد.
الأرض التي أقفرت
قال الشاعر الجاهلي أحد أصحاب المعلقات، لبيد بن ربيعة ألعامري:
عفت الديار محلها ومقامها
بمنى تأبد غولها ورجامها
وضعنا خطاً تحت ( عفت الديار) إذ لفتنا قوة الشبه بين هذا التعبير وبين عنوان اليوت لمنظومته The Waste Land أي الأرض التي جعلت عافية فأقوت وأقفرت وعفت وعفتها... وغير ألأيام والليالي..
كما قال ذو الرمة.
في قاموس الدكتور صمويل جونسون أن معنى Waste الصفة المشنقة من الفعل أولاً يدل على تعفية المكان وجعله قفراً وثانياً يدل على الخلو مثل خلو الصحراء والبرية التي لا ديار فيها. وكلا المعنيين متضمن في عنوان اليوت اى الأرض التي أقفرت أو الأرض المقفرة أو قل عفت الديار.
ولاليوت بعد هذا العنوان عنوان ثان لفصله الأول هو :
The Burial of the Dead
أي: دفن الموتي.
هذا أيضا لفت نظري على بُعد في ذلك
شعراء العرب تبدأ في باب الإطلال بذكر تعفية الديار ثم تذكر إن الرياح دفنتها بما أهالته عليها من غبار ثم جاءت رياح أخرى فأزالت هذا الغبار فبدت معالم الدار ظاهرة فيعرفها الشاعر بعد تأمل، قال امرؤ القيس:
فتوضح فالمقرة لم يعف رسمها
لما نسجتها من جنوب وشمال
وقال ذو الرمة وبائيته مما ترجمه الإفرنج ونشروه وحققوه
من دمنة كشفت عنها الصبا سفعاً
كما تنشر بعد الطية الكتب
وقال لبيد بعد قوله: ( عفت الديار) الذي معناه كمعنى عنوان اليوت
The Waste Land
فمدافع الريان عرى رسمها
خلقاً كما ضمن الوحي سلامها
أي كانت مدفونة فعرتها الرياح وعرتها السيول فأظهرتها، وذلك قولة:
وجلا السيول عن الطلول كأنها
زبر تجد متونها أقلامها
وبعد تعفية الديار ودفن الرياح لها ثم كشفها لها من بعد وتعريتها لرسومها حتى بدت كالنقش القديم على حجارة آثار الأمم الماضية، بعد هذا يقول لبيد
رزقت مرابيع النجوم وصابها
ودق الرواعد جودها فرهامها
فعلاً فروع الأبهقان وأطفلت
بالجلهتين ظباؤها ونعامها
والعين ساكنة على لطلائها
عوذا تأجل بالفضاء بهامها
وجلا السيول عن الطلول كأنها
زبر تجد متونها أقلامها
وموضع استشهادنا هو البيت الأول الدال على إن مدافع الريان التي دفنتها الرياح، وهذا المعنى متضمن معروف، قد عريت فبدت ملسا عليها الآثار كالنقوش، إما عرتها رياح معاكسة للتي دفنتها وإما عرتها السيول.
ورب قائل إن المعاني مشتركة والعواطف الإنسانية التي بلابس المعاني متقاربة، وخواطر البشر كثيراً، ما تتفق، ولذلك قديما ما قيل، وقد يقع الخاطر على الخاطر كما يقع الحافر على الحافر، ويرد على مثل هذا القائل بأن الصياغات والأشكال البيانية والرنات المعبرة المؤثرة هي التي يتفوق بها الشعراء والكتاب والخطباء ويتميزون عن غيرهم، وهي التي يقع فيها التقليد والأخذ والتوليد والنظر والإغارة والاختلاس. ولقد فطن إلى ذلك نقاد العرب القدماء وخصصوا له أبواب في تصانيفهم. ومما تعمقوا في الفطنة إليه والتنبيه عليه إن الأخذ يكون في نوع الصياغة كما يكون في المعاني. من ذلك مثلا ما ذكروه عن أبي عبادة البحتري أنه سأل النوبختى عن بيت أي نواس
ولم أدر من هم غير ما شهدت به
بشرقى ساباط الديار البسابس
وهو آخر أيياته السينية الجميلة التى أولها :
ودار ندامي عطلوها وأدلجوا
بها أُر منهم جديد ودارس
اتدرى من اين اخذ ابونواس قوله ؟ قال النوبختى فقلت لا : قال من قول أبي خراش ولم أدر من ألأقى عليه رداءه
ولكنه قد سل عن ماجد محض
قلت له : والمعنى مختلف ؟ قال : أما ترى حذو الكلام واحداً؟ وابو خراش من شعراء هذيل والبيت من قطعة يذكر فيها أ[و خراش مقتل أخيه عروة ونجاة ابنه خراش ويمدح رجلاً القى على خراش رداءه ليجيره حتى نجا ، فلم يعرف هذا الرجل فهذا مراده من قوله : " ولم أدر من القى عليه رداءه " وفطن البحترى الى ان ابا نواس حذا كلامه على نهج كلام أبي خراش مع اختلاف المعنى والموضوع . وقد كان البحترى ناقدا ثاقب النظر ( راجع الذخيرة لابن بسام ، دار الكتب مصر 1939م القسم الاول المجلد ص 59-60).
ومن أمثلة حذو الكلام على الكلام مع شدة مراعاة الصياغة على تقارب المعاني قول المعرى يصف نار القرى :
حمراء ساطعة الذوائب فى الدجي
ترمى بكل شرارة كطراف
والطراف ضرب من بيوت البادية
حذ المعرى كلامه على الآية : " انها ترمي بشرر كالقصر" وقد نبه الى هذا الزمخشرى فى تفسير هذه الآية فى الكشاف.
ومن أمثلة الحذو برماعاة الصياغة مع تباعد المعاني قول المتنبي :
فيا شوق ما أبقى ويا لي من النوى
ويا دمع ما اجرى ويا قلب ما أصبى
وهو فى نسيب قصيدته ( فديناك من ربع وأن زردتنا كربا ) حذاه عل منهج ليلى الأخيلية فى رثائها توبة بن الحمير حيث قالت :
فيا توب للهيجا ويا توب للندى
ويا توب للمستنبح المتنور
أهتم أبو الطيب كما ترى بمحاكاة الايقاع . ( راجع التماسة عزاء بين الشعراء ص 122)
وانما استطردنا هذا الاستطراد للتنبيه على أن ألخذ لا يقع فى المعاني وحدها وأن التشابه والتوافق وتوارد الخواطر فى المعانى جائز ، أما الصياغات وأشكال الأداء فأمرها مختلف، ومتى وجدنا تشابها فيها وجب علينا أن نرجح أخذ المتأخر فى الزمان عن المتقدم وأن نجزم بذلك متى ما وجدنا ما يدل على الصلات والسائط التى يكون بها الأخذ ورب حدس كترجيح وترجيح كجزم. والله تعالى أعلم.
ونحن إذا ذكرنا لبيداً والأبيات الأوليات من معلقته نريد التبيه على حذو إليوت على شكل القصيدة العربية بوجه عام وعلى أول معلقة لبيد بوجه خاص وكذلك حذاء على نماذج من معلقة أمريء القيس- على أنه لا ينبغي أن ننسى غموض إلأيوت والتواءات أسلوبه ولا شيئيته ذات السطح المتعمق.
سياق معاني لبيد هكذا
(1) تعفية الديارThe Waste Land
(2) اندفان الرسوم ثم تعريتها حتى وضحت معالمهاThe Burial of the Dead
(3) هطول أمطار الربيع وما نشأ عنها من زيادة التعفيةApril is the cruelest month
جعلنا فى مقابلة سياق لبيد بعض عناوين اليوت وابتداءاته. سياق وتألأيف اليوت ينتهي بعد عنوانه ، ( الارض المقفرة ، الارض التى عفت ، عفت الديار) ( اى دفن الموتى وقد تقدم كلامنا عنه ) ، بذكره الربيع وأمطاره كالذى صنعه لبيد فى قوله :
رزقت مرابيع النجوم وصابها
ودق الرواعد جودها فرهامها
قال اليوت بعد العنوانين اللذين يشبهان طريقة بدء قدمائنا بعفاء الديار واندفانها ( انظر منظومته من السطر 1 الى 8 ص 27)
April is the cruelest month breeding
Lilacs out of the dead land , mixing
Memory and desire , stirring
Dull roots with spring rain.
Winter kept us warm, covering earth in forgeful snow, feeding A little life with dried tubers. Summer surprised us….
نلفت النظر أول شيء الى لزوم اليوت فى خمسة من اسطار هذه نظاما ذا شبه بالقافية العربية وهو الصيغة الصرفية ( انق)ing وقد جاء بسجعة تامة فى ( بريدنقbreeding القاف مقاربة للكاف كنطقها فى دارجتنا ودارجة كثير من البلاد العربية ) وfeeding (فيدنق) وكالتامة فى stirring (ستيرنق ) وفى covering (كفرنق) وترجمة كلام اليوت الذى مر كما يلى على وجه التقريب:
ابريل أقسى الشهور ، منبتا
زهرة ليلى من الأرض الميتة ، مازجاً
الذكرى بالشهوة ، مثيرا
الجذور الفاترة بمطر الربيع
كان الشتاء قد حفظنا في دفء ، مغطيا
الارض فى الجليد الناسى ، مطعما
حياة قليلة بانابيش جافة
فاجأنا الصيف...
قول اليوت : ابريل أٌسى الشهور الخ بعد تعفية الارض وبعد دفن الموتى يشبه قول لبيد :
رزقت مرابيع النجوم وصابها
ودق الرواعد جودها فرهامها
الجود بفتح الجيم وسكون الواو المطر الغزير والرهام بكسر الراء وهاء مفتوحة بعدها ألأف ثم ميم جمع رهمة بكسر الراء وسكون الهاء ، وميم مفتوحة بعدها علامة التأنيث التاء المتحركة وهي الأمطار الخفاف اللطيفة.
ترجمة هذا البيت كما ترجمه المستشرق الانجليزى السير وليم جونز :
The rainy constellations of spring have made their hills green and luxuriant
The drops from thunder clouds have drenched them with profuse as well as gentle showers.
مجمل معنى كلام لبيد ان امطار نجوم الربيع هطلت على هذا المكان المقفز فزادته توحيشا لتعفيتها كل أُر ولخلوه من الأحبة ولحلول النعام والبقر الوحشية وما أِبه فيه بعد عهدهم. هذه قساوة لا تخفى.
مع هذا علينا ان تذكر ان السير وليم جونز جاء فى ترجمته بكلمة showers ومعناها رش المطر وهموله فى قوله
Profuse , as well as gentle showers
ليدل بذلك على معنى المطر الغزير ( الجود ) والامطار الخفاف اللطاف( الرهام ) او كما قال لبيد : " ودق الرواعد جودها فرهامها"
قول وليم جونز هنا "showers ينبغى ان يوقف عنده لان هذه الكلمة كثيرا ما ترتبط فى الذهن بالقول الانجليزى المعروف الجارى مجرى المثل
March winds, April showers,Bring fourth May flowers.
اى رياح مارس وأمطار ابريل
تخرج بهن أزهار مايو
( لا يخفى أن مارس هو آذار وابريل نيسان ومايو آيار فمن شاء أن يضع ذلك مكان ما وضعناه فله أن يفعل)
وابريل بحبوبة اشهر الربيع فذكره يدل على عليه. واستشهدنا بترجمة وليم جونز لنشير الى انه لو صح ان اليوت اطلع عليها فانه يكون بنى قوله " ابريل اقسى الشهور" على كلمة showers الواردة فيها. وقد سبق التبيه منا على انه قوله : " ابريل أٌقسى الشهور" بعد عنوانيه الدالين على العفاء والاندفان شبيه فى سياق بسياق لبيد :
(1) عفت الديار محلها فمقامها.......
(2) ..... جلا السيول عن الطلول....
(3) رزقت مرابيع النجوم
ولا يقف الأمر عن هذا كما سيجيء من بعد ان شاء الله.
هنا نتساءل : هل أطلع اليوت حقاً على ترجمة السير وليم جونز للمعلقات ؟
أعمال مستشرق قدير
كان السير وليم جونز ( 1746-1794م) من قدماء الاستشراق وجهابذة تعلم فى هارو واكسفورد ( التى قصدها اليوت وتعلم بها ) واتقن اللغات الكلاسيكية ( اى اليونانية القديمة واللاتينية ) مع الفرنسية ولغات اوربية معاصرة اخرى ودرس العربية والفارسية وكتب ملخثا فى نحوها وبعد درسه القضاء واشتغاله بالقانون عين قاضيا بالمحكمة العليا بفورت وليم ( كلكتا) بالهند وتعمق فى درس السنسكريتية ) لغة الهند القديمة ) وكتب رسالة عن الشعر الشرقى باللغة الفرنسية Traite sur la poesie orientaie طبعت اول مرة بلندن سنة 1771 م واعيد طبعها واعاد كتابتها بلغته الانجليزية ايضا أشاد فيها بمكان الشعر العربي ونبه على موضع معلقة لبيد وامرىء القيس ، واستشهد فى ما استشهد بقول أبي تمام :
ان القوافي والمساعي لم تزل
مثل النظام إذا أصاب فريداً
هي جوهر نثر فان الفنه
بالنظم صار قلائداً وعقوداً
مترجما للبيتين من دون ذكر نصهما العربي . وله مختارات من أشعار العرب والفرس وأمم الشرق من ضمنه لأمية المعري :
أعن وخد القلاص كشفت حالا
ومن عند الظلام طلبت مالا
أوردها نموذجا لشعر المدح الذى استشهد على أهميته ببيتي ابى تمام المتقدمين. وكان أبو تمام من أوائل من عرفه المستشرقون وطبعت حماسته فى المانيا سنه 1748 وترجمت باللاتينية وقد تأثر جوتة الشاعر الألماني فى ترجمته للامية المنسوة الى تأبط شرأ
ان بالسغب الذى دون سلع
لقتيلاً دمه ما يطل
بترجمة فريتاغ اللاتينية فى ما زعمه المستشرق الانجليزى السير شارلس ليال. ( انظر ترجمته لها وتعليقه ص 50 من مختاراته المترجمه من الشعر العربي القديمTranslations Ancient Arabian Poetry تألأيف شارلس جيمس ليال الموظف ببنغال طبع لندن 1885م)
وترجمة السير شارلس ليال هذه ذكر هو نفسه أنه صنعها متأثرا بترجمة المانيا للحماسة.
ترجمة المعلقات السبع
وقد ترجم السير وليم جونز المعلقات السبع ترجمة حسنة ناصعة الأسلوب وجعل لكل معلقة مقدمة موجزة وافية تحدث فيها عن الوزن وما يقابله من أوزان الانجليزية وعن طريقة أٍلوب الشاعر ومعانيه وتشبيهاته ومجازه وعناصر الوحدة فى نظمه واردف ذلك بكتابة بالحرف اللاتينى بحسب النطق لكل معلقة مبالغة منه فى التقريب. وقد تأثر به وأقتدى ليال فى كتابه المشار اليه آنفا ونيكلسون فى ترجماته التي ضمنها تاريخه للأدب العربي. ولم يترجم ليال من المعلقات غير آخر لأمية امريء القيس وغير ميمة زهير وكأنه اكتفى فى هذا المجال بعمل السير وليم جونز لجودته. وترجمة السير وليم جونز للمعلقات فى 46 صفحة نشرت وطبعت بلندن سنه 1772م وسنة 1783م ومرات بعد ذلك وتوجد من ذلك نسخ فى مكتبة المتحف البريطاني رأيتها ومن قبل اعتمدت على نسخة صورت لى منها نسخة من رسالته عن الشعر الشرقي المشار اليها آنفاً ولا ريب فى وجود نسخ من مؤلفاته بأكسفورد وسوى ذلك من الخزانات الجياد وترجمة السير وليم جونز المستشرق فى الجزء الثالث عشر من الموسوعة البريطانية ومكان اسمه فى الفهارس عامر بماله من تصانيف ومن أهم تأليفه ترجمته للسكونتالة وهي من مسرحيات اللغة الهندية القديمة وترجع الموسوعة البريطانية ( ج13 ص 244 طبعة 1947 م) ان مؤلفها كالداسة Kalidasa من أدباء الهند القديمة عاش في المائة الميلادية الثالثة . وللسير وليم جونز كتاب في الموازنة بين تشريع الملكية الخاصة عند المسلمين وعند الهندوس وغير ذلك مما هو أدخل فى حدود فلسفة القانون وعلوم الاجتماع.
صلة اليوت بالاستشراق
اذا تذكرت أيها القارىء الكريم أن اليوت كان على جوينب من الاستشراق اذ قد درس لغة الهند القديمة سنتين بهارفارد وفلسفة الهند مدى سنة وهو يعد للدكتوراه ، ثم عدل عن ذلك لما وجد فيه من العسر وقد قال ان دراسته هذه ، معترفا بما أصاب فيها من مشقة ، تركته فى حيرة مستنيرةenlighted my stification ( راجع كتاب برغونزي ص 23) ومع ذلك كان يزعم انه كان يتذوق الشعر السنسكريتي وقد ترك فى نفسه أثراً عظيما. إذا تذكرت هذا وأضفت اليه صحبته لازرا باوند وتأثره به وكان هذا ذا ولع صادق فيه او كاذب بلغة الصين وآدابها. واذا أضفت ايضا ان اليوت اتصل بجامعة التصوريرين –imagists وكانوا يدعون الى محاكاة أشعار الشرق واساليب اغان العهد القديم العبرانية ، وزدت على هذا ان اليوت نفسه قد ذكر انه كان قرا فى صباه رباعيات الخيام المترجمة واعجب بها . ( أحسب ان اليوت ذكر ان ذلك كان منه فى زمان الصبا انفة منه ان ينسب الى الرومانتيكية وهو صاحب كلاسيكية فى زعمه وواقعية جادة ، ونذكر على سبيل الاستطراد فى هذا الصدد مقال برتراند رسل فى كتابه تاريخ الفلسفة الغربية طبعة 1974 ص 654 حيث قال عن الرومانتكيين الالمان انهم كانوا شبابا فى اوج شبابهم كان اجود تعبيرهم عن الروح الرومانتكيكى ، اما الذين لم يسعدهم الحظ منهم بالموت فى الشباب كما قال فقد طاحت فرديتهم اذ طغت عليها فغطتها الكثلكة بما تتطلبه من خضوع وتسليم. فهل كان تراجع اليوت من مذهب اسرته وابائه البيوريتاني- والبيوريتانية طرف من المذهب البروتستانتي- الى محافظة الكثلكة الانجليزية من دافع رومانتكي يا تري؟ ) – هذا واذا تذكرت مع ما تقدم ان اليوت أديب مثقف ناقد قارىء وذو دعوى فى ذلك طويلة عريضة ، ألا ترجح معي حينئذ الا يكون قد خفى عنه مكان السير وليم جونز المستشرق فى معرفته باللغات الشرقية والصينية والسنسكريتية وآدابها وفلسفة الهند القديمة مما زعم انه أُثر فيه وان يك قد وجد فيه عسرا وانصرف عن مواصلة درسه متحيرا مستنيرا كما زعم ،ولعل السكونتالة مع ترجمة وليم جونز كانت من مقرر الدرس، وقد كانت رسالته الفرنسية وأختها الانجليزية عن الشعر الشرقى معروفتين عند المستشرقيين وقد ذكرنا انه نبه على المعلقات وعلى امرىء القيس ولبيد وقد دافع عن شعر العرب وقطع بان الافرنج الاوائل انما اخذوا القوافى عن عرب الأندلس.
اضف الى هذا ان اليوت كان معجبا بالبريطانيين وامبراططوريتهم معتزا بذلك ، وقد ترك بلاده التى كانت تعد من بالد الرمز الى الحرية لثورتها على الاستعمار فى سنة 1781م ولاعلانها حقوق الانسان ، وتجنس بالجنسية البريطانية وببريطانية أقام والى كنيستها الانجلوكثوليكية انتمى.
الشيء بالشيء يذكر
ونذكر من باب الاستطراد ان اليوت كان شديد الاعجاب بالشاعر المعاصر لزمان شكسبير جون دون وكان غامض العبارة كثير الاشارة متلوى عقد الاسلوب واسع الاطلاع عالما بالكوميدية الآلهية لدانتى فى نصها الاصيل من اسرة متطرفة فى الكثلكة نشأ كاثوليكيا ثم تحول الى كنيسة انجلترا الانجلوكثوليكية واخلص فى خدمة الملك واتهمه بعض نقاده بانه كان فى نفسه منطويا على شعور بالخيانة لعقيدته وتراث اسرته فذلك جر عليه كثيرا مما اخذ به من عقد الاسلوب. وحمد النقاد لجون دون انه قارب برنة نغمة الشعرى رنات نبرات الكلام الذى يدور فى حديث الناس. هذا الشيء بالشيء يذكر، فتأمل.
ونعود الى ما كنا فيه فنقول لابد ان يكون اليوت قد اطلع على مؤلفات السير وليم جونز فى شعراء فارس والصين والهند وضروب تصانيفه فى هذا الباب الشرقى الفضى الذى كان فيه من اعمدة استاذية شارلس لامان وجيمز وورد استاذى السنسكريتية والفلسفة الهندية بهارفارد بلا ريب. وهل تظن ايها القارىء الكريم انه اذا دعا واجب الدرس اليوت الطالب المعد للدكتوارة ان يتخير ويستنير بشعر السنسكريتيه – وهو امر اقر بمعرفته وادعى تذوقه وسكونتالة جزء منه ومعرفة ترجمتها متممة لتذوقه- هل تظن انه اذا اطلع على ذلك وعلى ما ترجم من ادب الفرس وكان اليه مائلا ولوليم جونز فيه من العمل ما قد قدمنا ذكره مع اختياراته من شعراء الشرق ومن بينهم حافظ الشيرازى..... هل تظن انه اذا فعل ذلك سيتجاهل كتاب وليم جونز الخفيف اللطيف الوافى الذى ترجم فيه المعلقات ؟ هذا مع العلم بان السير وليم جونز قد نبه فى رسالتيه الفرنسية والانجليزية عن مكان شعر المعلقات الرفيع ؟
المستشرقون قبيلة فكرية
ان مكتبات الاقسام الشرقية فى جامعات اوربا كثيرا ما تكون فى موضع واحد ، وكثيرا ما تقع بين طلبة لغات الشرق الذين يختلفون اليها ضروب من التعارف وتبادل الآراء ويكونون اشبه بقبيلة فكرية واحدة ، فيشتاق من يقرا الهندية مثلا ان يقرا لمستشرق مشهور كتب فى آداب الفارسية او التركية او العربية مثلا او كتب فى باب من ابواب الادب المحض ذى الطابع الشرقى القوى كالسير شارلس دواتي فى كتابه الصحراء العربية ، ورديارد كبلنج فى قصته (كم) وغيرها واشعارها وكان اليوت به معجبا وقد عاصره ولعله لقيه وكان يقال له شاعر الامبراطوريه الكبير ووصفه اليوت بانه كان من كتاب التراتيل الدينية العظام فيما ذكره روبسون (ص 17) agreat human writer
وكان للمدرسة الهندية البريطانية فى المكتبة الشرقية مكان مرموق وقد قدمنا ذكر السير وليم جونز وكان فيها بمنزلة المؤسس وممن كان ينتمى اليها من كبار المستشرقين السير شارلس ليال صاحب ترجمة المختارات التى من ذكرها ومن بينها شىء من المعلقات ( زهير وامرى القيس ) وصاحب ترجمة المفضليات والشرح والتعليق الوافي ( اكسفورد 1918م) وراجع للمزيد فى هذا الصدد تاريخ كمبردج الصغير للادب الانجليزى الذى مر ذكره فى الفصل الذى جعله للادب الهندى الانجليزى من ص 734 الى ص 744. وقد نشر مكارتني على زمان اليوت ذى الرمة من قبل . وقد ترجمت المعلقات بالفرنسية وبانت سعاد وترجم بالالمانية شعر عربي كثير وكان اليوت بالفرنسية والالمانية وغيرها عالماً وقد درس بالمانيا كما درس بباريس.
اذا صح ما قدمناه من تعارف اسرة من يعرفون اللغات الشرقية وتقارب اسباب قبيلتهم فكيف يكون الامر اذا كان احد هؤلاء اديبا شاعرا طموحا موسوعيا ذا مقدرة ودهاء مثل اليوت واصاب ضالة ناردة فى موسوعى نارد مثل وليم جونز الذى لما وصل الى الهند كان مستشرقا ناضجا وزاد فيها نضجا وفتح الطريق لمن بعده؟
على ان الاستشراق فى زمان اليوت فى هذا القرن الميلادي العشرين الى قريب من اواسطه قد صارت تغلب عليه سمة التخصص مكان الموسوعية فاذا اخذ اليوت مثلا من الادب العربي وهو غير معروف بانه درس لغة العرب وآدابها ولكن معروف بان درسه انما كان للغة الهند القديمة، فمن سيفطن الى انه اخذ من الأدب العربي القديم ثم يتهمه بناء على ذلك بالسرقة من أدب العرب؟
بعيد جداً أن يتنبه احد الى السير وليم جونز صاحب ترجمة السكونتالة او الشاكونتالة Shakuntala ( تاريخ كمبردج 735) والمختارات من اشعار فارس والهند والصين هو ايضا قد كان طريقا سريا خفيا سلكه اليوت الى النظر او الاخذ او الاختلاس او السرقة من اسلوب المعلقات وشكل صياغتها ومعانيها وكتمان ذلك واخفائه كل الاخفاء وحذفه كل الحذف كما قد حذف كلمة ( العربيةArabian ) واشارته الى والتردي لامير . نعود بعد هذه الفذلكة الى ما كنا فيه من تتبع أسطار منظومة اليوت.
ليلاك أو ليلك
أول ما ذكره اليوت من شواهد قساوة ابريل لنباته زهرة ليلى وهي التي يقال لها في الانجليزية ( ليلاكlilac) ونقل برغونزي (ص5) ان الليلاك كان كثيرا فى سياجات هارفاد النباتية كانه يشرح بذلك وروده فى شعره. وذكر اليوت هذه الزهرة الشرقية الاسلامية المعدن فى سياقه الذي يقرنها فيه بالذكرى والجنس عجب : راجع قوله
…, breeding
lilacs out of the dead land, mixing
memory and desire,…
والترجمة : منبتاً
زهرة ليلى من الأرض الميتة ، مازجاً
الذكرى بالشهوة )
إذ قد كان أشبه بأساليب لغته وحضارته لو قد ذكر الورد وكان من ضروب نواوير اوربا وبريطانيا وامريكا- أم ليت شعري هل فر من رومانتيكية الورد وما بمجراه؟
في معجم اكسفورد في تخريج كلمة ( ليلاكLilac) ان اصلها من ( ليلك ) العربية ولا وجود لهذا اللفظ ( ليلاك او ليلك ) في العربية اسماً لهذه الزهرة ، واصل هذا التخريج من المستشرق ر. دوزى R.Dozy ( راجع المجلد الثاني ص 562 من معجمه طبعة باريس ولندن 1972 واسم المعجم يدل على أنه تكملة وملحق للمعاجم العربية :
Supplement aux Dictionairs Arabes.
ظن ذوزي ان النيلج بكسر النون هو الليلاكlilac مع انه كان يعلم ان النيلج هو النيلة الزرقاء. وذكر الفيروز ابادي (النيل) بلا تاء في آخرها في مادة ( وسم ) في تفسير لفظ الوسمة بفتح الواو وكسر السين او سكونها ميم مفتوحة فهاء التأنيث قال الفيروز أبادي : " ورق النيل أو نبات يخضب بورقه " واحسب ان الشك جاء الفيروز ابادي من ان لفظ العظلم الوارد في شعر عنترة يستخرج منه صبغ اسود او النيلة وقيل هو صبغ احمر عهدي به مد النهار كأنما
صبغ البنان ورأسة بالعظلم
وذكر الفيروز أبادي ( النيلج ) بكسر النون في مادة ( نلته) وذكر طريقة استخراج ( النيلج ) بمعني ( النيلة ) من العظلم. جاء هنا بالنيلة مقرونة بالتاء المتحركة علامة التانيث وفي شرحه لكلمة ( الوسمة ) ذكر النيل مثل اسم نهر النيل بلا تاء التأنيث. وكلمة ( النيلج) بكسر النون غير عربية الأصل ولكن معربة مثل فالوذج ولزينج وهلم جرا ومعنى النيلج كما تقدم النبات الذي تستخرج منه النيلة الزرقاء.
واضطرب شراح بيت عنترة واكتفي السير وليم جونز برسم لفظ العظلم نفسه بالحرف اللاتيني من دون ترجمة له ، هكذا (idhlim) والراجح عندي ان عنترة اراد الزرقة لا الحمرة يكني بذلك عن الموت وذهاب حمرة دم الحياة. وقد نقل عن الأزهرى أنه اختضب بالعظلم يسود به شعره فهذا يقوى ما ذكره الفيروز أبادي وعليه تفسير التبريزي في شرحه ان العظلم هو الوسمة ولم يزد على ذلك. عنى عنترة ان عهده به ، وقد قتله، وقد صار لون رأسه كله ، والوجه من الراس، ولن أصابعه أزرق هامد أبعد أن كان كل ذلك مشرقاً ناضراً بالحياة. ولا يخلو عنترة في قوله هذا من بعض التعريض الساخر المر، كأن يقال مثلاً: " صار المسكين أسود مثلي أنا العبد بعد أن كان حراً أبيض " : قال تعالى " {ونحشر المجرمين يومئذ زرقاً} ز والله تعالى اعلم.
ليس ( النيلج ) بكسر النون هو الليلاكlilac هو زهرة ليلى الفارسية وقد يقال له في عربية اليوم زهر البنفسج وليس كله بنفسجياً ولكن منه ذو اللون البنفسجي وذو اللون الأبيض. وفي معجم اكسفورد ومعجم وبستر أن الشبه المتوهم بين اللون الأرزق واللون البنفسجي هو مما جعل اسم " ليلاك lilac" يطلق على الزهرة المسماة باسمه اشتقاقا من كلمة ( النيلج الدالة على اللون الأزرق وهذا أصله من ذوزي وهو بعيد وليس بشيء. وفي معجم لاروس الفرنسي أن أصل " الليلاك " من بلاد الشرق الأوسط وأنه يزرع من أجل نواويره البيض والبنفسجيات وذكر لاروس أنه من أسرة olecees ( اولياسيه) التي منها الياسمين والزيتون.
ويظهر أن هذه الكلمة الفرنسيةolecees ( أولياسيه ) نفسها قد حرفت من الفارسية ( جل ياس) تنطقها كالجيم المصرية بين الكاف والقاف وتكتب بالكاف المعقودة ( كل ياس).
و( جل ياس) أصلها من ( جل ليلى) او ( كل ليلى) أي وردة ليلى أو زهرة ليلى ثم شبهوها بالياسمين فقالوا ( جل ياس) أو ( كل ياس). ونبئت أن ( جل) بالجيم التى كالكاف معناها بالفارسية الورد وهي أصل الجل بفتح الجيم وضمها الواردة في شعر الأعشى:
وشاهدنا الجل والياسمون
والمسمعات بقصايها
قال الفيروزبادى :- ( وبالضم وبفتح الياسمين والورد أبيضه وأحمره وأصفره) ومن ( جل ياس) أخذت كلمة oleacees الفرنسية ومنها أخذت الكلمة الدالة على هذا الزهر في الفرنسية الآن وهي : ليلا بكسر اللازم بعدها ياء فلام ألأف (lilas ) – راجع لاروس الكبير طبعه 1975م المجلد 4 ص 3053 والمجلدة ص 3760. وراجع أيضا المعجم الفارسي المتوسط لمحمد معين طبعة طهران 1975 ص 5243 في المجلد الرابع وقد أطلعت عليه واستعنت بمن يعرف الفارسية ومنه أفدت ما تقدم وذكر كلمة ( ليلك) وهي ذات مدلول مختلف في المجلد 3 في ص 3670. وقد ذكر لين Lane فى معجمه العربي الانجليزى أن الجل من أصل فارسي وأصاب ( طبعة بيروت المصورة 1980م 2ص 437 ) والعجب لبادجرBadger في معجمه العربي الانجليزى تصوير بيروت 1980م ص 576) إذ ترجم : ( ليلاكlilac) بـ ( لعلى ) وهى لفظ لا وجود له.
اتكاءة على صور لبيد
هذا وبعد أن انتهى إلأيوت من نعت قساوة ابريل منبتاً زهرة ليلى ، مازجاً الذكرى بالشهوة ، انتقل الى ذكر الصيف وذلك قوله :
Summer surprised us…
ومعناها : فاجأنا الصيف
تأمل شدة الشبه بين قول لبيد :
رزقت مرابيع النجوم ( البيت )
فعلا فروع الأيهقان ( البيت)
وبين قول إليوت جاء الربيع منبتاً زهرة ليلى إلخ... تأمل الشبه في السياق والصياغة بين قول لبيد ( فعلا فروع الأيهقان بعد ذكره مطر الربيع وبين قول إليوت منبتاً زهرة ليلى ( الليلاك ) بعد نعته مطر الربيع الذي ابريل رمز له.. منبتاً زهرة ليلى.. أي فعلت أغصان ( الليلاك) كما علت فروع أيهقان لبيد. الأيهقان عربي و " الليلك " فارسي. محاكاة نهج لبيد الذي أطلع عليه في ترجمة وليم جونز لا تخفي.
فعلا فروع الأيهقان وأطفلت
بالجلهتين ظباؤها ونعامها
جاءت الظباء والنعام فى مكان الحبيبة
والظبية تشبه بها الحبيبة. ههنا مجال للذكريات واتصال معنى ولادة الظباء اطفالها وافراخ النعام بالشهوة غير خاف، ومن هنا أخذ إلأيوت مزحه الذكرى بالشهوة. ثم انتقل من بعد الى ذكر الصيف وذلك قوله :Summer surprised us…….
أي فاجأنا الصيف
ثم انتقل بعد مفاجأة الصيف له الى ذكر ( محبوبة ) التجأ معها من مفاجأة مطر الصيف إلى بناء ذي صف من أعمدة ثم خرجا الى ضوء الشمس ثم الى الحديقة.
ولبيد بن ربيعة العامرى صاحب المعلقة يخرج من نعت القفر الى مرابيع النجوم او كما قال السير وليم جونز في ترجمته …profuse, as well as gentle showers
ثم يخرج من ذلك الى انبات الأيهقان، وهو من نبات البادية قيل هو الجرجير البري، الذى علت فروعه ، ثم الى الوحش الذي خلف الأحباب على الديار وجعل بحيوية الربيع يطفل ويفرخ. ثم يتذكر لبيد الحبيبة ويقسو عليها وعلى نفسه حين يعتلج في صدره أمر انصرام عهودها وتبدد زمان وصلها :
بل ما تذكر من نوار وقد نأت
وتقطعت أسبابها ورمامها
يقول السير وليم جونز فى مقدمته لقصيدة لبيد إن أبياتها الخمسة عشر الأولى من روائع التصوير، يعذل الشاعر في آخرها نفسه على هواه الضائع سدى عند امرأة لا تستجيب ، فيدعوه ذلك الى أن يفر من الهوى الى الراحلة ، ثم يعود الى ذكر محبوبته نوار بعد نعت الرحلة برجوع فيه نوع من قلة الاهتمام بدلاً لها. هذا ملخص كلام السير وليم جونز فى مقدمته. ا. هـ
ليت شعرى هل مجرد توافق خواطر شبه :
1- قول اليوت في عنوانه The Waste Land يقول لبيد ( عفت الديار إلخ).
2- وقول اليوت في عنوانه The Burial of the Dead بطريقة الشعراء العرب ومنهم لبيد بان الديار تندفن وتكشف آثارها الرياح والسيول ( عرى رسمها ) و( جلا السيول عن الطلول).
3- وذكر اليوت امطار ابريل وقساوته وشبه ذلك بقول لبيد ( رزقت مرابيع النجوم الخ).
4- وقول اليوت بإنبات زهور ليلى Lilacs وخلط الذكريات بالشهوات وشبه ذلك كما قدمنا بقول لبيد : " فعلا فروع الأيهقان إلخ".
5- وانصراف اليوت عن مطر الربيع الى مطر الصيف حيث قال : "فاجأنا الصيف"- هل هذا أيضاً مجرد توافق خواطر؟
6- وتذكر إليوت للحبيبة بعد أن ساقاها القهوة وتقطعت أسبابها ورمامها.. راجع الأسطر 8-9-10-11+12).. هل هذا أيضاً مجرد توافق خواطر؟
وقد ركب لبيد ناقته بعد تصرم أسباب نوار وشبهها بحمار وحشى وذكر الصيف وحره... .... وتهيجت ريح المصايف سمومها وسهامها اى اعاصيرها وسمائمها.
7- ام هل مجرد توافق خواطر قول اليوت في س 23 ص 27ز
And the dead tree gives no shelter أي : والشجرة الميتة لا تعطي مأوى.
مع شدة شبهه بقول لبيد في وصفه للبقر الوحشية التي أصابت السباع ولدها. وأحاطت بها المخاوف بعد ترددها تبحث عنه وتناديه بنوح وبغام ، ولفتها بين الرمال ليلة ذات برق ومطر وأهوال :
تجتاف أصلاً قالصاً متنبذاً
بعجوب أنقاء يميل هيامها
أي تلتمس بقرنيها جوف أًل شجرة قديم في قعر كثبان من الرمل منهالة ، وترجمة وليم جونز :She shelters herself under the root of a tree
8- أم ليت شعري- بعد الذي لم نشك فيه من كتمان اليوت مصادر أخذه من العربية – هل مجرد توافق خواطر ذكر إلأيوت لمفاجأة الصيف :Summer surprised us… وإن الشتاء أدافنا...Winter Kept us warm يمدح بذلك الشتاء ؟
ربيع أبي تمام
هل أطلع إليوت على ترجمة ما لبعض شعر أبي تمام ، فقد عاش في زمان كان فيه الاستشراق العربي بين أكسفورد وكمبردج ولندن وباريس وألمانيا ضارباً بجران وكان لأبي تمام صاحب الحماسة في ذلك مكان مرموق- قال عنه ليال في مقدمة اختياراته :
….and was himself a distinguished poet
أي وكان هو نفسه شاعراً ممتازاً.
هل أطلع إليوت على ترجمة لقصيدة أبي تمام في وصف الربيع التي أولها :
رقت وجوه الدهر فهي تمرمر
وغدا الثرى في حليه يتكسر؟
وفيها قوله :
جاءت مقدمة المصيف حميدة
( أو فاجأنا الصيفsummer surprise us)
ويد الشتاء جديدة لا تنكر
Winter kept us warm
شكرا للشتاء...
لولا الذي صاغ الشتاء بكفه
قاسي المصيف هشائما لا تثمر
شكراً للشتاء- ولأبي تمام الذي مدح الشتاء خلافاً للشعراء الذين كانوا يذمونه كقول الآخر :
إذا غبر آفاق السماء... الخ
تأثر إليوت بالمعلقات
لقد أفاد إليوت من الشعر العربي إما من قراءة تراجم له وإما من مشافهة معاصرين له عارفين به.
وقد أفاد من إطلاعه على ترجمة السير وليم جونز لمعلقة لبيد وحدها ولكن لسائر المعلقات ، خذ مثلاً الأسطر 19-24 من ص 27 وهي أولي صفحات المنظومة في الطبعة التي رجعنا إليها :
What are the roots that clutch.
What branches grow
Out of this stony rabbish?
Son of man,
You cannot say, or guess.
For you know only
A heap of broken images,
Where the sun beats,
And the dead tree gives no
Shelter, the cricket no relief,
And the dry stone no sound of water…
الترجمة على وجه التقريب :
ما الجذور التي تمسك ؟ ما الأغضان التي تنمو
من هذه القمامة الحجرية ؟ يا بن آدم
إنك لا تستطيع أن تقول بيقين أو ظن لأنك انما تعلم
كومة منظلال متكسرة ، حيث الشمس تصك
وحيث الشجرة الميتة لا تعطي مأوى ، ولا الصرصور احة
ولا الحجر اليابس صوت ماء....
اشارة قرآنية
أحالنا إلأيوت على سفر حزقيل أول الاصحاح الثاني بالنسبة الى سطره ( الثاني أعلاه ) 20 ليؤكد أن مراده من قوله : Son of man ( أى يا ابن آدم أو يأيها الإنسان ) هو معناها الذي في العهد القديم لا معني " ابن الانسان " الذي عند النصاري . ولا شيء يمنع ملابسة هذا المعني المسيحي لك
العنوان: الفتنة باليوت بين شعراء العرب- محاضرة لبروفيسور عبد الله الطيب
التاريخ: اكتوبر 1976م
الفتنة باليوت والأرض المقفرة
محاضرة لبروفسير عبد الله الطيب- بالدوحة
الفتنة باليوت بين ادباء العرب المعاصرين كبيرة جدا . وينسب اليه تفوق وابداع وابتكار . ومما ينسب اليه فى باب الابتكار مذهبه فى الاشارات والاقتباس. وهذا المذهب قديم فى اللغة الانجليزية واقدم فى اللغة العربية أفتن فيه من الجاهليين ، على سبيل المثال زهير ونابغة بني ذبيان ، ودع الفرزدق وجريرا وذا الرمة وابا نواس وشيخ المذهب فى المحدثين ابا تمام ونلاميذه من لدن ابي العلاء الى الحريرى . ومن جون ملتون الشاعر الانجليزى الكبير المشهور ، استفاد هو طريقة مذهبه فى الاشارات والاقتباس فتأمل هذه الألتواءة ، وكإنما كان اسلوب امثالها له ديدنا وطبيعة والله تعالى أعلم بشرائر غيابات النفوس.
ويدعو الداعون الى الاقتداء باسلوب إليوت والتمذهب بمذهبه ويبغون بذلك النهوض بالشعر العربي الحديث وبث روح جديد فيه او هكذا يقولون. وفى هذه القضية نظر. هذا أقل ما يقال. ولو قلنا انها قضية دعوى من الضلال البعيد والانحراف السمح ما غلونا. واليك بعض البيان.
الاضراب عن ذكر العرب
أولاً : لفت نظرى أن تعليقات اليوت التى جعلها فى ذيل منظومته المسماة " الارض المقفرة " خالية من الاشارة الى العرب وما يمت الى العرب وما العرب يمتون اليه " القرآن مثلاً والاسلام" مع ان هذه التعليقات ذات حظ وافر من الحرص على اظهار المعرفة العريضة والاطلاع الواسع وبعض الغلو فى ذلك حتى انها لتوشك ان تشمل اكثر امم الارض ولغتها وآدابها الحاضرة والغابرة.
ثانياً : لفت نظرى ان اليوت قد ضمن منظومته " الارض المقفرة " راجع طبعة لندن فى السنوات 1972 و 1973 و1975م فى الاسطر 100-103 ص 30 اشارة الى شى من شعر وليم وردزورث الرومانتكي الانجليزى الكبير وفى السطر 263-265 من ص 37 اشارة الى شىء من شعر والتردي لامير من شعراء صدر هذا القرن الشديدى التأُر بالرومانتيكة . ولم يذكر فى تعليقاته شيئا يدل على هاتين الاشارتين. وقد يبدو لاول وهلة ان سبب هذا السكوت هو شهرة الشعر المشار اليه. ولكننا نجد ان اليوت يشير الى بيت مشهور تكرر فى منظومته من شعر سبنسر ( راجع 23 و 34 ص 176 و183) وآخر مشهور جدا من شعر أندرومارفل ( راجع ص 34 س196) واشياء معروفة من التوراة والانجيل وغير ذلك. اذن ينبغى ان نبحث عن سبب آخر لسكون اليوت عن البيان غير شهرة ما اشار اليه على نحو ماهو معروف من مذهبه.
ثالثاً: لفت نظرى ان ذكر العرب الذى قد اضرب عنه اليوت كل الاضراب له ورود واضح فى اصل الاشارتين اللتين تضمنت معانيهما والفاظهما الاسطار التى اشرنا اليها من قبل فى منظومته- الاشارة الوردزوثية ، نسبة الى وليم وردزورث ، فى الاسطر 100-103 ، والاشارة الديلميرية ، نسبة الى والتردى لامير ، فى الاسطر 263-265 (أ) الاشارة التى وردت من اليوت فى س 100-103 من ص 30 الى شيء من شعر وليم وردزورث هى قوله
…Yet there the nightingale filled all the desert with inviolable voice and still she cried, and still the world pursues jug jug, to dirty ears-
ترجمة تقريبية :
ولكن هناك البلبل
التى لا تنال لتوحدها وبداوتها الى الصوت نفسه فزعم له عذرية سرمدية لا يستطاع نيلها بغصب وطمث ، لا يطمثها احد لا انس ولا جان كحور الجنة . وازعم ان اليوت لا يخلو ان يكون نظر فى قوله الى المعنى القرآني – قال تعالى فى سورة الرحمن فى وصف الحور العين : { لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان} ، وذلك ان ترجمات القرآن فى اللغة الانجليزية وغيرها من لغات أوربا كثيرة والاطلاع عليها واسع.
هذا واليوت فى السطر 99 من منظومته يذكر تغيير صورة فيلوميل فى نوع من تكلف واقحام :
The change of Philomel
وهو يريد بذلك ان يوقع فى وهمنا انه يشير الى خبر فيلوميا الاسطورى وخلاصته ( وقد اشار اليه فى التعليقات ص 46 ) ان ملكا تزوج اخت فيلوميلا ( او فيلوميل) ثم شغف بها هى حباً وغصبها نفسها ثم قطع لسانها لكى لا تكلم احدا بذلك فاحتالت على بث خبرها بتطريز طرزته... وتنتهى الاسطورة بمسخ الغاصب والمرأتين طيراً ، وصيرورة فيلوميلا ( فيلوميل ) بلبلا لتتغنى كالتعويض لها عن لسانها الذى قطع . وما اشبه كلمة بلبل بفيلوميل لسهولة تحول الفا والميم باء ويجوز ان اصل اللفظين واحد قديم موغل فى القدم. وهل لذلك صلة ببابل وهى من امهات الحضارة؟ ومن خطأ اليونان او غيرهم فى هذه الاسطورة نسبة الغناء الى أنثى البلبل لان الصادح فى الحقيقة هو الذكر.
والدليل القاطع على ان اصل معنى اليوت اخذه من حاصدة وردزورث المتوحدة محاكاته الواضحة لصياغة وردزورث.. استبدل اليوت قول وردزورث " الرمال العربية ، بقوله هو " كل الصحراء " وما قوله كل الصحراء الا كما لو قال رمال العرب او الرمال العربية او الصحراء العربية . واستبدل اليوت قول وردزورث " لجماعات مضناة بقوله هو " للآذان او الى الآذان القذرة وشبه الصياغة ودليل الاخذ فى النص الانجليزى واضح جدا. ولاحظ مع هذا ان اليوت حذف اللفظ الدال على العرب حين استبدل قول وردزورث " بين الرمال العربية " بقوله هو " كل الصحراء"
وردزوث :Among Arabian Sands
اليوت :Filled all the desert
وقوله اليوت :....Jug jug to dirty ears
اى زقزقة صفير البلبل الى الآذان القذرة
ملأ كل الصحراء بصوت لا يطمث ولا يغتصب
واستمر يصيح وتستمر الدنيا تطارد
زقزقة صفيره الى الآذان القذرة
هذا والذى اشار اليه اليوت من شعر وليم وردزورث هو قول هذا فى منظومته
The Solitary Reaper
اى الحاصدة المتوحدة :
O listen for the vale profound
Is overflowing with the sound
No Nightingal did everchant
More welcome notes to weary bands
Of travelers in some shady haunt
Among Arabian Sands
وضعنا خطا تحت الكلمة الدالة على العرب من نظم وردزورث لمجدر التنبيه على موضوعها وترجمة هذا النظم التقريبية كما يلى :
أل فاسمع فان الوادى العميق
يفيض مفعماً بالصوت
وما غنى أبداً بلبل
نغمات أطيب لجماعات مضناة
من المسافرين فى ظل مكان ما
بين الرمال العربية
أخذ اليوت معنى فيض الوادى وافعامة بالصوت من قول وليم وردزورث حيث قال ( راجع السطر الثانى من كلامه الذى مر ) :
Overflowing with the sound
اى : يفيض مفعما بالصوت
فجاء بقوله فى السطر 100 :
Filled all the desert
أي ملأ كل الصحراء كما مر بك فى الترجمة ، وتتمة السطر فى نعت البلبل بان صوته الذى ملأ الصحراء لا يستطيع احد له اغتصابا وطمثا inviolable واصل هذا المعنى ماخوذ من حاصدة وردزورث المتوحدة. شبه اليوت صوت بلبله بالعذراء الحاصدة المتوحدة التى افعم صوتها الوادى العميق وفضله وردزورث على صوت كل بلبل، ونقل عذرية الحاصدة انما جاء فيه بحكاية الصوت " زق زق" ليوهم بانه يشير الى شكسبير ومعاصرية لكثرة ورود هذه الحكاية فى اشعارهم ويصرف الاذهان عن محاكاته لوردزورث كما بينا من قبل.
ولا يخفى ان ثم رابطة قوية بين طي اليوت لذكر العرب وطيه لذكر وردزورث وان هذا الامر قد كان منه عن عمد لا مجدر مصادفة واتفاق
(ب) : الاشارة الديلميرية نسبة الى والتر دي لامير.
قال اليوت فى منظومته السطر 263-265 ص 30 :
Where fishmen lounge at noon, where the walls magnus martr hold
Inexplicable splendours of lonian and gold.
الترجمة التقريبية :
حيث يستريح صائدو الحوت فى نصف النهار حيث جدران (كنيسة ) ماغنس الشهيد تحوى ما يعجز الشرح من روعة الأبيض اليوناني والذهبي.
الكلمة inexplicable فى هذا النص ومعناها ما يعجز الشرح والتفسير تشبه فى روح الفكرة والصناعة كلمته التى تقدمت فى اخذه من وردزورث وهى inviolable اى لا يتطاع اغتصابه. وفكرة الابيض اليونانى والذهبي فيها مشابه من فكرة اقحامه " فيلوميل" من قبل من حيث الايهام بالرجوع الى الاصول القديمة الكلاسيكية وصرف النظر عن موضع الاخذ القريب. وكذلك ذكر كنيسة ماغنس الشهيد وتعليقه بذكر المعمارى رنWren فى ص 48 وهو السير كرستوفر رن يشبه اقحامه " زق زق" ليصرف النظر عن اخذه عن دي لامير ويوهم باشارة بدل ذلك الى هذا المعمارى وعصره الرفيع فى تاريخ الحضارة والفن والأدب.
عنى اليوت بالابيض اليونانى والذهب من قوله المتقدم نقوش الفسيفساء التى فى سقف الكنيسة من الداخل واصلها يونانى . وقول اليوت :Magnus martyr اى ماغنس الشهيد عنى به كنيسة القديس ماغنس وذلك اسم كنيسة مما صممه المعمارى المهندس السير كرستوفررن ، ومعنى مارت التى اقحمها اليوت هو الشهيد ، وصف وصف به القديس ماغنس المسماة باسمه الكنيسة ،( راجع A History of Architecture اى تاريخ العمارة ) لمؤلفه السير بانستر فلتشر طبع مدينة لندن سنة 1948 م ص 811-815)
السير كريستوفررن (1631-1723م) من كبار رجال الفكر والعلم والهندسة والعمارة في بريطانيا في القرن السابع عشر الميلادي، وثيق الصلة بملكهاشارلس الثاني، أعاد تصميم عدد كبير من كنائس مدينة لندن بعد حريقها الكبير في سنة 1666م ومما أعاد تصميمه كاتدرائية القديس بولس المعروف ونقوش سقفها الداخلية البيض المذهبات تعد من الروائع وقد حاكى بها كريستوفر رن فن النهضة في سائر ما صممه ولا يستبعد إن يكون اليوت ضمن قوله ( ماغنس مار تر) على شرحه المتكلف له في ص 48 في التعليقات، معنى كاتدرائية القديس بولس تشبيها لها بكنيسة القديس بطرس في روما إذ لا يخفى إن بطرس الحواري هو شهيد المسيحية العظيم ( ماغنس مار تر) وهذا معنى جانبي تجيء ظلاله من طريق تداعى المعاني والأول مع الشرح هو الظاهر ولكني أحسب إن هذا هو المقصود وهو الأصل.
أضرب اليوت عن ذكر دي لامير وأخفاه
وقول والتر دي لامير الذي أشار إليه هو أول كلمته Arabia أي الجزيرة العربية، هذا هو العنوان ( انظر ص 155 من مختارات الشعر الانجليزى المسماةSelection from modern Poets لصانعها ج. س. سكوير J.C.Squire طبع لندن – مارتن سكر سنه 1921) قال والتر دي لامير في أول منظومته:
Far are the shades of Arabia
Where the princes ride at noon
هذان أول سطرين وقد نظر إلى هذين السطرين والى ما بعدهما اليوت نظرا شديدا في الإطار التي ذكر فيها فيلوميل والتي قبلها ( راجع من أول الفصل الذي عنوانه لعبة الشطرنج حيث يبدأ بشيء كمحاكاة وصف شكسبير لسفينة كيلوباترة في السطر 99) وليس هنا موضع تفصيل ذلك.
وترجمة سطري دي لامير على وجه التقريب:
هيهات ظلال جزيرة العرب
حيث يركب الأمراء في نصف النهار
استبدل اليوت عبارة دي لامير the shades of Arabia ( ظلال جزيرة العرب) بعبارته هو the walls /of Magnus martyr ( جدران كنيسة ماغنس الشهيد)
حذف اليوت اللفظ الدال عل العرب وهو جزيرة العرب واستبدله بكنيسة ماغنس الشهيد وجعل الجدران في مكان الظلال التي في عبارة والتردي لامير... ولا يخفى أن الجدران وثيقة الصلة بالظلال. والفرار عن جزيرة العرب إن يك بعضة صادرا عن تعصب ديني أو عنصري أو عقابيل شعور صليبي مما يدعو إلى التماس ملجأ عن الكنيسة إذ لا يخفى إن ظلال جزيرة العرب لا تخلو من معنى ظلال سيوف محمد وصلاح الدين والإسلام والجهاد.
وقد كان والتر دي لامير ( 1873-1956م ) معاصرا لاليوت ، أسن منه شيئاً.. وقد وصفه تاريخ كمبريدج الصغير لآداب اللغة الإنجليزية بالأصالة والملكة ذات الطبع الجذاب – (انظر ص 847-848 من كتابThe Concise Cambridge History of English Literature دي لامير : Where the prince ride art noon لمؤلفة جورج سامبسون طبعة 1975 م ، وقد كان ذا روح رومانتيكى . وطوى اليوت ذكره طيا مع إن شاهد محاكاته له واضح في الصياغة والتركيب كما طوى ذكر العرب والجزيرة العربية.
واستبدل اليوت لفظ الأمراء The Princesالوارد في بيت دي لامير بقولهthe fish men اى صائدو الحوت وقول دي لامير ride (يركب) بقولهLounge واحتفظ بلفظ نصف النهارat noon وهو وحده كاف في النميمة بالمحاكاة.. وكرر اليوت لفظwhere ( حيث) الوارد في بيت ( حيث يركب الأمراء في نصف النهار)
يترنم به كما ترى
لا يخفى إن ثم رابطة قوية بين طي اليوت لذكر دي لامير وجزيرته العربية كما بين طيه لذكر وردزورث ورماله العربية.
بعض هذا مرجعه كما قدمنا منذ حين إلى الشعور الصليبي الموروث والتعصب الديني والتعصب العنصري، وبعضه مرده إلى الزهو والغرور والاعتداد بالانتماء إلى حضارة اليونان والرومان وأوربا والسوريون وهارفارد وأكسفورد والاستنكاف عن إن ينسب إلى الرومانتيكية لا دعائه الانتساب إلى الكلاسيكية مع انه غارق إلى أذنيه في الرومانتيكية مدين لشاعرها وردزورث السابق له في الأوان ولشارعها والتردي لامير المعاصر له في الزمان، وبعضه مرده إلى شخصيته وبيئته كنشأته في أمريكيا وتحوله إلى الجنسية البريطانية وتقلب أهوائه في السياسة والدين، وأكثره مرده إلى طموح جامح طلب بملكه محدودة المدى إن يساوى ملتون وشكسبير ويحل كمثل محلها في عصره، معتمدا في ذلك على الكد والمكر والدهاء كالذي رأيت من كتمانه محاكاته لوردزورث ودي لامير وتغطية ذلك بضباب من الكلاسيكية والتعليقات الأكاديمية. وككتمانه أمر دينه لهما وإضرابه عن ذكرهما في النص والتعليقات. كذلك كتم أمر دينه للعربية وأَرب عن ذكره والإشارة إليه كل الإضراب.
صورة اليوت
وجدت في كتاب برنارد برغونزي عن ت. س. اليوت في طبعته البريطانية الثانية سنة 1972 ص 143، راجع الكتاب واسمه بالإنجليزيةT.S.Eliot by Bernard Begonzi أشطارا هجاه بها أحد نقاده ونصها كما يلي:
How UN pleasant to meet Mr. Eliot!
With his features of clerical cut,
And his brow so grim
And his mouth so prim
And his conversation, son nicely
Restricted to what precisely
And If and Perhaps and but.
وترجمتها على وجه التقريب:
ما أسمج لقاء المستر اليوت
بسمت تقاطيعه الاكيروسى
وبحاجبيه جد الكالح
وبفمه جد المتنطس
وبمحادثته الحريصة على أن
تتقيد بأمثال ماذا تقول على وجه التحديد
وأمثال إذا كان ويجوز ولكن.
ومع مافى هذه الأشطار من سخرية ومرارة فإن الصورة التي تطالع القارىء منها غير بعيدة الصفة والملامح جدا مما يطالع قارىء شعر اليوت من أُناء أسطاره وتعليقاته قبل إن يطلع عليها. وفي الذي قدمنا ما عسى أن يشهد بصحة ما نقوله في هذا الصدد.
الأرض التي أقفرت
قال الشاعر الجاهلي أحد أصحاب المعلقات، لبيد بن ربيعة ألعامري:
عفت الديار محلها ومقامها
بمنى تأبد غولها ورجامها
وضعنا خطاً تحت ( عفت الديار) إذ لفتنا قوة الشبه بين هذا التعبير وبين عنوان اليوت لمنظومته The Waste Land أي الأرض التي جعلت عافية فأقوت وأقفرت وعفت وعفتها... وغير ألأيام والليالي..
كما قال ذو الرمة.
في قاموس الدكتور صمويل جونسون أن معنى Waste الصفة المشنقة من الفعل أولاً يدل على تعفية المكان وجعله قفراً وثانياً يدل على الخلو مثل خلو الصحراء والبرية التي لا ديار فيها. وكلا المعنيين متضمن في عنوان اليوت اى الأرض التي أقفرت أو الأرض المقفرة أو قل عفت الديار.
ولاليوت بعد هذا العنوان عنوان ثان لفصله الأول هو :
The Burial of the Dead
أي: دفن الموتي.
هذا أيضا لفت نظري على بُعد في ذلك
شعراء العرب تبدأ في باب الإطلال بذكر تعفية الديار ثم تذكر إن الرياح دفنتها بما أهالته عليها من غبار ثم جاءت رياح أخرى فأزالت هذا الغبار فبدت معالم الدار ظاهرة فيعرفها الشاعر بعد تأمل، قال امرؤ القيس:
فتوضح فالمقرة لم يعف رسمها
لما نسجتها من جنوب وشمال
وقال ذو الرمة وبائيته مما ترجمه الإفرنج ونشروه وحققوه
من دمنة كشفت عنها الصبا سفعاً
كما تنشر بعد الطية الكتب
وقال لبيد بعد قوله: ( عفت الديار) الذي معناه كمعنى عنوان اليوت
The Waste Land
فمدافع الريان عرى رسمها
خلقاً كما ضمن الوحي سلامها
أي كانت مدفونة فعرتها الرياح وعرتها السيول فأظهرتها، وذلك قولة:
وجلا السيول عن الطلول كأنها
زبر تجد متونها أقلامها
وبعد تعفية الديار ودفن الرياح لها ثم كشفها لها من بعد وتعريتها لرسومها حتى بدت كالنقش القديم على حجارة آثار الأمم الماضية، بعد هذا يقول لبيد
رزقت مرابيع النجوم وصابها
ودق الرواعد جودها فرهامها
فعلاً فروع الأبهقان وأطفلت
بالجلهتين ظباؤها ونعامها
والعين ساكنة على لطلائها
عوذا تأجل بالفضاء بهامها
وجلا السيول عن الطلول كأنها
زبر تجد متونها أقلامها
وموضع استشهادنا هو البيت الأول الدال على إن مدافع الريان التي دفنتها الرياح، وهذا المعنى متضمن معروف، قد عريت فبدت ملسا عليها الآثار كالنقوش، إما عرتها رياح معاكسة للتي دفنتها وإما عرتها السيول.
ورب قائل إن المعاني مشتركة والعواطف الإنسانية التي بلابس المعاني متقاربة، وخواطر البشر كثيراً، ما تتفق، ولذلك قديما ما قيل، وقد يقع الخاطر على الخاطر كما يقع الحافر على الحافر، ويرد على مثل هذا القائل بأن الصياغات والأشكال البيانية والرنات المعبرة المؤثرة هي التي يتفوق بها الشعراء والكتاب والخطباء ويتميزون عن غيرهم، وهي التي يقع فيها التقليد والأخذ والتوليد والنظر والإغارة والاختلاس. ولقد فطن إلى ذلك نقاد العرب القدماء وخصصوا له أبواب في تصانيفهم. ومما تعمقوا في الفطنة إليه والتنبيه عليه إن الأخذ يكون في نوع الصياغة كما يكون في المعاني. من ذلك مثلا ما ذكروه عن أبي عبادة البحتري أنه سأل النوبختى عن بيت أي نواس
ولم أدر من هم غير ما شهدت به
بشرقى ساباط الديار البسابس
وهو آخر أيياته السينية الجميلة التى أولها :
ودار ندامي عطلوها وأدلجوا
بها أُر منهم جديد ودارس
اتدرى من اين اخذ ابونواس قوله ؟ قال النوبختى فقلت لا : قال من قول أبي خراش ولم أدر من ألأقى عليه رداءه
ولكنه قد سل عن ماجد محض
قلت له : والمعنى مختلف ؟ قال : أما ترى حذو الكلام واحداً؟ وابو خراش من شعراء هذيل والبيت من قطعة يذكر فيها أ[و خراش مقتل أخيه عروة ونجاة ابنه خراش ويمدح رجلاً القى على خراش رداءه ليجيره حتى نجا ، فلم يعرف هذا الرجل فهذا مراده من قوله : " ولم أدر من القى عليه رداءه " وفطن البحترى الى ان ابا نواس حذا كلامه على نهج كلام أبي خراش مع اختلاف المعنى والموضوع . وقد كان البحترى ناقدا ثاقب النظر ( راجع الذخيرة لابن بسام ، دار الكتب مصر 1939م القسم الاول المجلد ص 59-60).
ومن أمثلة حذو الكلام على الكلام مع شدة مراعاة الصياغة على تقارب المعاني قول المعرى يصف نار القرى :
حمراء ساطعة الذوائب فى الدجي
ترمى بكل شرارة كطراف
والطراف ضرب من بيوت البادية
حذ المعرى كلامه على الآية : " انها ترمي بشرر كالقصر" وقد نبه الى هذا الزمخشرى فى تفسير هذه الآية فى الكشاف.
ومن أمثلة الحذو برماعاة الصياغة مع تباعد المعاني قول المتنبي :
فيا شوق ما أبقى ويا لي من النوى
ويا دمع ما اجرى ويا قلب ما أصبى
وهو فى نسيب قصيدته ( فديناك من ربع وأن زردتنا كربا ) حذاه عل منهج ليلى الأخيلية فى رثائها توبة بن الحمير حيث قالت :
فيا توب للهيجا ويا توب للندى
ويا توب للمستنبح المتنور
أهتم أبو الطيب كما ترى بمحاكاة الايقاع . ( راجع التماسة عزاء بين الشعراء ص 122)
وانما استطردنا هذا الاستطراد للتنبيه على أن ألخذ لا يقع فى المعاني وحدها وأن التشابه والتوافق وتوارد الخواطر فى المعانى جائز ، أما الصياغات وأشكال الأداء فأمرها مختلف، ومتى وجدنا تشابها فيها وجب علينا أن نرجح أخذ المتأخر فى الزمان عن المتقدم وأن نجزم بذلك متى ما وجدنا ما يدل على الصلات والسائط التى يكون بها الأخذ ورب حدس كترجيح وترجيح كجزم. والله تعالى أعلم.
ونحن إذا ذكرنا لبيداً والأبيات الأوليات من معلقته نريد التبيه على حذو إليوت على شكل القصيدة العربية بوجه عام وعلى أول معلقة لبيد بوجه خاص وكذلك حذاء على نماذج من معلقة أمريء القيس- على أنه لا ينبغي أن ننسى غموض إلأيوت والتواءات أسلوبه ولا شيئيته ذات السطح المتعمق.
سياق معاني لبيد هكذا
(1) تعفية الديارThe Waste Land
(2) اندفان الرسوم ثم تعريتها حتى وضحت معالمهاThe Burial of the Dead
(3) هطول أمطار الربيع وما نشأ عنها من زيادة التعفيةApril is the cruelest month
جعلنا فى مقابلة سياق لبيد بعض عناوين اليوت وابتداءاته. سياق وتألأيف اليوت ينتهي بعد عنوانه ، ( الارض المقفرة ، الارض التى عفت ، عفت الديار) ( اى دفن الموتى وقد تقدم كلامنا عنه ) ، بذكره الربيع وأمطاره كالذى صنعه لبيد فى قوله :
رزقت مرابيع النجوم وصابها
ودق الرواعد جودها فرهامها
قال اليوت بعد العنوانين اللذين يشبهان طريقة بدء قدمائنا بعفاء الديار واندفانها ( انظر منظومته من السطر 1 الى 8 ص 27)
April is the cruelest month breeding
Lilacs out of the dead land , mixing
Memory and desire , stirring
Dull roots with spring rain.
Winter kept us warm, covering earth in forgeful snow, feeding A little life with dried tubers. Summer surprised us….
نلفت النظر أول شيء الى لزوم اليوت فى خمسة من اسطار هذه نظاما ذا شبه بالقافية العربية وهو الصيغة الصرفية ( انق)ing وقد جاء بسجعة تامة فى ( بريدنقbreeding القاف مقاربة للكاف كنطقها فى دارجتنا ودارجة كثير من البلاد العربية ) وfeeding (فيدنق) وكالتامة فى stirring (ستيرنق ) وفى covering (كفرنق) وترجمة كلام اليوت الذى مر كما يلى على وجه التقريب:
ابريل أقسى الشهور ، منبتا
زهرة ليلى من الأرض الميتة ، مازجاً
الذكرى بالشهوة ، مثيرا
الجذور الفاترة بمطر الربيع
كان الشتاء قد حفظنا في دفء ، مغطيا
الارض فى الجليد الناسى ، مطعما
حياة قليلة بانابيش جافة
فاجأنا الصيف...
قول اليوت : ابريل أٌسى الشهور الخ بعد تعفية الارض وبعد دفن الموتى يشبه قول لبيد :
رزقت مرابيع النجوم وصابها
ودق الرواعد جودها فرهامها
الجود بفتح الجيم وسكون الواو المطر الغزير والرهام بكسر الراء وهاء مفتوحة بعدها ألأف ثم ميم جمع رهمة بكسر الراء وسكون الهاء ، وميم مفتوحة بعدها علامة التأنيث التاء المتحركة وهي الأمطار الخفاف اللطيفة.
ترجمة هذا البيت كما ترجمه المستشرق الانجليزى السير وليم جونز :
The rainy constellations of spring have made their hills green and luxuriant
The drops from thunder clouds have drenched them with profuse as well as gentle showers.
مجمل معنى كلام لبيد ان امطار نجوم الربيع هطلت على هذا المكان المقفز فزادته توحيشا لتعفيتها كل أُر ولخلوه من الأحبة ولحلول النعام والبقر الوحشية وما أِبه فيه بعد عهدهم. هذه قساوة لا تخفى.
مع هذا علينا ان تذكر ان السير وليم جونز جاء فى ترجمته بكلمة showers ومعناها رش المطر وهموله فى قوله
Profuse , as well as gentle showers
ليدل بذلك على معنى المطر الغزير ( الجود ) والامطار الخفاف اللطاف( الرهام ) او كما قال لبيد : " ودق الرواعد جودها فرهامها"
قول وليم جونز هنا "showers ينبغى ان يوقف عنده لان هذه الكلمة كثيرا ما ترتبط فى الذهن بالقول الانجليزى المعروف الجارى مجرى المثل
March winds, April showers,Bring fourth May flowers.
اى رياح مارس وأمطار ابريل
تخرج بهن أزهار مايو
( لا يخفى أن مارس هو آذار وابريل نيسان ومايو آيار فمن شاء أن يضع ذلك مكان ما وضعناه فله أن يفعل)
وابريل بحبوبة اشهر الربيع فذكره يدل على عليه. واستشهدنا بترجمة وليم جونز لنشير الى انه لو صح ان اليوت اطلع عليها فانه يكون بنى قوله " ابريل اقسى الشهور" على كلمة showers الواردة فيها. وقد سبق التبيه منا على انه قوله : " ابريل أٌقسى الشهور" بعد عنوانيه الدالين على العفاء والاندفان شبيه فى سياق بسياق لبيد :
(1) عفت الديار محلها فمقامها.......
(2) ..... جلا السيول عن الطلول....
(3) رزقت مرابيع النجوم
ولا يقف الأمر عن هذا كما سيجيء من بعد ان شاء الله.
هنا نتساءل : هل أطلع اليوت حقاً على ترجمة السير وليم جونز للمعلقات ؟
أعمال مستشرق قدير
كان السير وليم جونز ( 1746-1794م) من قدماء الاستشراق وجهابذة تعلم فى هارو واكسفورد ( التى قصدها اليوت وتعلم بها ) واتقن اللغات الكلاسيكية ( اى اليونانية القديمة واللاتينية ) مع الفرنسية ولغات اوربية معاصرة اخرى ودرس العربية والفارسية وكتب ملخثا فى نحوها وبعد درسه القضاء واشتغاله بالقانون عين قاضيا بالمحكمة العليا بفورت وليم ( كلكتا) بالهند وتعمق فى درس السنسكريتية ) لغة الهند القديمة ) وكتب رسالة عن الشعر الشرقى باللغة الفرنسية Traite sur la poesie orientaie طبعت اول مرة بلندن سنة 1771 م واعيد طبعها واعاد كتابتها بلغته الانجليزية ايضا أشاد فيها بمكان الشعر العربي ونبه على موضع معلقة لبيد وامرىء القيس ، واستشهد فى ما استشهد بقول أبي تمام :
ان القوافي والمساعي لم تزل
مثل النظام إذا أصاب فريداً
هي جوهر نثر فان الفنه
بالنظم صار قلائداً وعقوداً
مترجما للبيتين من دون ذكر نصهما العربي . وله مختارات من أشعار العرب والفرس وأمم الشرق من ضمنه لأمية المعري :
أعن وخد القلاص كشفت حالا
ومن عند الظلام طلبت مالا
أوردها نموذجا لشعر المدح الذى استشهد على أهميته ببيتي ابى تمام المتقدمين. وكان أبو تمام من أوائل من عرفه المستشرقون وطبعت حماسته فى المانيا سنه 1748 وترجمت باللاتينية وقد تأثر جوتة الشاعر الألماني فى ترجمته للامية المنسوة الى تأبط شرأ
ان بالسغب الذى دون سلع
لقتيلاً دمه ما يطل
بترجمة فريتاغ اللاتينية فى ما زعمه المستشرق الانجليزى السير شارلس ليال. ( انظر ترجمته لها وتعليقه ص 50 من مختاراته المترجمه من الشعر العربي القديمTranslations Ancient Arabian Poetry تألأيف شارلس جيمس ليال الموظف ببنغال طبع لندن 1885م)
وترجمة السير شارلس ليال هذه ذكر هو نفسه أنه صنعها متأثرا بترجمة المانيا للحماسة.
ترجمة المعلقات السبع
وقد ترجم السير وليم جونز المعلقات السبع ترجمة حسنة ناصعة الأسلوب وجعل لكل معلقة مقدمة موجزة وافية تحدث فيها عن الوزن وما يقابله من أوزان الانجليزية وعن طريقة أٍلوب الشاعر ومعانيه وتشبيهاته ومجازه وعناصر الوحدة فى نظمه واردف ذلك بكتابة بالحرف اللاتينى بحسب النطق لكل معلقة مبالغة منه فى التقريب. وقد تأثر به وأقتدى ليال فى كتابه المشار اليه آنفا ونيكلسون فى ترجماته التي ضمنها تاريخه للأدب العربي. ولم يترجم ليال من المعلقات غير آخر لأمية امريء القيس وغير ميمة زهير وكأنه اكتفى فى هذا المجال بعمل السير وليم جونز لجودته. وترجمة السير وليم جونز للمعلقات فى 46 صفحة نشرت وطبعت بلندن سنه 1772م وسنة 1783م ومرات بعد ذلك وتوجد من ذلك نسخ فى مكتبة المتحف البريطاني رأيتها ومن قبل اعتمدت على نسخة صورت لى منها نسخة من رسالته عن الشعر الشرقي المشار اليها آنفاً ولا ريب فى وجود نسخ من مؤلفاته بأكسفورد وسوى ذلك من الخزانات الجياد وترجمة السير وليم جونز المستشرق فى الجزء الثالث عشر من الموسوعة البريطانية ومكان اسمه فى الفهارس عامر بماله من تصانيف ومن أهم تأليفه ترجمته للسكونتالة وهي من مسرحيات اللغة الهندية القديمة وترجع الموسوعة البريطانية ( ج13 ص 244 طبعة 1947 م) ان مؤلفها كالداسة Kalidasa من أدباء الهند القديمة عاش في المائة الميلادية الثالثة . وللسير وليم جونز كتاب في الموازنة بين تشريع الملكية الخاصة عند المسلمين وعند الهندوس وغير ذلك مما هو أدخل فى حدود فلسفة القانون وعلوم الاجتماع.
صلة اليوت بالاستشراق
اذا تذكرت أيها القارىء الكريم أن اليوت كان على جوينب من الاستشراق اذ قد درس لغة الهند القديمة سنتين بهارفارد وفلسفة الهند مدى سنة وهو يعد للدكتوراه ، ثم عدل عن ذلك لما وجد فيه من العسر وقد قال ان دراسته هذه ، معترفا بما أصاب فيها من مشقة ، تركته فى حيرة مستنيرةenlighted my stification ( راجع كتاب برغونزي ص 23) ومع ذلك كان يزعم انه كان يتذوق الشعر السنسكريتي وقد ترك فى نفسه أثراً عظيما. إذا تذكرت هذا وأضفت اليه صحبته لازرا باوند وتأثره به وكان هذا ذا ولع صادق فيه او كاذب بلغة الصين وآدابها. واذا أضفت ايضا ان اليوت اتصل بجامعة التصوريرين –imagists وكانوا يدعون الى محاكاة أشعار الشرق واساليب اغان العهد القديم العبرانية ، وزدت على هذا ان اليوت نفسه قد ذكر انه كان قرا فى صباه رباعيات الخيام المترجمة واعجب بها . ( أحسب ان اليوت ذكر ان ذلك كان منه فى زمان الصبا انفة منه ان ينسب الى الرومانتيكية وهو صاحب كلاسيكية فى زعمه وواقعية جادة ، ونذكر على سبيل الاستطراد فى هذا الصدد مقال برتراند رسل فى كتابه تاريخ الفلسفة الغربية طبعة 1974 ص 654 حيث قال عن الرومانتكيين الالمان انهم كانوا شبابا فى اوج شبابهم كان اجود تعبيرهم عن الروح الرومانتكيكى ، اما الذين لم يسعدهم الحظ منهم بالموت فى الشباب كما قال فقد طاحت فرديتهم اذ طغت عليها فغطتها الكثلكة بما تتطلبه من خضوع وتسليم. فهل كان تراجع اليوت من مذهب اسرته وابائه البيوريتاني- والبيوريتانية طرف من المذهب البروتستانتي- الى محافظة الكثلكة الانجليزية من دافع رومانتكي يا تري؟ ) – هذا واذا تذكرت مع ما تقدم ان اليوت أديب مثقف ناقد قارىء وذو دعوى فى ذلك طويلة عريضة ، ألا ترجح معي حينئذ الا يكون قد خفى عنه مكان السير وليم جونز المستشرق فى معرفته باللغات الشرقية والصينية والسنسكريتية وآدابها وفلسفة الهند القديمة مما زعم انه أُثر فيه وان يك قد وجد فيه عسرا وانصرف عن مواصلة درسه متحيرا مستنيرا كما زعم ،ولعل السكونتالة مع ترجمة وليم جونز كانت من مقرر الدرس، وقد كانت رسالته الفرنسية وأختها الانجليزية عن الشعر الشرقى معروفتين عند المستشرقيين وقد ذكرنا انه نبه على المعلقات وعلى امرىء القيس ولبيد وقد دافع عن شعر العرب وقطع بان الافرنج الاوائل انما اخذوا القوافى عن عرب الأندلس.
اضف الى هذا ان اليوت كان معجبا بالبريطانيين وامبراططوريتهم معتزا بذلك ، وقد ترك بلاده التى كانت تعد من بالد الرمز الى الحرية لثورتها على الاستعمار فى سنة 1781م ولاعلانها حقوق الانسان ، وتجنس بالجنسية البريطانية وببريطانية أقام والى كنيستها الانجلوكثوليكية انتمى.
الشيء بالشيء يذكر
ونذكر من باب الاستطراد ان اليوت كان شديد الاعجاب بالشاعر المعاصر لزمان شكسبير جون دون وكان غامض العبارة كثير الاشارة متلوى عقد الاسلوب واسع الاطلاع عالما بالكوميدية الآلهية لدانتى فى نصها الاصيل من اسرة متطرفة فى الكثلكة نشأ كاثوليكيا ثم تحول الى كنيسة انجلترا الانجلوكثوليكية واخلص فى خدمة الملك واتهمه بعض نقاده بانه كان فى نفسه منطويا على شعور بالخيانة لعقيدته وتراث اسرته فذلك جر عليه كثيرا مما اخذ به من عقد الاسلوب. وحمد النقاد لجون دون انه قارب برنة نغمة الشعرى رنات نبرات الكلام الذى يدور فى حديث الناس. هذا الشيء بالشيء يذكر، فتأمل.
ونعود الى ما كنا فيه فنقول لابد ان يكون اليوت قد اطلع على مؤلفات السير وليم جونز فى شعراء فارس والصين والهند وضروب تصانيفه فى هذا الباب الشرقى الفضى الذى كان فيه من اعمدة استاذية شارلس لامان وجيمز وورد استاذى السنسكريتية والفلسفة الهندية بهارفارد بلا ريب. وهل تظن ايها القارىء الكريم انه اذا دعا واجب الدرس اليوت الطالب المعد للدكتوارة ان يتخير ويستنير بشعر السنسكريتيه – وهو امر اقر بمعرفته وادعى تذوقه وسكونتالة جزء منه ومعرفة ترجمتها متممة لتذوقه- هل تظن انه اذا اطلع على ذلك وعلى ما ترجم من ادب الفرس وكان اليه مائلا ولوليم جونز فيه من العمل ما قد قدمنا ذكره مع اختياراته من شعراء الشرق ومن بينهم حافظ الشيرازى..... هل تظن انه اذا فعل ذلك سيتجاهل كتاب وليم جونز الخفيف اللطيف الوافى الذى ترجم فيه المعلقات ؟ هذا مع العلم بان السير وليم جونز قد نبه فى رسالتيه الفرنسية والانجليزية عن مكان شعر المعلقات الرفيع ؟
المستشرقون قبيلة فكرية
ان مكتبات الاقسام الشرقية فى جامعات اوربا كثيرا ما تكون فى موضع واحد ، وكثيرا ما تقع بين طلبة لغات الشرق الذين يختلفون اليها ضروب من التعارف وتبادل الآراء ويكونون اشبه بقبيلة فكرية واحدة ، فيشتاق من يقرا الهندية مثلا ان يقرا لمستشرق مشهور كتب فى آداب الفارسية او التركية او العربية مثلا او كتب فى باب من ابواب الادب المحض ذى الطابع الشرقى القوى كالسير شارلس دواتي فى كتابه الصحراء العربية ، ورديارد كبلنج فى قصته (كم) وغيرها واشعارها وكان اليوت به معجبا وقد عاصره ولعله لقيه وكان يقال له شاعر الامبراطوريه الكبير ووصفه اليوت بانه كان من كتاب التراتيل الدينية العظام فيما ذكره روبسون (ص 17) agreat human writer
وكان للمدرسة الهندية البريطانية فى المكتبة الشرقية مكان مرموق وقد قدمنا ذكر السير وليم جونز وكان فيها بمنزلة المؤسس وممن كان ينتمى اليها من كبار المستشرقين السير شارلس ليال صاحب ترجمة المختارات التى من ذكرها ومن بينها شىء من المعلقات ( زهير وامرى القيس ) وصاحب ترجمة المفضليات والشرح والتعليق الوافي ( اكسفورد 1918م) وراجع للمزيد فى هذا الصدد تاريخ كمبردج الصغير للادب الانجليزى الذى مر ذكره فى الفصل الذى جعله للادب الهندى الانجليزى من ص 734 الى ص 744. وقد نشر مكارتني على زمان اليوت ذى الرمة من قبل . وقد ترجمت المعلقات بالفرنسية وبانت سعاد وترجم بالالمانية شعر عربي كثير وكان اليوت بالفرنسية والالمانية وغيرها عالماً وقد درس بالمانيا كما درس بباريس.
اذا صح ما قدمناه من تعارف اسرة من يعرفون اللغات الشرقية وتقارب اسباب قبيلتهم فكيف يكون الامر اذا كان احد هؤلاء اديبا شاعرا طموحا موسوعيا ذا مقدرة ودهاء مثل اليوت واصاب ضالة ناردة فى موسوعى نارد مثل وليم جونز الذى لما وصل الى الهند كان مستشرقا ناضجا وزاد فيها نضجا وفتح الطريق لمن بعده؟
على ان الاستشراق فى زمان اليوت فى هذا القرن الميلادي العشرين الى قريب من اواسطه قد صارت تغلب عليه سمة التخصص مكان الموسوعية فاذا اخذ اليوت مثلا من الادب العربي وهو غير معروف بانه درس لغة العرب وآدابها ولكن معروف بان درسه انما كان للغة الهند القديمة، فمن سيفطن الى انه اخذ من الأدب العربي القديم ثم يتهمه بناء على ذلك بالسرقة من أدب العرب؟
بعيد جداً أن يتنبه احد الى السير وليم جونز صاحب ترجمة السكونتالة او الشاكونتالة Shakuntala ( تاريخ كمبردج 735) والمختارات من اشعار فارس والهند والصين هو ايضا قد كان طريقا سريا خفيا سلكه اليوت الى النظر او الاخذ او الاختلاس او السرقة من اسلوب المعلقات وشكل صياغتها ومعانيها وكتمان ذلك واخفائه كل الاخفاء وحذفه كل الحذف كما قد حذف كلمة ( العربيةArabian ) واشارته الى والتردي لامير . نعود بعد هذه الفذلكة الى ما كنا فيه من تتبع أسطار منظومة اليوت.
ليلاك أو ليلك
أول ما ذكره اليوت من شواهد قساوة ابريل لنباته زهرة ليلى وهي التي يقال لها في الانجليزية ( ليلاكlilac) ونقل برغونزي (ص5) ان الليلاك كان كثيرا فى سياجات هارفاد النباتية كانه يشرح بذلك وروده فى شعره. وذكر اليوت هذه الزهرة الشرقية الاسلامية المعدن فى سياقه الذي يقرنها فيه بالذكرى والجنس عجب : راجع قوله
…, breeding
lilacs out of the dead land, mixing
memory and desire,…
والترجمة : منبتاً
زهرة ليلى من الأرض الميتة ، مازجاً
الذكرى بالشهوة )
إذ قد كان أشبه بأساليب لغته وحضارته لو قد ذكر الورد وكان من ضروب نواوير اوربا وبريطانيا وامريكا- أم ليت شعري هل فر من رومانتيكية الورد وما بمجراه؟
في معجم اكسفورد في تخريج كلمة ( ليلاكLilac) ان اصلها من ( ليلك ) العربية ولا وجود لهذا اللفظ ( ليلاك او ليلك ) في العربية اسماً لهذه الزهرة ، واصل هذا التخريج من المستشرق ر. دوزى R.Dozy ( راجع المجلد الثاني ص 562 من معجمه طبعة باريس ولندن 1972 واسم المعجم يدل على أنه تكملة وملحق للمعاجم العربية :
Supplement aux Dictionairs Arabes.
ظن ذوزي ان النيلج بكسر النون هو الليلاكlilac مع انه كان يعلم ان النيلج هو النيلة الزرقاء. وذكر الفيروز ابادي (النيل) بلا تاء في آخرها في مادة ( وسم ) في تفسير لفظ الوسمة بفتح الواو وكسر السين او سكونها ميم مفتوحة فهاء التأنيث قال الفيروز أبادي : " ورق النيل أو نبات يخضب بورقه " واحسب ان الشك جاء الفيروز ابادي من ان لفظ العظلم الوارد في شعر عنترة يستخرج منه صبغ اسود او النيلة وقيل هو صبغ احمر عهدي به مد النهار كأنما
صبغ البنان ورأسة بالعظلم
وذكر الفيروز أبادي ( النيلج ) بكسر النون في مادة ( نلته) وذكر طريقة استخراج ( النيلج ) بمعني ( النيلة ) من العظلم. جاء هنا بالنيلة مقرونة بالتاء المتحركة علامة التانيث وفي شرحه لكلمة ( الوسمة ) ذكر النيل مثل اسم نهر النيل بلا تاء التأنيث. وكلمة ( النيلج) بكسر النون غير عربية الأصل ولكن معربة مثل فالوذج ولزينج وهلم جرا ومعنى النيلج كما تقدم النبات الذي تستخرج منه النيلة الزرقاء.
واضطرب شراح بيت عنترة واكتفي السير وليم جونز برسم لفظ العظلم نفسه بالحرف اللاتيني من دون ترجمة له ، هكذا (idhlim) والراجح عندي ان عنترة اراد الزرقة لا الحمرة يكني بذلك عن الموت وذهاب حمرة دم الحياة. وقد نقل عن الأزهرى أنه اختضب بالعظلم يسود به شعره فهذا يقوى ما ذكره الفيروز أبادي وعليه تفسير التبريزي في شرحه ان العظلم هو الوسمة ولم يزد على ذلك. عنى عنترة ان عهده به ، وقد قتله، وقد صار لون رأسه كله ، والوجه من الراس، ولن أصابعه أزرق هامد أبعد أن كان كل ذلك مشرقاً ناضراً بالحياة. ولا يخلو عنترة في قوله هذا من بعض التعريض الساخر المر، كأن يقال مثلاً: " صار المسكين أسود مثلي أنا العبد بعد أن كان حراً أبيض " : قال تعالى " {ونحشر المجرمين يومئذ زرقاً} ز والله تعالى اعلم.
ليس ( النيلج ) بكسر النون هو الليلاكlilac هو زهرة ليلى الفارسية وقد يقال له في عربية اليوم زهر البنفسج وليس كله بنفسجياً ولكن منه ذو اللون البنفسجي وذو اللون الأبيض. وفي معجم اكسفورد ومعجم وبستر أن الشبه المتوهم بين اللون الأرزق واللون البنفسجي هو مما جعل اسم " ليلاك lilac" يطلق على الزهرة المسماة باسمه اشتقاقا من كلمة ( النيلج الدالة على اللون الأزرق وهذا أصله من ذوزي وهو بعيد وليس بشيء. وفي معجم لاروس الفرنسي أن أصل " الليلاك " من بلاد الشرق الأوسط وأنه يزرع من أجل نواويره البيض والبنفسجيات وذكر لاروس أنه من أسرة olecees ( اولياسيه) التي منها الياسمين والزيتون.
ويظهر أن هذه الكلمة الفرنسيةolecees ( أولياسيه ) نفسها قد حرفت من الفارسية ( جل ياس) تنطقها كالجيم المصرية بين الكاف والقاف وتكتب بالكاف المعقودة ( كل ياس).
و( جل ياس) أصلها من ( جل ليلى) او ( كل ليلى) أي وردة ليلى أو زهرة ليلى ثم شبهوها بالياسمين فقالوا ( جل ياس) أو ( كل ياس). ونبئت أن ( جل) بالجيم التى كالكاف معناها بالفارسية الورد وهي أصل الجل بفتح الجيم وضمها الواردة في شعر الأعشى:
وشاهدنا الجل والياسمون
والمسمعات بقصايها
قال الفيروزبادى :- ( وبالضم وبفتح الياسمين والورد أبيضه وأحمره وأصفره) ومن ( جل ياس) أخذت كلمة oleacees الفرنسية ومنها أخذت الكلمة الدالة على هذا الزهر في الفرنسية الآن وهي : ليلا بكسر اللازم بعدها ياء فلام ألأف (lilas ) – راجع لاروس الكبير طبعه 1975م المجلد 4 ص 3053 والمجلدة ص 3760. وراجع أيضا المعجم الفارسي المتوسط لمحمد معين طبعة طهران 1975 ص 5243 في المجلد الرابع وقد أطلعت عليه واستعنت بمن يعرف الفارسية ومنه أفدت ما تقدم وذكر كلمة ( ليلك) وهي ذات مدلول مختلف في المجلد 3 في ص 3670. وقد ذكر لين Lane فى معجمه العربي الانجليزى أن الجل من أصل فارسي وأصاب ( طبعة بيروت المصورة 1980م 2ص 437 ) والعجب لبادجرBadger في معجمه العربي الانجليزى تصوير بيروت 1980م ص 576) إذ ترجم : ( ليلاكlilac) بـ ( لعلى ) وهى لفظ لا وجود له.
اتكاءة على صور لبيد
هذا وبعد أن انتهى إلأيوت من نعت قساوة ابريل منبتاً زهرة ليلى ، مازجاً الذكرى بالشهوة ، انتقل الى ذكر الصيف وذلك قوله :
Summer surprised us…
ومعناها : فاجأنا الصيف
تأمل شدة الشبه بين قول لبيد :
رزقت مرابيع النجوم ( البيت )
فعلا فروع الأيهقان ( البيت)
وبين قول إليوت جاء الربيع منبتاً زهرة ليلى إلخ... تأمل الشبه في السياق والصياغة بين قول لبيد ( فعلا فروع الأيهقان بعد ذكره مطر الربيع وبين قول إليوت منبتاً زهرة ليلى ( الليلاك ) بعد نعته مطر الربيع الذي ابريل رمز له.. منبتاً زهرة ليلى.. أي فعلت أغصان ( الليلاك) كما علت فروع أيهقان لبيد. الأيهقان عربي و " الليلك " فارسي. محاكاة نهج لبيد الذي أطلع عليه في ترجمة وليم جونز لا تخفي.
فعلا فروع الأيهقان وأطفلت
بالجلهتين ظباؤها ونعامها
جاءت الظباء والنعام فى مكان الحبيبة
والظبية تشبه بها الحبيبة. ههنا مجال للذكريات واتصال معنى ولادة الظباء اطفالها وافراخ النعام بالشهوة غير خاف، ومن هنا أخذ إلأيوت مزحه الذكرى بالشهوة. ثم انتقل من بعد الى ذكر الصيف وذلك قوله :Summer surprised us…….
أي فاجأنا الصيف
ثم انتقل بعد مفاجأة الصيف له الى ذكر ( محبوبة ) التجأ معها من مفاجأة مطر الصيف إلى بناء ذي صف من أعمدة ثم خرجا الى ضوء الشمس ثم الى الحديقة.
ولبيد بن ربيعة العامرى صاحب المعلقة يخرج من نعت القفر الى مرابيع النجوم او كما قال السير وليم جونز في ترجمته …profuse, as well as gentle showers
ثم يخرج من ذلك الى انبات الأيهقان، وهو من نبات البادية قيل هو الجرجير البري، الذى علت فروعه ، ثم الى الوحش الذي خلف الأحباب على الديار وجعل بحيوية الربيع يطفل ويفرخ. ثم يتذكر لبيد الحبيبة ويقسو عليها وعلى نفسه حين يعتلج في صدره أمر انصرام عهودها وتبدد زمان وصلها :
بل ما تذكر من نوار وقد نأت
وتقطعت أسبابها ورمامها
يقول السير وليم جونز فى مقدمته لقصيدة لبيد إن أبياتها الخمسة عشر الأولى من روائع التصوير، يعذل الشاعر في آخرها نفسه على هواه الضائع سدى عند امرأة لا تستجيب ، فيدعوه ذلك الى أن يفر من الهوى الى الراحلة ، ثم يعود الى ذكر محبوبته نوار بعد نعت الرحلة برجوع فيه نوع من قلة الاهتمام بدلاً لها. هذا ملخص كلام السير وليم جونز فى مقدمته. ا. هـ
ليت شعرى هل مجرد توافق خواطر شبه :
1- قول اليوت في عنوانه The Waste Land يقول لبيد ( عفت الديار إلخ).
2- وقول اليوت في عنوانه The Burial of the Dead بطريقة الشعراء العرب ومنهم لبيد بان الديار تندفن وتكشف آثارها الرياح والسيول ( عرى رسمها ) و( جلا السيول عن الطلول).
3- وذكر اليوت امطار ابريل وقساوته وشبه ذلك بقول لبيد ( رزقت مرابيع النجوم الخ).
4- وقول اليوت بإنبات زهور ليلى Lilacs وخلط الذكريات بالشهوات وشبه ذلك كما قدمنا بقول لبيد : " فعلا فروع الأيهقان إلخ".
5- وانصراف اليوت عن مطر الربيع الى مطر الصيف حيث قال : "فاجأنا الصيف"- هل هذا أيضاً مجرد توافق خواطر؟
6- وتذكر إليوت للحبيبة بعد أن ساقاها القهوة وتقطعت أسبابها ورمامها.. راجع الأسطر 8-9-10-11+12).. هل هذا أيضاً مجرد توافق خواطر؟
وقد ركب لبيد ناقته بعد تصرم أسباب نوار وشبهها بحمار وحشى وذكر الصيف وحره... .... وتهيجت ريح المصايف سمومها وسهامها اى اعاصيرها وسمائمها.
7- ام هل مجرد توافق خواطر قول اليوت في س 23 ص 27ز
And the dead tree gives no shelter أي : والشجرة الميتة لا تعطي مأوى.
مع شدة شبهه بقول لبيد في وصفه للبقر الوحشية التي أصابت السباع ولدها. وأحاطت بها المخاوف بعد ترددها تبحث عنه وتناديه بنوح وبغام ، ولفتها بين الرمال ليلة ذات برق ومطر وأهوال :
تجتاف أصلاً قالصاً متنبذاً
بعجوب أنقاء يميل هيامها
أي تلتمس بقرنيها جوف أًل شجرة قديم في قعر كثبان من الرمل منهالة ، وترجمة وليم جونز :She shelters herself under the root of a tree
8- أم ليت شعري- بعد الذي لم نشك فيه من كتمان اليوت مصادر أخذه من العربية – هل مجرد توافق خواطر ذكر إلأيوت لمفاجأة الصيف :Summer surprised us… وإن الشتاء أدافنا...Winter Kept us warm يمدح بذلك الشتاء ؟
ربيع أبي تمام
هل أطلع إليوت على ترجمة ما لبعض شعر أبي تمام ، فقد عاش في زمان كان فيه الاستشراق العربي بين أكسفورد وكمبردج ولندن وباريس وألمانيا ضارباً بجران وكان لأبي تمام صاحب الحماسة في ذلك مكان مرموق- قال عنه ليال في مقدمة اختياراته :
….and was himself a distinguished poet
أي وكان هو نفسه شاعراً ممتازاً.
هل أطلع إليوت على ترجمة لقصيدة أبي تمام في وصف الربيع التي أولها :
رقت وجوه الدهر فهي تمرمر
وغدا الثرى في حليه يتكسر؟
وفيها قوله :
جاءت مقدمة المصيف حميدة
( أو فاجأنا الصيفsummer surprise us)
ويد الشتاء جديدة لا تنكر
Winter kept us warm
شكرا للشتاء...
لولا الذي صاغ الشتاء بكفه
قاسي المصيف هشائما لا تثمر
شكراً للشتاء- ولأبي تمام الذي مدح الشتاء خلافاً للشعراء الذين كانوا يذمونه كقول الآخر :
إذا غبر آفاق السماء... الخ
تأثر إليوت بالمعلقات
لقد أفاد إليوت من الشعر العربي إما من قراءة تراجم له وإما من مشافهة معاصرين له عارفين به.
وقد أفاد من إطلاعه على ترجمة السير وليم جونز لمعلقة لبيد وحدها ولكن لسائر المعلقات ، خذ مثلاً الأسطر 19-24 من ص 27 وهي أولي صفحات المنظومة في الطبعة التي رجعنا إليها :
What are the roots that clutch.
What branches grow
Out of this stony rabbish?
Son of man,
You cannot say, or guess.
For you know only
A heap of broken images,
Where the sun beats,
And the dead tree gives no
Shelter, the cricket no relief,
And the dry stone no sound of water…
الترجمة على وجه التقريب :
ما الجذور التي تمسك ؟ ما الأغضان التي تنمو
من هذه القمامة الحجرية ؟ يا بن آدم
إنك لا تستطيع أن تقول بيقين أو ظن لأنك انما تعلم
كومة منظلال متكسرة ، حيث الشمس تصك
وحيث الشجرة الميتة لا تعطي مأوى ، ولا الصرصور احة
ولا الحجر اليابس صوت ماء....
اشارة قرآنية
أحالنا إلأيوت على سفر حزقيل أول الاصحاح الثاني بالنسبة الى سطره ( الثاني أعلاه ) 20 ليؤكد أن مراده من قوله : Son of man ( أى يا ابن آدم أو يأيها الإنسان ) هو معناها الذي في العهد القديم لا معني " ابن الانسان " الذي عند النصاري . ولا شيء يمنع ملابسة هذا المعني المسيحي لك
خدورة أم بشق- مشرف منتدى الشعر
رد: الاقتباس والسرقات الأدبية عند شعراء الغرب
[quote]ومن خطأ اليونان او غيرهم فى هذه الاسطورة نسبة الغناء الى أنثى البلبل لان الصادح فى الحقيقة هو الذكر.[/quote
ألا رحم الله العلامة البروف عبدالله الطيب ومتعك عمو بالصحة والعافية وادامها رداءها عليك ..آمين
قلت في نفسي ملاحظة كهذه لا يمكن ان تتأتي لشخص عادي مثلي..لابد ان يكون في قامة البروف لان الدارس او الباحث يركز عادة فيما يعتقد انه الاهم وتفوت عليه معلومه كهذه.
شكرا لايراد المحاضرة القيمة والتي اعتقد انها ستفيد دارسي العربية
ولك لود الذي تعلم
ألا رحم الله العلامة البروف عبدالله الطيب ومتعك عمو بالصحة والعافية وادامها رداءها عليك ..آمين
قلت في نفسي ملاحظة كهذه لا يمكن ان تتأتي لشخص عادي مثلي..لابد ان يكون في قامة البروف لان الدارس او الباحث يركز عادة فيما يعتقد انه الاهم وتفوت عليه معلومه كهذه.
شكرا لايراد المحاضرة القيمة والتي اعتقد انها ستفيد دارسي العربية
ولك لود الذي تعلم
nashi- مشرف المنتدى الرياضى
مواضيع مماثلة
» قلمي والخواطر : دموع على اسوار المدينة .......
» شعراء واغاني ( حاول معرفة الملحن والفنان)
» شعراء البادية ـــ الهداء والجرداق فى بادية الحوازمة ــــــ كردفان ابوجبيهة
» أصغر مدمن دخاااان بالعالم .....
» الاعجاز العلمى فى القران الكريم والسنة
» شعراء واغاني ( حاول معرفة الملحن والفنان)
» شعراء البادية ـــ الهداء والجرداق فى بادية الحوازمة ــــــ كردفان ابوجبيهة
» أصغر مدمن دخاااان بالعالم .....
» الاعجاز العلمى فى القران الكريم والسنة
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى