فلسفة الموت والحياة في الشعر العربي والانجليزي
4 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
فلسفة الموت والحياة في الشعر العربي والانجليزي
الأدب العربي والأدب الانجليزي نموذجان للأدب الثر الرائع الجميل، بل توجد قواسم مشتركة بينهما قد تكون بسبب توارد الخواطر أو الاقتباس أو حتى التخاطر. لقد تكلمت من قبل عن فلسفة الموت عن صلاح أحمد إبراهيم واليوم أنقل لكم شبه مقارنة بين الشاعر الانجليزي وليم وردزويرث والشاعر المصري أمل دنقل في حوارية بين فلسفة الموت والحياة ولقد قرأت هذا الموضوع منذ فترة ومن شدة إعجابي به احتفظت به وآمل أن تستفيدوا من هذه الدراسة والتي نسيت اسم كاتبها حتى أدونه حفظاً للحقوق.
قصيدة وليم مترجمة:-
في قصيدة الشاعر الإنجليزي الرومانسي وليام وردزورث التالية نحن سبعة نجد موقفين جنبا إلي جنب: واحد لا يختلف عن الموقف الحلولي الدائري الذي لا يميز بين الموت والحياة ويساوي بين الإنسان والطبيعة، وموقف آخر أكثر عمقا، يدرك أبعاد مأساة الإنسان الذي يعيش في الزمان والتاريخ. ولكن تم التعبير عن هذين الموقفين المتناقضين بطريقة درامية كوميدية. وفيما يلي نص القصيدة:
الطفل الساذج
الذي يتنفس في خفة وحيوية،
وتضج الحياة في كل أوصاله..
ماذا عساه أن يعرف عن الموت؟
قابلت مرة طفلة تعيش في كوخ
تقول إنها في الثامنة.
كان شعرها كّثٌا
تحيط تموجاتجه الكثيرة بوجهها.
كانت سيماؤها ريفية بريئة
بدائية الهندام،
وعيناها جميلتان¬ جدٌج جميلتين،
لقد سرني جمالها حقٌا.
كم لكِ من الإخوة والأخوات
أيتها الفتاة الصغيرة؟
أجابتني: كم؟ نحن كلنا سبعة.
ثم نظرت إليٌّ في حيرة.
أين هم الآن؟ بربك خبريني،
فأجابت سبعة نحن:
يقطن اثنان في كونواي،
واثنان أبحرا،
اثنان يرقدان في فناء الكنيسة،
أختي وأخي.
أما أنا، فأسكن مع أمي علي مقربة منهما
في كوخ فناء الكنيسة.
تقولين: اثنان يقطنان في كونواي،
واثنان أبحرا،
ولكنك تقولين إنكم سبعة، فبالله خبريني
يا حجلوتي العزيزة! كيف يكون هذا؟
حينئذي ردت الصبية الصغيرة:
سبعة من الأولاد والبنات نحن:
اثنان منا يرقدان في فناء الكنيسة
تحت الشجرة في فناء الكنيسة.
ها أنتِ تِّجرِين في كل مكان، يا صغيرتي،
وأوصالك تضج بالحياة.
وإذا كان اثنان يرقدان في فناء الكنيسة
إذن فأنتم خمسة ليس إلا!.
أجابتني الصغيرة: قبراهما تكسوهما الخجضْرة
وبوسعكّ أن تراهما.
وإذا سِرْتّ اثنتي عشْرةّ خجطوة من باب منزلنا،
ستجدهما راقدينِ.. الواحدّ بجوار الآخر.
وهناك طالما رّتّقت جواربي
وخِطْتج حافّةّ منديلي.
وهناك أفترش الأرض
وأغني لهما أغنية.
وكثيرا يا سيدي ما كنت بعد الغروب،
إذ الطقس طّلْق وجميل،
آخذ طبقي الصغير
وأتناول عّشائي هناك.
أول من ذهب كان أختي جين:
استلقت في فراشها تئن،
حتي أراحها الله من آلامها،
وحينئذي ذهبت ولم تعد.
وهي لهذا ترقد الآن في فناء الكنيسة.
وحينما يبس العشب،
كنا نلعب حول قبرها
أنا وأخي جون.
وعندما اكتست الأرض بالثلج الأبيض،
وأصبح بوسعي الرٌّكْضج والتزحلق،
أجرغم أخي جون علي الذهاب،
وهو يرقد الآن بجوارها.
فقلت: كم أنتم إذن،
إذا كان اثنان في السماء؟.
فجاءتني إجابة الصغيرة دون تردد:
سيدي، إننا سبعة.
ولكنهما قد ماتا، هذان الاثنان قد ماتا،
وروحاهما الآن في السماء.
هّباء ضاعت كلماتي، فالصغيرة
بقيت علي عنادها
وقالت: لا، بل سبعة نحن.
الرقم سبعة رقم سحري في الوجدان الشعبي وفي الأساطير وفي معظم الأديان، فنحن نتحدث عن السماوات السبع، والخطايا السبع، وأيام الأسبوع السبعة، وخلق العالم في سبعة أيام. ويبدو أن هذا الرقم يشير إلي نوع من أنواع الاكتمال، ولعل هذا هو سر اختيار الشاعر إياه. وكل القصائد التي تناولناها حتي الآن تضم متحدثا واحدا يحاول أن ينقل إلينا رؤيته للموت، ولكن هذه القصيدة قصيدة حوارية: إذ إنها تضم المتحدث وهو يحاور طفله.
تبدأ القصيدة بوصف لطفلة ساذجة تجحسٌج بالحياة التي تضج في كل أوصالها، ولذا فهي لا تعرف شيئا عن الموت. ويذكر المتحدث بعض التفاصيل القلقة التي اكتسبت معناها المحدد مع نهاية القصيدة، (فشعر هذه الفتاة كّث تحيط تموجاته الكثيرة بوجهها). يبدأ الحوار بسؤال: كم لك من الإخوة والأخوات أيتها الفتاة الصغيرة؟، فتأتي الإجابة: نحن سبعة. حسنا إن كنتم سبعة، فأين هم؟ وتبدأ الفتاة في عملية الإحصاء البسيطة: اثنان يقطنان بعيدا في مدينة كونواي، واثنان أبحرا، واثنان يرقدان في فناء الكنيسة، أما هي السابعة فتعيش مع أمها علي مقربة منهما. هنا يضطر المتحدث أن يبين لها الفرق بين الحياة والموت أوصالك تضج بالحياة، أما هما فيرقدان في فناء الكنيسة، فأنتم لستم سبعة بل خمسة وحسب. ولكن الفتاة لا تدرك معني قوله هذا، وتعيد تأكيد وجهة نظرها وتعطيه مزيدا من التفاصيل: فهما يرقدان تحت شجرة في فناء الكنيسة، وقبراهما تكسوه الخضرة، وهما علي بعد اثنتي عشرة خطوة من باب المنزل، وهي تذهب كل يوم إلي هناك لتمارس أنشطتها اليومية العادية فترتق جواربها، وتأكل طعامها، وتغني لهما أغنية.
الموت هنا ليس شيئا بعيدا، وإنما هو مستوعب تماما في دورة الحياة اليومية، وليس له وجود مستقل عنها. ولذا فالاثنان اللذان يرقدان في فناء الكنيسة لم ينتقلا من حالة إلي أخري مختلفة عن الأولي تماما، وإنما انتقلا انتقالا بسيطا في المكان، أما الزمان، فهو هو لا يتغير.
ولكن المتحدث الذي يدرك الزمان والتاريخ يصر علي أن يبين لها أن الحالتين مختلفتان تمام الاختلاف. إذا كان اثنان في السماء فكيف يكونون سبعة إذن؟! الأمر واضح تماما له، ولكن الفتاة تصر علي أنهم سبعة. عند هذه اللحظة يجد المتحدث أن من الضروري أن ينطق بالكلمة، وأن يخبرها بالحقيقة المرة، وبدل أن يقول إنهما في السماء، فإنه لا يستخدم أية كلمات مبهمة هذه المرة فيؤكد لها بشكل مباشر أنهما قد ماتا، هذان الاثنان قد ماتا، وروحاهما الآن في السماء. ولكن فكرة الموت لم تصل إلي الفتاة، وراحت الكلمات هباء، وبقي المتحدث في إطار وعيه المأساوي بالموت، وبقيت الفتاة في إطار إدراكها الساذج الذي لا يميز بين الحياة والموت. فهل هي مّلاك الحياة، أم ملاك الموت؟ هل هي جزء من الطبيعة والكون لا تدرك، ولا يمكنها أن تدرك، عمق مأساة الإنسان الذي يعيش في الزمان؟ هل هي كائن طبيعي تنتمي لعالم الطبيعة (وليس لعالم الإنسان) شعرها كث، تحيط تموجاته الكثيرة بوجهها؟ هل إصرارها علي التفاصيل والأعداد (نحن سبعة، اثنان يقطنان في كونواي اثنان أبحرا اثني عشرة خطوة من منزلنا) يدل علي مدي التصاقها بالأرض وبالسطح الظاهر. وحتي يبين الشاعر مدي عمق الاختلاف بين رؤيته ورؤيتها، جعل كل مقاطع القصيدة رباعية، إلا المقطع الأخير فهو خماسي، والبيت الخامس والأخير هو عبارة الطفلة لا، بل سبعة نحن!.
قصيدة أمل: طبعاً هو قالها وهو يصارع السرطان وهي من آخر قصائده
وقصيدة أمل دنقل ضدٌّ مّنْ تشبه قصيدة چون كيتس التي سبقت من بعض النواحي (رفض العزاء)، ولكنها تختلف عنها في أنه يحاول في اللحظة الأخيرة أن يجد نقطة عزاء من الموت يتجاوز الآن وهنا، ويتجاوز الزمان الدنيوي الخالص:
في غرف العمليات
كان نقاب الأطباء أبيض،
لون المعاطف أبيض،
تاج الحكيمات أبيض، أردية الراهبات،
الملاءات،
لون الأّسرٌّة، أربطة الشاش والقطن،
قرص المنوم، أنبوبة المصل،
كوب اللبنْ..
كل هذا يشع بقلبي الوّهّنْ
كل هذا البياض يذكرني بالكّفنْ!
فلماذا إذا مِتٌْ ...
يأتي المعزون متشحين ...
بشارات لون الحداد؟
هل لأن السواد ....
هو لون النجاة من الموت؟!
لون التميمة ضد ... الزمنْ،
ضدٌّ مّنْ؟
ومتي القلب في الخفقان اطمأنْ؟!
***
بين لونين: أستقبل الأصدقاء
الذين يرون سريريّ قبرا
وحياتيّ .. دهرا
وأري في العيون العميقةْ
لونّ الحقيقةْ
لونّ ترابِ الوطنْ!
القصيدة مأساوية وبسيطة، تستخدم لونين اثنين، كما هي الحال في الميلودراما والكاريكاتير: أبيض وأسود. وعنوان القصيدة دالٌ للغاية، فهو يعني التضاد البسيط الكامل بين حالتين يمثل كل لون حالة عكس الأخري، فكل شيء في المستشفي أبيض. وهنا تظهر عبقرية الشاعر عندما يدخل أبسط التفاصيل داخل إطار واحد: نقاب الأطباء _ لون المعاطف¬ تاج الحكيمات¬ أردية الراهبات¬ الملاءات.. إلخ. وكل هذا البياض يذكره بشيء واحد: بالكفن!
وهنا يأتي الشاعر بالمقابل أي اللون الأسود، ويسأل: لم يأتيه معزوه متشحين به؟! ثم يضفي علي اللون الأسود مضمونا عدوانيٌا، فكأن المعزين لم يأتوا لتعزيته ومواساته (فلا عزاء ولا مواساة في مثل هذا الموقف)، وإنما جاءوا يحتمون بالسواد من بياض الموت الذي أحاط به.
ولكن ما ينقذ الشاعر من العدم هو أنه يشير في النهاية لا إلي المعزيين، وإنما إلي الأصدقاء أصدقائه. وهذا التحول هو محاولة من جانب الشاعر لتجاوز عالم التضاد البسيط، عالم الأبيض والأسود. فهو حينما ينظر في عيون الأصدقاء (لا إلي أرديتهم) فإنه يري لون الحقيقة، التي لا هي بالأبيض ولا بالأسود، والتي ستبقي بعده، ويري لون تراب الوطن الخالد، فكأنه يتجاوز الزمان من خلال إدراكه للحقيقة ومن خلال إيمانه بالوطن!
قصيدة وليم مترجمة:-
في قصيدة الشاعر الإنجليزي الرومانسي وليام وردزورث التالية نحن سبعة نجد موقفين جنبا إلي جنب: واحد لا يختلف عن الموقف الحلولي الدائري الذي لا يميز بين الموت والحياة ويساوي بين الإنسان والطبيعة، وموقف آخر أكثر عمقا، يدرك أبعاد مأساة الإنسان الذي يعيش في الزمان والتاريخ. ولكن تم التعبير عن هذين الموقفين المتناقضين بطريقة درامية كوميدية. وفيما يلي نص القصيدة:
الطفل الساذج
الذي يتنفس في خفة وحيوية،
وتضج الحياة في كل أوصاله..
ماذا عساه أن يعرف عن الموت؟
قابلت مرة طفلة تعيش في كوخ
تقول إنها في الثامنة.
كان شعرها كّثٌا
تحيط تموجاتجه الكثيرة بوجهها.
كانت سيماؤها ريفية بريئة
بدائية الهندام،
وعيناها جميلتان¬ جدٌج جميلتين،
لقد سرني جمالها حقٌا.
كم لكِ من الإخوة والأخوات
أيتها الفتاة الصغيرة؟
أجابتني: كم؟ نحن كلنا سبعة.
ثم نظرت إليٌّ في حيرة.
أين هم الآن؟ بربك خبريني،
فأجابت سبعة نحن:
يقطن اثنان في كونواي،
واثنان أبحرا،
اثنان يرقدان في فناء الكنيسة،
أختي وأخي.
أما أنا، فأسكن مع أمي علي مقربة منهما
في كوخ فناء الكنيسة.
تقولين: اثنان يقطنان في كونواي،
واثنان أبحرا،
ولكنك تقولين إنكم سبعة، فبالله خبريني
يا حجلوتي العزيزة! كيف يكون هذا؟
حينئذي ردت الصبية الصغيرة:
سبعة من الأولاد والبنات نحن:
اثنان منا يرقدان في فناء الكنيسة
تحت الشجرة في فناء الكنيسة.
ها أنتِ تِّجرِين في كل مكان، يا صغيرتي،
وأوصالك تضج بالحياة.
وإذا كان اثنان يرقدان في فناء الكنيسة
إذن فأنتم خمسة ليس إلا!.
أجابتني الصغيرة: قبراهما تكسوهما الخجضْرة
وبوسعكّ أن تراهما.
وإذا سِرْتّ اثنتي عشْرةّ خجطوة من باب منزلنا،
ستجدهما راقدينِ.. الواحدّ بجوار الآخر.
وهناك طالما رّتّقت جواربي
وخِطْتج حافّةّ منديلي.
وهناك أفترش الأرض
وأغني لهما أغنية.
وكثيرا يا سيدي ما كنت بعد الغروب،
إذ الطقس طّلْق وجميل،
آخذ طبقي الصغير
وأتناول عّشائي هناك.
أول من ذهب كان أختي جين:
استلقت في فراشها تئن،
حتي أراحها الله من آلامها،
وحينئذي ذهبت ولم تعد.
وهي لهذا ترقد الآن في فناء الكنيسة.
وحينما يبس العشب،
كنا نلعب حول قبرها
أنا وأخي جون.
وعندما اكتست الأرض بالثلج الأبيض،
وأصبح بوسعي الرٌّكْضج والتزحلق،
أجرغم أخي جون علي الذهاب،
وهو يرقد الآن بجوارها.
فقلت: كم أنتم إذن،
إذا كان اثنان في السماء؟.
فجاءتني إجابة الصغيرة دون تردد:
سيدي، إننا سبعة.
ولكنهما قد ماتا، هذان الاثنان قد ماتا،
وروحاهما الآن في السماء.
هّباء ضاعت كلماتي، فالصغيرة
بقيت علي عنادها
وقالت: لا، بل سبعة نحن.
الرقم سبعة رقم سحري في الوجدان الشعبي وفي الأساطير وفي معظم الأديان، فنحن نتحدث عن السماوات السبع، والخطايا السبع، وأيام الأسبوع السبعة، وخلق العالم في سبعة أيام. ويبدو أن هذا الرقم يشير إلي نوع من أنواع الاكتمال، ولعل هذا هو سر اختيار الشاعر إياه. وكل القصائد التي تناولناها حتي الآن تضم متحدثا واحدا يحاول أن ينقل إلينا رؤيته للموت، ولكن هذه القصيدة قصيدة حوارية: إذ إنها تضم المتحدث وهو يحاور طفله.
تبدأ القصيدة بوصف لطفلة ساذجة تجحسٌج بالحياة التي تضج في كل أوصالها، ولذا فهي لا تعرف شيئا عن الموت. ويذكر المتحدث بعض التفاصيل القلقة التي اكتسبت معناها المحدد مع نهاية القصيدة، (فشعر هذه الفتاة كّث تحيط تموجاته الكثيرة بوجهها). يبدأ الحوار بسؤال: كم لك من الإخوة والأخوات أيتها الفتاة الصغيرة؟، فتأتي الإجابة: نحن سبعة. حسنا إن كنتم سبعة، فأين هم؟ وتبدأ الفتاة في عملية الإحصاء البسيطة: اثنان يقطنان بعيدا في مدينة كونواي، واثنان أبحرا، واثنان يرقدان في فناء الكنيسة، أما هي السابعة فتعيش مع أمها علي مقربة منهما. هنا يضطر المتحدث أن يبين لها الفرق بين الحياة والموت أوصالك تضج بالحياة، أما هما فيرقدان في فناء الكنيسة، فأنتم لستم سبعة بل خمسة وحسب. ولكن الفتاة لا تدرك معني قوله هذا، وتعيد تأكيد وجهة نظرها وتعطيه مزيدا من التفاصيل: فهما يرقدان تحت شجرة في فناء الكنيسة، وقبراهما تكسوه الخضرة، وهما علي بعد اثنتي عشرة خطوة من باب المنزل، وهي تذهب كل يوم إلي هناك لتمارس أنشطتها اليومية العادية فترتق جواربها، وتأكل طعامها، وتغني لهما أغنية.
الموت هنا ليس شيئا بعيدا، وإنما هو مستوعب تماما في دورة الحياة اليومية، وليس له وجود مستقل عنها. ولذا فالاثنان اللذان يرقدان في فناء الكنيسة لم ينتقلا من حالة إلي أخري مختلفة عن الأولي تماما، وإنما انتقلا انتقالا بسيطا في المكان، أما الزمان، فهو هو لا يتغير.
ولكن المتحدث الذي يدرك الزمان والتاريخ يصر علي أن يبين لها أن الحالتين مختلفتان تمام الاختلاف. إذا كان اثنان في السماء فكيف يكونون سبعة إذن؟! الأمر واضح تماما له، ولكن الفتاة تصر علي أنهم سبعة. عند هذه اللحظة يجد المتحدث أن من الضروري أن ينطق بالكلمة، وأن يخبرها بالحقيقة المرة، وبدل أن يقول إنهما في السماء، فإنه لا يستخدم أية كلمات مبهمة هذه المرة فيؤكد لها بشكل مباشر أنهما قد ماتا، هذان الاثنان قد ماتا، وروحاهما الآن في السماء. ولكن فكرة الموت لم تصل إلي الفتاة، وراحت الكلمات هباء، وبقي المتحدث في إطار وعيه المأساوي بالموت، وبقيت الفتاة في إطار إدراكها الساذج الذي لا يميز بين الحياة والموت. فهل هي مّلاك الحياة، أم ملاك الموت؟ هل هي جزء من الطبيعة والكون لا تدرك، ولا يمكنها أن تدرك، عمق مأساة الإنسان الذي يعيش في الزمان؟ هل هي كائن طبيعي تنتمي لعالم الطبيعة (وليس لعالم الإنسان) شعرها كث، تحيط تموجاته الكثيرة بوجهها؟ هل إصرارها علي التفاصيل والأعداد (نحن سبعة، اثنان يقطنان في كونواي اثنان أبحرا اثني عشرة خطوة من منزلنا) يدل علي مدي التصاقها بالأرض وبالسطح الظاهر. وحتي يبين الشاعر مدي عمق الاختلاف بين رؤيته ورؤيتها، جعل كل مقاطع القصيدة رباعية، إلا المقطع الأخير فهو خماسي، والبيت الخامس والأخير هو عبارة الطفلة لا، بل سبعة نحن!.
قصيدة أمل: طبعاً هو قالها وهو يصارع السرطان وهي من آخر قصائده
وقصيدة أمل دنقل ضدٌّ مّنْ تشبه قصيدة چون كيتس التي سبقت من بعض النواحي (رفض العزاء)، ولكنها تختلف عنها في أنه يحاول في اللحظة الأخيرة أن يجد نقطة عزاء من الموت يتجاوز الآن وهنا، ويتجاوز الزمان الدنيوي الخالص:
في غرف العمليات
كان نقاب الأطباء أبيض،
لون المعاطف أبيض،
تاج الحكيمات أبيض، أردية الراهبات،
الملاءات،
لون الأّسرٌّة، أربطة الشاش والقطن،
قرص المنوم، أنبوبة المصل،
كوب اللبنْ..
كل هذا يشع بقلبي الوّهّنْ
كل هذا البياض يذكرني بالكّفنْ!
فلماذا إذا مِتٌْ ...
يأتي المعزون متشحين ...
بشارات لون الحداد؟
هل لأن السواد ....
هو لون النجاة من الموت؟!
لون التميمة ضد ... الزمنْ،
ضدٌّ مّنْ؟
ومتي القلب في الخفقان اطمأنْ؟!
***
بين لونين: أستقبل الأصدقاء
الذين يرون سريريّ قبرا
وحياتيّ .. دهرا
وأري في العيون العميقةْ
لونّ الحقيقةْ
لونّ ترابِ الوطنْ!
القصيدة مأساوية وبسيطة، تستخدم لونين اثنين، كما هي الحال في الميلودراما والكاريكاتير: أبيض وأسود. وعنوان القصيدة دالٌ للغاية، فهو يعني التضاد البسيط الكامل بين حالتين يمثل كل لون حالة عكس الأخري، فكل شيء في المستشفي أبيض. وهنا تظهر عبقرية الشاعر عندما يدخل أبسط التفاصيل داخل إطار واحد: نقاب الأطباء _ لون المعاطف¬ تاج الحكيمات¬ أردية الراهبات¬ الملاءات.. إلخ. وكل هذا البياض يذكره بشيء واحد: بالكفن!
وهنا يأتي الشاعر بالمقابل أي اللون الأسود، ويسأل: لم يأتيه معزوه متشحين به؟! ثم يضفي علي اللون الأسود مضمونا عدوانيٌا، فكأن المعزين لم يأتوا لتعزيته ومواساته (فلا عزاء ولا مواساة في مثل هذا الموقف)، وإنما جاءوا يحتمون بالسواد من بياض الموت الذي أحاط به.
ولكن ما ينقذ الشاعر من العدم هو أنه يشير في النهاية لا إلي المعزيين، وإنما إلي الأصدقاء أصدقائه. وهذا التحول هو محاولة من جانب الشاعر لتجاوز عالم التضاد البسيط، عالم الأبيض والأسود. فهو حينما ينظر في عيون الأصدقاء (لا إلي أرديتهم) فإنه يري لون الحقيقة، التي لا هي بالأبيض ولا بالأسود، والتي ستبقي بعده، ويري لون تراب الوطن الخالد، فكأنه يتجاوز الزمان من خلال إدراكه للحقيقة ومن خلال إيمانه بالوطن!
خدورة أم بشق- مشرف منتدى الشعر
رد: فلسفة الموت والحياة في الشعر العربي والانجليزي
اختار موفق وجميل
هذا الامل رهيب وقصائدة العمودية غاية في التعبير الفلسفة الفكرية تقرأها آلاف المرات وتحس بطعم كل قراءة مختلفة عن السابقة.
مشكور عمو
ولكن ما ينقذ الشاعر من العدم هو أنه يشير في النهاية لا إلي المعزيين، وإنما إلي الأصدقاء أصدقائه. وهذا التحول هو محاولة من جانب الشاعر لتجاوز عالم التضاد البسيط، عالم الأبيض والأسود. فهو حينما ينظر في عيون الأصدقاء (لا إلي أرديتهم) فإنه يري لون الحقيقة، التي لا هي بالأبيض ولا بالأسود، والتي ستبقي بعده، ويري لون تراب الوطن الخالد، فكأنه يتجاوز الزمان من خلال إدراكه للحقيقة ومن خلال إيمانه بالوطن!
------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
وأري في العيون العميقةْ
لونّ الحقيقةْ
لونّ ترابِ الوطنْ!
هذا الامل رهيب وقصائدة العمودية غاية في التعبير الفلسفة الفكرية تقرأها آلاف المرات وتحس بطعم كل قراءة مختلفة عن السابقة.
مشكور عمو
ولكن ما ينقذ الشاعر من العدم هو أنه يشير في النهاية لا إلي المعزيين، وإنما إلي الأصدقاء أصدقائه. وهذا التحول هو محاولة من جانب الشاعر لتجاوز عالم التضاد البسيط، عالم الأبيض والأسود. فهو حينما ينظر في عيون الأصدقاء (لا إلي أرديتهم) فإنه يري لون الحقيقة، التي لا هي بالأبيض ولا بالأسود، والتي ستبقي بعده، ويري لون تراب الوطن الخالد، فكأنه يتجاوز الزمان من خلال إدراكه للحقيقة ومن خلال إيمانه بالوطن!
------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
وأري في العيون العميقةْ
لونّ الحقيقةْ
لونّ ترابِ الوطنْ!
nashi- مشرف المنتدى الرياضى
رد: فلسفة الموت والحياة في الشعر العربي والانجليزي
قرص المنوم، أنبوبة المصل،
كوب اللبنْ..
كل هذا يشع بقلبي الوّهّنْ
كل هذا البياض يذكرني بالكّفنْ!
فلماذا إذا مِتٌْ ...
يأتي المعزون متشحين ...
بشارات لون الحداد؟
هل لأن السواد ....
هو لون النجاة من الموت؟!
لون التميمة ضد ... الزمنْ،
ضدٌّ مّنْ؟
ومتي القلب في الخفقان اطمأنْ؟!
كوب اللبنْ..
كل هذا يشع بقلبي الوّهّنْ
كل هذا البياض يذكرني بالكّفنْ!
فلماذا إذا مِتٌْ ...
يأتي المعزون متشحين ...
بشارات لون الحداد؟
هل لأن السواد ....
هو لون النجاة من الموت؟!
لون التميمة ضد ... الزمنْ،
ضدٌّ مّنْ؟
ومتي القلب في الخفقان اطمأنْ؟!
nashi- مشرف المنتدى الرياضى
رد: فلسفة الموت والحياة في الشعر العربي والانجليزي
نعم متى القلب في الخفقان اطمأن ؟؟؟؟؟
خدورة أم بشق- مشرف منتدى الشعر
رد: فلسفة الموت والحياة في الشعر العربي والانجليزي
مرحّب بالعودة ياعم خدورة ..أرجوا ان تكون بخير ؛جيت وكالعادة وجدت محطة الهلال توقفّت عند محطتها المعلومة
في إنتظارالمزيد من روائعك التي نهلنا منها ....
في إنتظارالمزيد من روائعك التي نهلنا منها ....
محمد قادم نوية- مشرف منتدى الصوتيات
رد: فلسفة الموت والحياة في الشعر العربي والانجليزي
عودا حميدا استاذنا الكبير فضل و بالجد عودة قوية
سينايو اليابسه يا استاذنا و مفاهيم عميقة عند المفكرين و الفلاسفة
حقيقتان فقط
سبحان الله
فيصل خليل حتيلة- مشرف إجتماعيات أبوجبيهة
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى