محمد الأمين.. عبقري الأغنية ومكمل السلم الموسيقي
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
محمد الأمين.. عبقري الأغنية ومكمل السلم الموسيقي
إعداد: ياسر عركى
منذ بروز الموسيقار محمد الأمين في العام 1962م عبر الإذاعة السودانية من خلال برنامج (مع الأقاليم) للإعلامي الراحل حسن محمد علي تعاهد ان يكون من حملة لواء التحديث والتجديد في الفكر الموسيقي بالسودان، فتبدت جديته وحرصه من خلال سعيه لتأسيس لون أدائي ولحني متفرد ومتجاوز، مع سعي مماثل في تلك الفترة لتقديم الجديد على مستوى الأشعار أيضاً بتقديم اغنية (طائشة الضفائر) للشاعر نزار قباني والتي قد يكون تقديمها في البدايات بعضاً من المغامرة، ليسير الفنان في صعوده رغم المتاريس وأشواك الطريق التي اعترضت مسيره الغض.
ولد الفنان محمد الأمين حمد النيل الطاهر الإزيرق فى 20 فبراير 1945م ، ومنذ صغره وهو بعد لم يتجاوز الرابعة من العمر كان يدندن بصوته ويلحن بل عندما يطلب شيئاً وهو فى هذه السن الطفولية، كان يطلبه بشكل لحن ومنذ نشأته كان متعلقاً بالفن والموسيقي وفي تحركات طفولته ما بين أهله ودار أبيه وأعمامه في ود مدني تارة وفي (ود النعيم) إحدى ضواحي ود مدني حيث الجذور، ومنذ صباه كان يهوى العزف على آلة (المزمار)، وفي نهاية الخمسينات من القرن الماضى بدأ محمد الأمين بتعلم آلة العود، ويرجع الفضل في ذلك الى الاستاذ السر محمد فضل الذي درس محمد الأمين كيفية العزف على العود، وكان أيضاً مدرسه فى المرحلة الابتدائية بمدرسة الشرقية الأولية.
بدأ محمد الامين بالتمرين المتواصل ولساعات طويلة فيما يتعلمه من استاذه السر محمد فضل، وفي هذه الفترة انتبه محمد الأمين الى اهمية دراسة علم الموسيقى وزيادة معرفته وموهبته، وبكل جدية بدأ دراسة النوتة الموسيقية والقواعد على يد الأستاذ محمد آدم المنصوري والذي كان ضمن فرقة موسيقى بوليس النيل الأزرق، ومن هنا كانت البداية الصحيحة والمستندة على العلم وبدأ بزيادة عدد ساعات التمرين وتطبيق القواعد الموسيقية في كيفية استخراج السلالم الموسيقية ومعرفة الانتقالات السليمة ما بين سلم وآخر ولساعات طويلة ينسى فيها زمن الوجبات.
اتجاه محمد الأمين الى العلم الموسيقي واهتمامه بآلة العود ومحاولة تطبيق السلالم عليها والتمرين المتواصل بالإضافة الى موهبته الفطرية واستماعه الكثير للموسيقى العربية وخاصة أم كلثوم ومحمد عبدالوهاب، زاد من ثقافته وزادت موهبته وأصبح من أكثر العازفين براعة فى استنطاق آلة العود، هذه المهارة العزفية انتجت ألحاناً ظلت راسخة فى وجدان الشعب السوداني. وباختلاف منابع الاستيحاء والالهام والمعرفة ظلت مدينة ود مدني منجماً للمبدعين، فأجواؤها تتجه نحو الابداع، وملهمة وباعثة للجمال، لذا كانت الحتمية ظهور كل تلك الأسماء التي تحتشد وتلتصق بالذاكرة.. السني.. الصوفية ونارها وإيقاعها الحار وتلك القباب الخضر وجوها النفسي الباعث للسكينة. ولعل ريادية المدينة اقتصادياً واجتماعياً وإبداعياً بحسب الباحث عمر حسن غلام الله لكونها من اقدم اربع مدن في السودان ويرجع تاريخها الي نهاية النصف الأول من القرن السادس عشر الميلادي في عهد( مملكة الفونج (السلطنة الزرقاء 1508م ـ 1820م) حيث نشأت مدينة ود مدني في عام 1489م عندما حل الفقيه محمد الأمين ابن الفقيه مدني الذي أقام بذات بالمكان الذي توجد فيه قبته الآن والمعروفة بقبة السني. وحسب غلام الله أنه وبقيام مشروع الجزيرة في عام 1925م، أصبحت مدني مصدر جذب إقتصادي وثقافي فتداعت المجموعات السكانية من كافة أقاليم السودان بسبب حاجة المشروع إلى السواعد التي تزرع.
وبرأيي أن تفرد فناني مدني يعود الى أنها من اوائل المدن بالسودان التي عرفت التنفيذ الموسيقي منذ اوائل ثلاثينات القرن الماضي، وذلك بقيام فرقة موسيقية أسسها عشرة عازفين هم بدر التهامي مصطفى، علي الحوري، عثمان بابكر، عبد المنعم عثمان خليفة في آلة الكمان، ومحمود محمد جادين (آلة الاورغ) وعبدو أحمد البوشى في آلة الأكورديون والأورغن ومحمد بابكر رجب في الفلوت وإسماعيل أبو السباع ( كلارنيت) والعازف الطيب عبد الله الكارب(عود).
لذا أنتجت المدينة الكثير من الفنانين والموسيقيين ابتداء من ابراهيم الكاشف والشبلى ، عمر أحمد، وقدمت في بداية الخمسينات رمضان حسن والخير عثمان، وعند مطلع الستينات ظهر محمد الأمين وأبو عركي البخيت للتدليل على عظمة المدينة.
يقول الموسيقي أ. د عباس سليمان السباعي: في عام 1962م ذهب محمد الأمين للخرطوم مشاركاً ضمن فرقة مديرية النيل الأزرق بود مدني في مسابقات فنون المديريات التسع المعروفة آنذاك بمناسبة افتتاح المسرح القومي بأم درمان، وبعد الانتهاء من المهرجان قرر محمد الأمين الاستقرار بالخرطوم وظل يمارس نشاطه مع فرقة الإذاعة، فظهرت أغنية ( وحياة ابتسامتك) للشاعر فضل الله محمد التي استخدم فيها آلة العود (صولو) في إحدى الكوبليهات، فانتبه الناس الى موهبة وبراعة عزفية يتسم بها الفنان، بالإضافة الى موهبته فى التلحين والأداء، ويزيد السباعي: لم يمكث محمد الأمين طويلاً بالخرطوم، فقرر الرجوع الى مدينة ود مدنى، هذه العودة كانت بمثابة التزود وقياس التجربة، والعودة من جديد بشكل أقوى، ويكشف أن الفنان عانى أثناء تواجده بالخرطوم ولاقى الكثير من المضايقات والمعاكسات- لم يسمها - حاله حال أى فنان ناشئ وهو على العتبات الأولى من الطريق.
تميزت تجربة الفنان ببعد رسالي ونضالي وثوري وهو ما أكسبها عافيتها، ومميزها عن كثير من التجارب الغنائية التي دارت جلها في فلك شكوى ونجوى الحبيب وغنج المحبوبة، ليغيب الوطن والناس عن تجاربهم وسط سطوة الخصل المسدلة وأزقة الحب الضيقة وتعسيلة المحبوبة ودلالها وأجندتها الغرائزية.
فبمثلما كانت ثورة اكتوبر بتفجرها فى العام 1964م انطلاقة للشارع السودانى، فإنها بكل تأكيد بمثابة (انطلاقة) وصرخة مبلاد للمبتدئ حينها محمد الأمين، ففي الاحتفال الذي أقيم بمدني بمناسبة ثورة اكتوبر، وبحضور الفنان محمد وردي وعدد كبير من المسئولين بإذاعة ام درمان، قدم ابو اللمين نشيد (أكتوبر 21) للشاعر الصحفي فضل الله محمد الطالب -حينها- بجامعة الخرطوم، وصاحب الفنان محمد وردي بالعزف على العود في نشيد أصبح الصبح، هذا النشيد ساهم بشكل بارز في إنطلاقة محمد الأمين وشجعه على العودة مجددًا الى الخرطوم وتسجيل النشيد، لتفتح الإذاعة أبوابها للفنان لتسجيل كل أعماله الوطنية والعاطفية.
في الذكرى الثانية لثورة اكتوبر قدم محمد الأمين نشيد (الانطلاقه) من كلمات الشاعر فضل الله محمد:
وفي عام 1966 جدد محمد الأمين وطنيته وانتماءه الى الوطن النيل، بتقديم نشيد قصة ثورة أو (الملحمة) للشاعر هاشم صديق، وفق لحن متعدد الكوبليهات ومتنوع من ناحية اللحن والأداء والإيقاع، وشارك في أدائها عدد من المطربين على رأسهم الراحل خليل اسماعيل، عثمان مصطفى، أم بلينة السنوسي، بهاء الدين (أب شله).
وباعتقاد الموسيقي الفاتح حسين أن العمل يعتبر من أكبر وأقوى الأعمال الوطنية التي قدمت في السودان، وقال إنه يمكن تقديمه فى شكل عمل أوبرالي مصاحب بالتمثيل والأداء، بعد براعته في تلحينه وتجسيده من حيث التسلسل النغمي اللحني والربط ما بين الكوبليهات والانتقال من سلم الى آخر.
تلك الفترة وما رافقها من قلق سياسي كبير بالسودان وأفريقيا وشعوب العالم الحر، خلفت حركات تحرير وثورات وأثمرت أغنيات وطنية واعية.. وكانت هذه الأغنيات تعبيرًا عن موقف مبدئي رافض وإيمان بقيم التحرر والعدالة والديمقراطية، ولم تكن عنواناً لفردية جامحة، ولا واجهة لآيدولوجيا محددة، لذا جرت عليه هذه الأغنيات الكثير من العنت والاعتقالات والاضطهاد وأدخلته في مواجهات عصية مع العصبة المايوية..
وبرغم ذلك واصل محمد الأمين ابداعه بارتباط صميم بوطنه بظهوره بعدد من الأناشيد الوطنية والثورية ارتبطت بنضالات قومية مما قاد لاعتقاله وزميله الفنان محمد وردي فى العام 1971م عقب اندلاع الثورة التصحيحية التي قادها الرائد هاشم العطا ليزجا في المعتقل إبان قبضة الأمن المايوي المنحل، ومن هذه الأعمال نشيد (المبادئ) لفضل الله محمد:
مبدأ الحرية أول
لن يحور..لن يوأل
والنظام سكة حياتنا
مهما درب السكة طول
الى ذلك قدم( السودان الوطن الواحد، تحية اكتوبر ومساجينك) لشاعر الشعب محجوب شريف:
مساجينك.. مساجينك نغرد في زنازينك..
عصافيرا مجرحة بي سكاكينك..
نغني ونحن في أسرك..
وترجف انت قصرك..
ولما تهب عواصفنا..
ما حيلة قوانينك !!!
(الأزيرق) فنان مجدد أعاد اكتشاف إرثنا النغمي بإعادة تحميل الفكرة اللحنية الشعبية بخصب جمالي جديد وتوظيفها في بعض أغنياته (الدوبيت في صولو الخواض ) في أغنية (زورق الألحان) لفضل الله محمد مع توظيف الفكرة اللحنية لأغنية (المهيرة عقد الجلاد) في أغنية (مراكب شوق) للراحل محمد حسن دكتور باستدعاء هذه الألحان المنسية وإعادة إنتاجها من جديد.
يرى الموسيقي د. الفاتح حسين أن نشأة محمد الأمين في السودان المصغر- ولاية الجزيرة - وتأثره بفنون تلك المنطقة التي جمعت كل أهل السودان وهم محملون بثقافاتهم الغنائية والصوفية المتنوعة، هذه النشأة والتأثر أصبحا يمثلان جوهراً أصيلاً قيماً ودينمو محركاً في شكل تأليف معظم الألحان التي قدمها محمد الأمين، فنجد محمد الأمين الذي ظهر بقوة في شكل ألحانه الوطنية والإيقاعات التي تبث الحماس في الروح والمتفاعلة مع وجدان المواطن السوداني، نجده أيضاً يدخل بعض الأنماط الغنائية الشعبية المنتشرة في السودان مثل أغاني الحماسة، و المناحة، والدوبيت، بل عندما يتناول أغاني من المراحل الفنية السابقة كان يدخل عليها عنصر الإبداع الموسيقي في شكل الموسيقى المصاحبة وإدخال اللزمات الموسيقية، وكان هذا واضحاً في أغنية الحقيبة (بدور القلعة) التي وضع كلماتها الشاعر الراحل صالح عبد السيد(أبو صلاح) هذه الأغنية قدمها محمد الأمين وهو في بداية حياته الفنية فى نهاية الخمسينات وبداية الستينات واشتهر بها فى مدينة ود مدني، كما قدم أغنية (جاني طيفو طايف) ( من قليبو الجافي) ( عازة الفراق بي طال).
ويتابع حسين: فى مجال أغاني الحماسة قام بوضع اللحن لأغنية (عيال أبجويلى).. موضحاً أن محمد الأمين قام بحفظ بعض من أبيات قصيدة في مدح الأسرة بمساعدة إحدى جداته ووضع عليها اللحن المعروف على إيقاع العرضة الحماسي المميز لمنطقة البطانة.
وأشار الفاتح لتجربة اخرى استلهمها الفنان من الموروث الشعبي، ووصفها بأشهر أغانيه المناحية وهي أغنية (غرَّارة العبوس)، التي ظلت تؤدى في لحن دائري وبسيط، فاستلهم محمد الأمين هذه الفكرة البسيطة وطورها موسيقياً وأدائياً وقدمها لجمهوره وأصبحت من أشهر أغانيه المناحية.
ونبه الفاتح حسين إلى أن الموسيقار محمد الأمين يعد أنموذجاً للفنان الذي تغذى بتراثه واستلهم منه ألحانه، وذلك بإدخاله فن الدوبيت في بعض مؤلفاته الغنائية، مستدلاً بأغنية (جديات العسين):
اريل شام شروق شراكي ما نشابك ..
شام نفسك متل مسك العشاري الشابك
ويقول إن محمد الامين أدخل عليها مجموعة من اشعار الدوبيت وبألحانه البسيطة والمتنوعة، ولم ينس حسين أغنية (زورق الألحان) للشاعر فضل الله محمد التي شهدت حوارًا مابين آلة الكمان الصولو، ومحمد الأمين في الكوبليه الأخير للأغنية، حيث تبدأ آلة الكمان وكأنها تؤدى لحناً من ألحان الدوبيت البسيطة ، ويليها محمد الامين بالدوبيت الذى ادخل عليه بعض الأبيات الشعرية من كلمات الشاعر محمد علي جبارة، يبدأ الدوبيت بمطلع (ست البنات يا اغلى من عيني) والمنتشر فى اداء الدوبيت فاستلهم منه محمد الامين فكرته فى الكوبليه الاخير من اغنية (زورق الالحان) وتابع الفاتح: الفنان لم يبتعد ايضاً عن تراثه ، بل استفاد من الأفكار اللحنية البسيطة التى تؤديها النساء وخاصة (الحبوبات) فى بيوت الافراح ، حينما استفاد من اغنية (العديل والزين) الشعبية والتى يعرفها كل السودانيين. واصفاً الفنان بالعبقري بعد استفادته مجددًا من فن الدوبيت فى اغنية (حروف اسمك) للشاعر هاشم صديق، وذلك فى شكل التأليف خاصة لدى استخدامه لكل نغمات السلم السبعة، وذلك بإدخال الدرجة الرابعة والسابعة، متابعاً ( نظرًا للعبقرية أعلاه تقبلت الأذن السودانية هذا التحديث دون نفور رغم انها تعودت على سماع الخمس نغمات) .
شارك الفنان محمد الأمين في الكثير من المهرجانات الغنائية داخل وخارج السودان وقدم العديد من الحفلات فى الدول العربية والأوربية والولايات المتحدة الامريكية ، وأهم المهرجانات هي المهرجان الثقافي الأول بالجزائر، مهرجان الشباب العالمي بموسكو ، المهرجان الفني الموسيقي بهولندا الى جانب عدة مهرجانات بألمانيا.
تعتبر اغنية ( يا معاين من الشباك) الموقعة على سلم (دو الصغير)، غير المألوف للموسيقيين فى ذاك الزمان طفرة في شكل الألحان السودانية الخماسية المنتشرة والمألوفة بالنسبة للموسيقيين، فأتى لحن الأغنية على ايقاع رباعي سريع محافظاً على خماسيته وروح التحديث التي ينشدها.
منذ بروز الموسيقار محمد الأمين في العام 1962م عبر الإذاعة السودانية من خلال برنامج (مع الأقاليم) للإعلامي الراحل حسن محمد علي تعاهد ان يكون من حملة لواء التحديث والتجديد في الفكر الموسيقي بالسودان، فتبدت جديته وحرصه من خلال سعيه لتأسيس لون أدائي ولحني متفرد ومتجاوز، مع سعي مماثل في تلك الفترة لتقديم الجديد على مستوى الأشعار أيضاً بتقديم اغنية (طائشة الضفائر) للشاعر نزار قباني والتي قد يكون تقديمها في البدايات بعضاً من المغامرة، ليسير الفنان في صعوده رغم المتاريس وأشواك الطريق التي اعترضت مسيره الغض.
ولد الفنان محمد الأمين حمد النيل الطاهر الإزيرق فى 20 فبراير 1945م ، ومنذ صغره وهو بعد لم يتجاوز الرابعة من العمر كان يدندن بصوته ويلحن بل عندما يطلب شيئاً وهو فى هذه السن الطفولية، كان يطلبه بشكل لحن ومنذ نشأته كان متعلقاً بالفن والموسيقي وفي تحركات طفولته ما بين أهله ودار أبيه وأعمامه في ود مدني تارة وفي (ود النعيم) إحدى ضواحي ود مدني حيث الجذور، ومنذ صباه كان يهوى العزف على آلة (المزمار)، وفي نهاية الخمسينات من القرن الماضى بدأ محمد الأمين بتعلم آلة العود، ويرجع الفضل في ذلك الى الاستاذ السر محمد فضل الذي درس محمد الأمين كيفية العزف على العود، وكان أيضاً مدرسه فى المرحلة الابتدائية بمدرسة الشرقية الأولية.
بدأ محمد الامين بالتمرين المتواصل ولساعات طويلة فيما يتعلمه من استاذه السر محمد فضل، وفي هذه الفترة انتبه محمد الأمين الى اهمية دراسة علم الموسيقى وزيادة معرفته وموهبته، وبكل جدية بدأ دراسة النوتة الموسيقية والقواعد على يد الأستاذ محمد آدم المنصوري والذي كان ضمن فرقة موسيقى بوليس النيل الأزرق، ومن هنا كانت البداية الصحيحة والمستندة على العلم وبدأ بزيادة عدد ساعات التمرين وتطبيق القواعد الموسيقية في كيفية استخراج السلالم الموسيقية ومعرفة الانتقالات السليمة ما بين سلم وآخر ولساعات طويلة ينسى فيها زمن الوجبات.
اتجاه محمد الأمين الى العلم الموسيقي واهتمامه بآلة العود ومحاولة تطبيق السلالم عليها والتمرين المتواصل بالإضافة الى موهبته الفطرية واستماعه الكثير للموسيقى العربية وخاصة أم كلثوم ومحمد عبدالوهاب، زاد من ثقافته وزادت موهبته وأصبح من أكثر العازفين براعة فى استنطاق آلة العود، هذه المهارة العزفية انتجت ألحاناً ظلت راسخة فى وجدان الشعب السوداني. وباختلاف منابع الاستيحاء والالهام والمعرفة ظلت مدينة ود مدني منجماً للمبدعين، فأجواؤها تتجه نحو الابداع، وملهمة وباعثة للجمال، لذا كانت الحتمية ظهور كل تلك الأسماء التي تحتشد وتلتصق بالذاكرة.. السني.. الصوفية ونارها وإيقاعها الحار وتلك القباب الخضر وجوها النفسي الباعث للسكينة. ولعل ريادية المدينة اقتصادياً واجتماعياً وإبداعياً بحسب الباحث عمر حسن غلام الله لكونها من اقدم اربع مدن في السودان ويرجع تاريخها الي نهاية النصف الأول من القرن السادس عشر الميلادي في عهد( مملكة الفونج (السلطنة الزرقاء 1508م ـ 1820م) حيث نشأت مدينة ود مدني في عام 1489م عندما حل الفقيه محمد الأمين ابن الفقيه مدني الذي أقام بذات بالمكان الذي توجد فيه قبته الآن والمعروفة بقبة السني. وحسب غلام الله أنه وبقيام مشروع الجزيرة في عام 1925م، أصبحت مدني مصدر جذب إقتصادي وثقافي فتداعت المجموعات السكانية من كافة أقاليم السودان بسبب حاجة المشروع إلى السواعد التي تزرع.
وبرأيي أن تفرد فناني مدني يعود الى أنها من اوائل المدن بالسودان التي عرفت التنفيذ الموسيقي منذ اوائل ثلاثينات القرن الماضي، وذلك بقيام فرقة موسيقية أسسها عشرة عازفين هم بدر التهامي مصطفى، علي الحوري، عثمان بابكر، عبد المنعم عثمان خليفة في آلة الكمان، ومحمود محمد جادين (آلة الاورغ) وعبدو أحمد البوشى في آلة الأكورديون والأورغن ومحمد بابكر رجب في الفلوت وإسماعيل أبو السباع ( كلارنيت) والعازف الطيب عبد الله الكارب(عود).
لذا أنتجت المدينة الكثير من الفنانين والموسيقيين ابتداء من ابراهيم الكاشف والشبلى ، عمر أحمد، وقدمت في بداية الخمسينات رمضان حسن والخير عثمان، وعند مطلع الستينات ظهر محمد الأمين وأبو عركي البخيت للتدليل على عظمة المدينة.
يقول الموسيقي أ. د عباس سليمان السباعي: في عام 1962م ذهب محمد الأمين للخرطوم مشاركاً ضمن فرقة مديرية النيل الأزرق بود مدني في مسابقات فنون المديريات التسع المعروفة آنذاك بمناسبة افتتاح المسرح القومي بأم درمان، وبعد الانتهاء من المهرجان قرر محمد الأمين الاستقرار بالخرطوم وظل يمارس نشاطه مع فرقة الإذاعة، فظهرت أغنية ( وحياة ابتسامتك) للشاعر فضل الله محمد التي استخدم فيها آلة العود (صولو) في إحدى الكوبليهات، فانتبه الناس الى موهبة وبراعة عزفية يتسم بها الفنان، بالإضافة الى موهبته فى التلحين والأداء، ويزيد السباعي: لم يمكث محمد الأمين طويلاً بالخرطوم، فقرر الرجوع الى مدينة ود مدنى، هذه العودة كانت بمثابة التزود وقياس التجربة، والعودة من جديد بشكل أقوى، ويكشف أن الفنان عانى أثناء تواجده بالخرطوم ولاقى الكثير من المضايقات والمعاكسات- لم يسمها - حاله حال أى فنان ناشئ وهو على العتبات الأولى من الطريق.
تميزت تجربة الفنان ببعد رسالي ونضالي وثوري وهو ما أكسبها عافيتها، ومميزها عن كثير من التجارب الغنائية التي دارت جلها في فلك شكوى ونجوى الحبيب وغنج المحبوبة، ليغيب الوطن والناس عن تجاربهم وسط سطوة الخصل المسدلة وأزقة الحب الضيقة وتعسيلة المحبوبة ودلالها وأجندتها الغرائزية.
فبمثلما كانت ثورة اكتوبر بتفجرها فى العام 1964م انطلاقة للشارع السودانى، فإنها بكل تأكيد بمثابة (انطلاقة) وصرخة مبلاد للمبتدئ حينها محمد الأمين، ففي الاحتفال الذي أقيم بمدني بمناسبة ثورة اكتوبر، وبحضور الفنان محمد وردي وعدد كبير من المسئولين بإذاعة ام درمان، قدم ابو اللمين نشيد (أكتوبر 21) للشاعر الصحفي فضل الله محمد الطالب -حينها- بجامعة الخرطوم، وصاحب الفنان محمد وردي بالعزف على العود في نشيد أصبح الصبح، هذا النشيد ساهم بشكل بارز في إنطلاقة محمد الأمين وشجعه على العودة مجددًا الى الخرطوم وتسجيل النشيد، لتفتح الإذاعة أبوابها للفنان لتسجيل كل أعماله الوطنية والعاطفية.
في الذكرى الثانية لثورة اكتوبر قدم محمد الأمين نشيد (الانطلاقه) من كلمات الشاعر فضل الله محمد:
وفي عام 1966 جدد محمد الأمين وطنيته وانتماءه الى الوطن النيل، بتقديم نشيد قصة ثورة أو (الملحمة) للشاعر هاشم صديق، وفق لحن متعدد الكوبليهات ومتنوع من ناحية اللحن والأداء والإيقاع، وشارك في أدائها عدد من المطربين على رأسهم الراحل خليل اسماعيل، عثمان مصطفى، أم بلينة السنوسي، بهاء الدين (أب شله).
وباعتقاد الموسيقي الفاتح حسين أن العمل يعتبر من أكبر وأقوى الأعمال الوطنية التي قدمت في السودان، وقال إنه يمكن تقديمه فى شكل عمل أوبرالي مصاحب بالتمثيل والأداء، بعد براعته في تلحينه وتجسيده من حيث التسلسل النغمي اللحني والربط ما بين الكوبليهات والانتقال من سلم الى آخر.
تلك الفترة وما رافقها من قلق سياسي كبير بالسودان وأفريقيا وشعوب العالم الحر، خلفت حركات تحرير وثورات وأثمرت أغنيات وطنية واعية.. وكانت هذه الأغنيات تعبيرًا عن موقف مبدئي رافض وإيمان بقيم التحرر والعدالة والديمقراطية، ولم تكن عنواناً لفردية جامحة، ولا واجهة لآيدولوجيا محددة، لذا جرت عليه هذه الأغنيات الكثير من العنت والاعتقالات والاضطهاد وأدخلته في مواجهات عصية مع العصبة المايوية..
وبرغم ذلك واصل محمد الأمين ابداعه بارتباط صميم بوطنه بظهوره بعدد من الأناشيد الوطنية والثورية ارتبطت بنضالات قومية مما قاد لاعتقاله وزميله الفنان محمد وردي فى العام 1971م عقب اندلاع الثورة التصحيحية التي قادها الرائد هاشم العطا ليزجا في المعتقل إبان قبضة الأمن المايوي المنحل، ومن هذه الأعمال نشيد (المبادئ) لفضل الله محمد:
مبدأ الحرية أول
لن يحور..لن يوأل
والنظام سكة حياتنا
مهما درب السكة طول
الى ذلك قدم( السودان الوطن الواحد، تحية اكتوبر ومساجينك) لشاعر الشعب محجوب شريف:
مساجينك.. مساجينك نغرد في زنازينك..
عصافيرا مجرحة بي سكاكينك..
نغني ونحن في أسرك..
وترجف انت قصرك..
ولما تهب عواصفنا..
ما حيلة قوانينك !!!
(الأزيرق) فنان مجدد أعاد اكتشاف إرثنا النغمي بإعادة تحميل الفكرة اللحنية الشعبية بخصب جمالي جديد وتوظيفها في بعض أغنياته (الدوبيت في صولو الخواض ) في أغنية (زورق الألحان) لفضل الله محمد مع توظيف الفكرة اللحنية لأغنية (المهيرة عقد الجلاد) في أغنية (مراكب شوق) للراحل محمد حسن دكتور باستدعاء هذه الألحان المنسية وإعادة إنتاجها من جديد.
يرى الموسيقي د. الفاتح حسين أن نشأة محمد الأمين في السودان المصغر- ولاية الجزيرة - وتأثره بفنون تلك المنطقة التي جمعت كل أهل السودان وهم محملون بثقافاتهم الغنائية والصوفية المتنوعة، هذه النشأة والتأثر أصبحا يمثلان جوهراً أصيلاً قيماً ودينمو محركاً في شكل تأليف معظم الألحان التي قدمها محمد الأمين، فنجد محمد الأمين الذي ظهر بقوة في شكل ألحانه الوطنية والإيقاعات التي تبث الحماس في الروح والمتفاعلة مع وجدان المواطن السوداني، نجده أيضاً يدخل بعض الأنماط الغنائية الشعبية المنتشرة في السودان مثل أغاني الحماسة، و المناحة، والدوبيت، بل عندما يتناول أغاني من المراحل الفنية السابقة كان يدخل عليها عنصر الإبداع الموسيقي في شكل الموسيقى المصاحبة وإدخال اللزمات الموسيقية، وكان هذا واضحاً في أغنية الحقيبة (بدور القلعة) التي وضع كلماتها الشاعر الراحل صالح عبد السيد(أبو صلاح) هذه الأغنية قدمها محمد الأمين وهو في بداية حياته الفنية فى نهاية الخمسينات وبداية الستينات واشتهر بها فى مدينة ود مدني، كما قدم أغنية (جاني طيفو طايف) ( من قليبو الجافي) ( عازة الفراق بي طال).
ويتابع حسين: فى مجال أغاني الحماسة قام بوضع اللحن لأغنية (عيال أبجويلى).. موضحاً أن محمد الأمين قام بحفظ بعض من أبيات قصيدة في مدح الأسرة بمساعدة إحدى جداته ووضع عليها اللحن المعروف على إيقاع العرضة الحماسي المميز لمنطقة البطانة.
وأشار الفاتح لتجربة اخرى استلهمها الفنان من الموروث الشعبي، ووصفها بأشهر أغانيه المناحية وهي أغنية (غرَّارة العبوس)، التي ظلت تؤدى في لحن دائري وبسيط، فاستلهم محمد الأمين هذه الفكرة البسيطة وطورها موسيقياً وأدائياً وقدمها لجمهوره وأصبحت من أشهر أغانيه المناحية.
ونبه الفاتح حسين إلى أن الموسيقار محمد الأمين يعد أنموذجاً للفنان الذي تغذى بتراثه واستلهم منه ألحانه، وذلك بإدخاله فن الدوبيت في بعض مؤلفاته الغنائية، مستدلاً بأغنية (جديات العسين):
اريل شام شروق شراكي ما نشابك ..
شام نفسك متل مسك العشاري الشابك
ويقول إن محمد الامين أدخل عليها مجموعة من اشعار الدوبيت وبألحانه البسيطة والمتنوعة، ولم ينس حسين أغنية (زورق الألحان) للشاعر فضل الله محمد التي شهدت حوارًا مابين آلة الكمان الصولو، ومحمد الأمين في الكوبليه الأخير للأغنية، حيث تبدأ آلة الكمان وكأنها تؤدى لحناً من ألحان الدوبيت البسيطة ، ويليها محمد الامين بالدوبيت الذى ادخل عليه بعض الأبيات الشعرية من كلمات الشاعر محمد علي جبارة، يبدأ الدوبيت بمطلع (ست البنات يا اغلى من عيني) والمنتشر فى اداء الدوبيت فاستلهم منه محمد الامين فكرته فى الكوبليه الاخير من اغنية (زورق الالحان) وتابع الفاتح: الفنان لم يبتعد ايضاً عن تراثه ، بل استفاد من الأفكار اللحنية البسيطة التى تؤديها النساء وخاصة (الحبوبات) فى بيوت الافراح ، حينما استفاد من اغنية (العديل والزين) الشعبية والتى يعرفها كل السودانيين. واصفاً الفنان بالعبقري بعد استفادته مجددًا من فن الدوبيت فى اغنية (حروف اسمك) للشاعر هاشم صديق، وذلك فى شكل التأليف خاصة لدى استخدامه لكل نغمات السلم السبعة، وذلك بإدخال الدرجة الرابعة والسابعة، متابعاً ( نظرًا للعبقرية أعلاه تقبلت الأذن السودانية هذا التحديث دون نفور رغم انها تعودت على سماع الخمس نغمات) .
شارك الفنان محمد الأمين في الكثير من المهرجانات الغنائية داخل وخارج السودان وقدم العديد من الحفلات فى الدول العربية والأوربية والولايات المتحدة الامريكية ، وأهم المهرجانات هي المهرجان الثقافي الأول بالجزائر، مهرجان الشباب العالمي بموسكو ، المهرجان الفني الموسيقي بهولندا الى جانب عدة مهرجانات بألمانيا.
تعتبر اغنية ( يا معاين من الشباك) الموقعة على سلم (دو الصغير)، غير المألوف للموسيقيين فى ذاك الزمان طفرة في شكل الألحان السودانية الخماسية المنتشرة والمألوفة بالنسبة للموسيقيين، فأتى لحن الأغنية على ايقاع رباعي سريع محافظاً على خماسيته وروح التحديث التي ينشدها.
نزار الكير الخوجلابى- عضو نشط
رد: محمد الأمين.. عبقري الأغنية ومكمل السلم الموسيقي
مشكور اخى انه هو ابن الجزيرة الخضراء مكمل السلم الموسيقي....اعجبتنى مشاركته للاستاز عبدالقادر سالم فى مهرجان الثقافة فى ودمدنى ...مقتول هواك يا كردفان
Suhad Abduelgfaar- مشرف حكاوي المهجر
مواضيع مماثلة
» محمد حسن الامين....؟
» ما دوامة – فصل السلم و الثعبان
» فى الخوجلاب يا قلبى منى شالك مين
» من روائع عبدالمنعم عبدالحي
» اخبار الفن والفنانين
» ما دوامة – فصل السلم و الثعبان
» فى الخوجلاب يا قلبى منى شالك مين
» من روائع عبدالمنعم عبدالحي
» اخبار الفن والفنانين
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى