الطيبون: عبد الله الطيب والطيب صالح وطارق الطيب
5 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
الطيبون: عبد الله الطيب والطيب صالح وطارق الطيب
هنالك قمم سودانية أثرت في العالم وترك اصحابها ذكرى طيبة تتفق في المعنى مع أسمائهم التي حملوها وعرفوا بها، وستزال ذكراهم تسير بها الركبان، وقد أفسح لهم تاريخ الفكر والأدب العالمي حيزا يكفي لتوثيق حياتهم بأحرف من نور ، يقف على رأسهم البروفيسور عبدالله الطيب و الأديب العالمي الطيب صالح والروائي الشاعر طارق الطيب، وهم أفذاذ في نتاجهم تلتقي غاياتهم في بعض الأفكار، رغم رؤاهم التي تختلف مع الآخر، لكن فكرهم وأدبهم يلتقي في الشكل الأدبي نثرا كان أو شعرا، لا يحدهم زمان أو مكان معين وذلك لانتمائهم لكوكبة الأدباء الكونيين.
انصب اهتمامهم على لغة الضاد و الحفاظ على التراث العربي الإفريقي ، والحوار السلمي بين الشرق والغرب والهوية مع اهتمام فائق بالترجمة . ومن بعض إسهامات عبدالله الطيب في ذلك نقل الأحاجي السودانية وجمعها كقصص لمعرفة بعض أساطير البيئة السودانية، إضافة لكتابه من نافذة على القطار قصة افريقي هاجر الى اوروبا ، و توسع في ذلك الطيب صالح وأضحت البيئة السودانية مسرحا لأعماله ، وعكسها طارق الطيب كبيئة افريقية في أعماله .
ولد عبدالله الطيب بمدينة الدامر في عام 1921م يقول في ذلك:
ويا دامر المجذوب أنت مليحة تذكرتها يا بعد ما أتذكر
فدونك أبياتا إليك بعثتــــــــها وهيجني صوت رخيم معبر
وكان ميلاد الطيب صالح بقرية كرمكول في عام1928م نشا فيها، يقول الطيب لقد كانت قريتي مختلفة تماما عن الأمكنة والمدن الأخرى التي عشت فيها، ولا شك أن هذه المنطقة هي التي خلقت عالمي الروائي،......في هذه البيئة بدأت مسيرة حياتي، ورغم أنني تعرجت في الزمان والمكان بعد ذلك لكن أثر البيئة لا يزال راسخا في أعماقي).
في عام 1959م ولد طارق الطيب: (ولدت في القاهرة في عام 1959م لأسرة سودانية من أب من مدينة كوستي الواقعة في أواسط السودان، وأم من أصول مصرية سودانية)
( ............كما تعرف إنني من مواليد القاهرة لأب سوداني من كوستي، نزح للقاهرة لأنه أحب فتاة جميلة من أصول سودانية مصرية، فترك الجمل بما حمل في السودان، وقرر السفر إلى مصر للزواج. تزوج وأنجب ستة من البنين والبنات وعمل في مصر إلى أن توفي في العام 1994.)
يقول الطيب صالح عن دراسته(كنت أدرس في جامعة الخرطوم. فضقت بها وتركتها. عملت فترة قصيرة بالتدريس في بلدة رفاعة. لم يكن واضحا لدي ماذا أريد أن أفعل، ولكنني أحس بطريقة مبهمة، ان الذي أريده لن يتحقق، وأن الذي سوف يتحقق ليس هو الذي أبحث عنه)
أما طارق الطيب فقد كانت جل دراسته في مصر (.. عشتُ في مصر ربع قرن كامل دخلت فيها كُتَّاب الشيخ علي في عين شمس ثم مدرسة الإمام محمد عبده الابتدائية ثم النهضة الإعدادية ثم ابن خلدون الثانوية ثم جامعة عين شمس- كل ذلك في القاهرة).
ولا تعتبر هجرة ثلاثتهم قسرا ، كانت هجرة البحث الدءوب وكسب المزيد من المعرفة ، فالبلدان التي رحبت بهم وطن ثان لم تبخل عليهم ، والأديب لا يحتاج إلى وطن يحط فيه رحاله بل كل العالم وطنه، لكن الحنين إلى بلده تنعكس في أعمالهم وسيرتهم الذاتية، كما أنهم وفدوا من بلد دافئ وجاف وقدموا الى بلدان تموت من البرد حيتانها.
ويروي عبدالله الطيب ذلك في كتابه من نافذة على القطار ....غدا موفدون إلى بلاد صقيعها منهمر، وبردها يصل إلى العظام وترعد منه الفرائص وهي تحت الصوف السميك، ..).
بعد ذلك طاب له المقام عند التقائه بقرينته جريزيلدا(جوهرة الطيب):
لولاك أنت لكان العيش أجمعه سحابة من حميم آسن آني
آويتني حين لاقربى ولانسب
إلا الوداد وحب ليس بالواني
لك التحيات أهديها وتكرمة
من الفؤاد ومومقات أوزاني
ووصف الطيب صالح لندن قائلا (حين جئت إلى لندن أحسست بزمهرير داخلي فبعد أن كنت أعيش حياة العشيرة والعائلة الممتدة والناس الذين تعرفهم جميعها ويعرفونك والدور الفسيحة والاحواش، والسماء الصافية والنجوم والأهل ، والأعمام والأخوال والجدات، جئت إلى لندن لأعيش في غرفة صغيرة وسط مجتمع بدون عواطف).
وعندما قدم طارق الطيب الى النمسا: (في انتقالي إلى فيينا وبداية حياتي الصعبة بدون مال أو سكن تتوفر فيه الضروريات، عشت فترة جد صعبة، دون لغة ألمانية ودون أصدقاء، وفي مناخ طارد ومؤلم لم أكن أتخيله. لم يكن أمامي سوى تبطين حالي باللجوء إلى الكتابة بصنع أصدقاء من الورق والى الورق....).
استقر بالنمسا ونال الجنسية النمساوية بعد زواجه بأورسولا، التي عرفها عن كثب وذلك بتدريسها اللغة العربية ويضيف طارق الطيب قائلا:
(جيل مصطفي سعيد في «موسم الهجرة إلى الشمال» وجيل «عصفور من الشرق» و «قنديل أم هاشم» كان جيلا نِدّاً للغرب. خرج مستنداً على لغة أجنبية أو أكثر أو مدعوماً بيسر مالي ومؤهلاً بنديّة ثقافية. أما نحن اللاحقون فخرجنا بلا مال ولا لغة...)
بطريقة أو بأخرى سعوا في التحاور السلمي الشفاف بين الشرق والغرب، وقد شهد لهم الغربيون بذلك، لذا لا جرم في اختيارهم من بين أفضل الشخصيات هناك، واهتمت الدول الغربية بهم قبل موطنهم ، فقد نال عبدالله الطيب الدكتوراه في عام 1950 وهو في التاسعة والعشرين من عمره وقدم رسالته عن (المعري شاعرا) ونجح بجدارة، وطلب منه مدير قسم الدراسات الإفريقية بجامعة لندن العمل بها. بعدها بعامين هاجر الطيب صالح إلى لندن في عام 1952 ليحول دراسته من العلوم الطبيعية الى الشئون الدولية ، وعمل بالقسم العربي لإذاعة البي بي سي. وقد نال جائزة الرواية العربية في القاهرة عام 2008م.
في عام 1984م حصل طارق الطيب في فيينا على الدكتوراه من أطروحته(نقل الأخلاق عن طريق التكنولوجيا: الصراع بين الهوية والربحية)، وذلك بعد دراسته في فيينا الاقتصاد والعلوم الاجتماعية، يعمل حاليا كمدرس ومحاضر في فيينا.
إسهامهم في اللغة العربية ابتدأ به عبدالله الطيب وارتقى باللغة العربية وآدابها مكانة سامية في العالمين العربي والغربي بينما اهتم الطيب صالح بالأدب العربي وتناول المتنبي وكثيرا ما يستشهد بالمعري في عدد من أعماله النثرية.
ويسعى طارق الطيب في ربط العالمين الشرقي والغربي بالنثر والحوارات السلمية ويهتم بذلك في كتاباته النثرية ، ولفت انتباه القائمين بأمر الترجمة بأنها هي الوسيلة المثلى للتقارب.
يقول الطيب صالح : (كون طارق الطيب مغتربا فهذه ميزة للكاتب المرهف الحساسية ، اما ان يكون مغتربا ليس في باريس او لندن بل في فيينا ، فهذه في ظني ميزة عظيمة ، ذلك ان الادب العربي قد عرف كتابا تاثروا لا بالثقافة الفرنسية والثقافة الانجلوسكسونية لكنه لم يعرف الا نادرا ? حسب علمي ? كتابا تأثروا بالثقافة الالمانية وهي ثقافة لا تقل ثراء واهمية . ومن حسن حظ هذا الكاتب انه يستطيع ان يقرأ في اصولها الالمانية الاعمال الروائية العظيمة لكتاب مثل توماس مان وهيرمان هيسة وقنتر قراس ناهيك بالشعراء الكلاسيكيين العمالقة امثال قوتة وشلر . ناهيك بالتراث الانساني الالماني الضخم في الفكر والفلسفة .و هذه المؤثرات المتعددة المتباينة من شأنها توسيع ادراك الكاتب وتذكي جذوة الابداع لديه وعلينا ان نتابع اطوار هذا الكاتب الشاب لنرى كيف ينعكس كل هذا في انتاجه ..)
برغم أن العمل الإبداعي كما يراه طارق الطيب لايجوز حصره في تسميته شعري او روائي أو قصصي بل يجب منح القارئ مفتاح إعادة الاكتشاف وإعادة تسميته، لذا يدرك القارئ أن عبدالله الطيب وطارق الطيب يلتقيا في كتابة الشعر، بينما يختلف عنهم الطيب صالح في ذلك ، لكن يلتقي طارق الطيب والطيب صالح في كتابة الرواية واختلف عبدالله الطيب هنا لعدم كتابته للروايات بل انه لايقرأها على لسان زوجته جريزيلدا الطيب: ( لايميل إلى قراءة الروايات حيث يراها غير ذات جدوى) .
وعند التحدث عن الهوية ومدى الحنين الى بيئتهم، وهي هوية بل انهم مزجوا بين الهويتين لتصبح هوية تميزهم عن غيرهم. فمن اولى كتابات الطيب صالح كانت قصة بعنوان (نخلة على الجدول) في عام 1953م، بينما انتشرت رواية طارق الطيب (مدن بلانخيل) .
ترجم بروفيسور عبدالله الطيب سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم في لندن، وتحدث عن موضوع الترجمة في كثير من المنابر: ( ولعلنا إن نظرنا الى أوائل نهضة المسلمين أن نهتم كمثل اهتمامهم بالترجمة، وقد نعلم انهم قد اقبلوا عليها منذ بدايات بصيص النهضة إليهم، قبل انبثاق شمس الإسلام بنبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم...........، وعلى الترجمة عول الأوربيون في أوائل أخذهم بأسباب النهضة، فترجموا كتب الموسيقى ، ولعلنا أن نقبنا على مخطوطات الترجمات الأولى في هذا الباب أن نعثر على غرائب من المعلومات، يكشف لنا أمر قدم حضارتنا في هذا الباب ، ولاشك أنهم ترجموا شعر العرب من قدمائهم ومحدثيهم.)
واهتمام الطيب صالح للترجمة جاء من منظور آخر اشار إلى أن نقص ترجمة الأدب العربي عزز من الأحكام المسبقة المتحيزة ضد العرب في الغرب وان نشر الأدب العربي بصورة اكبر في الخارج من شانه أن يقلل من الجهل التام بالمنطقة.
أما طارق الطيب فقد انصب اهتمامه على الآتي (ما ترجمه العرب من العصر العباسي حتى عام 2003 لم يصل إلى ألف كتاب وهو مجموع ماتترجمه اسبانيا في عام واحد.... وان كل ثامن كتاب في ألمانيا مترجم عن لغة أجنبية وهذا يعادل حوالي 7600عنوان سنويا... الترجمة في هذه البلدان تعتبر شيئا أساسيا في النهضة بينما نعتبرها نحن شيئا من الترف أو الكماليات.....)
الفاتح محمد التوم- مشرف المنتدى السياسى
رد: الطيبون: عبد الله الطيب والطيب صالح وطارق الطيب
مررت على هذا الموضوع عند تصفحي لمكتبة رجاء ..... واستوقفني "حين جئت إلى لندن أحسست بزمهرير داخلي فبعد أن كنت أعيش حياة العشيرة والعائلة الممتدة والناس الذين تعرفهم جميعها ويعرفونك والدور الفسيحة والاحواش، والسماء الصافية والنجوم والأهل ، والأعمام والأخوال والجدات، جئت إلى لندن لأعيش في غرفة صغيرة وسط مجتمع بدون عواطف "
بعد أن قرأت الموضوع مرة ومرتين ......... قلت في نفسي أحييك أيها الشعب الطيب ....... وددت لو أنّ رواد المنتدى استراحو ا قليلاً وتمهلوا وتأملوا السرد الجميل ,,,,,,,,والبعد الحقيقي الآخر لهذا المقال الدســم
الفاتح محمد التوم- مشرف المنتدى السياسى
رد: الطيبون: عبد الله الطيب والطيب صالح وطارق الطيب
موضوع جميل لخص كل شخصية في إيجاز غير مخل بل جميل ويسير.
خدورة أم بشق- مشرف منتدى الشعر
أرخبيل الألفة والمسرات.....
أرخبيل الألفة والمسرات
مؤانسة وعرفان في حضرة الطيب صالح
محمد الربيع محمد صالح
(عدت الى اهلي يا سادتي بعد غيبة طويلة، سبعة اعوام على وجه التحديد كنت خلالها اتعلم في اوروبا تعلمت الكثير وغاب عني الكثير لكن تلك قصة اخرى المهم انني عدت وبي شوق عظيم الى اهلي في تلك القرية الصغيرة عند منحنى النيل، سبعة اعوام وانا أحن اليهم واحلم بهم ولما جئتهم كانت لحظة عجيبة ان وجدتني حقيقة قائمة بينهم، فرحوا بي وضجوا حولي ولم يمض وقت طول حتى احسست كأن ثلجا يذوب في دخيلتي فكأنني مقرور طلعت عليه الشمس، ذاك دفء الحياة في العشيرة).
يمثل هذا المشهد الاستهلالي لرواية «موسم الهجرة الى الشمال» للروائي السوداني الكبير يالطيب صالح والذي جاء على لسان الروائي مدخلا واسعاً للتأمل والحوار حول تجربته الروائية والفكرية وشخصيته الانسانية فالالفة هي كلمة السر في اللوحة البيانية لمشروعه الثقافي والجمالي ولعلاقته مع الوجود واعماله الروائية والقصصية «موسم الهجرة الى الشمال وعرس الزين وبندر شاه بجزءيها ضو البيت ومريود ودومة ود حامد»، تشكل ارشيفاً للوجود الحميم وللالفة المهددة بالتمزق والشرور فالى جانب العذوبة الواضحة والحميمية الغامرة للتفاصيل الانسانية فيها يعتمد الطيب صالح تكنيكاً جمالياً في بناء المشاهد يستمد عمقه من بساطة اسرة اشبه ما تكون بعملية توثيق تلقائية للحظات مركزية في الوجود الحميم للمجتمع السوداني ممثلاً في جلسات الانس والسمر والتعاضد الاجتماعي في المسرات والاحزان والنصرة في الملمات.
الاصغاء لنداءات الحنين
قال لى الطيب صالح حين سألته عن سر جماليات هذا البناء انه نوع من الاصغاء لنداءات الحنان التي يبثها هذا العالم الذي اعتبر نفسي مجرد وسيط وناقل له، والحوار مع الطيب الصالح لا يأخذ مداه في الاريحية والجمال إلا حين يقبس من هذه العوالم ناره لانه لا ينظر الى التفاصيل في هذه الحياة بوصفها جزراً معزولة عن بعهضا بعضاً بل يكونها ارخبيل اجتماعي وثقافي مفتوح الابواب والنوافذ والممرات في وحدة وجود انسانية على قاعدة الالفة وهو يراه مثل كوم القمح الذي تنطوي كل حبة منه على سر عظيم، مشيراً الى مشهد زواج ضو البيت «في رواية بندر شاه» الذي كان حفلاً امه جميع الناس بمختلف مناشئهم العرقية ومواقعهم الطبقية، وصورة المرأة التي زغردت تحت وقع هذا الاحساس الجماعي بالالفة، والتي كانت زغرودتها تعبيراً عن كونها جزءاً من هذا الجسم، لا يتحقق انتماؤها إليه الا عندما يدخل صوتها مع بقية الاصوات.
التنويع على لحن الألفة
كل شئ في حياة الطيب صالح هو تنويع على لحن الالفة حياته الوظيفية، علاقاته الانسانية وتأملاته النقدية وابداعه الروائي فهي الناظم الوجودي لهذا الارخبيل، وفي معرض المؤانسة حول هذه التجربة التي طوفنا فيها على انتاجه الابداعي سألته عن سر التوسع والامتداد والانتقال الذي حدث في المشهد الروائي لملامح شخصيات مثل مريود ومريوم وبندر شاه ومن مسرحها الاساسي على منحنى النيل في السودان الى قطر وفي مسرح فني جديد هو قصة يوم مبارك على شاطئ أم باب التي تدور في البحر، وتتقاطع فيها مصائر الشخصيات وصراع معسكرات الخير والشر.. الخ فقال لي:
كتبت هذا النص وجعلت مشاهده تدور في البحر رغم انني ولدت قرب النهر وربما اعطيته هنا منزلة النهر بعد ان عرفته عالما مسيطراً خلال اسفاري واصبحت دلالته عندي ترتبط بالتئام الامور واجتماعها وجلب العناصر الي جانب دلالات الاطلاق واللا نهائية، ومن الجائز ان اكون قد نقلت دون ان اشعر اصداء بعض الشخصيات مثل مريم في رواية مريود إلى رباب في قصة يوم مبارك على شاطئ ام باب.
واجمل الطيب صالح شهادته عن قصة يوم مبارك بقوله: ربما كتبتها خاضعاً لاحساس خفي ان العالم الوادع المطمئن للخليج مهدد بما يجلب له القلق، والتعابير التي استخدمها في تلخيصه للبناء الجمالي لقصته وللعناصر والعلامات التي تعمل في نسيجها تدل بشكل واضح على قاموس الالفة الذي يسكن اعماقه ومشروعه مثل وادع، مطمئن مهدد يجلب القلق.. الخ، وهيمنة هذا القاموس تتجلى في الاشكال والاطر البسيطة والحميمة التي يضع فيها مادته الفكرية والثقافية وتأملاته الجوهرية والعميقة، في مناطق معقدة من الفكر الانساني مثل مقالاته العذبة بمجلة «المجلة»، بعنوان: «الاقامة في ويمبلدون» التي كشف فيها عن الحوار الانساني العميق الذي يدور بينه وزوجته السيدة الاسكتلندية الذي هو حوار امزجة وطرائف مختلفة في التفكير حولتها المودة الى طبق جميل من المشاعر ومجال انساني لا يلغي فيه احد الآخر وقد عبر بشفافية في حديثه الى حين سألته عن الصعوبات التي يواجهها احيانا نتيجة لهذا الاختلاف في الثقافة والمزاج قائلاً: الامر ليس سهلاً في كل الاوقات، لكنها امرأة في غاية الطيبة، ومتفهمة وهبتني ثلاث بنات جميلات واظن ان افضل ما فعلت هو انني فكرت منذ البداية ان اية محاولة لسودنتها ستكون مضرة بها وبي فقبلتها كما هي وقبلتني كما انا.
ابو العلاء شاعر وليس فيلسوفاً وعلى النسق نفسه والطريقة ذاتها قدم قراءة عارفة وناقدة للابداع الالماني في مقالاته «الاقامة في فايمار» واحتفظ بالتقليد ذاته في محاضرته عن ابي العلاء شاعراً في خيمة البرنامج الثقافي لمعرض الدوحة للكتاب فاتخذ المؤانسة مدخلا الي اسماع ووجدان الحضور واللغة العذبة بسيطة الجرس عميقة الدلالة لمناقشة اكثر الافكار تعقيداً وليحاجج الدكتور طه حسين نافياً عن ابي العلاء الفلسفة التي اثبتها له ومؤكداً انه شاعر اولاً واخيراً معززاً منطقه بارسال العلامات الدالة على مركزية الشعر في تجربة ابي العلاء ومبيناً موقعه في المثلث الذهبي العربي - المتنبي والمعري وابونواس - ولم ينس وهو يختتم حديثه عن شعرية ابي العلاء الاشارة الى سؤال الالفة في قصيدة ابي العلاء التي يقول فيها:
طربن لضوء البارق المتعالي
بغداد وهنا ما لهن ومالي
اذا لاح ايماض سترت وجوهها
كأنى عمرو والمطي سعالى
قائلاً: انها قصيدة باذخة الجمال ونص بليغ يضئ احوالنا المعاصرة، حيث الناس مثل ابل ابي العلاء تريد عالماً إليفا ويصر الناس على احاطتها بالنوازع المادية.
التشكيل والرواية
ولا تكتمل هذه الكلمة حول المؤانسة والعرفان في حضرة الطيب صالح دون الاشارة الى تداعياته في الاجابة عن سؤالي حول علاقته شخصياً باجناس الابداع الاخرى وتجليها في كتابته وخصوصاً علاقته بالموسيقى التي قال فيها إن الفنون جميعاً تتجاوز وتتحاور وتؤثر في تجربة الفنان وخبرته الابداعية لكن التشكيل والموسيقى يأخذان ارجحية وخصوصية عندي خاصة تجربتي مع الفنان التشكيلي الكبير ابراهيم الصلحي الذي فتحت لي رسومه بعض الآفاق في الرواية وفتحت له رواياتي بعض الآفاق في التشكيل وقد انتبه المرحوم الشاعر توفيق صائغ الى ذلك مبكراً فكلف الصلحي بعمل الرسوم للطبعة الاولى من «عرس الزين» التي اصدرتها دار الحوار، فجاءت تحفة فنية.
موسيقى الجاز........
اما الموسيقى فقد مكنتني تجربتي مع الـ (بي بي سي) في الاستماع والتعرف على موسيقى من كل انحاء العالم ووجدت انني احب موسيقى الجاز خاصة اغنيات الفنانة العظيمة سيرا بون التي يترقرق صوتها كالفضة المذابة وهي تغني تجربة وجودية وجمالية عظيمة يشاركها في التعبير عنها مغنون كبار أسسوا للمعطى الحضاري الابرز لامريكا - موسيقى الجاز - امثال ماهيلا جاكسون وادي فيزجرالد ولوي ارمسترونغ وراي شارلس، واما تجلي الموسيقى في ابداعه فقال عنها: لقد نشأت في منطقة تمثل المدائح للرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) بايقاعاتها وانغامها وايقاعات الطمبور «الربابة» جزءاً اصيلاً من عمارة الوجدان، ولا بد ان شيئاً من ذلك تسرّب من لا وعيي الى عمارتي اللغوية والتعبيرية.
لقد طوف بنا المبدع الكبير الطيب صالح في ارخبيل من الالفة والمسرات في حضرته العذبة بين آلاء المؤانسة والعرفان.
مؤانسة وعرفان في حضرة الطيب صالح
محمد الربيع محمد صالح
(عدت الى اهلي يا سادتي بعد غيبة طويلة، سبعة اعوام على وجه التحديد كنت خلالها اتعلم في اوروبا تعلمت الكثير وغاب عني الكثير لكن تلك قصة اخرى المهم انني عدت وبي شوق عظيم الى اهلي في تلك القرية الصغيرة عند منحنى النيل، سبعة اعوام وانا أحن اليهم واحلم بهم ولما جئتهم كانت لحظة عجيبة ان وجدتني حقيقة قائمة بينهم، فرحوا بي وضجوا حولي ولم يمض وقت طول حتى احسست كأن ثلجا يذوب في دخيلتي فكأنني مقرور طلعت عليه الشمس، ذاك دفء الحياة في العشيرة).
يمثل هذا المشهد الاستهلالي لرواية «موسم الهجرة الى الشمال» للروائي السوداني الكبير يالطيب صالح والذي جاء على لسان الروائي مدخلا واسعاً للتأمل والحوار حول تجربته الروائية والفكرية وشخصيته الانسانية فالالفة هي كلمة السر في اللوحة البيانية لمشروعه الثقافي والجمالي ولعلاقته مع الوجود واعماله الروائية والقصصية «موسم الهجرة الى الشمال وعرس الزين وبندر شاه بجزءيها ضو البيت ومريود ودومة ود حامد»، تشكل ارشيفاً للوجود الحميم وللالفة المهددة بالتمزق والشرور فالى جانب العذوبة الواضحة والحميمية الغامرة للتفاصيل الانسانية فيها يعتمد الطيب صالح تكنيكاً جمالياً في بناء المشاهد يستمد عمقه من بساطة اسرة اشبه ما تكون بعملية توثيق تلقائية للحظات مركزية في الوجود الحميم للمجتمع السوداني ممثلاً في جلسات الانس والسمر والتعاضد الاجتماعي في المسرات والاحزان والنصرة في الملمات.
الاصغاء لنداءات الحنين
قال لى الطيب صالح حين سألته عن سر جماليات هذا البناء انه نوع من الاصغاء لنداءات الحنان التي يبثها هذا العالم الذي اعتبر نفسي مجرد وسيط وناقل له، والحوار مع الطيب الصالح لا يأخذ مداه في الاريحية والجمال إلا حين يقبس من هذه العوالم ناره لانه لا ينظر الى التفاصيل في هذه الحياة بوصفها جزراً معزولة عن بعهضا بعضاً بل يكونها ارخبيل اجتماعي وثقافي مفتوح الابواب والنوافذ والممرات في وحدة وجود انسانية على قاعدة الالفة وهو يراه مثل كوم القمح الذي تنطوي كل حبة منه على سر عظيم، مشيراً الى مشهد زواج ضو البيت «في رواية بندر شاه» الذي كان حفلاً امه جميع الناس بمختلف مناشئهم العرقية ومواقعهم الطبقية، وصورة المرأة التي زغردت تحت وقع هذا الاحساس الجماعي بالالفة، والتي كانت زغرودتها تعبيراً عن كونها جزءاً من هذا الجسم، لا يتحقق انتماؤها إليه الا عندما يدخل صوتها مع بقية الاصوات.
التنويع على لحن الألفة
كل شئ في حياة الطيب صالح هو تنويع على لحن الالفة حياته الوظيفية، علاقاته الانسانية وتأملاته النقدية وابداعه الروائي فهي الناظم الوجودي لهذا الارخبيل، وفي معرض المؤانسة حول هذه التجربة التي طوفنا فيها على انتاجه الابداعي سألته عن سر التوسع والامتداد والانتقال الذي حدث في المشهد الروائي لملامح شخصيات مثل مريود ومريوم وبندر شاه ومن مسرحها الاساسي على منحنى النيل في السودان الى قطر وفي مسرح فني جديد هو قصة يوم مبارك على شاطئ أم باب التي تدور في البحر، وتتقاطع فيها مصائر الشخصيات وصراع معسكرات الخير والشر.. الخ فقال لي:
كتبت هذا النص وجعلت مشاهده تدور في البحر رغم انني ولدت قرب النهر وربما اعطيته هنا منزلة النهر بعد ان عرفته عالما مسيطراً خلال اسفاري واصبحت دلالته عندي ترتبط بالتئام الامور واجتماعها وجلب العناصر الي جانب دلالات الاطلاق واللا نهائية، ومن الجائز ان اكون قد نقلت دون ان اشعر اصداء بعض الشخصيات مثل مريم في رواية مريود إلى رباب في قصة يوم مبارك على شاطئ ام باب.
واجمل الطيب صالح شهادته عن قصة يوم مبارك بقوله: ربما كتبتها خاضعاً لاحساس خفي ان العالم الوادع المطمئن للخليج مهدد بما يجلب له القلق، والتعابير التي استخدمها في تلخيصه للبناء الجمالي لقصته وللعناصر والعلامات التي تعمل في نسيجها تدل بشكل واضح على قاموس الالفة الذي يسكن اعماقه ومشروعه مثل وادع، مطمئن مهدد يجلب القلق.. الخ، وهيمنة هذا القاموس تتجلى في الاشكال والاطر البسيطة والحميمة التي يضع فيها مادته الفكرية والثقافية وتأملاته الجوهرية والعميقة، في مناطق معقدة من الفكر الانساني مثل مقالاته العذبة بمجلة «المجلة»، بعنوان: «الاقامة في ويمبلدون» التي كشف فيها عن الحوار الانساني العميق الذي يدور بينه وزوجته السيدة الاسكتلندية الذي هو حوار امزجة وطرائف مختلفة في التفكير حولتها المودة الى طبق جميل من المشاعر ومجال انساني لا يلغي فيه احد الآخر وقد عبر بشفافية في حديثه الى حين سألته عن الصعوبات التي يواجهها احيانا نتيجة لهذا الاختلاف في الثقافة والمزاج قائلاً: الامر ليس سهلاً في كل الاوقات، لكنها امرأة في غاية الطيبة، ومتفهمة وهبتني ثلاث بنات جميلات واظن ان افضل ما فعلت هو انني فكرت منذ البداية ان اية محاولة لسودنتها ستكون مضرة بها وبي فقبلتها كما هي وقبلتني كما انا.
ابو العلاء شاعر وليس فيلسوفاً وعلى النسق نفسه والطريقة ذاتها قدم قراءة عارفة وناقدة للابداع الالماني في مقالاته «الاقامة في فايمار» واحتفظ بالتقليد ذاته في محاضرته عن ابي العلاء شاعراً في خيمة البرنامج الثقافي لمعرض الدوحة للكتاب فاتخذ المؤانسة مدخلا الي اسماع ووجدان الحضور واللغة العذبة بسيطة الجرس عميقة الدلالة لمناقشة اكثر الافكار تعقيداً وليحاجج الدكتور طه حسين نافياً عن ابي العلاء الفلسفة التي اثبتها له ومؤكداً انه شاعر اولاً واخيراً معززاً منطقه بارسال العلامات الدالة على مركزية الشعر في تجربة ابي العلاء ومبيناً موقعه في المثلث الذهبي العربي - المتنبي والمعري وابونواس - ولم ينس وهو يختتم حديثه عن شعرية ابي العلاء الاشارة الى سؤال الالفة في قصيدة ابي العلاء التي يقول فيها:
طربن لضوء البارق المتعالي
بغداد وهنا ما لهن ومالي
اذا لاح ايماض سترت وجوهها
كأنى عمرو والمطي سعالى
قائلاً: انها قصيدة باذخة الجمال ونص بليغ يضئ احوالنا المعاصرة، حيث الناس مثل ابل ابي العلاء تريد عالماً إليفا ويصر الناس على احاطتها بالنوازع المادية.
التشكيل والرواية
ولا تكتمل هذه الكلمة حول المؤانسة والعرفان في حضرة الطيب صالح دون الاشارة الى تداعياته في الاجابة عن سؤالي حول علاقته شخصياً باجناس الابداع الاخرى وتجليها في كتابته وخصوصاً علاقته بالموسيقى التي قال فيها إن الفنون جميعاً تتجاوز وتتحاور وتؤثر في تجربة الفنان وخبرته الابداعية لكن التشكيل والموسيقى يأخذان ارجحية وخصوصية عندي خاصة تجربتي مع الفنان التشكيلي الكبير ابراهيم الصلحي الذي فتحت لي رسومه بعض الآفاق في الرواية وفتحت له رواياتي بعض الآفاق في التشكيل وقد انتبه المرحوم الشاعر توفيق صائغ الى ذلك مبكراً فكلف الصلحي بعمل الرسوم للطبعة الاولى من «عرس الزين» التي اصدرتها دار الحوار، فجاءت تحفة فنية.
موسيقى الجاز........
اما الموسيقى فقد مكنتني تجربتي مع الـ (بي بي سي) في الاستماع والتعرف على موسيقى من كل انحاء العالم ووجدت انني احب موسيقى الجاز خاصة اغنيات الفنانة العظيمة سيرا بون التي يترقرق صوتها كالفضة المذابة وهي تغني تجربة وجودية وجمالية عظيمة يشاركها في التعبير عنها مغنون كبار أسسوا للمعطى الحضاري الابرز لامريكا - موسيقى الجاز - امثال ماهيلا جاكسون وادي فيزجرالد ولوي ارمسترونغ وراي شارلس، واما تجلي الموسيقى في ابداعه فقال عنها: لقد نشأت في منطقة تمثل المدائح للرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) بايقاعاتها وانغامها وايقاعات الطمبور «الربابة» جزءاً اصيلاً من عمارة الوجدان، ولا بد ان شيئاً من ذلك تسرّب من لا وعيي الى عمارتي اللغوية والتعبيرية.
لقد طوف بنا المبدع الكبير الطيب صالح في ارخبيل من الالفة والمسرات في حضرته العذبة بين آلاء المؤانسة والعرفان.
****....****
أحباي!! أخي العزيز محمد الربيع جمعتني به سنين الجامعه لكنه درس كلية الاداب
شكراً لك محمد ....بنفس طريقة مؤانستك لنا في دار رابطة الطلاب .. وددت أن أشرك
أعضاء منتدى ابوجبيهه همس الزمن الجميل
تسلم لقاوة الجابتك
الفاتح محمد التوم- مشرف المنتدى السياسى
رد: الطيبون: عبد الله الطيب والطيب صالح وطارق الطيب
راح زمــان كــــان ليك مكانه
وكنت أقرب منى لى
وفــجــــأة أتــغــيـــــــرت
انــت ورحت تتكبر على
يا ماطال صــبــرى وهديتك
وقلت يوم حالك تسيبه
مانفع فـيـــك الــتــوســـل
انـت زول برخص حبيبه
وابـتــديـت افـكــر لعـمــرى
الـحـق الـفـضـل اجيبه
لو ضميرك راضى سيبنى
قلبى رضيان بى نصيبه
قبل مـا تـغـــيــر دروبــك
كـنــا بنمـاسيـك نصابحك
رحت ترخص بى مقامنا
يلا بيعنا وشوف مصالحك
ما بنعاكـســك فـى طـريــقـك
بالعذاب ما بنصارحك
بالعملته انـت فــيــــــــنـــــــــا
الله يـا ظالم يسامحك
كم سـهـــرت اللــيل شقاوة
وسرت ليك مشوار يفتر
لو بـيـنـفـــع أو بـيـــشــفـــع
شــوقى فى دربك يخدر
كــم غــلطـت وشـوقى
سـامح تانى يوم القاك مقصر
والله مـســكــيـنـه الـمــحــبه
تمشى لى ناس ما بتقدر
وكنت أقرب منى لى
وفــجــــأة أتــغــيـــــــرت
انــت ورحت تتكبر على
يا ماطال صــبــرى وهديتك
وقلت يوم حالك تسيبه
مانفع فـيـــك الــتــوســـل
انـت زول برخص حبيبه
وابـتــديـت افـكــر لعـمــرى
الـحـق الـفـضـل اجيبه
لو ضميرك راضى سيبنى
قلبى رضيان بى نصيبه
قبل مـا تـغـــيــر دروبــك
كـنــا بنمـاسيـك نصابحك
رحت ترخص بى مقامنا
يلا بيعنا وشوف مصالحك
ما بنعاكـســك فـى طـريــقـك
بالعذاب ما بنصارحك
بالعملته انـت فــيــــــــنـــــــــا
الله يـا ظالم يسامحك
كم سـهـــرت اللــيل شقاوة
وسرت ليك مشوار يفتر
لو بـيـنـفـــع أو بـيـــشــفـــع
شــوقى فى دربك يخدر
كــم غــلطـت وشـوقى
سـامح تانى يوم القاك مقصر
والله مـســكــيـنـه الـمــحــبه
تمشى لى ناس ما بتقدر
الحازمي- نشط مميز
رد: الطيبون: عبد الله الطيب والطيب صالح وطارق الطيب
مساء الخير اخي الحازمي .....
القصيدة في مداخلتك ............كلمات الصادق الياس غناء الفنان الطيب عبدالله
ولابأس في اضيف الفنان الطيب عبدالله الى الطيبون ...
جميعهم فنانون ....... كل حسب تخصصه
شكرا للمرور
خالص الود......
الفاتح محمد التوم- مشرف المنتدى السياسى
رد: الطيبون: عبد الله الطيب والطيب صالح وطارق الطيب
وز في مواقف التحدي
د. عبد السلام الهراس *
* ما زال أصدقاء وتلامذة الباحث والعالم اللغوي السوداني يستذكرونه بعد مرور أيام على رحيله. وننشر هنا موضوعا للدكتور عبد السلام الهراس، وآخر للدكتور عبد العزيز بن عثمان التويجري:
أربعة اعلام تناقلت الألسنة موتهم وهم لم يموتوا. أولهم: العلامة الكبير الدكتور محمد حميد الله الهندي، الذي عاش مدة طويلة من عمره في باريس استاذا جامعيا وباحثا كبيرا وداعية الى الاسلام بأسلوبه العلمي الرزين وسلوكه الجميل المتواضع ومما كان له احسن التأثير فيمن يتصل به ولو عن طريق الكتابة استجابته ومساعدته لكل من يسأله ومساعدته العلمية وأجوبته شفويا أو كتابة، لقد كان قدوة في تربية الآخرين عن طريق الكلمة الطيبة والفعل الحسن.
وهناك كتاب من القطع الصغير يجمع عناوين ابحاثه لو قسمت على أيامه لظهر لك العجيب في ما أوتي من بركة الوقت وفراغ البال وعظمة الجهد وتوافر الطاقة التي لا تكل ولا تمل ولا تنفد، وامتاز انتاجه العلمي بالاصالة والجدة والعمق والطرافة والعراقة واحيانا بعنصر الغرابة والمفاجأة مثل «المسجد الأقصى» و«افتتاح الأندلس على عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه».
فقد نعي الرجل أكثر من مرة فلما سألنا بعض من كان له به اتصال أخبرونا انه لا يزال حيا في كنف اخيه بأميركا.. والى الآن لا ندري احياً هو أم ميتاً، وقد آثر ان يعيش غريبا بعيدا عن الاضواء، بل انه كان يعتذر عن ترشيحه للجوائز الكبرى، ويكره الأضواء. والجدير بالذكر انه من العلماء العزاب.. ولو كان أخونا وشيخنا العلامة المصلح القدوة الشيخ عبد الفتاح أبو غدة حياً لاضافه الى كتابه «العلماء العزاب» فهو لا يقل في مكانته وعلمه وعقله وحصافته وآثاره الطيبة في الأمة وفي الآخرين عن أولئك.
ومما يجب ذكره ان المغاربة علماء وباحثين وطلابا استفادوا منه اثناء اتصالهم به أيام الطلب وبعده في باريس. ومن مكرمات الاستاذ الجليل محمد الفاسي انه فاز بنشر جزء من سيرة ابن اسحاق بالمغرب بتحقيق العلامة حميد الله.
أما الثاني فهو شيخي واحد الذين لهم فضل كبير عليّ في الطريق الى الله وفي الدعوة اليه: المهندس أبو عمر محمد الداعوق البيروتي فقد نعي اليّ أكثر من مرة ولكن من له علم بالرجل اخبروني انه لا يزال حيا ولكنه شبه ميت.. كان ذلك منذ سنتين.. وأخيرا اخبرت ان حالته لا تزال كذلك فهو غائب عن الوعي، وقد وصلني من بيروت الخبر اليقين عشية 22 يونيو (حزيران) 2003، انه والحمد لله لا يزال حيا ببيته بالشارقة، وأبو عمر الداعوق وان كانت شهرته لا تتعدى الشام القديم، لا سيما لبنان وبعض بلاد الخليج فإن الرجل لا يقل عن كبار افذاذنا المصلحين غير انه يجد على «فكرته» و«خطته» اعوانا بل فوجئ بنقض مشروعه من الداخل وصادف ذلك رجلا يكره الفتن فآثر الحياة في بعض بلاد الامارات التي اكرمته وفسحت له لينشر دعوته الحرة غير المرتبطة بجماعة أو تجمع، وان كانت جماعة عبد الرحمن التي أسسها وكنت من اعضائها العاملين الأوائل سنة 1954 لا تزال قائمة ونشيطة حسب مزاجها السلمي الهادئ الهادف.
أما الثالث فهو الداعية الجنوب افريقي الشيخ احمد ديدات الذي فتح بابا في الدعوة الى الاسلام، بل مدرسة من خلال دراسة التوراة والانجيل والمقارنة بينهما والقرآن الكريم ولا يُدّعى انه الوحيد الذي اطلع على التوراة والانجيل فهناك من له تخصص علمي كبير في التوراة أو في الانجيل أو فيهما معا، لكن الرجل دخل مع الآخرين غمار الحوار والمناظرة وليت هذه المدرسة تنمو ولكن تحاول ان تتجنب اسلوب الاستفزاز والاثارة التي تدفع الخصم ومن في صفه الى التحزب الباطل والتعصب على الاسلام بدافع الغضب والعواطف المجروحة فالرفق وجمال الأدب وذوق الجمال تكُونُ بإذن الله اجدى وأقوى «تأثيرا» في النفوس. وقد قيل مرارا انه توفي، ولكن سرعان ما يقع تصحيح الخبر بأنه لا يزال على قيد الحياة.
مثل ذلك وقع بالنسبة للدكتور الجليل عبد الله الطيب، فقد تضاربت الاخبار عن حياته وموته ومن حسن حظي اني التقيت بأخوة من السودان في مناسبات ندوات ومؤتمرات آخرها في دبي، حيث أكد لي احد علماء السودان بأن الرجل احسن حالا مما سبق وصاروا يتفاهمون معه بالكتابة ويفهمون عنه بالاشارة، وكان المشير عبد الرحمن سوار الذهب قد اخبرني ثلاث مرات بأن الدكتور عبد الله الطيب ما زال حياً يرزق والحمد لله، الى ان جاء الخبر اليقين المفجع.
وللدكتور عبد الله الطيب جوانب كثيرة فهو أديب كبير وباحث عظيم وناقد بصير ومفكر عميق ولغوي قدير ونحوي متبحر ومقرئ ومفسر ومؤرخ ومتضلع من الأدب الغربي المكتوب بالانجليزية.
وقد لفت الانظار اليه بنبوغه المبكر وهو من القلائل في عصرنا الحاضر من ألف كتابا لم يؤلف مثله في الأدب العربي الى الآن وهو في الثلاثين أو دونها وحسبه فخرا ان يشيد الدكتور طه حسين به وبكتابه.
يقول في تقديم «المرشد الى فهم اشعار العرب»:
«هذا كتاب ممتع الى ابعد غايات الامتاع لا اعرف ان مثله أتيح لنا في مثل العصر الحديث».
«ثم لم اكد اقرأ منه فصولا حتى رأيت الرضى عنه والاعجاب به يفرضان عليّ فرضا».
وقال عن الرجل: «واتقن الأدب العربي علما به وتصرفا فيه كأحسن ما يكون الاتقان» (المرشد الى فهم اشعار العرب/ صفحة 5).
ثم يعود للكتاب ليصفه بأنه: «طرفة أدبية نادرة حقا لن ينقضي الاعجاب بها والرضى عنها لمجرد الفراغ من قراءتها ولكنها ستترك في نفوس الذين سيقرؤونها آثارا باقية» ويرى «ان خير الآثار الأدبية عنده وعند كثير من الناس ما أثار القلق واغرى بالاستزادة من العلم ودفع الى المناقشة وحسن الاختيار» ووصف منهج الرجل بأنه «لاءم بين المنهج الدقيق للدراسة العلمية الأدبية وبين الحرية الحرة التي يصطنعها الشعراء والكُتَّاب».
ورأى ان «المؤلف أتقن درس قوافي الشعر واوزانه اتقان المجدد».
وهناك أوصاف كثيرة قلما ظفر بها مؤلف من طه حسين في باكورة عمله الأدبي، وقد رشح الدكتور طه الكتاب لجائزة الدولة المصرية. (المرشد الى فهم اشعار العرب/ صفحة 6 ـ 7).
إن ثقافة الدكتور الفقيد الواسعة وعلمه الغزير وحفظه لشعر العرب كله أو جله واستاذيته في العربية وتبحره في علوم القرآن، لا سيما القراءات واطلاعه الواسع على أدب الغرب واتقانه الانجليزية يرجع الفضل في ذلك كله الى منهج الخلاوى القرآنية اولا كما صرح بذلك مرارا والى نبوغه المتفجر منذ طفولته على التحصيل والقراءة وقدرته على استيعاب ما يقرأ، وكان يتجدد كل يوم لأنه لا يعرف الوقوف ولا الجمود فهو كثير القراءة والتتبع والسعي وراء الفائدة أنى وجدها.. ولا يُقارن في العصر الحاضر إلا بشيخنا محمود شاكر رحمه الله وقد كان بينهما من المحبة والود ما يقل نظيره بعد ان نزغ الشيطان بينهما برهة من الزمن لكن سرعان ما استحالت زادا قويا لتوثيق العرى بينهما.
وقد شاء الله ان يكون من المؤسسين للدراسة الجامعية في نيجيريا «كانو»، وله فيها وعنها ذكريات جديرة بالكتابة والاستمتاع.. وكان هناك ينازع العنصر الانجليزي المتآمر على العنصر الاسلامي والعربي في مناهج تلك الجامعة وكم كان يتألم إذ يرى انهم يجدون مطايا لمؤامراتهم من ذوي جلدتنا ولساننا!
كما شاء الله ان ينتقل الى المغرب وبالذات الى فاس التي يقول عنها اخواننا السودانيون اشادة بها واعجابا بأهلها: «فاس! يا ما وَرَاها ناس». فكثيرا ما كان الدكتور صالح سوار الذهب (وهو عم الرئيس العظيم الزاهد عبد الرحمن سوار الذهب) يردد هذه الجملة أمامنا.
ولقد رغبه في الالتحاق بنا بفاس أخونا الدكتور عباس الجراري الذي اضطلع بمهمة التقاعد مع اساتذة جامعيين بالمشرق العربي للتدريس بالمغرب.. فقد اتصل به سنة 1973 ورغبه في العمل بالمغرب وصادف ميلا منه للاستجابة وقال له: «سألتحق بكم ان شاء الله عند انتهائي من مهمتي مديرا للجامعة بعد نحو سنة».. وفي السنة الجامعية 74 ـ 75 زارني الدكتور الراحل عبد اللطيف السعداني بصحبة الدكتور عبد الله الطيب يبشرني بالتحاقه بقسم اللغة العربية وآدابها التي كنت آنذاك رئيسها.. وكان ترحابي بشيخنا الجليل يليق بمقامه ومن هنا تبدأ علاقة الرجل بالمغرب.. وان كنا عرفناه سابقا في مهرجان «ابن زيدون». وقد اسندنا اليه التدريس في كل من قسم الأدب العربي وقسم الأدب الانجليزي، حيث كان يُدَرسُ اللغة العربية والثقافة الاسلامية، وتركناه يختار المادة والمقرر والجدول الزمني مع حريته في التغيير ان شاء متى شاء فهذه جامعته وكليته وقسمه يتصرف وفق ما يراه ملائما له.. ثم اسندنا اليه التدريس في الدراسات العليا، والاشراف على الرسائل العلمية الجامعية والاشتراك في المناقشات، وقد انطلق الرجل في نشاط كبير ومتواصل من دون كلل أو ملل أو شكوى ولم يكن عمله مقتصرا في المدرجات والفصول وانما كان بيته لا يخلو من زيارة باحث استاذا أو طالبا أو مستفيدا وأحيانا يمتلئ بيته بمختلف الزوار من أهل العلم والأدب.. كما ان نشاطه العلمي امتد الى جميع جامعات المغرب، بل الى مدن أخرى لم تكن بها جامعات، يستجيب الى دعوات جمعيات ثقافية وأدبية بها، كما انه كان كثير الاسفار الى خارج المغرب لحضور الملتقيات والمؤتمرات والاجتماعات من دون اخلاله بواجباته التي تشهد انها كانت اكثر مما يُطلب منه اضافة الى حضوره العلمي الكبير في مباريات الالتحاق بهيئة التدريس بالجامعة أو بسلك تكوين اساتذة الجامعة، أما اشرافه على الرسائل العلمية فكانت فرصة عظيمة لاعداد الباحثين وتوجيههم.
ومن ألمع من تخرج به: الدكتور حسن الأمراني، الباحث الشاعر ورئيس قسم اللغة العربية بوجدة، والدكتور محمد الدناي الذي لازم شيخه عبد الله الطيب ونال من علمه حظا وافرا وغير هؤلاء وكان في مناقشته مثال العالم المربي الحكيم وكانت جلساته اثناء مناقشة الرسائل العلمية من أعظم الحلقات التي يستفيد فيها طلاب العلم على اختلاف مستوياتهم بمن فيهم الاساتذة.
وكان الدكتور عبد الله الطيب من القلائل الذين يُدعون دائما الى حضور الدروس الحسنية الرمضانية التي تقام في القصر الملكي وقد القى بعض المحاضرات أمام الملك الحسن الثاني رحمه الله. ولا ينسى العلماء وأهل الأدب والفكر أول دروسه في موضوع «القصص القرآني» وكان درسا رائعا وفذا ومثيرا للاعجاب، ومما لا يعلمه الكثيرون ان الرجل طولِبَ بالقاء الدرس في هذا الموضوع بالذات وحُدِدَ له موعد القائه بعد يومين فقط فقبل الدكتور عبد الله هذا الطلب الذي كان في الحقيقة تحديا وامتحانا له وطلب من وزير الاوقاف والشؤون الاسلامية السابق الدكتور عبد الكبير العلوي المدغري ان يزوده بتفسير الطبري فقط ولم يطلب مصادر أو مراجع مختصة.. فقد اعتمد بعد الله على مخزونه العلمي الثري والمتنوع، فلما القى الدرس كان آية من آيات الله.. وأمثال الدكتور الطيب يبدعون ويبرزون في مواقف التحدي والاستثارة والاستفزاز، وقد شاهدتُ ذلك منه في مثل هذه المواقف ما قد نتناوله في مناسبة قادمة ان شاء الله. وهذا يذكرني بابداع علماء وأدباء واجهوا مثل ما واجه الدكتور الطيب عن حسن نية كما وقع له هنا أو عن سوئها كما يروى في كثير من الاخبار أو تصديا لما يعتقدون انه انحراف وجهل وخطأ أو دسيسة يراد اشاعتها في الاوساط لمحاربة الحقائق وتهديمها ومن ابرز من كان ينبري لرد التحدي ومواجهة التضليل العلمي الأدبي شيخنا محمود شاكر الذي كان والدكتور عبد الله الطيب كفرسي رهان في ميدان الأدب الاصيل والصحيح وفي خوض معارك يرون وجوب المجاهدة فيها.. واعرف بعضها عن الدكتور الطيب كان فيها نعم الفارس المبارز!
إن امثال الدكتور عبد الله الطيب لا يجود الزمن بهم إلا مرة أو مرتين في القرن لأنه احد كبار المجددين والمؤصلين في ميدان الأدب.. وبموت الرجل تفقد العروبة احد كبار اعلامها، ومن حسن حظ المغرب انه شارك السودان في علم هذا الرجل وفضله، وكاد المغرب يستأثر به من دون السودان لولا انه تدارك المسؤولون الجدد فيه خطأ من سبقهم فأحلوا الرجل مكانته السامية التي تليق به في بلده السودان وآخر ذلك ان يتولى رئيس الجمهورية السودانية عمر البشير نعي الدكتور عبد الله الطيب في بيان اذيع ونشر، كما خصصت الفضائية والاذاعة السودانية يوما خاصا بالرجل الذي لا ينساه المغرب وسيشارك السودان في دراسة آثاره والتعريف بها للأجيال الحاضرة والمستقبلية.
د. عبد السلام الهراس *
* ما زال أصدقاء وتلامذة الباحث والعالم اللغوي السوداني يستذكرونه بعد مرور أيام على رحيله. وننشر هنا موضوعا للدكتور عبد السلام الهراس، وآخر للدكتور عبد العزيز بن عثمان التويجري:
أربعة اعلام تناقلت الألسنة موتهم وهم لم يموتوا. أولهم: العلامة الكبير الدكتور محمد حميد الله الهندي، الذي عاش مدة طويلة من عمره في باريس استاذا جامعيا وباحثا كبيرا وداعية الى الاسلام بأسلوبه العلمي الرزين وسلوكه الجميل المتواضع ومما كان له احسن التأثير فيمن يتصل به ولو عن طريق الكتابة استجابته ومساعدته لكل من يسأله ومساعدته العلمية وأجوبته شفويا أو كتابة، لقد كان قدوة في تربية الآخرين عن طريق الكلمة الطيبة والفعل الحسن.
وهناك كتاب من القطع الصغير يجمع عناوين ابحاثه لو قسمت على أيامه لظهر لك العجيب في ما أوتي من بركة الوقت وفراغ البال وعظمة الجهد وتوافر الطاقة التي لا تكل ولا تمل ولا تنفد، وامتاز انتاجه العلمي بالاصالة والجدة والعمق والطرافة والعراقة واحيانا بعنصر الغرابة والمفاجأة مثل «المسجد الأقصى» و«افتتاح الأندلس على عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه».
فقد نعي الرجل أكثر من مرة فلما سألنا بعض من كان له به اتصال أخبرونا انه لا يزال حيا في كنف اخيه بأميركا.. والى الآن لا ندري احياً هو أم ميتاً، وقد آثر ان يعيش غريبا بعيدا عن الاضواء، بل انه كان يعتذر عن ترشيحه للجوائز الكبرى، ويكره الأضواء. والجدير بالذكر انه من العلماء العزاب.. ولو كان أخونا وشيخنا العلامة المصلح القدوة الشيخ عبد الفتاح أبو غدة حياً لاضافه الى كتابه «العلماء العزاب» فهو لا يقل في مكانته وعلمه وعقله وحصافته وآثاره الطيبة في الأمة وفي الآخرين عن أولئك.
ومما يجب ذكره ان المغاربة علماء وباحثين وطلابا استفادوا منه اثناء اتصالهم به أيام الطلب وبعده في باريس. ومن مكرمات الاستاذ الجليل محمد الفاسي انه فاز بنشر جزء من سيرة ابن اسحاق بالمغرب بتحقيق العلامة حميد الله.
أما الثاني فهو شيخي واحد الذين لهم فضل كبير عليّ في الطريق الى الله وفي الدعوة اليه: المهندس أبو عمر محمد الداعوق البيروتي فقد نعي اليّ أكثر من مرة ولكن من له علم بالرجل اخبروني انه لا يزال حيا ولكنه شبه ميت.. كان ذلك منذ سنتين.. وأخيرا اخبرت ان حالته لا تزال كذلك فهو غائب عن الوعي، وقد وصلني من بيروت الخبر اليقين عشية 22 يونيو (حزيران) 2003، انه والحمد لله لا يزال حيا ببيته بالشارقة، وأبو عمر الداعوق وان كانت شهرته لا تتعدى الشام القديم، لا سيما لبنان وبعض بلاد الخليج فإن الرجل لا يقل عن كبار افذاذنا المصلحين غير انه يجد على «فكرته» و«خطته» اعوانا بل فوجئ بنقض مشروعه من الداخل وصادف ذلك رجلا يكره الفتن فآثر الحياة في بعض بلاد الامارات التي اكرمته وفسحت له لينشر دعوته الحرة غير المرتبطة بجماعة أو تجمع، وان كانت جماعة عبد الرحمن التي أسسها وكنت من اعضائها العاملين الأوائل سنة 1954 لا تزال قائمة ونشيطة حسب مزاجها السلمي الهادئ الهادف.
أما الثالث فهو الداعية الجنوب افريقي الشيخ احمد ديدات الذي فتح بابا في الدعوة الى الاسلام، بل مدرسة من خلال دراسة التوراة والانجيل والمقارنة بينهما والقرآن الكريم ولا يُدّعى انه الوحيد الذي اطلع على التوراة والانجيل فهناك من له تخصص علمي كبير في التوراة أو في الانجيل أو فيهما معا، لكن الرجل دخل مع الآخرين غمار الحوار والمناظرة وليت هذه المدرسة تنمو ولكن تحاول ان تتجنب اسلوب الاستفزاز والاثارة التي تدفع الخصم ومن في صفه الى التحزب الباطل والتعصب على الاسلام بدافع الغضب والعواطف المجروحة فالرفق وجمال الأدب وذوق الجمال تكُونُ بإذن الله اجدى وأقوى «تأثيرا» في النفوس. وقد قيل مرارا انه توفي، ولكن سرعان ما يقع تصحيح الخبر بأنه لا يزال على قيد الحياة.
مثل ذلك وقع بالنسبة للدكتور الجليل عبد الله الطيب، فقد تضاربت الاخبار عن حياته وموته ومن حسن حظي اني التقيت بأخوة من السودان في مناسبات ندوات ومؤتمرات آخرها في دبي، حيث أكد لي احد علماء السودان بأن الرجل احسن حالا مما سبق وصاروا يتفاهمون معه بالكتابة ويفهمون عنه بالاشارة، وكان المشير عبد الرحمن سوار الذهب قد اخبرني ثلاث مرات بأن الدكتور عبد الله الطيب ما زال حياً يرزق والحمد لله، الى ان جاء الخبر اليقين المفجع.
وللدكتور عبد الله الطيب جوانب كثيرة فهو أديب كبير وباحث عظيم وناقد بصير ومفكر عميق ولغوي قدير ونحوي متبحر ومقرئ ومفسر ومؤرخ ومتضلع من الأدب الغربي المكتوب بالانجليزية.
وقد لفت الانظار اليه بنبوغه المبكر وهو من القلائل في عصرنا الحاضر من ألف كتابا لم يؤلف مثله في الأدب العربي الى الآن وهو في الثلاثين أو دونها وحسبه فخرا ان يشيد الدكتور طه حسين به وبكتابه.
يقول في تقديم «المرشد الى فهم اشعار العرب»:
«هذا كتاب ممتع الى ابعد غايات الامتاع لا اعرف ان مثله أتيح لنا في مثل العصر الحديث».
«ثم لم اكد اقرأ منه فصولا حتى رأيت الرضى عنه والاعجاب به يفرضان عليّ فرضا».
وقال عن الرجل: «واتقن الأدب العربي علما به وتصرفا فيه كأحسن ما يكون الاتقان» (المرشد الى فهم اشعار العرب/ صفحة 5).
ثم يعود للكتاب ليصفه بأنه: «طرفة أدبية نادرة حقا لن ينقضي الاعجاب بها والرضى عنها لمجرد الفراغ من قراءتها ولكنها ستترك في نفوس الذين سيقرؤونها آثارا باقية» ويرى «ان خير الآثار الأدبية عنده وعند كثير من الناس ما أثار القلق واغرى بالاستزادة من العلم ودفع الى المناقشة وحسن الاختيار» ووصف منهج الرجل بأنه «لاءم بين المنهج الدقيق للدراسة العلمية الأدبية وبين الحرية الحرة التي يصطنعها الشعراء والكُتَّاب».
ورأى ان «المؤلف أتقن درس قوافي الشعر واوزانه اتقان المجدد».
وهناك أوصاف كثيرة قلما ظفر بها مؤلف من طه حسين في باكورة عمله الأدبي، وقد رشح الدكتور طه الكتاب لجائزة الدولة المصرية. (المرشد الى فهم اشعار العرب/ صفحة 6 ـ 7).
إن ثقافة الدكتور الفقيد الواسعة وعلمه الغزير وحفظه لشعر العرب كله أو جله واستاذيته في العربية وتبحره في علوم القرآن، لا سيما القراءات واطلاعه الواسع على أدب الغرب واتقانه الانجليزية يرجع الفضل في ذلك كله الى منهج الخلاوى القرآنية اولا كما صرح بذلك مرارا والى نبوغه المتفجر منذ طفولته على التحصيل والقراءة وقدرته على استيعاب ما يقرأ، وكان يتجدد كل يوم لأنه لا يعرف الوقوف ولا الجمود فهو كثير القراءة والتتبع والسعي وراء الفائدة أنى وجدها.. ولا يُقارن في العصر الحاضر إلا بشيخنا محمود شاكر رحمه الله وقد كان بينهما من المحبة والود ما يقل نظيره بعد ان نزغ الشيطان بينهما برهة من الزمن لكن سرعان ما استحالت زادا قويا لتوثيق العرى بينهما.
وقد شاء الله ان يكون من المؤسسين للدراسة الجامعية في نيجيريا «كانو»، وله فيها وعنها ذكريات جديرة بالكتابة والاستمتاع.. وكان هناك ينازع العنصر الانجليزي المتآمر على العنصر الاسلامي والعربي في مناهج تلك الجامعة وكم كان يتألم إذ يرى انهم يجدون مطايا لمؤامراتهم من ذوي جلدتنا ولساننا!
كما شاء الله ان ينتقل الى المغرب وبالذات الى فاس التي يقول عنها اخواننا السودانيون اشادة بها واعجابا بأهلها: «فاس! يا ما وَرَاها ناس». فكثيرا ما كان الدكتور صالح سوار الذهب (وهو عم الرئيس العظيم الزاهد عبد الرحمن سوار الذهب) يردد هذه الجملة أمامنا.
ولقد رغبه في الالتحاق بنا بفاس أخونا الدكتور عباس الجراري الذي اضطلع بمهمة التقاعد مع اساتذة جامعيين بالمشرق العربي للتدريس بالمغرب.. فقد اتصل به سنة 1973 ورغبه في العمل بالمغرب وصادف ميلا منه للاستجابة وقال له: «سألتحق بكم ان شاء الله عند انتهائي من مهمتي مديرا للجامعة بعد نحو سنة».. وفي السنة الجامعية 74 ـ 75 زارني الدكتور الراحل عبد اللطيف السعداني بصحبة الدكتور عبد الله الطيب يبشرني بالتحاقه بقسم اللغة العربية وآدابها التي كنت آنذاك رئيسها.. وكان ترحابي بشيخنا الجليل يليق بمقامه ومن هنا تبدأ علاقة الرجل بالمغرب.. وان كنا عرفناه سابقا في مهرجان «ابن زيدون». وقد اسندنا اليه التدريس في كل من قسم الأدب العربي وقسم الأدب الانجليزي، حيث كان يُدَرسُ اللغة العربية والثقافة الاسلامية، وتركناه يختار المادة والمقرر والجدول الزمني مع حريته في التغيير ان شاء متى شاء فهذه جامعته وكليته وقسمه يتصرف وفق ما يراه ملائما له.. ثم اسندنا اليه التدريس في الدراسات العليا، والاشراف على الرسائل العلمية الجامعية والاشتراك في المناقشات، وقد انطلق الرجل في نشاط كبير ومتواصل من دون كلل أو ملل أو شكوى ولم يكن عمله مقتصرا في المدرجات والفصول وانما كان بيته لا يخلو من زيارة باحث استاذا أو طالبا أو مستفيدا وأحيانا يمتلئ بيته بمختلف الزوار من أهل العلم والأدب.. كما ان نشاطه العلمي امتد الى جميع جامعات المغرب، بل الى مدن أخرى لم تكن بها جامعات، يستجيب الى دعوات جمعيات ثقافية وأدبية بها، كما انه كان كثير الاسفار الى خارج المغرب لحضور الملتقيات والمؤتمرات والاجتماعات من دون اخلاله بواجباته التي تشهد انها كانت اكثر مما يُطلب منه اضافة الى حضوره العلمي الكبير في مباريات الالتحاق بهيئة التدريس بالجامعة أو بسلك تكوين اساتذة الجامعة، أما اشرافه على الرسائل العلمية فكانت فرصة عظيمة لاعداد الباحثين وتوجيههم.
ومن ألمع من تخرج به: الدكتور حسن الأمراني، الباحث الشاعر ورئيس قسم اللغة العربية بوجدة، والدكتور محمد الدناي الذي لازم شيخه عبد الله الطيب ونال من علمه حظا وافرا وغير هؤلاء وكان في مناقشته مثال العالم المربي الحكيم وكانت جلساته اثناء مناقشة الرسائل العلمية من أعظم الحلقات التي يستفيد فيها طلاب العلم على اختلاف مستوياتهم بمن فيهم الاساتذة.
وكان الدكتور عبد الله الطيب من القلائل الذين يُدعون دائما الى حضور الدروس الحسنية الرمضانية التي تقام في القصر الملكي وقد القى بعض المحاضرات أمام الملك الحسن الثاني رحمه الله. ولا ينسى العلماء وأهل الأدب والفكر أول دروسه في موضوع «القصص القرآني» وكان درسا رائعا وفذا ومثيرا للاعجاب، ومما لا يعلمه الكثيرون ان الرجل طولِبَ بالقاء الدرس في هذا الموضوع بالذات وحُدِدَ له موعد القائه بعد يومين فقط فقبل الدكتور عبد الله هذا الطلب الذي كان في الحقيقة تحديا وامتحانا له وطلب من وزير الاوقاف والشؤون الاسلامية السابق الدكتور عبد الكبير العلوي المدغري ان يزوده بتفسير الطبري فقط ولم يطلب مصادر أو مراجع مختصة.. فقد اعتمد بعد الله على مخزونه العلمي الثري والمتنوع، فلما القى الدرس كان آية من آيات الله.. وأمثال الدكتور الطيب يبدعون ويبرزون في مواقف التحدي والاستثارة والاستفزاز، وقد شاهدتُ ذلك منه في مثل هذه المواقف ما قد نتناوله في مناسبة قادمة ان شاء الله. وهذا يذكرني بابداع علماء وأدباء واجهوا مثل ما واجه الدكتور الطيب عن حسن نية كما وقع له هنا أو عن سوئها كما يروى في كثير من الاخبار أو تصديا لما يعتقدون انه انحراف وجهل وخطأ أو دسيسة يراد اشاعتها في الاوساط لمحاربة الحقائق وتهديمها ومن ابرز من كان ينبري لرد التحدي ومواجهة التضليل العلمي الأدبي شيخنا محمود شاكر الذي كان والدكتور عبد الله الطيب كفرسي رهان في ميدان الأدب الاصيل والصحيح وفي خوض معارك يرون وجوب المجاهدة فيها.. واعرف بعضها عن الدكتور الطيب كان فيها نعم الفارس المبارز!
إن امثال الدكتور عبد الله الطيب لا يجود الزمن بهم إلا مرة أو مرتين في القرن لأنه احد كبار المجددين والمؤصلين في ميدان الأدب.. وبموت الرجل تفقد العروبة احد كبار اعلامها، ومن حسن حظ المغرب انه شارك السودان في علم هذا الرجل وفضله، وكاد المغرب يستأثر به من دون السودان لولا انه تدارك المسؤولون الجدد فيه خطأ من سبقهم فأحلوا الرجل مكانته السامية التي تليق به في بلده السودان وآخر ذلك ان يتولى رئيس الجمهورية السودانية عمر البشير نعي الدكتور عبد الله الطيب في بيان اذيع ونشر، كما خصصت الفضائية والاذاعة السودانية يوما خاصا بالرجل الذي لا ينساه المغرب وسيشارك السودان في دراسة آثاره والتعريف بها للأجيال الحاضرة والمستقبلية.
الحازمي- نشط مميز
رد: الطيبون: عبد الله الطيب والطيب صالح وطارق الطيب
البروفيسور عبد الله الطيب فقيد العلم واللغة
بسم الله الرحمن الرحيم
كثيرة هي الفواجع والمصائب في هذه الحياة الدنيا، وأكثر هذه الفواجع وآلمها موت العلماء، تلك المصيبة التي تتعدى آثارها بيت الفقيد وأهله وصحبه، لتصل إلى آماد بعيدة في الأمة عامة.وفي أحيان كثيرة يقف المرء مشدوهاً أمام هذه المصائب ولربما حاول استبعادها من شدة وقعها لأول وهلة، إذ يفزع الإنسان في لحظة ما إلى آمال حبيسة في نفسه سرعان ما تجيش لتتحكم في سلوكياته، وهذا ما عبّر عنه أبو الطيب المتنبي حينما بلغه خبر موت من كان مولعاً بحبها فما أن وصله الخبر حتى قال:
طوى الجزيرة حتى جاءني خبر* فزعت فيه بآمالي إلى الكذب
وهذا الذي كان عندما سمعت بموت العالم الكبير الحبر البحر البروفيسور عبد الله الطيب علامة السودان في العربية وعلومها بل وإمام العربية الكبير في وقت تعاجز الناس فيه عن مجرد النطق السليم بالعربية الفصيحة.لقيت أنا البروفيسور في السودان وتعرفت إليه عن قرب، ولقد كان وديعاً متواضعاً لا تحس وأنت تجالسه بأي غربة تجوب حولك، كان يوم لقيته أستاذاً للعربية في جامعة الخرطوم ومديراً لمجمع اللغة العربية هناك، تلمحه فتلمح من ثناياه تراثاً عربياً إسلامياً فواراً، وغيرةً على العربية والدين قلما تجدها عند أدباء اليوم. كان هذا هو أول لقاء به، ثم كان اللقاء الثاني الكبير يوم شرفت به مناقشاً لرسالتي في الدكتوراه، فرأيت منه بحراً زاخراً وعلماً كبيراً متواضعاً لم تزده مناصبه إلا رقة وحنانا.
مسيرة حياته :
ولد الفقيد رحمة الله تعالى بغرب الدامر – قرية في السودان – في رمضان عام 1339 هـ الموافق 1921م.
تعلم بمدرسة كسلا والدامر وبربر وكلية غوردون بالخرطوم والمدارس العليا ومعهد التربية ببخت الرضا وجامعة لندن بكلية التربية ومعهد الدراسات الشرقية والأفريقية.
نال درجة البكالوريوس في الآداب عام 1948 م من جامعة لندن، ونال الدكتوراه من جامعة لندن SOAS عام 1950م.
امتد تاريخه الأكاديمي أكثر من نصف قرن، انتقل فيها إلى بلدان عدة وتبوأ فيها بعض المناصب الأكاديمية.
فقد عمل محاضراً في معهد دراسات الشرق الأوسط وأفريقيا في لندن، ومدرساً بكلية أم درمان الأهلية، وكلية غوردون وبخت الرضا، وكلية الخرطوم الجامعية وجامعة الخرطوم وغيرها.
- تولى عمادة كلية الآداب بجامعة الخرطوم ( 1961 – 1974 ).
- كان مديراً لجامعة الخرطوم ( 1974 – 1975 ).
- أول مدير لجامعة جوبا ( 1975 – 1976 ).
- أشرف على إنشاء كلية عبد الله باييرو في جامعة أحمد بيلو في ( كانو ) بنيجيريا وكان أول عميد لها. وأصبحت الكلية فيما بعد جامعة مستقلة.
- عمل أستاذاً للدراسـات العليا في كليـة الآداب والعلـوم الإنسانية في جامعة سيدي محمد بن عبد الله في مدينة فاس بالمغرب.
- عيّن أستاذاً ممتازاً مدى الحياة ( Professor Emeritus ) بجامعة الخرطوم في سنة 1979م.
- كان عضواً في هيئة تحرير الموسوعة الأفريقية في غانا.
- عضو عامل بمجمع اللغة العربية بالقاهرة منذ عام 1961م.
- أول رئيس لمجمع اللغة العربية بالخرطوم.
- رئيس اتحاد الأدباء السودانيين.
- أستاذ زائراً لعدد من الجامعات العربية والأفريقية والبريطانية.
- منح الدكتوراه الفخرية من جامعة الخرطوم سنة 1981م ومن جامعة باييرو ب(كانوا) بنيجيريا سنة 1988م ومن جامعة الجزيرة بالسودان سنة 1989م.
- شارك في عدة مؤتمرات في السودان وخارجه.
- له مساهمات في الصحافة والإذاعة والتلفزيون.
- فسّر القرآن الكريم كله من إذاعة أم درمان بين عامي 1958 – 1969 مع تلاوة الشيخ صديق حمدون .
- نال جائزة الملك فيصل العالمية عام 2000م.
هذه المناصب المختلفة والأعمال المميزة تدل على أن الرجل كان يحتل مكانة مرموقة في الأوساط الثقافية والأكاديمية في الوطن العربي.
والفقيد تنوعت اهتماماته وتعددت لتشمل مختلف مجالات الفكر والأدب واللغة العربية، فهو شاعر وكاتب وروائي ودارس متعمق في الأدب العالمي وله إسهامات أدبية متميزة في مجال النقد الدبي القديم عند العرب، وفي حقول الفكر والأدب عموماً. فهو محيط بالشعر العربي وتاريخه وقضاياه إحاطة قلّ أن تتوافر في كثير من الدارسين .
وقد أخبرني الدكتور إحسان عباس أن الدكتور عبد الله الطيب يكاد يحفظ الشعر الجاهلي الذي وصلنا بعجره وبجره، وهذه شهادةٌ أخرى من معاصرٍ خبير.
اهتم الدكتور عبد الله الطيب بالكتابة والتأليف إن بالعربية أو الإنجليزية، تناولت قضايا الشعر والنثر والنصوص، وله عدة دواوين شعرية ومسرحيات وقصص للأطفال فمن دواوينه أصداء النيل، وبانات رامة، وأغاني الأصيل وزواج السمر ... وغيرها.
وأشهر كتاب له في هذا الميدان كتابه المرشد إلى فهم أشعار العرب وصناعتها، ويقع في خمسة أجزاء، استغرق تأليفه أكثر من خمسة وثلاثين عاماً حيث صدر الجزء الأول عام 1955م في مصر والخامس عام 1990م في الخرطوم، وللحديث عن هذا الكتاب بقية ستأتي إن شاء الله تعالى.
بين الدكتور طه حسين وعبد الله الطيب:
كان الدكتور طه حسين ألوكة الألسنة في ذلك الزمان الذي عاش فيه ويندر، أن يوجد أديب أو كاتب لا يذكر طه حسين، بغض النظر عن نوعية هذا الذكر. وقد كان حديث الناس في مجالسهم ومنازلهم وكان الاتصال به يمثل نوعاً من الكبرياء المعرفية – إن صحت هذه النسبة – لدى كثير من الأدباء أو المتأدبين في ذلك الوقت، ومطمحاً عزيزاً لنفوس كثيرين أيضاً.
وقد كان الدكتور عبد الله الطيب أحد الطامحين إلى هذه الصلة، وقد يسّر الله تعالى هذه الصلة عن طريق المستشرق ألفريد جيوم، وقد قدّم له الدكتور الطيب في طالعة كتابه المرشد ثناءً يقول فيه: ولأستاذي الكريم العلاّمة ألفريد جيوم، عميد الدراسات الإسلامية بمعهد اللغات الشرقية بلندن، لدي يد لا تنكر فقد كان لا يني يشجعني برسائله، على بعد ما بيننا من المسافة، ثم تجمل فحملني رسالة تقديم لطيفة إلى الدكتور طه حسين كانت هي فاتحة اللقاء بيني وبينه .
ثم توالت الرسائل بين الدكتور الطيب والدكتور طه حسين، وقد نشرت مجلة القاهرة في عدد إبريل من عام 1995 اثنتي عشر رسالة كان أرسلها الدكتور عبد الله الطيب إلى الدكتور طه حسين. ونلمح من هذه الرسائل مدى الإعجاب الذي كان يكنه الطيب للدكتور طه، ففي هذه الرسائل كان يخاطبه بسيدي الجليل وأحياناً سيدي ومولاي العظيم، وأحيانا سيدي ومولاي الأستاذ الكبير، وأحياناً سيدي وأستاذي الجليل، وأحياناً سيدي أستاذنا الجليل أستاذ الجيل.
ويبدو لي من خلال هذه الرسائل أن هذا الإعجاب لم يكن فطرياً فحسب وإنما لغايةٍ أخرى، ففي جميع الرسائل تقريباً كان الحديث من الدكتور الطيب عن كتابه المرشد ورغبته في أن يقدم الدكتور طه لهذا الكتاب حتى يتسنى لهذا الكتاب أن يكتب له الذيوع والانتشار بمقدمة الدكتور طه له وإلا فسيبقى خاملاً غير سائر.
ولم تنتشر مجلة القاهرة ردود الدكتور طه على رسائل الدكتور عبد الله الطيب، ولكنا نلمح بطئاً شديداً في الرد إذ لم يشر الطيب إلا مرة أو مرتين بوصول الرد إليه ولربما كان هذا من حوافز الإلحاح الشديد لدى الطيب على الدكتور طه ليكتب تقديماً لكتابه.
وفعلاً وبعد لأي شديد كتب الدكتور طه هذا التقديم الذي صدر به الجزء الأول من كتاب المرشد وسنقف عند هذا التقديم بعد قليل، ولكن لنمضي الآن مع هذه الرسائل.
وفي هذه الرسائل أيضاً ندرك التقدير الذي حظي به الدكتور طه من الدكتور الطيب، إذ كان يلقبه بمعلم الجيل وذخره، كما في الرسالة المؤرخة في 18/3/1954م، وفي رسالة أخرى لقبه بقوله: بحر الأدب الزاخر ومنبعه الأصيل وفيها أيضاً العالم الحبر الجليل الأديب عميد العربية الذي طبق ذكره الآفاق.
هذا بالإضافة إلى ما في هذه الرسائل من الثناء للدكتور طه حسين، فإنا نأخذ منها تصريح الدكتور الطيب بمنهجه العلمي والنقدي وحرصه على الإنصاف، فهو مثلاً مع حرصه الشديد على أن يقدم الدكتور طه كتابه فقد كان حريصاً على إبراز معايبه إن وجدت، يقول في رسالة إلى الدكتور طه: ولا أحتاج هنا أن أذكر أن حرصي على أن ينبه سيدي معايب كتابي ليس بأقل من حرصي على أن يلمح بجانب من طرفه بعض محاسنه وهذه موضوعية واضحة جداً. ونلمح إضافةً إلى هذا شيئاً من الإنصاف في العلاقة مع من لا يتلاءم معه في الأفكار على نحوٍ ما، فهو يقول مخاطباً الدكتور طه بشأن الدكتور محمد النويهي: هذا وربما يسرك يا سيدي أن تعلم أني سأعمل التدريس بكلية الخرطوم الجامعية ابتداءً من الصيف القادم مع الدكتور محمد النويهي وهو رجل أحترم ذكاءه وفطنته، وإن كان لا يعجبني منهجه في دراسة الأدب.
ولعل هذا الاحترام المتبادل بيننا، أن يمكنني ويمكنه، كل من ناحيته، أن نتعاون على خدمة العربية في هذه البلاد، وميدان الدراسة الجامعية بعد فيه سعة لاختلاف في المناهج والآراء مادام روح العلم هو المهيمن على هذا الاختلاف.
لعمرك إن هذا يمثل الروح العلمية النزيهة المطلوبة وليت كثيراً ممن يدرسون في الجامعات والمعاهد يتنبهوا إلى مثل هذا الخلق النبيل ليجنوا من ثماره فوائد كبيرة على التعليم الجامعي خاصةً والتعليم العام عامةً، لما فيه من كبح جماح المنازعات بين الناس وخصوصاً المتعلمين منهم والله تعالى المستعان.
ونجد في هذه الرسائل كذلك حديثاً عن كتاب مجهول للدكتور طه حسين وهو كتاب مرآة الإسلام، ففي رسالة مؤرخة بتاريخ 3/10/1960م يقول الدكتور عبد الله الطيب: سيدي الكريم، الدكتور طه حسين، أطال الله بقاءه، السلام عليك يا سيدي، وإليك مني التحيات والطيبات. وتالله يفتأ قلبي يذكرك ويتمنى لقاءك، وقد قرأت ( مرآة الإسلام ) مراراً. ولا أملك إلا أن أقول كما قال أبن مسعود : ( إذا ذكر الصالحون فحيهلاً بعمر ) فأبقاك الله للإسلام وللعربية ذخراً.
وقد سمعت في أثناء مناقشتي للدكتوراه في السودان من أحد المناقشين أن طه حسين قد رجع عن آرائه في هذا الكتاب، وهي معلومة حرية بالدرس. ومن عجب أن هذا الكتاب لا يكاد يذكره أحد، وإنه لجدير بالباحثين أن يفتشوا عن هذا الكتاب، ويعيدوا قراءته، فإن صحّ ما نقلته عن المناقش فينبغي أن تعاد قراءة طه حسين من جديد إنصافا للتاريخ، وحسماً لآراء لا تزال تتردد بين الفينة والأخرى، وحسماً لنزاع لا يزال يطل برأسه بين الباحثين، إذ لا يزال طه حسين يثير لغطاً بين الباحثين إلى هذا اليوم.
وإني لأرجو أن يتوافر على هذا الكتاب باحث جاد ليحسم هذه المسألة التي ذكرتها ولا أدري هل سبق أحد بمثل هذا القول أم لا؟
طه حسين وكتاب المرشد:
كتب الدكتور عبد الله الطيب في طالعة كتابه هذا يقول: يرجع الفضل الأكبر في إبراز هذا الكتاب من حجاب الخمول إلى جماهير القراء الكرام، إلى الأستاذ العلاّمة عميد الأدب العربي، الدكتور طه حسين، فقد اختلس من زمنه القيّم ساعات لقراءة أصوله، ثم وعد بالتقديم له، ثم سعى سعياً حثيثاً في نشره، كل ذلك فعله ابتغاء وجه الله، واعترافاً بحق الأدب والأدباء وقد وردت مصر غريباً. وصدرت منها بعد لقائه وأنا أشعر بالعزة والكرامة ، وقد قدّم الدكتور طه هذا الكتاب بمقدمة لطيفة أرى من المناسب ذكرها هنا لندرة الكتاب فيما بيننا ولأنها تفصح عن قيمة الكتاب ثانياً، ولأن فيها آراء خاصة بالدكتور طه ثالثاً: وتالياً هذا التقديم.
يقول الدكتور طه حسين:
" هذا كتاب ممتع إلى أبعد غايات الإمتاع، لا أعرف أن مثله أتيح لنا في هذا العصر الحديث.
ولست أقول هذا متكثّراً أو غالياً، أو مؤثراً إرضاء صاحبه، وإنما أقوله عن ثقة وعن بيّنة، ويكفي أني لم أكن أعرف الأستاذ المؤلف قبل أن يزورني ذات يوم، ويتحدث إليّ عن كتابه هذا، ويترك لي أياماً لأظهر على بعض ما فيه، ثم لم أكد أقرأ منه فصولاً، حتى رأيت الرضى عنه، والإعجاب به، يفرضان عليّ فرضاً، وحتى رأيتني ألح على الأستاذ المؤلف أن ينشر كتابه، وأن يكون نشره في مصر، وآخذ نفسي بتيسير العسير من أمر هذا النشر. وأشهد لقد كان الأستاذ المؤلف متحفظاً متحرجاً، يتردد في نشر كتابه، حتى أقنعته بذلك بعد إلحاح مني شديد. وقد يسّر الله هذا النشر، بفضل ما لقيت من حسن الاستعداد، وكريم الاستجابة، من شركة الطبع والنشر لأسرة الحلبي، فشكر الله لهذه الشركة حسن استعدادها، وكريم استجابتها، وما بذلت من جهدٍ قيم، لتطرف قراء العربية بهذا الكتاب الفذّ، الذي كان الشعر العربي في أشد الحاجة إليه.
وإني لأسعد الناس حين أقدم إلى القراء صاحب هذا الكتاب، الأستاذ عبد الله الطيب وهو شاب من أهل السودان، يعلّم الآن في جامعة الخرطوم، بعد أن أتم دراسته في الجامعات الإنجليزية، وأتقن الأدب العربي، علماً به، وتصرفاً فيه، كأحسن ما يكون الإتقان، وألّف هذا الكتاب باكورة رائعة لآثار كثيرة قيّمة ممتعة إن شاء الله.
أنا سعيد حين أقدم إلى قراء العربية هذا الأديب البارع، لمكانه من التجديد الخصب في الدراسات الأدبية أولاً، ولأنه من إخواننا أهل الجنوب ثانياً.
وأنا سعيد بتقديم كتابه هذا إلى القراء، لأني أقدم إليهم طرفة أدبية نادرة حقاً، لن ينقضي الإعجاب بها، والرضى عنها، لمجرد الفراغ من قراءتها، ولكنها ستترك في نفوس الذين سيقرؤونها آثاراً باقية، وستدفع كثيراً منهم إلى الدرس والاستقصاء، والمراجعة والمخاصمة، وخير الآثار الأدبية عندي، وعند كثير من الناس، ما أثار القلق، وأغرى بالاستزادة من العلم، ودفع إلى المناقشة وحسن الاختبار.
وأخصّ ما يعجبني في هذا الكتاب، انه لاءم بين المنهج الدقيق للدراسة العلمية الأدبية، وبين الحرية الحرة التي يصطنعها الشعراء والكتّاب، حين ينشئون شعراً أو نثراً، فهذا الكتاب مزاج من العلم والأدب جميعاً، وهو دقيق مستقص حين يأخذ في العلم، كأحسن ما تكون الدقة والاستقصاء، وحر مسترسل حين يأخذ في الأدب، كأحسن ما تكون الحرية والاسترسال. وهو من أجل ذلك يرضي الباحث الذي يلتزم في البحث مناهج العلماء، ويرضي الأديب الذي يرسل نفسه على سجيتها، ويخلي بينها وبين ما تحب من المتاع الفني، لا تتقيد في ذلك لا بحسن الذوق، وصفاء الطبع، وجودة الاختيار.
وقد عرض الكاتب للشعر، فأتقن درس قوافيه وأوزانه، لا إتقان المقلّد، الذي يلتزم ما ورث عن القدماء، بل إتقان المجدد، الذي يحسن التصرف في هذا التراث، الذي لا يضيّع منه شيئاً، ولكنه لا يفنى فيه فناء، ثم أرسل نفسه على طبيعتها بعد ذلك، فحاول أن يستقصي ما يكون من صلة بين أنواع القوافي وألوان الوزن، وبين فنون الشعر التي تخضع للقوافي والأوزان، فأصاب الإصابة كلها في كثيرٍ من المواضع، وأثار ما يدعو إلى الخصام والمجادلة في مواضع أخرى، فهو لا يدع بحراً من بحور الشعر العربي، إلا حاول أن يبين لك الفنون التي تليق بهذا البحر، أو التي يلائمها هذا البحر، وضرب لذلك الأمثال في استقصاء بارع لهذا البحر، منذ كان العصر الجاهلي، إلى أن كان العصر الذي نعيش فيه، وهو يعرض عليه من أجل ذلك ألواناً مختلفة مؤتلفة من الشعر، في العصور الأدبية المتباينة، ألواناً في البحر إلى أقيمت عليه، وفي الموضوعات التي قيلت فيها، ولكنها تختلف بعد ذلك باختلاف قائليها وتباين أمزجتهم، وتفاوت طبائعهم، وتقلبهم آخر الأمر بين التفوق والقصور، وما يكون بينهما من المنازل المتوسطة، والمؤلف يصنع هذا بالقياس إلى بحور العروض كلها، فكتابه مزدوج الإمتاع، فيه هذا الإمتاع العلمي، الذي يأتي من اطراد البحث على منهجٍ واحدٍ دقيق، وفيه هذا الإمتاع الأدبي، الذي يأتي من تنّوع البحور والفنون الشعرية التي قيلت فيها، وتفاوت ما يعرض عليك من الشعر في مكانها من الجودة والرداءة.
والمؤلف لا يكتفي بهذا، ولكنه يدخل بينك وبين ما تقرأ من الشعر، دخول الأديب الناقد، الذي يحكّم ذوقه الخاص، فيرضيك غالباً، ويغيظك أحياناً، ويثير في نفسك الشك أحياناً أخرى. وهو كذلك يملك عليك أمرك كله، منذ تأخذ في قراءة الكتاب، إلى أن تفرغ من هذه القراءة، فأنت متنبه لما تقرأ تنبهاً لا يعرض له الفتور، في أي لحظة من لحظات القراءة، وحسبك بهذا تفوقاً وإتقاناً.
وليس الكتاب قصيراً يقرأ في ساعات ولكنه طويل يحتاج إلى أيام كثيرة، وحسبك أن صفحاته تقارب تمام المائة الخامسة، وليس الكتاب هيناً يقرأ في أيسر الجهد، ويستعان به على قطع الوقت، ولكنه شديد الأسر، متين اللفظ، رصين الأسلوب، خصب الموضوع، قيّم المعاني، يحتاج إلى أن تنفق فيه خير ما تملك من جهدٍ ووقت وعناية، لتبلغ الغاية من الاستمتاع به. هو طرفةٌ بأدق معاني هذه الكلمة، وأوسعها وأعمقها، ولكنها طرفةٌ لا تقدّم إلى الفارغين، ولا إلى الذين يؤثرون الراحة واليسر، ولا إلى الذين يأخذون الأدب على أنه من لهو الحديث، وإنما تقدم إلى الذين يقدرون الحياة قدرها، ولا يحبون أن يضيعوا الوقت والجهد، ولا يحاولون أن يتخففوا من الحياة، ويأخذون الأدب على أنه جد، حلوٌ مر، يمتع العقل، ويرضي القلب، ويصفي الذوق.
هؤلاء هم الذين سيقرؤون هذا الكتاب، فيشاركونني في الرضى عنه، والإعجاب به، والثقة بأن له ما بعده، ويشاركونني كذلك في ترشيح هذا الكتاب لجائزة الدولة، التي تقدمها الحكومة المصرية لخير ما يصدره الأدباء من كتب، إن جاز لك ولي أن ندل لجنة هذه الجائزة على ما ينبغي أن تدرس من الكتب، لمنح هذه الجائزة.
أما بعد فإني أهنئ نفسي وأهنئ قرّاء العربية بهذا الكتاب الرائع، وأهنئ أهل مصر والسودان بهذا الأديب الفذّ، الذي ننتظر منه الكثير. "
هذا هو بأيسر طريق رأي الدكتور طه حسين في الجزء الأول من كتاب المرشد للدكتور عبد الله الطيب، وهو رأي كما هو واضح لا تنقصه الجرأة ولا الصراحة، غير أني سمعت أن من وراء السطور شيئاً آخر، فقد حدثني صديقي الأستاذ التجاني سعيد القاطن بالسودان أن طه حسين كان يبتغي من وراء هذه المقدمة أن يصنع في السودان رجلاً مثله تماماً على طريقته ومذهبه، وأنه بمعاونة المستشرقين وجد بغيته عند الدكتور عبد الله الطيب، ولكنه فيما بعد لم يفلح لأن الدكتور الطيب منحدر من أسرة عريقة في التدين، كما ذكر ذلك هو في رسائله إلى الدكتور طه حسين في الرسالة المؤرخة في 21/9/1954م.
وكانت النتيجة الحتمية لهذا التدين عند الطيب أن ينحاز إلى الأمة وإلى قرآنها وتراثها، بشكل يتناقض تماماً مع توجهات طه حسين، والله أعلم.
بين عبد الله الطيب وإحسان عباس:
التقيت الدكتور إحساناً في منزله، وجرى الحديث بيني وبينه عن السودان وعن عبد الله الطيب ، فأبدى ثناءً عاطراً عليه وعلى علمه واهتمامه بالتراث وأن الدكتور الطيب صديقه، ومضت بي الأيام وإذ بالدكتور إحسان عباس يصدر كتاباً بعنوان غربة الراعي، قرأته فقرأت فيه الأسى واليأس، في كل سطرٍ من سطوره، ولفت نظري ما كتبه عن الدكتور عبد الله الطيب، إذ يقول: إنه في عام 1960م حدثت عنده مشكلة في تجديد عقده في العمل في جامعة الخرطوم وفي كلية الآداب التي كان رئيس القسم فيها الدكتور عبد الله الطيب، بعد أن استقال أو أُقيل الدكتور محمد النويهي، فلما حان موعد تجديد العقد كما يقول: استشار رئيس الجامعة رئيس القسم فأبدى رئيس القسم عدم رغبتنه في ذلك إلا بشرط واحدٍ غريب جداً، وهو فصل الأستاذين السودانيين عوض الكريم والمجذوب، كما حدثه بذلك رئيس الجامعة نفسه! وإنه كان يدرك أن هذا الشرط تعجيزي وأن الرئيس حاول إقناع رئيس القسم دون جدوى. لكن لماذا هذا الأمر؟ يقول الدكتور إحسان: كان رئيس القسم قد استاء مني لأنه كان يراني أكثر الجلوس في مكتب أحد الأستاذين اللذين اشترط طردهما، ظناً منه أننا لا نجتمع معاً إلا لاستغابته وإذا كان هو عند نفسه مهما فلم يكن عندنا كذلك، وكان وقتنا أثمن من أن نبدده في أمور هامشية، وكان هناك أديب لبناني اسمه أحمد أبو سعد قد بدأ مشروع إصدار مختارات من الشعر العربي المعاصر لكل بلد على حدة، وأصدر في تلك السلسلة جزءًا يحتوي مختارات من الشعر السوداني، وذكر عبد الله الطيب وذكر أنه يكثر الهجاء لوطنه وأهل وطنه وأضاف: وذلك لا يليق بعباد الله الطيبين، وسألني ( البروفيسور ) عبد الله إن كنت رأيت هذا الكتاب، فأنبأته أنه عندي وأعرته النسخة التي أهدانيها المصنف، فوقر في نفسه أن لي يداً في ما كتبه أبو سعد عنه، والله يعلم أنني لم أكن أعرف المؤلف ولم تكن لي به أدنى علاقة...
وهذه من الهنات، وإنما أذكرها هنا لأنها قد توضح لمن يتساءلون أسباب مغادرتي للسودان والملابسات التي أحاطت بها .
هذا ما كتبه الدكتور إحسان عن عبد الله الطيب، وإني لأتساءل كيف استطاع الدكتور إحسان أن يكتشف ما في نفس الدكتور الطيب عنه بهذه الكيفية. لكن كيف ذكر الطيب إحسان عباس؟ لم أجد له فيما قرأت ذكراً إلا في إحدى رسائله إلى الدكتور طه حسين يقول فيها:
هذا وقد أخبرني زميلُ لي يدعى الدكتور إحسان أن الأستاذ السقا يحسب أنني انسب إليه تأخير طبع الكتاب وهذا ليس بصحيح، وأنا لا أنسب تأخير طبع الكتاب إلا للناشر السيد عبد القوي الحلبي، ولعله أن يكون قد تخرص عليّ هذا التخرّص لدى الأستاذ السقا. والله حسيبه وحسبي إن كان ذلك قد وقع منه.
هذا كل ما ذكره الدكتور عبد الله الطيب عن الدكتور إحسان والله تعالى أعلم بحقيقة الحال. على أني أتشكك في رواية الدكتور إحسان لأن الدكتور عبد الله الطيب قد نال عدة جوائز وتبوّأ عدة مناصب وأقيمت له لجنة تكريمية على مستوى السودان، أفغفل هؤلاء عن عبد الله الطيب وأنه ممن يهجو بلده وأهله، وكيف لمن يفعل ذلك أن يكرمه أهله, أتساءل وأدع الجواب عليه لعقول السادة القرّاء.
وعلى كل حال غاب الرجلان وهما بين يدي الرحيم الرحمن والله تعالى نسأل لهما الرحمة والصفح عما بدر منهما.
وبعد فهذه نبذة لسيرة سمح بها الوقت في الحديث عن عالم العربية الكبير الذي لم ينل حقه من التكريم إلا بعد حين، والذي تجاهلت معظم البلدان الإسلامية والعربية الحديث عنه عند وفاته متناسيةً فضله على العربية وأهلها في السودان وخارجه. رحم الله الدكتور عبد الله الطيب، العالِم المتواضع، وأسكنه فسيح جناته.
الحازمي- نشط مميز
رد: الطيبون: عبد الله الطيب والطيب صالح وطارق الطيب
في (أرخبيل الإلفــــــــــــة و المســـرات ) .... أدهشني محمداً لأنه تناول نقده في لقاءة مع الأديب الكبير / الطيب صالح بذات روح النقد الأدبي الرصين لنقـــاد كبار وهو الشاب اليافع الممتلاً حماســاً وحيوية .... إذ لم يجمح حماسه هذا بعيداً ....بل جمع هذا اللقاء في جملة تمثل الرؤية الحقيقة والمنطلق الواقعي لمن أراد ان يجلس أو ينقد مع قامات كالطيب صالح حيث قال "فالالفة هي كلمة السر في اللوحة البيانية لمشروعه الثقافي والجمالي ولعلاقته مع الوجود واعماله الروائية والقصصية «موسم الهجرة الى الشمال وعرس الزين وبندر شاه بجزءيها ضو البيت ومريود ودومة ود حامد»
الفاتح محمد التوم- مشرف المنتدى السياسى
رد: الطيبون: عبد الله الطيب والطيب صالح وطارق الطيب
1. الطيب صالح
2. عبد الله الطيب
3. طارق الطيب
4. فراج الطيب
5. عمر الطيب (الدوش)
6. عمر الطيب (بي بي سي)
7.الطيب عبد الله (الفنان)
8.بادي محمد الطيب( الفنان)
9. عاطف الطيب (المخرج)
10. محمد الطيب زين العابدين (السودانوية)
2. عبد الله الطيب
3. طارق الطيب
4. فراج الطيب
5. عمر الطيب (الدوش)
6. عمر الطيب (بي بي سي)
7.الطيب عبد الله (الفنان)
8.بادي محمد الطيب( الفنان)
9. عاطف الطيب (المخرج)
10. محمد الطيب زين العابدين (السودانوية)
الطيب الشيخ حسين كندة- مشرف التراث
رد: الطيبون: عبد الله الطيب والطيب صالح وطارق الطيب
نعم إنهم طيبون حقاً ..........
ولكن ربما تقصد بالرقم ...(10). بروفسير أحمد الطيب زين العابدين الذي ولد بالجزيرة ( ودالحداد) وتربى في غرب السودان وكان جزء من تعليمه في الشرق . ارتحال خلّق فيه وجداناً ( سودانيا) بمعنى هذه الكلمة ، هذه الحالة يالطيب شكلت البروف ( يرحمه الله ).. فجعلت قلمة يكتب عن قبائل الأنقسنا بالنيل الأزرق ( الحفر على القرع ) وعن ( المسيحية في السودان ) ... ( النوبة ) .. ( آثار كنائس فرس ) ... وكتاباته في عموده ( السودانوية ) إضافة الى القصص الواردة في مجموعة ( دروب قرماش ) والقصــــــة ( دبيب يا يا ) نموذجاً
شكراً لإضافتك التي زادت ولعي بأخي محمد الربيع الذي بدأ حياته شاعراً ثم تناول بالنقد في صحف الخرطوم أعمالا ابداعيه مثل مسرحية “الجرح والغرنوق” للدكتور عبد الله علي ابراهيم ...ثم تناول بإسهاب أعمال البروفيسور الراحل أحمد الطيب زين العابدين القصصية.....رحم الله بروف أحمد الطيب زين العابدين فهو مؤسس قسم الدراسات الاجتماعية في كلية الفنون الجميلة ( فنون_علم جمال_ علم نفس_ فلســـفة _ التاريخ وبقية الأقسام ) وبذات الخطى مشى أخي العزيز ابن لقاوة الشاعر والناقد محمد الربيع حيث عمل رئيسا للقسم الثقافي في صحيفة “الصحافي الدولي”، وأسهم بفعالية في تأسيس القسم الثقافي في التلفزيون السوداني، وقدم فيه العديد من البرامج الثقافية
وشكراً لك أخي العزيز الطيب للعصف الذهني في ليلة شتويـــة ......خالص الود
الفاتح محمد التوم- مشرف المنتدى السياسى
رد: الطيبون: عبد الله الطيب والطيب صالح وطارق الطيب
د.عبدالله الطيب
لد بقرية التميراب غرب الدامر فى 25 رمضان 1339هـ – الموافق 2 يونيو 1921م .والداه الطيب عبد الله الطيب و عائشة جلال الدين وهو إبن محمد بن أحمد بن محمد المجذوب.تعلم بمدرسة كسلا والدامر وبربر وكلية غردون التذكارية بالخرطوم والمدارس العليا ومعهد التربية ببخت الرضا وجامعة لندن بكلية التربية ومعهد الدراسات الشرقية والأفريقية.
نال الدكتوراة من جامعة لندن (soas) سنة 1950م.
عمل بالتدريس بأمدرمان الأهلية وكلية غردون وبخت الرضا وكلية الخرطوم الجامعية وجامعة الخرطوم وغيرها.
تولى عمادة كلية الآداب بجامعة الخرطوم (1961-1974م)كان مديراً لجامعة الخرطوم ( 1974-1975م).أول مدير لجامعة جوبا (1975-1976م).
أسس كلية بايرو بكانو "نيجيريا" , وهى الآن جامعة مكتملة.عمل أستاذاً للغة العربية بالمملكة المغربية بكلية الآداب جامعة سيدى محمد عبد الله بفاس.عيّن أستاذاً ممتازاً مدى الحياة ( بروفيسور أميرى) بجامعة الخرطوم 1979م.عضو عامل بمجمع اللغة العربية بالقاهرة منذ مارس 1961م.أول رئيس لمجمع اللغة العربية بالخرطوم.
منح الدكتوراة الفخرية من جامعة الخرطوم 1981م, ومن جامعة بايرو كانو بنيجيريا سنة 1988م ومن جامعة الجزيرة سنة 1989م.
عمل مدرساً بمعهد الدراسات الشرقية بجامعة لندن – شارك فى إنشاء معهد الخرطوم الدولى للغة العربية.
له عدد من المؤلفات المطبوعة وغير المطبوعة. أشهرها (المرشد لفهم أشعار العرب وصناعتها) من خمس مجلدات قدّم الجزء الأول منه الدكتور طه حسين. ومؤلف ( الأحاجى السودانية) و(نافذة القطار) .
له عددمن الدواوين الشعرية مثل أصداء النيل- بانات رامه – أغانى الأصيل- زواج السمر- سقط الزند الجديد.
له مسرحيات شعرية أشهرها " نكبة البرامكة".فسّر القرآن الكريم بالإذاعة السودانية وطبع منه جزء عم وتبارك من 1958م الى 1969م مع تلاوة الشيخ صدّيق أحمد حمدون والشيخ إبراهيم كمال الدين.
نال جائزة الشهيد الزبير محمد صالح للإبداع والتميز العلمي في العام 2000م.
نال جائزة الملك فيصل العالمية للأدب العربى سنة 2000م.شارك فى عدة مؤتمرات فى السودان وخارجه وله مساهمات فى الأذاعة والتلفزيون.
له عدد من الكتب المنهجية للمدارس.
شارك بالحضور والقاء الدروس الدينية أمام الملك الراحل الحسن الثانى فى مجلسه الرمضانى " الدروس الحسنية".
كرمته الدولة والعديد من الجمعيات والمؤسسات بعدد من الأوسمة والجوائز التقديرية, لعلمه وفكره فى اللغة والأدب فهو محيط بالشعر العربى وتأريخه وقضاياه أحاطه نادرة... رحمه الله
نال الدكتوراة من جامعة لندن (soas) سنة 1950م.
عمل بالتدريس بأمدرمان الأهلية وكلية غردون وبخت الرضا وكلية الخرطوم الجامعية وجامعة الخرطوم وغيرها.
تولى عمادة كلية الآداب بجامعة الخرطوم (1961-1974م)كان مديراً لجامعة الخرطوم ( 1974-1975م).أول مدير لجامعة جوبا (1975-1976م).
أسس كلية بايرو بكانو "نيجيريا" , وهى الآن جامعة مكتملة.عمل أستاذاً للغة العربية بالمملكة المغربية بكلية الآداب جامعة سيدى محمد عبد الله بفاس.عيّن أستاذاً ممتازاً مدى الحياة ( بروفيسور أميرى) بجامعة الخرطوم 1979م.عضو عامل بمجمع اللغة العربية بالقاهرة منذ مارس 1961م.أول رئيس لمجمع اللغة العربية بالخرطوم.
منح الدكتوراة الفخرية من جامعة الخرطوم 1981م, ومن جامعة بايرو كانو بنيجيريا سنة 1988م ومن جامعة الجزيرة سنة 1989م.
عمل مدرساً بمعهد الدراسات الشرقية بجامعة لندن – شارك فى إنشاء معهد الخرطوم الدولى للغة العربية.
له عدد من المؤلفات المطبوعة وغير المطبوعة. أشهرها (المرشد لفهم أشعار العرب وصناعتها) من خمس مجلدات قدّم الجزء الأول منه الدكتور طه حسين. ومؤلف ( الأحاجى السودانية) و(نافذة القطار) .
له عددمن الدواوين الشعرية مثل أصداء النيل- بانات رامه – أغانى الأصيل- زواج السمر- سقط الزند الجديد.
له مسرحيات شعرية أشهرها " نكبة البرامكة".فسّر القرآن الكريم بالإذاعة السودانية وطبع منه جزء عم وتبارك من 1958م الى 1969م مع تلاوة الشيخ صدّيق أحمد حمدون والشيخ إبراهيم كمال الدين.
نال جائزة الشهيد الزبير محمد صالح للإبداع والتميز العلمي في العام 2000م.
نال جائزة الملك فيصل العالمية للأدب العربى سنة 2000م.شارك فى عدة مؤتمرات فى السودان وخارجه وله مساهمات فى الأذاعة والتلفزيون.
له عدد من الكتب المنهجية للمدارس.
شارك بالحضور والقاء الدروس الدينية أمام الملك الراحل الحسن الثانى فى مجلسه الرمضانى " الدروس الحسنية".
كرمته الدولة والعديد من الجمعيات والمؤسسات بعدد من الأوسمة والجوائز التقديرية, لعلمه وفكره فى اللغة والأدب فهو محيط بالشعر العربى وتأريخه وقضاياه أحاطه نادرة... رحمه الله
الحازمي- نشط مميز
رد: الطيبون: عبد الله الطيب والطيب صالح وطارق الطيب
كلام جميل جدا
الصادقون الؤنون لهم خير الجذاء
خير الأنام إذا ما قال قد صدقا ***** وأكْمَلُ الخَلـْقِ مَنْ فاق الورى خُلـُقا
وأحسنُ الناس أخلاقا فـمجلسُهُ **** قرب َ الرسول بيوم الحشر قد سَبَقا
أعلى الجنان ذوو الأخلاق مسكنُهُمْ ** بشرى الحبيب لهم إنْ قال قَدْ صَدقا
تلقى الكثيرَعلى الإسلام ظاهِرهُمْ ****** لكنَّ أخلاقهَمْ مَـنْ شـامَها بَصَقا
الصادقون الؤنون لهم خير الجذاء
خير الأنام إذا ما قال قد صدقا ***** وأكْمَلُ الخَلـْقِ مَنْ فاق الورى خُلـُقا
وأحسنُ الناس أخلاقا فـمجلسُهُ **** قرب َ الرسول بيوم الحشر قد سَبَقا
أعلى الجنان ذوو الأخلاق مسكنُهُمْ ** بشرى الحبيب لهم إنْ قال قَدْ صَدقا
تلقى الكثيرَعلى الإسلام ظاهِرهُمْ ****** لكنَّ أخلاقهَمْ مَـنْ شـامَها بَصَقا
يعقوب النو حامد- مبدع مميز
رد: الطيبون: عبد الله الطيب والطيب صالح وطارق الطيب
مشكور استاذ الفاتح
فعلا المقصود هو
أحمد الطيب زين العابدين
مارأيك في هؤلاء الطيبون
عمر الطيب ( ال... الضاحكة)
الطيب محمد خير (سيخة)
الطيب مصطفى (خال الرئيس)
فعلا المقصود هو
أحمد الطيب زين العابدين
مارأيك في هؤلاء الطيبون
عمر الطيب ( ال... الضاحكة)
الطيب محمد خير (سيخة)
الطيب مصطفى (خال الرئيس)
الطيب الشيخ حسين كندة- مشرف التراث
رد: الطيبون: عبد الله الطيب والطيب صالح وطارق الطيب
والله إنتا الطيب يا عريس
أما الذين سألتني عنهم فلم" يطيب " لهم المقـــام في هذه الدنيا الفانية و" خفت ضـــوءهم "
الغريب في الأمر كلهم بعد حرف الشين......................
أما الذين سألتني عنهم فلم" يطيب " لهم المقـــام في هذه الدنيا الفانية و" خفت ضـــوءهم "
الغريب في الأمر كلهم بعد حرف الشين......................
الأول بعد ترحيل الفلاشـــا ........
والثاني بعد الفاشر وضريبة الدرداقات وكشة الشـــماشة
و الثالث بعد أن ضبح لنيفاشـــــــا .....
الفاتح محمد التوم- مشرف المنتدى السياسى
مواضيع مماثلة
» قصيده لشكسبير
» رسالة إلى إيلين ...و قصص قصيرة أخرى .. الطيب صالح
» في ذكرى الطيب صالح
» كتاب ونقاد مصريون يحتفلون بأعمال الطيب صالح
» الطيب صالح وحوار عن صلاح أحمد إبراهيم
» رسالة إلى إيلين ...و قصص قصيرة أخرى .. الطيب صالح
» في ذكرى الطيب صالح
» كتاب ونقاد مصريون يحتفلون بأعمال الطيب صالح
» الطيب صالح وحوار عن صلاح أحمد إبراهيم
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى