على خلفية انفصال جنوب السودان المرتقب...جبال النوبة.. المخاطر السياسية والمهددات الامنية
صفحة 1 من اصل 1
على خلفية انفصال جنوب السودان المرتقب...جبال النوبة.. المخاطر السياسية والمهددات الامنية
لا شك أن التهويل وتضخيم المخاطر والمشكلات وبث الدعاية المغرضة المثبطة
للعزائم والمؤثرة في توجهات الرأي العام وتماسك الأمة والمجتمع، خطر يجب
محاربته ورفضه، ولكن في الوقت ذاته فإن التهوين من المخاطر واستبعاد وقوعها
وعدم معرفة مكامنها المحتملة وحقيقتها والوقوف عندها وفحصها وتحليلها
والتصدي لها والتعامل معها بوعي عقلاني سياسي حصيف، جريمة لا تُغتفر.
وجوهر هذا التحليل الاستقرائي الذي بين أيدينا يتلخص في وجود خطر عظيم غير
مرئي له وطأته على منطقة جبال النوبة، ويتهدد مصيرها ومستقبلها السياسي
والاجتماعي والأمني في حالة انفصال جنوب السودان الذي أصبح قاب قوسين او
ادنى. ونسرد هنا على سبيل المثال لا الحصر بعض هذه المخاطر والمشكلات.
جدل المشورة الشعبية:
أضيف بند المشورة الشعبية الى بنود اتفاقية السلام الشامل، استجابةً لضغوط
أبناء النوبة في الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان أثناء
مفاوضات نيفاشا بكينيا كبديل تعويضي عن حق تقرير المصير الذي طالبت به
قيادات ابناء جبال النوبة أسوة بجنوب السودان الذي منح هذا الحق في صلب
الاتفاق الاطاري بمشاكوس دون غيرها. لكن على الرغم من كل ذلك فإن قيادات
جبال النوبة سواء أكان عن جهل أو قصد تصر وتتمادى في تفسير هذا البند
التلفيقي بوصفه صورة معدلة لحق تقرير المصير الذي منح لجنوب السودان كما
ذكرنا، وبكلمات اخرى فإن هذه القيادات تعكف الآن على جعل بند المشورة
الشعبية مثل قميص عثمان في وجه الحكومة الاتحادية لتحقيق بغيتها المتمثلة
في اعادة انتاج القضية الجنوبية في نسختها المعدلة لجبال النوبة، ولا سيما
أن الفكر الجنوبي ينظر الى جبال النوبة وتوأمتها الاخرى النيل الازرق على
أنها امتدادات جغرافية وبشرية ومصير مشترك مع الجنوب السياسي، وبناءً على
ذلك يمكننا أن نتصور أن دولة جنوب السودان المرتقبة سوف لن تألو جهداً في
دعم قضية المشورة الشعبية بكل ما أوتيت من قوة وحنكة سياسية.
تفشي آيديولوجية الحركة الشعبية في جبال النوبة:
كان جوهر اتفاق المبادئ الذي وقع في مشاكوس عام 2002م بين المؤتمر الوطني
والحركة الشعبية لتحرير السودان، قد منح كيان جنوب السودان حق تقرير المصير
وفقاً لحدود سنة 6591م بين الشمال والجنوب. وكان ذلك تمهيداً لفصل القضايا
وتشابكها قبل الشروع في تفاصيل المفاوضات والوصول الى الاتفاق النهائي بين
الشمال والجنوب، ولتأكيد هذا المبدأ قام المجتمع الدولي والإقليمي عرابوا
اتفاقية السلام الشامل بهندسة اتفاقية سويسرا الفرعية لوقف اطلاق النار
بجبال النوبة، ولكن قيادات الحركة الشعبية بجبال النوبة كعادتها لم تستوعب
معنى هذه التطورات والوقائع وفهم رسالة المجتمع الدولي والتعامل معها
بالوعي والفهم المطلوبين، وعوضاً عن ذلك قامت هذه القيادات بالالتفاف حول
هذه الحقائق بصياغة شعارات سياسية ومطلبية براقة ملهبة للمشاعر والرأي
العام مثل:
أبناء جبال النوبة في الجيش الشعبي:
بخلاف فرقة القوات المشتركة التي تسمى بالمدمجة مجازاً وحامية جبال النوبة
التي ترابط بالقرب من حدود جنوب السودان مع جبال النوبة، هناك عشرات الآلاف
من ضباط وصف ضباط وجنود من ابناء جبال النوبة المنضوين تحت لواء الجيش
الشعبي الأم بجنوب السودان، وجميع هؤلاء لا احد يعرف مصيرهم، لأن الاتفاقية
سكتت تماماً عن ذلك ما عدا القوات المشتركة التي أشير اليها على أساس أنها
ستكون نواة جيش السودان المرتقب في حالة كانت نتيجة الاستفتاء لصالح وحدة
السودان. ونكرر ونقول لا حد يعرف مصير ومستقبل ابناء جبال النوبة بهذه
الوحدات والجيوش في حالة انفصال جنوب السودان. والمدهش حقاً أنه حتى كبار
قيادات الحركة الشعبية والجيش الشعبي من أبناء جبال النوبة من طلائع حركة
الكمولو الذين يمموا شطر الجنوب وأسسوا الحركة الشعبية والجيش الشعبي قطاع
جبال النوبة، لا يعرفون كيفية الخروج من هذه المتاهة التي أوقعوا انفسهم
فيها، دعك من معرفة مصير هؤلاء الذين غرر وزج بهم في غياهب التاريخ السياسي
والعسكري لجنوب السودان.
ولكن إذا افترضنا جدلاً أن الدولة الجنوبية الوليدة استطاعت أن تتجاوز محنة
الصراعات الداخلية وتقف على رجليها وفلتت من الانهيار، فلا بد عندئذٍ أن
يرجع الفضل في ذلك الى ابناء جبال النوبة الموجودين بالجيش الشعبي بجنوب
السودان، اضافة الى الدعم الغربي بطبيعة الحال. وستترتب على حدوث هذه
الفرضية أبعاد استراتيجية وسياسية وأمنية خطيرة على دولة شمال السودان
ومنطقة جبال النوبة على وجه التحديد، اذ ان الدولة الجنوبية ومنظومة الدولة
الغربية والاقليمية التي تقف الى جانبها، ستجد نفسها ملزمة برد الجميل
ومكافأة ابناء النوبة بجيش الجنوب الذين يرجع اليهم الفضل في تثبيت وبقاء
الدولة الجنوبية. ومن خلال تتبعنا للسوابق المشابهة في التاريخ السياسي
للعالم المعاصر الملئ بالمؤامرات والدسائس السياسية، نستطيع أن نتصور
سيناريو هذه المكافأة، وهذا هو التحدي.
مشكلات الحدود الدولية:
بغض النظر عن الحلول القانونية والنظرية والاتفاقيات والتفاهمات السياسية
والدبلوماسية التي تتم بين الدول بشأن النزاعات الحدودية، إلا أن مثل هذه
المشكلات تظل كالنار تحت الرماد لتشتعل في أية لحظة ووقت حسب مقتضيات
الظروف الاقليمية والدولية وطبيعة مستوى العلاقات بين دول الجوار، وفي
تجربة الدولة السودانية لدينا أمثلة: مشكلة حلايب مع مصر، ومشكلة مثلث
اليمي مع كينيا، ومشكلة الفشقة مع إثيوبيا وغيرها من المشكلات.
والأمر الذي يجعل مستقبل النزاع الحدودي أكثر احتمالاً في منطقة جبال
النوبة مع جنوب السودان تداخل وتشابك حقول منابع البترول في منطقة الحدود
الفاصلة، بالاضافة الى حقول المراعي والكلأ ومصادر المياه التي ترتادها
قطعان المواشي من الطرفين، اضف إلى كل ذلك مشكلات الحدود الدولية التقليدية
المعروفة التي ستقابلها المنطقة لأول مرة في تجربتها، مثل تسلل الأجانب
ومشكلات التجارة الدولية الحدودية والتهريب الجمركي والسلع الممنوعة
والجوازات والهجرة والجنسية وغيرها.
القوات الدولية:
في حالة انفصال جنوب السودان فإن ولايات السودان المتاخمة لجنوب السودان
وعلى طول أكثر من «0021» كيلومتر وخاصة منطقة النوبة، ستكون بمثابة منطقة
ثكنات عسكرية واسعة النطاق لإيواء القوات الدولية من مختلف الدول
والجنسيات، وذلك لأداء مهمات مراقبة الحدود الدولية الجديدة، والقيام
بعمليات الفصل بين قوات الدولتين المنفصلتين، وفك الاشتباك اذا وقع، وغير
ذلك من المهام التي ستوكل اليها.
ولكن مصدر القلق لوجود مثل هذه القوات في المنطقة يكمن في:
النزاع الجنوبي- الجنوبي:
ومن خلال تعقب ميراث الصراع النخبوي والقبلي في الحركة الشعبية لتحرير
السودان منذ نشأتها الأولى، مروراً بتطور مراحلها المختلفة وحتى توقيع
اتفاقية السلام الشامل ورحيل الدكتور جون قرنق وانتهاءً بالمواجهات الاخيرة
التي دارت على خلفية نتائج الانتخابات بمشهدها المتمثل في التدمير الذاتي
المنظم لجسم الحركة الشعبية.. نستطيع أن نقول إن الصدام بين النخبة
السياسية العسكرية الجنوبية للسيطرة على مقاليد السلطة التنفيذية وبين
النخب القبلية السياسية للهيمنة على مغانم الدولة الجنوبية الوليدة، أمر
حتمي ومؤكد.
وبناءً على واقع هذا التحليل فإن إحدى الولايات الجنوبية المجاورة لمنطقة
جبال النوبة الغنية بحقول البترول مرشحة أكثر من غيرها لتكون مسرحا لنموذج
هذا الصدام او ذاك. وما يهمنا هنا النتائج والتداعيات السياسية والأمنية
لمثل هذا الصدام على منطقة جبال النوبة المتمثلة في:
الاستراتيجية الغربية الدولية:
منذ تقسيم شارلمان العالم الى ابنائه الاربعة قبل الف سنة خلت مروراً
بمؤتمر برلين عام 4881م الذي قضى بتقسيم إفريقيا الى القوى الغربية
الامبريالية، وانتهاءً بأحدث موقف استراتيجي تجاه القارة الإفريقية، فإن
الفكر الجيواستراتيجي الغربي مازال ينظر إلى كثير من مناطق إفريقيا كفراغات
جيوسياسية لم يتم البت في امر مصيرها بعد، وهذه النظرة الغربية كان هدفها
دائماً وسيبقى السعي نحو تكريس ميزان قوى دولي اقليمي يخدم مصالحها
الحيوية، وعليه فإن أهم مقاصد ومآلات الاستراتيجية الاميركية تجاه السودان
ومنطقة جبال النوبة يتمثل في الآتي:
1- السؤال عن تبعية جبال النوبة في حال انفصال جنوب السودان.
2- المطالبة بحق تقرير المصير اقتداءً بالجنوب.
3- المطالبة بالحكم الذاتي وغير ذلك من الشعارات والمزايدات السياسية
المضللة المثيرة التي ساهمت بقوة في تفشي ايديولوجية الحركة الشعبية لتحرير
السودان التي أصبحت مصدر الالهام السياسي والتعبوي لكثير من مجتمعات جبال
النوبة، خاصة في الحزام الأوسط من جنوب كردفان الممتد من مدينة الدلنج وما
حولها في الشمال الى مدينة كادوقلي وما حولها جنوبا، خاصة في الجيوب
الجبلية الوعرة التي تُسمى بالمناطق المحررة.
1- وجود عناصر جاسوسية مندسة في وسط هذه القوات من قبل وكالات الاستخبارات
الدولية المعادية للسودان.
2- وجود مثل هذه القوات وبأعدادها الكبيرة لا بد ان يؤثر بصورة او باخرى في
هيبة الدولة والانتقاص من سيادتها، لولا ان ذلك شر لا بد منه.
3- في كثير من الأحيان يكون وجود مثل هذه القوات مصدراً مزعجاً لبعض
المشكلات الاجتماعية والجنائية وما يتعلق بالنظام العام جراء سلوك افراد
هذه القوات، خاصة إذا كان تمركز هذه القوات بالقرب من تجمعات السكان
المحليين.
1- لجوء المنشقين السياسيين والعسكريين الخاسرين اثر هذا الصدام الى منطقة
جبال النوبة طلباً للحماية والمناصرة.
2- هروب ونزوح المدنيين والأهالي المتأثرين بالنزاع الى حدود المنطقة طلباً
للنجدة والأمان.
3- وجود كتل النازحين واللاجئين الجنوبيين في منطقة الحزام الحدودي، سيكون
سبباً في قدوم المنظمات الغربية المسماة بالانسانية الى هذه المنطقة،
ومعظمها طلائع استخباراتية غربية وتبشيرية، تمهيداً للتدخل الدولي المباشر
في المنطقة.
1- احتواء السودان وتوجيهه وابتزازه وتركيعه ومحاولة إعادة هيكلة أوضاعه
بصورة أو بأخرى.
2- الالتزام بانفصال جنوب السودان ورعاية الدولة الجنوبية الجديدة مثل
رعايتها لدولة اسرائيل.
3- إعادة تحديد أجندة شعب جبال النوبة وتحويلها الى ساحة معركة جيوسياسية
في القارة والإقليم، لتخدم مصالح الدول الغربية وحماية ظهر الدولة الجنوبية
لجهة دولة الشمال. منقول
للعزائم والمؤثرة في توجهات الرأي العام وتماسك الأمة والمجتمع، خطر يجب
محاربته ورفضه، ولكن في الوقت ذاته فإن التهوين من المخاطر واستبعاد وقوعها
وعدم معرفة مكامنها المحتملة وحقيقتها والوقوف عندها وفحصها وتحليلها
والتصدي لها والتعامل معها بوعي عقلاني سياسي حصيف، جريمة لا تُغتفر.
وجوهر هذا التحليل الاستقرائي الذي بين أيدينا يتلخص في وجود خطر عظيم غير
مرئي له وطأته على منطقة جبال النوبة، ويتهدد مصيرها ومستقبلها السياسي
والاجتماعي والأمني في حالة انفصال جنوب السودان الذي أصبح قاب قوسين او
ادنى. ونسرد هنا على سبيل المثال لا الحصر بعض هذه المخاطر والمشكلات.
جدل المشورة الشعبية:
أضيف بند المشورة الشعبية الى بنود اتفاقية السلام الشامل، استجابةً لضغوط
أبناء النوبة في الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان أثناء
مفاوضات نيفاشا بكينيا كبديل تعويضي عن حق تقرير المصير الذي طالبت به
قيادات ابناء جبال النوبة أسوة بجنوب السودان الذي منح هذا الحق في صلب
الاتفاق الاطاري بمشاكوس دون غيرها. لكن على الرغم من كل ذلك فإن قيادات
جبال النوبة سواء أكان عن جهل أو قصد تصر وتتمادى في تفسير هذا البند
التلفيقي بوصفه صورة معدلة لحق تقرير المصير الذي منح لجنوب السودان كما
ذكرنا، وبكلمات اخرى فإن هذه القيادات تعكف الآن على جعل بند المشورة
الشعبية مثل قميص عثمان في وجه الحكومة الاتحادية لتحقيق بغيتها المتمثلة
في اعادة انتاج القضية الجنوبية في نسختها المعدلة لجبال النوبة، ولا سيما
أن الفكر الجنوبي ينظر الى جبال النوبة وتوأمتها الاخرى النيل الازرق على
أنها امتدادات جغرافية وبشرية ومصير مشترك مع الجنوب السياسي، وبناءً على
ذلك يمكننا أن نتصور أن دولة جنوب السودان المرتقبة سوف لن تألو جهداً في
دعم قضية المشورة الشعبية بكل ما أوتيت من قوة وحنكة سياسية.
تفشي آيديولوجية الحركة الشعبية في جبال النوبة:
كان جوهر اتفاق المبادئ الذي وقع في مشاكوس عام 2002م بين المؤتمر الوطني
والحركة الشعبية لتحرير السودان، قد منح كيان جنوب السودان حق تقرير المصير
وفقاً لحدود سنة 6591م بين الشمال والجنوب. وكان ذلك تمهيداً لفصل القضايا
وتشابكها قبل الشروع في تفاصيل المفاوضات والوصول الى الاتفاق النهائي بين
الشمال والجنوب، ولتأكيد هذا المبدأ قام المجتمع الدولي والإقليمي عرابوا
اتفاقية السلام الشامل بهندسة اتفاقية سويسرا الفرعية لوقف اطلاق النار
بجبال النوبة، ولكن قيادات الحركة الشعبية بجبال النوبة كعادتها لم تستوعب
معنى هذه التطورات والوقائع وفهم رسالة المجتمع الدولي والتعامل معها
بالوعي والفهم المطلوبين، وعوضاً عن ذلك قامت هذه القيادات بالالتفاف حول
هذه الحقائق بصياغة شعارات سياسية ومطلبية براقة ملهبة للمشاعر والرأي
العام مثل:
أبناء جبال النوبة في الجيش الشعبي:
بخلاف فرقة القوات المشتركة التي تسمى بالمدمجة مجازاً وحامية جبال النوبة
التي ترابط بالقرب من حدود جنوب السودان مع جبال النوبة، هناك عشرات الآلاف
من ضباط وصف ضباط وجنود من ابناء جبال النوبة المنضوين تحت لواء الجيش
الشعبي الأم بجنوب السودان، وجميع هؤلاء لا احد يعرف مصيرهم، لأن الاتفاقية
سكتت تماماً عن ذلك ما عدا القوات المشتركة التي أشير اليها على أساس أنها
ستكون نواة جيش السودان المرتقب في حالة كانت نتيجة الاستفتاء لصالح وحدة
السودان. ونكرر ونقول لا حد يعرف مصير ومستقبل ابناء جبال النوبة بهذه
الوحدات والجيوش في حالة انفصال جنوب السودان. والمدهش حقاً أنه حتى كبار
قيادات الحركة الشعبية والجيش الشعبي من أبناء جبال النوبة من طلائع حركة
الكمولو الذين يمموا شطر الجنوب وأسسوا الحركة الشعبية والجيش الشعبي قطاع
جبال النوبة، لا يعرفون كيفية الخروج من هذه المتاهة التي أوقعوا انفسهم
فيها، دعك من معرفة مصير هؤلاء الذين غرر وزج بهم في غياهب التاريخ السياسي
والعسكري لجنوب السودان.
ولكن إذا افترضنا جدلاً أن الدولة الجنوبية الوليدة استطاعت أن تتجاوز محنة
الصراعات الداخلية وتقف على رجليها وفلتت من الانهيار، فلا بد عندئذٍ أن
يرجع الفضل في ذلك الى ابناء جبال النوبة الموجودين بالجيش الشعبي بجنوب
السودان، اضافة الى الدعم الغربي بطبيعة الحال. وستترتب على حدوث هذه
الفرضية أبعاد استراتيجية وسياسية وأمنية خطيرة على دولة شمال السودان
ومنطقة جبال النوبة على وجه التحديد، اذ ان الدولة الجنوبية ومنظومة الدولة
الغربية والاقليمية التي تقف الى جانبها، ستجد نفسها ملزمة برد الجميل
ومكافأة ابناء النوبة بجيش الجنوب الذين يرجع اليهم الفضل في تثبيت وبقاء
الدولة الجنوبية. ومن خلال تتبعنا للسوابق المشابهة في التاريخ السياسي
للعالم المعاصر الملئ بالمؤامرات والدسائس السياسية، نستطيع أن نتصور
سيناريو هذه المكافأة، وهذا هو التحدي.
مشكلات الحدود الدولية:
بغض النظر عن الحلول القانونية والنظرية والاتفاقيات والتفاهمات السياسية
والدبلوماسية التي تتم بين الدول بشأن النزاعات الحدودية، إلا أن مثل هذه
المشكلات تظل كالنار تحت الرماد لتشتعل في أية لحظة ووقت حسب مقتضيات
الظروف الاقليمية والدولية وطبيعة مستوى العلاقات بين دول الجوار، وفي
تجربة الدولة السودانية لدينا أمثلة: مشكلة حلايب مع مصر، ومشكلة مثلث
اليمي مع كينيا، ومشكلة الفشقة مع إثيوبيا وغيرها من المشكلات.
والأمر الذي يجعل مستقبل النزاع الحدودي أكثر احتمالاً في منطقة جبال
النوبة مع جنوب السودان تداخل وتشابك حقول منابع البترول في منطقة الحدود
الفاصلة، بالاضافة الى حقول المراعي والكلأ ومصادر المياه التي ترتادها
قطعان المواشي من الطرفين، اضف إلى كل ذلك مشكلات الحدود الدولية التقليدية
المعروفة التي ستقابلها المنطقة لأول مرة في تجربتها، مثل تسلل الأجانب
ومشكلات التجارة الدولية الحدودية والتهريب الجمركي والسلع الممنوعة
والجوازات والهجرة والجنسية وغيرها.
القوات الدولية:
في حالة انفصال جنوب السودان فإن ولايات السودان المتاخمة لجنوب السودان
وعلى طول أكثر من «0021» كيلومتر وخاصة منطقة النوبة، ستكون بمثابة منطقة
ثكنات عسكرية واسعة النطاق لإيواء القوات الدولية من مختلف الدول
والجنسيات، وذلك لأداء مهمات مراقبة الحدود الدولية الجديدة، والقيام
بعمليات الفصل بين قوات الدولتين المنفصلتين، وفك الاشتباك اذا وقع، وغير
ذلك من المهام التي ستوكل اليها.
ولكن مصدر القلق لوجود مثل هذه القوات في المنطقة يكمن في:
النزاع الجنوبي- الجنوبي:
ومن خلال تعقب ميراث الصراع النخبوي والقبلي في الحركة الشعبية لتحرير
السودان منذ نشأتها الأولى، مروراً بتطور مراحلها المختلفة وحتى توقيع
اتفاقية السلام الشامل ورحيل الدكتور جون قرنق وانتهاءً بالمواجهات الاخيرة
التي دارت على خلفية نتائج الانتخابات بمشهدها المتمثل في التدمير الذاتي
المنظم لجسم الحركة الشعبية.. نستطيع أن نقول إن الصدام بين النخبة
السياسية العسكرية الجنوبية للسيطرة على مقاليد السلطة التنفيذية وبين
النخب القبلية السياسية للهيمنة على مغانم الدولة الجنوبية الوليدة، أمر
حتمي ومؤكد.
وبناءً على واقع هذا التحليل فإن إحدى الولايات الجنوبية المجاورة لمنطقة
جبال النوبة الغنية بحقول البترول مرشحة أكثر من غيرها لتكون مسرحا لنموذج
هذا الصدام او ذاك. وما يهمنا هنا النتائج والتداعيات السياسية والأمنية
لمثل هذا الصدام على منطقة جبال النوبة المتمثلة في:
الاستراتيجية الغربية الدولية:
منذ تقسيم شارلمان العالم الى ابنائه الاربعة قبل الف سنة خلت مروراً
بمؤتمر برلين عام 4881م الذي قضى بتقسيم إفريقيا الى القوى الغربية
الامبريالية، وانتهاءً بأحدث موقف استراتيجي تجاه القارة الإفريقية، فإن
الفكر الجيواستراتيجي الغربي مازال ينظر إلى كثير من مناطق إفريقيا كفراغات
جيوسياسية لم يتم البت في امر مصيرها بعد، وهذه النظرة الغربية كان هدفها
دائماً وسيبقى السعي نحو تكريس ميزان قوى دولي اقليمي يخدم مصالحها
الحيوية، وعليه فإن أهم مقاصد ومآلات الاستراتيجية الاميركية تجاه السودان
ومنطقة جبال النوبة يتمثل في الآتي:
1- السؤال عن تبعية جبال النوبة في حال انفصال جنوب السودان.
2- المطالبة بحق تقرير المصير اقتداءً بالجنوب.
3- المطالبة بالحكم الذاتي وغير ذلك من الشعارات والمزايدات السياسية
المضللة المثيرة التي ساهمت بقوة في تفشي ايديولوجية الحركة الشعبية لتحرير
السودان التي أصبحت مصدر الالهام السياسي والتعبوي لكثير من مجتمعات جبال
النوبة، خاصة في الحزام الأوسط من جنوب كردفان الممتد من مدينة الدلنج وما
حولها في الشمال الى مدينة كادوقلي وما حولها جنوبا، خاصة في الجيوب
الجبلية الوعرة التي تُسمى بالمناطق المحررة.
1- وجود عناصر جاسوسية مندسة في وسط هذه القوات من قبل وكالات الاستخبارات
الدولية المعادية للسودان.
2- وجود مثل هذه القوات وبأعدادها الكبيرة لا بد ان يؤثر بصورة او باخرى في
هيبة الدولة والانتقاص من سيادتها، لولا ان ذلك شر لا بد منه.
3- في كثير من الأحيان يكون وجود مثل هذه القوات مصدراً مزعجاً لبعض
المشكلات الاجتماعية والجنائية وما يتعلق بالنظام العام جراء سلوك افراد
هذه القوات، خاصة إذا كان تمركز هذه القوات بالقرب من تجمعات السكان
المحليين.
1- لجوء المنشقين السياسيين والعسكريين الخاسرين اثر هذا الصدام الى منطقة
جبال النوبة طلباً للحماية والمناصرة.
2- هروب ونزوح المدنيين والأهالي المتأثرين بالنزاع الى حدود المنطقة طلباً
للنجدة والأمان.
3- وجود كتل النازحين واللاجئين الجنوبيين في منطقة الحزام الحدودي، سيكون
سبباً في قدوم المنظمات الغربية المسماة بالانسانية الى هذه المنطقة،
ومعظمها طلائع استخباراتية غربية وتبشيرية، تمهيداً للتدخل الدولي المباشر
في المنطقة.
1- احتواء السودان وتوجيهه وابتزازه وتركيعه ومحاولة إعادة هيكلة أوضاعه
بصورة أو بأخرى.
2- الالتزام بانفصال جنوب السودان ورعاية الدولة الجنوبية الجديدة مثل
رعايتها لدولة اسرائيل.
3- إعادة تحديد أجندة شعب جبال النوبة وتحويلها الى ساحة معركة جيوسياسية
في القارة والإقليم، لتخدم مصالح الدول الغربية وحماية ظهر الدولة الجنوبية
لجهة دولة الشمال. منقول
نزار الكير الخوجلابى- عضو نشط
مواضيع مماثلة
» بيان من الحركة الشعبية لتحرير السودان - إقليم جنوب كردفان/ جبال النوبة
» العهد الذهبي لمحلج ابوجبيهة
» هل اقترب انفصال جنوب السودان؟
» قرار بتشكيل المجلس القيادى للحركة الشعبية بإقليم جنوب كردفان / جبال النوبة
» أميركا تأمل انفصال جنوب السودان سلميا !!!!
» العهد الذهبي لمحلج ابوجبيهة
» هل اقترب انفصال جنوب السودان؟
» قرار بتشكيل المجلس القيادى للحركة الشعبية بإقليم جنوب كردفان / جبال النوبة
» أميركا تأمل انفصال جنوب السودان سلميا !!!!
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى