أسعد الطيب العبّـاسي في ذكرى رحيل والده الشاعر الراحل
4 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
أسعد الطيب العبّـاسي في ذكرى رحيل والده الشاعر الراحل
الشَاعِرُ القاضي الطيب العباسي في ذكراه الثانية
1926-2008م
صادف اليوم التاسع والعشرين من شهر رمضان المعظم الذكري الثانية لرحيل فارس الكلمة وامير العدالة الشاعر القاضي الطيب محمد سعيد العباسي عليه الرحمة وهي مناسبة احدثكم فيها عن هذا الشاعر العملاق، فالقاضي شاعرٌ مشبوب العاطفة، مرهف الاحاسيس ، مترف المشاعر ، وقد نشأ في بيت دينٍ وعلمٍ وادبٍ سمت امجاده حتى تراءت تكادُ تطوف بالسبعِ الشِدادِ ، وقد ورث أحاسيسه ومشاعره من بيئته الضاربة الجذور في الارضية الصوفية الادبية ، فهو فرع لدوحة صوفية امتدت ظلالها الوريفة على أرياف مصر وربوع السودان ، والده هو الشاعر الجهير شاعر الصولة والجولة وباعث نهضة الشعر العربي في السودان ، الشيخ محمد سعيد العباسي إبن الاستاذ محمد شريف (أستاذ الإمام محمد أحمد المهدي محرر السودان) بن الشيخ نور الدائم بن سيدي أحمد الطيب مؤسس الطريقة السمانية في مصر والسودان ، وقد نشأ شاعرنا في كنف والده العباسي عميد شعراء العربية في السودان بلا منازع، وقد تنزل إليه الشعر من جده الرابع فهو شاعرٌ بن شاعرٍ بن شاعر بن شاعر بن شاعر ، وسليل أشياخ كرام ذوي مكانة راسخة في دنيا الأوراد المسجوعة والاناشيد المنظومة.ولد شاعرنا الطيب في العام 1926 وتلقى تعليمه الأول بحفظ أجزاء من القرآن الكريم في خلوة عمه الشيخ محي الدين ود ابو قرين بقرية الجيلي موطن جده لأمه البطل القومي الزبيرباشا رحمة منصور العباسي وبعد فترة دراسية أخرى شَدَّ رحاله صوب أرض الكنانة حيث درس المرحلة الثانوية في مدرسه حلوان التي إنتقل منها إلى جامعة القاهرة الأم التي تخرج فيها بكلية الحقوق العام 1953 . كانت لمدينة حلوان ومكتبتها العامرة بأمهات الكتب الأثر العميق في تشكيل الثقافة الأدبية لشاعرنا الطيب العباسي وصقل موهبته الشعرية حيث نهل من معين مكتبتها الثرة الكبيرة الكثير من علوم الأدب والشعر والعروض، وقد برزت هذه المدينة في اشعاره بروزاً رائعاً يقول في قصيدته حلوان :-
أنا مَنْ جَهِلِتُم يا صحا بي داءه ** والجهلُ أحرى في تَقَري دَائيه
حُلوان تعلمُ سِرَّ ما أُخـْفي ** فإمَّا شئتمو فسلـو رُبا حُلوانيه
يممتُ وجهي شطرها وبأضلعي ** سهــمٌ بــه هذا الزمـانُ
رمانيه فاستقبلتني مثلما يستقبِلُ** الأعرابُ في البيداءِ صوبَ الغاديه
ووجدتها نـشوى يزين ربوعها** حُسنُ الحضارةِ وابتهاجُ الباديه
ويقول عن حلوانه في خاتمة هذه القصيدة :-
تـاللهِ يـاحلوانُ لـو أنـي أُدواى **كنــتِ أنتِ طبيبتي ودوائيه
شَيــــــَّـدتِ في قلبي مَفاتِنَ غضةً ** ثَمِلتْ بها روحي فغنتْ شاديهوسكبتِ هـذا السحر مــلء جوانـحي ** فانساب رقراقاً إلـى أشعاريه
أنا لا أُردِدُ غــير وحيٍ في دمـــي **مغنـاكِ منبعــه وليس خياليه وفي القاهرة أخذ شاعرنا يؤم الندوات الأدبيه مصطحباً معه أحياناً صديقه الشاعر العظيم إدريس جماع ويلتقي بكبارلأادباء والشعراء ويحفظ من أقوالهم الكثير وقد بلغ به الإعجاب بالشاعر محمود طه المهندس حداً جعله يحفظ كل حرفٍ قاله، واتخذ شاعرنا مكانه بندوة العقاد وصالونه الأدبي حيث توثقت هناك علاقاته بأساطين الأدب والشعر العربي، ويقول شاعرنا أنه أ عجب جداً بابيات من الشعر للعقاد قالها في تلك الايام تقولُ:-
إذا شيعـوني يوم تُقضى منيتي **وقالوا أراحَ الله ذاك المُعـذبا
فلا تحملوني صامتينَ إلى الثرى ** فإني أخاف اللحدَ أن يتهـيبا
وغنــوا فإن المــوتَ كـأسٌ شهيــةٌ ** وما يزال يحلو أن يُغنى
ويُشـرَبا
ولا تتبعُوني بالبُـــكاءِ وإنمــا أعيدوا ** إلى ســمعي القصــيدَ
لأطربا وهكذا أضحت القاهرة جبلاً أدبياً آخر تسلقه شاعرنا بإقتدار وهو يدرس فيها الحقوق التي ولج إلى كليتها برغبالدكتور العلامة السنهوري إذ كان شاعرنا يرغب في دراسة الآداب ‘وهكذا صار الشاعر الطيب العباسي هديةُ الأدب للقانون وفي هذه المرحلة بلغت شاعريته أوجها إذ تخلقت فيها قصيدته ذائعة الصيت ( ذات الفراء ) التي وُسِمَتْ فيما بعد بـ ( يا فتاتي ) والتي انشأها في العام 1950 قبل تخرجه باعوام ثلاثة، وبدأت من بعد تتمازج في ذهنيته عقلية الأديب بعقلية القانوني وصارتا بحكم الدراسه والاطلاع والخبرة هجيناً لم ينفصل وأخذ ينمو نموًا مضطرداً ومذهلاً وهذا ما يفسر لنا تلك الاحكام التي أصدرها كقاضٍ مرموق ـ ترقى أعلى درجات سلم القضاءـ
وحشدها بفنون الأدب والشعر كقضيه القاتله الحسناء التي اتينا على تفاصيلها في حلقات ماضيه في هذا الموضع ومن رحمها وُلدتْ قصيدته الفريدة (قضية لقيطة) ويقول شاعرنا وقاضينا الأديب الطيب العباسي: إن
الأدب والقانون وجهان لعملة واحده، فالقانوني الناجح هو الذي يعبر عن ارءه القانونيه باللغه الفصيحه والبليغه وبالأدب القانوني السامي، ولعله كما يقول إن التصاقه في القاهرة مع الرعيل الأول الذي سبقه من القانونيين السودانيين أفاده كثيرًا، كتلك الصلة التي جمعته بالدكاترة أمثال أحمد السيد حمد وعقيل أحمد عقيل وأمين الشبلي كما افاد كثيرا من عمله كمحام ـ قبل التحاقه بالقضاءـ بمكتب المحامي المعروف الاستاذ الراحل الرشيد نايل، واكتسب خبرةً مبكرةً من عمله كمدير لمكتب معالي وزير العدل آنذاك السيد علي عبد الرحمن ،,عرف شاعرنا الطيب العباسي بأدائه الشعري الآسِر المتوغل في السهولة والامتناع بالةٍ عروضيةٍ جبارةٍ ومعرفةٍ بأصول اللغة وقواعدها معرفة تامه مستفيداً في ذلك من موهبته الشعرية الضخمة وملكته الصحيحة وثقافته الأدبية العالية التي سلكت في دروب الأدب العربي بعمق، وادركت مآلات الأدب الغربي إدراكاً مماثلاً ، ولعل أكثر مايميزه كشاعرٍ أنه شاعِرٌ غَزِلٌ من الطراز الأول، وعاشقٌ تراه يتمسك بعشقه وإن تجاوز الثمانين التي قال عنها زهير بن أبي سلمى في معلقته : -
سَئمتُ تكاليفَ الحياةِ ومن يَعِشْ **ثمانينَ حولاً لا أبالكَ يَسْأمِ
رغم ذلك تحتوش نصوصه المتأخرة بكائية العمر والعشق، وهذا ما يمكن أن نطالعه في ديباجته الجزلة التي إبتدر بها قصيدته الفخيمة (خواطر مغترب في عيد الاستقلال ):-
لــدى الغيــدِ الـحســانِ خــبــا زنــادي**وفــي ســاحِ الغــرامِ كَبَا جــوادي
أطـــلَّ الشــــيـبُ مـن راســي اذا بــي ** أُحِــسُ بــه سهــاماً ًفـي فـؤادي
وكــــــــل خريــــدةٍ حسنــاء أضحت ** تــنـاديـنـي أبــي لـمَّـا تُـنـادي
فأُبـــــــتُ وقـــد سَــلتْ حُـبي سُليمى ** وبِــتُ عــلى جــفاءٍٍ مــن سـعادِ
عــلى عــهـدِ الشبــابِ ســكبتُ دمعــي ** ومــا عــهــدُ الشبــابِ بِمُـستعادِ
بنــيتُ الــحُّـبَ قــصــراً مــن شــعورٍ **فأضحـى اليـومَ
كومــاً مــن رمــادِ
وهـــذا إن ســـألتَ حـصــادُ عـمـــري** أ لا يــا مــا
امـرَّكَ مـن حـصــادِ
وأخذت تستمر معه هذه البكائية مُتخذةً شكلاً واضِحاً ومؤثراً في عصمائه
الأخيرة التي أعطاها إسمين هما (بهجة الروح ) و ( اللحن الأخير) نجتزئ منها قوله :
أراكِ تمـــشينَ بين الخـلقِ في حذرٍ ** وتتقينَ عيــونَ النـاسِ في
خَـفرِ
تحاذريـــنَ لِحــاظـاً شَدَّ ما ظَمئتْ ** لترتوي منكِ في وردٍ وفي
صــدرِ
أنــتِ الملاكُ الذي إن غابَ عن نظري ** يا ويلتا من طـويلِ الهــمِّ
والسهرِ
وفي الغرامِ كمـا في الحــبِ معـركةٌ ** أبليت فيهــا بلاء
العــاشق الخطرِ
وكنـــــتُ ذا صولةٍ في كل معركةٍ ** سيفي شبابي سلي يُنبيكِ عن خبري
ينبيـكِ أنَّ الشبـابَ الغـضَ يأخـذ من ** غيدِ الحسانِ هواها أخـذ
مــقتدرِ
ينبيـكِ أنـي متى مـا خضتُ ساحتها ** حصنتُ نفسي بآدابِ الهوى العذري
ذاك الشبـــابُ مضى والقـلبُ يتبعه ** أنى مضى لإيــابٍ غير
منتظــرِ
أمـا الثمانونَ لا أهـلاً بهــا أبـدًا ** أحالني مُــرُّها قوســاً بلا
وتــرِ
وإن أردت فقـُلْ أصبـحت في كِبَري ** كدوحةٍ عَقُمتْ أضــحتْ
بِــلا ثمرِ
والحـــبُ تَكْـمُنُ في قلبي لواعِجه ** كالنــارِ كامنة في بــاطنِ
الحجرِ
تهزني النـــار في قلبي وقد وقدتْ ** هزّ البراكيــنِ للأطــوادِ
والجُُدرِ
الإسم الثاني لهذه القصيدة ( اللحن الأخير) كان استئذاناً للاعتزال وتنباً
بالرحيل، وكانت نبؤة مفجعة وهذا ما صرحت به القصيدة في خواتيمها التي قال فيها:-
فإنْ قَرُبْتِ فإني لستُ اطمعُ في **شيئٍ سوى الهمس والبسمات والسمرِ
وإنْ بَعُدْتِ فَحَالي كلها كــرمٌ **أرعى الهوى بين أضلاعي مدى عمري
ولن أُلَحِنِ شعراً بعد ذي أبداً ** فهذه آخــرُ الألحــان مــن شعري
الغزل هو أيقونة الشاعر التي أجاد العزف على اوتارها والنفخ على
مزمارها بأنغامٍ ما شداها قَبلُ شادي وله في ذلك من جيد الشعر وأرقه ما
له، فعندما قالت له حسناؤه آمال عبر الهاتف : زواجي بعد اسبوع فهل
تتكرم بتشريفنا ؟ إعتذر ..فقالت إذن هنئني بابيات من الشعر فقال لها كيف يهنئي حبيب محبوبه بزواجه من غيره ؟!! ورغم ذلك أرسل لها قصيدة يهنؤها فيها بالزواج يقول في مطلعها :-
أدارَ عليـــكِ السعدَ ربٌ يديرُهُ **وجَادَكِ من غيثِ الهناءِ غزيرُهُ
ويُسعدني أني أراكِ سعيدةً **وحَسْبُ فؤادي طيفٌ من هواكِ يزورُهُ
وكيـــف يزور الطـيف قلبا سكنته**ألا أنه لغو الحديثِ وزورُهُ
توقفت الشاعرة والاديبة (طلاسم ) عند هذه الابيات السابقة وعلقت قائلة:
إن هذا الكلام يمثل منتهى الخُلق . ونأتي الآن الي الصورة التي رسمها
الشاعر ليوم زفاف آمال وأترك للقارئ أن يتملاها ويتمثلها ريثما أذهب الي ظبيةِ الثغر:
كأني بذاك الحــي يومَ زفافــها ** تكادُ تغني دورُهُ وقصوُرهُ
كأني بذاك الوجه قد فاض حسنه ** وعَمَّ البوادي والمدائن نورُهُ
كأن العذارى في ذرى البيتِ أنجُمٌ**وأنك من دون العذارى منيرُهُ
بعد ما بنى الشاعر قصيدتة المغناة (ظبيه الثغر ) وهو يقضي بمدينه
بورتسودان واسرته بعيدة عنه بالخرطوم تملكته الهواجس وأنتابه القلق
بسبب الوفاء والحب الذي ظل يكنه لاسرته المكونة آنذاك من زوجته سلمى وابنته اسماء أخذ يعاتب قلبه في قصيدة رائعه بعنوان (عتاب قلب ) يقول في بعض منها :-
أَمِــنْ بعد سلــمى يافــؤادي وأسمـاءِ**تُعاقِرُ حُباً اوتهيمُ بحسناءِ؟
عَشقتَ عذارى البحرِ من بعد أن نأتْ **عذارى ضفافُ النيلِ من كلِ غيداءِ
فـهذه فتاةُ الثــغرِ اصمــاكَ لحظُها **فبتّ على نارٍ من الوجدِ رعناءِ
أراكَ بــرغمـي قد تنكبتَ واضــحاً **وبعت ببورتسودان دُراً
بحصباءِ
ثَكَلْـُتكَ قلبـي فالمنـايــا أحــبُ لي **إذا رمت ما لا أرتضي
لأخلائي
سأمــضي الى حي الأحبــاء تــاركاً **ربيعاً بلا زهرٍ ونهراً بلا ماءِ
هنــاك تــرى أن كان حبـك كاذباً **فليست ظباء الحي كالمعزِ والشاءِ
لم يكن الغزل هو الباب الشعري الوحيد الذي طرقه شاعرنا الطيب العباسي وإن كان هو شاعرٌ قد إتخذ من الغزل عنواناً له ، فقد ضم ديوانه (العباسيات) باباً للاجتماعيات وباباً للمراثي وقصائد للوطن والعروبة ، وهو يؤمن بالقومية العربية التي لا تقدح في إفريقيته وقد قال في مطلع قصيدته (صنعاء) وهو يسعى إليها من الخرطوم :-
قَدِمْتُ من وطني أسعى إلى وطني ** كالطيرِ من فننٍ قد حلَّ في فننِ
إن يــَكُ دمُ ترهــاقا سرى بدمي ** فاني إبن سيفَ إبن ذي يَزَنِ
وقال عندما قدم الى الخليج وعمل مستشاراً قانونياً للمجلس الاستشاري
الوطني لإمارة أبو ظبي :-
وجـئتُ الى الخليجِ وكان زادي ** شعـوري أنه إحدى بلادي
وفــارقت الاحــبة عن يقينٍ ** بأنهــمو هنا رغم البُعادِ
فمــن أهلي سوى قومٍ أراهم** يعادونَ العــدوَّ كما أعادي ؟
ويعــتنقون دينـا وهو ديني ** وينطق كلهمُ ضاداً كضادي
ويجمعنـي بهـم نسبٌ عريقٌ ** يوحد بيننا من قبــلِ عادِ
نزلتُ بأرضِـهم فحللت سهلا **وكم لهمو علي من الأيـادي
ولست بِمُنـكِرٍ لهـمو جميلاً**كما قد أنكـرتْ هنـدٌ سوادي
ولستُ بمـادِحٍ ..كلا .. فإني **أعافُ البيعَ في سوقِ الكسادِ
أما مصر فلها شأن من الحب آخر في قلب ووجدان شاعرنا الطيب العباسي وهو حب لم يرثه من والده عاشق مصر المتيم الذي قال عنها:-
مِصرٌ وما مصر سوى الشمس التي بهرتْ**بثاقبِ نورها كل الورى
والـناسُ فيـك إثنانِ شخـصـاً رأى حُسْـنًا**فهامَ به وآخرُ لايرى
إنما كان حبا تسلل الى قلبه وتمكن ـ فليس من رأى كمن سمع ـ وقد ساقه هذا الحب في وقت مبكر الى مناصرة شقيقه المصري الذي كان يقاوم المستعمر الإنجليزي على ضفاف قناه السويس على خلفية صراع عنيف شب عندما الغت مصر معاهدة 1936م وتوابعها فأنشأ قصيدته المزمجرة (أخي في شمال الوادي) يقول في بعضها :-
أخي يا ابن مصــرَ فتاةِِ الكــفاحِ**وأمِ الحضــارةِ بيـن الأمـمْ
إذا مـا طوتــكَ غـيــومُ الزمانِ **طوتني دياجيــرٌُها والظُـلَمْ
وإن سقــطَ الـدمـعُ من مـقلتيكَ **بكيــت بقلبي دموعـاً ودمْ
وتـأسى روافـِدُ بـحــرِ الغــزال** إذامـا بِدميــاطَ خطبٌ ألمْ
وإمــا زأرتَ بـشــطِ الـقــنالِ **وثَبتُ إليكَ خفيف ألقــدمْ
نذود مـعاً عن حيــاضِ الجــدود **ورهْطِ الأبوة منذ القِــدمْ
أخــي إن تجنبتَ قصفُ الرعــودِ ** وحاذرت بركانها والحممْ
فـمـا أنت ـ والله ـ مــن يعْرُبٍ **ولست حفيد بُناةِ الهــرمْ
كما يضج ديوان الشاعر بالإخوانيات والمرثيات التي تدل على وفائه
وإخلاصه وقد خلا رغم غزلياته المثيرة من الأدب الفاضح أو الجنوح
نحوها أو حتى نحو الأيروتيكية، وسلاسة شعر هذا الشاعر حصنته من
الرمز الغامض والهلامية والخطاب الشعري الإستعلائي رغم أنه شاعِرٌ
مطبوع وعالمٌ باللغة العربية اللتي سبر غورها وتمكن من مفاصلها و راوية مجيد لطرائف الأدب وملحه مما أهله دائماً أن يكون زهرة المجالس وريحانتها فالأدب والشعر عند الطيب العباسي ليس هواية وموهبة فحسب إنما إتخذ ذلك أسلوباً لحياته وأنغاماً دائمة تنتظم حياته في كافة مجالاتها ولكم تضاعف حزني عندما مات والدي وانا ابحث في عروة بذلته فلم أجد وساماً علقته الدولة تكريماً لهذا الأديب الضخم وكثيراً ما كنت أرى مثل هذه الأوسمة تمنح لمن هم دونه قامة وأخفض سقفاً على أنه تكفيه دعوات البسطاء من أهله ومحبيه ومعجبيه وأصدقائه بالرحمة.
وأخيراً أقول لوالدي الشاعر الطيب العباسي في عليائه ما قاله هو لوالده الشاعر محمد سعيد العباسي بذات إحساسه :
أبي إن أخلَّ الناسُ أوفى وإن دعوا ** أجاب وإما أبهموا القولَ أعْرَبَا
فلو لم تكُن أنتَ الذي قد ولدتني ** لما رضِيتْ نفسي بغيرِك لي أبَـا
[asaadaltayib@gmail.com]
1926-2008م
صادف اليوم التاسع والعشرين من شهر رمضان المعظم الذكري الثانية لرحيل فارس الكلمة وامير العدالة الشاعر القاضي الطيب محمد سعيد العباسي عليه الرحمة وهي مناسبة احدثكم فيها عن هذا الشاعر العملاق، فالقاضي شاعرٌ مشبوب العاطفة، مرهف الاحاسيس ، مترف المشاعر ، وقد نشأ في بيت دينٍ وعلمٍ وادبٍ سمت امجاده حتى تراءت تكادُ تطوف بالسبعِ الشِدادِ ، وقد ورث أحاسيسه ومشاعره من بيئته الضاربة الجذور في الارضية الصوفية الادبية ، فهو فرع لدوحة صوفية امتدت ظلالها الوريفة على أرياف مصر وربوع السودان ، والده هو الشاعر الجهير شاعر الصولة والجولة وباعث نهضة الشعر العربي في السودان ، الشيخ محمد سعيد العباسي إبن الاستاذ محمد شريف (أستاذ الإمام محمد أحمد المهدي محرر السودان) بن الشيخ نور الدائم بن سيدي أحمد الطيب مؤسس الطريقة السمانية في مصر والسودان ، وقد نشأ شاعرنا في كنف والده العباسي عميد شعراء العربية في السودان بلا منازع، وقد تنزل إليه الشعر من جده الرابع فهو شاعرٌ بن شاعرٍ بن شاعر بن شاعر بن شاعر ، وسليل أشياخ كرام ذوي مكانة راسخة في دنيا الأوراد المسجوعة والاناشيد المنظومة.ولد شاعرنا الطيب في العام 1926 وتلقى تعليمه الأول بحفظ أجزاء من القرآن الكريم في خلوة عمه الشيخ محي الدين ود ابو قرين بقرية الجيلي موطن جده لأمه البطل القومي الزبيرباشا رحمة منصور العباسي وبعد فترة دراسية أخرى شَدَّ رحاله صوب أرض الكنانة حيث درس المرحلة الثانوية في مدرسه حلوان التي إنتقل منها إلى جامعة القاهرة الأم التي تخرج فيها بكلية الحقوق العام 1953 . كانت لمدينة حلوان ومكتبتها العامرة بأمهات الكتب الأثر العميق في تشكيل الثقافة الأدبية لشاعرنا الطيب العباسي وصقل موهبته الشعرية حيث نهل من معين مكتبتها الثرة الكبيرة الكثير من علوم الأدب والشعر والعروض، وقد برزت هذه المدينة في اشعاره بروزاً رائعاً يقول في قصيدته حلوان :-
أنا مَنْ جَهِلِتُم يا صحا بي داءه ** والجهلُ أحرى في تَقَري دَائيه
حُلوان تعلمُ سِرَّ ما أُخـْفي ** فإمَّا شئتمو فسلـو رُبا حُلوانيه
يممتُ وجهي شطرها وبأضلعي ** سهــمٌ بــه هذا الزمـانُ
رمانيه فاستقبلتني مثلما يستقبِلُ** الأعرابُ في البيداءِ صوبَ الغاديه
ووجدتها نـشوى يزين ربوعها** حُسنُ الحضارةِ وابتهاجُ الباديه
ويقول عن حلوانه في خاتمة هذه القصيدة :-
تـاللهِ يـاحلوانُ لـو أنـي أُدواى **كنــتِ أنتِ طبيبتي ودوائيه
شَيــــــَّـدتِ في قلبي مَفاتِنَ غضةً ** ثَمِلتْ بها روحي فغنتْ شاديهوسكبتِ هـذا السحر مــلء جوانـحي ** فانساب رقراقاً إلـى أشعاريه
أنا لا أُردِدُ غــير وحيٍ في دمـــي **مغنـاكِ منبعــه وليس خياليه وفي القاهرة أخذ شاعرنا يؤم الندوات الأدبيه مصطحباً معه أحياناً صديقه الشاعر العظيم إدريس جماع ويلتقي بكبارلأادباء والشعراء ويحفظ من أقوالهم الكثير وقد بلغ به الإعجاب بالشاعر محمود طه المهندس حداً جعله يحفظ كل حرفٍ قاله، واتخذ شاعرنا مكانه بندوة العقاد وصالونه الأدبي حيث توثقت هناك علاقاته بأساطين الأدب والشعر العربي، ويقول شاعرنا أنه أ عجب جداً بابيات من الشعر للعقاد قالها في تلك الايام تقولُ:-
إذا شيعـوني يوم تُقضى منيتي **وقالوا أراحَ الله ذاك المُعـذبا
فلا تحملوني صامتينَ إلى الثرى ** فإني أخاف اللحدَ أن يتهـيبا
وغنــوا فإن المــوتَ كـأسٌ شهيــةٌ ** وما يزال يحلو أن يُغنى
ويُشـرَبا
ولا تتبعُوني بالبُـــكاءِ وإنمــا أعيدوا ** إلى ســمعي القصــيدَ
لأطربا وهكذا أضحت القاهرة جبلاً أدبياً آخر تسلقه شاعرنا بإقتدار وهو يدرس فيها الحقوق التي ولج إلى كليتها برغبالدكتور العلامة السنهوري إذ كان شاعرنا يرغب في دراسة الآداب ‘وهكذا صار الشاعر الطيب العباسي هديةُ الأدب للقانون وفي هذه المرحلة بلغت شاعريته أوجها إذ تخلقت فيها قصيدته ذائعة الصيت ( ذات الفراء ) التي وُسِمَتْ فيما بعد بـ ( يا فتاتي ) والتي انشأها في العام 1950 قبل تخرجه باعوام ثلاثة، وبدأت من بعد تتمازج في ذهنيته عقلية الأديب بعقلية القانوني وصارتا بحكم الدراسه والاطلاع والخبرة هجيناً لم ينفصل وأخذ ينمو نموًا مضطرداً ومذهلاً وهذا ما يفسر لنا تلك الاحكام التي أصدرها كقاضٍ مرموق ـ ترقى أعلى درجات سلم القضاءـ
وحشدها بفنون الأدب والشعر كقضيه القاتله الحسناء التي اتينا على تفاصيلها في حلقات ماضيه في هذا الموضع ومن رحمها وُلدتْ قصيدته الفريدة (قضية لقيطة) ويقول شاعرنا وقاضينا الأديب الطيب العباسي: إن
الأدب والقانون وجهان لعملة واحده، فالقانوني الناجح هو الذي يعبر عن ارءه القانونيه باللغه الفصيحه والبليغه وبالأدب القانوني السامي، ولعله كما يقول إن التصاقه في القاهرة مع الرعيل الأول الذي سبقه من القانونيين السودانيين أفاده كثيرًا، كتلك الصلة التي جمعته بالدكاترة أمثال أحمد السيد حمد وعقيل أحمد عقيل وأمين الشبلي كما افاد كثيرا من عمله كمحام ـ قبل التحاقه بالقضاءـ بمكتب المحامي المعروف الاستاذ الراحل الرشيد نايل، واكتسب خبرةً مبكرةً من عمله كمدير لمكتب معالي وزير العدل آنذاك السيد علي عبد الرحمن ،,عرف شاعرنا الطيب العباسي بأدائه الشعري الآسِر المتوغل في السهولة والامتناع بالةٍ عروضيةٍ جبارةٍ ومعرفةٍ بأصول اللغة وقواعدها معرفة تامه مستفيداً في ذلك من موهبته الشعرية الضخمة وملكته الصحيحة وثقافته الأدبية العالية التي سلكت في دروب الأدب العربي بعمق، وادركت مآلات الأدب الغربي إدراكاً مماثلاً ، ولعل أكثر مايميزه كشاعرٍ أنه شاعِرٌ غَزِلٌ من الطراز الأول، وعاشقٌ تراه يتمسك بعشقه وإن تجاوز الثمانين التي قال عنها زهير بن أبي سلمى في معلقته : -
سَئمتُ تكاليفَ الحياةِ ومن يَعِشْ **ثمانينَ حولاً لا أبالكَ يَسْأمِ
رغم ذلك تحتوش نصوصه المتأخرة بكائية العمر والعشق، وهذا ما يمكن أن نطالعه في ديباجته الجزلة التي إبتدر بها قصيدته الفخيمة (خواطر مغترب في عيد الاستقلال ):-
لــدى الغيــدِ الـحســانِ خــبــا زنــادي**وفــي ســاحِ الغــرامِ كَبَا جــوادي
أطـــلَّ الشــــيـبُ مـن راســي اذا بــي ** أُحِــسُ بــه سهــاماً ًفـي فـؤادي
وكــــــــل خريــــدةٍ حسنــاء أضحت ** تــنـاديـنـي أبــي لـمَّـا تُـنـادي
فأُبـــــــتُ وقـــد سَــلتْ حُـبي سُليمى ** وبِــتُ عــلى جــفاءٍٍ مــن سـعادِ
عــلى عــهـدِ الشبــابِ ســكبتُ دمعــي ** ومــا عــهــدُ الشبــابِ بِمُـستعادِ
بنــيتُ الــحُّـبَ قــصــراً مــن شــعورٍ **فأضحـى اليـومَ
كومــاً مــن رمــادِ
وهـــذا إن ســـألتَ حـصــادُ عـمـــري** أ لا يــا مــا
امـرَّكَ مـن حـصــادِ
وأخذت تستمر معه هذه البكائية مُتخذةً شكلاً واضِحاً ومؤثراً في عصمائه
الأخيرة التي أعطاها إسمين هما (بهجة الروح ) و ( اللحن الأخير) نجتزئ منها قوله :
أراكِ تمـــشينَ بين الخـلقِ في حذرٍ ** وتتقينَ عيــونَ النـاسِ في
خَـفرِ
تحاذريـــنَ لِحــاظـاً شَدَّ ما ظَمئتْ ** لترتوي منكِ في وردٍ وفي
صــدرِ
أنــتِ الملاكُ الذي إن غابَ عن نظري ** يا ويلتا من طـويلِ الهــمِّ
والسهرِ
وفي الغرامِ كمـا في الحــبِ معـركةٌ ** أبليت فيهــا بلاء
العــاشق الخطرِ
وكنـــــتُ ذا صولةٍ في كل معركةٍ ** سيفي شبابي سلي يُنبيكِ عن خبري
ينبيـكِ أنَّ الشبـابَ الغـضَ يأخـذ من ** غيدِ الحسانِ هواها أخـذ
مــقتدرِ
ينبيـكِ أنـي متى مـا خضتُ ساحتها ** حصنتُ نفسي بآدابِ الهوى العذري
ذاك الشبـــابُ مضى والقـلبُ يتبعه ** أنى مضى لإيــابٍ غير
منتظــرِ
أمـا الثمانونَ لا أهـلاً بهــا أبـدًا ** أحالني مُــرُّها قوســاً بلا
وتــرِ
وإن أردت فقـُلْ أصبـحت في كِبَري ** كدوحةٍ عَقُمتْ أضــحتْ
بِــلا ثمرِ
والحـــبُ تَكْـمُنُ في قلبي لواعِجه ** كالنــارِ كامنة في بــاطنِ
الحجرِ
تهزني النـــار في قلبي وقد وقدتْ ** هزّ البراكيــنِ للأطــوادِ
والجُُدرِ
الإسم الثاني لهذه القصيدة ( اللحن الأخير) كان استئذاناً للاعتزال وتنباً
بالرحيل، وكانت نبؤة مفجعة وهذا ما صرحت به القصيدة في خواتيمها التي قال فيها:-
فإنْ قَرُبْتِ فإني لستُ اطمعُ في **شيئٍ سوى الهمس والبسمات والسمرِ
وإنْ بَعُدْتِ فَحَالي كلها كــرمٌ **أرعى الهوى بين أضلاعي مدى عمري
ولن أُلَحِنِ شعراً بعد ذي أبداً ** فهذه آخــرُ الألحــان مــن شعري
الغزل هو أيقونة الشاعر التي أجاد العزف على اوتارها والنفخ على
مزمارها بأنغامٍ ما شداها قَبلُ شادي وله في ذلك من جيد الشعر وأرقه ما
له، فعندما قالت له حسناؤه آمال عبر الهاتف : زواجي بعد اسبوع فهل
تتكرم بتشريفنا ؟ إعتذر ..فقالت إذن هنئني بابيات من الشعر فقال لها كيف يهنئي حبيب محبوبه بزواجه من غيره ؟!! ورغم ذلك أرسل لها قصيدة يهنؤها فيها بالزواج يقول في مطلعها :-
أدارَ عليـــكِ السعدَ ربٌ يديرُهُ **وجَادَكِ من غيثِ الهناءِ غزيرُهُ
ويُسعدني أني أراكِ سعيدةً **وحَسْبُ فؤادي طيفٌ من هواكِ يزورُهُ
وكيـــف يزور الطـيف قلبا سكنته**ألا أنه لغو الحديثِ وزورُهُ
توقفت الشاعرة والاديبة (طلاسم ) عند هذه الابيات السابقة وعلقت قائلة:
إن هذا الكلام يمثل منتهى الخُلق . ونأتي الآن الي الصورة التي رسمها
الشاعر ليوم زفاف آمال وأترك للقارئ أن يتملاها ويتمثلها ريثما أذهب الي ظبيةِ الثغر:
كأني بذاك الحــي يومَ زفافــها ** تكادُ تغني دورُهُ وقصوُرهُ
كأني بذاك الوجه قد فاض حسنه ** وعَمَّ البوادي والمدائن نورُهُ
كأن العذارى في ذرى البيتِ أنجُمٌ**وأنك من دون العذارى منيرُهُ
بعد ما بنى الشاعر قصيدتة المغناة (ظبيه الثغر ) وهو يقضي بمدينه
بورتسودان واسرته بعيدة عنه بالخرطوم تملكته الهواجس وأنتابه القلق
بسبب الوفاء والحب الذي ظل يكنه لاسرته المكونة آنذاك من زوجته سلمى وابنته اسماء أخذ يعاتب قلبه في قصيدة رائعه بعنوان (عتاب قلب ) يقول في بعض منها :-
أَمِــنْ بعد سلــمى يافــؤادي وأسمـاءِ**تُعاقِرُ حُباً اوتهيمُ بحسناءِ؟
عَشقتَ عذارى البحرِ من بعد أن نأتْ **عذارى ضفافُ النيلِ من كلِ غيداءِ
فـهذه فتاةُ الثــغرِ اصمــاكَ لحظُها **فبتّ على نارٍ من الوجدِ رعناءِ
أراكَ بــرغمـي قد تنكبتَ واضــحاً **وبعت ببورتسودان دُراً
بحصباءِ
ثَكَلْـُتكَ قلبـي فالمنـايــا أحــبُ لي **إذا رمت ما لا أرتضي
لأخلائي
سأمــضي الى حي الأحبــاء تــاركاً **ربيعاً بلا زهرٍ ونهراً بلا ماءِ
هنــاك تــرى أن كان حبـك كاذباً **فليست ظباء الحي كالمعزِ والشاءِ
لم يكن الغزل هو الباب الشعري الوحيد الذي طرقه شاعرنا الطيب العباسي وإن كان هو شاعرٌ قد إتخذ من الغزل عنواناً له ، فقد ضم ديوانه (العباسيات) باباً للاجتماعيات وباباً للمراثي وقصائد للوطن والعروبة ، وهو يؤمن بالقومية العربية التي لا تقدح في إفريقيته وقد قال في مطلع قصيدته (صنعاء) وهو يسعى إليها من الخرطوم :-
قَدِمْتُ من وطني أسعى إلى وطني ** كالطيرِ من فننٍ قد حلَّ في فننِ
إن يــَكُ دمُ ترهــاقا سرى بدمي ** فاني إبن سيفَ إبن ذي يَزَنِ
وقال عندما قدم الى الخليج وعمل مستشاراً قانونياً للمجلس الاستشاري
الوطني لإمارة أبو ظبي :-
وجـئتُ الى الخليجِ وكان زادي ** شعـوري أنه إحدى بلادي
وفــارقت الاحــبة عن يقينٍ ** بأنهــمو هنا رغم البُعادِ
فمــن أهلي سوى قومٍ أراهم** يعادونَ العــدوَّ كما أعادي ؟
ويعــتنقون دينـا وهو ديني ** وينطق كلهمُ ضاداً كضادي
ويجمعنـي بهـم نسبٌ عريقٌ ** يوحد بيننا من قبــلِ عادِ
نزلتُ بأرضِـهم فحللت سهلا **وكم لهمو علي من الأيـادي
ولست بِمُنـكِرٍ لهـمو جميلاً**كما قد أنكـرتْ هنـدٌ سوادي
ولستُ بمـادِحٍ ..كلا .. فإني **أعافُ البيعَ في سوقِ الكسادِ
أما مصر فلها شأن من الحب آخر في قلب ووجدان شاعرنا الطيب العباسي وهو حب لم يرثه من والده عاشق مصر المتيم الذي قال عنها:-
مِصرٌ وما مصر سوى الشمس التي بهرتْ**بثاقبِ نورها كل الورى
والـناسُ فيـك إثنانِ شخـصـاً رأى حُسْـنًا**فهامَ به وآخرُ لايرى
إنما كان حبا تسلل الى قلبه وتمكن ـ فليس من رأى كمن سمع ـ وقد ساقه هذا الحب في وقت مبكر الى مناصرة شقيقه المصري الذي كان يقاوم المستعمر الإنجليزي على ضفاف قناه السويس على خلفية صراع عنيف شب عندما الغت مصر معاهدة 1936م وتوابعها فأنشأ قصيدته المزمجرة (أخي في شمال الوادي) يقول في بعضها :-
أخي يا ابن مصــرَ فتاةِِ الكــفاحِ**وأمِ الحضــارةِ بيـن الأمـمْ
إذا مـا طوتــكَ غـيــومُ الزمانِ **طوتني دياجيــرٌُها والظُـلَمْ
وإن سقــطَ الـدمـعُ من مـقلتيكَ **بكيــت بقلبي دموعـاً ودمْ
وتـأسى روافـِدُ بـحــرِ الغــزال** إذامـا بِدميــاطَ خطبٌ ألمْ
وإمــا زأرتَ بـشــطِ الـقــنالِ **وثَبتُ إليكَ خفيف ألقــدمْ
نذود مـعاً عن حيــاضِ الجــدود **ورهْطِ الأبوة منذ القِــدمْ
أخــي إن تجنبتَ قصفُ الرعــودِ ** وحاذرت بركانها والحممْ
فـمـا أنت ـ والله ـ مــن يعْرُبٍ **ولست حفيد بُناةِ الهــرمْ
كما يضج ديوان الشاعر بالإخوانيات والمرثيات التي تدل على وفائه
وإخلاصه وقد خلا رغم غزلياته المثيرة من الأدب الفاضح أو الجنوح
نحوها أو حتى نحو الأيروتيكية، وسلاسة شعر هذا الشاعر حصنته من
الرمز الغامض والهلامية والخطاب الشعري الإستعلائي رغم أنه شاعِرٌ
مطبوع وعالمٌ باللغة العربية اللتي سبر غورها وتمكن من مفاصلها و راوية مجيد لطرائف الأدب وملحه مما أهله دائماً أن يكون زهرة المجالس وريحانتها فالأدب والشعر عند الطيب العباسي ليس هواية وموهبة فحسب إنما إتخذ ذلك أسلوباً لحياته وأنغاماً دائمة تنتظم حياته في كافة مجالاتها ولكم تضاعف حزني عندما مات والدي وانا ابحث في عروة بذلته فلم أجد وساماً علقته الدولة تكريماً لهذا الأديب الضخم وكثيراً ما كنت أرى مثل هذه الأوسمة تمنح لمن هم دونه قامة وأخفض سقفاً على أنه تكفيه دعوات البسطاء من أهله ومحبيه ومعجبيه وأصدقائه بالرحمة.
وأخيراً أقول لوالدي الشاعر الطيب العباسي في عليائه ما قاله هو لوالده الشاعر محمد سعيد العباسي بذات إحساسه :
أبي إن أخلَّ الناسُ أوفى وإن دعوا ** أجاب وإما أبهموا القولَ أعْرَبَا
فلو لم تكُن أنتَ الذي قد ولدتني ** لما رضِيتْ نفسي بغيرِك لي أبَـا
[asaadaltayib@gmail.com]
أزهرى الحاج البشير- مشرف عام
رد: أسعد الطيب العبّـاسي في ذكرى رحيل والده الشاعر الراحل
أبي إن أخلَّ الناسُ أوفى وإن دعوا ** أجاب وإما أبهموا القولَ أعْرَبَا
فلو لم تكُن أنتَ الذي قد ولدتني ** لما رضِيتْ نفسي بغيرِك لي أبَـا
ما ابره بوالده هذا "الاسعد " وما اسعدنا نحن بكتاباته الجميلة
شكراً عمو ابو الزهور
فلو لم تكُن أنتَ الذي قد ولدتني ** لما رضِيتْ نفسي بغيرِك لي أبَـا
ما ابره بوالده هذا "الاسعد " وما اسعدنا نحن بكتاباته الجميلة
شكراً عمو ابو الزهور
nashi- مشرف المنتدى الرياضى
عامان من اليتم ...... بقلم ابوبكر يوسف إبراهيم
أعجبني المقال فأدرجته ....رحم الله الطيــبي الطاهر الذاكر ..العادل .
في التاسع والعشرين من شهر رمضان يكون قد مضى على رحيل الشاعر الفذ الطيب محمد سعيد العباسي ( أبا أسعد) عامين من الفراق الذي أكابده ولا يعلم كنه معنى هذا الفراق والفقد إلا قلة منها أفراد أسرته وأخص منها إبنه وأخي الذي لم تلده أمي أسعد ذاك الناثر البارع وكذلك شقيقه صديقي القانوني إسماعيل. فالطيب العباسي شاعر حروفه مطهمة كما الجياد العربية الأصيلة ، ولقصيده رنين آسر وصدى أنيق ، ولبحة عباراته صهيل ينم عن أصالة . إن الصلات التي تربطني بالشاعر الفذ الراحل القاضي العادل الطيب العباسي ليست صلة مفردة بل صلات عديدة ؛ فقد كانت تربطني به علاقة صداقة فريدة في شكلها ومضمونها، وكانت تربطني به صلة الابوة الحانية وصلة الآخ الأكبر ؛ وصلة الشعر الذي كان هو تاج عزته ورقته ووقاره.
مضى عامان والطيب ما زال معنا روحاً وشعراَ ، فمنه تعلمت الوفاء والاخلاص ومنه عرفت ما معنى الصداقة والاخاء والأخوة الحقة.. الطيب العباسي نغم فريد من عبقر.. قصيده كألحان ملائكية تنطق بالعزة والحنين والانين.. قصيده ينع من وجدان زاخر بالحب والشوق والوله، الطيب العباسي شاعر يجسد كل ألوان الطيف الثقافي السوداني ، يجسد هامات جبال الانقسنا ، يجسد جريان النيل وعطائه ، يجسد حداء الجمّالة في بوادي الكبابيش والكواهلة والحمر ؛ يمثل ترانيم المسيرية عند الرحيل ؛ يمثل ألحان الزاندي ودقات طبول النوير والشلك والدينكا ، يمثل شموخ نخيل الشمال ، ومعازف حنينة من طنابير الشايقية ، يمثل عرضة الجعليين وأهازيج الفور في مواسم الحصاد ، يمثل دف أهل حلفا دغيم وهو يراهم يرحلون قسراَ فيعيش أحزان الرحيل.
ما يحزنني أن شاعر في قامة الطيب العباسي لم يحظ إلا ببعض الحوارات و التحقيقات الصحفية التي أجراها بعض من الصحفيين الشباب ونادرات الاستضافات عبر القنوات الفضائية ، وما أشرت إليه مما نُشر في أغلبه كان كلاما مكرورا ، لايغني عن الدراسات النقدية الجادة التي ترسم للطيب الشاعر، والعروضي، والفرضي صورة تامة واضحة منسجمة الأضواء و الظلال .. والحقيقة أننا نحن عُرفنا بخصلة غريبة.. نتنكر لرجالنا الأفذاذ في حياتهم، حتى إذا ماتوا ذرفنا عليهم الدمع السخين..! نعم: بمثل هذا العقوق قُوبِل هذا الرجل الكبير.!!
ولست أزعم أني قد رويت عن الطيب العباسي كل ما يجب أن يروى .. ولا قلت كل ما يجب أن يقال ، فحياة رجل عاش سبع حقب ونيف من الزمان حافلة بالبذل و العطاء ..فهي أعمق من أن يخطها قلم، وأوسع من أن يحيط بها كلام. هذا ورجائي الكبير من وراء هذه الأحرف أن أضع بين يدي القارئ الكريم جانبا من تراثنا الفكري في الاحتفاء بذكرى رحيل الشاعر الفذ في الذكرى الثانية لرحيله كي لا يغطيه النسيان، وحتى لا يُقبر شعره في الرفوف أومنافي النسيان ، إنه الطريق الوحيد للكشف عن أحد رواد النهضة الشعرية في بلادنا حتى لا يعلوها ران ،..فكفانا احتقارا لرجالاتنا، والتنكُر لتراثهم، واطِّراح فكرهم، وإغفال مآثرهم. وأقسم لو أن الأحمدي عاش تحت سماء القاهرة أو دمشق أو بغداد ..لكان له شأن أفضل..! فله الذكرى باقية في أمة مفجوعة فيه، باكية عليه، تفقد جثمانه، ولا تفقد ذكره، فحياته ـ رحمه الله ـ صورة فذّة جمعت أجزاؤها كل جلال النبوغ الفطري، والتحصيل الذكي الدؤوب، والعصامية التي استعلت على قسوة المنشأ، وباركتها عناية الله ..حتى استوت علما نافعا، وأدبا واسعا، يطول بقاؤه، ويُكتب له الخلود، ولكل أجل كتاب ..ولعلّه من أضعف الإيمان أن يُرفع اسم الشاعر الفذ الطيب العباسي سليل دوحة الشعر الوارفة الخضراء على واجهة ما كنت امني نفسي بأن يطلق عليها " دوحة العباسي" ، أويطلق اسمه على دار للثقافة، أو تُدرج نصوص من أدبه في المناهج التربوية، أو تحمل اسمه لافتة على شارع جانبي في عاصمة بلده ـ التي قال فيها الكثير وقدّم لها الكثير، ووقف حياته كلها حارسا أمينا على لغة الضاد، وتراثها الضخم، وأدبها الرفيع .
مضى عامان والطيب ما زال معنا روحاً وشعراَ ، فمنه تعلمت الوفاء والاخلاص ومنه عرفت ما معنى الصداقة والاخاء والأخوة الحقة.. الطيب العباسي نغم فريد من عبقر.. قصيده كألحان ملائكية تنطق بالعزة والحنين والانين.. قصيده ينع من وجدان زاخر بالحب والشوق والوله، الطيب العباسي شاعر يجسد كل ألوان الطيف الثقافي السوداني ، يجسد هامات جبال الانقسنا ، يجسد جريان النيل وعطائه ، يجسد حداء الجمّالة في بوادي الكبابيش والكواهلة والحمر ؛ يمثل ترانيم المسيرية عند الرحيل ؛ يمثل ألحان الزاندي ودقات طبول النوير والشلك والدينكا ، يمثل شموخ نخيل الشمال ، ومعازف حنينة من طنابير الشايقية ، يمثل عرضة الجعليين وأهازيج الفور في مواسم الحصاد ، يمثل دف أهل حلفا دغيم وهو يراهم يرحلون قسراَ فيعيش أحزان الرحيل.
ما يحزنني أن شاعر في قامة الطيب العباسي لم يحظ إلا ببعض الحوارات و التحقيقات الصحفية التي أجراها بعض من الصحفيين الشباب ونادرات الاستضافات عبر القنوات الفضائية ، وما أشرت إليه مما نُشر في أغلبه كان كلاما مكرورا ، لايغني عن الدراسات النقدية الجادة التي ترسم للطيب الشاعر، والعروضي، والفرضي صورة تامة واضحة منسجمة الأضواء و الظلال .. والحقيقة أننا نحن عُرفنا بخصلة غريبة.. نتنكر لرجالنا الأفذاذ في حياتهم، حتى إذا ماتوا ذرفنا عليهم الدمع السخين..! نعم: بمثل هذا العقوق قُوبِل هذا الرجل الكبير.!!
ولست أزعم أني قد رويت عن الطيب العباسي كل ما يجب أن يروى .. ولا قلت كل ما يجب أن يقال ، فحياة رجل عاش سبع حقب ونيف من الزمان حافلة بالبذل و العطاء ..فهي أعمق من أن يخطها قلم، وأوسع من أن يحيط بها كلام. هذا ورجائي الكبير من وراء هذه الأحرف أن أضع بين يدي القارئ الكريم جانبا من تراثنا الفكري في الاحتفاء بذكرى رحيل الشاعر الفذ في الذكرى الثانية لرحيله كي لا يغطيه النسيان، وحتى لا يُقبر شعره في الرفوف أومنافي النسيان ، إنه الطريق الوحيد للكشف عن أحد رواد النهضة الشعرية في بلادنا حتى لا يعلوها ران ،..فكفانا احتقارا لرجالاتنا، والتنكُر لتراثهم، واطِّراح فكرهم، وإغفال مآثرهم. وأقسم لو أن الأحمدي عاش تحت سماء القاهرة أو دمشق أو بغداد ..لكان له شأن أفضل..! فله الذكرى باقية في أمة مفجوعة فيه، باكية عليه، تفقد جثمانه، ولا تفقد ذكره، فحياته ـ رحمه الله ـ صورة فذّة جمعت أجزاؤها كل جلال النبوغ الفطري، والتحصيل الذكي الدؤوب، والعصامية التي استعلت على قسوة المنشأ، وباركتها عناية الله ..حتى استوت علما نافعا، وأدبا واسعا، يطول بقاؤه، ويُكتب له الخلود، ولكل أجل كتاب ..ولعلّه من أضعف الإيمان أن يُرفع اسم الشاعر الفذ الطيب العباسي سليل دوحة الشعر الوارفة الخضراء على واجهة ما كنت امني نفسي بأن يطلق عليها " دوحة العباسي" ، أويطلق اسمه على دار للثقافة، أو تُدرج نصوص من أدبه في المناهج التربوية، أو تحمل اسمه لافتة على شارع جانبي في عاصمة بلده ـ التي قال فيها الكثير وقدّم لها الكثير، ووقف حياته كلها حارسا أمينا على لغة الضاد، وتراثها الضخم، وأدبها الرفيع .
من أبوبكر في رثاء الشاعر الفحل والقاضي العادل والإنسان النقي الوفي أولاً وأخيراً الطيب محمد سعيد العباسي " أبا أسعد "..
العين تدمع والقلب يتفطر حزناً وأسىً ؛ وإنا على فراقك لمحزونون!!
الشـــعرُ ينـدبُ أَوْحـد الشعراء ويُفيــض دمعاً دافـهٌ بدمـاء
و( الضاد) قد فُـجِعَت وراح عويـلها متهدجاً ويـجوب كـل فـضاء
تبـــكي الحُماة الحافظين تراثها من شـر كل مكيدة وبــــلاء
تبكي ( النبيغ) العبــقري بحــرقةٍ وبمدمـع كالــديمة الوطـفاء
تبــكي الــذي صاغ القريض قلائــداً وأساوراً للمـجد والعليـاء
وأشـاد فيه بـكل ما يُرضي العُـلى ويـقر أعــين رادة النبــغاء
شـعرٌ تـحدّر كاللهـيب محرقــاً جمع الطـغام ومعـشر اللؤمـاء
شــعرٌ يفيـض من القريـحة عـذباً كفـيض غــوارب الدأمــاء
والنـاس لو كـان الوفاء شـعارهم لـبكوا علـيك بمدمع الثــكلاء
******
مـاذا يقـول الشعر في قيــثاره والنعي أخـرس ألـسن البُلـــغاء
قـصم الـردى ظهر الـبيان بضربـةٍٍ تركـت فحول الشعر في إغماء
(فالضاد) قد فـقدت بـشخصك أمـة لا شـاعراً أودى من الشــعراء
الشــاعرُ الـغريـد نورٌ خـالدٌ هيـهات يطــمسه دجـى الـبلواء
والــدهرُ يقــبس من لآلـيء فـكره ليـضيء كل دُجْـــنَةٍ ظلماء
وفـم الخلود يذيـعُ مـن ألحانـه ســحراً يـرّن بمـسـمع الجـوزاء
مجـدتُ فيــك خلائـقاً ومكارمــاً وتـواضـع العلـماء والحكـماء
أكبـرت فيـك شـاعراً قـاضياً عــدلاً دون الحـق كالصخرة الصماء
ولـو لــم أرَ الناس الــذين بلوتـهم يدلـون بالأحـكام دون حـياء
لحكـمت أن الشـعر بـعدك مــرتجٌ أبـداً على البـلغاء والفصـحاء
والمـرءُ فـي الدنــيا خيـالٌ عـابر مثـل الطيـوف بأعـينِ الهجعاء
والمــوت خاتــمة المـطاف بفضــلها القـبر يخـتم آخـر الأنـباء
جــاورت ربُــك راضــياً مســتبشراً فأكـرم جــيرة وثــواء
وتركـت آلآم الحــياة لأهــلها تطــغى بـهم وتَــضُجُّ بـالأرزاء
" أبا أسعد" .." أيـوب النبي " بـعصرنا ولأنت كهف مـصائب ورزاء
فاذهـب لربــك يا وفي مخـلفاً عشـاق شـعرك فـي لـظى البرحاء
أعزز عليك بـــأن أراك مجدلاً طي الـثرى فـي الحـفرة الظلــماء
ديــوان شــعرك بعد فقــدك سـلوةٌ للرفـقة الخلـصاء والأدبــاء
هامش: الطيب، ستظل معي حتى ألتقيك عند مليك مقتدر
لك التحية استاذنا ...... هكذا هم يرحلون تباعاًالعين تدمع والقلب يتفطر حزناً وأسىً ؛ وإنا على فراقك لمحزونون!!
الشـــعرُ ينـدبُ أَوْحـد الشعراء ويُفيــض دمعاً دافـهٌ بدمـاء
و( الضاد) قد فُـجِعَت وراح عويـلها متهدجاً ويـجوب كـل فـضاء
تبـــكي الحُماة الحافظين تراثها من شـر كل مكيدة وبــــلاء
تبكي ( النبيغ) العبــقري بحــرقةٍ وبمدمـع كالــديمة الوطـفاء
تبــكي الــذي صاغ القريض قلائــداً وأساوراً للمـجد والعليـاء
وأشـاد فيه بـكل ما يُرضي العُـلى ويـقر أعــين رادة النبــغاء
شـعرٌ تـحدّر كاللهـيب محرقــاً جمع الطـغام ومعـشر اللؤمـاء
شــعرٌ يفيـض من القريـحة عـذباً كفـيض غــوارب الدأمــاء
والنـاس لو كـان الوفاء شـعارهم لـبكوا علـيك بمدمع الثــكلاء
******
مـاذا يقـول الشعر في قيــثاره والنعي أخـرس ألـسن البُلـــغاء
قـصم الـردى ظهر الـبيان بضربـةٍٍ تركـت فحول الشعر في إغماء
(فالضاد) قد فـقدت بـشخصك أمـة لا شـاعراً أودى من الشــعراء
الشــاعرُ الـغريـد نورٌ خـالدٌ هيـهات يطــمسه دجـى الـبلواء
والــدهرُ يقــبس من لآلـيء فـكره ليـضيء كل دُجْـــنَةٍ ظلماء
وفـم الخلود يذيـعُ مـن ألحانـه ســحراً يـرّن بمـسـمع الجـوزاء
مجـدتُ فيــك خلائـقاً ومكارمــاً وتـواضـع العلـماء والحكـماء
أكبـرت فيـك شـاعراً قـاضياً عــدلاً دون الحـق كالصخرة الصماء
ولـو لــم أرَ الناس الــذين بلوتـهم يدلـون بالأحـكام دون حـياء
لحكـمت أن الشـعر بـعدك مــرتجٌ أبـداً على البـلغاء والفصـحاء
والمـرءُ فـي الدنــيا خيـالٌ عـابر مثـل الطيـوف بأعـينِ الهجعاء
والمــوت خاتــمة المـطاف بفضــلها القـبر يخـتم آخـر الأنـباء
جــاورت ربُــك راضــياً مســتبشراً فأكـرم جــيرة وثــواء
وتركـت آلآم الحــياة لأهــلها تطــغى بـهم وتَــضُجُّ بـالأرزاء
" أبا أسعد" .." أيـوب النبي " بـعصرنا ولأنت كهف مـصائب ورزاء
فاذهـب لربــك يا وفي مخـلفاً عشـاق شـعرك فـي لـظى البرحاء
أعزز عليك بـــأن أراك مجدلاً طي الـثرى فـي الحـفرة الظلــماء
ديــوان شــعرك بعد فقــدك سـلوةٌ للرفـقة الخلـصاء والأدبــاء
هامش: الطيب، ستظل معي حتى ألتقيك عند مليك مقتدر
الفاتح محمد التوم- مشرف المنتدى السياسى
رد: أسعد الطيب العبّـاسي في ذكرى رحيل والده الشاعر الراحل
شكرا بنيتي وأنت كذلك نعم البنت البارة بوالديها .. شكرا لمرورك
شكرا سيد الفاتح على بهائك وألقك المتجددين
شكرا سيد الفاتح على بهائك وألقك المتجددين
أزهرى الحاج البشير- مشرف عام
رد: أسعد الطيب العبّـاسي في ذكرى رحيل والده الشاعر الراحل
رحمه الله أليس هو ابن من قال:-
ألقى بصبرى جسام الحادثات ولى عزم أصد به ما قد يلاقينى
ولا أتوق لحال لا تلائمها حالى ، ولا منزل اللذات يلهينى
ولست أرضى من الدنيا وإن عظمت إلا الذى بجميل الذكر يرضينى
وكيف أقبل أسباب الهوان ولى آباءُ صدقٍ من الغُرِّ الميامين
النازلينَ على حُكم العُلا أبداً من زينوا الكون منهم أى تزيين
من كل أروع فى أكتاده لبدٌ كالليث والليث لا يغضى على هون
لقد حدثت لي قصة مؤثرة وأنا أصل لأبي ظبي وأقدم للوظيفة التي فيها أنا الآن وفي الشركة في الطابق الأسفل وبعد أن أكملت المعاينة طلب مني أداء الكشف الطبي وكنت منتظراً السيارة التي ستقلني لمستوصف أدنوك... وفي قاعة الانتظار كان يجلس قبالتي سوداني لابس جلابية وعمة فسلمت عليه فرد لي رداً طيباً هادئاً بصوت خفيض تأدباً لأهل قاعة الانتظار مخافة إزعاجهم فاشتممت فيه رائحة أستاذنا الشيخ ضياءالدين العباسي ولكن لضيق الوقت لم أكلف نفسي بالسؤال وبعد مدة غادر قاعة الانتظار مودعاً إياي ..ثم أتاني السائق وحملني إلى مستشفى أدنوك وكان علي فحص الأشعة بعد عينات الدم ودخلت صالة الانتظار فوجدت نفس الشخص منتظراً فسلمت عليه وكان لوحده فقلت له أنا مشبهك على شيخنا ضياء الدين العباسي فقال لي يالفراستك أنا أبوالحسن الطيب العباسي وضياء الدين عمي فعرفته بنفسي وببلدي وعلاقة أبي مع جده محمد سعيد العباسي ومع عمنا ضياءالدين والشيخ الأمير وعبدالمجيد الأمير وانتظرني حتى انتهيت من الفحوصات وبشرني قال لي ما حتكون عندك مشكلة إن شاء الله وأصر علي أن أذهب للغداء معه فاعتذرت له بأن لي ابن خالة وعدته بالغداء عنده .
ولقد حصلت لأخي محمد سعيد العباسي قصة طريفة ومزعجة عندما كان يدرس في الهند وكان في طريقه للهند بعد إجازة قضاها في السودان وكان سفره عبر دبي وشاء الله أن يركب على نفس الطائرة معه من دبي دون علمه محمد سعيد العباسي الطيب محمد سعيد العباسي وكانت أول مرة يمشي فيها للهند من أجل الدراسة وفي مطار بومباي سلم كل على بعض دون معرفة ووقفا في الصف من أجل إجراءات الجوازات فاذا بالبوليس الهندي يتهمهما بالتزوير كل واحد اسمه محمد سعيد العباسي
وبعد لأي وجهد اقتنعت الشرطة الهندية أن كلاً منهما مسمىً على نفس الشخص طبعاً ثم تعارفا بعد ذلك.
ألقى بصبرى جسام الحادثات ولى عزم أصد به ما قد يلاقينى
ولا أتوق لحال لا تلائمها حالى ، ولا منزل اللذات يلهينى
ولست أرضى من الدنيا وإن عظمت إلا الذى بجميل الذكر يرضينى
وكيف أقبل أسباب الهوان ولى آباءُ صدقٍ من الغُرِّ الميامين
النازلينَ على حُكم العُلا أبداً من زينوا الكون منهم أى تزيين
من كل أروع فى أكتاده لبدٌ كالليث والليث لا يغضى على هون
لقد حدثت لي قصة مؤثرة وأنا أصل لأبي ظبي وأقدم للوظيفة التي فيها أنا الآن وفي الشركة في الطابق الأسفل وبعد أن أكملت المعاينة طلب مني أداء الكشف الطبي وكنت منتظراً السيارة التي ستقلني لمستوصف أدنوك... وفي قاعة الانتظار كان يجلس قبالتي سوداني لابس جلابية وعمة فسلمت عليه فرد لي رداً طيباً هادئاً بصوت خفيض تأدباً لأهل قاعة الانتظار مخافة إزعاجهم فاشتممت فيه رائحة أستاذنا الشيخ ضياءالدين العباسي ولكن لضيق الوقت لم أكلف نفسي بالسؤال وبعد مدة غادر قاعة الانتظار مودعاً إياي ..ثم أتاني السائق وحملني إلى مستشفى أدنوك وكان علي فحص الأشعة بعد عينات الدم ودخلت صالة الانتظار فوجدت نفس الشخص منتظراً فسلمت عليه وكان لوحده فقلت له أنا مشبهك على شيخنا ضياء الدين العباسي فقال لي يالفراستك أنا أبوالحسن الطيب العباسي وضياء الدين عمي فعرفته بنفسي وببلدي وعلاقة أبي مع جده محمد سعيد العباسي ومع عمنا ضياءالدين والشيخ الأمير وعبدالمجيد الأمير وانتظرني حتى انتهيت من الفحوصات وبشرني قال لي ما حتكون عندك مشكلة إن شاء الله وأصر علي أن أذهب للغداء معه فاعتذرت له بأن لي ابن خالة وعدته بالغداء عنده .
ولقد حصلت لأخي محمد سعيد العباسي قصة طريفة ومزعجة عندما كان يدرس في الهند وكان في طريقه للهند بعد إجازة قضاها في السودان وكان سفره عبر دبي وشاء الله أن يركب على نفس الطائرة معه من دبي دون علمه محمد سعيد العباسي الطيب محمد سعيد العباسي وكانت أول مرة يمشي فيها للهند من أجل الدراسة وفي مطار بومباي سلم كل على بعض دون معرفة ووقفا في الصف من أجل إجراءات الجوازات فاذا بالبوليس الهندي يتهمهما بالتزوير كل واحد اسمه محمد سعيد العباسي
وبعد لأي وجهد اقتنعت الشرطة الهندية أن كلاً منهما مسمىً على نفس الشخص طبعاً ثم تعارفا بعد ذلك.
خدورة أم بشق- مشرف منتدى الشعر
رد: أسعد الطيب العبّـاسي في ذكرى رحيل والده الشاعر الراحل
من المشاع اننا امة لا تكرم مبدعيها وهم علي قيد الحياة
شخصي الضعيف يري اننا في كلِ مقصرين في الحياة او بعد الممات
ألقى بصبرى جسام الحادثات ولى عزم أصد به ما قد يلاقينى
ولا أتوق لحال لا تلائمها حالى ، ولا منزل اللذات يلهينى
ولست أرضى من الدنيا وإن عظمت إلا الذى بجميل الذكر يرضينى
وكيف أقبل أسباب الهوان ولى آباءُ صدقٍ من الغُرِّ الميامين
النازلينَ على حُكم العُلا أبداً من زينوا الكون منهم أى تزيين
من كل أروع فى أكتاده لبدٌ كالليث والليث لا يغضى على هون
شخصي الضعيف يري اننا في كلِ مقصرين في الحياة او بعد الممات
ألقى بصبرى جسام الحادثات ولى عزم أصد به ما قد يلاقينى
ولا أتوق لحال لا تلائمها حالى ، ولا منزل اللذات يلهينى
ولست أرضى من الدنيا وإن عظمت إلا الذى بجميل الذكر يرضينى
وكيف أقبل أسباب الهوان ولى آباءُ صدقٍ من الغُرِّ الميامين
النازلينَ على حُكم العُلا أبداً من زينوا الكون منهم أى تزيين
من كل أروع فى أكتاده لبدٌ كالليث والليث لا يغضى على هون
nashi- مشرف المنتدى الرياضى
رد: أسعد الطيب العبّـاسي في ذكرى رحيل والده الشاعر الراحل
هذا العباسي أشعر شعراء السودان على الإطلاق ورث الشعر كابر عن كابر وأورثهُ بنوه
وقد سلا القلب عن سلمى وجارتها وربما كنت أدعوه فيعصينى
ما عذر مثلى فى استسلامه لهوى يا حالة النقص ما بى حاجة بينى
ما أنس لا أنس إذ جاءت تعاتبنى فتانة اللحظ ذات الحاجب النون
يا بنت عشرين والأيام مقبلة ماذا تريدين من موعود خمسين؟
قد كان لى قبل هذا اليوم فيك هوى أطيعه ، وحديث ذو أفانين
ولا منى فيك والاشجان زائدة قوم وأحرى بهم ألا يلومونى
أزمان أمرح فى برد الشباب على مسارح اللهو بين الخرد العين
والعود أخضر وألايام مشرقة وحالة الأنس تغرى بى وتغرينى
فى ذمة الله محبوب كلفت به كالريم جيدا وكالخيروز فى اللين
أنشأت أُسمعه الشكوى ويسمعنى أدنيه من كبدى الحرى ويدنينى
أذر فى سمعه شيئا يلذ له قد زانه فضل إبداعى وتحسينى
فبات طوع مرادى طول ليلته من خمر دارين أسقيه ويسقينى
أين أنت يا الفاتح ؟؟؟
وقد سلا القلب عن سلمى وجارتها وربما كنت أدعوه فيعصينى
ما عذر مثلى فى استسلامه لهوى يا حالة النقص ما بى حاجة بينى
ما أنس لا أنس إذ جاءت تعاتبنى فتانة اللحظ ذات الحاجب النون
يا بنت عشرين والأيام مقبلة ماذا تريدين من موعود خمسين؟
قد كان لى قبل هذا اليوم فيك هوى أطيعه ، وحديث ذو أفانين
ولا منى فيك والاشجان زائدة قوم وأحرى بهم ألا يلومونى
أزمان أمرح فى برد الشباب على مسارح اللهو بين الخرد العين
والعود أخضر وألايام مشرقة وحالة الأنس تغرى بى وتغرينى
فى ذمة الله محبوب كلفت به كالريم جيدا وكالخيروز فى اللين
أنشأت أُسمعه الشكوى ويسمعنى أدنيه من كبدى الحرى ويدنينى
أذر فى سمعه شيئا يلذ له قد زانه فضل إبداعى وتحسينى
فبات طوع مرادى طول ليلته من خمر دارين أسقيه ويسقينى
أين أنت يا الفاتح ؟؟؟
أزهرى الحاج البشير- مشرف عام
رد: أسعد الطيب العبّـاسي في ذكرى رحيل والده الشاعر الراحل
القصيدة كاملة
عهـد جـيرون
أرقت من طول هم بات يعرونى يثير من لاعج الذكرى ويشجونى
منيت نفسى آمالا يماطلنى بها زمانى من حين الى حين
ألقى بصبرى جسام الحادثات ولى عزم أصد به ما قد يلاقينى
ولا أتوق لحال لا تلائمها حالى ، ولا منزل اللذات يلهينى
ولست أرضى من الدنيا وإن عظمت إلا الذى بجميل الذكر يرضينى
وكيف أقبل أسباب الهوان ولى آباء صدق من الغر الميامين
النازلين على حكم العلا أبداً من زينوا الكون منهم أى تزيين
من كل أروع فى أكتاده لبد كالليث والليث لا يغضى على هون
* * *
وقد سلا القلب عن سلمى وجارتها وربما كنت أدعوه فيعصينى
ما عذر مثلى فى استسلامه لهوى يا حالة النقص ما بى حاجة بينى
ما أنس لا أنس إذ جاءت تعاتبنى فتانة اللحظ ذات الحاجب النون
يا بنت عشرين والأيام مقبلة ماذا تريدين من موءود خمسين؟
قد كان لى قبل هذا اليوم فيك هوى أطيعه ، وحديث ذو أفانين
ولا منى فيك والاشجان زائدة قوم وأحرى بهم ألا يلومونى
أزمان أمرح فى برد الشباب على مسارح اللهو بين الخرد العين
والعود أخضر وألايام مشرقة وحالة الأنس تغرى بى وتغرينى
فى ذمة الله محبوب كلفت به كالريم جيدا وكالخيروز فى اللين
* * *
أفديه فاتر ألحاظ وتل له "أفديه" حين سعى نحوى يفدينى
يقول لى وهو يحكى البرق مبتسما "يا أنت يا ذا" وعمدا لا يسمينى
أنشأت أُسمعه الشكوى ويسمعنى أدنيه من كبدى الحرى ويدنينى
أذر فى سمعه شيئا يلذ له قد زانه فضل إبداعى وتحسينى
فبات طوع مرادى طول ليلته من خمر دارين أسقيه ويسقينى
يا عهد جيرون كم لى فيك من شجن باد سقاك الرضا يا عهد جيرون
ولا يزال النسيم الطلق يحمل لى ريا الجناب ويرويه فيروينى
واليوم مذ جذبت عنى أعنتها هذى الظباء وولت وجهها دونى
وعارض العارضين الشيب قلت له أهلاً بمن رجحت فيه موازينى
كففت غرب التصابى والتفت الى حلمى ، ولم أك فى هذا بمغبون
وصرت لا أرتضى إلا العلا أبداً ما قد لقيتُ من التبريح يكفينى
عهـد جـيرون
أرقت من طول هم بات يعرونى يثير من لاعج الذكرى ويشجونى
منيت نفسى آمالا يماطلنى بها زمانى من حين الى حين
ألقى بصبرى جسام الحادثات ولى عزم أصد به ما قد يلاقينى
ولا أتوق لحال لا تلائمها حالى ، ولا منزل اللذات يلهينى
ولست أرضى من الدنيا وإن عظمت إلا الذى بجميل الذكر يرضينى
وكيف أقبل أسباب الهوان ولى آباء صدق من الغر الميامين
النازلين على حكم العلا أبداً من زينوا الكون منهم أى تزيين
من كل أروع فى أكتاده لبد كالليث والليث لا يغضى على هون
* * *
وقد سلا القلب عن سلمى وجارتها وربما كنت أدعوه فيعصينى
ما عذر مثلى فى استسلامه لهوى يا حالة النقص ما بى حاجة بينى
ما أنس لا أنس إذ جاءت تعاتبنى فتانة اللحظ ذات الحاجب النون
يا بنت عشرين والأيام مقبلة ماذا تريدين من موءود خمسين؟
قد كان لى قبل هذا اليوم فيك هوى أطيعه ، وحديث ذو أفانين
ولا منى فيك والاشجان زائدة قوم وأحرى بهم ألا يلومونى
أزمان أمرح فى برد الشباب على مسارح اللهو بين الخرد العين
والعود أخضر وألايام مشرقة وحالة الأنس تغرى بى وتغرينى
فى ذمة الله محبوب كلفت به كالريم جيدا وكالخيروز فى اللين
* * *
أفديه فاتر ألحاظ وتل له "أفديه" حين سعى نحوى يفدينى
يقول لى وهو يحكى البرق مبتسما "يا أنت يا ذا" وعمدا لا يسمينى
أنشأت أُسمعه الشكوى ويسمعنى أدنيه من كبدى الحرى ويدنينى
أذر فى سمعه شيئا يلذ له قد زانه فضل إبداعى وتحسينى
فبات طوع مرادى طول ليلته من خمر دارين أسقيه ويسقينى
يا عهد جيرون كم لى فيك من شجن باد سقاك الرضا يا عهد جيرون
ولا يزال النسيم الطلق يحمل لى ريا الجناب ويرويه فيروينى
واليوم مذ جذبت عنى أعنتها هذى الظباء وولت وجهها دونى
وعارض العارضين الشيب قلت له أهلاً بمن رجحت فيه موازينى
كففت غرب التصابى والتفت الى حلمى ، ولم أك فى هذا بمغبون
وصرت لا أرتضى إلا العلا أبداً ما قد لقيتُ من التبريح يكفينى
خدورة أم بشق- مشرف منتدى الشعر
الذكرى السابعة لرحيل الشاعر القومي محمد شريف العباسي 9/8/2010 م ,,
نعم أستاذي أزهري , هذه شجرة طيبة ثابت أصلها ,, وما أغنى ثمارها .... أقطف على عجل منها سيرة الشيخ الأستاذ "محمد شريف العباسي" (1918م -2003م) الذي ينحدر من ارومة كريمة حفظ لها التاريخ أمجاداً توارثها كابراً عن كابر، فوالده " محمد سعيد العباسي", شاعر الصولة والجولة وباعث نهضة الشعر العربي في السودان، وجده لأبيه الأستاذ "محمد شريف ولد نور الدائم, ولد الشاعر بقرية (الشيخ الطيب _ أمَّرحي) .... حفظ شاعرنا القرآن الكريم بخلوة جده الورع الشيخ زين العابدين أبي صالح , ونال شهادة معهد ام درمان العلمي، وفي فجر صباه أقترن بالسيدة آمنة إبنة السيد الطيب ابراهيم الإمام والسيد الطيب ابراهيم الأمام هو إبن عم والده وصديقه حيث أنجبت له السيدة آمنة – رحمها الله- إبنه المهندس عبد المحمود،
هو من قال :-
يا مولايْ بشكِيلََكْ شَقَايَا وغُلبي
وحَظي الدِيمة مِِنْ رِدَّ الأَنيسْ جَافِلبي
طَالتْ السَفْرَه واتحفِّتْ مَنَاسِمْ تِلبي
وَهبَّ الَريم وعَاوَدَكْ الحَنينْ يَا قَلبي....
ثم أتخذ له طريقاً آخر بعد وفاة زوجته و قصد ديار الكبابيش معلماً لأهل الباديه ,,, يحشدهم فرادى وجماعات ناشراً للعلم كشأن معظم أهل السودان آنذاك ,, حاملاً أصالة البداوة العريقة , ساعده في كل ذلك حب أهل الباديه لوالده ,, فألف وأحبّ ديار الكبابيش ,عرف نهادها وهضابها وسهولها ووهادها , ,,وفؤاده مقسم بين حنينه لدياره واهله وولده من جهه وعشق البادية , ونشر العلم في ديار الكبابيش من جهه أخرى ,, ولكنه اختار فــؤاده مصوراً بشاعرية قوية ملؤها الحنين والوفاء للديار قائلاً :-
بَعَدْ مَا قُلنَا رُقْنَا ومِنْ سَهَرْنَا هَجَعْنَا
كَرْ يَا قُمْري لا تْسَرِّبْ عَلينا وَجعْنَا
حَبينَا البَوادي ومِن اهلنا نجعْنَا
يا رَيتْ كُنَا مِن أَولْ شُهُورَنا رَجَعْنَا
إعتمد تربية الماشية من الأبل ,,, ويحكى أن أبله ضاعت في يوم من الأيام وهو يمتطي صهوة جمله (أبو كريت) وعندما وصل منطقة (البِّدَيَّاتْ)التي يمتلك فيها أيضاً بعض الإبل علم أنها الأخرى قد فقدت فأخذ يخاطب ً جمله أبوكريت بمربعِ لا يخلو من الأسي والحب والأشواق قال فيه:
يا أبكرِيت بشوفْ نَجْمَاتْ سُعُودنَا اِنْدَرَقَّنْ
دَيلْ رَايحِاتْ ودَيلْ مِنْ البِدَيَّاتْ فَرَقَّنْ
البَلَدْ العَليْ سِهَمُو النَعَاَيمْ مَرَقَّنْ
قَلِبي بِدُقَلُو الرُمْبَّة و مَعَالقُو انْحَرَقَّنْ
كان يسافر على ظهر النوق ويقطع بها المسافات البعيدة , معلماً ومربياً , يقتني أجودها وأكرمها وأبعدها أصلاً كجمله الشهير (التِلب) وجمله (أبوخديد) و(أبوكريت) وهو الذي ورث عن أبيه حب البادية وإحتفظ به طوال حياته والتصق بأماكنها ومواضعها إلتصاقاً وثيقاً فنراه يقول:
الشِتَا جَانا بيْ بَرْدُو وسِحَابُو الدَكَّنْ
ولِسَه قِيودنَا مِن أم بَادِر أَبَنْ ينفَكَّنْ
وَدَّ اللَّريَلْ اللُّمَاتُو بالصَيِ جَكَّنْ
فُراقُو خَلى رِيشاتْ القَلِبْ مَا بْرِكَّنْ
وهو في تجواله حلّ ضيفاً ,,,, على السيد فضل الله ود محمد حماد إبراهيم أحد أعيان السراجاب( فرع من الكبابيش)، وخفق قلبه بحب إبنته عائشة، وأخذ قلبه العاشق يتلظى بهذا الحب العفيف الذي لولاه لما سمعنا من محمد شريف أروع الأشعار واعذبها، فكان عندما يسترق النظر الى وجهها وعينيها ينعكس عليه بريقهما المختلط ببريق اسنانها البيضاء فينشد في روعة آسرة ويقول:
يا خِلاَيْ مُلاحظة العُيون بالسرْقَة
لابُدانهَ بِتْخَلِي الكَبِدْ مِنْحَرقَة
شايفْ بيْ عَينيْ بَقَاقْ الشَمسْ بالشَرْقَة
يجي مِن سِنُو والعينْ أُم حَدقةً زَرْقَة
لم يبح بعشقه المكتوم في قلبه إيماناً بقيمة الستر وإذعاناً لتلك القوى الإيمانية الكامنة في كيانه، بيد أن كل ذلك لم يمنعه من وصف جمالها وحسنها بقوله:
وَحَاتْ الحُبُو بِتْحَتَّمْ عَليْ أَخْفِيهُو
لا غُنَا لا شرابْ أَنا حَري مَا بِطفِيهُو
الوِجَنْ المِنَرْجِسَة والدَعَجْ خَافِيهُو
تلَّفْ قَلبيْ بيْ مَوجَاتْ كهَارْباً فِيهُو
تيسرت كل أسباب النجاح فتزوج بعائشة ,,توازن فؤاده المتنازع عندما أخذ من الديار التي أحبها زوجة ظلت معه العمر كله تبادله حُباً بحب ووفاءً بوفاء.....
وبعد زواجه عاد محمد شريف العباسي من لأداء واجبه ورسالته التعليمية فعادت من جديد جولاته في ديار الكبابيش على ظهر (التلب ), وذات مرة وقد تأهب للرحيل جادت السماء بمطر رائع تساقطت قطراته على حجارة التل المتراصة مثلما تساقطت دموع عائشة ساعة الوداع.. فقال:
القَّفْ الظِلَيطُو مَقَرَّنْ
جَنُو الليلة مِتْبارْيَاتْ تعُُولاً خَرَّنْ
الودَّعْنَا بالعَبَرة ام عُيوناً دَرَّنْ
طَلقْ في جَوفيِ وَجَّاجْ السَمَايمْ الحَرَّنْ
ولكن الأستاذ محمد شريف يعود مسرعاً ,, فقد ترك خلفه هوىً ظل يكابده في أيام الفراق، وكعادته لم يخذله (التلب) مسرعاً يطوي المسافات طياً.
جَرْحَ القُلُوبْ كَيفْ يِبْرَه
ما دَامْ كُلْ ما وَدَعتُو جَاكْ بالعَبْرَه
أَفُرْق إيدَيكْ يَا قَبَّاضْ نِجومْ الخَبْره
على الرَتَليَّه ضامِرةْ الحَشَا المِنتَبْرَه
أنجبت له عائشه نور الدائم والعباسي والطيب وأسماء والثريا وسلوى وآية وآمنة وعفاف وعاشوا معه بقريته الشيخ الطيب عندما عاد إليها .واعتكف محمد شريف بعد عودته من ديار الكبابيش بخلوته الملحقة بمسجد جده الشيخ الطيب بن البشير وصار إماماً له ،أحبابه من ديار الكبابيش يأتون إليه زرافات ووحدانا، يرفدونه بالتجلة والإحترام ويرفدهم بالعلم والوفاء، ويرون في عينيه حباً دافقاً ويرى حبهم دافئاً في أعين أبنائه وعين زوجته أم حدقة زرقة..! ولازم تقواه وخشوعه وملازمته للمسجد , ولكن حمى شعر الدوبيت كانت توارده .... فقال
كَانْ دَايرني أكونْ متديّن واتُرك النَّمْ
بدلو قلبي حجراً لا نزيز لا جَّمْ
ما دَامْ جَوفِي مَارِن والكبِدْ مِنْ دَّمْ
لابُدَ انَو بدَربْ الحَبيبْ تِنْخَمْ
كما أردف قائلاً :
بَعدْ ما كبِرنَا والقَلبْ بالتَّدَيُنْ يَقَّنْ
ورَاقَنْ وهَوَنَن رِيشَاتُو مِنْ دَاكْ دَقَّنْ
بَانَنْ لَينَا دَرْعَاتاً جِباهِنْ بَقَّنْ
بالحَدَقْ المِزَرْقِنْ زَعزَعَنُو ولَقَّنْ...
وبحلول ليلة التاسع من أغسطس 2003م حلَّ حزنٌ عميق على كل نفس عرفت الشيخ محمد شريف العباسي ,رحمه الله رحمة وآسعه وبارك في عياله ..... لا شك عندي بأن الشيخ محمد شريف العباسي هو ما يجب أن يعشو إليه الناقد عندما يتلمس ريادة الجمال والفخامة في شعر الدوبيت السوداني، فقد كان من احد اهم شعراء الصف الأول في هذا الضرب من الشعر، فهو ذو طبيعة تسربلت بالحنين وأوغلت في الأحاسيس المرهفة، وقد ترجم لنا ذلك في تراكيبه الفخيمة وألفاظه الساحرة وأسلوبه الجزل ووجدانياته المدهشة، فألفيناه شاعراً متفرداً، يرفعنا الى شأوٍ عال في مدارج الرنين العالي والسمت الجميل ..
هو من قال :-
يا مولايْ بشكِيلََكْ شَقَايَا وغُلبي
وحَظي الدِيمة مِِنْ رِدَّ الأَنيسْ جَافِلبي
طَالتْ السَفْرَه واتحفِّتْ مَنَاسِمْ تِلبي
وَهبَّ الَريم وعَاوَدَكْ الحَنينْ يَا قَلبي....
ثم أتخذ له طريقاً آخر بعد وفاة زوجته و قصد ديار الكبابيش معلماً لأهل الباديه ,,, يحشدهم فرادى وجماعات ناشراً للعلم كشأن معظم أهل السودان آنذاك ,, حاملاً أصالة البداوة العريقة , ساعده في كل ذلك حب أهل الباديه لوالده ,, فألف وأحبّ ديار الكبابيش ,عرف نهادها وهضابها وسهولها ووهادها , ,,وفؤاده مقسم بين حنينه لدياره واهله وولده من جهه وعشق البادية , ونشر العلم في ديار الكبابيش من جهه أخرى ,, ولكنه اختار فــؤاده مصوراً بشاعرية قوية ملؤها الحنين والوفاء للديار قائلاً :-
بَعَدْ مَا قُلنَا رُقْنَا ومِنْ سَهَرْنَا هَجَعْنَا
كَرْ يَا قُمْري لا تْسَرِّبْ عَلينا وَجعْنَا
حَبينَا البَوادي ومِن اهلنا نجعْنَا
يا رَيتْ كُنَا مِن أَولْ شُهُورَنا رَجَعْنَا
إعتمد تربية الماشية من الأبل ,,, ويحكى أن أبله ضاعت في يوم من الأيام وهو يمتطي صهوة جمله (أبو كريت) وعندما وصل منطقة (البِّدَيَّاتْ)التي يمتلك فيها أيضاً بعض الإبل علم أنها الأخرى قد فقدت فأخذ يخاطب ً جمله أبوكريت بمربعِ لا يخلو من الأسي والحب والأشواق قال فيه:
يا أبكرِيت بشوفْ نَجْمَاتْ سُعُودنَا اِنْدَرَقَّنْ
دَيلْ رَايحِاتْ ودَيلْ مِنْ البِدَيَّاتْ فَرَقَّنْ
البَلَدْ العَليْ سِهَمُو النَعَاَيمْ مَرَقَّنْ
قَلِبي بِدُقَلُو الرُمْبَّة و مَعَالقُو انْحَرَقَّنْ
كان يسافر على ظهر النوق ويقطع بها المسافات البعيدة , معلماً ومربياً , يقتني أجودها وأكرمها وأبعدها أصلاً كجمله الشهير (التِلب) وجمله (أبوخديد) و(أبوكريت) وهو الذي ورث عن أبيه حب البادية وإحتفظ به طوال حياته والتصق بأماكنها ومواضعها إلتصاقاً وثيقاً فنراه يقول:
الشِتَا جَانا بيْ بَرْدُو وسِحَابُو الدَكَّنْ
ولِسَه قِيودنَا مِن أم بَادِر أَبَنْ ينفَكَّنْ
وَدَّ اللَّريَلْ اللُّمَاتُو بالصَيِ جَكَّنْ
فُراقُو خَلى رِيشاتْ القَلِبْ مَا بْرِكَّنْ
وهو في تجواله حلّ ضيفاً ,,,, على السيد فضل الله ود محمد حماد إبراهيم أحد أعيان السراجاب( فرع من الكبابيش)، وخفق قلبه بحب إبنته عائشة، وأخذ قلبه العاشق يتلظى بهذا الحب العفيف الذي لولاه لما سمعنا من محمد شريف أروع الأشعار واعذبها، فكان عندما يسترق النظر الى وجهها وعينيها ينعكس عليه بريقهما المختلط ببريق اسنانها البيضاء فينشد في روعة آسرة ويقول:
يا خِلاَيْ مُلاحظة العُيون بالسرْقَة
لابُدانهَ بِتْخَلِي الكَبِدْ مِنْحَرقَة
شايفْ بيْ عَينيْ بَقَاقْ الشَمسْ بالشَرْقَة
يجي مِن سِنُو والعينْ أُم حَدقةً زَرْقَة
لم يبح بعشقه المكتوم في قلبه إيماناً بقيمة الستر وإذعاناً لتلك القوى الإيمانية الكامنة في كيانه، بيد أن كل ذلك لم يمنعه من وصف جمالها وحسنها بقوله:
وَحَاتْ الحُبُو بِتْحَتَّمْ عَليْ أَخْفِيهُو
لا غُنَا لا شرابْ أَنا حَري مَا بِطفِيهُو
الوِجَنْ المِنَرْجِسَة والدَعَجْ خَافِيهُو
تلَّفْ قَلبيْ بيْ مَوجَاتْ كهَارْباً فِيهُو
تيسرت كل أسباب النجاح فتزوج بعائشة ,,توازن فؤاده المتنازع عندما أخذ من الديار التي أحبها زوجة ظلت معه العمر كله تبادله حُباً بحب ووفاءً بوفاء.....
وبعد زواجه عاد محمد شريف العباسي من لأداء واجبه ورسالته التعليمية فعادت من جديد جولاته في ديار الكبابيش على ظهر (التلب ), وذات مرة وقد تأهب للرحيل جادت السماء بمطر رائع تساقطت قطراته على حجارة التل المتراصة مثلما تساقطت دموع عائشة ساعة الوداع.. فقال:
القَّفْ الظِلَيطُو مَقَرَّنْ
جَنُو الليلة مِتْبارْيَاتْ تعُُولاً خَرَّنْ
الودَّعْنَا بالعَبَرة ام عُيوناً دَرَّنْ
طَلقْ في جَوفيِ وَجَّاجْ السَمَايمْ الحَرَّنْ
ولكن الأستاذ محمد شريف يعود مسرعاً ,, فقد ترك خلفه هوىً ظل يكابده في أيام الفراق، وكعادته لم يخذله (التلب) مسرعاً يطوي المسافات طياً.
جَرْحَ القُلُوبْ كَيفْ يِبْرَه
ما دَامْ كُلْ ما وَدَعتُو جَاكْ بالعَبْرَه
أَفُرْق إيدَيكْ يَا قَبَّاضْ نِجومْ الخَبْره
على الرَتَليَّه ضامِرةْ الحَشَا المِنتَبْرَه
أنجبت له عائشه نور الدائم والعباسي والطيب وأسماء والثريا وسلوى وآية وآمنة وعفاف وعاشوا معه بقريته الشيخ الطيب عندما عاد إليها .واعتكف محمد شريف بعد عودته من ديار الكبابيش بخلوته الملحقة بمسجد جده الشيخ الطيب بن البشير وصار إماماً له ،أحبابه من ديار الكبابيش يأتون إليه زرافات ووحدانا، يرفدونه بالتجلة والإحترام ويرفدهم بالعلم والوفاء، ويرون في عينيه حباً دافقاً ويرى حبهم دافئاً في أعين أبنائه وعين زوجته أم حدقة زرقة..! ولازم تقواه وخشوعه وملازمته للمسجد , ولكن حمى شعر الدوبيت كانت توارده .... فقال
كَانْ دَايرني أكونْ متديّن واتُرك النَّمْ
بدلو قلبي حجراً لا نزيز لا جَّمْ
ما دَامْ جَوفِي مَارِن والكبِدْ مِنْ دَّمْ
لابُدَ انَو بدَربْ الحَبيبْ تِنْخَمْ
كما أردف قائلاً :
بَعدْ ما كبِرنَا والقَلبْ بالتَّدَيُنْ يَقَّنْ
ورَاقَنْ وهَوَنَن رِيشَاتُو مِنْ دَاكْ دَقَّنْ
بَانَنْ لَينَا دَرْعَاتاً جِباهِنْ بَقَّنْ
بالحَدَقْ المِزَرْقِنْ زَعزَعَنُو ولَقَّنْ...
وبحلول ليلة التاسع من أغسطس 2003م حلَّ حزنٌ عميق على كل نفس عرفت الشيخ محمد شريف العباسي ,رحمه الله رحمة وآسعه وبارك في عياله ..... لا شك عندي بأن الشيخ محمد شريف العباسي هو ما يجب أن يعشو إليه الناقد عندما يتلمس ريادة الجمال والفخامة في شعر الدوبيت السوداني، فقد كان من احد اهم شعراء الصف الأول في هذا الضرب من الشعر، فهو ذو طبيعة تسربلت بالحنين وأوغلت في الأحاسيس المرهفة، وقد ترجم لنا ذلك في تراكيبه الفخيمة وألفاظه الساحرة وأسلوبه الجزل ووجدانياته المدهشة، فألفيناه شاعراً متفرداً، يرفعنا الى شأوٍ عال في مدارج الرنين العالي والسمت الجميل ..
الفاتح محمد التوم- مشرف المنتدى السياسى
رد: أسعد الطيب العبّـاسي في ذكرى رحيل والده الشاعر الراحل
ما خاب ظني يا فاتح أبدا
السيد الطيب ابراهيم الإمام والسيد الطيب ابراهيم الأمام هو إبن عم والده وصديقه حيث أنجبت له السيدة آمنة – رحمها الله- إبنه المهندس عبد المحمود،
وهو أيضا والد الدكتور محي الدين الطيب الذي عمل بمستشفى أبوجبيهة في الستينات ويسكن الحلة الجديدة قبل مدارس العباسي على يمين شارع الحرية
وآخر عهدي به في السبعينات مديرا للإمدادات الطبية بالخرطوم
أما أستاذنا محمد شريف فهو شقيق الطيب العباسي وأمة إبنة الزبير باشا ود رحمة
وزرانا في أبي جبيهة وأنا صغير وكانت أختنا أم أشرف تتعالج عنده من صداع نصفي وشفاها الله على يده وما زال وجهه الصبوح في عيني وهو بشلوخه
المميزة أشبه الناس بأبيه العباسي وكذلك شيخنا ضياء الدين وهمو جميعا في غاية
الوسامة
أزهرى الحاج البشير- مشرف عام
رد: أسعد الطيب العبّـاسي في ذكرى رحيل والده الشاعر الراحل
استاذي ازهري والله ,,,, أنا من المندهشين بهذه الأسرة الطيبية ,,, كما تعلم انها تمددت تمدداً واسعاً ..... ولاحظت انّ كل بيت له علاقة بالأستاذ (محمد شريف نور الدائم ) متفرد بأخلاقه وأشياءه أدباً وعلماً وفناً , معنا أسرة من أحفاد شيخ ابراهيم الإمام والد السيد الطيب ابراهيم الإمام,,,, أتدثر خجلاً عندما أجالسهم تعرفت منهم على العلاقة بين طابت( الشيخ عبدالمحمود) _ أمدرمان ( الشيخ قريب الله) والشيخ ( مطيع )_ والشيخ الطيب (ممرح) .... إنهم كنوز يا أستاذنا..الله يحفظهم
الفاتح محمد التوم- مشرف المنتدى السياسى
رد: أسعد الطيب العبّـاسي في ذكرى رحيل والده الشاعر الراحل
والشيخ ( مطيع )_
الشيخ مطيع ود الشيخ الطيب هو جد عمنا بدوي الشيخ مطيع وهو متزوج من عمة أخواننا صلاح وفيصل وحيدر حتيلة ولا أظن أخواننا أولاد حتيلة يعلمون هذه الجزئية ....و له من الأولاد علم الدين وعز الدين وأختهم فائزة زوجة أخونا علي محجوب الكاسح ويقيمون خلف مدارس العباسي بالحلة الجديدة الخرطوم .. هذا عطفا على تشعب الأسرة وتجذرهم في نسيج أهل السودان
الشيخ مطيع ود الشيخ الطيب هو جد عمنا بدوي الشيخ مطيع وهو متزوج من عمة أخواننا صلاح وفيصل وحيدر حتيلة ولا أظن أخواننا أولاد حتيلة يعلمون هذه الجزئية ....و له من الأولاد علم الدين وعز الدين وأختهم فائزة زوجة أخونا علي محجوب الكاسح ويقيمون خلف مدارس العباسي بالحلة الجديدة الخرطوم .. هذا عطفا على تشعب الأسرة وتجذرهم في نسيج أهل السودان
أزهرى الحاج البشير- مشرف عام
رد: أسعد الطيب العبّـاسي في ذكرى رحيل والده الشاعر الراحل
نعم كما ذكرت يا أزهري هم ورثوه كابر عن كابر حيث لهم الريادة في كتابة الشعر الفصيح المقفى الموزون كما قال حمزة الملك طمبل وإيكم جزءاً من السلسلة الرهيبة التي لها أكبر الفضل وساعدوني إن تجاوزت بعضهم:-
الجد الشيخ الطيب ود الشيخ البشير ود الشيخ محمد ود الشيخ سرور
الشيخ محمد شريف ود الشيخ نورالدايم العباسي استاذ محمد أحمد المهدي
وأخيه الشيخ عبد المحمود ود الشيخ نورالدايم راجل طابت
محمد سعيد بن محمد شريف ود نورالدائم العباسي
وابنه مولانا الطيب العباسي المحامي مستشار الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان
وابنه الشيخ ضياء الدين العباسي
الشيخ قريب الله ابو صالح الشيخ الطيب
الاستاذ الناصر الشيخ قريب الله ابو صالح الشيخ الطيب
الشيخ الفاتح الشيخ قريب الله ابو صالح الشيخ الطيب
وحفيده الحسن ابراهيم الدسوقي
سيف الدين المصطفي الدسوقي
المعز المصطفي الدسوقي
الدسوقي مصطفي الدسوقي
الشيخ الأديب الحبر يوسف نور الدائم
ابراهيم الدسوقي يوسف نور الدائم
محمد الواثق يوسف مصطفي الاستاذ الجامعي صاحب قصائد أم درمان وبقية المدن
وثلة من ابناء واحفاد الشيخ عبد المحمود بطابت لا أتذكرهم جميعاً كالحفيان الذي رد علي قصيدة محمد الواثق امدرمان تحتضر
ومنهم محيي الدين الفاتح.
الشريف يوسف محمد الامين الهندي
وابنه زين العابدين الهندي فوالدة الشريف الشريف يوسف هي شموم بت الارباب احمد ود الزين السرورابي
الرشيد نايل محمد (المحامي)
و أخيه محمد نايل محمد
"والسلسلة طويلة ومعذرة أن نسينا منهم فتذكرا يا محمد وأزهري وبعضهم شعره منشور مثل ديوان العباسي وشرب الكأس للشيخ عبد المحمود نور الدائم ورشفات المدام للشيخ قريب الله. والناصريات لابنه الناصر الذي توفي في منتصف العشرينات من العمر شأن التجاني.ولمحمد الواثق ديوان امدرمان تحتضر. والعباسيات للطيب محمد سعيد العباسي.
"
الجد الشيخ الطيب ود الشيخ البشير ود الشيخ محمد ود الشيخ سرور
الشيخ محمد شريف ود الشيخ نورالدايم العباسي استاذ محمد أحمد المهدي
وأخيه الشيخ عبد المحمود ود الشيخ نورالدايم راجل طابت
محمد سعيد بن محمد شريف ود نورالدائم العباسي
وابنه مولانا الطيب العباسي المحامي مستشار الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان
وابنه الشيخ ضياء الدين العباسي
الشيخ قريب الله ابو صالح الشيخ الطيب
الاستاذ الناصر الشيخ قريب الله ابو صالح الشيخ الطيب
الشيخ الفاتح الشيخ قريب الله ابو صالح الشيخ الطيب
وحفيده الحسن ابراهيم الدسوقي
سيف الدين المصطفي الدسوقي
المعز المصطفي الدسوقي
الدسوقي مصطفي الدسوقي
الشيخ الأديب الحبر يوسف نور الدائم
ابراهيم الدسوقي يوسف نور الدائم
محمد الواثق يوسف مصطفي الاستاذ الجامعي صاحب قصائد أم درمان وبقية المدن
وثلة من ابناء واحفاد الشيخ عبد المحمود بطابت لا أتذكرهم جميعاً كالحفيان الذي رد علي قصيدة محمد الواثق امدرمان تحتضر
ومنهم محيي الدين الفاتح.
الشريف يوسف محمد الامين الهندي
وابنه زين العابدين الهندي فوالدة الشريف الشريف يوسف هي شموم بت الارباب احمد ود الزين السرورابي
الرشيد نايل محمد (المحامي)
و أخيه محمد نايل محمد
"والسلسلة طويلة ومعذرة أن نسينا منهم فتذكرا يا محمد وأزهري وبعضهم شعره منشور مثل ديوان العباسي وشرب الكأس للشيخ عبد المحمود نور الدائم ورشفات المدام للشيخ قريب الله. والناصريات لابنه الناصر الذي توفي في منتصف العشرينات من العمر شأن التجاني.ولمحمد الواثق ديوان امدرمان تحتضر. والعباسيات للطيب محمد سعيد العباسي.
"
خدورة أم بشق- مشرف منتدى الشعر
أزاهير الرياض
رأيت هذا الكتاب يا أستاذ فضل وأستاذ الفاتح في خزانة أبي وأنا صغير جد لعلك تذكره .............
من كتاب
(أزاهير الرياض)
في مناقب شمس العرفان, و قطب الزمان, وارث القدم المحمدي, و السر الأحمدي, تاج العارفين, و عمدة المقربين, شيخ الطريقة و الحقيقة, سيدي الشيخ أحمد الطيب (1155-1239هـ) بن البشير أمدنا الله بوابل فيضه الغزير.
تأليف:
وارثه و حفيده ,خاتمة المحققين, و خلاصة الأكابر العارفين, الجامع بين الشريعة و الحقيقة, المجدد لآثار الطريقة, سيدي الأستاذ الشيخ عبد المحمود (1261-1333هـ) ابن الأستاذ نور الدائم ابن الشيخ أحمد الطيب بن البشير, الطيبى السمانى, نفعنا الله به و بعلومه آمين.
فصل (في ثناء العارفين عليه و الصالحين و العلماء من أهل بلاده و غيرهم من قبل زمانه وفى زمانه ومن بعده)
إعلم أن الشيخ رضي الله عنه لما ظهرت للناس شموس علاه, و سرى في قلوب العالمين حبه و هواه, و فاض من رياض عرفانه في بقاع الأرض شذاه, و صار فريدا تهرع إليه الفحول, و تضرب إليه أكباد الإبل من الجهات لأخذ الطريقة و الوصول.
قد أعلن بالثناء عليه ما سنذكرهم من الأعيان و الأولياء أهل الشأن, فمن ذلك ما روى عن الولي الرباني الشيخ حمد المكاشفى البتلابى رحمه الله تعالى عند اجتماع مولانا البشير بن مالك به بالكندفيرة, و قصة الرؤيا التي رآها و جوابه له بقوله: يخرج منك ولد تكتحل به بصائر جميع أهل الجهات كما تقدم لك بيانه. و من ذلك قول القطب الغوث سيدي الشيخ محمد السمان رضي الله تعالى عنه: على رأس السبعين من عمرك ستصير قدمك على رقبة كل ولى لله تعالى, و من ذلك قول العلامة الأمير المصري رحمه الله تعالى لمن سأله عن مقام الشيخ المترجم و عن علمه و معارفه: إن ما بين علمكم و علمه كما بين السماء و الأرض.
أخبرني محمد بن البشير السرورابى عن شيخه الشيخ الطريفى ابن الشيخ يوسف العركى رحمه الله تعالى, قال: سمعت والدي كثيرا ما يقول: ما أبدت الأيام كالشيخ أحمد الطيب, و قد نهانا رسول الله صلى الله عليه و سلم عن إساءة الأدب معه, فمن أساء معه الأدب لم يفلح أبدا. و أخبرني أيضا بعض من التقى به أن بعضا من العركيين عتب على رجل منهم لأجل أخذه الطريقة على الأستاذ المترجم, و كان ذلك بحضرة الشيخ يوسف قدس سره, فقال لهم: أما الشيخ يوسف هذا فلا إنكار في ولايته, و أما سيدي الشيخ أحمد الطيب فبحر لا ساحل له, فضحك عند ذلك الشيخ يوسف, و قال: صدقت ثلاثا.
و كان العلامة الشيخ أحمد ولد عيسى الأنصاري رحمه الله تعالى كثيرا ما يرسل بعض تلامذته لأخذ الطريقة عليه و الانتظام في سلكه, و ممن أرسله إليه و أخذ طريقته و انتفع بها الشيخ محمد ولد على ولد غلام الله الركابى, و الفقيه النخلي ولد مكي, و الفقيه بدوى ولد أبى صفية, و الفقيه خوجلى ولد حتيك, و العلامة محمد الأزرق, و الفقيه أحمد ولد الشيخ ولد عبد الدافع الحميدانى, و الفقيه إبراهيم المفتى و لكن بمكاتبة, و غيرهم. و قد أرسل الأستاذ المترجم قدس سره كتاب حكمه إلى الفقيه أحمد ولد عيسى المذكور, فلما قرأ منه هذه الحكمة, و هي قوله: (أول المقامات في طريق أهل الله: التوبة لله, و التزام طاعة الله بخوف الله, و الصبر على مراد الله, و الزهد فيما سوى الله) قال: لله در الشيخ من إمام عارف, كنا نظن قبل هذا أن الزهد انتهاء المقامات. ثم كتب على ظهر كتاب الشيخ كتابا و أرسله إليه, و قال فيه من بعد كلام مضمونه الثناء على كتاب الحكم: إنه جمع فأوعى.
و كان القطب النفيس, السيد أحمد بن إدريس قدس سره يقول: من منة الله تعالى على وليه الشيخ أحمد الطيب رضي الله عنه, أنه منذ فتح عليه ما تخلف عن الصلاة خلف رسول الله صلى الله عليه و سلم, لا حيا و لا ميتا. و كان يقول إنه من الأفراد. و كان العارف بالله تعالى السيد محمد عثمان الميرغني قدس سره, يقول: ما اشتمل هذا الزمان على أعف و لا أزهد و لا أرشد و لا أمينا على الأسرار كالشيخ أحمد الطيب رضي الله عنه. و كان يقول: لا أود اليوم شيئا مثل أن يأمر النبي صلى الله عليه و سلم الأستاذ الشيخ أحمد الطيب بالإفاضة على الكون, إذ لو أمره و أفاض عليه لملأه بالأسرار حتى ذراته. و سأله بعض تلامذته عن مقام سيدي الأستاذ المترجم قدس سره, فقال أما سابقا فقد رأيته في الحضرة كبير الأوتاد, و أما الآن فلا يعلم مقامه إلا الله تعالى. و أخبرني ذلك السائل, و هو الخليفة الجز ولى بن إدريس الجعلى: أنه مدح سيدي الشيخ أحمد الطيب رضي الله عنه بقصيدة في عهد شيخه المذكور نظير ما كان يسمعه منه من حميد الثناء على الأستاذ المترجم. منها قوله:
أيا طيب الأخلاق بل أنت طيب***** بطيبك طاب الروح و العقل والجسد
و كان العارف بالله تعالى السيد الحسن الميرغني رضي الله عنه يقول في حق الشيخ المترجم: لا يوجد اليوم على ظهر البسيطة و لا باطنها في كافة القطر السوداني مثله, و لا أمثل إرشاده إلا بإرشاد سيدي الشيخ عبد القادر الجيلانى رضي الله عنه. و أخبرني تلميذه محمد ولد عمر الرفاعى, سمعته يقول: لما زرت سيدي الشيخ رضي الله عنه وجدت عند ضريحه ملائكة لا يحصون عددا. و أخبرني أيضا تلميذه عبد القادر ولد السيد الدولابى قال: لما زرت معه سيدي الشيخ رضي الله عنه بكى عند ضريحه بكاءا كثيرا, و أيضا تلامذته. ثم خرج من القبة و خرجنا خلفه, فلما جلس في ظل الجامع سألناه عن سبب البكاء الذي لم نعهده من أنفسنا قبل اليوم, فقال: لما دخلنا لزيارة الشيخ رضي الله عنه وجدنا عنده رسول الله صلى الله عليه و سلم فنظر إليكم بعين الرحمة. و أخبرني أيضا تلميذه الفقيه مدني ولد عبد الصادق الهوارى قال: رأيت سيدي الحسن الميرغني قدس سره عندما زرت معه مرة سيدي الأستاذ الشيخ أحمد الطيب رضي الله عنه, قابضا بيديه على صدره أمام ضريح الشيخ و يبكى و يقول بأعلى صوته: مدد يا أستاذ. و حكي الرجل الصالح الفقيه المصطفى ابن الفقيه الأمين وقوع مثل ذلك منه.
و كان سيدي الحسن قدس سره يكثر من زيارة الشيخ و الثناء عليه و التأدب عند ضريحه, و يعزى نفسه إليه في الطريقة السمانية, و ذلك لأنه أخذها على مولانا العارف بالله تعالى الشيخ حسيب بن إمام المغربي تلميذ الأستاذ المترجم, كما هو مذكور في مناقب الفرد السيد الحسن المذكور, و قد رأيته سنة ألف و مائتين و سبع و سبعين و هو يكثر من ذكر الأستاذ المترجم, ثم قال: ذلك هو الرجل الذي واجه الحضرة و واجهته, و قد سمعته أمر بنقل راتب الطريقة السمانية فنقل إليه و وضعه في جيبه, و ما زالت السادة المراغنة رضوان الله عليهم و أتباعهم يميلون إلى محبة الأستاذ المترجم, و يكثرون من زيارته و محبته و الثناء عليه دون غيره من الأولياء الذين ببلادنا.
و كان الولي الكامل المحبوب, سيدي الشيخ محمد بن قمر الدين الشهير بالمجذوب يقول: من أراد أن ينظر إلى أخلاق رسول الله صلى الله عليه و سلم فلينظر إلى أخلاق الأستاذ الشيخ أحمد الطيب رضي الله عنه. و قد حكي بهلول أحمد فضل الله المشهور بشجر الخيري قال: نزل عندنا الهمام الفرد السيد الحسن الميرغني قدس سره بكرري, فبالغ يوما فى ذكر سيدي الشيخ أحمد الطيب رضي الله عنه بالثناء عليه, فقلت له: يا سيدي قد ألحقته بسيدي الشيخ عبد القادر الجيلاني رضي الله عنه, فقال ليس ذلك بأزيد منه. قلت: أراد بذلك أن كلا منهما كان قطبا غوثا, و إن اختلفت الآيات و الأحوال و الخوارق. و قد أخبرني أيضا من أثق به من أهل الفضل قال كنت مع العارف المذكور ببحر أتبرة فقرأت بين يديه (فتوحات) الشيخ محي الدين بن عربي فتعجب الحاضرون من علو نفس الشيخ و زيادة رتبته في المعارف, فقال السيد المذكور للحاضرين: عندنا شيخ ليس ابن عربي هذا بأكمل منه فقالوا: من هو؟ قال: الأستاذ الشيخ أحمد الطيب قدس سره. و كان ولده الكامل السيد محمد عثمان رضي الله عنه إذا مر بالشرق عند سفره إلى جهة السافل و حاذى قبة الأستاذ المترجم فإنه ينزل عن ظهر دابته و يأمر بإنزال حمالته, و يستقبل القبلة إلى أن يأخذ برهة من الزمن ثم يرتحل.
و كان الولي الكامل الفقيه عبد الله ود الرواج يسميه الإكسير, و يأمر تلامذته بالأخذ عنه, فممن أخذ عليه الطريقة منهم محمد ولد خالد الرفاعي المشهور, و لكن أخذه لها كان في حال صغره عند مرور الأستاذ المترجم إلى مدينة سنار, و ذلك بقندال الغابة المعروفة. و كان الولي الصالح الزاهد الفقيه الأمين ولد محمدين دفين أبى عشر رحمه الله تعالى قد سمع رجلا بحضرته يقول: زيارة سيدي الشيخ أحمد الطيب رضي الله عنه الحج الأصغر, فقال له ليس كما قلت, بل زيارته الحج الأكبر, هكذا سمعته من شيخنا رحمه الله تعالى. و كان الشيخ عوض الجيد ولد أبى الحسن الخالدى رحمه الله يقول: لا يوجد اليوم رجل عنده سر الله الخالص كالشيخ أحمد الطيب رضي الله عنه, فقيل له: هل رأيته؟ قال نعم, لقيته مرة على الطريق و هو راكب على فرس و أنا على حمار فعرفني و عرفته, فنزلت لزيارته و قبلت يده و هو على فرسه كحالته, و سنه قريب من سني أو سني قريب منه, قلت: و معنى قوله لا يوجد اليوم إلخ. يريد بذلك عدم التفات قلب الشيخ إلى شئ من الأكوان. و كان العارف بالله الشيخ إبراهيم الرشيد قدس سره يقول: كل أولياء السودان بالنسبة إلى الأستاذ الشيخ أحمد الطيب رضي الله عنه مريدون, و قد زار ضريحه عام ألف و مائتين و تسعة و ستين من الهجرة فوجد منه مددا و فيضا و رشدا. وكان العالم العلامة أحمد ولد كنان رحمه الله تعالى مع صلابته في الدين و انتقاده على كثير من المتصوفة يقول: ما رأت عيني وليا على موافقة الشرع و الزهد و حسن الإقبال على الله تعالى و صدق الإخبار بالغيب كالشيخ أحمد الطيب رضي الله, و كان يقول: لا يجوز لأحد أن يأخذ الطريقة إلا عليه, لذا لما جاء الفاضل الشيخ محمد النور ولد عربي من زيارة سيدي الشيخ المترجم وكان ذلك سنة ألف و مائتين و سبع و سبعين من الهجرة و نزل على الفقيه المذكور أكرمه غاية الإكرام, و طلب منه المؤاخاة ثم قال له: لولا عزوك في الطريق إلى الأستاذ الشيخ أحمد الطيب لما آخيتك, و إنما طلبتها منك لتشملني بركته بواسطة مؤاخاتي لك, و كان الفقيه المذكور يقول: و الله ما ترك سيدي الشيخ أحمد الطيب رضي الله في الولاية لأحد شبرا, و ما رأيته قط إلا و ازداد حبه في قلبي و كنت سابقا قبل رؤيتي له منكرا فيه, فلما رأيته أبدل ذلك الإنكار حبا, و الحمد لله على ذلك. و كان يقول: الأولياء يجيرون و يحمون كل من
استجار بهم إلا من قصده سيدي الشيخ أحمد الطيب رضي الله فإنه لا يقدر أن يحميه أحد, لأنه سلطان لا يجار عليه, و يذكر في ذلك حكايات كثيرة تتعلق به و بغيره من أبناء عصره, و كان إذا جرى ذكر الشيخ المترجم بحضرته يقول: ذلك الولي الذي لا يختلف فيه اثنان. و كان الفاضل العلامة الفقيه السيد ولد حماد يقول: كشف لي عن الملكوت فما رأيت في الأولياء الأحياء كالشيخ أحمد الطيب, و لا في الأموات كالشيخ إدريس ولد الأرباب, و كان يأمر تلامذته بزيارة الأستاذ المترجم و الأخذ عليه, فممن أخذ عليه منهم الفقيه محمد ولد الطيب ولد عبد المحمود المدفون بقبة الأستاذ المترجم, و مع أخذه عليه قد صاهره و كان صالحا مباركا مشهورا بذلك. و كان سيدي الوالد رضي الله عنه إذا ذكر الشيخ بين يديه يقول ذاك الذهب الإبريز. و كان العارف بالله الشيخ أحمد البصير بن عبد الرازق الحلاوى يذكر في بعض الأحايين في حلق الذكر باسم الأستاذ المترجم, قلت: و لا إنكار فيه فقد ورد أن الطيب من أسماء الله تعالى, و من المعلوم أن الولي لا يجهل, و إنما الأعمال بالنيات. و كان المذكور إذا أرسل لسيدي الشيخ رضي الله عنه هدية على دابة من الدواب ثم رجعت الدابة فإنه يقبلها تعظيما لمكانته و لكونها جاءت من عند الشيخ. و كان شيخنا العلامة الفقيه محمد ولد زروق رحمه الله تعالى يخدم في زرع له, و كان ذلك زمن قراءتي عليه فأردت أن أخدم معه فمنعني و قال لي: أخشى من خدمتكم معي إساءة الأدب مع سيدي الشيخ أحمد الطيب رضي الله, فكفاني منكم أن تسألوا الله سبحانه و تعالى لي حسن الخاتمة. و قد رأيت الفاضل الكامل الخليفة الماحي بن الجبارة رحمه الله يتواجد عند رؤيته لي و ربما ضمني لصدره و يقول: كل ما أنا فيه من الخير إنما حصل لي ببركة جدكم, و كثيرا ما كان يقدمني في عهد مرضه للصلاة حين أزوره على الحاضرين, و لو كانوا أكبر سنا و أكثر علما, مراعاة لمقام الأستاذ المترجم رضي الله عنه.
و كان العلامة الشيخ عبد الله الموارزى الشهير بأبي المعالي رضي الله عنه يقول: مررت بالمشرق و المغرب فما رأت عيني كرجلين, قيل له من هما؟ قال: أما بالمغرب فالأستاذ الشيخ أحمد الطيب بن البشير رضي الله عنه, و أما بالمشرق فالسيد أحمد بن إدريس قدس سره. و كان الشريف بلة ود رحمة الحسيني مع رفيع مقامه في الولاية لا يحب أن يذكر أحد من الأولياء بين يديه إلا سيدي الأستاذ المترجم, و يقول ذاك هو الرجل الذي تنمو بذكره القلوب, و تنكشف مدلهمات الكروب. و كان العارف الرباني سيدي الشيخ أبو الحسن ابن الشيخ محمد عبد الكريم السمان قدس سره يقول: قد تحقق لدينا الوارث لسر قطبانية سيدي الشيخ محمد السمان رضي الله عنه هو سيدي الشيخ أحمد الطيب قدس سره, قلت: و لذا انتمى إليه بأخذه الطريقة على تلميذه سيدي الشيخ حسيب بن إمام رحمه الله تعالى, فإجازة أولاده بالمدينة المنورة إلى يومنا هذا ناطقة بذلك. و كان العارف الشيخ حسيب المذكور كثيرا ما يتواجد عند سماعه لذكر الشيخ, و لما بلغته- وهو بمكة- وفاة الشيخ بكى بكاءا كثيرا, و قال: لا يوجد اليوم على ظهر الأرض أحد مثله يكون شيخا للحقيقة, و كان قد مدح الأستاذ المترجم-عند ملاقاته له و أخذه عنه الطريقة (بأم مرح)- بقصيدتين أحدهما ثمانمائة بيت, ذكر فيها العجب العجاب, من الكلام الذي يخلب العقول و يسحر الألباب. و قد وقفت عليهما و أحرزتهما عندي إلا أنهما أخذتهما يد الضياع عند قيام الثورة المهدية مع ما كان عندنا من نفائس الكتب, فمن وجدهما فليلحقهما بهذا الموضع من هذا الكتاب.
و كان القاضي أحمد ولد الكامل الحلاوى رحمه الله تعالى المدفون بمقبرة عالم المسلمى بالحلاوين يقول بعد أن اجتمع بسيدي الشيخ و أخذ عنه و سأله عن بعض المسائل العلمية: و الله لو اندرست المذاهب الأربعة لأحياها سيدي الشيخ رضي الله عنه من نفسه, و ذلك لسعة اطلاعه و طول باعه في المعارف. و كان الفقيه محمد ولد أبى سعيد يقول : لا يسلم علم الباطن و الحقيقة إلا لسيدي الشيخ رضي الله عنه و من عارضه فيه قصم ظهره, و إنما قال ذلك لمسألة كانت بينه و بين الفقيه أحمد ولد مرتضى الشقلاوى, و سيأتي الكلام على ذلك في فصل كلام الشيخ رضي الله عنه.
حدثني الشيخ محمد بن الإمام رحمه الله تعالى قال: سمعت العارف بالله تعالى الشيخ محمد التوم ولد بان النقا, قد بالغ يوما في ذكر الوليين الكاملين سيدي الشيخ موسى ولد يعقوب و الشيخ هجو ولد حماد, و ذكر ما لهما من الكرامات و المناقب, ثم قال: إن جميع ما ذكرته و ما لم أذكره من كراماتهما و مناقبهما فهو نقطة من كرامات سيدي الشيخ أحمد الطيب رضي الله عنه, قال و سمعته مرة يقول: ما طالت لحية إلا بصحبة سيدي الشيخ أحمد الطيب رضي الله عنه. فقال له رجل من الحاضرين: يا سيدي إن فلانا يعنى رجلا من مشاهير زمانه قد طال, و ما بلغنا أنه صحب سيدي الشيخ أحمد الطيب قدس سره, فقال: و الله لقد عثر و أمرني سيدي الشيخ بتولية أمره, و هو في بركة سيدي الشيخ رضي الله عنه. قال: و لما توفى هذا الرجل المذكور قدم إلى العزاء فيه سيدي الشيخ محمد التوم قدس سره من بلاده. و ذلك شاهد التولية, و لم يكن قبل ذلك بينه و بينهم عزاء و لا اتصال, و كان لما أراد الشيخ القدوم إلى العزاء قد منعه منه الشيخ عبد القادر ولد الشيخ الزين الموسابى اليعقوبابى فلم يقبل, و قال: لنا فيه نظر, و هو إشارة لما قدمناه آنفا.
و كان قاضى القضاة العلامة الشيخ أحمد السلاوى رحمه الله تعالى كثيرا ما يكثر الثناء على الأستاذ المترجم, و لعله سمع شيئا من مناقبه من شيخه العلامة الأمير عند قراءته عليه بالجامع الأزهر و من غيره من الفضلاء, أو لأمر رآه في نفسه من جهة الشيخ رضي الله عنه, و قد تمكنت منه محبته فصاهره و سمى باسمه أحد أولاده. و قد شوهدت لولده المسمى باسم سيدي الشيخ كرامات عديدة مشهورة من بين أهل الفضل. و كان العارف بالله تعالى الشيخ القرشي بن الزين رحمه الله تعالى يقول: كل ولى على قدم نبي و سيدي الشيخ على قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم. و كان يقول: كل ولى له حد مسمى في الإرشاد إلا سيدي الشيخ أحمد الطيب رضي الله عنه فإن إرشاده باق إلى يوم القيامة. قلت: و قد وافقه على ذلك جماعة من العارفين كالكامل السيد الحسن الميرغني و الشيخ إبراهيم الكباشى و غيرهما. و كان الولي الصالح الزاهد الفقيه الأمين ولد أم حقين إذا مدحه شخص يقول: له كف عنى فإن المدح إنما يليق بسيدي الشيخ أحمد الطيب قدس سره. و كان يقول: إذا اتصف أحد في عصرنا هذا بصفة كمال انفرد بها فإن لسيدي الشيخ أحمد الطيب تسعا و تسعين صفة لا يشاركه فيها أحد. و كان الشيخ محمد ولد مكي رحمه الله تعالى إذا نسبه أحد إلى جده الشيخ إدريس ولد الأرباب قدس سره بأن بركته منه يقول له: لا منة لأحد على إلا لسيدي الشيخ رضي الله عنه وحده.
و كان بعض المريدين من تلامذة الأستاذ المترجم يسمونه النور المجموع لشدة إشراق نور وجهه. و سمعت العارف الشيخ القرشي بن الزين رحمه الله تعالى يقول: لقد رأينا له ضياءا في الظلام يكاد القارئ أن يقرأ به ما شاء. و قد سأل رجل من ذرية سيدي الشيخ إدريس بن الأرباب قدس سره الشيخ إبراهيم الكباشى رحمه الله تعالى: هل أعظم مقام جدي الشيخ إدريس أم مقام الشيخ أحمد الطيب؟ فقال له: أعظم مقام سيدي الشيخ أحمد الطيب. و كنت وقتئذ حاضرا بالمجلس و لم يعرفني أحد من الحاضرين, فتغير خاطر ذلك الرجل و كان تلميذا له, فأراد رجوع الشيخ إبراهيم الكباشى عن كلامه بكلام ألقاه له فقال له: يا هذا إن هدير تيار بحر إرشاد سيدي الشيخ أحمد الطيب رضي الله عنه منعنا المنام, و هو شاهد قوى على أفضلية الأستاذ المترجم على غيره. و كان العارف بالله الشيخ محمد ولد بدر رحمه الله تعالى يقول: لولا قطب (أم مرح) ما صحا قلب مصلح, و له حكاية في ذلك سنذكرها إن شاء الله تعالى في فصل الإرشاد. و كان العلامة الفقيه مختار الشنقيطى رحمه الله تعالى إذا سمع شيئا من كلام سيدي الشيخ رضي الله عنه فإنه يبادر لنقله بيده و يقول للحاضرين: ألا تشمون رائحة الولاية! و كان الفاضل الصالح الشيخ محمد المقابلى رحمه الله تعالى إذا ذكر سيدي الشيخ في مجلسه هام و هاج و منع أن يذكر معه غيره إلى أن يختم المجلس, و لو كان الغير أبا يزيد كما نقل ذلك عنه.
حدثني الكامل الفاضل الصالح السيد المكي ابن العارف الهمام السيد إسماعيل الولي ابن السيد عبد الله الكردفانى قدس سره, قال: قال لي والدي: لولا أن تداركني سيدي الشيخ أحمد الطيب رضي الله عنه عندما فتح على, و وضع يده على صدري لأخذني الفتح, و هو له على أعظم منة. قلت: و قد زار السيد المذكور الأستاذ المترجم عند قفوله من الحج (بأم مرح), و رأيت ولده و خليفته الفاضل السيد المكي يرسل بعض أزواجه إلى زيارة ضريحه لطلب الذرية في عهد إقامته (بأم درمان) إحياءا للود القديم, و اعترافا بما حصل لوالده من الأستاذ المترجم من الإغاثة و الإمداد, و كان السيد إسماعيل الولي المذكور يقول: لما فتح على و أطلعني الله على من في الديوان, ما رأيت أحدا عليه هيبة و وقار و بهجة كسيدي الشيخ أحمد الطيب رضي الله عنه, قال و قد رأيته في الحضرة و هو النائب عن رسول الله صلى الله عليه و سلم, و سمعت أهل الديوان لا يلوذون إلا به, و الهواتف لا تهتف إلا بإسمه. و كان الرجل الصالح الفقيه الإمام ولد دوليب رحمه الله تعالى يقول: لما فتح على و دخلت ديوان أهل الله تعالى سألت عن القطب الغوث فقيل لي: صاحب العنق الطويل, و هو الذي بين يدي رسول الله صلى الله عليه و سلم, يعنون بذلك سيدي الشيخ رضي الله عنه. و كان العطا المجذوب العقيلى رحمه الله تعالى يقول: ما سمعت و لا رأيت وليا يمازح أصحابه بسر الله كسيدي الشيخ رضي الله عنه فرأيته يعطيه لمن طلبه في الحال, و إذا ضاق صدره منه أخذه عنه.
حدثني الفقيه محمد ولد البشير السرورابى رحمه الله قال: كان الشريف محمد الهاشمي كثيرا ما يمر علينا, و قد تزوج هناك في السروراب بدار الجلال بنت الحاج عبد الوهاب ولد محمد تلميذ الشيخ البحيرابى, و إذا مر في بعض الأحيان بطريق قبة الشيخ لم يزره كعادة غيره, فسألته يوما على عدم زيارته, فقال لي: رأيت في القبة نسوة و لم أستطع الزيارة مع وجودهن هنا, فنام عندي بالشرق من الثمانيات, فانتبه من نومته عجلا و قال: بادر بنا إلى المركب لزيارة سيدي الشيخ, فقلت له: ما حصل لك؟ فقال: قد دخلت الآن الديوان, رأيت النبي صلى الله عليه و سلم و الأولياء حوله, و سيدي الشيخ أحمد الطيب وهو أكبر من حوله, و هو الغوث و الفرد و القطب, فلما أردت الوصول إلى النبي صلى الله عليه و سلم, أمرني ألا أقدم عليه إلا من بعد وصولي إلى الشيخ رضي الله عنه,
فبادرت معه إلى البحر إلى أن خرجنا, و زار سيدي الشيخ و اعتقده اعتقادا كاملا, و أكثر من زيارته إلى أن مات رحمه الله بالدامر و دفن به.
و سمعت الكامل الصالح الشيخ حمد النيل ابن الشيخ أحمد الريح رحمه الله تعالى يكثر من الثناء على الشيخ كثيرا. و عندما كنا نحن و هو في سجن الخليفة عبد الله بن محمد خليفة المهدي قال لي: لا يخرجنا من هذا السجن إلا سيدي الشيخ أحمد الطيب رضي الله عنه, و قد رآه أحد أتباعي البارحة أمام منزلي بأم درمان, و هو يريد إخراجنا منه, فلا بد من خروجنا منه. و قد سرت محبته بذلك فينا إلى أن سمى علينا مولودا ولد له مدة إقامته بأم درمان, و قد توفى ذلك المولود بأم درمان.
و كان الفاضل الكامل الزاهد الشيخ محمد ولد يونس خليفة الشيخ دفع الله رحمه الله تعالى يبالغ في ذكر الشيخ و الثناء عليه. و سمعت العالم العلامة الشيخ الحسين لد الفقيه إبراهيم زهراء رحمه الله يقول: لما توجهت إلى الحج زرت ضريح سيدي الشيخ رضي الله عنه, فحصل لي أنس عظيم, و صرت أبكى إلى أن فاتتنى رفقتي. وكان السيد العظيم و الشريف الفخيم الشريف محمد الأمين الهندي قدس سره يقول: الشيخ أحمد الطيب هو عماد الأولياء و محل إمداداتهم, و قد أردت الانتظام في سلكه على يد وارثه العارف بالله الشيخ محمد التوم ولد بان النقا في عهد قراءتي العلم بسنار على شيخنا الفقيه النذير, إلا أن المذكور قد منعني من ذلك, و إني إلى اليوم غير راض عنه. و كان العلامة الصالح الفقيه محمد ولد الفقيه إدريس الشهير بولد دوليب إذا ذكر الشيخ رضي الله عنه في مجلسه يكثر من التواجد و الثناء عليه جدا و ربما قطع الدرس التذاذا بسيرته.
و كان الأستاذ العارف بالله سيدي الشيخ محمد أبو الحسن السمان قدس سره يقول: من أراد الوصول فعليه بطيب الأصول. و كان الشيخ عبد الباقي ابن الشيخ عبد القادر البطحانى يقول: اللهم انفعنا بأربعة من الموسومين من الأولياء بأحمد, و انفع بالباقين أهليهم. قيل له من هم؟ قال: أحمد الرفاعى, و أحمد البدوي, و أحمد زروق, و أحمد الطيب رضوان الله عليهم أجمعين, و غير ذلك من ثناء العارفين.
ما فيه عيب غير أن ضياءه***** حسدته شمس الأفق عند طلوعها
و علاه ذكر النور لما قد علا*****في الحضرة العلياء بين جموعها
الطيب المختار من أزل لنشر***** أصول طرق الأوليا و فروعها
من كتاب
(أزاهير الرياض)
في مناقب شمس العرفان, و قطب الزمان, وارث القدم المحمدي, و السر الأحمدي, تاج العارفين, و عمدة المقربين, شيخ الطريقة و الحقيقة, سيدي الشيخ أحمد الطيب (1155-1239هـ) بن البشير أمدنا الله بوابل فيضه الغزير.
تأليف:
وارثه و حفيده ,خاتمة المحققين, و خلاصة الأكابر العارفين, الجامع بين الشريعة و الحقيقة, المجدد لآثار الطريقة, سيدي الأستاذ الشيخ عبد المحمود (1261-1333هـ) ابن الأستاذ نور الدائم ابن الشيخ أحمد الطيب بن البشير, الطيبى السمانى, نفعنا الله به و بعلومه آمين.
فصل (في ثناء العارفين عليه و الصالحين و العلماء من أهل بلاده و غيرهم من قبل زمانه وفى زمانه ومن بعده)
إعلم أن الشيخ رضي الله عنه لما ظهرت للناس شموس علاه, و سرى في قلوب العالمين حبه و هواه, و فاض من رياض عرفانه في بقاع الأرض شذاه, و صار فريدا تهرع إليه الفحول, و تضرب إليه أكباد الإبل من الجهات لأخذ الطريقة و الوصول.
قد أعلن بالثناء عليه ما سنذكرهم من الأعيان و الأولياء أهل الشأن, فمن ذلك ما روى عن الولي الرباني الشيخ حمد المكاشفى البتلابى رحمه الله تعالى عند اجتماع مولانا البشير بن مالك به بالكندفيرة, و قصة الرؤيا التي رآها و جوابه له بقوله: يخرج منك ولد تكتحل به بصائر جميع أهل الجهات كما تقدم لك بيانه. و من ذلك قول القطب الغوث سيدي الشيخ محمد السمان رضي الله تعالى عنه: على رأس السبعين من عمرك ستصير قدمك على رقبة كل ولى لله تعالى, و من ذلك قول العلامة الأمير المصري رحمه الله تعالى لمن سأله عن مقام الشيخ المترجم و عن علمه و معارفه: إن ما بين علمكم و علمه كما بين السماء و الأرض.
أخبرني محمد بن البشير السرورابى عن شيخه الشيخ الطريفى ابن الشيخ يوسف العركى رحمه الله تعالى, قال: سمعت والدي كثيرا ما يقول: ما أبدت الأيام كالشيخ أحمد الطيب, و قد نهانا رسول الله صلى الله عليه و سلم عن إساءة الأدب معه, فمن أساء معه الأدب لم يفلح أبدا. و أخبرني أيضا بعض من التقى به أن بعضا من العركيين عتب على رجل منهم لأجل أخذه الطريقة على الأستاذ المترجم, و كان ذلك بحضرة الشيخ يوسف قدس سره, فقال لهم: أما الشيخ يوسف هذا فلا إنكار في ولايته, و أما سيدي الشيخ أحمد الطيب فبحر لا ساحل له, فضحك عند ذلك الشيخ يوسف, و قال: صدقت ثلاثا.
و كان العلامة الشيخ أحمد ولد عيسى الأنصاري رحمه الله تعالى كثيرا ما يرسل بعض تلامذته لأخذ الطريقة عليه و الانتظام في سلكه, و ممن أرسله إليه و أخذ طريقته و انتفع بها الشيخ محمد ولد على ولد غلام الله الركابى, و الفقيه النخلي ولد مكي, و الفقيه بدوى ولد أبى صفية, و الفقيه خوجلى ولد حتيك, و العلامة محمد الأزرق, و الفقيه أحمد ولد الشيخ ولد عبد الدافع الحميدانى, و الفقيه إبراهيم المفتى و لكن بمكاتبة, و غيرهم. و قد أرسل الأستاذ المترجم قدس سره كتاب حكمه إلى الفقيه أحمد ولد عيسى المذكور, فلما قرأ منه هذه الحكمة, و هي قوله: (أول المقامات في طريق أهل الله: التوبة لله, و التزام طاعة الله بخوف الله, و الصبر على مراد الله, و الزهد فيما سوى الله) قال: لله در الشيخ من إمام عارف, كنا نظن قبل هذا أن الزهد انتهاء المقامات. ثم كتب على ظهر كتاب الشيخ كتابا و أرسله إليه, و قال فيه من بعد كلام مضمونه الثناء على كتاب الحكم: إنه جمع فأوعى.
و كان القطب النفيس, السيد أحمد بن إدريس قدس سره يقول: من منة الله تعالى على وليه الشيخ أحمد الطيب رضي الله عنه, أنه منذ فتح عليه ما تخلف عن الصلاة خلف رسول الله صلى الله عليه و سلم, لا حيا و لا ميتا. و كان يقول إنه من الأفراد. و كان العارف بالله تعالى السيد محمد عثمان الميرغني قدس سره, يقول: ما اشتمل هذا الزمان على أعف و لا أزهد و لا أرشد و لا أمينا على الأسرار كالشيخ أحمد الطيب رضي الله عنه. و كان يقول: لا أود اليوم شيئا مثل أن يأمر النبي صلى الله عليه و سلم الأستاذ الشيخ أحمد الطيب بالإفاضة على الكون, إذ لو أمره و أفاض عليه لملأه بالأسرار حتى ذراته. و سأله بعض تلامذته عن مقام سيدي الأستاذ المترجم قدس سره, فقال أما سابقا فقد رأيته في الحضرة كبير الأوتاد, و أما الآن فلا يعلم مقامه إلا الله تعالى. و أخبرني ذلك السائل, و هو الخليفة الجز ولى بن إدريس الجعلى: أنه مدح سيدي الشيخ أحمد الطيب رضي الله عنه بقصيدة في عهد شيخه المذكور نظير ما كان يسمعه منه من حميد الثناء على الأستاذ المترجم. منها قوله:
أيا طيب الأخلاق بل أنت طيب***** بطيبك طاب الروح و العقل والجسد
و كان العارف بالله تعالى السيد الحسن الميرغني رضي الله عنه يقول في حق الشيخ المترجم: لا يوجد اليوم على ظهر البسيطة و لا باطنها في كافة القطر السوداني مثله, و لا أمثل إرشاده إلا بإرشاد سيدي الشيخ عبد القادر الجيلانى رضي الله عنه. و أخبرني تلميذه محمد ولد عمر الرفاعى, سمعته يقول: لما زرت سيدي الشيخ رضي الله عنه وجدت عند ضريحه ملائكة لا يحصون عددا. و أخبرني أيضا تلميذه عبد القادر ولد السيد الدولابى قال: لما زرت معه سيدي الشيخ رضي الله عنه بكى عند ضريحه بكاءا كثيرا, و أيضا تلامذته. ثم خرج من القبة و خرجنا خلفه, فلما جلس في ظل الجامع سألناه عن سبب البكاء الذي لم نعهده من أنفسنا قبل اليوم, فقال: لما دخلنا لزيارة الشيخ رضي الله عنه وجدنا عنده رسول الله صلى الله عليه و سلم فنظر إليكم بعين الرحمة. و أخبرني أيضا تلميذه الفقيه مدني ولد عبد الصادق الهوارى قال: رأيت سيدي الحسن الميرغني قدس سره عندما زرت معه مرة سيدي الأستاذ الشيخ أحمد الطيب رضي الله عنه, قابضا بيديه على صدره أمام ضريح الشيخ و يبكى و يقول بأعلى صوته: مدد يا أستاذ. و حكي الرجل الصالح الفقيه المصطفى ابن الفقيه الأمين وقوع مثل ذلك منه.
و كان سيدي الحسن قدس سره يكثر من زيارة الشيخ و الثناء عليه و التأدب عند ضريحه, و يعزى نفسه إليه في الطريقة السمانية, و ذلك لأنه أخذها على مولانا العارف بالله تعالى الشيخ حسيب بن إمام المغربي تلميذ الأستاذ المترجم, كما هو مذكور في مناقب الفرد السيد الحسن المذكور, و قد رأيته سنة ألف و مائتين و سبع و سبعين و هو يكثر من ذكر الأستاذ المترجم, ثم قال: ذلك هو الرجل الذي واجه الحضرة و واجهته, و قد سمعته أمر بنقل راتب الطريقة السمانية فنقل إليه و وضعه في جيبه, و ما زالت السادة المراغنة رضوان الله عليهم و أتباعهم يميلون إلى محبة الأستاذ المترجم, و يكثرون من زيارته و محبته و الثناء عليه دون غيره من الأولياء الذين ببلادنا.
و كان الولي الكامل المحبوب, سيدي الشيخ محمد بن قمر الدين الشهير بالمجذوب يقول: من أراد أن ينظر إلى أخلاق رسول الله صلى الله عليه و سلم فلينظر إلى أخلاق الأستاذ الشيخ أحمد الطيب رضي الله عنه. و قد حكي بهلول أحمد فضل الله المشهور بشجر الخيري قال: نزل عندنا الهمام الفرد السيد الحسن الميرغني قدس سره بكرري, فبالغ يوما فى ذكر سيدي الشيخ أحمد الطيب رضي الله عنه بالثناء عليه, فقلت له: يا سيدي قد ألحقته بسيدي الشيخ عبد القادر الجيلاني رضي الله عنه, فقال ليس ذلك بأزيد منه. قلت: أراد بذلك أن كلا منهما كان قطبا غوثا, و إن اختلفت الآيات و الأحوال و الخوارق. و قد أخبرني أيضا من أثق به من أهل الفضل قال كنت مع العارف المذكور ببحر أتبرة فقرأت بين يديه (فتوحات) الشيخ محي الدين بن عربي فتعجب الحاضرون من علو نفس الشيخ و زيادة رتبته في المعارف, فقال السيد المذكور للحاضرين: عندنا شيخ ليس ابن عربي هذا بأكمل منه فقالوا: من هو؟ قال: الأستاذ الشيخ أحمد الطيب قدس سره. و كان ولده الكامل السيد محمد عثمان رضي الله عنه إذا مر بالشرق عند سفره إلى جهة السافل و حاذى قبة الأستاذ المترجم فإنه ينزل عن ظهر دابته و يأمر بإنزال حمالته, و يستقبل القبلة إلى أن يأخذ برهة من الزمن ثم يرتحل.
و كان الولي الكامل الفقيه عبد الله ود الرواج يسميه الإكسير, و يأمر تلامذته بالأخذ عنه, فممن أخذ عليه الطريقة منهم محمد ولد خالد الرفاعي المشهور, و لكن أخذه لها كان في حال صغره عند مرور الأستاذ المترجم إلى مدينة سنار, و ذلك بقندال الغابة المعروفة. و كان الولي الصالح الزاهد الفقيه الأمين ولد محمدين دفين أبى عشر رحمه الله تعالى قد سمع رجلا بحضرته يقول: زيارة سيدي الشيخ أحمد الطيب رضي الله عنه الحج الأصغر, فقال له ليس كما قلت, بل زيارته الحج الأكبر, هكذا سمعته من شيخنا رحمه الله تعالى. و كان الشيخ عوض الجيد ولد أبى الحسن الخالدى رحمه الله يقول: لا يوجد اليوم رجل عنده سر الله الخالص كالشيخ أحمد الطيب رضي الله عنه, فقيل له: هل رأيته؟ قال نعم, لقيته مرة على الطريق و هو راكب على فرس و أنا على حمار فعرفني و عرفته, فنزلت لزيارته و قبلت يده و هو على فرسه كحالته, و سنه قريب من سني أو سني قريب منه, قلت: و معنى قوله لا يوجد اليوم إلخ. يريد بذلك عدم التفات قلب الشيخ إلى شئ من الأكوان. و كان العارف بالله الشيخ إبراهيم الرشيد قدس سره يقول: كل أولياء السودان بالنسبة إلى الأستاذ الشيخ أحمد الطيب رضي الله عنه مريدون, و قد زار ضريحه عام ألف و مائتين و تسعة و ستين من الهجرة فوجد منه مددا و فيضا و رشدا. وكان العالم العلامة أحمد ولد كنان رحمه الله تعالى مع صلابته في الدين و انتقاده على كثير من المتصوفة يقول: ما رأت عيني وليا على موافقة الشرع و الزهد و حسن الإقبال على الله تعالى و صدق الإخبار بالغيب كالشيخ أحمد الطيب رضي الله, و كان يقول: لا يجوز لأحد أن يأخذ الطريقة إلا عليه, لذا لما جاء الفاضل الشيخ محمد النور ولد عربي من زيارة سيدي الشيخ المترجم وكان ذلك سنة ألف و مائتين و سبع و سبعين من الهجرة و نزل على الفقيه المذكور أكرمه غاية الإكرام, و طلب منه المؤاخاة ثم قال له: لولا عزوك في الطريق إلى الأستاذ الشيخ أحمد الطيب لما آخيتك, و إنما طلبتها منك لتشملني بركته بواسطة مؤاخاتي لك, و كان الفقيه المذكور يقول: و الله ما ترك سيدي الشيخ أحمد الطيب رضي الله في الولاية لأحد شبرا, و ما رأيته قط إلا و ازداد حبه في قلبي و كنت سابقا قبل رؤيتي له منكرا فيه, فلما رأيته أبدل ذلك الإنكار حبا, و الحمد لله على ذلك. و كان يقول: الأولياء يجيرون و يحمون كل من
استجار بهم إلا من قصده سيدي الشيخ أحمد الطيب رضي الله فإنه لا يقدر أن يحميه أحد, لأنه سلطان لا يجار عليه, و يذكر في ذلك حكايات كثيرة تتعلق به و بغيره من أبناء عصره, و كان إذا جرى ذكر الشيخ المترجم بحضرته يقول: ذلك الولي الذي لا يختلف فيه اثنان. و كان الفاضل العلامة الفقيه السيد ولد حماد يقول: كشف لي عن الملكوت فما رأيت في الأولياء الأحياء كالشيخ أحمد الطيب, و لا في الأموات كالشيخ إدريس ولد الأرباب, و كان يأمر تلامذته بزيارة الأستاذ المترجم و الأخذ عليه, فممن أخذ عليه منهم الفقيه محمد ولد الطيب ولد عبد المحمود المدفون بقبة الأستاذ المترجم, و مع أخذه عليه قد صاهره و كان صالحا مباركا مشهورا بذلك. و كان سيدي الوالد رضي الله عنه إذا ذكر الشيخ بين يديه يقول ذاك الذهب الإبريز. و كان العارف بالله الشيخ أحمد البصير بن عبد الرازق الحلاوى يذكر في بعض الأحايين في حلق الذكر باسم الأستاذ المترجم, قلت: و لا إنكار فيه فقد ورد أن الطيب من أسماء الله تعالى, و من المعلوم أن الولي لا يجهل, و إنما الأعمال بالنيات. و كان المذكور إذا أرسل لسيدي الشيخ رضي الله عنه هدية على دابة من الدواب ثم رجعت الدابة فإنه يقبلها تعظيما لمكانته و لكونها جاءت من عند الشيخ. و كان شيخنا العلامة الفقيه محمد ولد زروق رحمه الله تعالى يخدم في زرع له, و كان ذلك زمن قراءتي عليه فأردت أن أخدم معه فمنعني و قال لي: أخشى من خدمتكم معي إساءة الأدب مع سيدي الشيخ أحمد الطيب رضي الله, فكفاني منكم أن تسألوا الله سبحانه و تعالى لي حسن الخاتمة. و قد رأيت الفاضل الكامل الخليفة الماحي بن الجبارة رحمه الله يتواجد عند رؤيته لي و ربما ضمني لصدره و يقول: كل ما أنا فيه من الخير إنما حصل لي ببركة جدكم, و كثيرا ما كان يقدمني في عهد مرضه للصلاة حين أزوره على الحاضرين, و لو كانوا أكبر سنا و أكثر علما, مراعاة لمقام الأستاذ المترجم رضي الله عنه.
و كان العلامة الشيخ عبد الله الموارزى الشهير بأبي المعالي رضي الله عنه يقول: مررت بالمشرق و المغرب فما رأت عيني كرجلين, قيل له من هما؟ قال: أما بالمغرب فالأستاذ الشيخ أحمد الطيب بن البشير رضي الله عنه, و أما بالمشرق فالسيد أحمد بن إدريس قدس سره. و كان الشريف بلة ود رحمة الحسيني مع رفيع مقامه في الولاية لا يحب أن يذكر أحد من الأولياء بين يديه إلا سيدي الأستاذ المترجم, و يقول ذاك هو الرجل الذي تنمو بذكره القلوب, و تنكشف مدلهمات الكروب. و كان العارف الرباني سيدي الشيخ أبو الحسن ابن الشيخ محمد عبد الكريم السمان قدس سره يقول: قد تحقق لدينا الوارث لسر قطبانية سيدي الشيخ محمد السمان رضي الله عنه هو سيدي الشيخ أحمد الطيب قدس سره, قلت: و لذا انتمى إليه بأخذه الطريقة على تلميذه سيدي الشيخ حسيب بن إمام رحمه الله تعالى, فإجازة أولاده بالمدينة المنورة إلى يومنا هذا ناطقة بذلك. و كان العارف الشيخ حسيب المذكور كثيرا ما يتواجد عند سماعه لذكر الشيخ, و لما بلغته- وهو بمكة- وفاة الشيخ بكى بكاءا كثيرا, و قال: لا يوجد اليوم على ظهر الأرض أحد مثله يكون شيخا للحقيقة, و كان قد مدح الأستاذ المترجم-عند ملاقاته له و أخذه عنه الطريقة (بأم مرح)- بقصيدتين أحدهما ثمانمائة بيت, ذكر فيها العجب العجاب, من الكلام الذي يخلب العقول و يسحر الألباب. و قد وقفت عليهما و أحرزتهما عندي إلا أنهما أخذتهما يد الضياع عند قيام الثورة المهدية مع ما كان عندنا من نفائس الكتب, فمن وجدهما فليلحقهما بهذا الموضع من هذا الكتاب.
و كان القاضي أحمد ولد الكامل الحلاوى رحمه الله تعالى المدفون بمقبرة عالم المسلمى بالحلاوين يقول بعد أن اجتمع بسيدي الشيخ و أخذ عنه و سأله عن بعض المسائل العلمية: و الله لو اندرست المذاهب الأربعة لأحياها سيدي الشيخ رضي الله عنه من نفسه, و ذلك لسعة اطلاعه و طول باعه في المعارف. و كان الفقيه محمد ولد أبى سعيد يقول : لا يسلم علم الباطن و الحقيقة إلا لسيدي الشيخ رضي الله عنه و من عارضه فيه قصم ظهره, و إنما قال ذلك لمسألة كانت بينه و بين الفقيه أحمد ولد مرتضى الشقلاوى, و سيأتي الكلام على ذلك في فصل كلام الشيخ رضي الله عنه.
حدثني الشيخ محمد بن الإمام رحمه الله تعالى قال: سمعت العارف بالله تعالى الشيخ محمد التوم ولد بان النقا, قد بالغ يوما في ذكر الوليين الكاملين سيدي الشيخ موسى ولد يعقوب و الشيخ هجو ولد حماد, و ذكر ما لهما من الكرامات و المناقب, ثم قال: إن جميع ما ذكرته و ما لم أذكره من كراماتهما و مناقبهما فهو نقطة من كرامات سيدي الشيخ أحمد الطيب رضي الله عنه, قال و سمعته مرة يقول: ما طالت لحية إلا بصحبة سيدي الشيخ أحمد الطيب رضي الله عنه. فقال له رجل من الحاضرين: يا سيدي إن فلانا يعنى رجلا من مشاهير زمانه قد طال, و ما بلغنا أنه صحب سيدي الشيخ أحمد الطيب قدس سره, فقال: و الله لقد عثر و أمرني سيدي الشيخ بتولية أمره, و هو في بركة سيدي الشيخ رضي الله عنه. قال: و لما توفى هذا الرجل المذكور قدم إلى العزاء فيه سيدي الشيخ محمد التوم قدس سره من بلاده. و ذلك شاهد التولية, و لم يكن قبل ذلك بينه و بينهم عزاء و لا اتصال, و كان لما أراد الشيخ القدوم إلى العزاء قد منعه منه الشيخ عبد القادر ولد الشيخ الزين الموسابى اليعقوبابى فلم يقبل, و قال: لنا فيه نظر, و هو إشارة لما قدمناه آنفا.
و كان قاضى القضاة العلامة الشيخ أحمد السلاوى رحمه الله تعالى كثيرا ما يكثر الثناء على الأستاذ المترجم, و لعله سمع شيئا من مناقبه من شيخه العلامة الأمير عند قراءته عليه بالجامع الأزهر و من غيره من الفضلاء, أو لأمر رآه في نفسه من جهة الشيخ رضي الله عنه, و قد تمكنت منه محبته فصاهره و سمى باسمه أحد أولاده. و قد شوهدت لولده المسمى باسم سيدي الشيخ كرامات عديدة مشهورة من بين أهل الفضل. و كان العارف بالله تعالى الشيخ القرشي بن الزين رحمه الله تعالى يقول: كل ولى على قدم نبي و سيدي الشيخ على قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم. و كان يقول: كل ولى له حد مسمى في الإرشاد إلا سيدي الشيخ أحمد الطيب رضي الله عنه فإن إرشاده باق إلى يوم القيامة. قلت: و قد وافقه على ذلك جماعة من العارفين كالكامل السيد الحسن الميرغني و الشيخ إبراهيم الكباشى و غيرهما. و كان الولي الصالح الزاهد الفقيه الأمين ولد أم حقين إذا مدحه شخص يقول: له كف عنى فإن المدح إنما يليق بسيدي الشيخ أحمد الطيب قدس سره. و كان يقول: إذا اتصف أحد في عصرنا هذا بصفة كمال انفرد بها فإن لسيدي الشيخ أحمد الطيب تسعا و تسعين صفة لا يشاركه فيها أحد. و كان الشيخ محمد ولد مكي رحمه الله تعالى إذا نسبه أحد إلى جده الشيخ إدريس ولد الأرباب قدس سره بأن بركته منه يقول له: لا منة لأحد على إلا لسيدي الشيخ رضي الله عنه وحده.
و كان بعض المريدين من تلامذة الأستاذ المترجم يسمونه النور المجموع لشدة إشراق نور وجهه. و سمعت العارف الشيخ القرشي بن الزين رحمه الله تعالى يقول: لقد رأينا له ضياءا في الظلام يكاد القارئ أن يقرأ به ما شاء. و قد سأل رجل من ذرية سيدي الشيخ إدريس بن الأرباب قدس سره الشيخ إبراهيم الكباشى رحمه الله تعالى: هل أعظم مقام جدي الشيخ إدريس أم مقام الشيخ أحمد الطيب؟ فقال له: أعظم مقام سيدي الشيخ أحمد الطيب. و كنت وقتئذ حاضرا بالمجلس و لم يعرفني أحد من الحاضرين, فتغير خاطر ذلك الرجل و كان تلميذا له, فأراد رجوع الشيخ إبراهيم الكباشى عن كلامه بكلام ألقاه له فقال له: يا هذا إن هدير تيار بحر إرشاد سيدي الشيخ أحمد الطيب رضي الله عنه منعنا المنام, و هو شاهد قوى على أفضلية الأستاذ المترجم على غيره. و كان العارف بالله الشيخ محمد ولد بدر رحمه الله تعالى يقول: لولا قطب (أم مرح) ما صحا قلب مصلح, و له حكاية في ذلك سنذكرها إن شاء الله تعالى في فصل الإرشاد. و كان العلامة الفقيه مختار الشنقيطى رحمه الله تعالى إذا سمع شيئا من كلام سيدي الشيخ رضي الله عنه فإنه يبادر لنقله بيده و يقول للحاضرين: ألا تشمون رائحة الولاية! و كان الفاضل الصالح الشيخ محمد المقابلى رحمه الله تعالى إذا ذكر سيدي الشيخ في مجلسه هام و هاج و منع أن يذكر معه غيره إلى أن يختم المجلس, و لو كان الغير أبا يزيد كما نقل ذلك عنه.
حدثني الكامل الفاضل الصالح السيد المكي ابن العارف الهمام السيد إسماعيل الولي ابن السيد عبد الله الكردفانى قدس سره, قال: قال لي والدي: لولا أن تداركني سيدي الشيخ أحمد الطيب رضي الله عنه عندما فتح على, و وضع يده على صدري لأخذني الفتح, و هو له على أعظم منة. قلت: و قد زار السيد المذكور الأستاذ المترجم عند قفوله من الحج (بأم مرح), و رأيت ولده و خليفته الفاضل السيد المكي يرسل بعض أزواجه إلى زيارة ضريحه لطلب الذرية في عهد إقامته (بأم درمان) إحياءا للود القديم, و اعترافا بما حصل لوالده من الأستاذ المترجم من الإغاثة و الإمداد, و كان السيد إسماعيل الولي المذكور يقول: لما فتح على و أطلعني الله على من في الديوان, ما رأيت أحدا عليه هيبة و وقار و بهجة كسيدي الشيخ أحمد الطيب رضي الله عنه, قال و قد رأيته في الحضرة و هو النائب عن رسول الله صلى الله عليه و سلم, و سمعت أهل الديوان لا يلوذون إلا به, و الهواتف لا تهتف إلا بإسمه. و كان الرجل الصالح الفقيه الإمام ولد دوليب رحمه الله تعالى يقول: لما فتح على و دخلت ديوان أهل الله تعالى سألت عن القطب الغوث فقيل لي: صاحب العنق الطويل, و هو الذي بين يدي رسول الله صلى الله عليه و سلم, يعنون بذلك سيدي الشيخ رضي الله عنه. و كان العطا المجذوب العقيلى رحمه الله تعالى يقول: ما سمعت و لا رأيت وليا يمازح أصحابه بسر الله كسيدي الشيخ رضي الله عنه فرأيته يعطيه لمن طلبه في الحال, و إذا ضاق صدره منه أخذه عنه.
حدثني الفقيه محمد ولد البشير السرورابى رحمه الله قال: كان الشريف محمد الهاشمي كثيرا ما يمر علينا, و قد تزوج هناك في السروراب بدار الجلال بنت الحاج عبد الوهاب ولد محمد تلميذ الشيخ البحيرابى, و إذا مر في بعض الأحيان بطريق قبة الشيخ لم يزره كعادة غيره, فسألته يوما على عدم زيارته, فقال لي: رأيت في القبة نسوة و لم أستطع الزيارة مع وجودهن هنا, فنام عندي بالشرق من الثمانيات, فانتبه من نومته عجلا و قال: بادر بنا إلى المركب لزيارة سيدي الشيخ, فقلت له: ما حصل لك؟ فقال: قد دخلت الآن الديوان, رأيت النبي صلى الله عليه و سلم و الأولياء حوله, و سيدي الشيخ أحمد الطيب وهو أكبر من حوله, و هو الغوث و الفرد و القطب, فلما أردت الوصول إلى النبي صلى الله عليه و سلم, أمرني ألا أقدم عليه إلا من بعد وصولي إلى الشيخ رضي الله عنه,
فبادرت معه إلى البحر إلى أن خرجنا, و زار سيدي الشيخ و اعتقده اعتقادا كاملا, و أكثر من زيارته إلى أن مات رحمه الله بالدامر و دفن به.
و سمعت الكامل الصالح الشيخ حمد النيل ابن الشيخ أحمد الريح رحمه الله تعالى يكثر من الثناء على الشيخ كثيرا. و عندما كنا نحن و هو في سجن الخليفة عبد الله بن محمد خليفة المهدي قال لي: لا يخرجنا من هذا السجن إلا سيدي الشيخ أحمد الطيب رضي الله عنه, و قد رآه أحد أتباعي البارحة أمام منزلي بأم درمان, و هو يريد إخراجنا منه, فلا بد من خروجنا منه. و قد سرت محبته بذلك فينا إلى أن سمى علينا مولودا ولد له مدة إقامته بأم درمان, و قد توفى ذلك المولود بأم درمان.
و كان الفاضل الكامل الزاهد الشيخ محمد ولد يونس خليفة الشيخ دفع الله رحمه الله تعالى يبالغ في ذكر الشيخ و الثناء عليه. و سمعت العالم العلامة الشيخ الحسين لد الفقيه إبراهيم زهراء رحمه الله يقول: لما توجهت إلى الحج زرت ضريح سيدي الشيخ رضي الله عنه, فحصل لي أنس عظيم, و صرت أبكى إلى أن فاتتنى رفقتي. وكان السيد العظيم و الشريف الفخيم الشريف محمد الأمين الهندي قدس سره يقول: الشيخ أحمد الطيب هو عماد الأولياء و محل إمداداتهم, و قد أردت الانتظام في سلكه على يد وارثه العارف بالله الشيخ محمد التوم ولد بان النقا في عهد قراءتي العلم بسنار على شيخنا الفقيه النذير, إلا أن المذكور قد منعني من ذلك, و إني إلى اليوم غير راض عنه. و كان العلامة الصالح الفقيه محمد ولد الفقيه إدريس الشهير بولد دوليب إذا ذكر الشيخ رضي الله عنه في مجلسه يكثر من التواجد و الثناء عليه جدا و ربما قطع الدرس التذاذا بسيرته.
و كان الأستاذ العارف بالله سيدي الشيخ محمد أبو الحسن السمان قدس سره يقول: من أراد الوصول فعليه بطيب الأصول. و كان الشيخ عبد الباقي ابن الشيخ عبد القادر البطحانى يقول: اللهم انفعنا بأربعة من الموسومين من الأولياء بأحمد, و انفع بالباقين أهليهم. قيل له من هم؟ قال: أحمد الرفاعى, و أحمد البدوي, و أحمد زروق, و أحمد الطيب رضوان الله عليهم أجمعين, و غير ذلك من ثناء العارفين.
ما فيه عيب غير أن ضياءه***** حسدته شمس الأفق عند طلوعها
و علاه ذكر النور لما قد علا*****في الحضرة العلياء بين جموعها
الطيب المختار من أزل لنشر***** أصول طرق الأوليا و فروعها
أزهرى الحاج البشير- مشرف عام
رد: أسعد الطيب العبّـاسي في ذكرى رحيل والده الشاعر الراحل
كيف لا أتذكره ومعه ديوان العباسي مهداة للوالد وبخط والدنا الشيخ محمد سعيد العباسي وصورة فوتغرافية للعباسي مهداة بخط يده وبروزها عبدالرازق الحاج وكانت بجانب صورة الزعيم اسماعيل الأزهري ومع الكتب شرح الجلالين ودوريات كثيرة من لواء الاسلام وهنا لندن بصورة الساعة بيج بن الشابة بأعنتها
خدورة أم بشق- مشرف منتدى الشعر
رد: أسعد الطيب العبّـاسي في ذكرى رحيل والده الشاعر الراحل
ولواء الإسلام وطريق الحق وفقه السنة في أجزاء وروايات الهلال ودورية أخري .. الأغاني لأبو الفرج الأصفهاني كانت تأتي في شكل مجلات ... كان الوقت فيه بركة ومتسع للقراءة
أزهرى الحاج البشير- مشرف عام
مواضيع مماثلة
» ذكرى رحيل الشاعر اسماعيل حســـن ....
» في ذكرى تأبين المبدع :مصطفى سيدأحمد
» سكت الشعر .... حُميّد ألى رحاب ربه هذا الصباح
» رائعة الطيب محمد سعيد العباسي
» في ذكرى الطيب صالح
» في ذكرى تأبين المبدع :مصطفى سيدأحمد
» سكت الشعر .... حُميّد ألى رحاب ربه هذا الصباح
» رائعة الطيب محمد سعيد العباسي
» في ذكرى الطيب صالح
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى