إمرأة من كمبو كديس - لعبد العزيز بركة ساكن
3 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
إمرأة من كمبو كديس - لعبد العزيز بركة ساكن
في صباح قائظ من يوم خريفي، بينما كنت أتسكع في شوارع المدينة – كعادتي – منذ أن طُردت من وظيفتي للصالح العام قبل سنتين – سمعت صرّاخ أطفال وما يشبه التهليل والتكبير وأصوات نسوة تندفع إليَّ مع ريح السموم الصباحية، آتية من جهة تجمع سوق النوبة، كان نهيق حمير الأعراب القادمين من أطراف المدينة هو الصوت الوحيد المعتاد بين مظاهرة الأصوات تلك. هادئون كانوا دائماً رواد سوق النوبة، يساومون في هدوء وخبث وحنكة، يشترون ويبيعون في صمت وكأنهم يؤدون صلاة خاصة. نعم قد يسمع نداء موسي السَمِح الجزار بين الفينة والأخري،وقد تتشاجر بائعتان، و قد، لكن تهليل وتكبير وصراخ أطفال؟!، وكفرد أصيل في هذه المدينة أمتلك حساً تشكيكياً عميقاً هتف في:
- إن هنالك شيئاً ما في سوق النوبة...
- إن هنالك شيئاً ما في سوق النوبة...
ود المحلج- مشرف المنتدى العام
رد: إمرأة من كمبو كديس - لعبد العزيز بركة ساكن
وكما يتشمم كلب الصيد أثر الأرنب البريّ تشممت طريقي الي المكان.
عزيزة – إبنة كلتوم بائعة العْرقِي – كنا نحن قطيع المثقفين نطلق عليها اخصائية العْرقِي – مرت امام وجهي كالطلقة الطائشة وهي تحمل – على كتفها – أخاها الصغير منتصر، غير عابئة بصرخاته المتقطعة المخنوقة بلعابه اللزّج والتي تثير الشفقة في قلب أقسى شرطي في العالم الثالث، كان أعجفا صغيرا،له عينان مستديرتان لامعتان كعيني سحلية.. أعرفها جيداً وأعرف أيضاً أنها عائدة من عند أمها كلتومة التي تبيع الكسرة. نهاراً بالسوق، فكان لزاماً على عزيزة أن تحمل منتصر الرضيع ثلاث مرات في اليوم الى أمها بالسوق لكي ترضعه رضعة الصباح، رضعة النهار، ورضعة الغداء، وتحرص كلتومة أشد الحرص بألا تفّوت على إبنها الصغير رضعة واحدة حتى لا يمرض مرض الصعّيد، ويموت. لأن منتصر كان نزقاً شقياً و هبّاش، فما كانت كلتومة ترغب في ابقاءه معها في السوق.
صرخت فيها..
- يا بت.. يا عزيزة..
عزيزة – إبنة كلتوم بائعة العْرقِي – كنا نحن قطيع المثقفين نطلق عليها اخصائية العْرقِي – مرت امام وجهي كالطلقة الطائشة وهي تحمل – على كتفها – أخاها الصغير منتصر، غير عابئة بصرخاته المتقطعة المخنوقة بلعابه اللزّج والتي تثير الشفقة في قلب أقسى شرطي في العالم الثالث، كان أعجفا صغيرا،له عينان مستديرتان لامعتان كعيني سحلية.. أعرفها جيداً وأعرف أيضاً أنها عائدة من عند أمها كلتومة التي تبيع الكسرة. نهاراً بالسوق، فكان لزاماً على عزيزة أن تحمل منتصر الرضيع ثلاث مرات في اليوم الى أمها بالسوق لكي ترضعه رضعة الصباح، رضعة النهار، ورضعة الغداء، وتحرص كلتومة أشد الحرص بألا تفّوت على إبنها الصغير رضعة واحدة حتى لا يمرض مرض الصعّيد، ويموت. لأن منتصر كان نزقاً شقياً و هبّاش، فما كانت كلتومة ترغب في ابقاءه معها في السوق.
صرخت فيها..
- يا بت.. يا عزيزة..
ود المحلج- مشرف المنتدى العام
رد: إمرأة من كمبو كديس - لعبد العزيز بركة ساكن
إلتفتت الي بسرعة رشقتني بنظرة عابرة وجدت في سعيها الي حيث تشاء، ولكني ومن خلال لمحتي الخاطفة لوجهها والتي لم تتعد الثلاثة ثوانٍ، رأيت بؤساً وألماً مكثفاً متقنطراً على وجهها الصغير الأملس، بؤساً لا يمكن اخفاؤه أو احتماله لدرجة أنني تيقنت في نفسي أنه لو قسّمنا هذا الحزن والبؤس على كل مشردي العالم لما وسعوه، وفي نظرتها السريعة كانت أسئلة – أيضاً – غامضة ومبهمة ومحيرة في نفس الوقت، جريت وراءها صارخاً:
- يا بنت....
- يا بنت....
ود المحلج- مشرف المنتدى العام
رد: إمرأة من كمبو كديس - لعبد العزيز بركة ساكن
أنا وأصدقائي من ابناء أعيان البلدة ومثقفيها، نفضل أن نسكر من عَرقِي بلح كلتومة وفي بيتها الصغير في كمبُو كديِس فهي امرأة أمينة صديقة حيث إنها لا تسرقنا – كما تفعل الحبشيات وكثير من بائعات العرقي – آخذة منا ثمن عَرقِي لم نشربه، عندما نثمل وتلعب الخمرة بعقولنا الصفراء – أو تغش العرقي بالسبرتو أو الماء أو غير ذلك من فنون السرقة.
إنني لا أُطعم أبنائي الحرام .
كما أنها كانت دائماً حافظة لأسرارنا وخبائث فضائحنا أنا عن نفسي عندما أسكر أفقد مع وعيي وقاري واحترامي وأصبح حيواناً مثقفاً لا أكثر فقد أتبول في ملابسي وأتقيأ علي صدري، وإذا لم يحدث هذا أفشيت كل أسراري الأسرية وتحدثت عن أبي – ضابط المجلس – وقلت علانية ما يعرفه الناس عنه، وما لا يعرفونه بل أفشيت ما أعرف من خططه المستقبلية في سرقة التموين والجازولين.. الى آخر مآسي يومي وأسرتي.. فكانت كلثومة – والحق يقال – تسمع بإهتمام ولكنهها لا تقول شيئاً، وكنا جميعاً نحترمها ونقدرها مثل أمهاتنا وبالتالي عزيزة كانت لنا أختاً صغرى..
- يا بنت.... قفي..
إنني لا أُطعم أبنائي الحرام .
كما أنها كانت دائماً حافظة لأسرارنا وخبائث فضائحنا أنا عن نفسي عندما أسكر أفقد مع وعيي وقاري واحترامي وأصبح حيواناً مثقفاً لا أكثر فقد أتبول في ملابسي وأتقيأ علي صدري، وإذا لم يحدث هذا أفشيت كل أسراري الأسرية وتحدثت عن أبي – ضابط المجلس – وقلت علانية ما يعرفه الناس عنه، وما لا يعرفونه بل أفشيت ما أعرف من خططه المستقبلية في سرقة التموين والجازولين.. الى آخر مآسي يومي وأسرتي.. فكانت كلثومة – والحق يقال – تسمع بإهتمام ولكنهها لا تقول شيئاً، وكنا جميعاً نحترمها ونقدرها مثل أمهاتنا وبالتالي عزيزة كانت لنا أختاً صغرى..
- يا بنت.... قفي..
ود المحلج- مشرف المنتدى العام
رد: إمرأة من كمبو كديس - لعبد العزيز بركة ساكن
أمسكت بكمها القصير.. ودون أن تنظر الي قالت بصوت مبحوح تخالطه صرخات منتصر الحامضة المتدفقة تباعاً:
- أمي..
- أمي قبضوا عليها..
- ......
إذاً فهمت كل شئ وشعرت بأن الدينا أظلمت فجأة أمام عيني وأن شعري تحول الى دبابيس مسمومة توخزني في جلد رأسي،ولم استطع ان اقول او افعل لها شيئاً سوى زلق كفي من على كتفها الصغير المتعب، في برود تاركاً إياها تمضي لتذوب في بحر مآسيها ومحنتها ومنتصر مبللا صدرها بلعابه اللزّج المُلبِّنْ يصليها بصرخاته وندائه المتواصل – بلثغته الحلوة الممتعة – رغم مآساة الموقف – لأمه اتوما .
- أمي..
- أمي قبضوا عليها..
- ......
إذاً فهمت كل شئ وشعرت بأن الدينا أظلمت فجأة أمام عيني وأن شعري تحول الى دبابيس مسمومة توخزني في جلد رأسي،ولم استطع ان اقول او افعل لها شيئاً سوى زلق كفي من على كتفها الصغير المتعب، في برود تاركاً إياها تمضي لتذوب في بحر مآسيها ومحنتها ومنتصر مبللا صدرها بلعابه اللزّج المُلبِّنْ يصليها بصرخاته وندائه المتواصل – بلثغته الحلوة الممتعة – رغم مآساة الموقف – لأمه اتوما .
ود المحلج- مشرف المنتدى العام
رد: إمرأة من كمبو كديس - لعبد العزيز بركة ساكن
كثيراً ما كنت اخجل من نفسي عندما اجدني عاجزاً امام موقف ما، فاذا حدث ذلك بالامس لذهبت الى جلال الجميل القاضي ودار بيننا الحوار التالي:
- صدر القرار منك ؟
- كنت مجبراً … فانت تعرف لا شئ بأيدينا تماما ..
- ولماذا كلتومة … فهي تعول اطفالاً وزوجها مقتول في الجنوب منذ سنوات.
- لم يكن الامر بشأن كلتومة وحدها..
ولكن حظها.. فلابد –كما تعرف – ان يكون هنالك ضحايا قالوا ان الوالي في زيارة جاسوسيّة في كل مكان. ويجب ان يعرف ان الناس هنا تعمل، تحارب الفساد الى آخر الاوهام كما ان كلتوم كانت تعلم بقرار التفتيش، لقد أخبرها احمد صالح ..
- ولكنهم وجدوا عندها جالوناً من العرقي وثلاث زجاجات مليئة بعرقي البلح.
- هذا تلفيق من الشرطة، فقد كانوا يخبئون هذه الأشياء في عربتهم.. فهم غالباً لا يجدون شيئاً عند هؤلاء النسوة..
- وما العمل ؟
- كالعادة نخفف الحكم ما امكن وبدلاً من السجن نضع الغرامة وصديقاتها يقمن بمساعدتها في الدفع كما يفعلن دائماً..
- هذا ما كان يحدث إذا وقعت احدى زبوناتنا في قفص الشرطة، ولكن أين اليوم جلال الجميل ؟!
- فإن القاضي الجديد لا يشرب العرقي ولكن – فقط – الويسكي والانشا* ويدعى مخالفة الله والتقوي، وبالتالي يصعب الوصول إليه حتى الآن على الأقل.
- صدر القرار منك ؟
- كنت مجبراً … فانت تعرف لا شئ بأيدينا تماما ..
- ولماذا كلتومة … فهي تعول اطفالاً وزوجها مقتول في الجنوب منذ سنوات.
- لم يكن الامر بشأن كلتومة وحدها..
ولكن حظها.. فلابد –كما تعرف – ان يكون هنالك ضحايا قالوا ان الوالي في زيارة جاسوسيّة في كل مكان. ويجب ان يعرف ان الناس هنا تعمل، تحارب الفساد الى آخر الاوهام كما ان كلتوم كانت تعلم بقرار التفتيش، لقد أخبرها احمد صالح ..
- ولكنهم وجدوا عندها جالوناً من العرقي وثلاث زجاجات مليئة بعرقي البلح.
- هذا تلفيق من الشرطة، فقد كانوا يخبئون هذه الأشياء في عربتهم.. فهم غالباً لا يجدون شيئاً عند هؤلاء النسوة..
- وما العمل ؟
- كالعادة نخفف الحكم ما امكن وبدلاً من السجن نضع الغرامة وصديقاتها يقمن بمساعدتها في الدفع كما يفعلن دائماً..
- هذا ما كان يحدث إذا وقعت احدى زبوناتنا في قفص الشرطة، ولكن أين اليوم جلال الجميل ؟!
- فإن القاضي الجديد لا يشرب العرقي ولكن – فقط – الويسكي والانشا* ويدعى مخالفة الله والتقوي، وبالتالي يصعب الوصول إليه حتى الآن على الأقل.
ود المحلج- مشرف المنتدى العام
رد: إمرأة من كمبو كديس - لعبد العزيز بركة ساكن
جسدها النحيل المتعب يرقد على الكنبة في وسط سوق السبت وقد أهالوا عليه صفيحة من المياه ما تزال تقطر من جلبابها القطني الرخيص الى نهاية الجلد، ولو أنها لا تحفل بكتل البشر التي تحيط بها مشفقة او شامتة إلا أنها كانت تحاول إخفاء وجهها ما أمكن بين ساعديها وتحاول بقدر المستطاع وبجدية الا تصدر منها تنهيدة، آهة، صرخة ألم أو مجرد زفير مندفع قد يُخّيل للشرطيين القضاة او الجلاد، جمهور المتفرجين أنه توجع من وقع سوط العنج* الأسود المشرب بالقطران والذي يصلي ظهرها مشقاً مبرحاً ممزقاً لحميات فيه عجفاء بائسة.
وعندما استطعت أن أجد لنفسي مكاناً أشاهد من خلاله ما يحدث كان الشاويش السمين يصرخ بغلظه..
- ثمانية وثلاثين إإيه.. هوب..
- تسعة وثلاثين.. إييه.. هوب..
- أربعون.. إيييه.. آآه.. تماماً مولانا... أربعون جلدة..
قال القاضي وعلى فمه ابتسامة صفراء قاسية محاولاً من خلالها ان يكون تقياً، عادلاً، محبوباً وحاسماً في نفس الوقت..
- هيا قومي.. استغفري ربك الله واعلني توبتك.. توبة نصوحة امام الجميع..
- نظرت إليه – كلتومة – نظرة فاحصة، عميقة – أحسست انها معتصرة من خلايا كبدها – ثم بصقت على الأرض بصاقاً دامياً مرّاً – واقسم ان جميع المتفرجين: الإعراب ذوو الجلاليب المسودة من الأوساخ والتي تفوح منها رائحة وَبر الجِّمال والحمِّير،وقطرانها وروثها بسياطهم وسيوفهم. الشماسة أبناء الشوارع المتشردين.
أصحاب المتاجر – أغلقوا دكاكينهم مضحين بقدر من المبيعات كبير في سبيل ان يحضروا المحاكمة – الكلاب الضآلة الحذّرة المختبئة خلف العشب متجنبة أعين الناس، وغير الضآلة أيضاً.
أسراب الحدأة والغربان والتي تضع حلقة في السماء، ناعقة. المثقفاتية مثلي – والذين ليس بإمكانهم فعل شيئ غير التعليق الذكي الصائب المُبرر غير المقنع لغير شريحتهم والمثير للضحك والسخرية من نساء الكسرة ، العرقي، الشاي وغيرهم من الكادحات.
أعضاء المحكمة المتفلقصين كمُخصيىّ القرون الوسطى، صديقاتها البائسات، موظفات المجلس، الشامتون، المتعاطفون معها او مع السلطة الجميع.. الجميع بدون فرز .. اقسم انهم جميعاً أحسوا بمرارة هذا البصاق وكأنه مقذوفاً في عمق حلوقهم مراً كنقع الحنظّل.
ودون أن تحرك فوهتا عيناها عن وجهه انتعلت حذاءها البلاستيكي القديم وشقت طريقها عبر الجمع مصوبة وجهها المجهد شطر بيتها – ساعية بخطي ثابتة سريعة – رغم ما بها من إرهاق – فكان عليها أن تسرع حتى لا تُفوت منتصر الصغير رضعة الصباح
وعندما استطعت أن أجد لنفسي مكاناً أشاهد من خلاله ما يحدث كان الشاويش السمين يصرخ بغلظه..
- ثمانية وثلاثين إإيه.. هوب..
- تسعة وثلاثين.. إييه.. هوب..
- أربعون.. إيييه.. آآه.. تماماً مولانا... أربعون جلدة..
قال القاضي وعلى فمه ابتسامة صفراء قاسية محاولاً من خلالها ان يكون تقياً، عادلاً، محبوباً وحاسماً في نفس الوقت..
- هيا قومي.. استغفري ربك الله واعلني توبتك.. توبة نصوحة امام الجميع..
- نظرت إليه – كلتومة – نظرة فاحصة، عميقة – أحسست انها معتصرة من خلايا كبدها – ثم بصقت على الأرض بصاقاً دامياً مرّاً – واقسم ان جميع المتفرجين: الإعراب ذوو الجلاليب المسودة من الأوساخ والتي تفوح منها رائحة وَبر الجِّمال والحمِّير،وقطرانها وروثها بسياطهم وسيوفهم. الشماسة أبناء الشوارع المتشردين.
أصحاب المتاجر – أغلقوا دكاكينهم مضحين بقدر من المبيعات كبير في سبيل ان يحضروا المحاكمة – الكلاب الضآلة الحذّرة المختبئة خلف العشب متجنبة أعين الناس، وغير الضآلة أيضاً.
أسراب الحدأة والغربان والتي تضع حلقة في السماء، ناعقة. المثقفاتية مثلي – والذين ليس بإمكانهم فعل شيئ غير التعليق الذكي الصائب المُبرر غير المقنع لغير شريحتهم والمثير للضحك والسخرية من نساء الكسرة ، العرقي، الشاي وغيرهم من الكادحات.
أعضاء المحكمة المتفلقصين كمُخصيىّ القرون الوسطى، صديقاتها البائسات، موظفات المجلس، الشامتون، المتعاطفون معها او مع السلطة الجميع.. الجميع بدون فرز .. اقسم انهم جميعاً أحسوا بمرارة هذا البصاق وكأنه مقذوفاً في عمق حلوقهم مراً كنقع الحنظّل.
ودون أن تحرك فوهتا عيناها عن وجهه انتعلت حذاءها البلاستيكي القديم وشقت طريقها عبر الجمع مصوبة وجهها المجهد شطر بيتها – ساعية بخطي ثابتة سريعة – رغم ما بها من إرهاق – فكان عليها أن تسرع حتى لا تُفوت منتصر الصغير رضعة الصباح
ود المحلج- مشرف المنتدى العام
رد: إمرأة من كمبو كديس - لعبد العزيز بركة ساكن
تشكر يا ود اخونا عبد الرازق
قصة فعلا حزينة واليمة.. وهذه الاشياء تحدث في السودان يوميا دون مراعاه لحال هؤلاء النسوة ومعالجة الظروف التي تضطرها الى العمل او حتى البيع في مثل هذه الاشياء المحرمة...
اغلب هؤلاء النسوه كارهين لهذا العمل ومجبرين عليه لكن ليس هناك من مصدر رزق تستطيع اطعام وتربية وتعليم اطفالها منه في غياب رب الاسرة لاي ظرف من الظروف
الله يكون في عون العباد
تحياتي
قصة فعلا حزينة واليمة.. وهذه الاشياء تحدث في السودان يوميا دون مراعاه لحال هؤلاء النسوة ومعالجة الظروف التي تضطرها الى العمل او حتى البيع في مثل هذه الاشياء المحرمة...
اغلب هؤلاء النسوه كارهين لهذا العمل ومجبرين عليه لكن ليس هناك من مصدر رزق تستطيع اطعام وتربية وتعليم اطفالها منه في غياب رب الاسرة لاي ظرف من الظروف
الله يكون في عون العباد
تحياتي
محمود منصور محمد علي- مشرف المنتدى العام و مصحح لغوي
الجنقو مسامير الارض
اشكرك يا نقروف على هذه اللفتة الجيدة التى تتناول واحد من عمالقة القصة السودانية و نضيف روايته التى فازت
بجائزة الروائى السودانى الطيب صالح التى صودرت من قبل اصحاب الشأن الثقافى و تم حظرها
الجنقو مسامير الارض
رواية بركة ساكن فازت بالجائزة الاولى فى مهرجان الطيب صالح للابداع الجنقو الروائى فى
نسخته السابعة 21 / اكتوبر 2010 بمركز عبد الكريم ميرغنى الثقافى
- امدرمان ظلت من شهرين وهى حبيسة المطار واخيرا ارسلت المصنفات الادبية خطابا الى المركز بمنع دخول الرواية السودان (مرفق خطاب المصنفات الفنيه)
بيان من اتحاد الكتاب السودانيين حول حظر رواية فائزة
بجائزة الطيب صالح
بسم الله الرحمن الرحيم
تلقى اتحاد الكُتّاب السودانيين خبرَ حظر رواية
"الجنقو مسامير الأرض " للكاتب
الروائي السوداني عبد العزيز بركة ساكن، وبعد أن تم طبعها، بخطاب ممهور بتوقيع رسمي من هيئة حكومية هي المجلس
الاتحادي للمصنفات الأدبية والفنية في الخرطوم، بتاريخ
7/4/2010، باستياء بالغ ، في وقت تشهد فيه البلاد
مرحلة ، يؤمّل أن تنظر إليها السلطة بجدية لنقل البلاد إلى براح حريات التفكير وابداء الرأي والإبداع الحر، دونما قهرٍ أو إقصاء أو حظر
. إن الرواية المحظورة هي عمل ابداعي حاز على تقدير لجنة
محترمة من كبار المبدعين
والنقاد ذوي الرصانة في السودان، قررت منحها جائزة الطيب صالح للرواية لعام 2009 ، مناصفة مع رواية ثانية، وأوصت بطبع كلا الروايتين حفزاً لهما ولدفع مسيرة الابداع السوداني ونشره على أوسع نطاق . غير أن لجنة حكومية ، ممثلة في هيئة المصنفات، رأت حجب الموافقة على نشر وتوزيع هذه الرواية المميزة ، وأوعزت لجهات الاختصاص حظر ومصادرة نسخ الرواية، ومتابعة منعها وملاحقة من يقوم بتوزيعها على مستوى البلاد، متذرعة بقوانين محلية تجاوزت حقوق حرية الفكر والابداع .
إننا في اتحاد الكتاب السودانيين نشجب مثل هذا المسلك
الذي يجنح لفرض وصاية لا معنى لها
ولا موجب، على انتاج المبدعين السودانيين ، ونراه مسلكاً ساذجاً
غاب عنه ما وفرته ثورة الإتصالات والمعلوماتية من قنوات للتواصل والانفتاح اللامحدود، للحوار بين الثقافات، والذي جعل العالم قرية كونية متشابكة العلاقات، تفاعلاً واندماجاً ومثاقفة، بما جعل من مثل هذا المنع أضحوكة لا أكثر، إذ الكتاب الممنوع يسهل أن يتوفر في نسخه الناعمة في شبكة الانترنت، ولن تجرؤ عين الرقيب أو يده أن تطاله
.
إن الإتحاد يطالب بإلغاء قرارات قمع الانتاج الابداعي،
وإلغاء قرارات حظر الكُتب،
وإلغاء إجراءات ملاحقتها، بما يُعلي من احترامنا لحريات الابداع والتفكير والنشر.
وبالله التوفيق ، ، ،
اتحاد الكتاب السودانيين
الخرطوم
في 10 أبريل
فيصل خليل حتيلة- مشرف إجتماعيات أبوجبيهة
يتبع النقو مسامير الارض
عبدالعزيز بركة ساكن... كاتب سوداني لا «تطيقه» الرقابة
الحياة - الخرطوم - عصام أبو القاسم
مع حظر روايته «الجنقو: مسامير الأرض»
الفائزة بجائزة الطيب صالح للإبداع الروائي في دورتها الأخيرة يكون
عبدالعزيز بركة ساكن (مواليد 1963) الكاتب السوداني الأكثر تعرضاً لقرارات
الحظر التي أصدرها المجلس الاتحادي للمصنفات الفنية والأدبية في
الخرطــوم، عــلى الأقل خلال العقد الأخير، إذ صودرت مجمــوعته القصصية
«امرأة من كمبو كديس» في 2009 وجمعت من جناح مكتبة عزة في معرض الخرطوم
الدولي للكتاب، كما يقول في حديثه إلى «الحياة».
وقبلها كانت أمانة الخرطوم عاصمة
للثقافة العربية 2005 أصدرت مجموعته القصصية «على هامش الأرصفة» إلا انها
سارعت إلى سحبها بعد اجتماع ساخن لمسؤولين نشرت وقائعه صحيفة «الحياة»
المحلية وقد استغرب بعضهم محتوى المجموعة القصصية الـ «خادش للحياء
العام»!
وبذلك تكون معظم أعمال بركة ساكن
الأدبية «محظورة» في الخرطوم... وهو يقول أيضاً إن ثلاثيته التي ضمّت
روايات «الطواحين» و«رماد الماء» و«زوج امرأة الرصاص وابنته الجميلة» التي
صدرت أخيراً تحت عنوان «ثلاثية البلاد الكبيرة» ضمن منشورات «مكتبة
الشريف الأكاديمية»، هي الأخرى لم تسلم، فالثلاثية صودرت قبل شهرين إلا أن
ناشرها تمكّن من فك حظرها شرط ألا يوزعها!».
سألت وليد سوركتي من مركز عبد الكريم
ميرغني الثقافي، وهي الجهة المنظمة للجائزة والناشرة، إذا كان مجلس
المصنفات حظر أي منشورات أخرى لهم فقال: «لأول مرة منذ عام 1999 ـ حيث
بدأنا النشر ـ لا يوافق المجلس على كتاب من منشوراتنا». ويقول أيضاً:
«اقترحنا على بركة قبل النشر أن يحذف بعض الكلمات التي رأينا انها قد تثير
حفيظة بعض الجهات، لكننا شددنا على حقه في القرار باعتبار أن العمل
عمله».
ويقول بركة: «الغريب انني وافقت على الحذف والرواية المحظورة هي رواية حذف منها ما حذف».
أما نور الهدى صاحب «دار عزة» فأكد أن
مجلس المصنفات حظر 17 عنواناً من إصدارات داره منذ تأسيسها في 2001 ولكن
ليس بينها مجموعة «امرأة من كمبو كديس»!
وكان الكاتب عبدالعزيز بركة عمم نسخة
من قرار الحظر الأخير، عبر الايميل، للأصدقاء والمعارف، مصحوبة بالمادة 15
التي استند إليها المجلس في قرار الحظر، ونشر روايته على رابط في
الانترنت بالتزامن مع حملة تضامن مع روايته أطلقها بعضهم على الفايسبوك
تحت عنوان: «تضامن لفك حظر رواية الجنقو مسامير الأرض» وتضامنت مع الكاتب
مواقع الحوار الثقافي الإلكترونية!
وأصدر اتحاد الكتّاب بياناً استنكر فيه
حظر الرواية كونها فازت بجائزة الطيب صالح للإبداع الروائي وورد فيه: «إن
الرواية المحظورة هي عمل إبداعي حاز تقدير لجنة محترمة من كبار المبدعين
والنقاد الرصينين في السودان...». وجاء في البيان أيضاً: «إننا في اتحاد
الكتاب السودانيين نشجب مثل هذا المسلك الذي يجنح الى فرض وصاية لا معنى
لها ولا موجب، على إنتاج المبدعين السودانيين، ونراه مسلكاً ساذجاً غاب
عنه ما وفرته ثورة الاتصالات والمعلوماتية من قنوات للتواصل والانفتاح
اللامحدود...».
وفي حديثه إلى «الحياة» قال الناقد
مجذوب عيدروس المحرر الثقافي في صحيفة «الصحافة» إن عملية الحظر لم تعد
مجدية «في عصر الانترنت»، مشدداً على أهمية تعهد الجهات المختصة بمسألة
تصنيف الكتب وإجازتها لنقاد وكتّاب لهم دراية، بخصائص العمل الإبداعي،
«لكن للأسف مثل هذه اللجان يشغلها أناس لا صلة لهم بالإبداع...».
ويضيف: لكن على الكتّاب أن ينتبهوا
أيضاً إلى أن كتبهم عرضة للحظر لأن ثمة قيماً رقابية ما زالت تتحكم
فينا... لذا ينبغي لهم أن يتحايلوا على ذلك بالرمز والتلميح، والقارئ
بمقدوره أن يفهم».
ويشير عيدروس إلى عددٍ من العناوين
الروائية التي صدرت أخيراً من دون أن تحظر وهي لكتّاب مثل: عيسى الحلو
وأحمد الفضل ومحمد خلف الله سليمان وسواهم، موضحاً انها تحايلت علي هذا
الواقع الرقابي وكسبت موقعها في المكتبة السودانية.
لكنّ الناقد مصطفي الصاوى يلح علي
ضرورة ألا يتخوّف الكتّاب من الحظر: «الإبداع شرطه الحرية». لا أعرف الجهة
التي حظرت الرواية لكنها حاكمت العمل علي أساس أخلاقي وليس فنياً». ويرى
الصاوي أن الكاتب بركة ساكن مستهدف بذاته من هذه الجهة.
تعكس رواية «الجنقو: مسامير الأرض»
الأجواء الغرائبية لحياة «الجنقو»، وهم عمال الزراعة المطرية الموسمية، في
المنــاطق الحدودية بين السودان وإثيوبيا وأرتيريا، وهي تحكي علاقتهم عن
الأرض والنساء والتجوال، وتقارب التحولات التي حصلت في واقعهم «العمالي»
نتيجة إدخـال الآلة الزراعية الحديثة.
فيصل خليل حتيلة- مشرف إجتماعيات أبوجبيهة
تابع
عبد العزيز بركه ساكن
الكاتب المثير للجدل ان جازت لى التسميه
"الكاتب
عبدالعزيز بركة ساكن من مواليد مدينة كسلا شرق السودان عام 1963م، وهو
صاحب رواية (الطواحين) ورواية (رماد الماء) وله مجموعة قصصية بعنوان (على
هامش الأرصفة) وأخرى بعنوان (امرأة من كمبو كديس)، حقق جائزة الـ بي بي سي
أكثر من مرة عن قصته (دراما الأسير) ثم عن قصته (فيزياء اللون)، ترجمت بعض
أعماله إلى اللغة الإنجليزية والفرنسية
كتب أيضا عددا من
النصوص المسرحية، صدر له مؤخرا عن (مكتبة الشريف الأكاديمية) كتاب (البلاد
الكبيرة) في (552) صفحة من القطع المتوسط، متضمنا روايتيه: الطواحين و رماد
الماء، بالإضافة إلى روايته (زوج امرأة الرصاص) التي تنشر لأول مرة، ضمن
هذا الكتاب.
روايته الجديدة
(الجنقو- مسامير الأرض) حققت جائزة الطيب صالح للإبداع الروائي في دورتها
الأخيرة التي أعلنت ظهر الأربعاء ا 21أكتوبر2009 بمركز عبدالكريم ميرغني
الثقافي وسط حضور إبداعي وإعلامي حاشد"
عدل سابقا من قبل فيصل خليل حتيلة في 29th سبتمبر 2011, 13:13 عدل 1 مرات
فيصل خليل حتيلة- مشرف إجتماعيات أبوجبيهة
رد: إمرأة من كمبو كديس - لعبد العزيز بركة ساكن
مشكور الاستاذ فيصولي
نحن في زمن وفي بلد يا فيصل محظور فيه الابداع والتالق والتميز والتفوق زمن التملق والتعلق والتسلق والتبرك زمن اختلط فيه الحابل بالنابل زمن اصبح اللص فيه شريف والكاذب فيه حريف والبليد فيه وريف والصيف فيه خريف والواضح فيه سخيف
تشكر يا عمدة
نحن في زمن وفي بلد يا فيصل محظور فيه الابداع والتالق والتميز والتفوق زمن التملق والتعلق والتسلق والتبرك زمن اختلط فيه الحابل بالنابل زمن اصبح اللص فيه شريف والكاذب فيه حريف والبليد فيه وريف والصيف فيه خريف والواضح فيه سخيف
تشكر يا عمدة
محمود منصور محمد علي- مشرف المنتدى العام و مصحح لغوي
رد: إمرأة من كمبو كديس - لعبد العزيز بركة ساكن
أوفيت و كفيت يا محمود
لك الشكر يا نضيف
فيصل خليل حتيلة- مشرف إجتماعيات أبوجبيهة
رد: إمرأة من كمبو كديس - لعبد العزيز بركة ساكن
رِوَايَةْ
(مَسَامِيرُ الأرِضْ)
عبد العزيز بركة ساكن
إهداء
(إلى روح الجميلة، النظيفة،النقية، الشفيفة، مريم بت أبو جبرين، أمي)
وَدْ أَمْوُنَةَ
السِجِنُ والسَجّانُ
هذا ما تحصلتُ عليه مِنْ عدة حُكاة ورواة، من بينهم حَبيبتي ألمْ قِشْي، و الأُم، مُختار علي، الصافية وود أمُونة نفسه،مع بعض التدخل و قليل من التأويل و التحوير و الإلتفاف و التقويم و الإفساد أحياناً؛ لحكاية ود أمونة في السجن.
قرر بينه وبين نفسه ألا يغسل الأطباق بعد اليوم ولو أنهم نفذوا تهديدهم ورموا به في الشارع، لا يهم يستطيع أن يبقى خارج السجن ويمكنه النوم تحت الجدار الذي يقابل غرفة أمه، وسوف يأكل ما ترميه أمه له من أعلى السور، وهو أيضاً يعرف كيف يصطاد الطيور والفئران ويشويها، عن طريق المهارات القتالية التي اكتسبها من والدته، يستطيع أن يحارب الأشرار، قد لا يعرفهم الآن ولكنه سينتصر عليهم بمجرد أن يشرعوا في مهاجمته. كانت أمه أمونة تقول له دائماً:
( كَاَنْ جُوُكْ عِشْرين أو مِيَّة، إنت أَمْسِكْ وَاحْد بَسْ، وإن شاء الله تعضيهُ بسنونك، إن شاء الله تخربشهُ بأظافرك، إن شاء الله تَدَخِلْ يدينك في عينهُ، لكن ما تخلي حَقكْ ولا تبكي ولا تجري. الدُنيا دِي مَا بِيَنَفَعْ فِيها الضَعِيفْ.)
قطعت حبل تفكيره أنامل الشامة على رأسه.
تعال عليك الله فليني يا ود أمونة. -
هو لا يحب الشامة، بالذات:
( عندها ريحة في فمها أعفن من البول، رأسها كله قمل، ووساخة، وقالوا كتلت راجلها.)
قالت له الشامة
- أُمُك الليلة طلعوها خدمة في بيت المأمور، أنا ما عارفة المأمور دا عايز منها شنو ما عايز يخليها في حالها.
(ما حأغسل الصُحانة.)
قال ود أمونة مُصدراً أمراً لنفسه.
طباخ السجن النحيف صاحب الأصابع الطويلة واليدين الممسكتين دائماً بالكمُشَةَ أو المِفْرَاكَة، كان يرى في ود أمونة مستقبل طباخ ماهر.
الجَنَقُو
(مَسَامِيرُ الأرِضْ)
عبد العزيز بركة ساكن
إهداء
(إلى روح الجميلة، النظيفة،النقية، الشفيفة، مريم بت أبو جبرين، أمي)
( الجَنْقُو مَسَامِيرُ الأرَضْ )
مقولة لمجهولين
مقولة لمجهولين
وَدْ أَمْوُنَةَ
السِجِنُ والسَجّانُ
هذا ما تحصلتُ عليه مِنْ عدة حُكاة ورواة، من بينهم حَبيبتي ألمْ قِشْي، و الأُم، مُختار علي، الصافية وود أمُونة نفسه،مع بعض التدخل و قليل من التأويل و التحوير و الإلتفاف و التقويم و الإفساد أحياناً؛ لحكاية ود أمونة في السجن.
قرر بينه وبين نفسه ألا يغسل الأطباق بعد اليوم ولو أنهم نفذوا تهديدهم ورموا به في الشارع، لا يهم يستطيع أن يبقى خارج السجن ويمكنه النوم تحت الجدار الذي يقابل غرفة أمه، وسوف يأكل ما ترميه أمه له من أعلى السور، وهو أيضاً يعرف كيف يصطاد الطيور والفئران ويشويها، عن طريق المهارات القتالية التي اكتسبها من والدته، يستطيع أن يحارب الأشرار، قد لا يعرفهم الآن ولكنه سينتصر عليهم بمجرد أن يشرعوا في مهاجمته. كانت أمه أمونة تقول له دائماً:
( كَاَنْ جُوُكْ عِشْرين أو مِيَّة، إنت أَمْسِكْ وَاحْد بَسْ، وإن شاء الله تعضيهُ بسنونك، إن شاء الله تخربشهُ بأظافرك، إن شاء الله تَدَخِلْ يدينك في عينهُ، لكن ما تخلي حَقكْ ولا تبكي ولا تجري. الدُنيا دِي مَا بِيَنَفَعْ فِيها الضَعِيفْ.)
قطعت حبل تفكيره أنامل الشامة على رأسه.
تعال عليك الله فليني يا ود أمونة. -
هو لا يحب الشامة، بالذات:
( عندها ريحة في فمها أعفن من البول، رأسها كله قمل، ووساخة، وقالوا كتلت راجلها.)
قالت له الشامة
- أُمُك الليلة طلعوها خدمة في بيت المأمور، أنا ما عارفة المأمور دا عايز منها شنو ما عايز يخليها في حالها.
(ما حأغسل الصُحانة.)
قال ود أمونة مُصدراً أمراً لنفسه.
طباخ السجن النحيف صاحب الأصابع الطويلة واليدين الممسكتين دائماً بالكمُشَةَ أو المِفْرَاكَة، كان يرى في ود أمونة مستقبل طباخ ماهر.
ود المحلج- مشرف المنتدى العام
رد: إمرأة من كمبو كديس - لعبد العزيز بركة ساكن
( ود أمُونة يشبهني في أشياء كثيرة عندما كنت طفلاً كنت مثله وسيماً وسميناً وكسولاً وكثير الشجار مع الأطفال ولكني أيضاً كنت أحب أن أكون في صحبة النساء مثله تماماً)
أكثر ما لا يُحبه ود أمونة في طباخ السجن، بالإضافة إلى أطباقه التي دائماً ما تحتاج إلى من يغسلها من الويكة ودهن إدام القرع، أن طباخ السجن: ما كُويس.
بالأمس ، بعد أن فرغ ود أمونة من غسيل الأطباق ورصها بانتظام على دولاب الحديد طلب منه طباخ السجن أن يلعبا (طُرة كِتابة)، قال له طباخ السجن
- كان غلبتني، تديني بُوسَة، وكان غلبتك أديك بُوسَة.
وبصق سَفّة الصعوط جانباً قرب قدر كبير على الفحم، وبحركة بهلوانية أخرج قطعة عملة من الحديد الفضي، أطارها في الهواء، ثم تلقاها بكفه، وبسرعة البرق أغلق عليها بكل أصابعه واضعاً في نفس اللحظة ابتسامة على طول وعرض فمه الكبير، بين أسنان صفراء متفرقة بارزة، سأل ود أمونة
- طُرة ولاّ كِتابة؟
أطار بعض رذاذ البصاق في الهواء، سقط بعضه على وجه ود أمونة، مسحه بباطن كفه في قرف.
( أكثر ما أكرهه في هذا الشخص؛ شفاهه المبتلة دائماً بالبصاق ورائحة الصعوط.)
قالت له الشامة وهي تعيد نظم ضفيرة من الشعر المستعار على رأسها
- أمك حتجي بعد كدا،المأمور كَرّهها الدنيا.. إنت عارف ملابسه وملابس أولاده وبناته، وحتى جيرانه. والله أنا شاكة في إنو قاعد يأخد عمولة من الناس في الغسيل.. أمك لو بقت مكنة غسيل حتنتهي.. ولكن هانت.. باقي لينا كلنا السنة دي بس، أمك باقي ليها ستة شهور، هانت يا ولدي.
قال له ود أمونة، بصورة نهائية وقاطعة
- أنا ما عايز ألعب معاك طُرة كتابة.
- كويس، تعال أديك بُوسة.
- ما عايز، لا تديني بُوسَة ولا أديك بُوسَة.
- كويس، لمّان يجي الصول ويشوف الكُباية الكسرتها تعرف حاجة.
- حأكلم أمي.
قال الجاويش، طباخ السجن مستهتراً
- أمك تعمل شنو، خليها تقدر على نفسها.
ثم أضاف بلين.
- بطنك بتملاها من وين؟ تعال يا ود أمونة،أديني بُوسَة أو شيل مني بُوسَة زي ما تدور.
عندما ينتصف نهار السجن، تسمع طقطقة الزنك كأنها فرقعة عبوات رصاص صغيرة تقدح جماح العرق النسواني التعب المتبل بفطر إبطهن وعاناتهن، رائحة البلاط وزنخ شعر الرأس المُلبّكْ بالأسطبة والجورسي القديم، وطنين الزُبابات مختلطاً بقهقهة السجانين، نداء الجاويش المسجوع من حين لآخر
أكثر ما لا يُحبه ود أمونة في طباخ السجن، بالإضافة إلى أطباقه التي دائماً ما تحتاج إلى من يغسلها من الويكة ودهن إدام القرع، أن طباخ السجن: ما كُويس.
بالأمس ، بعد أن فرغ ود أمونة من غسيل الأطباق ورصها بانتظام على دولاب الحديد طلب منه طباخ السجن أن يلعبا (طُرة كِتابة)، قال له طباخ السجن
- كان غلبتني، تديني بُوسَة، وكان غلبتك أديك بُوسَة.
وبصق سَفّة الصعوط جانباً قرب قدر كبير على الفحم، وبحركة بهلوانية أخرج قطعة عملة من الحديد الفضي، أطارها في الهواء، ثم تلقاها بكفه، وبسرعة البرق أغلق عليها بكل أصابعه واضعاً في نفس اللحظة ابتسامة على طول وعرض فمه الكبير، بين أسنان صفراء متفرقة بارزة، سأل ود أمونة
- طُرة ولاّ كِتابة؟
أطار بعض رذاذ البصاق في الهواء، سقط بعضه على وجه ود أمونة، مسحه بباطن كفه في قرف.
( أكثر ما أكرهه في هذا الشخص؛ شفاهه المبتلة دائماً بالبصاق ورائحة الصعوط.)
قالت له الشامة وهي تعيد نظم ضفيرة من الشعر المستعار على رأسها
- أمك حتجي بعد كدا،المأمور كَرّهها الدنيا.. إنت عارف ملابسه وملابس أولاده وبناته، وحتى جيرانه. والله أنا شاكة في إنو قاعد يأخد عمولة من الناس في الغسيل.. أمك لو بقت مكنة غسيل حتنتهي.. ولكن هانت.. باقي لينا كلنا السنة دي بس، أمك باقي ليها ستة شهور، هانت يا ولدي.
قال له ود أمونة، بصورة نهائية وقاطعة
- أنا ما عايز ألعب معاك طُرة كتابة.
- كويس، تعال أديك بُوسة.
- ما عايز، لا تديني بُوسَة ولا أديك بُوسَة.
- كويس، لمّان يجي الصول ويشوف الكُباية الكسرتها تعرف حاجة.
- حأكلم أمي.
قال الجاويش، طباخ السجن مستهتراً
- أمك تعمل شنو، خليها تقدر على نفسها.
ثم أضاف بلين.
- بطنك بتملاها من وين؟ تعال يا ود أمونة،أديني بُوسَة أو شيل مني بُوسَة زي ما تدور.
عندما ينتصف نهار السجن، تسمع طقطقة الزنك كأنها فرقعة عبوات رصاص صغيرة تقدح جماح العرق النسواني التعب المتبل بفطر إبطهن وعاناتهن، رائحة البلاط وزنخ شعر الرأس المُلبّكْ بالأسطبة والجورسي القديم، وطنين الزُبابات مختلطاً بقهقهة السجانين، نداء الجاويش المسجوع من حين لآخر
ود المحلج- مشرف المنتدى العام
رد: إمرأة من كمبو كديس - لعبد العزيز بركة ساكن
- مُوية يا بنات...... الموية.
أخرجت الشامة مكافأة صغيرة من مطبقتها وقدمتها لود أمونة نظير متعة التفلية وعربون خدمة قد تطلبها منه في يومٍ ما، العنبر الطويل يحتوى على عشرين سيدة، عجوزتان اتهمتا قبل عشر سنوات ماضية بحيازة جوالين من الحشيش، صبية جميلة رقيقة اعتادت سرقة الذهب والمجوهرات، أمه بائعة عرقي البلح وقد ضاعف قاضٍ غيور على الدين العقوبة عليها سبع مرات لأنها لم تقلع عن الفعل الحرام طالما جلدت مراراً، وغرمت تكراراً وسجنت شهوراً كثيرة متفرقات، الشامة اتهمت بقتل زوجها وتقول إنه شرب الصبغة مع عصير البرتقال من تلقاء نفسه غيرة عليها وأخريات، وأخريات،وأخريات. لكن ود أمونة كان لا يهتم بغير واحدة لا يعرف كم عمرها ولا يفهم طبيعة جريمتها، كانت قليلة الكلام، تغني دائماً بصوتها الشجي وتحكي له قصصاً طويلة تقصر عليه الانتظار الطويل بالسجن، ولو أنها كانت تقضي فترات طويلة، مريضة طريحة بلاط العنبر إلا أنها كانت الأكثر مرحاً، هادئة وطيبة لينة وصبور، أمه لا ترغب في أن يتقرب إلى العازة.
- يا ولد أخير ليك تختى الشرموطة دي.
وذلك أمام عازة مباشرة وفي حضرة من حضر، لا يهم، تضحك عازة وتجلس على الأرض، (طلب مني أن أركب في ظهرها وفي قفزة سريعة أركب، تنهض بي بالرغم من أرجلي الطويلة تجري بي في الفراغ الذي يقع بين العنبرين.)
وعندما دخل الجاويش فجأة المطبخ، ارتبك الطباخ ،أمر ود أمونة بأن يذهب إلى عنبر الرجال ويحضر الأواني الفارغة.
- بسرعة يا ولد.
وهرب ود أمونة نحو عنبر الرجال.
أدخل هدية الشامة سريعاً في جيبه ثم تحسسها بكف يده اليمنى ليتأكد من استقرارها هناك، باسته على خده قائلة
- أجري غسِّل يديك، عايز تاكل بيهم كدا.
عندما يضع هدية الشامة في علبة التوفير مع ما وفره من هدايا المسجونين والمسجونات وحتى الطباخ نفسه والعساكر، يكون قد تمكن من مبلغ لا يعرف قدره ولكنه يزداد يومياً، ببطء،ولكنه لا ينقص، حتى عندما يرسلونه إلى الدكان القريب أو السوق لإحضار تمباك أو علبة سجائر أو ما شابه ذلك ويطلبون منه الاحتفاظ بالباقي، فهو يبخل على نفسه بقطعة من الحلوى الكثيرة الشهية التي تطل عليه من بين الأرفف والطبليات وفي أيدي الأطفال الذين في عمره، كان يعرف أيضاً المساجين الذين في عنبر الرجال، قد تتغير الأوجه يومياً ولكن المساجين الجدد يُعرفون في اليوم الأول لقدومهم، بالاسم والقبيلة والجريمة والمدينة والقرية والشهرة، جمع بسرعة الأواني التي دفع بها السجناء خارج زنزاناتهم أو عنابرهم ثم أخذ ما يستطيع حمله على جسده الصغير ومضى به نحو المطبخ- كان الصول ما يذال هناك، وعندما رأي ود أمونة يترنح تحت ثقل الأواني صرخ في وجه الطباخ،
إنت عايز تقتل ود المرا دي ولا شنو؟-
فأسرع الطباخ في تناول الأواني من على كتف ود أمونة وهو يعتذر بهمهمة غير مفهومة.
أخرجت الشامة مكافأة صغيرة من مطبقتها وقدمتها لود أمونة نظير متعة التفلية وعربون خدمة قد تطلبها منه في يومٍ ما، العنبر الطويل يحتوى على عشرين سيدة، عجوزتان اتهمتا قبل عشر سنوات ماضية بحيازة جوالين من الحشيش، صبية جميلة رقيقة اعتادت سرقة الذهب والمجوهرات، أمه بائعة عرقي البلح وقد ضاعف قاضٍ غيور على الدين العقوبة عليها سبع مرات لأنها لم تقلع عن الفعل الحرام طالما جلدت مراراً، وغرمت تكراراً وسجنت شهوراً كثيرة متفرقات، الشامة اتهمت بقتل زوجها وتقول إنه شرب الصبغة مع عصير البرتقال من تلقاء نفسه غيرة عليها وأخريات، وأخريات،وأخريات. لكن ود أمونة كان لا يهتم بغير واحدة لا يعرف كم عمرها ولا يفهم طبيعة جريمتها، كانت قليلة الكلام، تغني دائماً بصوتها الشجي وتحكي له قصصاً طويلة تقصر عليه الانتظار الطويل بالسجن، ولو أنها كانت تقضي فترات طويلة، مريضة طريحة بلاط العنبر إلا أنها كانت الأكثر مرحاً، هادئة وطيبة لينة وصبور، أمه لا ترغب في أن يتقرب إلى العازة.
- يا ولد أخير ليك تختى الشرموطة دي.
وذلك أمام عازة مباشرة وفي حضرة من حضر، لا يهم، تضحك عازة وتجلس على الأرض، (طلب مني أن أركب في ظهرها وفي قفزة سريعة أركب، تنهض بي بالرغم من أرجلي الطويلة تجري بي في الفراغ الذي يقع بين العنبرين.)
وعندما دخل الجاويش فجأة المطبخ، ارتبك الطباخ ،أمر ود أمونة بأن يذهب إلى عنبر الرجال ويحضر الأواني الفارغة.
- بسرعة يا ولد.
وهرب ود أمونة نحو عنبر الرجال.
أدخل هدية الشامة سريعاً في جيبه ثم تحسسها بكف يده اليمنى ليتأكد من استقرارها هناك، باسته على خده قائلة
- أجري غسِّل يديك، عايز تاكل بيهم كدا.
عندما يضع هدية الشامة في علبة التوفير مع ما وفره من هدايا المسجونين والمسجونات وحتى الطباخ نفسه والعساكر، يكون قد تمكن من مبلغ لا يعرف قدره ولكنه يزداد يومياً، ببطء،ولكنه لا ينقص، حتى عندما يرسلونه إلى الدكان القريب أو السوق لإحضار تمباك أو علبة سجائر أو ما شابه ذلك ويطلبون منه الاحتفاظ بالباقي، فهو يبخل على نفسه بقطعة من الحلوى الكثيرة الشهية التي تطل عليه من بين الأرفف والطبليات وفي أيدي الأطفال الذين في عمره، كان يعرف أيضاً المساجين الذين في عنبر الرجال، قد تتغير الأوجه يومياً ولكن المساجين الجدد يُعرفون في اليوم الأول لقدومهم، بالاسم والقبيلة والجريمة والمدينة والقرية والشهرة، جمع بسرعة الأواني التي دفع بها السجناء خارج زنزاناتهم أو عنابرهم ثم أخذ ما يستطيع حمله على جسده الصغير ومضى به نحو المطبخ- كان الصول ما يذال هناك، وعندما رأي ود أمونة يترنح تحت ثقل الأواني صرخ في وجه الطباخ،
إنت عايز تقتل ود المرا دي ولا شنو؟-
فأسرع الطباخ في تناول الأواني من على كتف ود أمونة وهو يعتذر بهمهمة غير مفهومة.
ود المحلج- مشرف المنتدى العام
رد: إمرأة من كمبو كديس - لعبد العزيز بركة ساكن
قال لود أمونة بود
يلا أجري العنبر، أمك في انتظارك، تكون جات من الخدمة.-
قال ود أمونة للشامة
أنا ماشي لعازة. -
ردت له في شماتة
إنت ما عارف إنو دخلوها الزنزانة.-
عارف ووديت ليها موية قبيل، مسكينة عازة.-
قالت بصورة حادة
- ما مسكينة ولا حاجة،عازة دي مجرمة.
قال ود أمونة مستغرباً
-مالها، عملت شنو؟ قالت لي هي ما عملت أيّ شئ.
قالت الشامة
. لقوا عندها ممنوعات-
عندها استطاع أن يربط ود أمونة أحداث قبل الأمس، بأحداث يوم أمس بما سمعه اليوم من الشامة.
أحداث أول الأمس.
كانت عازة تحت الحائط الشرقي، لسنا بعيدين عن بُرج المراقبة، حيث كان السجان بريمة بين وقت وآخر يتبادل الكلمات مع العازة وأيضاً السجائر، حدثتني العازة عن أمانة تخصها عند امرأة في الحُمرة بأثيوبيا، وأن المرأة جاءت من هناك، وهي الآن في القضارف ولم تجد طريقة لإحضار الأمانة لها في السجن، لأنها تخاف من البوليس ولها سوابق كثيرة، ثم أضافت ضاحكة
سُمْعَتها سيئة. -
أحسَّ ود أمونة حقيقة بارتباك في تفكيره عند سماعه الجملة الأخيرة (سُمْعَتها سيئة)، ولم يفهم لهذه الجملة معنى محدداً ولكنه، ابتسم واقترح في نفسه أن لها معنى مثل جملة الطعام الفاسد، تجاوز ذلك، أو لم يستطع أن يتجاوز ذلك، قال لها:
يعني مالها؟-
قالت له
!! يعني-
و أحنت رقبتها الطويلة بطريقة عقدت المعنى، ثم أضافت
سجنوها كم مرة.-
زي أمي كدا. -
قالت بسرعة
. أمك مسكينة ما عندها حاجة غير عرقي بلح بس ولكن القاضي قاصدها-
قذف بريمة للعازة بعلبة سجائر برنجي، سقطت على حجرها مباشرة، وعندما نظرت إليه غمز
يلا أجري العنبر، أمك في انتظارك، تكون جات من الخدمة.-
قال ود أمونة للشامة
أنا ماشي لعازة. -
ردت له في شماتة
إنت ما عارف إنو دخلوها الزنزانة.-
عارف ووديت ليها موية قبيل، مسكينة عازة.-
قالت بصورة حادة
- ما مسكينة ولا حاجة،عازة دي مجرمة.
قال ود أمونة مستغرباً
-مالها، عملت شنو؟ قالت لي هي ما عملت أيّ شئ.
قالت الشامة
. لقوا عندها ممنوعات-
عندها استطاع أن يربط ود أمونة أحداث قبل الأمس، بأحداث يوم أمس بما سمعه اليوم من الشامة.
أحداث أول الأمس.
كانت عازة تحت الحائط الشرقي، لسنا بعيدين عن بُرج المراقبة، حيث كان السجان بريمة بين وقت وآخر يتبادل الكلمات مع العازة وأيضاً السجائر، حدثتني العازة عن أمانة تخصها عند امرأة في الحُمرة بأثيوبيا، وأن المرأة جاءت من هناك، وهي الآن في القضارف ولم تجد طريقة لإحضار الأمانة لها في السجن، لأنها تخاف من البوليس ولها سوابق كثيرة، ثم أضافت ضاحكة
سُمْعَتها سيئة. -
أحسَّ ود أمونة حقيقة بارتباك في تفكيره عند سماعه الجملة الأخيرة (سُمْعَتها سيئة)، ولم يفهم لهذه الجملة معنى محدداً ولكنه، ابتسم واقترح في نفسه أن لها معنى مثل جملة الطعام الفاسد، تجاوز ذلك، أو لم يستطع أن يتجاوز ذلك، قال لها:
يعني مالها؟-
قالت له
!! يعني-
و أحنت رقبتها الطويلة بطريقة عقدت المعنى، ثم أضافت
سجنوها كم مرة.-
زي أمي كدا. -
قالت بسرعة
. أمك مسكينة ما عندها حاجة غير عرقي بلح بس ولكن القاضي قاصدها-
قذف بريمة للعازة بعلبة سجائر برنجي، سقطت على حجرها مباشرة، وعندما نظرت إليه غمز
ود المحلج- مشرف المنتدى العام
رد: إمرأة من كمبو كديس - لعبد العزيز بركة ساكن
لها بعينه اليُسرى، فضحكت وضحك، ضمتني عازة إلى صدرها بشدة إلى أن شممت رائحة إبطها وقالت لي هامسة
تساعدني يا ود أمونة.-
كيف؟-
تجيب لي الأمانة من ألم قَشي؟-
ألم قشي؟ -
- إنت ما قلت لي مرا من الحُمرة.
؟ أيوه، إنت ما عارف إنو ألم قشي من الحُمرة-
أضاف في استسلام
- وين ألاقيها؟
قالت وهي تحك بأظافرها سيخ الباب
. في موقف الشُواك -
وكيف أطلع؟ -
قالت لي مبتسمة
- ساهلة، لما يرسلك الطباخ للسجائر زي كل يوم، تقوم جاري لموقف الشواك وتلقاها هناك منتظراك، الكلام دا بعدين، بعد صلاة الضهر. زي كل يوم.
؟ لو ما رسلني الليلة-
قالت بثقة
. حيرسلك، دَخِّلْ الأمانة هنا-
- وين؟
. هنا، هنا-
ولا يدري، أحدث هذا صُدْفَة أم عِنيّة، ولكن استقرت كفها هنالك لوقت خبيث لا بأس به، وقبل أن تشرح له أكثر قرصته برقة فيه، رقة وحشية غامضة، رقة أكثر.
ما حدث بالأمس.
اعتاد ود أمونة أن ينام مع أمه في ذات السرير، أو هي كانت تصرّ على ذلك، ربما خوفها الشديد عليه له ما يبرره، خوفها من الجميع دون فرز، مسجونات ومسجونين، سجانين وعمال سجن، لم يكن هو الطفل الوحيد الذي في صحبة أمه بالسجن، بل كانت هناك ثلاث طفلات، ولكنهن رضيعات ولا يعرفن شيئاً، بل لا يمكن اصابتهن بمكروه ظاهر، لكن طفلها، ود أمونة، طفل التاسعة في خطر دائم من الجميع، لأسباب أهمها أن لإبنها جسداً أكبر من عمره وأنه رغم البؤس وسوء الطعام مع قلته، له جسدٌ سمينٌ وساقان طويلتان مما يجعله أكبر من عمره بكثير، وإذا أضافت إلى ذلك وسامته، فإن الأمر يبدو واضحاً وجليا.ًأمه، تعرف أن الطباخ منحرف، وأنه يتقرب إلى إبنها وقالت لنفسها
- إذا لمس الولد ده لمسة، لمسة حأكتلوا كتلة يتحدث بها الناس إلي يوم القيامة ولكنها تخاف عليه أيضاً من النساء ولو أنه لم يبلغ الحلم بعد ولكنها تعرف أنهن يعرفن كيف يستخدمنه.
ولقد خاطبتهن على ملأ
- أسْمَعنْ يا شراميط هيييي، اليوم الألقى فِيهُ ولدي دا مع واحدة، حأرسلها الآخرة.
ضحكن؛ غِظنها بقولهن إنهن سيفعلن، وإنها فرصة له ليتدرب، ولكنهن في باطن عقولهن،كن يعرفن أنها جادة في قولها وأنها ستفعل.
عندما استيقظت أمه استيقظ، في الحق استيقظ العنبر كله على جَلَبَةِ مصدرها عراك في عنبر الرجال، السبب البنقو.
؟ البنقو-
وكعادة السجانين أنهم يتبعون أقصر الطرق للحصول على الحقيقة وهي الضرب المبرح والقرص بالزردية، لذا لم يستغرق الأمر طويلاً، جاء جاويش يُسمى غلبة إلي عنبر النساء، أمسك بيد عازة، أوقِفَتْ، ثم صُفِعَتْ في وجهها بكف كبير قبل أن يقول لها غلبةُ:
. أرح وراي-
قال ود أمونة للشامة وقد استدرك الأشياء كلها، وربط بينها
. البنقو، مش كدا-
قالت له الشامة
. أيوه، البنقو-
سألها
جابته من وين؟-
قالت له
. أبت تعترف-
قال خائفاً
؟ وإذا دقوها حتعترف-
قالت له
. هم ضربوها ولكن العازة عنيدة، ولو كتلوها ما حتعترف-
جلس عند باب الزنزانة، كانت يدها على يده بين السيخ، قوية وواثقة ودافئة، كانت آثار الضرب واضحة على وجهها، اعتاد ود أمونة على هذه المناظر وما عادت تؤلمه كثيراً، فقد رأى أمه مراراً بوجه متورم وظهر متقيح بل شاهد ذات مرة الجاويش غلبة يتحرش جنسياً بوالدته وعندما أبعدته عن نفسها، قام بصفعها في وجهها عدة مرات.
قال بصوت ضعيف مرتجف
. حيقبضوني-
ضحكت العازة مؤكدة له أن الشئ الذي أحضره من ألم قشي ليس هو البنقو ولا شئ ممنوع وفتحت له كيساً كان قربها وأخرجت منه لفافة، هي ذات اللفافة التي أحضرها، مدتها إليه قائلة
. افتحها-
أبعد يديه في خوف
. لا-
. أقول ليك شوف فيها شنو، عشان تتأكد-
وعندما رفض وحاول أن يهرب، قامت بفضها، فلم يكن بها سوى قطن طبي، قالت له
- قطن، قطن تحتاج ليهُ النُسوان، وهو ممنوع في السجن لأن المساجين بيعملوا منه قنابل بالبنزين.
لم يقتنع ود أمونة ولكنه أحس براحة نفسية عميقة، قالت له
تساعدني يا ود أمونة.-
كيف؟-
تجيب لي الأمانة من ألم قَشي؟-
ألم قشي؟ -
- إنت ما قلت لي مرا من الحُمرة.
؟ أيوه، إنت ما عارف إنو ألم قشي من الحُمرة-
أضاف في استسلام
- وين ألاقيها؟
قالت وهي تحك بأظافرها سيخ الباب
. في موقف الشُواك -
وكيف أطلع؟ -
قالت لي مبتسمة
- ساهلة، لما يرسلك الطباخ للسجائر زي كل يوم، تقوم جاري لموقف الشواك وتلقاها هناك منتظراك، الكلام دا بعدين، بعد صلاة الضهر. زي كل يوم.
؟ لو ما رسلني الليلة-
قالت بثقة
. حيرسلك، دَخِّلْ الأمانة هنا-
- وين؟
. هنا، هنا-
ولا يدري، أحدث هذا صُدْفَة أم عِنيّة، ولكن استقرت كفها هنالك لوقت خبيث لا بأس به، وقبل أن تشرح له أكثر قرصته برقة فيه، رقة وحشية غامضة، رقة أكثر.
ما حدث بالأمس.
اعتاد ود أمونة أن ينام مع أمه في ذات السرير، أو هي كانت تصرّ على ذلك، ربما خوفها الشديد عليه له ما يبرره، خوفها من الجميع دون فرز، مسجونات ومسجونين، سجانين وعمال سجن، لم يكن هو الطفل الوحيد الذي في صحبة أمه بالسجن، بل كانت هناك ثلاث طفلات، ولكنهن رضيعات ولا يعرفن شيئاً، بل لا يمكن اصابتهن بمكروه ظاهر، لكن طفلها، ود أمونة، طفل التاسعة في خطر دائم من الجميع، لأسباب أهمها أن لإبنها جسداً أكبر من عمره وأنه رغم البؤس وسوء الطعام مع قلته، له جسدٌ سمينٌ وساقان طويلتان مما يجعله أكبر من عمره بكثير، وإذا أضافت إلى ذلك وسامته، فإن الأمر يبدو واضحاً وجليا.ًأمه، تعرف أن الطباخ منحرف، وأنه يتقرب إلى إبنها وقالت لنفسها
- إذا لمس الولد ده لمسة، لمسة حأكتلوا كتلة يتحدث بها الناس إلي يوم القيامة ولكنها تخاف عليه أيضاً من النساء ولو أنه لم يبلغ الحلم بعد ولكنها تعرف أنهن يعرفن كيف يستخدمنه.
ولقد خاطبتهن على ملأ
- أسْمَعنْ يا شراميط هيييي، اليوم الألقى فِيهُ ولدي دا مع واحدة، حأرسلها الآخرة.
ضحكن؛ غِظنها بقولهن إنهن سيفعلن، وإنها فرصة له ليتدرب، ولكنهن في باطن عقولهن،كن يعرفن أنها جادة في قولها وأنها ستفعل.
عندما استيقظت أمه استيقظ، في الحق استيقظ العنبر كله على جَلَبَةِ مصدرها عراك في عنبر الرجال، السبب البنقو.
؟ البنقو-
وكعادة السجانين أنهم يتبعون أقصر الطرق للحصول على الحقيقة وهي الضرب المبرح والقرص بالزردية، لذا لم يستغرق الأمر طويلاً، جاء جاويش يُسمى غلبة إلي عنبر النساء، أمسك بيد عازة، أوقِفَتْ، ثم صُفِعَتْ في وجهها بكف كبير قبل أن يقول لها غلبةُ:
. أرح وراي-
قال ود أمونة للشامة وقد استدرك الأشياء كلها، وربط بينها
. البنقو، مش كدا-
قالت له الشامة
. أيوه، البنقو-
سألها
جابته من وين؟-
قالت له
. أبت تعترف-
قال خائفاً
؟ وإذا دقوها حتعترف-
قالت له
. هم ضربوها ولكن العازة عنيدة، ولو كتلوها ما حتعترف-
جلس عند باب الزنزانة، كانت يدها على يده بين السيخ، قوية وواثقة ودافئة، كانت آثار الضرب واضحة على وجهها، اعتاد ود أمونة على هذه المناظر وما عادت تؤلمه كثيراً، فقد رأى أمه مراراً بوجه متورم وظهر متقيح بل شاهد ذات مرة الجاويش غلبة يتحرش جنسياً بوالدته وعندما أبعدته عن نفسها، قام بصفعها في وجهها عدة مرات.
قال بصوت ضعيف مرتجف
. حيقبضوني-
ضحكت العازة مؤكدة له أن الشئ الذي أحضره من ألم قشي ليس هو البنقو ولا شئ ممنوع وفتحت له كيساً كان قربها وأخرجت منه لفافة، هي ذات اللفافة التي أحضرها، مدتها إليه قائلة
. افتحها-
أبعد يديه في خوف
. لا-
. أقول ليك شوف فيها شنو، عشان تتأكد-
وعندما رفض وحاول أن يهرب، قامت بفضها، فلم يكن بها سوى قطن طبي، قالت له
- قطن، قطن تحتاج ليهُ النُسوان، وهو ممنوع في السجن لأن المساجين بيعملوا منه قنابل بالبنزين.
لم يقتنع ود أمونة ولكنه أحس براحة نفسية عميقة، قالت له
ود المحلج- مشرف المنتدى العام
رد: إمرأة من كمبو كديس - لعبد العزيز بركة ساكن
- أنا ما بعت أي بنقو للمساجين- ولا يحزنون- وما تخاف عليّ ولا على نفسك-
قبل غروب الشمس بقليل جاءت أمه، كان قد استحم وغسل جُلبابه الآخر وحذاءه البلاستيكي وانتظرها راقداً على السرير، كاد أن ينام، رمت عليه كيساً صغيراً به تفاحة وقطعة حلاوة المولد، ورغيف وطحنية.
- الليلة اشتغلنا غسيل في بيت المأمور، غسلنا ملابس ناس الحِلة كُلها.
(-------) -
قالت له أمه في حنية وهي تمسح رأسه بكفها
؟ كنت وين بالنهار؟ رسلوك للدكان والسوق-
. غسلت العدة للطباخ واتونست مع عازة، لو شفتي يا أمي دقوها دق-
قالت أمونة جملة واحدة ورمت بنفسها على السرير قربه
. تستاهل-
؟ ليه يا أمي-
؟ البت دي قليلة أدب شوية، الوداها تبيع البنقو شنو-
قال دون تركيز
. يا أمي هي عندها قطن مش بنقو-
قالت مستغربة
؟ قطن شنو؟ في قطن يبيعوه-
. والله أنا شُفتُهُ-
. إنت ما عايز تختى الزولة دي، أنا مش قلت ليك ما تكون معاها-
سكت ود أمونة قليلاً، بدأ يقضم جزءاً كبيراً من التفاحة، أكلها باستمتاع ظاهر، قال
. كل يوم جيبي لي تفاحة-
. كويس-
عندما نامت أمه، أخذ ما تبقى من الكيس ومضى نحو الزنزانة، كان الظلام قد بدأ يهبط ولكن الإضاءة الضعيفة عبر الممر دائماً ما تمكنه من التجول بسهولة في أنحاء السجن، كما أن الحرس قد اعتادوا عليه ولا يعترضون تجواله بل يرحبون به ويداعبونه ويرسلونه، على كلٍ، هو شخص محبوب هنا، رفضت العازة في بادئ الأمر تناول ساندوتش الطحنية الذي مده إليها ود أمونة، ولكنه عندما بدأ يبكي، أخذته منه، كانت جائعة جداً وبدت له شاحبة وهزيلة وأظهرتها الإضاءة الباهتة مثل شبح كبير حقيقي، ولكن كفها الدافئة تؤكدها باستمرار وتسري في نفسه بهجة وحباً، لأول مرة تسأله عن والده، قال لها
-أمي قالت لي أبوي يمني، وقالت رجع اليمن، كان عنده دكان في الحلة، عرس أمي وطلقها.
؟ ما عندك أخوان تاني-
. لا، أنا وأمي بس، أهل أمي في البلد-
وين بلدكم ؟ -
- والله ما عارفها، أمي قاعدة تقول البلد، والبلد دي وين؟ أنا ما شفتها.. أنا ولدوني في (الحلة) وما مشيت أي مكان تاني غير جينا هنا القضارف في السجن، دخلت مع أمي كتير.... قالوا من ما كنت برضع، ولكنها طلعت ودخلوها تاني
- أنا حأطلع قبل أمك.. لو أمك وافقت حآخدك معاي أنا عندي أهل وأسرة في القضارف هنا.. تعيش معانا في البيت لحدي ما تطلع أمك من السجن: كويس؟
قال لها في يأس
. أمي ما بتقبل.. لو علي أنا... حأمشي معاك طوالي -
حأحاولها، إن شاء الله تقبل... إنت لازم تمشي المدرسة. هسه عمرك كم؟ -
- تسعة سنين.. ما حيقبلوني في المدرسة؟ أنا حأمشي اشتغل مع الميكانيكيين عشان أطلع سواق وميكانيكي.
قالت بصورة مؤثرة
. لأ.. حتقرأ وتطلع دكتور-
قَدّمَ لها قطعة كبيرة من حلاوة المولد وهو يضيف
. وأمي قالت بدون شهادة ميلاد مافي ليّ طريقة-
قالت وقد رأى بريق عينيها عبر ضوء الممر الخافت
حأطلع ليك شهادة تسنين، وحأدخلك المدرسة.. أنا بعرف مدير مرحلة الأساس، قاعد يجي بيتنا في القضارف، وبعرف الزول البيطلع شهادات التسنين، ما عندك أي مشكلة، بس كيف أمك توافق.
مرّ بهما جاك طويلة، وهو شرطي نحيف طويل اسمه علي، يعرفونه بالجاك طويلة، شخص مرح ويُعْرَفْ بأنه متدين، ودائماً ما يؤم السجانين في الصلاة، قال مخاطباً عازة
. لقيتي زول تتونسي معاه-
ردت عليه عازة
. الله كريم-
قال وهو يمسك باب الزنزانة
. لاقيت أبوك اليوم الصباح-
طبعاً ما سأل مني. -
. قاللي لو طلعتوها من السجن، أخوانها حيقتلوها. أخير تكون قاعدة معاكم-
قالت بإصرار:
- مافيش زُول يقدر يقتلني.. والراجل يمد إيدو علي، وأنا حأطلع بعد شهر. ونشوف: الحشاش يملأ شبكته.
قال وهو يحملق في وجهها الذي ألصقته بسيخ الباب.
سافري من البلد، أمشي أي مكان تاني تعيشي فيهو، وإنت زولة متعلمة.. وعندك مهنة، -
قالت محاولة أن تبتسم
؟ الغُنَا دا كمان مهنة -
لييه؟؟ الفنانين ديل دخلهم دهب. -
- أنا حأشتغل أبيع شاي، وفي القضارف، وعارفه ما فيهم واحد راجل يقدر يلمسني كان أحمد ولا الصادق.
قال لها مغيراً مجرى الحديث
- المأمور قال بُكرة حيطلعك من الزنزانة للعنبر، ولكن حيكتبك إقرار عشان ما تقومي بأي عمل إجرامي هنا في السجن.
قالت
قبل غروب الشمس بقليل جاءت أمه، كان قد استحم وغسل جُلبابه الآخر وحذاءه البلاستيكي وانتظرها راقداً على السرير، كاد أن ينام، رمت عليه كيساً صغيراً به تفاحة وقطعة حلاوة المولد، ورغيف وطحنية.
- الليلة اشتغلنا غسيل في بيت المأمور، غسلنا ملابس ناس الحِلة كُلها.
(-------) -
قالت له أمه في حنية وهي تمسح رأسه بكفها
؟ كنت وين بالنهار؟ رسلوك للدكان والسوق-
. غسلت العدة للطباخ واتونست مع عازة، لو شفتي يا أمي دقوها دق-
قالت أمونة جملة واحدة ورمت بنفسها على السرير قربه
. تستاهل-
؟ ليه يا أمي-
؟ البت دي قليلة أدب شوية، الوداها تبيع البنقو شنو-
قال دون تركيز
. يا أمي هي عندها قطن مش بنقو-
قالت مستغربة
؟ قطن شنو؟ في قطن يبيعوه-
. والله أنا شُفتُهُ-
. إنت ما عايز تختى الزولة دي، أنا مش قلت ليك ما تكون معاها-
سكت ود أمونة قليلاً، بدأ يقضم جزءاً كبيراً من التفاحة، أكلها باستمتاع ظاهر، قال
. كل يوم جيبي لي تفاحة-
. كويس-
عندما نامت أمه، أخذ ما تبقى من الكيس ومضى نحو الزنزانة، كان الظلام قد بدأ يهبط ولكن الإضاءة الضعيفة عبر الممر دائماً ما تمكنه من التجول بسهولة في أنحاء السجن، كما أن الحرس قد اعتادوا عليه ولا يعترضون تجواله بل يرحبون به ويداعبونه ويرسلونه، على كلٍ، هو شخص محبوب هنا، رفضت العازة في بادئ الأمر تناول ساندوتش الطحنية الذي مده إليها ود أمونة، ولكنه عندما بدأ يبكي، أخذته منه، كانت جائعة جداً وبدت له شاحبة وهزيلة وأظهرتها الإضاءة الباهتة مثل شبح كبير حقيقي، ولكن كفها الدافئة تؤكدها باستمرار وتسري في نفسه بهجة وحباً، لأول مرة تسأله عن والده، قال لها
-أمي قالت لي أبوي يمني، وقالت رجع اليمن، كان عنده دكان في الحلة، عرس أمي وطلقها.
؟ ما عندك أخوان تاني-
. لا، أنا وأمي بس، أهل أمي في البلد-
وين بلدكم ؟ -
- والله ما عارفها، أمي قاعدة تقول البلد، والبلد دي وين؟ أنا ما شفتها.. أنا ولدوني في (الحلة) وما مشيت أي مكان تاني غير جينا هنا القضارف في السجن، دخلت مع أمي كتير.... قالوا من ما كنت برضع، ولكنها طلعت ودخلوها تاني
- أنا حأطلع قبل أمك.. لو أمك وافقت حآخدك معاي أنا عندي أهل وأسرة في القضارف هنا.. تعيش معانا في البيت لحدي ما تطلع أمك من السجن: كويس؟
قال لها في يأس
. أمي ما بتقبل.. لو علي أنا... حأمشي معاك طوالي -
حأحاولها، إن شاء الله تقبل... إنت لازم تمشي المدرسة. هسه عمرك كم؟ -
- تسعة سنين.. ما حيقبلوني في المدرسة؟ أنا حأمشي اشتغل مع الميكانيكيين عشان أطلع سواق وميكانيكي.
قالت بصورة مؤثرة
. لأ.. حتقرأ وتطلع دكتور-
قَدّمَ لها قطعة كبيرة من حلاوة المولد وهو يضيف
. وأمي قالت بدون شهادة ميلاد مافي ليّ طريقة-
قالت وقد رأى بريق عينيها عبر ضوء الممر الخافت
حأطلع ليك شهادة تسنين، وحأدخلك المدرسة.. أنا بعرف مدير مرحلة الأساس، قاعد يجي بيتنا في القضارف، وبعرف الزول البيطلع شهادات التسنين، ما عندك أي مشكلة، بس كيف أمك توافق.
مرّ بهما جاك طويلة، وهو شرطي نحيف طويل اسمه علي، يعرفونه بالجاك طويلة، شخص مرح ويُعْرَفْ بأنه متدين، ودائماً ما يؤم السجانين في الصلاة، قال مخاطباً عازة
. لقيتي زول تتونسي معاه-
ردت عليه عازة
. الله كريم-
قال وهو يمسك باب الزنزانة
. لاقيت أبوك اليوم الصباح-
طبعاً ما سأل مني. -
. قاللي لو طلعتوها من السجن، أخوانها حيقتلوها. أخير تكون قاعدة معاكم-
قالت بإصرار:
- مافيش زُول يقدر يقتلني.. والراجل يمد إيدو علي، وأنا حأطلع بعد شهر. ونشوف: الحشاش يملأ شبكته.
قال وهو يحملق في وجهها الذي ألصقته بسيخ الباب.
سافري من البلد، أمشي أي مكان تاني تعيشي فيهو، وإنت زولة متعلمة.. وعندك مهنة، -
قالت محاولة أن تبتسم
؟ الغُنَا دا كمان مهنة -
لييه؟؟ الفنانين ديل دخلهم دهب. -
- أنا حأشتغل أبيع شاي، وفي القضارف، وعارفه ما فيهم واحد راجل يقدر يلمسني كان أحمد ولا الصادق.
قال لها مغيراً مجرى الحديث
- المأمور قال بُكرة حيطلعك من الزنزانة للعنبر، ولكن حيكتبك إقرار عشان ما تقومي بأي عمل إجرامي هنا في السجن.
قالت
ود المحلج- مشرف المنتدى العام
رد: إمرأة من كمبو كديس - لعبد العزيز بركة ساكن
قال ضاحكاً
. إنت بس لو ختيتي بنات حي فوق ديل، مافي حاجة بتجيك-
قالت بضيق
- أنا يا مولانا ما عملت حاجة، يعني شنو لو لقوني في بيت عزابة؟ ولييه ما سجنوا العزابة؟؟
قال
. العزابة هربوا-
قالت بمرارة
- كلهم معروفين.. وقاعدين في القضارف، ولو عايز هسه أرح أمشي معاي أسلمك ليهم واحد واحد..... ومنو القال ليك هم عزابة؟
قال في صوت خفيض
- دي مسئولية المباحث والتحري والقاضي، أنا زول شغال في السجن هنا، يجيبوا لي أحرس، ما جابوا... ما عندي غرض بزول.
أيضاً لم يفهم ود أمونة ماذا يعني أن يقبضوا على امرأة إذا دخلت بيت (عزابة) اعتبر ذلك مثل الطعام الفاسد أيضاً.
عندما مضى جاك طويلة جلست معطية ظهرها للباب الحديد،وخلف السيخ كان ود أمونة يمشط شعرها بخلاله وهي تغني بصوت شجي عميق:
من طرف الحبيب جات أغرب رسايل
يحكي عتابُهُ فيها
قال ناسينُهُ قايل
قال ناسينُهُ قايل
هذه الأغنية لا تعجبه، تعجبه أغنية
ما هي دنيتنا الجميلة
شوفو دنيتنا الجميلة
بأزهارها بأشجارها ونخيلها
غنتها له، عندما دقّ جرس النوم، أي دوي الطرق على القضيب المعلق وسط السجن معلناً أن الساعة الآن التاسعة مساءً، تلمس ود أمونة الطريق نحو عنبر النساء، وهو في الطريق، لأول مرة يفكر في شيئين: أبوه والمدرسة.
وهما شيئان ما طرقا باب مخيلته من قبل، هو لم ير أباه في يوم ما، ولا حتى صورته بل لم تحدثه عنه أمه إطلاقاً، وما قاله للعازة ليس سوى بعض مما سمع من حديث لأمه مع جارة لها، قبل أعوام كثيرة ولم ينسه، أعمل فيه بعض الخيال وقاله لها.
أما المدرسة فلم يفكر فيها، كأنما هي شئ لا يعنيه على الإطلاق، وهي حلم كبير لا تسعه مخيلته، فقد دخل السجن في هذه المرة الأخيرة مع أمه منذ سنتين، أي أنه كان في السابعة من عمره وهو العام ذاته الذي التحق فيه أنداده من أطفال الجيران بالمدرسة، فهو لم يرهم يذهبون إليها ولا يعرف عنهم شيئاً منذ عامين، مازال يتخيلهم يلعبون في الخور وعند الماسورة المتعطلة أو يصطادون الطيور، الفراشات، الجراد والفئران، أو يلعبون دكاتره وممرضات مع البنات اللائى في أعمارهم، يجرون بترتاراتهم، يركبون الحمير السائبة وفي موسم الصمغ يذهبون إلى زريبة المحاصيل لخطف الصمغ من الحاجات وعند العصر يلعبون حرب حرب، ضد أولاد الحي المجاور، أما أن يذهبوا إلى المدرسة، فهذه فكرة لا يعرف إليها سبيلاً.
وجد أمه ما تزال نائمة ويعرف أنها لن تستيقظ إلا عند صلاة الصبح حيث يصلي جميع المسجونين في العنابر صلاة جماعية إجبارية في الميدان وسط السجن، الرجال في الأمام والنساء خلفهم، ود أمونة وحده خلف النساء، قرر بينه وبين نفسه أنه بعد صلاة الصبح سيسأل أمه عن أبيه ويطلب منها أن ترسله إلى المدرسة، وعندما نام، حلم بأنه ذهب إلى المدرسة، كان يحمل حقيبة كبيرة فارغة، قابله مدير المدرسة وهو طباخ السجن ذاته، ملأ له الحقيبة بالكتب والكراسات وقدّم له حَلَّة كبيرة مملوءة بالعدس والطحنية، وقال له
خذها إلى العازة، وقول ليها دي جنازة أبوك. -
فَجَرّ الجثة خلفه عبر ممرات الزنازين، إلى أن أوصل الفرس إلى عزة، ركبا الفرس ْ وهربا بعيداً، كان الأشرار يطاردونهما عبر النجوم والغابات، ولكنهما مضيا على متن سحابة كبيرة ممطرة إلى الأعلى.. الأعلى... الأعلى... الأعلى.
حدثهم جاك طويلة عن عذابات يوم القيامة، كأنما كان يخاطبهم فرداً فرداً، عذاب السارق، عذاب القاتل، عذاب اللوطي، عذاب الشرموطة، عذاب صانع الخمرة، شاربها، مناولها، بائعها، ناقلها والمنقولة إليه، عذاب من لم يطع الحاكم،السياسي، عذاب من يهرب من العدالة، من يحرض على الهرب، الكاذب، الغاضب، الذي يموت وفي عنقه دين، المتمرد، الزاني، المزور، الذي لا يصلي، من أفطر في نهار رمضان، ثم تحدث عن عذاب الكافر وذكر تحت هذا المسمى:
الشيوعي،
والشيعي،
والمسيحي،
واليهودي،
والوثني،
والأمريكي،
وناكح الفرجين،
وناكح الرجل،
والرجل المنكوح،
الساحر، تارك الصلاة،والخامسية،
والخنزير، شجرة الزقوم
وآكل الخنزير، وآكل الزقوم
وقاتل النفس البشرية ولكن بغير حق.
وآكل مال اليتامى.
ولكي لا يغلق الباب الذي فتحه الله للإنسان، أكد أن التائب من الذنب كمن لا ذنب له.
(سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين)
ود المحلج- مشرف المنتدى العام
رد: إمرأة من كمبو كديس - لعبد العزيز بركة ساكن
اذهبوا إلى عنابركم يرحمكم الله.
قال لأمه وهو يُمسك بثوبها لكي تقلل من سرعتها، حيث أن الجميع يهرول من ميدان الصلاة هرولة الى العنبر،ليكملون نومهم.
أبوي وين؟ -
قالت مندهشة وهي تقف فجأة وتنظر إليه في استغراب كأنها تراه لأول مرة في حياتها.
الليلة من وين طريت أبوك؟ بسم الله الرحمن الرحيم، -
. بس عايز أعرف -
. أبوك في اليمن... طلقني ومشى اليمن، وإنا لسع ما ولدتك-
- مش حايجي تاني؟
أجابت متثائبة
؟ أنا نعسانة و عايزة أنوم. -والله ما عارفاهُ، لمّان تكبر تمشي تفتش عنُو في اليمن، كويس صمت قليلاً ثم قال
. أنا عايز أخش المدرسة-
- يا ولد، إنت جنيت؟ الليلة مالك؟ من الصباح دا قايم عليّ... كدي قول بسم الله، وخلي الشمس تطلع، إنت قايل المدرسة دي ساي كدا.. حتقعد مع منو؟ حتأكل من وين؟ والرسوم والكتب، وشهادة الميلاد.... زول شهادة ما عنده!
قالتها بطريقة كأنها تحمله المسؤولية كاملة، هي عدم امتلاكه لشهادة الميلاد، ثم أضافت برقة.
- كدي خليني أطلع من السجن وأشوف لي شُغل، إن شاء الله فراشة بعد داك أدخلك المدرسة.
قال لها وهو يمسح وجهه بظهر كفه
لمّان تخرج عازة من السِجن بعد شهر أنا حأمشي معاها، هي حتدخلني المدرسة-
هي قالت ليك كدا؟ -
رد في تردد
. أنا قلت بَرَايْ -
قالت بصورة قاطعة لا تخلو من الحنق:
- حنطلع من السجن دا أنا وإنت في وقت واحد: سَوا سَوا، شيطان ما حياخدك مني.. إنت ولدي أنا، ود أمونة: فاهم.
قال لأمه وهو يُمسك بثوبها لكي تقلل من سرعتها، حيث أن الجميع يهرول من ميدان الصلاة هرولة الى العنبر،ليكملون نومهم.
أبوي وين؟ -
قالت مندهشة وهي تقف فجأة وتنظر إليه في استغراب كأنها تراه لأول مرة في حياتها.
الليلة من وين طريت أبوك؟ بسم الله الرحمن الرحيم، -
. بس عايز أعرف -
. أبوك في اليمن... طلقني ومشى اليمن، وإنا لسع ما ولدتك-
- مش حايجي تاني؟
أجابت متثائبة
؟ أنا نعسانة و عايزة أنوم. -والله ما عارفاهُ، لمّان تكبر تمشي تفتش عنُو في اليمن، كويس صمت قليلاً ثم قال
. أنا عايز أخش المدرسة-
- يا ولد، إنت جنيت؟ الليلة مالك؟ من الصباح دا قايم عليّ... كدي قول بسم الله، وخلي الشمس تطلع، إنت قايل المدرسة دي ساي كدا.. حتقعد مع منو؟ حتأكل من وين؟ والرسوم والكتب، وشهادة الميلاد.... زول شهادة ما عنده!
قالتها بطريقة كأنها تحمله المسؤولية كاملة، هي عدم امتلاكه لشهادة الميلاد، ثم أضافت برقة.
- كدي خليني أطلع من السجن وأشوف لي شُغل، إن شاء الله فراشة بعد داك أدخلك المدرسة.
قال لها وهو يمسح وجهه بظهر كفه
لمّان تخرج عازة من السِجن بعد شهر أنا حأمشي معاها، هي حتدخلني المدرسة-
هي قالت ليك كدا؟ -
رد في تردد
. أنا قلت بَرَايْ -
قالت بصورة قاطعة لا تخلو من الحنق:
- حنطلع من السجن دا أنا وإنت في وقت واحد: سَوا سَوا، شيطان ما حياخدك مني.. إنت ولدي أنا، ود أمونة: فاهم.
ود المحلج- مشرف المنتدى العام
رد: إمرأة من كمبو كديس - لعبد العزيز بركة ساكن
تِسِكِع ْ وتِلِكِعْ
جميعهم رجال. تهتف رائحة العرق المشوي بشمس الدَرَتْ الحارقة، شمس سبتمبر، تملأ الأنوف زنخاً لا يُحتمل. الجنقو يتشابهون في كل شئ، يقفزون في مشيهم كغربان هرمة ترقص حول فريستها، يلبسون قمصاناً جديدةً، ياقاتها تحفل بالأوساخ التي عمل العرق وعملت الشمس وريح السموم، التُربة الطينية السوداء على جعلها شاهداً على صراع مرير مع المكان والطقس، يفضلون الجينز ذي الجيوب الكبيرة والعلامات التجارية البارزة، المكتوبة بخطوط كبيرة مثل: كونز، وانت، ديوب، لي مان، ونستون وغيرها، لا يعرفون ماذا تعني، لكنها تعجبهم ويفضلونها على غيرها، ويدفعون لأجل الحصول عليها مالاً سخياً، يحيطون خصورهم بأحزمة الجلد الصناعي، فتبدو هيئاتهم كمخلوقات غريبة لا تنتمي للمكان، لكنها تقلد كل شئ فيه بالأخص كُلّيقَةْ السمسم المحزومة جيداً، أحذيتهم التي كانت جديدة، لامعة وأنيقة في أوآخر ديسمبر الماضي، الآن هي ذكرى تلك، مزق متسخة ذات أخرام وألوان يصعب تحديدها في الغالب، لا يهتم أحد بتهذيب شعر رأسه، فيما بعد حدثنا ود أمونة بأن عاناتهم كثة وأنهم يهملونها، يتركون شعر رأسهم الذي يميل للحمرة من فعل الشمس كثاً متشابكاً قصيراً أو طويلاً في مستعمرات للشرا.
للجنقاوي أو الجنقوجوراى عدة اسماء على مر السنة وشهورها و فصولها: فهو كَاتَاكَوْ، في الفترة ما بين ديسمبر إلي مارس حيث يعمل في مزارع السكر بكنانة، ومصنع سُكر خشم القربة، عسلاية أو الجنيد.
ويُسَمى فَحْامِي، في الفترة ما بين أبريل إلى مايو حيث يعمل أم بحتي؛ أي منظفاً للمشروعات الجديدة أو المهملة من الأشجار، ويصنع من سُوقها وفروعها الفحم النباتي.
ويُسَمى جنقو أو جنقوجورا، في الفِترة ما بين يونيو وديسمبر، أي منذ هُطول الأمطار، إلى نهاية موسم حصاد السمسم. أما خلال السنة كلها فتطلق عليه النساء إسم فَدّادِي. وبالمقابل يُسَمِي هو النساء اللائي يصنعن المريسة والعرقي فداديات، وعرفنا أيضا من بعض الجنقو الذين أتوا من الفاشر و نيالا، أنّ اسم الجنقوجورا هو المستخدم عندهم، للدالة على ما نُسميه نحن في الشرق إختصارا جنقو، بالتالي لا يطلقون لفظ جنقاوي للمفرد كما نفعل، بل جنقوجوراى.
هي ليست المرة الأولى التي نصطحب فيها بعضنا، أنا وهو، إلى مكان لا نعرفه ولن تكون الأخيرة، فمنذ أن طُردنا من وظائفنا للصالح العام، قبل خمس سنوات، تجولنا كثيراً في شتى بقاع السودان، شماله، جنوبه، غربه وشرقه، كان هو من أسرة ثرية، ويحتفظ بمال كثير لنفسه يمكنه من أن يتفرغ بقية حياته كلها للجري وراء متعة المشاهدة، كما أطلقنا على ما نقوم به من (تِسِكِع ْ وتِلِكِعْ) في بلاد الله الشاسعة. أنا فقير. لكني عازب ولا أتحمل مسؤولية أحدٍ غير نفسي، أخواني وأخواتي متزوجون، بعضهم خارج السودان، والبعض الآخر في الداخل، واتخذوا طريقهم المحتوم في الحياة، أمي وأبي متوفيان، هو يساعدني كثيراً في تحمل مصاريف السفر ومتعة المشاهدة، وأنا أوفر له الرفقة الطيبة، ويقول الناس عندنا: الرفيق قبل الطريق.
دندن في صوت مرح
جميعهم رجال. تهتف رائحة العرق المشوي بشمس الدَرَتْ الحارقة، شمس سبتمبر، تملأ الأنوف زنخاً لا يُحتمل. الجنقو يتشابهون في كل شئ، يقفزون في مشيهم كغربان هرمة ترقص حول فريستها، يلبسون قمصاناً جديدةً، ياقاتها تحفل بالأوساخ التي عمل العرق وعملت الشمس وريح السموم، التُربة الطينية السوداء على جعلها شاهداً على صراع مرير مع المكان والطقس، يفضلون الجينز ذي الجيوب الكبيرة والعلامات التجارية البارزة، المكتوبة بخطوط كبيرة مثل: كونز، وانت، ديوب، لي مان، ونستون وغيرها، لا يعرفون ماذا تعني، لكنها تعجبهم ويفضلونها على غيرها، ويدفعون لأجل الحصول عليها مالاً سخياً، يحيطون خصورهم بأحزمة الجلد الصناعي، فتبدو هيئاتهم كمخلوقات غريبة لا تنتمي للمكان، لكنها تقلد كل شئ فيه بالأخص كُلّيقَةْ السمسم المحزومة جيداً، أحذيتهم التي كانت جديدة، لامعة وأنيقة في أوآخر ديسمبر الماضي، الآن هي ذكرى تلك، مزق متسخة ذات أخرام وألوان يصعب تحديدها في الغالب، لا يهتم أحد بتهذيب شعر رأسه، فيما بعد حدثنا ود أمونة بأن عاناتهم كثة وأنهم يهملونها، يتركون شعر رأسهم الذي يميل للحمرة من فعل الشمس كثاً متشابكاً قصيراً أو طويلاً في مستعمرات للشرا.
للجنقاوي أو الجنقوجوراى عدة اسماء على مر السنة وشهورها و فصولها: فهو كَاتَاكَوْ، في الفترة ما بين ديسمبر إلي مارس حيث يعمل في مزارع السكر بكنانة، ومصنع سُكر خشم القربة، عسلاية أو الجنيد.
ويُسَمى فَحْامِي، في الفترة ما بين أبريل إلى مايو حيث يعمل أم بحتي؛ أي منظفاً للمشروعات الجديدة أو المهملة من الأشجار، ويصنع من سُوقها وفروعها الفحم النباتي.
ويُسَمى جنقو أو جنقوجورا، في الفِترة ما بين يونيو وديسمبر، أي منذ هُطول الأمطار، إلى نهاية موسم حصاد السمسم. أما خلال السنة كلها فتطلق عليه النساء إسم فَدّادِي. وبالمقابل يُسَمِي هو النساء اللائي يصنعن المريسة والعرقي فداديات، وعرفنا أيضا من بعض الجنقو الذين أتوا من الفاشر و نيالا، أنّ اسم الجنقوجورا هو المستخدم عندهم، للدالة على ما نُسميه نحن في الشرق إختصارا جنقو، بالتالي لا يطلقون لفظ جنقاوي للمفرد كما نفعل، بل جنقوجوراى.
هي ليست المرة الأولى التي نصطحب فيها بعضنا، أنا وهو، إلى مكان لا نعرفه ولن تكون الأخيرة، فمنذ أن طُردنا من وظائفنا للصالح العام، قبل خمس سنوات، تجولنا كثيراً في شتى بقاع السودان، شماله، جنوبه، غربه وشرقه، كان هو من أسرة ثرية، ويحتفظ بمال كثير لنفسه يمكنه من أن يتفرغ بقية حياته كلها للجري وراء متعة المشاهدة، كما أطلقنا على ما نقوم به من (تِسِكِع ْ وتِلِكِعْ) في بلاد الله الشاسعة. أنا فقير. لكني عازب ولا أتحمل مسؤولية أحدٍ غير نفسي، أخواني وأخواتي متزوجون، بعضهم خارج السودان، والبعض الآخر في الداخل، واتخذوا طريقهم المحتوم في الحياة، أمي وأبي متوفيان، هو يساعدني كثيراً في تحمل مصاريف السفر ومتعة المشاهدة، وأنا أوفر له الرفقة الطيبة، ويقول الناس عندنا: الرفيق قبل الطريق.
دندن في صوت مرح
ود المحلج- مشرف المنتدى العام
رد: إمرأة من كمبو كديس - لعبد العزيز بركة ساكن
رجال... رجال... نحن في حلم؟-
قلت له
. أنا شفت واحدة قبل شوية -
يبدو أن الشاب العِشريني الذي يجلس قربنا، الوسيم، الذي يحتسي قهوته، لم يكن منشغلاً بموضوعات الحصاد، الربح والخسارة، العنتت و القبورالكعوك وطيور أم عويدات وود أبرق، كما هو الحال عند الجميع وبمن فيهم صاحب القهوة البدوي الشاب كث الشعر، أو بما تقدمه له رشفات القهوة من متعة تبدوعظيمة، كانت أذنيه تتصيدا ما نهمس به، ربما ما نفكر فيه أيضاً، قال لنا دون مقدمات، بحماس عالٍ ساذج.
. إنتوا ما مشيتوا بيت الأم، معقول؟! لازم تمشوا بيت الأم -
قلتُ. أم منو؟ - بيت الأم؟
قال :
- أم الناس كلهم . نعم، بيت الأم.
سأله صديقي:
- بيت الأم؟
قال:
- أيوه، بيت الأم.
ثم أضاف باللغة التجرنة، وكأنما نحن نعرف كل لغات الدنيا : قَذاَ أَدَّيْ.
نهض مع آخر رشفة من قهوته، نهضنا خلفه، كان وسيماً متوسط الطول، له بشرة لامعة صفراء وشارب كث، شعره منسق وحديث الحلاقة، يبدو أن اهتماماً خاصاً قد صُب عليه، تتبعه رائحة طيبة ميزنا ماركتها بسهولة، كان شخصاً لا يشبه شخوص المكان، نظيفاً، أنيقاً، به ليونة بادية للعيان، في مِشيته وطريقة كلامه ووجهه النظيف.
قال هو ينظر إليّ
. أنا اسمي ود أمونة-
ابتسم وهو يضيف
- اسمي كمال الدين، لكن مافي زول يعرف كمال.. أمي أمونة. وهي تقول لي ود أمونة الناس لقوا الاسم ساهل، يلاّ... ود أمونة... ود أمونة. الناس يوم القيامة ينادوهم باسم أمهاتهم.
قال له صديقي:
. مافي مُشكلة الأم مافي زيها، يا ريت لو نادوني باسم أمي، كنت حأكون أسعد زول-
قال له ود أمونة فجأة.
أمك اسمها منو؟ -
. أمي مريم-
وإنت؟-
قال مخاطباً إياي:
. زينب، زينب أبّكَرْ-
قال:
. أمي اسمها آمنة، ولكن اسم الدلع أمونة-
وسألته
قلت له
. أنا شفت واحدة قبل شوية -
يبدو أن الشاب العِشريني الذي يجلس قربنا، الوسيم، الذي يحتسي قهوته، لم يكن منشغلاً بموضوعات الحصاد، الربح والخسارة، العنتت و القبورالكعوك وطيور أم عويدات وود أبرق، كما هو الحال عند الجميع وبمن فيهم صاحب القهوة البدوي الشاب كث الشعر، أو بما تقدمه له رشفات القهوة من متعة تبدوعظيمة، كانت أذنيه تتصيدا ما نهمس به، ربما ما نفكر فيه أيضاً، قال لنا دون مقدمات، بحماس عالٍ ساذج.
. إنتوا ما مشيتوا بيت الأم، معقول؟! لازم تمشوا بيت الأم -
قلتُ. أم منو؟ - بيت الأم؟
قال :
- أم الناس كلهم . نعم، بيت الأم.
سأله صديقي:
- بيت الأم؟
قال:
- أيوه، بيت الأم.
ثم أضاف باللغة التجرنة، وكأنما نحن نعرف كل لغات الدنيا : قَذاَ أَدَّيْ.
نهض مع آخر رشفة من قهوته، نهضنا خلفه، كان وسيماً متوسط الطول، له بشرة لامعة صفراء وشارب كث، شعره منسق وحديث الحلاقة، يبدو أن اهتماماً خاصاً قد صُب عليه، تتبعه رائحة طيبة ميزنا ماركتها بسهولة، كان شخصاً لا يشبه شخوص المكان، نظيفاً، أنيقاً، به ليونة بادية للعيان، في مِشيته وطريقة كلامه ووجهه النظيف.
قال هو ينظر إليّ
. أنا اسمي ود أمونة-
ابتسم وهو يضيف
- اسمي كمال الدين، لكن مافي زول يعرف كمال.. أمي أمونة. وهي تقول لي ود أمونة الناس لقوا الاسم ساهل، يلاّ... ود أمونة... ود أمونة. الناس يوم القيامة ينادوهم باسم أمهاتهم.
قال له صديقي:
. مافي مُشكلة الأم مافي زيها، يا ريت لو نادوني باسم أمي، كنت حأكون أسعد زول-
قال له ود أمونة فجأة.
أمك اسمها منو؟ -
. أمي مريم-
وإنت؟-
قال مخاطباً إياي:
. زينب، زينب أبّكَرْ-
قال:
. أمي اسمها آمنة، ولكن اسم الدلع أمونة-
وسألته
ود المحلج- مشرف المنتدى العام
رد: إمرأة من كمبو كديس - لعبد العزيز بركة ساكن
إذن بيت الأم دا.. بيت أمك أمونة.. مش كدا؟-
قال نافياً بشدة
لا، بيت الأم دا بيت الأم، قربنا نصل.-
ثم أضاف
إنتو من وين؟-
قلنا معاً بصوت واحد
. من القضارف-
صمت صمتاً طويلاً ثم أصدر هواءً من فمه بصوت محسور.
- سجن القضارف... شفتوا سجن القضارف؟ بالتأكيد تكونوا شفتوه، مش كدا؟! في ديم النور.
رد عليه
بالتأكيد... في زول في القضارف ما شاف السجن؟-
قال وهو يخطو بنا خطوات سريعات في عمق المكان
. أنا اتربيت فيهو-
سيعرف فيما بعد أن والدينا كانا يعملان في ذات السجن. سحبنا من بين قطاطي ورواكيب القش في أزقة طويلة لا تنتهي تتلوى كالثعابين، صاعدة هابطة على أرض وعرة عليها أخاديد صنعتها الوابورات واللواري وعربات الترحيل الخفيفة مثل اللاندروفرات والبربارات، تعم المكان رائحة البخور مختلطة بعبق المريسة، وبعض الخمور البلدية، على خلفية من ريح فاترة تهب جنوباً، دافئة وطيبة. دون أن نطرق باباً من الزنك على سور من القش والحطب، دخلنا بيت الأم أو كما يطلقون عليه بالتجرنة: قَذَاَ أَدَّيْ.
قال نافياً بشدة
لا، بيت الأم دا بيت الأم، قربنا نصل.-
ثم أضاف
إنتو من وين؟-
قلنا معاً بصوت واحد
. من القضارف-
صمت صمتاً طويلاً ثم أصدر هواءً من فمه بصوت محسور.
- سجن القضارف... شفتوا سجن القضارف؟ بالتأكيد تكونوا شفتوه، مش كدا؟! في ديم النور.
رد عليه
بالتأكيد... في زول في القضارف ما شاف السجن؟-
قال وهو يخطو بنا خطوات سريعات في عمق المكان
. أنا اتربيت فيهو-
سيعرف فيما بعد أن والدينا كانا يعملان في ذات السجن. سحبنا من بين قطاطي ورواكيب القش في أزقة طويلة لا تنتهي تتلوى كالثعابين، صاعدة هابطة على أرض وعرة عليها أخاديد صنعتها الوابورات واللواري وعربات الترحيل الخفيفة مثل اللاندروفرات والبربارات، تعم المكان رائحة البخور مختلطة بعبق المريسة، وبعض الخمور البلدية، على خلفية من ريح فاترة تهب جنوباً، دافئة وطيبة. دون أن نطرق باباً من الزنك على سور من القش والحطب، دخلنا بيت الأم أو كما يطلقون عليه بالتجرنة: قَذَاَ أَدَّيْ.
ود المحلج- مشرف المنتدى العام
رد: إمرأة من كمبو كديس - لعبد العزيز بركة ساكن
كل الجمال
تسلم يا نقروف
منتظرين باقى الرائعة دى بلهف شديد
فيصل خليل حتيلة- مشرف إجتماعيات أبوجبيهة
مواضيع مماثلة
» تِسِكِع ْ وتِلِكِعْ
» جائزة الطيب صالح الروائية… بركة ساكن.. ويعقوب بدري يتناصفان الجائزة
» ذكاء إمرأة
» (كديس)
» الأستاذ عطا المنان بخيت الحاج ... إضافة مهمة
» جائزة الطيب صالح الروائية… بركة ساكن.. ويعقوب بدري يتناصفان الجائزة
» ذكاء إمرأة
» (كديس)
» الأستاذ عطا المنان بخيت الحاج ... إضافة مهمة
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى