عُصاب الحصار القهري
4 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
عُصاب الحصار القهري
منقولة ------ هاشم صديق
اتمنى ان تنال اعجابكم
عُصاب الحصار القهري
OBSESSIVE COMPULSIVE NEUROSIS
ومسرحية (الأب)
للكاتب السويدي – أوغست استرندبرج ( 2 - 2 )
أحد الذين قاموا بتحليل مسرحية (الأب ) وهو ( كارل داهستروم ) تناولها
باعتبارها (نوعاً من الهلوسة ). ولكنه بالطبع لم ينتبه الي ( التحليل
المرضي النفسي ) باعتبار أن مصطلح (الهلوسة ) والذي هو ( مصطلح طبي نفسي)
له علاقة بأعراض مرض ( عصاب الحصار القهري ) وأن ( الهلوسة بوسواسها القهري
) من أهم و أبرز أعراض ذلك المرض الذي عاني منه ( استرندبرج ).
ونعود للمسرحية عند خروج الطبيب بعد حواره مع الضابط عن ( شكوك
الأبوة ) بعد أن أيقن الطبيب أن الضابط يعاني من أعراض الجنون وبعد خروج
الطبيب تدخل (لورا ) ويدور بينها وبين زوجها حوار نقتطف من الآتي :-
الضابط
: يمكنني أن أقول فكرة سامية عني ويبدو من هذه الرسائل التي أحضرتها
الليلة من مكتب البريد انك كنتي منذ زمن مضي تحرضين أصدقائي بنشر تقارير عن
حالتي العقلية ، وقد نجحتي في محاولتك هذي ، اذ أنه لايوجد شخص واحد من
رتبة الكولونيل الي الطباخ يثق بأني عاقل والآن هاكي حقائق عن مرضى ، عقلي
سليم كما ترين حتي أنني أستطيع أن أقوم بواجبي كوالد ، وواجباتي كضابط
احساساتي تحت امرتي حيث أن ارادتي لم تقوص بعد، ولكن أخذت تنهشين ، وتعرضين
محاولة أن يفلت زمام الادارة من بين يدي واذا ذاك ينهار البنيان كله
ويتحطم ، لم استمل عواطفك ، وتلك هي قوتك ولكن سوف استميل مصالحك.
لورا : اسمعني ...
الطابط
: ( يقاطعها) لقد نجحتي في اثارة شكوكي الي حد أصبح فيه حكمي غير واضح
وبدأت فيه أفكاري تسبح وتضطرب وذلك هو الجنون الوافد الذي تنتظرين أن
يتملكني في أي وقت ... والآن أنت أمام مسألة هامة هل من مصلحتك أن أكون
عاقلاً ام مجنوناً ؟!! فكري اذا ساءت حالتي فسوف أفقد خدمتي في الحكومة ..
فأين تصبحين انت بعد ذلك ؟!! ... واذاً فسوف يكون صك التأمين ملك لك ...
أما اذا سلبت حياتي بيدي فلن تنالي شيئاً ... فالآن هل مصلحتك أن أعيش أم
أن أموت ؟!!
لورا : .. هذا فخ ؟!!
الضابط : بالتأكيد .. ولكن لك أن تختاري .. أن تدوري حول الفخ .. أو تضعي رأسك فيه
ويستمر الحوار بين ( الضابط ) و ( لورا ) حتي يصل مرحلة يتضح من خلالها أن
الضابط قد ادرك تماماً خُطة زوجته الجهنمية التي تهدف الي اثبات حالة
الجنون عليه فيفقد بذلك سلطته علي الطفلة ( بيرتا ) كما يتجرد من حقوقه
المدنية وتصبح ( لورا ) هي وحدها صاحبة الحق المطلق في أموال زوجها ثم
السيطرة علي طفلتها ..
وعلي الرغم من علمه بالخُطة التي تدبرها زوجته
فانه لم يستطع التخلص من ذلك العُصاب الوسواس الذي سيطر عليه ، وملك قياده
تمامًا ، لدرجة أنه أصبح يتلمس ذكرياته القديمة لتبرير الشكوك و الأوهام
التي تغض عليه مضجعه .. ويتطور النقاش بعد ذلك بين الضابط وزوجته ( لورا )
علي الوجه التالي :-
الضابط : أعتقد أن أحداً لايجب أن يلين في الصراع .
لورا : أينا ؟!
الضابط : الأضعف طبعاً ..
لورا : وسيكون الحق مع القوي .
الضابط : دائماً ما دام متمتعاً بالقوة
لورا : اذاً فالحق معي
الضابط : وهل لك القوة اذن ؟!
لورا : نعم وهي قوة شرعية أضعك تحت رعاية وصي
الضابط : تحت رعاية وصي ؟
لورا : وحينئذٍ استطيع أن أعلم طفلتي ، دون أن أصغي الي تعليماتك الخاوية
الضابط : ومن سوف يتكفل بمصاريف تعليمها حينما أصبح في معزل ؟!
لورا : معاشك سوف يتكفل بذلك
الضابط : وكيف تجعليني تحت رعاية وصي ؟!
لورا : بهذا الخطاب الذي يحتفظ المجلس المختص بصورة منه
الضابط : أي خطاب
لورا
: خطابك .. اعترافك للطبيب بأنك مجنون الآن ،اديت رسالتك كوالد تعس ،
وكاسب قوت .. لاحاجة اليك الآن ، فيجب أن تمضي ما دمت قد ادركت أن عقلي قوي
كارادتي ، وما دمت لن تمكث حتي تعترف بمقدرتي .
وهكذا كشفت ( لورا )
عن خطتها كاملة وواضحة ، وهكذا افلحت في أن تخرج زوجها عن طوره ، ذلك (
المسكين ) الذي لم يجد امامه سوي المصباح المضيء ليقذف به وجه تلك المرأة (
الشريرة ) ولكنها سرعان ما اختفت وراء الباب .
وبالطبع – ومثلما –
كان يفعل ( ياجو ) وليم شكسبير في مسرحية ( عطيل ) في استلهام كل خيط ، وكل
حدث ، وكل صدفة في بناء مكيدته لتدمير ( عطيل ) فان ( لورا ) بالطبع لم
تنس ان تستلهم واقعة قذف زوجها لها بالمصباح لتؤكد للآخرين أكثر – بما فيهم
بيرتا – بأن زوجها قد جن تماماً ..
وبعد فترة – وفي صياغ تطور
الأحداث – يفتح الضابط باب الحجرة قسراً ثم تدخل ابنته (بيرتا) فلا يتمالك
الضابط نفسه من أن يقربها اليه ويخاطبها قائلاً :
الضابط : بيرتا يا
عزيزتي .. أيتها الطفلة العزيزة .. أنت طفلتي .. نعم .. نعم لايمكن أن يكون
سوي ذلك وكل ما عداه أفكار مريضة تحملها الرياح كالحمي والطاعون ، أنظري
الي كي أري روحي في عينيك .. ولكني أري روحها أيضاً .. أن لك روحين تحبين
بأحداهما وتبغضين بالأخري .. ولكن يجب أن تكون لك روح واحدة فقط ، والا لن
تكوني في سلام أو أن أكون أنا في سلام أيضاً .. يجب أن يكون لك فكر واحد
فقط هو وليد فكري .. ويجب أن تكون لك ارادة واحدة فقط هي ارادتي ..
ويتضح جلياً من حديث الضابط لابنته أنه يعلم تماماً أن الأفكار المختلفة
المؤلمة والوساوس التي تنهش عقله هي من صنع زوجته ، و أنها أفكار مريضة
وسخيفة ومع ذلك فانه لايستطيع التخلص من هذه الأفكار .
ولكن نستطيع
فهم هذه المفارقة ، أن يعلم الضابط أن الأفكار والوساوس التي تسيطر عليه هي
أفكار ووساوس مريضة ومع ذلك هو لايستطيع التخلص منها ، فعلينا أن نذكر
أنفسنا ونذكر القاريء بما اوردنا في المقالة الاولي ، عندما تناولنا أعراض
مرض عصاب الحصار القهري بالمفردات العلمية ، ومنها ( أن المرض يتميز بتسلط
بعض الأفكار المقلقة والوساوس الخاطئة علي عقول المرضي الذين رغم علمهم
بخطئها وسخفها فانهم لايستطعون التخلص منها فهي تلاحقهم اينما كانوا ،
وتضيق عليهم الخناق وتنغص عليهم حياتهم ، ومن أهم مظاهر الحصار ، خور
العزيمة وصعوبة التركيز والتوهان وأحياناً عدم النوم ، ويبلغ الأمر درجة من
الخطورة عندما يحس المريض بمرضه ويحاول التخلص من الأمراض التي تقلقه
فيفشل ، وحينئذ يسلم نفسه كلية لهذه الأفكار تتصرف فيه كيفما شاء الهوي )
..
وأعراض المرض – كما جاءت بالتفسير والتحديد العلمي – توضح عدم
قدرة الضابط علي قهر الافكار والوساوس التي تسيطر عليه رغم علمه بخطئها
.ولكن السؤال الهام هو : هل كان ( استرندبرج ) يقوم برسم ( شخصية مسرحية )
بوعي الكاتب التام الذي يعي ويريد أن يجعل من بطل مسرحيته يعاني من مرض
عصاب الحصار القهري لاسباب درامية وفكرية يعيها كاتب وعياً واضحاً ؟!..
والاجابة هي بالطبع أن استرندبرج لايعي ذلك مطلقاً وأنه في مسرحه الدرامي
ورسم شخوصه الدرامية ( بوعي ) ويسيطر عليها ، وانما كان ( ودون وعي ) يسقط
نفسه كلية علي المسرحية والأحداث ، وعلي شخصية ( الضابط ) بطل مسرحيته ،
وبمعني أوضح أن (الكاتب) المصاب بمرض ( الحصار ) أو ( عصاب الحصار القهري )
جعل مسرحيته في غياب القدرة علي السيطرة علي ( اللاشعور ) وحالة فقدان
الارادة علي كبح الوساوس والأفكار الخاطئة – هي تعبير عن ( مرضه الشخصي )
دون أن يعي ذلك ، وبالتاي فان ( هلوسته ) وعدم اتزانه وتوازنه والذي هو
حصاد سيرة ذاتية عاصفة جعل من ( الأب ) مسرحية ( ذاتية) كتبت بمداد ( مرض
نفسي ) ولم تكتب بمداد ( وعي فكري ) أو ( تسامي اخلاقي ) لذلك جاءت
المسرحية كما نري غريبة وسوداوية وغير منطقية ..
وفي المسرحية –
وعندما تسوء حالة الضباط النفسية والعقلية تلبسه المربية ( رداء المجانين)
بعد أن تتحايل عليه ( بالحنو الماكر ) حتي يلبس ( قميص الجانين) دون أي
مقاومة وقد كانت المربية تنفذ أمر الطبيب . وعندما يدرك الضابط ( المصيدة )
التي لبسها بخدعة من ( آخر امرأة كان يثق فيها ) وهي ( المربية ) يثور
ثورة عارمة ولكن ما من رحيم في ذلك المنزل ، ولا ( في جنس النساء كله ) ،
وتقضي هذه الصدمة علي كيانه ، وقبل أن يسلم الروح يدور بينه وبين زوجته
والمربية الحوار التالي :-
لورا : هل تحب أن تري طفلتك يا ادولف ؟
الضابط
: طفلتي ؟ .. ليس للرجال أطفال .. النساء فقط لهن أطفال ولذا فالمستقبل
لهن .. اما نحن فنموت بلا نسل .. أواه ياربي ، يا من تعني بأطفالك ..
المربية : انصتي أنه يصلي لله
الضابط : اني متعب جداً .. أريد أن أنام .. مساء الخير يا مرجريت .. مباركة انت بين النساء ..
وما يكاد الضابط يبارك مربيته مارجريت حتي يلفظ أنفاسه الأخيرة ..أما ( بيرتا ) فتدخل جارية نحو والدتها وتقول :
بيرتا : أمي .. أمي ..
لورا : ابنتي .. ابنتي وحدي
ان ( استرندبرج ) لاينسي في النهاية أن يؤكد أن ( الرجل يلبس قميص
المجانين بواسطة امرأة ) ويلفظ أنفاسه كذلك بسببها ، أنه يود أن يستقطب
التعاطف تجاه الرجل ، والكراهية تجاه المرأة .. ولكن أي رجل ؟ فالضابط يكاد
من فرط تشابهه ( باوغست استرندبرج ) أن يقول : أنا ذلك الرجل .. كما أن (
لورا ) تكاد أن تنطق بلسان ( سيري فون آسين ) زوجته، ولكن بالطبع فان
استرندبرج قام بتجسيم ( عدوه ) المرأة بصورة تتوافق مع مثال السطوة ،
والمكر والقسوة وكل الصفات التي نزحت من ( عصاب حصاره الوسواسي ) لترسم تلك
اللوحة الشيطانية لمخلوق اسمه ( المرأة ) .
يبقي أن تقول أن
استرندبرج لم يلفظ أنفاسه الأخيرة حقيقة قبل أن يعترف العالم بعبقريته وقبل
أن يري مواطني ( عاصمته ) في مواكب تكريمه يمرون تحت نافذة شرفته وهم
يوقدون الشموع ، فقد كان الرجل ( عبقرياً ) استطالت عبقريته في كل مراحل
أزمات حياته العاصفة وكلما دفعه ( الألم العظيم ) الي ( محطة الجنون ) عاد
من خلال ( الفن العظيم ) الي ( محطة العبقرية ) مرة أخري وهكذا .. صراع
وصراع والمجد يعلو ويعلو حتي يصبح مثل جبل لاتخطئه العين .
ومن عجب
ورغم ( لوثة ) مؤلف ( الأب ) ورغم الهلوسة المسرحية ، فان الكثير من مشاهدي
المسرح يشاطرون أوغست استرندبرج ( رأيه) في المرأة ( بايمان ) لا يتزحزح ،
وتلك قضية تحتاج الي منظور آخر وهو منظور شيق يتصل بمفرده من مفردات علم
النفس استخدمها النقد والنقاد كثيراً وهي مفردة ( الاسقاط ) والمقصود هو أن
يسقط المشاهد أو المتلقي بصورة عامة ، ما يعتمل في عقله ومشاعره أو حتي ما
يقبع في لا شعوره ( عقله الباطن ) يسقطه علي العمل الفني أو الأدبي مسرحاً
أو شعراً أو قصة ، أو لوحه تشكيلية أو موسيقي فيتوحد عقلانياً ووجدانياً
ونفسياً مع العمل الابداعي ويصبح هو في مكان المبدع بذلك ( الاسقاط ) ،
ويحدث له نفس ما حدث لذلك المبدع عندما فرغ من انجاز عمله الابداعي وأفرغ
فيه ، ومن خلاله شحناته النفسية الضارة ..لذلك ففي صالة المشاهدين مثلما
هنالك (أيضاً المرأة ) فهناك أيضاً (أعداء للمرأه) وهناك أيضاً مرضي بمرض (
عصاب الحصار القهري ) في كل مكان .. ولكنهم ليسوا بالضرورة ( عباقرة ).
ختاماً : عزيزي القاريء تأمل معي ( الضابط ) في مسرحيته الأب وهو مكبل بقميص المجانين ليخاطب الجمهور صائحاً :-
الضابط : افق يا هرقل قبل أن ينتزعوا منك عصاك ..
ترن كلماته كما صاح ( روبرت بروستاين ) بكل القوة التي نادي بها ماركس
العمال لينفضوا عنهم اغلالهم ، ورغم ذاتية المسرحية وهلوستها ( الا أن
الضابط – كما يريده استرندبرج – أن يكون هو ( أي رجل ) ويريد من لورا أن
تكون ( أي امرأة ) والمسرحية هي ليست مأساة رجل رومانسي ، لان المقصود منها
أن تعكس القتال الذي يدور تحت سطح كل الزيجات العصرية الرومانسية .
فيصل خليل حتيلة- مشرف إجتماعيات أبوجبيهة
رد: عُصاب الحصار القهري
انا خايف يكون يا فيصل ان الوسواس القهري ده قد اصابنا ولم نعد نميز الاشياء على حقيقتها الماثلة ولم نعد قادرين على ان نسمي الاشياء باسمائها الحقيقية المهم حنعمل ايه مع خروف الضحية ولو في طريقة يا فيصل رسل لي خروف من عندك... وانا سمعت في الاخبار انو الريس سيضحي عن الفقراء والمساكين حاول ان ترسل لي حتة من المرارة..
تحياتي
تحياتي
محمود منصور محمد علي- مشرف المنتدى العام و مصحح لغوي
رد: عُصاب الحصار القهري
الله يكفينا شر امراض العصر .
(ابو احمد )سلامات يا عزيزنا
مالك علينا من الصباح ده
عايزنا نقوم نحلل فى نفسنا ونصبح
اطباء نفسين .
نعم المسرحيه كانت خبطة العمر بالنسبه للكاتب السويدى حيث افرغ كل ما بداخله من حياة عشاها وكان بطلها الحقيقى حيث نشأ ابن غير شرعى من ام فقيره تشتغل كخادمه مما ادى الى مرضه النفسى ولكن اثبت لنا الكاتب بان الاصابة بالمرض لم تعيق طريقه واثبت نفسه للمجتمع بالطريقه التى تريحه واصبح من المشاهير .
ليتنا نتعلم من الكاتب ولا نستسلم لظروف الحوالينا .
تحياتى
(ابو احمد )سلامات يا عزيزنا
مالك علينا من الصباح ده
عايزنا نقوم نحلل فى نفسنا ونصبح
اطباء نفسين .
نعم المسرحيه كانت خبطة العمر بالنسبه للكاتب السويدى حيث افرغ كل ما بداخله من حياة عشاها وكان بطلها الحقيقى حيث نشأ ابن غير شرعى من ام فقيره تشتغل كخادمه مما ادى الى مرضه النفسى ولكن اثبت لنا الكاتب بان الاصابة بالمرض لم تعيق طريقه واثبت نفسه للمجتمع بالطريقه التى تريحه واصبح من المشاهير .
ليتنا نتعلم من الكاتب ولا نستسلم لظروف الحوالينا .
تحياتى
Suhad Abduelgfaar- مشرف حكاوي المهجر
2-2
ومسرحية (الأب)
للكاتب السويدي – أوغست استرندبرج ( 2 - 2 )
أحد الذين قاموا بتحليل مسرحية (الأب ) وهو ( كارل داهستروم ) تناولها
باعتبارها (نوعاً من الهلوسة ). ولكنه بالطبع لم ينتبه الي ( التحليل
المرضي النفسي ) باعتبار أن مصطلح (الهلوسة ) والذي هو ( مصطلح طبي نفسي)
له علاقة بأعراض مرض ( عصاب الحصار القهري ) وأن ( الهلوسة بوسواسها القهري
) من أهم و أبرز أعراض ذلك المرض الذي عاني منه ( استرندبرج ).
ونعود للمسرحية عند خروج الطبيب بعد حواره مع الضابط عن ( شكوك
الأبوة ) بعد أن أيقن الطبيب أن الضابط يعاني من أعراض الجنون وبعد خروج
الطبيب تدخل (لورا ) ويدور بينها وبين زوجها حوار نقتطف من الآتي :-
الضابط
: يمكنني أن أقول فكرة سامية عني ويبدو من هذه الرسائل التي أحضرتها
الليلة من مكتب البريد انك كنتي منذ زمن مضي تحرضين أصدقائي بنشر تقارير عن
حالتي العقلية ، وقد نجحتي في محاولتك هذي ، اذ أنه لايوجد شخص واحد من
رتبة الكولونيل الي الطباخ يثق بأني عاقل والآن هاكي حقائق عن مرضى ، عقلي
سليم كما ترين حتي أنني أستطيع أن أقوم بواجبي كوالد ، وواجباتي كضابط
احساساتي تحت امرتي حيث أن ارادتي لم تقوص بعد، ولكن أخذت تنهشين ، وتعرضين
محاولة أن يفلت زمام الادارة من بين يدي واذا ذاك ينهار البنيان كله
ويتحطم ، لم استمل عواطفك ، وتلك هي قوتك ولكن سوف استميل مصالحك.
لورا : اسمعني ...
الطابط
: ( يقاطعها) لقد نجحتي في اثارة شكوكي الي حد أصبح فيه حكمي غير واضح
وبدأت فيه أفكاري تسبح وتضطرب وذلك هو الجنون الوافد الذي تنتظرين أن
يتملكني في أي وقت ... والآن أنت أمام مسألة هامة هل من مصلحتك أن أكون
عاقلاً ام مجنوناً ؟!! فكري اذا ساءت حالتي فسوف أفقد خدمتي في الحكومة ..
فأين تصبحين انت بعد ذلك ؟!! ... واذاً فسوف يكون صك التأمين ملك لك ...
أما اذا سلبت حياتي بيدي فلن تنالي شيئاً ... فالآن هل مصلحتك أن أعيش أم
أن أموت ؟!!
لورا : .. هذا فخ ؟!!
الضابط : بالتأكيد .. ولكن لك أن تختاري .. أن تدوري حول الفخ .. أو تضعي رأسك فيه
ويستمر الحوار بين ( الضابط ) و ( لورا ) حتي يصل مرحلة يتضح من خلالها أن
الضابط قد ادرك تماماً خُطة زوجته الجهنمية التي تهدف الي اثبات حالة
الجنون عليه فيفقد بذلك سلطته علي الطفلة ( بيرتا ) كما يتجرد من حقوقه
المدنية وتصبح ( لورا ) هي وحدها صاحبة الحق المطلق في أموال زوجها ثم
السيطرة علي طفلتها ..
وعلي الرغم من علمه بالخُطة التي تدبرها زوجته
فانه لم يستطع التخلص من ذلك العُصاب الوسواس الذي سيطر عليه ، وملك قياده
تمامًا ، لدرجة أنه أصبح يتلمس ذكرياته القديمة لتبرير الشكوك و الأوهام
التي تغض عليه مضجعه .. ويتطور النقاش بعد ذلك بين الضابط وزوجته ( لورا )
علي الوجه التالي :-
الضابط : أعتقد أن أحداً لايجب أن يلين في الصراع .
لورا : أينا ؟!
الضابط : الأضعف طبعاً ..
لورا : وسيكون الحق مع القوي .
الضابط : دائماً ما دام متمتعاً بالقوة
لورا : اذاً فالحق معي
الضابط : وهل لك القوة اذن ؟!
لورا : نعم وهي قوة شرعية أضعك تحت رعاية وصي
الضابط : تحت رعاية وصي ؟
لورا : وحينئذٍ استطيع أن أعلم طفلتي ، دون أن أصغي الي تعليماتك الخاوية
الضابط : ومن سوف يتكفل بمصاريف تعليمها حينما أصبح في معزل ؟!
لورا : معاشك سوف يتكفل بذلك
الضابط : وكيف تجعليني تحت رعاية وصي ؟!
لورا : بهذا الخطاب الذي يحتفظ المجلس المختص بصورة منه
الضابط : أي خطاب
لورا
: خطابك .. اعترافك للطبيب بأنك مجنون الآن ،اديت رسالتك كوالد تعس ،
وكاسب قوت .. لاحاجة اليك الآن ، فيجب أن تمضي ما دمت قد ادركت أن عقلي قوي
كارادتي ، وما دمت لن تمكث حتي تعترف بمقدرتي .
وهكذا كشفت ( لورا )
عن خطتها كاملة وواضحة ، وهكذا افلحت في أن تخرج زوجها عن طوره ، ذلك (
المسكين ) الذي لم يجد امامه سوي المصباح المضيء ليقذف به وجه تلك المرأة (
الشريرة ) ولكنها سرعان ما اختفت وراء الباب .
وبالطبع – ومثلما –
كان يفعل ( ياجو ) وليم شكسبير في مسرحية ( عطيل ) في استلهام كل خيط ، وكل
حدث ، وكل صدفة في بناء مكيدته لتدمير ( عطيل ) فان ( لورا ) بالطبع لم
تنس ان تستلهم واقعة قذف زوجها لها بالمصباح لتؤكد للآخرين أكثر – بما فيهم
بيرتا – بأن زوجها قد جن تماماً ..
وبعد فترة – وفي صياغ تطور
الأحداث – يفتح الضابط باب الحجرة قسراً ثم تدخل ابنته (بيرتا) فلا يتمالك
الضابط نفسه من أن يقربها اليه ويخاطبها قائلاً :
الضابط : بيرتا يا
عزيزتي .. أيتها الطفلة العزيزة .. أنت طفلتي .. نعم .. نعم لايمكن أن يكون
سوي ذلك وكل ما عداه أفكار مريضة تحملها الرياح كالحمي والطاعون ، أنظري
الي كي أري روحي في عينيك .. ولكني أري روحها أيضاً .. أن لك روحين تحبين
بأحداهما وتبغضين بالأخري .. ولكن يجب أن تكون لك روح واحدة فقط ، والا لن
تكوني في سلام أو أن أكون أنا في سلام أيضاً .. يجب أن يكون لك فكر واحد
فقط هو وليد فكري .. ويجب أن تكون لك ارادة واحدة فقط هي ارادتي ..
ويتضح جلياً من حديث الضابط لابنته أنه يعلم تماماً أن الأفكار المختلفة
المؤلمة والوساوس التي تنهش عقله هي من صنع زوجته ، و أنها أفكار مريضة
وسخيفة ومع ذلك فانه لايستطيع التخلص من هذه الأفكار .
ولكن نستطيع
فهم هذه المفارقة ، أن يعلم الضابط أن الأفكار والوساوس التي تسيطر عليه هي
أفكار ووساوس مريضة ومع ذلك هو لايستطيع التخلص منها ، فعلينا أن نذكر
أنفسنا ونذكر القاريء بما اوردنا في المقالة الاولي ، عندما تناولنا أعراض
مرض عصاب الحصار القهري بالمفردات العلمية ، ومنها ( أن المرض يتميز بتسلط
بعض الأفكار المقلقة والوساوس الخاطئة علي عقول المرضي الذين رغم علمهم
بخطئها وسخفها فانهم لايستطعون التخلص منها فهي تلاحقهم اينما كانوا ،
وتضيق عليهم الخناق وتنغص عليهم حياتهم ، ومن أهم مظاهر الحصار ، خور
العزيمة وصعوبة التركيز والتوهان وأحياناً عدم النوم ، ويبلغ الأمر درجة من
الخطورة عندما يحس المريض بمرضه ويحاول التخلص من الأمراض التي تقلقه
فيفشل ، وحينئذ يسلم نفسه كلية لهذه الأفكار تتصرف فيه كيفما شاء الهوي )
..
وأعراض المرض – كما جاءت بالتفسير والتحديد العلمي – توضح عدم
قدرة الضابط علي قهر الافكار والوساوس التي تسيطر عليه رغم علمه بخطئها
.ولكن السؤال الهام هو : هل كان ( استرندبرج ) يقوم برسم ( شخصية مسرحية )
بوعي الكاتب التام الذي يعي ويريد أن يجعل من بطل مسرحيته يعاني من مرض
عصاب الحصار القهري لاسباب درامية وفكرية يعيها كاتب وعياً واضحاً ؟!..
والاجابة هي بالطبع أن استرندبرج لايعي ذلك مطلقاً وأنه في مسرحه الدرامي
ورسم شخوصه الدرامية ( بوعي ) ويسيطر عليها ، وانما كان ( ودون وعي ) يسقط
نفسه كلية علي المسرحية والأحداث ، وعلي شخصية ( الضابط ) بطل مسرحيته ،
وبمعني أوضح أن (الكاتب) المصاب بمرض ( الحصار ) أو ( عصاب الحصار القهري )
جعل مسرحيته في غياب القدرة علي السيطرة علي ( اللاشعور ) وحالة فقدان
الارادة علي كبح الوساوس والأفكار الخاطئة – هي تعبير عن ( مرضه الشخصي )
دون أن يعي ذلك ، وبالتاي فان ( هلوسته ) وعدم اتزانه وتوازنه والذي هو
حصاد سيرة ذاتية عاصفة جعل من ( الأب ) مسرحية ( ذاتية) كتبت بمداد ( مرض
نفسي ) ولم تكتب بمداد ( وعي فكري ) أو ( تسامي اخلاقي ) لذلك جاءت
المسرحية كما نري غريبة وسوداوية وغير منطقية ..
وفي المسرحية –
وعندما تسوء حالة الضباط النفسية والعقلية تلبسه المربية ( رداء المجانين)
بعد أن تتحايل عليه ( بالحنو الماكر ) حتي يلبس ( قميص الجانين) دون أي
مقاومة وقد كانت المربية تنفذ أمر الطبيب . وعندما يدرك الضابط ( المصيدة )
التي لبسها بخدعة من ( آخر امرأة كان يثق فيها ) وهي ( المربية ) يثور
ثورة عارمة ولكن ما من رحيم في ذلك المنزل ، ولا ( في جنس النساء كله ) ،
وتقضي هذه الصدمة علي كيانه ، وقبل أن يسلم الروح يدور بينه وبين زوجته
والمربية الحوار التالي :-
لورا : هل تحب أن تري طفلتك يا ادولف ؟
الضابط
: طفلتي ؟ .. ليس للرجال أطفال .. النساء فقط لهن أطفال ولذا فالمستقبل
لهن .. اما نحن فنموت بلا نسل .. أواه ياربي ، يا من تعني بأطفالك ..
المربية : انصتي أنه يصلي لله
الضابط : اني متعب جداً .. أريد أن أنام .. مساء الخير يا مرجريت .. مباركة انت بين النساء ..
وما يكاد الضابط يبارك مربيته مارجريت حتي يلفظ أنفاسه الأخيرة ..أما ( بيرتا ) فتدخل جارية نحو والدتها وتقول :
بيرتا : أمي .. أمي ..
لورا : ابنتي .. ابنتي وحدي
ان ( استرندبرج ) لاينسي في النهاية أن يؤكد أن ( الرجل يلبس قميص
المجانين بواسطة امرأة ) ويلفظ أنفاسه كذلك بسببها ، أنه يود أن يستقطب
التعاطف تجاه الرجل ، والكراهية تجاه المرأة .. ولكن أي رجل ؟ فالضابط يكاد
من فرط تشابهه ( باوغست استرندبرج ) أن يقول : أنا ذلك الرجل .. كما أن (
لورا ) تكاد أن تنطق بلسان ( سيري فون آسين ) زوجته، ولكن بالطبع فان
استرندبرج قام بتجسيم ( عدوه ) المرأة بصورة تتوافق مع مثال السطوة ،
والمكر والقسوة وكل الصفات التي نزحت من ( عصاب حصاره الوسواسي ) لترسم تلك
اللوحة الشيطانية لمخلوق اسمه ( المرأة ) .
يبقي أن تقول أن
استرندبرج لم يلفظ أنفاسه الأخيرة حقيقة قبل أن يعترف العالم بعبقريته وقبل
أن يري مواطني ( عاصمته ) في مواكب تكريمه يمرون تحت نافذة شرفته وهم
يوقدون الشموع ، فقد كان الرجل ( عبقرياً ) استطالت عبقريته في كل مراحل
أزمات حياته العاصفة وكلما دفعه ( الألم العظيم ) الي ( محطة الجنون ) عاد
من خلال ( الفن العظيم ) الي ( محطة العبقرية ) مرة أخري وهكذا .. صراع
وصراع والمجد يعلو ويعلو حتي يصبح مثل جبل لاتخطئه العين .
ومن عجب
ورغم ( لوثة ) مؤلف ( الأب ) ورغم الهلوسة المسرحية ، فان الكثير من مشاهدي
المسرح يشاطرون أوغست استرندبرج ( رأيه) في المرأة ( بايمان ) لا يتزحزح ،
وتلك قضية تحتاج الي منظور آخر وهو منظور شيق يتصل بمفرده من مفردات علم
النفس استخدمها النقد والنقاد كثيراً وهي مفردة ( الاسقاط ) والمقصود هو أن
يسقط المشاهد أو المتلقي بصورة عامة ، ما يعتمل في عقله ومشاعره أو حتي ما
يقبع في لا شعوره ( عقله الباطن ) يسقطه علي العمل الفني أو الأدبي مسرحاً
أو شعراً أو قصة ، أو لوحه تشكيلية أو موسيقي فيتوحد عقلانياً ووجدانياً
ونفسياً مع العمل الابداعي ويصبح هو في مكان المبدع بذلك ( الاسقاط ) ،
ويحدث له نفس ما حدث لذلك المبدع عندما فرغ من انجاز عمله الابداعي وأفرغ
فيه ، ومن خلاله شحناته النفسية الضارة ..لذلك ففي صالة المشاهدين مثلما
هنالك (أيضاً المرأة ) فهناك أيضاً (أعداء للمرأه) وهناك أيضاً مرضي بمرض (
عصاب الحصار القهري ) في كل مكان .. ولكنهم ليسوا بالضرورة ( عباقرة ).
ختاماً : عزيزي القاريء تأمل معي ( الضابط ) في مسرحيته الأب وهو مكبل بقميص المجانين ليخاطب الجمهور صائحاً :-
الضابط : افق يا هرقل قبل أن ينتزعوا منك عصاك ..
ترن كلماته كما صاح ( روبرت بروستاين ) بكل القوة التي نادي بها ماركس
العمال لينفضوا عنهم اغلالهم ، ورغم ذاتية المسرحية وهلوستها ( الا أن
الضابط – كما يريده استرندبرج – أن يكون هو ( أي رجل ) ويريد من لورا أن
تكون ( أي امرأة ) والمسرحية هي ليست مأساة رجل رومانسي ، لان المقصود منها
أن تعكس القتال الذي يدور تحت سطح كل الزيجات العصرية الرومانسية .
فيصل خليل حتيلة- مشرف إجتماعيات أبوجبيهة
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى