مخصص للبحث والتوثيق للاعمال الفنية الخالدة للعملاق الراحل محمد عثمان حسن وردي
5 مشترك
صفحة 2 من اصل 2
صفحة 2 من اصل 2 • 1, 2
عبدالوهاب وردي:لم أمنع فناناً من ترديد أغنيات الوالد
عبدالوهاب وردي:لم أمنع فناناً من ترديد أغنيات الوالد وهناك اعلان قانوني في طريقه إلى الصحف
05-10-2012 07:29 AM
الخرطوم: رنده بخاري
نفى نجل الفنان محمد وردي عبدالوهاب منعه أي فنان من ترديد أغنيات والده، كما أشيع مؤخرا. وقال ظهر أمس لـ(فنون الأحداث) أنا لم أطلب من أي فنان التغني بأغنيات الوالد عليه الرحمة، وعندما اتصل بي الفنان الشاب طه سليمان مستفسرا عن مصير الأغنية التي قدمها له الوالد، نفيت له أيضا الخبر. ومضى بالقول: هذه الأمور مسئول عنها المستشار القانوني للأسرة الأستاذ محمد محي الدين، بيد أنه عاد وقال هناك اعلان قانوني سيقوم مستشارنا بتعميمه على الصحف في غضون الأيام المقبلة وساعتها سيعلم الجميع فحواه.
الاحداث
05-10-2012 07:29 AM
الخرطوم: رنده بخاري
نفى نجل الفنان محمد وردي عبدالوهاب منعه أي فنان من ترديد أغنيات والده، كما أشيع مؤخرا. وقال ظهر أمس لـ(فنون الأحداث) أنا لم أطلب من أي فنان التغني بأغنيات الوالد عليه الرحمة، وعندما اتصل بي الفنان الشاب طه سليمان مستفسرا عن مصير الأغنية التي قدمها له الوالد، نفيت له أيضا الخبر. ومضى بالقول: هذه الأمور مسئول عنها المستشار القانوني للأسرة الأستاذ محمد محي الدين، بيد أنه عاد وقال هناك اعلان قانوني سيقوم مستشارنا بتعميمه على الصحف في غضون الأيام المقبلة وساعتها سيعلم الجميع فحواه.
الاحداث
محمود منصور محمد علي- مشرف المنتدى العام و مصحح لغوي
رد: مخصص للبحث والتوثيق للاعمال الفنية الخالدة للعملاق الراحل محمد عثمان حسن وردي
وا أسفاي/اسماعيل حسن
--------------------------------------------------------------------------------
وا أسفاي ..
وحاتكم انتو وا أسفاي
إرادة المولى
رادتني وبقيت غناي
أسوي شنو مع المكتوب
أسوي شنو؟
براهو الواهب العطاي
منو ..
منو البدور يساهر الليل
ويسافر
فوق جناح الشوق
يكوس نجماً بعيد ضواي
منو ..
إذا وصفولو أرض الحور
تلاقي قوافلو طول الليل
تشق التيه
تجر النم
مع الحردلو في الدوباي
وا أسفاي
ببيع الدنيا
كل الدنيا وا أسفاي
عشان خاطر عيون حلوين
وا أسفاي
منابع الطيبة متجاورين
وا أسفاي
ومتسامحين في السمحين
واسافر فوق صُبي العين
معاك سلامة
يادنياي
بتمدد وبتوسد
وسادة شوق
وبنوم مرتاح وخالي البال
واقالب تاني عهد صباي
عشان ما تبكي
ببكي أنا
واحاكي الطرفة
في نص الخريف بكاي
حمولي تهد جبال الشيل
وفايت في العتامِ الليل
ومتوكل عليك يا الله
دافر الليل
بِريق البسمة إن لاح لي
بتتفتح مشاتل الريد
واحسك جوا ..
زغرد فيها صوت الناي
وا أسفاي
وحاتكم انتو وا أسفاي
أسفاي
إذا ماشفت ناس سمحين
يتاتو ..
زي قدلة جنا الوزين
يتاتو
تلاقي قليبي يرمح جاي
لما يتاتو
زي قدلة جنا الوزين
يتاتو
حليل الكان بهدي الغير
صبر محتار يكوس هداي
من ناس ديلا
وا أسفاي
من زي ديلا
وا أسفاي
إرادة المولي رادتني
وبقيت غناي
--------------------------------------------------------------------------------
وا أسفاي ..
وحاتكم انتو وا أسفاي
إرادة المولى
رادتني وبقيت غناي
أسوي شنو مع المكتوب
أسوي شنو؟
براهو الواهب العطاي
منو ..
منو البدور يساهر الليل
ويسافر
فوق جناح الشوق
يكوس نجماً بعيد ضواي
منو ..
إذا وصفولو أرض الحور
تلاقي قوافلو طول الليل
تشق التيه
تجر النم
مع الحردلو في الدوباي
وا أسفاي
ببيع الدنيا
كل الدنيا وا أسفاي
عشان خاطر عيون حلوين
وا أسفاي
منابع الطيبة متجاورين
وا أسفاي
ومتسامحين في السمحين
واسافر فوق صُبي العين
معاك سلامة
يادنياي
بتمدد وبتوسد
وسادة شوق
وبنوم مرتاح وخالي البال
واقالب تاني عهد صباي
عشان ما تبكي
ببكي أنا
واحاكي الطرفة
في نص الخريف بكاي
حمولي تهد جبال الشيل
وفايت في العتامِ الليل
ومتوكل عليك يا الله
دافر الليل
بِريق البسمة إن لاح لي
بتتفتح مشاتل الريد
واحسك جوا ..
زغرد فيها صوت الناي
وا أسفاي
وحاتكم انتو وا أسفاي
أسفاي
إذا ماشفت ناس سمحين
يتاتو ..
زي قدلة جنا الوزين
يتاتو
تلاقي قليبي يرمح جاي
لما يتاتو
زي قدلة جنا الوزين
يتاتو
حليل الكان بهدي الغير
صبر محتار يكوس هداي
من ناس ديلا
وا أسفاي
من زي ديلا
وا أسفاي
إرادة المولي رادتني
وبقيت غناي
محمود منصور محمد علي- مشرف المنتدى العام و مصحح لغوي
رد: مخصص للبحث والتوثيق للاعمال الفنية الخالدة للعملاق الراحل محمد عثمان حسن وردي
محمد وردي.. هكذا تحدث الاسطورة
02-20-2012 05:13 PM
خالد فتحي khalid2474@hotmail.com وأخيراً طوى محمد وردي (نوتة) ألحانه وحمل قيثارته ورحل عن عمر مديد انكفأ فيه على سكب ألحانه الشجية وموسيقاه التي طالما أثرت النفوس وشدت إليها الانتباه.. ولعله كان مثل (اورفيوس) في الميثولوجيا الاغريقية.. وهو موسيقيٌّ في الأساطير الإغريقية والرومانية، كانت موسيقى صوته وقيثارته من العذوبة بحيث كانت تتبعه الحيوانات والأشجار والأحجار، وتتوقف الأنهار عن الجريان كي تستمع إليه.. وتروي الاسطورة الاغريقية أيضا أن (اورفيوس) تزوج فيما بعد من (يوريديس) التي أحبها بشغف. وبعد موتها توجه (اورفيوس) إلى العالم السفلي كي يعيدها. وخلبت موسيقاه لب (هاديس وپرسفونه) حاكمي العالم السفلي، وسمحا لـ (يوريديس) بالمغادرة. ومثلما سحرت قيثارة (اورفيوس) من قبل سكنة الجحيم ونجا بحبيبته، وافتكها من براثن الموت، في المقابل شكلت موسيقى (محمد وردي) وجدان شعب، وجسدت أحلام أمة، أقعدتها المحنة وأوشك الطغاة على هزيمتها.. لكنها استعصت عليهم وعلى المحنة كما كتب الصحفي المصري الشهير مفيد فوزي على صفحات مجلة (صباح الخير) المصرية، \"ان الناس كانوا يستمدون القوة من أغنيات وردي إبان كارثة السيول والامطار في 1988م\". وكما تضوعت حياته عطرا كانت خاتمته مسكا فقد كانت مراسم تشعييه بالأمس آية لمن أراد أن يدكر، لم يتخلف أحد عن المجيء.. الكل جاء وفي لمحة نادرة شارك أحد المسيحيين في المراسم الجنائزية جاء متوحشاً بالصليب، مرتديا طليسانا أسود حالكا، كيوم رحيل عبقري الموسيقى السودانية الذي طالما حلم بأن يأتي وطنه على الموعد في تلاقي مثل هذا، كما تغنى في رائعة (محمد عبدالقادر أبوشورة)، (حدق العيون ليك ياوطن) قائلا: \"موعدنا يا وطني الحبيب وحدة هلالنا مع الصليب\" فالوحدة التي ظل ينشدها في حياته، هاهي اليوم تحققت عند رحيله. (1) (محمد عثمان حسن صالح وردي) المعروف اختصاراً بـ (محمد وردي) أبصر النور في (صواردة)، في 19 يوليو 1932م في ذات العام الذي شهد إغماضة الجفن لعبقري الاغنية السودانية في العصر الحديث \"خليل فرح\" ذو الصوت الشجي والاعمال الباذخة كـ \"عازة في هواك\"، \" الشرف الباذخ \"، وغيرها من الاعمال الخالدة التي ألهبت خيال جيل وشكلت وجدانه ولا تزال. ليس هذا فحسب بل إن بعضها تحول إلى رمز كـ (عازة في هواك ) التي بلغت مرتقى بأن تصيرت كنية للسودان نفسه.. قطعا هي المقادير من فعلت ذلك ، لكن فيما بعد سيتم تناقل نبوأة مفادها أن الاغنية فقدت هرما وكسبت آخر لا يقل عنه شموخا ورفعة وسمواً وعبقرية وهذا ما كان يردده دائما القطب الاتحادي (محمد نورالدين) بأنهم أهدوا السودان خليلا من قبل وها هم اليوم وقفوا يهدونه وردي. والرقم (19) ذو سر عجيب للمتتبع لمنحنيات حياة الموسيقار الراحل فقد ولد في (19) يوليو 1932م ودخل الاذاعة للمرة الاولى في ذات اليوم (19) يوليو 1957م وكانت له مع حركة يوليو التصحيحية التي سُميت بانقلاب هاشم العطا في (19) يوليو 1971م ذكريات وحكايات لا تنسى ولا تنتهي وأخيراً توسد الثرى في رحلة الموت الابدية في (19) فبراير 2012م. (2) (صواردة) مسقط رأس وردي؛ قرية وادعة بشمال السودان الاقصى، تعد من أكبر عموديّات منطقة السّكوت التي تكوّن مع منطقة المحس ووادي حلفا محلية (وادي حلفا). كانت البداية كما يقول وردي في رائعة (أبوآمنة حامد)، (بنحب من بلدنا)، \"من حلفا البداية أحلامي وهناي\".. تلك المناطق بسط التاريخ القديم عليها سطوته وسكب عليها لونه على نحو لافت، وتشكلت أفئدة الناس على مرأى النخيل متحداً مع النيل \"النهر المقدس\" متشابكا مع امتداد الصحراء، التي لا تفتأ ذرات رمالها (السفاية) تفلح الوجوه.. فيما تناثرت المعابد والاهرامات والتماثيل وغيرها من المعالم الاثرية على ضفتي النهر.. وكما يقال \"ان الانسان ابن بيئته\" حمل المتحدرون من تلك المناطق من النيل وداعته وسكونه والغضب والثورة حد الدمار ومن النخيل العزة والصلابة والتسامي ومن الصحراء امتدادها اللا نهائي وحرارتها اللاهبة وسحرها الغامض. ومحمد وردي كان واحداً من أولئك الناس جاء وفيه ملامحهم.. ذاق مرارة اليتم منذ نعومة أظافره، وكفله عمه (صالح وردي)، وككل العظماء الذين ذاقوا مرارة اليتم أحال وردي أوجاعه وآلامه الشخصية لطاقة ووقود حيوي لإبداع لا متناهي.. وقد رأيناها كيف أغرورقت عيناه عندما انعطف الحديث عن الأم وحنانها في برنامج (أعز الناس) بفضائية (الشروق) في رمضان الماضي.. وقال وردي بتأثر بالغ انه لا يجد لأمه صورة حتى في مخيلته لأنه لم يرها قط، لقد رحلت أمه وهو لايزال رضيعا، لكنه لم ينكسر ولم يستسلم، بل على العكس تماماً إذ نشأ معتداً بنفسه وبآرائه وبما يعتقد انه حق.. وهذه الخصال بالذات ستجر عليه فيما بعد حنق الكثيرين الذين لا ينفكوا ينعتونه بـ (الغرور) لكنه دائما ما كان يرد عليهم بأن ما يرونه ليس غروراً بل ضرب من الاعتداد بالنفس. (3) بدأ وردي حياته معلما بالمدارس الابتدائية قبل أن يتحول تماماً إلى الغناء ويفسر هذا الانتقال بأنه وجد صعوبة بالغة في المواءمة بين شخصيتي المعلم والمغني حيث يقول \"كتير الطلبة يحضروا حفلاتي ولما أجي المدرسة الصباح يقولوا لي والله أمبارح كنت رائع يا أستاذ\" وهذا الامر جعل شخصية المعلم تذوب شيئا فشيئا بخضم شخصية المغني الآخذة آنذاك في الصعود. لما يألوا وردي جهداً في سبيل الوصول لدار الاذاعة التي كانت بحق المنفذ الاوفر حظا لكل مبدع أراد الشيوع والانتشار. وهنالك حادثة ذات دلالة تروى في هذا الأمر بأن وردي دخل على الفنان الذري (إبراهيم عوض) وكان ملء السمع والبصر يومها عند قدومه لمدينة شندي لإحياء حفل بها وكان وردي أستاذاً بإحدى مدارسها الابتدائية.. والتمس وردي من إبراهيم عوض معاونته لدخول الإذاعة لكن الاخير رد عليه قائلا \"يا ولدي درب الغنا ده صعب\" ولا نبرح مكاننا حتى نروي قصة أخرى ذات صلة بها بأن الاثنين كانا يؤديان حفل سويا بعد ان تلاحقت الكتوف بعد سنوات. إذ دخل عليهما شاب ينشد المعاونة ليمضي في درب الفن فالتفت وردي إلى إبراهيم ونظر اليه نظرة ذات مغزى قبل أن يرد على الشاب بسرعة \"يا ولدي درب الغنا ده صعب شديد\" وضجّ الاثنان بالضحك. (4) بعد لأي وجهد كُتب لوردي الظهور على اثير الاذاعة السودانية في 19 يوليو 1957م بأغنية \" ياطير ياطائر\" من كلمات الشاعر إسماعيل حسن، والحان خليل أحمد ولهذا الامر قصة فالاذاعة كانت يومها تتبع نهجا بتخصيص شاعر وملحن لكل فنان جديد يُعتمد للغناء فيها وكان إسماعيل وخليل من نصيب الفنان الناشئ \"شاعرا وملحنا\".. وسريعا اتبع وردي (ياطير ياطائر)، بـ (الليلة ياسمرة) أيضا من شعر وألحان الثنائي (إسماعيل وخليل).. بيد أن نقطة التحول جاءت عندما خطا وردي أولى خطواته في عالمه الجميل المملوء وعدا وتمني بأغنية (أول غرام) التي صاغها شعرا ولحنا، ويروي وردي حكاية الاغنية قائلا بأنه وجد ان الطريقة التي سلكت في تلحين الاغنتين السالفتين لا تحققان مراده في الترقي والتميز بعالم الغناء الذي سادته منافسة شرسة .ويتذكر فصولا من تلك الايام في برنامج (نصف القمر) الذي بثه قناة (النيل الأزرق) منذ سنوات \"لقيت نفسي ما حافوت فنانين الضل، الناس يسمعوني الساعة حداشر اتناشر، والاذاعة في الوقت داك كان فيها فنانين ممتازين (عثمان حسين)، (ابراهيم عوض)، (احمد المصطفى)، (عبدالعزيز داؤود) وغيرهم\" ويمضي ليقول ايضا بأنه نظر إلى سياق القالب اللحني للاغنتين فوجد ان اللحن دائري يطوف حول أبيات الشعر في ايقاع واحد يكرر نفسه دون تغيير، فحاول في (أول غرام) ان يأتي بنسق جديد وهو ان يقوم اللحن بتفسير الكلمات. ويتطرق وردي لحادثة طريفة مشيراً إلى أن الاذاعي الذائع الصيت (محمد صالح فهمي) انتهره بغضب عندما قدم له الأغنية بأنها من كلماته فرفض إجازتها وقائلا \"إنت ما مفروض تبقى شاعر، إنت مالك ومال الشعر، إنت تغني وبس\". فما كان من وردي إلا وأن قام بنقلها في ورقة أخرى وكتب عليها من كلمات (علي ميرغني) والأخير شاعر وموسيقار تغنى له وردي بأغنتين إحداهما (حبي حبك شاغلني) وبعد الانتهاء من تلحينها ذهب لـ (خليل أحمد) ليسمعه اللحن، وخليل عندها كان يعمل بـ (طلمبة) بالسجانة وقال له وردي: \"يا خليل يا أخي أنا عندي أغنية \"فرد عليه خليل قائلا: ومالو نلحنا؟ لكن وردي فاجأه بقوله: أنا لحنتها؟ فزجره خليل قائلا: إنت إيه اللي عرفك بالتلحين\". فوقعت مشادة بين الاثنين قبل ان يتصالحا فيما بعد كما يؤكد نفسه ضاحكا بعد الحادثة بسنوات طويلة. وتستشف من الحادثة المار ذكرها صبر وردي ومثابرته على مشروعه الفني التي جعلت الإذاعة تقوم بترقيته في وقت وجيز من فنان (درجة رابعة) لفنان (درجة أولى) أسوة بالاربعة الكبار (حسن عطية) و(عثمان حسين) و (احمد المصطفى) و (ابراهيم عوض). وفي سبتمبر 1958م اعتلى وردي العرش مع الكبار بفضل مدير الاذاعة الاشهر (متولي عيد) الذي لم ينس ان يهدده بإعادته إلى الدرجة الرابعة مرة اخرى إذا لمس منه تخاذلا أو تكاسلا. (5) ولم يمض من الوقت الا قليلا حتى وقع انقلاب 17 نوفمبر1958م بقيادة الراحل الفريق (إبراهيم عبود) و دخل وردي إلى استوديوهات (هنا أمدرمان) ليصدح بأغنية مطلعها (17نوفمبر هبّ الشعب طرد جلاده) التي صاغ كلماتها ولحنها وأداها بنفسه، تمجيدا لرجال حركة نوفمبر الذين رأى فيهم كما سيبرر فعلته فيما بعد صورة الزعيم الراحل (جمال عبدالناصر) دون ان يدري وقتها هل كان عبدالناصر نفسه ديكتاتور أم بطل شعبي . وما حدث يصلح ان يكون مدخلا منطقيا للتعليق على مدى صدقه في روايته للحادثات التاريخية التي يكون طرفا فيها فقد استمعت اليه وهو يسرد أجزاء من سيرته الذاتية في ليالي رمضانية في صيف 1987م على اثير الاذاعة السودانية في سلسلة من تقديم (معتصم فضل) المدير الحالي للاذاعة ثم في العام 2005م على شاشة النيل الازرق في برنامج (نصف القمر) من تقديم (سعد الدين حسن) لم يكد شيئا قد تغير أو تبدل في السرد ذات التفاصيل وربما بنفس العبارات.. كأبلغ دليل على صدق الراحل مع نفسه ومع الاخرين.. فقد درج على تقديم نفسه كما هو بلا تزويق أو رتوش.. يروي بثبات لحظات انتصاراته أو نكساراته.. الاوقات الحلوة في حياته وأوقاته المرة ساعات النصر وساعات المحنة. وبعيداً عن سقطته السياسية تلك والتي جاءت نتاجا لفورة الشباب واندفاعه، كما قال بنفسه .. شهدت ذات الفترة إنتاج أعمال وقفت علامات مائزة في تاريخه الفني كنشيد (يا ثوار أفريقيا يا صناع المجد) من كلمات الشاعر الدبلوماسي (صلاح أحمد إبراهيم) والذي تحور بعد ثورة اكتوبر إلى (يا ثوار اكتوبر)، ونشيد (يقظة شعب) للشاعر النوبي (مرسى صالح سراج) ولا يختلف اثنان أن هذه الاغنية من أعظم الاغنيات التي تغنى بها فناننا العبقري على مر تاريخه الطويل. حيث عبرت كلماتها بصدق عن مكنونات أمة ومكونات شعب ضارب بجذوره في التاريخ المجيد.. وقد سكب فيها الموسيقار من عبقريته اللحنية وإيقاعاته الساحرة ما أحالها إلى مقطوعة فنية نادرة المثال.. وليت الورق كان ينطق إذن لما وجدنا عناء في بث هفهفة الكلمات وزفزاف الموسيقى عبر الورق، لكن ما بيد حيلة.. فالعلم لم يتوصل إلى ثمة اختراع بعد يحتال به على الحروف الأبجدية لتنطق على ورق الجرائد. (6) وكان وزير الاستعلامات والعمل اللواء (طلعت فريد) وهو أحد رجال نوفمبر يتابع عن كثب (بروفات) هذا العمل الرائع.. وذات مرة طلب من الشاعر بأن يحاول إدخال الفريق (أبراهيم عبود) في أحد مقاطع العمل لكن شاعرالاغنية رده بغير رفق قائلا: \"ما بخشش لأنو ده تاريخ وإن شاء الله عبود بعد عمر طويل يجوا ويغنولوا ناس غيرنا\" فسكت طلعت فريد على مضض رغم عدم اقتناعه بالحجة. في تلك الفترة أيضا رفد وردي وجدان الأمة برائعته (الطير المهاجر) من كلمات (صلاح أحمد إبراهيم) والقصيدة عثر عليها وردي على صفحات مجلة (هنا أمدرمان) في 1961م والتقطها بعيني خبير وقام بتوقيع ألحانه عليها. ولعله وجد في مقاطعها المملوءة بالشوق والوجد صورة متكررة من عذابات أهله الحلفاويين الذي هجروا ديارهم في وادي حلفا إلى هجرة أخرى لم يألفوها ولم تألفهم وهي موجدة لا تزال موغلة في أعماقهم حتى اليوم. تماما كما رأى الشاعر (محمود درويش) يوما ما في حصار رام الله صورة متكررة لحصار بيروت من قبل، فعندما صعد درويش على المنصة ليلقي شعرا في بيروت في العام 2000م، وكان العدو يفرض حصاره القاسي على رام الله وقتئذ استأذن الجمهور قائلا \"من هنا بدأ الحصار اسمحوا لي ان نستعيد معا بعض المقاطع من (مديح الظل العالي)\". ولما سئل (عبدالخالق محجوب) سكرتير الحزب الشيوعي الراحل عن رأيه بالاغنية التي فشت بين الناس وقتئذ ، وكان بينه وبين شاعرها ما صنع الحداد ومواقف سار بذكرها الركبان أجاب دون أن يتلكأ: \"هكذا ينبغي أن يكون الغناء\". وفي ذات الفترة قدم وردي أيضا نشيد (اليوم نرفع راية استقلالنا) لـ (عبدالواحد عبدالله)، وفي احتفال رأس السنة الماضية رفض (وردي) طلبا من الحاضرين بغناء هذا النشيد بالذات قائلا في سخرية لاذعة \"هو وينو الاستقلال\" .. لقد أدمى فؤاده انفصال الجنوب، وشبح التمزق الذي يحيط بالسودان حالياً. (7) ثم تفجرت ثورة اكتوبر كجبّار لا يرحم في 21 اكتوبر1964م ونقشت في ضمير تاريخ السودان الحديث كائنا فريدا قل مثاله . فلو سلمنا جدلا بأن انتفاضة ابريل التي أطاحت بحكم الرئيس (جعفر نميري) في 6 ابريل 1985م قد تخلقت في رحم اليأس بعد أن صك الشعب وجهه وقال \"عجوز عقيم\" والشاهد أن اكتوبر أتت كالفجر أو\" زي شعاع الشمس من كل المداخل\" جاءت في الزمن الصحيح وحيثما انتظرتها الجماهير الثائرة ولم تتأخر. ولعل الدماء التي صبغتها منحتها خلودا على خلود، وصيرتها اسطورة من أساطير الشعوب المقهورة في طريقها للخلاص من حكم الطواغيت وسعيها نحو الحرية والانعتاق. وبرمزيتها تلك أجبرت ثورة اكتوبر كل المبدعين في كل المجالات على التفاعل معها وبها وإليها وتفجرت قريحة الشعراء كأجمل ما يكون وتدفقت الالحان وتموسقت الكلمات وتفجرت حناجر الفنانين ومن ورائهم الشعب بكل طوائفه وفئاته وأحزابه غنى لثورته الفتية ولم يكن وردي بدعا من أولئك النفر من ذوي الابداع فترنم بأناشيد وأغنيات شكلت فيما بعد علامات فارقة في مسيرة الاغنية السودانية مثل (اكتوبر الأخضر) للشاعر الدبلوماسي محمد المكي ابراهيم و(أصبح الصبح) و(لحظة من وسني) لمحمد مفتاح الفيتوري، وغيرها من الاعمال التي تخلدت بذاكرة الشعب. وثمة أمر لا مناص من الاعتراف به وهو أن أحد من المعنيين يبز وردي في الغناء لشعبه والالتزام بقضاياه والتعبير عنه وبأمانيه في كل سانحة وبكل وقت. وللجميع في رائعة محمد المكي ابراهيم (جيلي أنا) أسوة حسنة لكل حادب على وطنه، فقد غدت أنشودة على السنة كل الناس و(كولينغ) لكل الاحزاب والتنظيمات السياسية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار ولا ننسى الوسط. (8) وكما أسلفنا فقد اكتوبر جاءت فتية. تماما في الزمن الصحيح فكان غناء أمجادها وشهدائها فتيا مثلها سيما وقد اصطبغت باللون \"من دم القرشي وإخوانه\"، آخذين في الاعتبار ما أتت تحمله من شعارات التطهير \"لا زعامة للقدامى\" و حقوق المرأة وحقوق الطبقة العاملة.. وغيرها من الشعارات التي اكتست بها ملامح الثورة.. ويقول وردي في مرحلة ما أحسست ان الثورة تتراجع فبدأت أغني أغنيات \"إنني أؤمن بالشعب حبيبي وأبي\" و\"شعبك أقوى وأكبر مما كان العدو يتصور\" وفي تلك الاجواء حلت بالساحة السياسية بالسودان كارثة حل الحزب الشيوعي، وطرد أعضائه من البرلمان في 1965م على خلفية عبارات مسيئة تفوه بها طالب شيوعي بندوة عامة بدار المعلمين في 1965م، ولم تقف الامور عند ذاك الحد بل أخذت منحنى وعراً بعد تحدي البرلمان قرار المحكمة العليا بإبطال قرار الحل. ومن المؤكد أن المغني تأثر جدا بتلك الاجواء.. وكما يعلم القاصي والداني فقد كان وردي حينها تقدميا ملتزما بتعاليم اليسار، فضلا انه من المغنين الذين يملكون آراء واضحة وأحيانا صادمة فيما يغنون وينشدون. وهنا لابد من الاشارة لمقالته للشاعرالراحل (النور عثمان أبكر) عندما دعاه للالتفات لفنه دون الخوض في السياسة قائلا \"إنت ما تغني ساكت مالك ومال السياسة\" فرد عليه وردي قائلا \"يا أستاذ النور يبقى راديو ساكت ولا شنو\". الشاهد أن المجموعة الفكرية التي انتسب اليها وردي وإن شئت فقل (الحاضنة) التي تشكلت فيها موهبته أسهمت بشكل واضح لا تخطئه العين في رسم الطريق أمام ناظريه وفي تفتيح وعيه وتشكيل وجدانه اهتماما بالجانب القيمي للفن، وان الاغنية ليست ملهاة أو طرب والسلام، بل تعبير عن أحلام الناس وقبلها آلامهم وكان نتاج هذه المرحلة التي يطلق عليها مرحلة \"الشعراء الفلاسفة\" ان شكلت قنطرة أو جسر عبور لمحمد وردي من مجرد مغني عادي إلى فنان عبقري واعي بقضايا أمته وشعبه، ومن أبرز شعراء هذه المرحلة (عمرالطيب الدوش) و (علي عبد القيوم) صاحب نشيد \"نحن رفاق الشهداء\" وفي تلك الآونة أيضا اتجه (وردي) لخوض تجربة الغناء بالفصيح كما في (الحبيب العائد) لـ (صديق مدثر) و (مرحبا يا شوق). وغني عن القول إن هذه المرحلة أعقبت مفارقة وردي لصفيه ورفيق دربه الشاعر إسماعيل حسن الذي شكل معه ثنائيا من أروع الثنائيات الفنية بتاريخ الاغنية السودانية، حيث توقف وردي عن ترديد أغنيات \"ود حد الزين\" طوال تسع سنوات امتدت من 1965حتى 1974م ولم يكسر الصمت بين الاثنين إلا رائعة (سماعين)، (وا أسفاي) التي دار حولها جدل كثيف في أن (وردي) اختصها لنفسه من (صلاح بن البادية) التي هفا قلبه لغنائه بعد أن رأى فيها كما قيل تجسيدا حقيقيا لمسارات حياته التي تقلبت من جهة لأخرى خاصة في المقطع الذي يقول \"إرادة المولى رادتني وبقيت غناي، مع المكتوب أسوي شنو براهو الواهب العطاي\". وأثمرت فترة \"الشعراء الفلاسفة\" عن أغنيات فائقة الجمال خاصة بعد أن سكب عليها وردي من عبقريته اللحنية إيقاعات أسطورية جاوزت حد الادهاش ولقد أدهش وردي بالفعل متولي عيد مدير الاذاعة السودانية عندما أسمعه أغنية (الود) التي قام بتوزيعها الموسيقار الارمني الشهير (اندريا رايدر) حيث قام وردي بستجيلها بقاهرة المعز بصحبة اوركسترا مصرية بمصاحبة عازف الكمان الشهير (محمدية) فقط من السودان واكتسبت (الود) شهرة واسعة خاصة بمقدمتها الموسيقية الطويلة التي لم تكن مألوفة آنذاك في الغناء السوداني. (9) ويسرد وردي حكايته الغريبة مع رايدر في إحدى مقابلاته الصحفية قائلا: \"كان البواب غليظاً غطى شارباه نصف وجهه الأسفل، صاح بلكنة صعيدية (مين)، رد عليه الشاب النحيل: محمد عثمان وردي، قبل أن يتمعن في الاسم سأل مجددا: عايز مين؟، فأجابه: عايز أقابل الموسيقار أندريه، أمره الحارس بالانتظار غاب دقيقتين ثم عاد وبدون تردد حسم الأمر بقوله: ما عندناش مواعيد دلوقت يا بيه ما نستغناش. لكن يبدو أن الشاب الأسمر كان مصمماً: أنا لازم أقابلو، أنا جاي من السودان عشان أقابلو. بعد تردد عاد الحارس مرة أخرى إلى داخل الفيلا، ثم ابتسم في وجه الشاب: أتفضل يا بيه بس ما تطولش أصلو البيه معاه ضيوف من الكبارات. لم أتمكن من الدخول مع الشاب الأسمر النحيل ، كان الحارس متمترساً كالثور البلدي والريح تصهل بين طرفي شاربه الكث ، لكن الشاب يروي القصة كاملة : كانت الصالة واسعة .. فخمة المحتويات .. الستائر على النوافذ بألوان متناسقة مع الأثاث .. كان هناك عدد من الضيوف في سهرة الموسيقار الزائر .. رن صمتٌ مطبِقٌ عندما دخلتُ الصالة .. أذكر أن بصري وقع أول ما وقع على الفنان الكبير فريد الأطرش وبجانبه عوده المزخرف على نحو أنيق ورائع .. ومجموعة من الفتيات والفنانات المصريات والعربيات .. سألني أندريه مبتسما ابتسامة الفنان الذي يتوقع بحدسه الذكي ميلاد مفاجأة ما من أنت؟أجبته بثبات: (محمد وردي .. مطرب من السودان) .. رحب بي وأجلسني إلى جواره .. أضفتُ بدون تردُّدٍ (لديَّ عمل فني قمت بتلحينه في السودان وأرغب في عرضه عليك لتوزيعه إذا راقك) ، ارتسمت على شفتيه ابتسامة واسعة شجعتني .. طلب أن يسمع شيئا من ذلك اللحن .. لم يكن معي عود .. فبادر أندريه بطلب عود الفنان فريد الأطرش الذي كان ينظر لي نظرة نجم القاهرة للغريب المقتحم .. استجمعت في تلك اللحظات كل شجاعتي لتأكيد استحقاق أغنية الود للمشقة التي تكبدتـها من أجلِها منذ سفري من الخرطوم وحتى وصولي إلى القاهرة وانتهاء باقتحامي هذه السهرة المترفة .. غنَّيت بصوت عالِ أذهل الحضور وتمدد مستفيدا من الصمت الذي فرضه على المكان .. وكانت المفاجأة أن أندريه أمسكني من يدي وطلب مني الانتقالَ معه إلى غرفة داخلية ..كان بها البيانو الكبير الذي يستخدمه شخصياً .. ومنذ تلك اللحظة كان ميلاد أغنية الود التي لم أشأ أداءَها مرةً أخرى حتى لا يتشوَّه توزيع أندريه الرائع لها). وأضاف وردي (أصريتُ على أن يتمَّ عزفُ مقدمة المقطع الثالث من الأغنية بآلة الطمبور.. وكانت تلك مغامرةً تجريبيةً أثبتت إمكانيةَ هذه الآلة العريقةِ على مزاملةِ بقية الآلات الموسيقية الثابتة .. بل وأثبتت تألقها.. وذلك ما جعل ذلك المقطع من الأغنية ساطعَ الحضور في سماء القالب اللحني العام للأغنية\". ولأن اللحن بلغ حد الكمال الموسيقي آثر الموسيقار الراحل الا يشدو به مرة أخرى وأضحى لا يعيد غناءها ثانية وظلت هكذا بتوزيع العبقري (رايدر) وإلى الأبد. (10) ثم تفجرت ثورة مايو 1969م بقيادة العقيد جعفر نميري حمراء قانية اللون، ويسارية الهوى حتى ان البعض أطلق على السودان وقتها لقب \"كوبا أفريقيا\"، ولم يمض وقت وجيز حتى أهدى الموسيقار الراحل الانقلاب الوليد نشيد (في حكاياتنا مايو) ومن مقاطعه التي لا تنسى (أنت يا مايو بطاقتنا التي ضاعت سنينا.. أنت يا مايو ستبقى بين أيدينا وفينا.. لم تكن حلما ولكن كنت للشعب انتظارا).. وسرعان ما اتبعها بنشيد آخر (يا حارسنا وفارسنا) الذي ظل يبث حتى الايام الاخيرة لنظام مايو، وقد اعتذر (وردي) و(محجوب) عن تلك الاناشيد ، ويحكي الشاعر (محجوب شريف) عن تلك الايام في مقابلة مع (محمود المسلمي) في برنامج (همزة وصل) على إذاعة (لندن) بث في تسعينيات القرن الماضي عند سؤاله عن القصيدة التي قدمته للناس فأجاب بطريقة مباشرة ودون مواربة \"أقول لك بكل آسف لأغنية \"يا حارسنا ويا فارسنا\" ويفسر محجوب شريف مبعث أسفه وحسرته تلك انهم استقبلوا ذلك الانقلاب (في إشارة لمايو)، بصدق فني لكن دون وعي سياسي أو اجتماعي وهذا ما أوقعهم في فخ الغناء له وتمجيد قادته. ويبدو أن النشيد كان عرضا من (أمراض الطفولة اليسارية) على حد تعبير لينين الشهير. ومن المهم جدا الاشارة إلى أن الموسيقار الراحل وشاعر الشعب أصبح فنهما من لدن تلك الواقعة (قوسا بيد الشعب) فقد تبرآ معا من الغناء لغيره أو تمجيد أحد سواه.. نعم هو الشعب ولا أحد سواه كما يقول (صلاح أحمد إبراهيم) عنه أي (الشعب) في مساجلاته الذائعة الصيت مع (عمر مصطفى المكي)،\" وهبته ألذ سويعات العمر، وأحلى سني نضارتي ورونقي.. ووهبته وقتي وراحتي وأماني ومستقبلي وقلمي وألمي ودراهمي المحدودة، لأن الكتابة لا يمكن ان تكون فيما عدا خلسات محفوظة.. متعة جمالية بحتةأ بل استمرار مؤلم ومستوحش للنضال\". واذا كانت الكتابة التزاما مؤلما ومستوحشا فضروب الفن الاخرى وبينها الموسيقى والغناء لا تقل عنها خطرا.. وفي درب الالتزام تجرع وردي المر وذاق الحنظل، لكنه لم يلن أو تنثني له قناة. لم تمض سنتان حتى قاد (هاشم العطا) ثورة تصحيحية ضد ثورة مايو، ورمزها (جعفر نميري) في 19 يوليو 1971م غير أن الحركة لم تصمد سوى ثلاثة أيام، ثم عاد نميري اكثر وحشية ودموية ورغبة في الانتقام فقتل من قتل وشرد من شرد وسجن من سجن.. وكان من بين الذين طالهم السجن محمد وردي الذي نزل بساحة سجن \"كوبر\" العتيد. وفي السجن أكثر وردي من المطالبة بأن يعطى (عوده) وفي إحدى المرات رد عليه مدير جهاز الامن وقتها (عبد الوهاب) قائلا \"يا محمد وردي نحن ما قبضناك عشان راكب دبابة قبضناك عشان عودك ده وما حنديك ليهو\". ويروي صاحب (الوطن) الراحل (سيد أحمد خليفة) بعضاً من ذكرياته والموسيقار الراحل في أول احتفال بذكرى اكتوبر داخل المعتقل بسجن كوبر \"يوم الحفل العظيم داخل فناء السرايا بسجن كوبر ومن على مسرحها أنشد الفنان محمد وردي أجمل وأعظم أناشيده الاكتوبرية الجبارة، ومعها أنشد الجديد الذي بشَّر بالحرية ونهاية الظلم قائلاً (اكتوبر .. دناميتنا دناميتنا.. ساعة الصفر.. ركيزة بيتنا) والنشيد من كلمات (محجوب شريف) الذي كان معتقلا معهم في نفس المكان.. ويضيف صاحب (الوطن)\" وخلف وردي وهو على المسرح وحوله الكورال والشيالين والعازفين والمبدعين كانت الهتافات والتحديات تزلزل أركان السجن العتيد الذي أعلنت إدارته حالة الطوارئ . وأصاب الهلع والفزع من كانوا في بيوتهم أو في مجالسهم بعيداً عن السجن من سدنة النظام وقادة المقاصل وقتلة الرجال.. وقد أدى ذلك المشهد الفريد بجانب الاستنفار العسكري داخل وحول سجن كوبر إلى تجمع الآلاف من المواطنين حول السجن عندما حملت الرياح الجنوبية والشمالية نحو (800) منشداً كانوا معتقلين يرددون خلف الفنان (محمد وردي) و (محمد الأمين) و(جمعة جابر) و (إدريس إبراهيم)، الأناشيد الثورية والحماسية بأصوات ما كان يمكن أن تبلغ المدى السمعي لو جهزت لها أعتى وأكبر مكبرات الصوت\". وأتاحت له فترة السجن فرصة التقاط أغنية ستكون لاحقا أحد أجمل أغنياته على الإطلاق (أرحل) وكلمات الاغنية وصلت إلى وردي بطريقة غريبة حيث وصلت اليه بطريق الصدفة عندما لفت له عقيلته بعض أغراضه بصفحة من جريدة (الصحافة) كانت القصيدة منشورة بها. و(أرحل) مثله سابقتها (من غير ميعاد) التي التقطها الموسيقار الراحل من صحيفة (السودان الجديد) بعد أن قام بنشرها الشاعر (محمد يوسف موسى) على صفحة فنية أسبوعية كان يقوم بالاشراف عليها. وتغنى بها وردي للمرة الاولى في برنامج (تحت الأضواء) من تقديم الهرم الإعلامي (حمدي بولاد) قبل وقت قليل من انقلاب مايو 1969م وشاعرها (التيجاني سعيد) لم يكن قد بارح الثامنة عشرة من سني عمره بعد. وفي ليل السجن الطويل واللا نهائي تصبح القراءة إحدى وسائل تزجية الوقت وقد التقطت عيناه قصيدة بعنوان (قبض الريح) للشاعر (التيجاني سعيد) ففكر في تلحينها لكن واجهته مشكلة في الكورس وتوزيع الايقاعات فتولى السجناء والمعتقلون تلك المهمة،، وأيضا جرى تغيير اسم الاغنية إلى الاسم الذي ذاعت به بناء على ملاحظة الرشيد نايل وهو القاضي الشرعي الوحيد الذي انتسب إلى الحزب الشيوعي آنذاك بأن (قبض الريح) تكريس واضح لمناخ اليأس والإحباط خاصة وأن جميع الرفاق إما قتيل أو حبيس أو مطارد وعليه جرى تعديل اسمها لتصبح (أرحل). والاغنية فاجأ بها محمد وردي جهموره في حفل غنائي بكازينو النيل الازرق في 1973م .. ولعلها اكتبست بعداً سياسياً من هذا حيث شدا بها الموسيقار الراحل بعد وقت قليل من الافراج عنه رغم ان شاعرها ذكر في أكثر من مناسبة أن الاغنية لا تحمل ثمة مضامين سياسية وأنها أغنية عاطفية بحتة .. وبعد سنوات انبرى الموسيقار (يوسف الموصلي) لإعادة توزيعها مع أخريات من أعمال وردي إبان فترته بالقاهرة في النصف الاول من تسعينيات القرن الماضي. لكن الموسيقار الراحل لم يظهر رضا بشأنها بل عمد لانتقاد الطريقة التي اتبعها الموصلي في توزيع الاغنية ورأى ان الطريقة تجافي ما تعودته الإذن السودانية. (11) وبعد انتفاضة أبريل 1985م التي أطاحت بالرئيس (جعفر نميري) غنى وردي للشعب كما لم يغن أحد. وتلك الفترة بالذات كرست لزعامة وردي الفنية وصيرته فناناً للشعب ومعبراً عن صوته بلا مراء ودون منافس حتى يومنا هذا. لدرجة ان البعض أطلق عليه \"فنان أفريقيا الأول\" لشعبيته الخرافية غير المسبوقة في دول القارة السمراء خاصة منطقة القرن الافريقي ودول شرق ووسط والغرب الافريقي. وبعد وقوع انقلاب الانقاذ في (30) يونيو 1989م اتخذ الموسيقار الراحل قرارا بالخروج من السودان بعدما فشل في التعايش مع الإسلاميين الذين بدأوا في التضييق على الناس وشهدت تلك الفترة أغنيات قوية لوردي في مواجهة قادة الحكم الجديد أشهرها نشيد (سلم مفاتيح البلد) لـ (محمد المكي إبراهيم) والتي بلغت شأوا أن صارت شعار تعبيريا عن مرحلة بكاملها وكثيرا ما صدح بها رئيس التجمع الوطني الديمقراطي (محمد عثمان الميرغني) في وجه الاسلاميين .. \"سلم تسلم\"، وأيضا غنى وردي نشيد (من طواقي الجبهة لي دقن الترابي) من كلمات (المكاشفي محمد بخيت). |
محمود منصور محمد علي- مشرف المنتدى العام و مصحح لغوي
رد: مخصص للبحث والتوثيق للاعمال الفنية الخالدة للعملاق الراحل محمد عثمان حسن وردي
رفاق الشهداء
كلمات علي عبد القيوم
اداء محمد وردي
***************************
أى المشارق لم نغازل شمسها
ونميط عن زيف الغموض خمارها
أى المشانق لم نزلزل بالثبات وقارها
أى الأناشيد السماويات لم تشدد
لأعراس الجديد
بشاشة أوتارها
نحن رفاق الشهداء
نبايع الثورة والداً ووالدا
نبايع الشهيد القرشى قائداً
نبايع السودان منبعاً ومورداً
نحن رفاق الشهداء الفقراء
نحن الكادحون الطيبون والمناضلون
نحن جنود الثورة التقدمية
نحن المثقفون الشرفاء
نحن النساء العاملات
ونحن أمهات الشهداء
اباؤهم نحن
اخوانهم نحن
اخواتهم نحن
صدورنا سراقة الكفاح
عيوننا طلائع الصباح
اكفنا الراية البيضاء والسلاح
نبايع السودان سيدا
نبايع الثورة والداً وولدا
يا أكتوبر الحزين
يا طفلنا الذى جرحه العدا
ها نحن نصطفيك موعداً ومولدا
ها نحن يا حبيبنا الجريح
نعيد مجدك القديم شامخاً ورائعا
فلتستريح على صدورنا
ولنكتشف معاً دروبنا
نبايع السودان سيدا
نبايع السودان والداً وولدا
********
محمود منصور محمد علي- مشرف المنتدى العام و مصحح لغوي
الذكرى الثالثة لرحيل الموسيقار محمد وردي
الذكرى الثالثة لرحيل الموسيقار محمد وردي
02-19-2015 11:50 PM
المقبول المنا خوجلي أبو الجاز
صدفة أجمل صدفة وكانت صدفتان الأولى في ذلك اليوم الحزين التاسع عشر من فبراير عام 2012م، وذلك عندما حطت بنا الطائرة الميناء الجوي بالعاصمة الاثيوبية أديس أبابا عند الساعات الأولى من الصباح، ولم تمضِ سوى سويعات على رحيل الموسيقار مطرب افريقيا السمراء الأول الأستاذ محمد عثمان وردي.
أما الصدفة الثانية تلك الدرة الرائعة التي تعتبر من روائع الراحل صاحب الصوت الأنناسي، حيث اتوقف عند هذه الرائعة «صدفة أجمل صدفة» التي استقبلنا بها قائد أجرة التاكسي حين تأكد له بأن هؤلاء الزوار من أشقائه أهل السودان، الذين حلوا ضيوف على عاصمة الهضبة الاثيوبية، التي كانت ترتدي ثوب الحداد لرحيل هذه الجوهرة الافريقية الفريدة، الذي عشق سكانها إبداعه، وما أن أدار مفتاح السيارة إذا به يزج بأحد أشرطة الكاسيت للراحل مطرب أفريقيا الأول الذي وصفه بهذه الصفة عمالقة الطرب الاثيوبي، وذلك عندما عطر سماء أديس أبابا بعذب الحانه محتفياً مع أشقائه بالعيد الوطني، إبان حكم الرئيس «ما نقستو هايلو ماريام» برائعته من قلب افريقيا التي داست حصون المعتدى.
ومن هؤلاء المطربين الراحل تلهون قسسا، والراحل منليك شتا، والبلبلة الفريدة استير أواكى، ومحمود أحمد جوهر، وكلهم من عمالقة أهل الفن بالهضبة الاثيوبية، كانت البداية صدفة أجمل صدفة، ثم الطير المهاجر، وكان في معيتي نائب المدير العام ومدير العلاقات العامة لمصانع الأفراح، حيث كان لهم عظيم الشرف للمشاركة بمعرض أديس أبابا العالمي التجاري.
لم تكن تلك الروائع قد تم توزيعها بالخرطوم، بل كان التوزيع والتسجيل بأحد منتجعات الهضبة الاثيوبية «كورفت» وموقعة على سواحل أعظم بحيرات الكرة الأرضية «بحر دار» كما يسميها أهل تلك البلاد، والبعض منهم يطلق عليها «طانا»، وباقي سكان المعموري يسمونها «تانا» تلك البحيرة الساحرة التي تريك عظمة الرحمن في خلق الطبيعة، حيث كانت الاوركسترا من أنامل أهل اثيوبيا، مما أثار حفيظة الابن أمجد اسماعيل وهو شاعر رقيق مرهف له اسهامات بالساحة الفنية خصوصاً برنامج (ريحة البن) حيث طلب من سائق الأجرة نسخة لهذه المادة حينها، ودعنا السائق ورحل، وعند الساعة الخامسة مساء وقبيل غروب الشمس إذ بباب الفيلا التي نقطن بها يطرق، فإذا بالطارق سائق الأجرة ومعه شريط الكاسيت، وعلى الغلاف صورة الراحل وردي وغير العادة حيث كان يرتدي الزي القومي السوداني الجلباب والعمامة، في هذه اللحظة تساءل الابن أمجد عن القيمة حينها، كان الرد عظيماً أخرس الحضور وبالحرف الواحد أفصح قائلاً إن ما قدمه الراحل وردي لا يباع ويشترى بعد رحيله، لأنه باهظ الثمن، ولو كان وردي على قيد الحياة لقبضت الثمن، ولكن اعتبر هذه المادة هدية للذكرى والتاريخ. لقد رحل وردي وتبقى الود، وصدفة، والطير المهاجر، ويهاجر ويعود، ولكن وردي رحل بدون عودة، هذا انطباع سائق أجرة، ولكن ماذا قال أهل الفن عن الهرم الراحل حيث تستحضرني الذاكرة عند بداية الستينيات القرن الماضي، والدعوة التي قدمت من قبل حكومة السودان للملك الراحل فيصل بن العزيز عليه الرحمة، والامبراطور الراحل «هايلوسلاس»، وذلك من الاحتفاء مع أهل السودان لافتتاح سد خشم القربة، وتوطين اهالي حلفا بهذه المنطقة، حيث كان الامبراطور تصحبه فرقة ماسية للفنون الشعبية، وكانت تقودها المطربة «تللا»، والراقصة «ممبرا»، وحينها لم يتجاوز عمري التسعة أعوام مما جعلني أعشق هذا الفن الرائع الجذاب والي يومنا هذا.. لذا من الطبيعي أن تكون هناك علاقة تربطني مع أهل الفن باثيوبيا.
تعج اثيوبيا بالمراقص الليلية، ولكن في ذلك اليوم الحزين لبست اديس أبابا ثوب الحداد، وأغلقت هذه المراقص أبوابها لمدة ثلاثة أيام أمام جمهورها، وعند اليوم الرابع كان هناك موعد بفندق الهيلتون عبارة عن عشاء فاخر وحفل غنائي ساهر، شارك فيه بعض نجوم الطرب من أهل اثيويبا، حيث كانت صدفة ثالثة جمعتني ببعض هؤلاء المطربين وعلى رأسهم المخضرم محمود أحمد صاحب رائعة «تزتا»، وتعني الذكريات، والذي تربطه علاقة وطيدة مع الراحل وردي وأنا أعلم ذلك جيداً، وكانت نبراته حزينة وهو يوجه لي بعض الأسئلة ومن ضمنها العلة التي كان يعاني منها، ولم يتردد حيث أفصح القول بأنه أضحى يرى محمد وردي عندما يعتلي المسرح يجلس على الكرسي، كما سألني كم ترك من البنين، ومَن سلك طريق دربه من أبنائه؟!!.
أما المطربة «أما لملي» عندما مرت بالقرب منا أجهشت باكية، أما الفنان الصاعد «مادنقو» الذي يتغنى برائعته «أنت كونجو تلونا إما» وتعني ياحلوه أسرعي تعالي على لحن رائعة الراحل سيد خليفة، إذا السماء بدت لنا، حيث يمتاز هذا المطرب بأغاني المناجاة، ومن أجمل روائعه «برتكاني» أي البرتقال، وقال لي بالحرف الواحد إن الراحل محمد وردي أوجد أجمل لحن من حيث التوزيع، والنوتة الموسيقية التي صاحبت هذا الإبداع الرائع متمثلاً في «الود» ويعتبره أجمل عمل فني سمعته أذناه عالمياً، وبهذا العمل الرائع أقف إجلالاً لهذه القامة، وأقول للملأ أجمعين إن ما وصف به الراحل وردي لم يكن وليد الصدفة، ويعود السبب في ذلك لما قدمه من أعمال فنية نضالية لهذه القارة السمراء، أضحت ترفرف عالية خفاقة في عنان السماء، وهنا أصدق القول عن رائعته «الود»، حيث مضت ثلاثة أعوام وحتى رحيله بأن هناك تجربة شخصية مع هذه الرائعة لترديدها، ولم استطع ذلك إلى اللحظة بالرغم من ترجمتها من العربية إلى الأمهرية.
لقد رحل وردي وودعته الملايين من محبيه أهل السودان، ولكن كيف كان حال أهل اثيوبيا لوداعه الذي لم يكن حكى أو وصف، والدليل على ذلك بأني عايشت هذا الحدث على الطبيعة، حيث كانت أعمال وردي تصدح بمكبرات الصوت على طرق أديس أبابا خصوصاً أماكن بيع أشرطة الكاسيت السيديهات التي وصلت إلى أرقام خرافية، جعلت كلما أدرك أحد الإخوة الاثيوبين بأنك سوداني بادرك بالسؤال وفي دهشة تشعر من خلاله بأن هذا الأخ بين مصدق ومكذب لهذا النبأ، مع العلم بأنه يعلم جيداً إن الموت حق والبقاء لله وحده، ولكنها غريزة البشر، حيث كان الانطباع والشعور وكأن محمد وردي من عائلة اثيوبية لا نوبية، ولِم لا والدليل على ذلك اللفظ المشترك ما بين قبيلة الامهرا وقبيلة المحس، حيث نجد أن كلمة «أقري» عند الامهرا تعني وطني أو بلدي، وأيضاً المحس أضف إلى ذلك إن أشهر ملوك بلاد الحبشة العليا في الماضي يدعى «إثيوبس»، حيث اشتق حديثاً اسم اثيوبيا منه وهو شقيق «كوش» اشهر ملوك الحبشة السفلى السودان حديثاً، ومن أشهر أبنائه «أفريكوس» ملك ملوك الزمان، حيث اشتق اسم «أفريكا» من اسمه- راجع الشبكة العنكبوت «NET» تاريخ هيروتس والمراجع الآتية جواهر الحسان في بلاد (الحبشان).. ملوك الحبشة آثار البلاد وأخبار العباد، عليه فإن محمد وردي، وتلهون قسسا، وجهان لعملة واحدة، وفي اليوم الختامي أقامت اللجنة المنظمة للمعرض مأدبة عشاء وحفل غنائي راقص بأحد المطاعم الفلكورية «أودي حبشة» بداية وقوف الحضور دقيقة حداداً على الراحل محمد وردي، بعدها بدأ البرنامج لتلك الأمسية التي أبدع فيها أحد مطربي الفن الشعبي الاثيوبي، حينها أطلق العازفون المزامير والأوتار والطبول وآلة الماسكو والكرار، وجعلوا الحضور من كل العالم يتمايلون طرباً ورقصاً على أنغام رائعة الراحل.
الصغيرون أم الجنى يا كريم ربي تسلمه
تبعد الشر من حلته جنة للأم الولدته
تسلم البطن الجابته في جبل عرفات وضعته
التميره الفي صبيطته الصفار سابق خضرته
دي ترباية حبوبته معذورة أمها كان دسته
وا هلاكي الناس شافته معذباني أنا ود حلته
اخر لحظة
محمود منصور محمد علي- مشرف المنتدى العام و مصحح لغوي
محمد وردي.. وهو يهز الأرض من أعماقها!!
قصة لقاء نادر مع نميري بعد خروجه من المعتقل ولماذا مكث خمس دقائق وهو يرتجف.. ولماذا طلب منه قبطي أن يقرأ بعض الآيات القرءانية قبل الدخول على نميري
تميز وردي بقوة شخصية لافتة للانتباه وتمتع بقامة مديدة ولطالما ارتبط طول القامة في مخيلة الشعراء والعامة بالرفعة والمجد والسمو
أهم مميزات محمد وردي أنه فنان كل الناس، يصعب تحديد مسار جمهور وردي، وذلك لأنه غنى لكل الطبقات بمختلف ثقافاتها وألوانها وأعمارها وتوجهه الجغرافي والتأريخي
الخرطوم : خالد فتحي
(أي موت يستطيع أن يقتل أخي كله) هكذا امتلأ الزير سالم بالدهشة عندما نقل إليه موت أخيه كليب بن ربيعة. ولازلنا بذات إحساس الزير رغم السنون التي تصرمت منذ وسدنا عبقري الموسيقى السودانية محمد وردي الثرى في جبانة فاروق بالخرطوم منذ ثلاثة أعوام.
وردي "صانع ربيع الأغنية السودانية" لم يكن مغنياً عادياً، بل كان فناناً واعياً بقضايا شعبه وأمته ويعد من المبدعين القلائل الذين ألقى بهم في غياهب السجن لمواقفهم السياسية المناوئة لسلطة الحكم.
في بضع سنين تفتح وعي وردي منذ بدء مشوار الإبداعي الرائع عندما تفجرت ثورة أكتوبر أصبحت رمزاً لعودة الأحلام الشاردة، حيث ساد إحساس قوي في أوساط الجماهير بأن النخبة السياسية فشلت في الوصول بالدولة السودانية إلى بر الأمان بعد الاستقلال وعمقت سلطة نوفمبر الديكتاتورية بقيادة الفريق إبراهيم عبود تلك المشاعر حتى أن الأفارقة باتوا يطلقون على السودان لقب رجل أفريقيا المريض.
لكن أكتوبر مثلت عودة الروح إلى القمة والقاعدة معاً وجددت الأمل بامكانية استعادة الأحلام الشاردة. هنا كان وردي حيث أراد له شعبه أن يكون صادماً منتظراً حتى إذا أصبح أطل فأشعل التأريخ ناراً واشتعل.
القامة والشعر المنسدل
تميز وردي بقوة شخصية لافتة للانتباه وتمتع بقامة مديدة ولطالما ارتبط طول القامة في مخيلة الشعراء والعامة بالرفعة والمجد والسمو، فالخنساء عندما رثت أخاه صخراً قالت: طَويلَ النِجادِ رَفيعَ العِمادِ /قد سادَ عَشيرَتَهُ أَمرَدا).
وأضاف عليها وردي الشعر المنسدل الذي كان أشبه بالموضة في سبعينات القرن الماضي وفي الأساطير الإغريقية كان ترك الشعر مسترسلاً على الكتفين يمنح الفرسان المقاتلين هيبة وسطوة أثناء المعركة.
ولعل تلك قوة الشخصية تلك وعصاميته الفذة جرته إلى المجد جراً فقد كانت موهبته ناراً تتوقد تحت الرماد عندما كان مدرساً في المدارس الابتدائية في شندي، لكن نفسه التواقة إلى السموق نازعته حتى هجر التدريس واتجه إلى الغناء.
وفي الغناء لم تهدأ روحه القلقة، بل نازعته إلى التميز بعد الظهور فحاول التلحين وكان له ما أراد حيث موسق بنانه لحن أغنية (أول غرام) للمرة الأولى في مسيرته السحرية وتسببت الأغنية في مشكلة بينه وبين مدير الإذاعة محمد صالح فهمي من جهة لأن وردي كتب أنها من كلماته فرفض فهمي إجازتها فرضخ وردي إلى قراره المتعسف ونقلها في ورقة أخرى وكتب عليها من كلمات (علي ميرغني).
ثم فجرت مشكلة بينه وبين الملحن خليل أحمد الذي عهدت به الإذاعة السودانية إليه كما كان الحال في ذلك الوقت، حيث سمت إسماعيل حسن شاعراً وخليل أحمد ملحناً لمحمد وردي، فلما لحن وردي الأغنية وأبلغ خليل بمافعل وقعت قطيعة قوية بين الاثنين امتدت لسنوات.
ثم مضى في طريق المجد واثق الخطى يمشي ملكاً فلحن أغنية (الود) التي ذاع صيتها بأن أشرف على التوزيع الموسيقي لها الموسيقار الشهير اندريه رايدر الذي كان أحد النجوم المتوهجة بالقاهرة في ستينات القرن الماضي.
وكان شديد الوعي أيضاً بضرورة مسايرة العصر وعلى سبيل المثال في الستينات كان "الموضة" الأغنيات ذات المقدمات الموسيقية الطويلة فكانت (الطير المهاجر) و(الود) ثم جاءت السبعينات بإيقاعاتها السريعة الراقصة فكانت (صورة) و(وسط الدائرة) و(الحنينة السكرة)،
وخلال مسيرته الإبداعية واجه وردي كثير من الصعوبات والانتصارات وبالطبع الانكسارات وسوء تقدير المواقف لاسيما السياسية منها مثل غنائه لسلطة نوفمبر الديكتاتورية ثم انحيازه لانقلاب مايو .. لكنه كان على الدوام يروي كل شئ حتى لحظات النكسة والعثرات وهذا قيمة صدق عالية النبرة يتميز بها.
وعاونت وردي على اعتلاء العرش والتربع عليه لأكثر من نصف قرن من الزمان بجانب موهبته الاستثنائية بالدرجة التي قيل فيها أن وردي بإمكانه تلحين (خبر في الجريدة)، ومثابرته واصطباره على التجربة، ميوله اليسارية التي جعلته قريباً من نبض الجماهير وضبط إيقاعه الإبداعي على مر السنين على وقع خطواتها، مجسداً أحلامها وآلامها وتطلعاتها. ولطالما سار اليسار واليمين والوسط نحو إبداعه باسمين ولاغرو .. ويذكر "زياد عبد الفتاح" أحد أعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير واقعة تؤكد على أن وجود محمود درويش في اللجنة التنفيذية كان عاملاً مهماً في توحيد صفوف المقاومة فيقول: "قرأ محمود درويش على المجلس الوطني الفلسطيني بكامل أعضائه ومراقبيه ومرافقيه وضيوفه وحرسه قصيدة (مديح الظل العالي) فأثملهم وشغلهم عن الخلاف السياسي الذي شب بينهم في تلك الجلسة".
مع نميري وجهاً لوجه
ويقول وردي: ظلت علاقتي بالسلطة أيام نميري متوترة على الدوام وأذكر أنه في عام 1975م في عهد وزير الإعلام أحمد عبدالحليم تقرر عمل تكريم لكل فناني السودان وإعطائهم ميداليات لكن اللجنة المكلفة بالأمر وقعت في ورطة فهل تضمني إلى القائمة؟ وفي هذه الحالة ماذا سيكون ردة فعل الرئيس نميري الذي سيقدم الميداليات للفنانين أم يتجنبوني؟ وهل يعقل أن يكرم كل فناني السودان باستثناء محمد وردي؟ ويبدو أن اللجنة رأت أن تترك الأمر للوزير كي يجد مخرجاً.
ويروي وردي تفاصيل مقابلة نادرة مع الرئيس الراحل جعفر نميري للصحفي الرقم السر سيد أحمد في واحدة من الحلقات الوثائقية التي نشرت بمجلة (المجلة) ذائعة الصيت في 1995م قائلاً:
في أحد الأيام وبينما أنا استعد لمغادرة منزلي لإحياء حفل في أمدرمان رن جرس التلفون ورفعت السماعة لأسمع :" ازيك يا محمد". عرفت صوت الوزير وقلت :"أهلاً يا أحمد".
قال :"عاوزنك ضروري تجينا هنا".
:"هنا وين"؟
: "في مكتبي"
"لكن عندي حفلة"
"لكن عندي حفلة"
" يازول أنت مجنون حفلة شنو؟".
"أنا مرتبط بحفلة وماشي أغني"
" طيب أدينا ساعة"
"مابقدر"
"بتقدر الرئيس معاي وهو سامعني دلوقت تعال بسرعة "
وضعت السماعة وترددت كثيراً وسألت نفسي عايزين مني شنو؟ وصلت الوزارة ودخلت على مدير مكتب الوزير عزيز التوم بشارة وهو مسيحي قبطي فطلب مني أن اقرأ بعض الآيات القرءانية قبل الدخول على الوزير.
ودخلت المكتب وكنت مقرراً بيني وبين نفسي أن أتصرف وأرد على أي استفزاز من جانبهم قلت : السلام عليكم.. رد نميري وكان جالساً على الكرسي : وعليكم السلام ثم وقف ومد يده. مددت يدي إليه فقال : يا أخي الجفوة دي شنو؟.. دا سلام سودانيين؟. ثم أخذني بالأحضان الأمر الذي لطف الأجواء مع أنني مكثت خمس دقائق وأنا ارتجف.
سألني الوزير أحمد عبدالحليم عما أشرب فطلبت ماء هنا تدخل نميري وقال وقهوة كمان وجاريته وطلبت قهوة ثم التفت نميري إليَّ متسائلاً: لكن بتكرهني ليه؟ رديت : كون مواطن يكره رئيسه دي ما غريبة. لكن أنت بالذات بتكرهني ليه؟ فقال نميري: أنا مابكرهك ومابسمع فنان غيرك وأنت فناني المفضل وفنان زوجتي كمان، وأنا حضرت عرسك في مدني ومصطفى أخوي ساكن جارك وعلاقتنا كبيرة وأنت بتعرف خالنا شاويش خليل المشهور في حلفا ومن بدري أنا معجب بيك".
ومضى الحديث بين الاثنين وردي ونميري وانتهت بطلب نميري طي صفحة الخلاف بينهما.. لكن الملاحظة الجديرة هنا هي صدقه النادر في اعترافه أنه كان يرتجف لخمس دقائق وهو في حضرة نميري.. على العكس تماماً من أصحاب "الحلاقيم الكبيرة" الذين ملأوا الأرض ضجيجاً وهم يرون بطولات زائفة طرفها نميري.
وردي فنان كل الناس
ويتضوع الصحفي ذو الموهبة الاستثنائية محمد عبدالماجد عطراً وهو يتحدث عن وردي قائلاً : في اعتقادي أن أهم مميزات محمد وردي تتمثل في أنه فنان العامة أو هو فنان كل الناس، يصعب تحديد مسار جمهور وردي، وذلك لأنه غنى لكل الطبقات بمختلف ثقافاتها وألوانها وأعمارها وتوجهه الجغرافي والتأريخي كذلك.هو تقريباً غنى لحنياً لكل الإيقاعات ما بين اللحن الصعب والمعقد مثل لحن أغنية (الحزن القديم) والذي كان الموسيقار محمدية يعتبره من أصعب الألحان وأكثرها اعجازاً إلى اللحن البسيط والسهل ذو الإيقاع الخفيف والطروب مثل لحن أغنية (حرمت الحب والريدة) للطاهر إبراهيم صاحب الألحان الخفيفة التي عرف بها خلال ثنائيته مع إبراهيم عوض.في جانب كلمات الأغنيات أيضاً تنقل وردي ما بين الكلمات الصعبة والفلسفية العميقة مثل كلمات الدوش في (الود) أو كلمات محجوب شريف في (جميلة
ومستحيلة) أو (الحبيب العائد) لصديق مدثر لينزل مع جمهوره في كلمات بسيطة وخفيفة مثل كلمات أغنية (الناس القيافة) لمحمد علي أبوقطاطي. وردي مثلما غنى للاستقلال غنى للمرسال، وكما غنى لعرس السودان غنى (يا ناسينا)..هو وثق للسودان منذ (القمر بوبا) تراثياً إلى (الاستقلال) 1956 ليأتي ويغني لثورة أكتوبر 1964 ثم يغني لثورة أبريل 1985م...بل لم تفلت من وردي حتى فترة حكومة عبود و 25 مايو و30 يونيو. كفى أننا لا نستطيع أن نتحدث عن (الاستقلال) أو نجعل علم السودان يرفرف عالياً دون أن نغني مع وردي (اليوم نرفع راية استقلالنا). تنقَّل بنا وردي بإيقاعات السودان كلها فقدم إيقاع من غرب السودان في (بنحب
من بلدنا ما بره البلد) كما أن لحن أغنية (الوصية) لبرعي محمد دفع الله لا يخرج من طرب أغنية الغرب وغنى إيقاع السيرة في (اقدلي وسكتي الخشامة) وغنى إيقاع الطنبور شرقاً في (الريلة) وشمالاً في (الليلة يا سمرا) الإيقاع النوبي وغنى من إيقاعات الوسط (لو بهمسة) الأغنية العالية في الرومانسية لحناً وكلمات بما يتوافق مع إنسان العاصمة. سوف يبقى وردي مثل نجم السعد يحيا في الدواخل ريثما تصفو السماء وهي أيضاً كذلك .
التيار
تميز وردي بقوة شخصية لافتة للانتباه وتمتع بقامة مديدة ولطالما ارتبط طول القامة في مخيلة الشعراء والعامة بالرفعة والمجد والسمو
أهم مميزات محمد وردي أنه فنان كل الناس، يصعب تحديد مسار جمهور وردي، وذلك لأنه غنى لكل الطبقات بمختلف ثقافاتها وألوانها وأعمارها وتوجهه الجغرافي والتأريخي
الخرطوم : خالد فتحي
(أي موت يستطيع أن يقتل أخي كله) هكذا امتلأ الزير سالم بالدهشة عندما نقل إليه موت أخيه كليب بن ربيعة. ولازلنا بذات إحساس الزير رغم السنون التي تصرمت منذ وسدنا عبقري الموسيقى السودانية محمد وردي الثرى في جبانة فاروق بالخرطوم منذ ثلاثة أعوام.
وردي "صانع ربيع الأغنية السودانية" لم يكن مغنياً عادياً، بل كان فناناً واعياً بقضايا شعبه وأمته ويعد من المبدعين القلائل الذين ألقى بهم في غياهب السجن لمواقفهم السياسية المناوئة لسلطة الحكم.
في بضع سنين تفتح وعي وردي منذ بدء مشوار الإبداعي الرائع عندما تفجرت ثورة أكتوبر أصبحت رمزاً لعودة الأحلام الشاردة، حيث ساد إحساس قوي في أوساط الجماهير بأن النخبة السياسية فشلت في الوصول بالدولة السودانية إلى بر الأمان بعد الاستقلال وعمقت سلطة نوفمبر الديكتاتورية بقيادة الفريق إبراهيم عبود تلك المشاعر حتى أن الأفارقة باتوا يطلقون على السودان لقب رجل أفريقيا المريض.
لكن أكتوبر مثلت عودة الروح إلى القمة والقاعدة معاً وجددت الأمل بامكانية استعادة الأحلام الشاردة. هنا كان وردي حيث أراد له شعبه أن يكون صادماً منتظراً حتى إذا أصبح أطل فأشعل التأريخ ناراً واشتعل.
القامة والشعر المنسدل
تميز وردي بقوة شخصية لافتة للانتباه وتمتع بقامة مديدة ولطالما ارتبط طول القامة في مخيلة الشعراء والعامة بالرفعة والمجد والسمو، فالخنساء عندما رثت أخاه صخراً قالت: طَويلَ النِجادِ رَفيعَ العِمادِ /قد سادَ عَشيرَتَهُ أَمرَدا).
وأضاف عليها وردي الشعر المنسدل الذي كان أشبه بالموضة في سبعينات القرن الماضي وفي الأساطير الإغريقية كان ترك الشعر مسترسلاً على الكتفين يمنح الفرسان المقاتلين هيبة وسطوة أثناء المعركة.
ولعل تلك قوة الشخصية تلك وعصاميته الفذة جرته إلى المجد جراً فقد كانت موهبته ناراً تتوقد تحت الرماد عندما كان مدرساً في المدارس الابتدائية في شندي، لكن نفسه التواقة إلى السموق نازعته حتى هجر التدريس واتجه إلى الغناء.
وفي الغناء لم تهدأ روحه القلقة، بل نازعته إلى التميز بعد الظهور فحاول التلحين وكان له ما أراد حيث موسق بنانه لحن أغنية (أول غرام) للمرة الأولى في مسيرته السحرية وتسببت الأغنية في مشكلة بينه وبين مدير الإذاعة محمد صالح فهمي من جهة لأن وردي كتب أنها من كلماته فرفض فهمي إجازتها فرضخ وردي إلى قراره المتعسف ونقلها في ورقة أخرى وكتب عليها من كلمات (علي ميرغني).
ثم فجرت مشكلة بينه وبين الملحن خليل أحمد الذي عهدت به الإذاعة السودانية إليه كما كان الحال في ذلك الوقت، حيث سمت إسماعيل حسن شاعراً وخليل أحمد ملحناً لمحمد وردي، فلما لحن وردي الأغنية وأبلغ خليل بمافعل وقعت قطيعة قوية بين الاثنين امتدت لسنوات.
ثم مضى في طريق المجد واثق الخطى يمشي ملكاً فلحن أغنية (الود) التي ذاع صيتها بأن أشرف على التوزيع الموسيقي لها الموسيقار الشهير اندريه رايدر الذي كان أحد النجوم المتوهجة بالقاهرة في ستينات القرن الماضي.
وكان شديد الوعي أيضاً بضرورة مسايرة العصر وعلى سبيل المثال في الستينات كان "الموضة" الأغنيات ذات المقدمات الموسيقية الطويلة فكانت (الطير المهاجر) و(الود) ثم جاءت السبعينات بإيقاعاتها السريعة الراقصة فكانت (صورة) و(وسط الدائرة) و(الحنينة السكرة)،
وخلال مسيرته الإبداعية واجه وردي كثير من الصعوبات والانتصارات وبالطبع الانكسارات وسوء تقدير المواقف لاسيما السياسية منها مثل غنائه لسلطة نوفمبر الديكتاتورية ثم انحيازه لانقلاب مايو .. لكنه كان على الدوام يروي كل شئ حتى لحظات النكسة والعثرات وهذا قيمة صدق عالية النبرة يتميز بها.
وعاونت وردي على اعتلاء العرش والتربع عليه لأكثر من نصف قرن من الزمان بجانب موهبته الاستثنائية بالدرجة التي قيل فيها أن وردي بإمكانه تلحين (خبر في الجريدة)، ومثابرته واصطباره على التجربة، ميوله اليسارية التي جعلته قريباً من نبض الجماهير وضبط إيقاعه الإبداعي على مر السنين على وقع خطواتها، مجسداً أحلامها وآلامها وتطلعاتها. ولطالما سار اليسار واليمين والوسط نحو إبداعه باسمين ولاغرو .. ويذكر "زياد عبد الفتاح" أحد أعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير واقعة تؤكد على أن وجود محمود درويش في اللجنة التنفيذية كان عاملاً مهماً في توحيد صفوف المقاومة فيقول: "قرأ محمود درويش على المجلس الوطني الفلسطيني بكامل أعضائه ومراقبيه ومرافقيه وضيوفه وحرسه قصيدة (مديح الظل العالي) فأثملهم وشغلهم عن الخلاف السياسي الذي شب بينهم في تلك الجلسة".
مع نميري وجهاً لوجه
ويقول وردي: ظلت علاقتي بالسلطة أيام نميري متوترة على الدوام وأذكر أنه في عام 1975م في عهد وزير الإعلام أحمد عبدالحليم تقرر عمل تكريم لكل فناني السودان وإعطائهم ميداليات لكن اللجنة المكلفة بالأمر وقعت في ورطة فهل تضمني إلى القائمة؟ وفي هذه الحالة ماذا سيكون ردة فعل الرئيس نميري الذي سيقدم الميداليات للفنانين أم يتجنبوني؟ وهل يعقل أن يكرم كل فناني السودان باستثناء محمد وردي؟ ويبدو أن اللجنة رأت أن تترك الأمر للوزير كي يجد مخرجاً.
ويروي وردي تفاصيل مقابلة نادرة مع الرئيس الراحل جعفر نميري للصحفي الرقم السر سيد أحمد في واحدة من الحلقات الوثائقية التي نشرت بمجلة (المجلة) ذائعة الصيت في 1995م قائلاً:
في أحد الأيام وبينما أنا استعد لمغادرة منزلي لإحياء حفل في أمدرمان رن جرس التلفون ورفعت السماعة لأسمع :" ازيك يا محمد". عرفت صوت الوزير وقلت :"أهلاً يا أحمد".
قال :"عاوزنك ضروري تجينا هنا".
:"هنا وين"؟
: "في مكتبي"
"لكن عندي حفلة"
"لكن عندي حفلة"
" يازول أنت مجنون حفلة شنو؟".
"أنا مرتبط بحفلة وماشي أغني"
" طيب أدينا ساعة"
"مابقدر"
"بتقدر الرئيس معاي وهو سامعني دلوقت تعال بسرعة "
وضعت السماعة وترددت كثيراً وسألت نفسي عايزين مني شنو؟ وصلت الوزارة ودخلت على مدير مكتب الوزير عزيز التوم بشارة وهو مسيحي قبطي فطلب مني أن اقرأ بعض الآيات القرءانية قبل الدخول على الوزير.
ودخلت المكتب وكنت مقرراً بيني وبين نفسي أن أتصرف وأرد على أي استفزاز من جانبهم قلت : السلام عليكم.. رد نميري وكان جالساً على الكرسي : وعليكم السلام ثم وقف ومد يده. مددت يدي إليه فقال : يا أخي الجفوة دي شنو؟.. دا سلام سودانيين؟. ثم أخذني بالأحضان الأمر الذي لطف الأجواء مع أنني مكثت خمس دقائق وأنا ارتجف.
سألني الوزير أحمد عبدالحليم عما أشرب فطلبت ماء هنا تدخل نميري وقال وقهوة كمان وجاريته وطلبت قهوة ثم التفت نميري إليَّ متسائلاً: لكن بتكرهني ليه؟ رديت : كون مواطن يكره رئيسه دي ما غريبة. لكن أنت بالذات بتكرهني ليه؟ فقال نميري: أنا مابكرهك ومابسمع فنان غيرك وأنت فناني المفضل وفنان زوجتي كمان، وأنا حضرت عرسك في مدني ومصطفى أخوي ساكن جارك وعلاقتنا كبيرة وأنت بتعرف خالنا شاويش خليل المشهور في حلفا ومن بدري أنا معجب بيك".
ومضى الحديث بين الاثنين وردي ونميري وانتهت بطلب نميري طي صفحة الخلاف بينهما.. لكن الملاحظة الجديرة هنا هي صدقه النادر في اعترافه أنه كان يرتجف لخمس دقائق وهو في حضرة نميري.. على العكس تماماً من أصحاب "الحلاقيم الكبيرة" الذين ملأوا الأرض ضجيجاً وهم يرون بطولات زائفة طرفها نميري.
وردي فنان كل الناس
ويتضوع الصحفي ذو الموهبة الاستثنائية محمد عبدالماجد عطراً وهو يتحدث عن وردي قائلاً : في اعتقادي أن أهم مميزات محمد وردي تتمثل في أنه فنان العامة أو هو فنان كل الناس، يصعب تحديد مسار جمهور وردي، وذلك لأنه غنى لكل الطبقات بمختلف ثقافاتها وألوانها وأعمارها وتوجهه الجغرافي والتأريخي كذلك.هو تقريباً غنى لحنياً لكل الإيقاعات ما بين اللحن الصعب والمعقد مثل لحن أغنية (الحزن القديم) والذي كان الموسيقار محمدية يعتبره من أصعب الألحان وأكثرها اعجازاً إلى اللحن البسيط والسهل ذو الإيقاع الخفيف والطروب مثل لحن أغنية (حرمت الحب والريدة) للطاهر إبراهيم صاحب الألحان الخفيفة التي عرف بها خلال ثنائيته مع إبراهيم عوض.في جانب كلمات الأغنيات أيضاً تنقل وردي ما بين الكلمات الصعبة والفلسفية العميقة مثل كلمات الدوش في (الود) أو كلمات محجوب شريف في (جميلة
ومستحيلة) أو (الحبيب العائد) لصديق مدثر لينزل مع جمهوره في كلمات بسيطة وخفيفة مثل كلمات أغنية (الناس القيافة) لمحمد علي أبوقطاطي. وردي مثلما غنى للاستقلال غنى للمرسال، وكما غنى لعرس السودان غنى (يا ناسينا)..هو وثق للسودان منذ (القمر بوبا) تراثياً إلى (الاستقلال) 1956 ليأتي ويغني لثورة أكتوبر 1964 ثم يغني لثورة أبريل 1985م...بل لم تفلت من وردي حتى فترة حكومة عبود و 25 مايو و30 يونيو. كفى أننا لا نستطيع أن نتحدث عن (الاستقلال) أو نجعل علم السودان يرفرف عالياً دون أن نغني مع وردي (اليوم نرفع راية استقلالنا). تنقَّل بنا وردي بإيقاعات السودان كلها فقدم إيقاع من غرب السودان في (بنحب
من بلدنا ما بره البلد) كما أن لحن أغنية (الوصية) لبرعي محمد دفع الله لا يخرج من طرب أغنية الغرب وغنى إيقاع السيرة في (اقدلي وسكتي الخشامة) وغنى إيقاع الطنبور شرقاً في (الريلة) وشمالاً في (الليلة يا سمرا) الإيقاع النوبي وغنى من إيقاعات الوسط (لو بهمسة) الأغنية العالية في الرومانسية لحناً وكلمات بما يتوافق مع إنسان العاصمة. سوف يبقى وردي مثل نجم السعد يحيا في الدواخل ريثما تصفو السماء وهي أيضاً كذلك .
التيار
محمود منصور محمد علي- مشرف المنتدى العام و مصحح لغوي
الذكرى الرابعه للرحيل المر
محمد وردي.. حالة استحواذ غنائي فريدة.. الورد ينفح بالشذى
على مدى زُهاء خمسين عامًا ظلّ ينثر عطر طربه باللغتين العربية والنوبية. ميلاده ورحيله كانا بين يومي الثامن عشر والتاسع عشر، وما بين زغرودة الميلاد وعويل الرحيل نحاول أن نستعيد الكثير من تفاصيل تلك القامة المبدعة التي اصطحبت خلال مسيرتها الثّرة عديد الشعراء والموسيقيين، وذاع صيته بين الناس في وقت مبكر من عمره.. ذاق مرارة اليتم منذ نعومة أظفاره وبعد رحيل والده تبناه عمه، إلى أن توظف مُدرِّسًا، ثم بدأ صوته يشقّ عنان السماء تو ابتدراه تلحين الأناشيد المدرسية، لكنه من قبل كان سامِرًا للحي من خلال عزفه للطمبور في قرية صوادرة جنوبي حلفا.
سيرة باكرة
ظل الراحل محمد عثمان وردي وفيًا للمكان، يحمل بين خافقيه وخلجاته حب حلفا ولغتها وغنائها وطربها الجميل حتى أصبح بفضل حبه وانتمائه ذلك، فنان افريقيا الأول.
وحين سافر وردي إلى القاهرة بدعوة من عمه، أنفق اجازته في سرايا الملك فاروق، حيث يعمل عمه، الأمر الذي أسهم في تفتح آفاقه حثث تعرف عن قرب على التداخل الثقافي ما بين شمال الوادي وجنوبه، ولاحقًا، ما أن سطع نجمه وانتشرت أغنياته حتى أحبه المصريون بشغف كبير.
حالة استحواذ
جاء وردي إلى أم درمان ناثرا وناشرا للأغنية النوبية في العام 1957م، لكن تدريجيًا ومثل من سبقوه من أصحاب الأصوات الجميلة تحول إلى الغناء لأهل أم درمان وما حولها وللسودان عموما، فقد قدم وردي للغناء ما تضيق عنه الأسطر، وزع أكثر من (20) عملا وتغنى بمئات الأغنيات لمختلف الشعراء كما نال عددا من الجوائز ومنح الدكتوراة من جامعة الخرطوم وقبل كل هذا فهو فنان أفريقيا الأول.
فجر دواخل الوطنيين الثائرين عندما تغنى لثورتي الحرية مع الموسيقار محمد الأمين، واستحوذ على قلوب الأفارقة خصوصا الإثيوبيين عندما اعتلى مسرحهم وأحبته شعوب كثيرة عندما واجهه النظام بالنفي خارج البلاد، فأينما صدح بحنجرته خلق جمهورا محبا ومقدسا لفنه.
ما بين اللغتين
كان الراحل محمد عثمان وردي معروفا بمبادئه الصلبة خصوصا في المواقف السياسية، بكارزمته المتفردة فهو لم يشبه أحدا قط في لحنه ولا تطريبه السرمدي وحضوره الشامج كإهرامات الشمال التي جاء منها معانقا عنان سماء أم درمان ليطرب أهلها بقيثارة الفن الجميل، والمعروف أن وردي كان من أهل اللهجة النوبية إلا أنه كان أستاذا للغة العربية رغم انتمائه النوبي الذي مهر عطاءه وصقل غناءه بالعربية، فهو لم يكن مغامرا بملكاته كمن ظهروا معه في تلك الفترة بل كان واثقا من عطائه الجزيل وقدرته الكبيرة على العطاء، فكانت هناك موضوعية في اختيار رمزيته لأنه كان جامعا في فنون الأداء بين أغاني الطمبور وأغاني الطار والمدائح الصوفية، فكان ملما بناصية الكلمة وشوارد مفرداتها وحكمة أمثالها متجليا ذلك في أغنياته وعظيم تعامله مع الشعراء.
سياسة رشيدة
وعلى سبيل الذكر فقد زامل محمد وردي فنانين كانوا يكبرونه سنا مثل أحمد المصطفى وحسن عطيه في أغاني الحب والجمال وقد افترق طريقهم واتجه وردي نحو السياسة والأناشيد الوطنية والأغاني الحماسية فتغنى بنشيد الاستقلال وتغنى للفيتوري (أصبح الصبح) وللراحل محجوب شريف (وطنا البي إسمك كتبنا ورطنا) وقصيدة سامي المقام (ياشعبا لهبك ثوريتك)، كما غنى لفارسنا الحارسنا من قبل (مايو)، وفي فترة الإنقاذ رأى البعض ان أغاني الراحل تحمل في مفرداتها نوعا من التحريض على النظام فهاجر إلى أمريكا والقاهرة بعد أن اعتقل ومنع من الغناء بمسارح الخرطوم.
هجرات طالت
تلك الأيقونة والقيثارة التي انطلقت من أقصى الشمال عبر القطار إلى مدينة شندي ومنها إلى أم درمان، أنفق صاحبها جل عمره ما بين احتراف التدريس والغناء، إلا أن التهجير والهجرات الطويلة لم تنل منه قط، بل أضافت إليه نوعا من الانتماء للوطن وأهله وجمهوره لأنه نشأ متشبعا به ومات عاشقا لأرضه وترابه.
في العمق
تمتع وردي بملكات موسيقية جبارة، ويتجلى ذلك في أغنياته فكان فريدا في اختيار مفرداته وألحانه وأسلوب أدائه فنتجت عن ذلك قدرات تطريبة فذة خلدتها الذاكرة الجمعية لعشاق فنه ومريديه.
لا يزال أنين جرحه ينتح في ذاكرة الأغنية السودانية الوطنية والرومانسية والأغاني النوبية والأغاني الساخرة ما قبل التهجير.
الخرطوم: دُرِّية مُنير
اليوم التالي
محمود منصور محمد علي- مشرف المنتدى العام و مصحح لغوي
رد: مخصص للبحث والتوثيق للاعمال الفنية الخالدة للعملاق الراحل محمد عثمان حسن وردي
وردي والسياسة … حكايات وصور وألحان نادرة
كثيرا ما فكرت في فتح هذا الملف، سرد قصة وردي الفنان منذ بداياته ووردي والسياسة وعلاقته بها سردها كما سمعتها منه وكما اعرفها وتقديم نماذج لتلك القصص والفترات صور قصاصات وألحان معروفة لعدد كبير من الناس لكنها تكاد تكون معدومة.
في شهر فبراير 1971 زار الرئيس الزائيري موبوتو السودان وقامت جماعات تعارض زيارته واستقباله من قبل النظام بتوزيع منشورات ضد مبدأ الزيارة فبدأ نميري في حل التنظيمات الشيوعية ليعلن في عيد مايو الثاني عن قيام الاتحاد الاشتراكي السوداني واعقبت القرار حركة اعتقالات واسعة طالت رموز الحزب الشيوعي وكان ذلك بسند وتشجيع مصري من الرئيس السادات والذي كان قد قام قبلها بأيام في 15 مايو 1971 بالقضاء على نفوذ ما اسموه بمراكز القوى حيث ازاح الناصريين اليساريين من السلطة فاتبع نميري طريقه واشتعل فتيل المواجهة بين الشيوعيين ونميري ليهرب عبد الخالق من معتقله في 29 يونيو وتزداد حالة الاحتقان وينذر الجو بانفجار قريب، بات وردي في يوليو 1971 في امل وترقب لسقوط وشيك لنميري وتصحيح مطلوب لثورة مايو اليت كان لها داعما بالامس القريب ووجد وردي محجوب شريف يشاركه الامل والترقب كحال اليساريين في تلك الاثناء وبالفعل في نهار يوم الاثنين الموافق 19 يوليو 1971 بدأ تنفيذ انقلاب يوليو والذي سمي من المنفذين بالثورة التصحيحية وقطع التلفزيون ارساله وكذا الاذاعة ليبدأ بث المارشات العسكرية والاعلان عن بيان مرتقب سيذيعه الرائد هاشم العطا بعد تلاوة الرائد هاشم العطا لبيان 19 يوليو واعلان حظر التجول بدأت الاذاعة والتلفزيون في اذاعة برقيات التأييد ولم يتردد وري لحظخ في دعمه لحركة 19 يوليو وفي اليوم الذي يليه انطلقت مسيرات التأييد والرايات الحمراء تلون شوارع الخرطوم،وفي يوم 21 يوليو 1971 قام الاعلامي ذو النون بشرى بتقديم حلقة في الاذاعة عن ندوة استضاف فيها وردي ومحجوب شريف والاستاذ محمد الامين وعبرها اعلن محجوب عن تأييده 19 يوليو وقرأ قصيدته (ما دوامه) وكذا فعل وردي معلنا تأييده 19 يوليو وتقديمه لعمل من كلمات محجوب شريف كان العمل بعنوان (حنتقدم) واعلنا انهما وقفا من قبل مع ماو حتى اخطأت لذا فاليوم يقولا (لا) لمايو ويقفا مع يوليو سيقولان ليوليو لا ان اخطأت يوما وهذا هو نص (حنتقدم)، تسجيل حننتقدم والذي اعدمته مايو ولا يتوفر تسجيل كامل الا واحداً وكل التسجيلات التي ظهرت مؤخرا هي تسجيلات غير مكتملة ولا تبدأ الا حين يغني وردي (سجل) لذا فهذه نسخه نادرة جدا جدا نوشح بها هذا الخميب ونطلق سراحها لأول مرة.
أطل يوم 22 يوليو1971 وحركة يوليو تنتظر وصول قادتها من لندن اقلعت الطائرة من لندن الي الخرطوم وعلى متنها قادة حركة يوليو المقدم بابكر النور والرائد فاروق حمد الله وانطلقت مسيرة عالمية نقابية مؤيدة ليوليو في ظهيرة ذاك اليوم، انطلقت تجوب شوارع الخرطوم وكان من المقرر ان يخاطبها هاشم العطا الا ان مسيرة اخرى مؤيدة لمايو انطلقت كذلك في نفس التوقيت بعد ذلك دوت اصوات الرصاص لتشاء الاقدار ان تكون عودة مايو للسلطة نهارية مثلما اتت يوليو فر نميري من الحبس وأجبرت السلطات الليبية الطائرة على الهبوط في ليبيا والنزال قادة يوليو منها ومن ثم تسليمهم لاحقا لسلطة مايو وجدت مايو الدعم من مصر وليبيا لتكتب بذلك اقصر نظام يستلم مقاليد السلطة في السودان وتعود مايو للسلطة بدأ اليوم بيوليو وانتهى بعدوة مايو.
عادت مايو للسلطة وبدأت فوراً في اعتقال قادة يوليو وكل من قام بتأييد يوليو وبالطبع المنتمين للحزب الشيوعي وقبيلة الاشتراكيين واليساريين واقتيد وردي لسجن كوبر يرافقه محجوب شريف وذو النون بشرى وبدأت محاكمات الشجرة المعروفة ومباشرة تم اعدام قادة واعضاء حركة يوليو وكذلك اعدام قادة الحزب الشيوعي فاعدم هاشم، بابكر، فاروق، الشفيع، جوزيف وعبد الخالق، وبقي وردي وزملاء سجن كوبر بقوا في السجن بلا محاكمات وخلف الاسوار لم يتوقف شلال الحان وردي ولا سيل اشعار محجوب فكتب محجوب وغنى وردي بدءاً لعبد الخالق أغنية (عريس الحمى):
عريس الحمى
المجرتق بالرصاص
المحنن بالدماء
ظل وردي في سجن كوبر محاولا الاستفادة من المعتقل خصوصا وانهم كانوا ممنوعين من الحصول على الاقلام والاوراق او الصحف اليومية ولم تكن تتوفر غير بعض الكتب والقواميس، ظل وردي يطالب بعوده بلا كلل او ملل دون ان يستجيبوا له وقد قال: انه استفاد جدا من مزاملته لعظماء مفكرين وعلماء كتاب وادباء شعراء ومطربين صحفيين واعلاميين وقد كان يحاول الاستفادة من مقدرته على الحفظ بتقوية لغته الانجليزية وحفظ 150 كلمة جديدة في اليوم صباحا 75 كلمة ومثلها مساءً واستمر في الغناء والتلحين بلا عود او قلم وورقة فغنى لمحجوب شريف (الحب والثورة) والتي تول كلماتها:
مشتاق ليك كتير والله
وللجيران وللحلة
كمان قطر النضال ولّى
وغالي على اتدلى
محطة محطة بتذكر
عيونك ونحن في المنفى
وتذكر مناديلك
خيوطها الحمراء ما صُدفة
وبتذكر سؤالك لي
متين جرح البلد يشفى
ومتين تضحك سماء الخرطوم حبيبتنا
ومتين تصفى
سؤالك كان بيعذبنا ويقربنا
ويزيد ما بيننا من إلفة
وللاغنية حكاية بعد خروج وردي من المعتقل
لؤي شمت – صحيفة حكايات
عبقرية الفرعون
ابتدر الحديث الفنان البروفيسور د.عثمان مصطفى بكلية الموسيقى والدراما بجامعة السودان فكشف ان سبب خلود اغنيات الراحل المقيم وردي وتداولها حتى اليوم وستظل هكذا بين الناس ترجع اولا لاختياره كلمات رصينه معبرة عن المجتمع السوداني بثقافاته المختلفة بالاضافة للالحان الجميلة غير المكررة فكل لحن عنده طعم ولون خاص فوق كل ذلك الشيء الثاني صوته الذي يدهش كل من يسمعه، وقال د.عثمان (السبب الثالث قد يتفق معه كل اهل الفن والموسيقى ان الحانه غير عادية تحمل كل مضامين التعبير الموسيقى والطرب الاصيل وتدل ان هناك قدرة او موهبة غير عادية تقوم بتأليف وانتاج الالحان بالرغم من ان وردي بدأ التلحين بالفطرة فقد كان تأليفه يفوق حتى الذين يعرفون الموسيقى)، ابان انه يتذكر انهم في الماضي عند دخولهم كطلاب معهد الموسيقى والمسرح والذي تحول الي كلية الموسيقى والدراما كان الاساتذة الكوريين مندهشين ويقولون (كيف لانسان لم يدرس الموسيقى يقوم بتأليف الحان لاغنيات تكون بهذا العطاء والابداع الفني الفريد)،و لهذا السبب قام الكوريين بتناول عدد كبير من اغنياته بالتوزيع الاوركسترا والصوتي وكانوا يعتبرون وردي عارفا عالما بكل علوم الموسيقى، وأشار د.عثمان في ختام حديثه الي ان الفنان الراحل محمد وردي يعتبر امتدادا للفنان الراحل خليل فرح وامتدادا للعباقرة سرور وكرومة وكنا نتوقع منه الكثيري للفن السوداني لانه ظل حتى اخر حياته يعطي ويقدم في الجديد ولكن شاءت ارادة الله ان يفارق دنيانا بجسده ويفجع السودانيين برحيله ولكنه سيظل خالدا بيننا باغنياته الخالدة التي سترددها الاجيال.
الموسيقار د.الفاتح حسين قال: “البيئة والثقافة النوبية التي كونت وشكلت الفنان وردي لم يتخل عنها حتى في شكل الحانه يحس المستمع فيها بالنغمة النوبية او الحس النوبي سواء في شكل الايقاع او التأليف وأبان ان وردي من الفنانين القلائل مثل الموسيقار محمد الامين حيث رسخ في وجدن الشعب السوداني بالغناء الوطني اكثر من الغناء العاطفي خصوصا في بدايتهما الفنية، وهذا من اسباب نجاحهما واستمرارهما لربط فنهما بمعاناة الشعب، ولذلك نجد ان الأناشيد الوطنية من اقوى الاعمال التي انغرست في قلوب السودانيين مثل اغنية الخالدة (أصبح الصبح) التي يحفظها أي طفل وستظل محفورة في الذاكرة وارجع تميزه في تقديم لونية الغناء الوطني لوطنيته وحبه وولعه الزائد عن حده ببلاده”.
وأكد الفنان محمد الامين ان الموسيقار الراحل محمد وردي صاحب بصمة غنائية فريدة ولونية خاصة ميزته تماما عن غيره سواء كفنان او ملحن في الساحة الفنية السودانية وقال: “وردي اكتسب ذلك التفرد والنبوغ من خلال كونه فناناً مناضلاً عشق واحب وطنه بكل صدق وتجرد ونكران ذات”، واستشهد بتصدي وردي منذ ان كان طالبا لكل القضايا الإنسانية وتكريس كل وقته وماله وجهوده وفنه في محاولة معالجة مشاكل وهموم ابناء منطقته.
كشف الموسيقار د.أنس العاقب ان خلود وردي الغنائي مثل عصارة تاريخ السودان منذ ممالك النوبية الوثنية –المسيحية- وحتى الاسلامية وهذا الارث الحضاري اندفع في شرايينه وغذاه فضخ كل هذه الدماء الفنية والخصائص الموسيقية المتفردة فاستطاع ان يمثل كل هذا النبض الموسيقي للشمال والوسط واكتسب ثقافات جميع اجزاء البلاد من الشرق والغرب والشمال وحتى الجنوب وقال: “أغنيات وردي فريدة وقريبة للقلب موسيقى خماسية صنع منها فرادة ودهشة والجمل الموسيقية ممتدة ومتغيرة ومتلاحقة مع قدرة وبراعة تفوق الوصف وتتجاوز التعبير على التوزيع وفهم خصائص الالات الموسيقية، واضاف ان الامبراطور قدم في مسيرته الفنية الذاخرة انماطا كثيرةمنها اللونية العاطفية التي ميزتها المقدمة الموسيقية الطويلة (مشروع سيمفوني) مثل اغنياته (الحزن القديم، بناديها) وحفلت كل اغنياته بالايقاعات الراقصة التي نجح في ادخال كل الإيقاعات السودانية اليها.
واشار د.أنس الي ان صوت وردي كان (صوت تينور صادح) امتلك قدرة على الانتقال، صريح ومقنع نفساني، لم يوجد عند 90% من الفنانين السودانيين عدا الذري ابراهيم عوض وعبد العزيز محمد داؤود وصوته كان صوتا ضاربا في حضارات قديمة صوت تاريخ عمره سبعة آلاف سنة من الحضارات وأبان ان ما لا يعرفه الناس ان وردي يعد من أشهر الشعراء الذين كتبوا الشعر النوبي وبرع في تقديم كل ما غناه من اغنيات وطنية وعاطفية وحتى المديح تناوله في الفترة الاخيرة من حياته، وقال د.أنس (خلاصة الحديث السلم الخماسي لا يزال ينتحب برحيل الأمبراطور محمد عثمان وردي).
عمار عبد الله
صحيفة حكايات
محمود منصور محمد علي- مشرف المنتدى العام و مصحح لغوي
صفحة 2 من اصل 2 • 1, 2
مواضيع مماثلة
» اخبار الفن والفنانين
» البروفيسور عبد الرحمن إبراهيم يرثي :الأستاذ محمد عثمان وردي
» قصة اغنية....نافذه جديده للبحث والتوثيق
» وصدق دكتور نافع !! ... بقلم: محمد الحسن محمد عثمان- قاضى سابق
» وفاة الموسيقار السوداني محمد وردي عن 79 عاما
» البروفيسور عبد الرحمن إبراهيم يرثي :الأستاذ محمد عثمان وردي
» قصة اغنية....نافذه جديده للبحث والتوثيق
» وصدق دكتور نافع !! ... بقلم: محمد الحسن محمد عثمان- قاضى سابق
» وفاة الموسيقار السوداني محمد وردي عن 79 عاما
صفحة 2 من اصل 2
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى