مصطفى سند وصلاح أحمد إبراهيم
5 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
مصطفى سند وصلاح أحمد إبراهيم
منقول .. ولم أتعرف على الكاتب
حقاً ما أعظمهما شاعران أنتجا من جميل ورصين الأشعار ما سيظل خالداً. ومن فرط خلود أشعارهما أن أصبحت تلك الأشعار ذات حضور طاغٍ في مجالس الأدب ومن نماذج ذلك قصائد صلاح السينية ومثال لها قصيدته الإيقونة الصادحة بالجمال الباذخ ورصين اللغة مصوراً حاله كشاعر محترف في عالم الإمساك بالبلاغة والمعاني الصادحة بالخير والجمال:
لو أن القلب يسيل
بحار لهب
لعصرت القلب إلى
أن يفلت من كفي
قطرات
ولصرت حطب
أما مصطفى سند فيكفيه الجهر ببديع أشعار كانت من اللغة والبلاغة ما شكل متلازمات متظاهرة لدى محبي الشعر السوداني وهي واحدة من الأشعار التي سجلت معدلاً عالياً من النماذج الدالة على عبقرية الشاعر السوداني ومن ذلك:
كأنما في طبولها المدمدمات
من الأسى شرارة
ورثتها كما أحس من
أصواتها
ورملها المهيب من
سهول الحياة والحب
والإثارة
أحس أنني إلى هنا
انتميت
منذ أن هاجرت
بويضة جدتي
تعبر عوالم
الصحارى تمبد غائرات
الاثنان نهلا من معين القراءات المبكرة في جانبي العلوم الدينية والدنيوية. وهو الأمر الذي أوصلهما لمرحلة الإمساك بتفاصيل اللغة في شكلها المعروف لديهما رصانة وعمقاً. فصلاح هو حفيد محمد الفضل جده لأمه وهو أول مدير لمدرسة الخرطوم الأولية التي انشأها رفاعة رافع الطهطاوي. أما والده فهو المعلم المعروف بتدريسه للعلوم الدينية كالفقه والحديث والسيرة بجانب تدريسه للمواد الأكاديمية الأخرى. كذلك مصطفى سند كان ذا حظ أن نشأ في بيت علم ودين فجده سند العالم هو من أوائل السودانيين الذين اهتموا بالعلم الديني في السنوات الأخيرة من القرن قبل الماضي، فتوارث ابنه محمد سند والده (والد مصطفى) هذا الإرث الديني فأصبح أحد أصحاب الإبداع الشعري فكانت له ندوة يؤمها كل من الشيخ الضرير ومحمود عزت المفتي وأحمد إبراهيم والد شاعرنا صلاح أحمد إبراهيم.
نشأ مصطفى سند في هذه الأجواء الأدبية فكتب الشعر وهو ابن سبعة عشر عاماً.
في ما يتفق حول حياتهما نجد كتابتهما للشعر في سن مبكرة فصلاح أيضاً كتب الشعر وهو صغير في السن إذ كتبه وعمره ستة عشر عاماً.
تعتبر حالة التشابه بينهما هي الدالة على قربهما من بعضهما البعض. فالاثنان نشرا أولى قصائدهما بصحيفة الصراحة. ومن عجب فقد كانت صحيفتي السودان الجديد والأيام محطة من محطات نشرهما لقصائدهما كذلك في فترة الستينيات. الملاحظة الجديرة بالاهتمام لدى الشاعران هي اهتمامهما ومنذ سنوات باكرة من حياتهما بتجمعات الأدب والمثاقفة. فالاثنان ظلا وحتى وفاتهما في حضور ونشاط وممارسة لحرفة الأدب.
فالمعروف عن صلاح أحمد إبراهيم احتفائه بالمهتمين بالأدب والأدباء ومن ذلك أصبحت داره في باريس خلال سنوات إقامته بها محفلاً مصغراً للأدباء السودانيين العابرين من وإلى فرنسا والأدباء العرب كذلك مثل قاسم حداد البحريني وسعدي يوسف العراقي وغيرهم.
في جانب مصطفى سند تبرز حالات وجوده داخل عدد من تجمعات الأدب بدءاً بندوة والده الشيخ محد سند وهو طفل صغير لم يتجاوز العاشرة من عمره ومن ثم ندوة أم درمان الأدبية حيث تم تأسيسها عام1953م بصحبة مؤسسها عبد الله حامد الأمين وعبد الله النجيب ومهدي محمد سعيد وآخرين. ومن ثم رابطة أدباء الثغر ببورتسودان وانتهاء بندوة الطيب السراج.
٭ من مشتركات حياتهما تلك النتاجات الأدبية الخالدة في عالم الشعر فكان جيلاً الستينيات والسبعينيات هو الجيل الأكثر حظاً في تلقف تلك القراءات والكتابات الباذخة التناول أدباً وفكراً.
صلاح لديه خمس مجموعات شعرية بدءاً (بغضبة الهبباي) في العام 1968م وانتهاءً بمجموعته (يا وطن) التي طبعت بعد وفاته بسبعة عشر عاماًَ مروراً (بمحاكمة الشاعر للسلطان الجائر) و(غابة الأبنوس) والديوان الشعري رائع روائع الشعر السوداني (نحن والردى).
في حين توجد خمس مجموعات كذلك داخل موسوعة الدواوين الشعرية السودانية لمصطفى سند وهي (البحر القديم) و(بيتنا في البحر) و(عودة البطريق البحري) و(درجة القبول في الحب والحلول) و(بردة الصلاة).
الاثنان حين بدايات اهتمامهما بالأدب كتبا القصة القصيرة ـ فمن أشهر قصص صلاح أحمد إبراهيم قصة (خادم الله) التي أحدثت دوياً مذهلاً في العام 1958م هذا غير كتابته لعدد من قصص مجموعة (البرجوازية الصغيرة). أما مصطفى سند فقد كتب رائعته (كيو) التي نشرت بمجلة القصة في بدايات العام1960م.
الاثنان انتميا لموسوعة شعراء الفرادة والتميز داخل منظومة الشعر السوداني فهما يستحقان سطور أكثر من هذه.
حقاً ما أعظمهما شاعران أنتجا من جميل ورصين الأشعار ما سيظل خالداً. ومن فرط خلود أشعارهما أن أصبحت تلك الأشعار ذات حضور طاغٍ في مجالس الأدب ومن نماذج ذلك قصائد صلاح السينية ومثال لها قصيدته الإيقونة الصادحة بالجمال الباذخ ورصين اللغة مصوراً حاله كشاعر محترف في عالم الإمساك بالبلاغة والمعاني الصادحة بالخير والجمال:
لو أن القلب يسيل
بحار لهب
لعصرت القلب إلى
أن يفلت من كفي
قطرات
ولصرت حطب
أما مصطفى سند فيكفيه الجهر ببديع أشعار كانت من اللغة والبلاغة ما شكل متلازمات متظاهرة لدى محبي الشعر السوداني وهي واحدة من الأشعار التي سجلت معدلاً عالياً من النماذج الدالة على عبقرية الشاعر السوداني ومن ذلك:
كأنما في طبولها المدمدمات
من الأسى شرارة
ورثتها كما أحس من
أصواتها
ورملها المهيب من
سهول الحياة والحب
والإثارة
أحس أنني إلى هنا
انتميت
منذ أن هاجرت
بويضة جدتي
تعبر عوالم
الصحارى تمبد غائرات
الاثنان نهلا من معين القراءات المبكرة في جانبي العلوم الدينية والدنيوية. وهو الأمر الذي أوصلهما لمرحلة الإمساك بتفاصيل اللغة في شكلها المعروف لديهما رصانة وعمقاً. فصلاح هو حفيد محمد الفضل جده لأمه وهو أول مدير لمدرسة الخرطوم الأولية التي انشأها رفاعة رافع الطهطاوي. أما والده فهو المعلم المعروف بتدريسه للعلوم الدينية كالفقه والحديث والسيرة بجانب تدريسه للمواد الأكاديمية الأخرى. كذلك مصطفى سند كان ذا حظ أن نشأ في بيت علم ودين فجده سند العالم هو من أوائل السودانيين الذين اهتموا بالعلم الديني في السنوات الأخيرة من القرن قبل الماضي، فتوارث ابنه محمد سند والده (والد مصطفى) هذا الإرث الديني فأصبح أحد أصحاب الإبداع الشعري فكانت له ندوة يؤمها كل من الشيخ الضرير ومحمود عزت المفتي وأحمد إبراهيم والد شاعرنا صلاح أحمد إبراهيم.
نشأ مصطفى سند في هذه الأجواء الأدبية فكتب الشعر وهو ابن سبعة عشر عاماً.
في ما يتفق حول حياتهما نجد كتابتهما للشعر في سن مبكرة فصلاح أيضاً كتب الشعر وهو صغير في السن إذ كتبه وعمره ستة عشر عاماً.
تعتبر حالة التشابه بينهما هي الدالة على قربهما من بعضهما البعض. فالاثنان نشرا أولى قصائدهما بصحيفة الصراحة. ومن عجب فقد كانت صحيفتي السودان الجديد والأيام محطة من محطات نشرهما لقصائدهما كذلك في فترة الستينيات. الملاحظة الجديرة بالاهتمام لدى الشاعران هي اهتمامهما ومنذ سنوات باكرة من حياتهما بتجمعات الأدب والمثاقفة. فالاثنان ظلا وحتى وفاتهما في حضور ونشاط وممارسة لحرفة الأدب.
فالمعروف عن صلاح أحمد إبراهيم احتفائه بالمهتمين بالأدب والأدباء ومن ذلك أصبحت داره في باريس خلال سنوات إقامته بها محفلاً مصغراً للأدباء السودانيين العابرين من وإلى فرنسا والأدباء العرب كذلك مثل قاسم حداد البحريني وسعدي يوسف العراقي وغيرهم.
في جانب مصطفى سند تبرز حالات وجوده داخل عدد من تجمعات الأدب بدءاً بندوة والده الشيخ محد سند وهو طفل صغير لم يتجاوز العاشرة من عمره ومن ثم ندوة أم درمان الأدبية حيث تم تأسيسها عام1953م بصحبة مؤسسها عبد الله حامد الأمين وعبد الله النجيب ومهدي محمد سعيد وآخرين. ومن ثم رابطة أدباء الثغر ببورتسودان وانتهاء بندوة الطيب السراج.
٭ من مشتركات حياتهما تلك النتاجات الأدبية الخالدة في عالم الشعر فكان جيلاً الستينيات والسبعينيات هو الجيل الأكثر حظاً في تلقف تلك القراءات والكتابات الباذخة التناول أدباً وفكراً.
صلاح لديه خمس مجموعات شعرية بدءاً (بغضبة الهبباي) في العام 1968م وانتهاءً بمجموعته (يا وطن) التي طبعت بعد وفاته بسبعة عشر عاماًَ مروراً (بمحاكمة الشاعر للسلطان الجائر) و(غابة الأبنوس) والديوان الشعري رائع روائع الشعر السوداني (نحن والردى).
في حين توجد خمس مجموعات كذلك داخل موسوعة الدواوين الشعرية السودانية لمصطفى سند وهي (البحر القديم) و(بيتنا في البحر) و(عودة البطريق البحري) و(درجة القبول في الحب والحلول) و(بردة الصلاة).
الاثنان حين بدايات اهتمامهما بالأدب كتبا القصة القصيرة ـ فمن أشهر قصص صلاح أحمد إبراهيم قصة (خادم الله) التي أحدثت دوياً مذهلاً في العام 1958م هذا غير كتابته لعدد من قصص مجموعة (البرجوازية الصغيرة). أما مصطفى سند فقد كتب رائعته (كيو) التي نشرت بمجلة القصة في بدايات العام1960م.
الاثنان انتميا لموسوعة شعراء الفرادة والتميز داخل منظومة الشعر السوداني فهما يستحقان سطور أكثر من هذه.
أزهرى الحاج البشير- مشرف عام
رد: مصطفى سند وصلاح أحمد إبراهيم
لكن اخترت مدارس زكرتنا بأماجد
محمد المكي إبراهيم
محمد عبد الحي
محمد الواثق
الحسين الحسن
جيلي عبد الرحمن والقائمة تتطول
الحقيقة لم أقرا كثيرا لصلاص كما قرأت لسند
لو أمكن بعض الأشعار عدا نرشف عبيرها
محمد المكي إبراهيم
محمد عبد الحي
محمد الواثق
الحسين الحسن
جيلي عبد الرحمن والقائمة تتطول
الحقيقة لم أقرا كثيرا لصلاص كما قرأت لسند
لو أمكن بعض الأشعار عدا نرشف عبيرها
الطيب الشيخ حسين كندة- مشرف التراث
رد: مصطفى سند وصلاح أحمد إبراهيم
هذه لك إبني العزيز الطيب
الغفاري والصبي للشاعر صلاح أحمد إبراهيم
من طرف خدورة أم بشق في الأربعاء أبريل 27, 2011 12:07 pm
مقدمة:ـ قبل أن أنزل هذا العمل لصلاح أخمد إبراهيم وددت أن أبدأ بهذه المقدمة والتي أراها ضرورية كمدخل لفهم القصيدة والتي تحوي رمزية يصعب معها على القارئ غير المتتبع للعقد الأخير من حياة صلاح وبخاصة مواقفه السياسية فهم أو فك رموز الرمزية التي خالطت هذا العمل الذي أخذ فيه صلاح أحمد إبراهيم نكهة من الرواية الروعة (موبي ديك) للروائي الأمريكي (هيرمان ملفيل) والتي تذكرني دوماً بأستاذنا ديفيد هندرسون بالفاشر الثانوية في الستينات من القرن السابق.. وهو يقرأ ويناقش معنا هذا العمل الرائع لصراع الإنسان وتصديه لتحديات الحياة... وصلاح يرى أن الحياة تصدي فهي أرجوحة للقلق تارة وللطمأنينة تارة أخرى وهي مابين الشك واليقين وفي النهاية صراع بين الحق والباطل والخير والشر.
سقط الطاغية جعفر النميري في ربيع 1985 في السادس من أبريل تحديداً وعاد صلاح الغائب من السودان منذ 1972 محتضناً تراب وطنه بعد حرب شعرية وسياسية ضروس قادها من باريس ضد النميري ... وترشح لانتخابات 1986 عن دوائر الخريجين ولم يحالفه الحظ فلم يفز ثم رجع إلى مقر عمله بباريس ويومها كتب مقالة بمجلة الدستور شكر فيها كل من صوت أو لم يصوت له فقد قال برئت ذمتي وقال ماكنت خائفاً من أن أرسب في الانتخابات ولكن كنت خائفاً من أن يقال صلاح آثر اللقمة الهينة في الغربة على السودان. غير أن هذا الفشل كان له من الأثر في نفسه فخلده بهذه الرائعة (الغفاري والصبي) والتي كنت أحتفظ بها في قصاصة ورق منذ عام 1986 وضاعت بين أوراقي الكثيرة وحاولت أن أجدها في أي منتدى فلم أر لها أثراً وحتى كتاب نحن والردى لصلاح أتى خالياً من هذه القصيدة ولم أسمع أحداً يتحدث عنها. خفت أن تكون القصيدة ضاعت .. وفي يوم وبينما أبحث عن شيئ في أوراقي الكثيرة والمبعثرة طرتُ فرحاً حين وقعت عيناي على القصاصة التي بها القصيدة . وأنا حينما أنزلها في منتدى أبوجبيهة فهو أول منتدى ينزل هذا العمل لصلاح خشية أن يضيع أثر القصيدة .. ولقد أخذت مني جهداً كبيراً في الطباعة والتشكيل... إكراماً لمن اعتصر دمه ليفرحنا ونحن نستقبل ذكرى وفاته ال 18 في 17 مايو 2011 .
ولفهم القصيدة الرمزية سأعطي فكرة مبسطة عن رواية (موبي ديك)
تحتل رواية ""موبي ديك"" للاميركي هيرمان ملفيل مكانة مرموقة بين كلاسيكيات الادب العالمي، فهي اضافة الى كونها الملحمة الكبرى المكتوبة عن صراع تراجيدي بين حوت وانسان تتخذ من هذا الصراع الضاري وسيلة لتأمل الوضع البشري وعلاقته بالوجود كما تحوله الى كيان رمزي معقد عن كيفية العيش وعن المشروع الاميركي الذي وجد في عمل ملفيل شكلا من اشكال التعبير عن نفسه في منتصف القرن التاسع عشر أي حين كانت اميركا تكتشف ذاتها كقوة كونية وامبراطورية امبريالية بالقوة والامكان. فكانت رواية موبي ديك وروايات ملفيل الاخرى بمثابة نبوءة لما ستصير اليه هذه القوة الكبيرة
والقصة عن عن سفينة اسمها الباقوطة بحارتها من أديان مختلفة وقبطانها اسمه آهب . هذا القبطان فقد رجله أثناء محاولته اصطياد حوت أبيض اسمه موبي ديك.. هذا القبطان أبحر في سفينة يمتلكها أناس المدينة كلهم من أجل اصطياد الحيتان الغنية بالزيت ويباع هذا الزيت ويوزع ثمنه على المساهمين.. لكن هذا القبطان جاء إلى السفينة بقضية خاصة به.. وضع في رأسه أن ينتقم من موبي ديك الذي قضم رجله متجاهلا مصالح الناس.. فجاب المحيطات لمدة ثلاث سنوات باحثا عن هذا الحوت الأسطوري ومعارضا ضباطه وملاحيه الذين يطلبون منه نسيان الأمر والإهتمام بصيد الحيتان الأخرى لتعبئة السفينة ببراميل زيت حوت العنبر.. ربما يكون عرق الإنسان في هذا العصر هو الزيت.. والحوت الأبيض هو الجوهرة التي في قلبه والتي يبحث عنها الأشرار بكل طرقهم لسلبها منه.. والحوت الأبيض عندما بتر رجل القبطان كان يدافع عن نفسه وعن أرضه.
وقد أنتجت كفيلم شاهدته سينمائيا إلا أن النص المرئي سيظل قاصرا على منح كل ما تحتوي الرواية من إبداع.. فهناك جمل وكلمات في الرواية من المستحيل تصويرها أو تدوير الآلات على حروفها.
الغِفَارِيُّ والصَّبي شعر : صَلاح أَحمد إبراهيم
أَتَنْكُر: أَعْرِفُ عِنْدَ الغَسَقْ
وَمَا فَتَحَ الطَّيْرُ مِنْقَارَه
لِيُوقِظَ لِلرِّزْقِ أَوْكَارَه
تُحَدِّقُ ـ كَالنَّجْمِ ، في الظُّلُمَاتِ ـ انْبَثَقْ
بِجَفْنَيْكَ مِثْلَ الْعَرَقْ
كَمَا يَتَنَدَّى بِطَلِّ الصَّبَاحِ الْوَرَقْ
فَتَبْكِي وَتَبْكِي وَتَبْكِي ، أَتَنْكُر ..؟
تَحْسَبُ أَنْ لّيْسَ حَوْلَكَ رَائي
تَطُوفُ عَلَى النَّائمِينَ
لَهِيفَ الْخُطَى حَافِيَ الْقَدَمَيْن
فَتَطْبَعَ فِي كُلِّ وَجْهٍ ـ يُقَزِّزُ نَاظِرَه ـ
قُبْلَةَ حِنْوٍ عَلَى الْجَبينْ
وَتَتْرُكُ في كُلِّ مَأوَى ... وَبيْتٍ حَزِينْ
جُذَاذَةَ َقَلْبٍ ، وَلمَسةَ كَفٍّ .. وَوَقْفَةَ عَينْ
وَأَعْرَفُ أَنَّكَ أَنْتَ فِدَائي...وأَنِّي أكْتُمُ أَسْرَارَه
وَأَعْرَفُ أَيْنَ يُخَبِّئُ السِّلاَح ..وَكَيْفَ يُفَجِّرُ أَشْعَارَه
أَصَابِعَ مِنْ "دِينَامَيت"
وَأَعْرَفُ وَحْشَتَهُ وَالْحَنِينْ
تَارِكَاً دَارَهُ ... شَاخِصَاً في الْعَرَاءِ ..
بِغَيْرِ وِقَاءِ
لِوَاذَاً مِنْ الْمُجْرِمِينْ
وَأَعْرَفُ تَقْلِيبَ وَجْهِكَ نَحْوَ السَّمَاءِ
وَخَوْفَكَ مَا بَيْنَ حِينٍ وَحِين !!
يَدُبُّ عَلَى جِلْدِ جِسْمِكَ نَمْلاً فَتَسْحَقَهُ فِي ازْدِرَاءِ
وأَنَّكَ وَالْمَوْتَ فِي مُبَارَزَةٍ لاَ تَكُفَّ وَحَرْبْ
بِثَأرٍ كَثَأر ( آحَبْ)***1
فَتَخْسَرَ أَنْتَ أَكِيدٌ أَكِيدْ
وَبَعْدَ انْدِحَارِكَ تَكْسَبْ
حَدِيدُ يُلاَقِي حَدِيدْ
فَيَحْنِيَ لَكَ الْمَوْتُ هَامَتَهُ ، عِنْدَ قَبْرِكَ وَاقِفْ
تُرَفْرِفُ رَايتُهُ وَهُوَ يَعْجَبْ
لِهَذَا الْجَسُورِ الْمُنَاكِفْ
مُنْطَرِحاً رِمَّةً تَحْتَهُ ، نَازِفْ
فَأَنْتَ بَصَقْتَ عَلَى وَجْهِهِ ، وَتطَاوَلْتَ فِي كِبْرِياءِ
كَذِي النُّونِ دُونَ اقْتِدَارٍ ..ودُونَ رجاءِ
وَتْدرِكُ مُنْذُ البِدَايَةِ وَلَكِنْ حَرُورَةُ قَلْبْ
أَتَنْكُر ..؟ قل لي: أَتَنْكُر ..؟ ردَّ عليَّ أتنكر؟؟
لاَ ـ فَالصَّبِي صَدَقْ
وَأَهْمِسُ فِي حَيْرَةٍ وَانْكِسَارِ
وَكَيْفَ عَرَفْتَ؟ يُجِيبُ بِزَهْوٍ : لأنِّي كَبِيرْ
بَلْ أَكْبَرُ مِنْكَ وَإِنْ قُلْتَ عنَّي ـ انْخِدَاعَاً صَغِيرْ ـ
وَأعْرِفُ قَبْلَكَ مَعْنَى الأَرَقْ
وكَوْنَ الْحَيَاةُ تَصَدِّي .. وأُرْجُوحَةٌ لِلْقَلَقْ
وَنَاعُورَةٌ لِلْهَزِيمَةِ والانْتِصَارِ
وَطَيَّارَتي ؟؟
قُلْتُ : "قُلْنَا غَدَاً"..لاَ تَنْسَى.. فِي الانْتِظَارِ
غَدَاً يَوْمُ عِيدْ
سَنُطْلِقُهَا فِي السَّمَاءِ بَعِيدْ
وَنَعْدُو مَعاً نَتْبَعُهَا ضَاحِكَيْنْ
مِنْ الصُّبْحِ حَتَّى الْمَسَاءِ
بِغَيْرِ انْتِهَاءِ .. بِغَيْرِ انْتِهَاءِ .. بِغَيْرِ انْتِهَاءِ
كِلاَنَا سَعِيدٌ .. سَعِيدٌ .. سَعِيدْ
بَلْ أسْعَدَ مَا فِي الْوُجُودْ
يُصَفِّقُ بِالْجَانِبَيْنِ لَنَا الْعُشْبُ
وَالدَّوْحُ والْبُلْبُلُ المُسْتَهامُ
فَإنَّ غَدَاً يَاهُمَامُ
لَنَا مَوْعِدٌ سَيَكُونُ الأَخِيرْ
يَصِيرُ بِحَقٍّ لَنَا شَهِيْر
وَيَكثُرُ عَنَّا الكَلاَمُ
يَقُولُونَ عَنِّي وَعَنَّكَ ثُنَائِي الْقِمَمْ
أَيُعْجِبُكَ الاسْمْ ؟؟ اسْمٌ غِنَائِي
اسْمٌ مُثِيرْ!!
بِسَمْتٍ أَجْمَشٍ وَجَنَتُهُ كَالْمُذَنّبْ
كَمْ تَسْتَفِزُّ خَيَالَكَ كَمْ ... يَاصَغِيرِي
وَلَكِنَّهُ فِي امْتِعَاضٍ بَسَمْ
يَهُزُّ لِيَ الرَّأْسَ فِي أَسَفٍ لِغَبَائِي
سَتَفْهَمُ فِي وَقْتِهِ الْمُنَاسِبْ
مَغْزَىَ اقْتِرَاحِي الْخَطِيرْ !!
تَوَسَّلْتُ : نِمْ .. رَدَّ مَا أَعْجَلَكْ !!
سَأَنَامُ وَجبْ..
وَأَنْتَ أَمَا آنَ لَكْ ؟
شَبِعْتَ تَعَبْ !!
تُغَالِطُ جِسْمَكَ وَالرُّوحُ مُسْتَبْسِلَةْ
تَثَاءَبَ أغْمَضَ عَيْنَيهِ .. عَدَّ إِلَى الأَرْبَعِينَ .. وَنَاَمْ
كَمَا دُمْيَةٌ لِلْبَرَاءةِ فَوْقَ سَرِيرِ .. بِأهْدَابِهِ المُسْبَلَةْ
مُحَيَّاهُ تَرْنِيمَةٌ فِي الْحَرِيرِ
تُضَوِّئَهُ هَالَةٌ كَالْمَلِكْ !!
جَذَبْتُ عَلَيْهِ حَوَاشِيَ الْغِطَاءِ
وقَبَّلْتُ جَبْهَتَهُ فِي انْحِنَاءِ ...
وأطْفَأْتُ مِصْبَاحَهُ
وَتَرَكْتُ لَهُ الْقَلْبَ فِي كَفَّهِ المُقْفَلَةْ
وَرَائِي
وَسِرْتُ خَفِيفَاً ، أُغَادِرُ ـ فِي جَذْلٍ ـ مَنْزِلَهْ
وَلَكِنَّهُم فِي ضُحَىَ غَدٍ كَفَّنُوهُ
بِثَوْبٍ مِن الدَّبَلاَنِ جَدِيدْ
وَفِي حُفْرَةٍ طِفْلَةٍ دَفَنُوه
صَبِيحَةَ عِيدْ
بِلاَ مَأتَمٍ كَالشَّهِيدْ
تَفَرَّقَ كَالطَّيْرِ فِي عَجَلٍ دافِنُوه
وَرَاغُوا مَعَ السَّابِلَةْ
وَلَكِنَّهُم طَمَرُوا أَمَلِي وَهَنَائِي
وَقِيلَ لَنَا كَانَ مَوْتاً فُجَائِي
كَمَا انْقَطَفَتْ سُنْبُلَةْ
فِي اغْتِلاَمِ النَّمَاءِ
كَمَا انْفَجَرَتْ قُنْبُلَةْ
بالْفِدَائِي
كَمَا يَخْتَفِي الْقَمَرُ الاسْتِوَائِي
وَرَاءَ الغَمَامْ
كَمَا تَبْتُرُ العُنُقَ الْمِقْصَلَةْ
وَفِي كَفِّهِ انغَلَقَتْ تُوتَةٌ رَشَحَتْ بِالدِّمَاءِ
وَفِي شَفَتَيْهِ طُيُوفُ ابْتِسَامْ
الصَّبِيُّ الّذِي كَانَ فِيهِ عَزَائِي
فِي رَخَائِي وبَرْحَائِي
خَلَّفني وَحِيداً لِشِدَّتِي وَشَقَائِي
شِهَابَاً أَضَاءَ بِبَاصِرَتِي وَاحْتَرَقْ
تَارِكَاً مِنْهُ فِي الْعَيْنِ لَمْحَ ألَقْ
وَفِي الرُّوحِ نَفْحُ عَبَقْ
يَرَاعَاتُ لَيْلٍ ، وَوَرْدٌ نَضِيدْ
فَذَاكِرَتِي مِنْهُ: نُورٌ وَنَارْ
كَمَا انْبَهَرَ الْجُلُّنَارْ
تَسَرَّقَهُ الْمَوتُ فِيمَا سَرَقْ
صَبِيحَةَ عِيدْ
وفي غُرْفَتي لا تَزَالُ هُنَالِكَ طَيَّارَةٌ مِنْ وَرَقْ
عَلاَهَا الْغُبَارْ
وَصُورَةُ طِفْلٍ يُرَاقِبُنِي وَلَهُ مُقلَتَانْ
تَدُورَاَن حَيْثُ اتَّجَهْتُ .. وَقَدْ تَطْرِفانْ
إِذَا الْتَقَتِ النَّظْرتَانْ
وَقَدْ تَبْسُمَانْ
تَقُولاَن مَا لاَ يَقُولُ لِسَانْ
حينَ أبكِي بُكاَئي النَّزِقْ
أقطِّعُ منْدِيلَ قَلْبي مِزَقْ
فيطمسُ مِدْرَارُ دَمْعِي السَّخِينْ
شَطْرَ بيْتٍ حَزينْ
وقَافِيَةً مِنْ رِثَائِي
الزَّمَانُ يَتَأتَّىَ عَلَى البَشَرِيَّةِ طِفْلاً وَشَيْخَاً هَرِمْ
قُرُونَاً .. تَجُرُّ قُرُونَاً .. تَجُرُّ قُرُونْ
سَلاسِلَ حَوْلَ رِقَابِ الرِّمَمْ
وَيَفْنَىَ بَشَرْ
وَيَأتِي بَشَرْ
بِخَيْرٍ وَشَرْ
ثُمَّ يَنْصَرِفُونْ
فَيُخْلُونَ قَاعَاتِهَا لِبَشَرْ ...
سِوَاهُمُ لَهَا مَالِئوُنْ
جِرَارَاً بِسَاقِيةٍ .. بَعْضُهَا قَوِيُّ وَبَعْضٌ يَخِرْ
وَهُمْ لاَ يَزَالُونَ ... هُمْ
فِي الْمَتَاهَةِ ... عُمْيٌ وبُكْمٌ وصُمْ...
وَلاَ يَعْقِلُونَ .. سِوَىَ مَنْ عُصِمْ ...
والْقُدَامَى قَادِمُونْ
عَظَايَا ***2 ... لَهَا زَحْفَةٌ بِالْبُطُونْ
أَنَانِيَّةٌ....وَهِيَ تَعْرَقُ دَمْ
وَثَعَابِينُ بَذَّتْ بِجِلْدٍ وَسِيمٍ وَغُدَّةُ سُمْ
وَلِسَانٍ يُنَضْنِضُ كَالْبَرْقْ .. كَالسَّوْطِ ينْشُرُ ذُعْرَا
وَفِي كُلِّ مَوْسِمْ
تَبِيضُ العَظَايَا ... عَظَايَا كَأسْلاَفِهَا
وَتَبِيضُ الثَّعَابِينُ أُخْرَى
تُخَلِّدُهَا باسْمِ عَهْدٍ جَدِيدْ
بِجِلْدٍ وَسِيمٍ جَدِيدْ
وَسُمٍّ قَدِيمٍ جَدِيدْ
وَقَدْ سَمِنَتْ وَاطْمَأَنَّتْ ، تُؤآلفُِهَا وتُخَالِفُهَا
تَتَقَمَّصُ لَوْنَاً .. وتَنْبِذُ لَوْنْ
تُشِيرُ وتُفْتِي .. تُغَنِّي وتَرْقُصْ
حِرْبَاءُ ... نَاطِقَةٌ تَتَرَبْصْ
فُرْصَتَهَا بِدَهَاءَ وحِرْصْ
وَغَمْضِ عُيُونْ
لَهَا فِي الْمَقَاصِيرِ حُظْوَتُهَا بِسَدَانَةِ قُدْسِ الْفُنُونْ
وَالْحُمَارُ الْحَرُونْ
تَوَغَّلَ بالْهَيكَلِ الْمُتَفَحِّمِ فِي الصَّحْرَاءِ
وهَذَا رِثَائي
لِذَاكَ الصَّبِي ـ صَدِيقِي الْوَحِيدْ
الّذِي فِي صَبِيحَةِ عِيدْ
انْتَهَىَ
أوَُزِّعُهُ صَدَقَاتٍ فِي سَخَاءِ
حُبِّي لَهُ .. ووفَائي
***1 هو بطل رواية موبي ديك ربان السفينة
***2 جمع عظية وهي نوع ضخم من أنواع السحالي وغالباً ما تكون سامة كسحلية الكومودو في إندونيسيا
الغفاري والصبي للشاعر صلاح أحمد إبراهيم
من طرف خدورة أم بشق في الأربعاء أبريل 27, 2011 12:07 pm
مقدمة:ـ قبل أن أنزل هذا العمل لصلاح أخمد إبراهيم وددت أن أبدأ بهذه المقدمة والتي أراها ضرورية كمدخل لفهم القصيدة والتي تحوي رمزية يصعب معها على القارئ غير المتتبع للعقد الأخير من حياة صلاح وبخاصة مواقفه السياسية فهم أو فك رموز الرمزية التي خالطت هذا العمل الذي أخذ فيه صلاح أحمد إبراهيم نكهة من الرواية الروعة (موبي ديك) للروائي الأمريكي (هيرمان ملفيل) والتي تذكرني دوماً بأستاذنا ديفيد هندرسون بالفاشر الثانوية في الستينات من القرن السابق.. وهو يقرأ ويناقش معنا هذا العمل الرائع لصراع الإنسان وتصديه لتحديات الحياة... وصلاح يرى أن الحياة تصدي فهي أرجوحة للقلق تارة وللطمأنينة تارة أخرى وهي مابين الشك واليقين وفي النهاية صراع بين الحق والباطل والخير والشر.
سقط الطاغية جعفر النميري في ربيع 1985 في السادس من أبريل تحديداً وعاد صلاح الغائب من السودان منذ 1972 محتضناً تراب وطنه بعد حرب شعرية وسياسية ضروس قادها من باريس ضد النميري ... وترشح لانتخابات 1986 عن دوائر الخريجين ولم يحالفه الحظ فلم يفز ثم رجع إلى مقر عمله بباريس ويومها كتب مقالة بمجلة الدستور شكر فيها كل من صوت أو لم يصوت له فقد قال برئت ذمتي وقال ماكنت خائفاً من أن أرسب في الانتخابات ولكن كنت خائفاً من أن يقال صلاح آثر اللقمة الهينة في الغربة على السودان. غير أن هذا الفشل كان له من الأثر في نفسه فخلده بهذه الرائعة (الغفاري والصبي) والتي كنت أحتفظ بها في قصاصة ورق منذ عام 1986 وضاعت بين أوراقي الكثيرة وحاولت أن أجدها في أي منتدى فلم أر لها أثراً وحتى كتاب نحن والردى لصلاح أتى خالياً من هذه القصيدة ولم أسمع أحداً يتحدث عنها. خفت أن تكون القصيدة ضاعت .. وفي يوم وبينما أبحث عن شيئ في أوراقي الكثيرة والمبعثرة طرتُ فرحاً حين وقعت عيناي على القصاصة التي بها القصيدة . وأنا حينما أنزلها في منتدى أبوجبيهة فهو أول منتدى ينزل هذا العمل لصلاح خشية أن يضيع أثر القصيدة .. ولقد أخذت مني جهداً كبيراً في الطباعة والتشكيل... إكراماً لمن اعتصر دمه ليفرحنا ونحن نستقبل ذكرى وفاته ال 18 في 17 مايو 2011 .
ولفهم القصيدة الرمزية سأعطي فكرة مبسطة عن رواية (موبي ديك)
تحتل رواية ""موبي ديك"" للاميركي هيرمان ملفيل مكانة مرموقة بين كلاسيكيات الادب العالمي، فهي اضافة الى كونها الملحمة الكبرى المكتوبة عن صراع تراجيدي بين حوت وانسان تتخذ من هذا الصراع الضاري وسيلة لتأمل الوضع البشري وعلاقته بالوجود كما تحوله الى كيان رمزي معقد عن كيفية العيش وعن المشروع الاميركي الذي وجد في عمل ملفيل شكلا من اشكال التعبير عن نفسه في منتصف القرن التاسع عشر أي حين كانت اميركا تكتشف ذاتها كقوة كونية وامبراطورية امبريالية بالقوة والامكان. فكانت رواية موبي ديك وروايات ملفيل الاخرى بمثابة نبوءة لما ستصير اليه هذه القوة الكبيرة
والقصة عن عن سفينة اسمها الباقوطة بحارتها من أديان مختلفة وقبطانها اسمه آهب . هذا القبطان فقد رجله أثناء محاولته اصطياد حوت أبيض اسمه موبي ديك.. هذا القبطان أبحر في سفينة يمتلكها أناس المدينة كلهم من أجل اصطياد الحيتان الغنية بالزيت ويباع هذا الزيت ويوزع ثمنه على المساهمين.. لكن هذا القبطان جاء إلى السفينة بقضية خاصة به.. وضع في رأسه أن ينتقم من موبي ديك الذي قضم رجله متجاهلا مصالح الناس.. فجاب المحيطات لمدة ثلاث سنوات باحثا عن هذا الحوت الأسطوري ومعارضا ضباطه وملاحيه الذين يطلبون منه نسيان الأمر والإهتمام بصيد الحيتان الأخرى لتعبئة السفينة ببراميل زيت حوت العنبر.. ربما يكون عرق الإنسان في هذا العصر هو الزيت.. والحوت الأبيض هو الجوهرة التي في قلبه والتي يبحث عنها الأشرار بكل طرقهم لسلبها منه.. والحوت الأبيض عندما بتر رجل القبطان كان يدافع عن نفسه وعن أرضه.
وقد أنتجت كفيلم شاهدته سينمائيا إلا أن النص المرئي سيظل قاصرا على منح كل ما تحتوي الرواية من إبداع.. فهناك جمل وكلمات في الرواية من المستحيل تصويرها أو تدوير الآلات على حروفها.
الغِفَارِيُّ والصَّبي شعر : صَلاح أَحمد إبراهيم
أَتَنْكُر: أَعْرِفُ عِنْدَ الغَسَقْ
وَمَا فَتَحَ الطَّيْرُ مِنْقَارَه
لِيُوقِظَ لِلرِّزْقِ أَوْكَارَه
تُحَدِّقُ ـ كَالنَّجْمِ ، في الظُّلُمَاتِ ـ انْبَثَقْ
بِجَفْنَيْكَ مِثْلَ الْعَرَقْ
كَمَا يَتَنَدَّى بِطَلِّ الصَّبَاحِ الْوَرَقْ
فَتَبْكِي وَتَبْكِي وَتَبْكِي ، أَتَنْكُر ..؟
تَحْسَبُ أَنْ لّيْسَ حَوْلَكَ رَائي
تَطُوفُ عَلَى النَّائمِينَ
لَهِيفَ الْخُطَى حَافِيَ الْقَدَمَيْن
فَتَطْبَعَ فِي كُلِّ وَجْهٍ ـ يُقَزِّزُ نَاظِرَه ـ
قُبْلَةَ حِنْوٍ عَلَى الْجَبينْ
وَتَتْرُكُ في كُلِّ مَأوَى ... وَبيْتٍ حَزِينْ
جُذَاذَةَ َقَلْبٍ ، وَلمَسةَ كَفٍّ .. وَوَقْفَةَ عَينْ
وَأَعْرَفُ أَنَّكَ أَنْتَ فِدَائي...وأَنِّي أكْتُمُ أَسْرَارَه
وَأَعْرَفُ أَيْنَ يُخَبِّئُ السِّلاَح ..وَكَيْفَ يُفَجِّرُ أَشْعَارَه
أَصَابِعَ مِنْ "دِينَامَيت"
وَأَعْرَفُ وَحْشَتَهُ وَالْحَنِينْ
تَارِكَاً دَارَهُ ... شَاخِصَاً في الْعَرَاءِ ..
بِغَيْرِ وِقَاءِ
لِوَاذَاً مِنْ الْمُجْرِمِينْ
وَأَعْرَفُ تَقْلِيبَ وَجْهِكَ نَحْوَ السَّمَاءِ
وَخَوْفَكَ مَا بَيْنَ حِينٍ وَحِين !!
يَدُبُّ عَلَى جِلْدِ جِسْمِكَ نَمْلاً فَتَسْحَقَهُ فِي ازْدِرَاءِ
وأَنَّكَ وَالْمَوْتَ فِي مُبَارَزَةٍ لاَ تَكُفَّ وَحَرْبْ
بِثَأرٍ كَثَأر ( آحَبْ)***1
فَتَخْسَرَ أَنْتَ أَكِيدٌ أَكِيدْ
وَبَعْدَ انْدِحَارِكَ تَكْسَبْ
حَدِيدُ يُلاَقِي حَدِيدْ
فَيَحْنِيَ لَكَ الْمَوْتُ هَامَتَهُ ، عِنْدَ قَبْرِكَ وَاقِفْ
تُرَفْرِفُ رَايتُهُ وَهُوَ يَعْجَبْ
لِهَذَا الْجَسُورِ الْمُنَاكِفْ
مُنْطَرِحاً رِمَّةً تَحْتَهُ ، نَازِفْ
فَأَنْتَ بَصَقْتَ عَلَى وَجْهِهِ ، وَتطَاوَلْتَ فِي كِبْرِياءِ
كَذِي النُّونِ دُونَ اقْتِدَارٍ ..ودُونَ رجاءِ
وَتْدرِكُ مُنْذُ البِدَايَةِ وَلَكِنْ حَرُورَةُ قَلْبْ
أَتَنْكُر ..؟ قل لي: أَتَنْكُر ..؟ ردَّ عليَّ أتنكر؟؟
لاَ ـ فَالصَّبِي صَدَقْ
وَأَهْمِسُ فِي حَيْرَةٍ وَانْكِسَارِ
وَكَيْفَ عَرَفْتَ؟ يُجِيبُ بِزَهْوٍ : لأنِّي كَبِيرْ
بَلْ أَكْبَرُ مِنْكَ وَإِنْ قُلْتَ عنَّي ـ انْخِدَاعَاً صَغِيرْ ـ
وَأعْرِفُ قَبْلَكَ مَعْنَى الأَرَقْ
وكَوْنَ الْحَيَاةُ تَصَدِّي .. وأُرْجُوحَةٌ لِلْقَلَقْ
وَنَاعُورَةٌ لِلْهَزِيمَةِ والانْتِصَارِ
وَطَيَّارَتي ؟؟
قُلْتُ : "قُلْنَا غَدَاً"..لاَ تَنْسَى.. فِي الانْتِظَارِ
غَدَاً يَوْمُ عِيدْ
سَنُطْلِقُهَا فِي السَّمَاءِ بَعِيدْ
وَنَعْدُو مَعاً نَتْبَعُهَا ضَاحِكَيْنْ
مِنْ الصُّبْحِ حَتَّى الْمَسَاءِ
بِغَيْرِ انْتِهَاءِ .. بِغَيْرِ انْتِهَاءِ .. بِغَيْرِ انْتِهَاءِ
كِلاَنَا سَعِيدٌ .. سَعِيدٌ .. سَعِيدْ
بَلْ أسْعَدَ مَا فِي الْوُجُودْ
يُصَفِّقُ بِالْجَانِبَيْنِ لَنَا الْعُشْبُ
وَالدَّوْحُ والْبُلْبُلُ المُسْتَهامُ
فَإنَّ غَدَاً يَاهُمَامُ
لَنَا مَوْعِدٌ سَيَكُونُ الأَخِيرْ
يَصِيرُ بِحَقٍّ لَنَا شَهِيْر
وَيَكثُرُ عَنَّا الكَلاَمُ
يَقُولُونَ عَنِّي وَعَنَّكَ ثُنَائِي الْقِمَمْ
أَيُعْجِبُكَ الاسْمْ ؟؟ اسْمٌ غِنَائِي
اسْمٌ مُثِيرْ!!
بِسَمْتٍ أَجْمَشٍ وَجَنَتُهُ كَالْمُذَنّبْ
كَمْ تَسْتَفِزُّ خَيَالَكَ كَمْ ... يَاصَغِيرِي
وَلَكِنَّهُ فِي امْتِعَاضٍ بَسَمْ
يَهُزُّ لِيَ الرَّأْسَ فِي أَسَفٍ لِغَبَائِي
سَتَفْهَمُ فِي وَقْتِهِ الْمُنَاسِبْ
مَغْزَىَ اقْتِرَاحِي الْخَطِيرْ !!
تَوَسَّلْتُ : نِمْ .. رَدَّ مَا أَعْجَلَكْ !!
سَأَنَامُ وَجبْ..
وَأَنْتَ أَمَا آنَ لَكْ ؟
شَبِعْتَ تَعَبْ !!
تُغَالِطُ جِسْمَكَ وَالرُّوحُ مُسْتَبْسِلَةْ
تَثَاءَبَ أغْمَضَ عَيْنَيهِ .. عَدَّ إِلَى الأَرْبَعِينَ .. وَنَاَمْ
كَمَا دُمْيَةٌ لِلْبَرَاءةِ فَوْقَ سَرِيرِ .. بِأهْدَابِهِ المُسْبَلَةْ
مُحَيَّاهُ تَرْنِيمَةٌ فِي الْحَرِيرِ
تُضَوِّئَهُ هَالَةٌ كَالْمَلِكْ !!
جَذَبْتُ عَلَيْهِ حَوَاشِيَ الْغِطَاءِ
وقَبَّلْتُ جَبْهَتَهُ فِي انْحِنَاءِ ...
وأطْفَأْتُ مِصْبَاحَهُ
وَتَرَكْتُ لَهُ الْقَلْبَ فِي كَفَّهِ المُقْفَلَةْ
وَرَائِي
وَسِرْتُ خَفِيفَاً ، أُغَادِرُ ـ فِي جَذْلٍ ـ مَنْزِلَهْ
وَلَكِنَّهُم فِي ضُحَىَ غَدٍ كَفَّنُوهُ
بِثَوْبٍ مِن الدَّبَلاَنِ جَدِيدْ
وَفِي حُفْرَةٍ طِفْلَةٍ دَفَنُوه
صَبِيحَةَ عِيدْ
بِلاَ مَأتَمٍ كَالشَّهِيدْ
تَفَرَّقَ كَالطَّيْرِ فِي عَجَلٍ دافِنُوه
وَرَاغُوا مَعَ السَّابِلَةْ
وَلَكِنَّهُم طَمَرُوا أَمَلِي وَهَنَائِي
وَقِيلَ لَنَا كَانَ مَوْتاً فُجَائِي
كَمَا انْقَطَفَتْ سُنْبُلَةْ
فِي اغْتِلاَمِ النَّمَاءِ
كَمَا انْفَجَرَتْ قُنْبُلَةْ
بالْفِدَائِي
كَمَا يَخْتَفِي الْقَمَرُ الاسْتِوَائِي
وَرَاءَ الغَمَامْ
كَمَا تَبْتُرُ العُنُقَ الْمِقْصَلَةْ
وَفِي كَفِّهِ انغَلَقَتْ تُوتَةٌ رَشَحَتْ بِالدِّمَاءِ
وَفِي شَفَتَيْهِ طُيُوفُ ابْتِسَامْ
الصَّبِيُّ الّذِي كَانَ فِيهِ عَزَائِي
فِي رَخَائِي وبَرْحَائِي
خَلَّفني وَحِيداً لِشِدَّتِي وَشَقَائِي
شِهَابَاً أَضَاءَ بِبَاصِرَتِي وَاحْتَرَقْ
تَارِكَاً مِنْهُ فِي الْعَيْنِ لَمْحَ ألَقْ
وَفِي الرُّوحِ نَفْحُ عَبَقْ
يَرَاعَاتُ لَيْلٍ ، وَوَرْدٌ نَضِيدْ
فَذَاكِرَتِي مِنْهُ: نُورٌ وَنَارْ
كَمَا انْبَهَرَ الْجُلُّنَارْ
تَسَرَّقَهُ الْمَوتُ فِيمَا سَرَقْ
صَبِيحَةَ عِيدْ
وفي غُرْفَتي لا تَزَالُ هُنَالِكَ طَيَّارَةٌ مِنْ وَرَقْ
عَلاَهَا الْغُبَارْ
وَصُورَةُ طِفْلٍ يُرَاقِبُنِي وَلَهُ مُقلَتَانْ
تَدُورَاَن حَيْثُ اتَّجَهْتُ .. وَقَدْ تَطْرِفانْ
إِذَا الْتَقَتِ النَّظْرتَانْ
وَقَدْ تَبْسُمَانْ
تَقُولاَن مَا لاَ يَقُولُ لِسَانْ
حينَ أبكِي بُكاَئي النَّزِقْ
أقطِّعُ منْدِيلَ قَلْبي مِزَقْ
فيطمسُ مِدْرَارُ دَمْعِي السَّخِينْ
شَطْرَ بيْتٍ حَزينْ
وقَافِيَةً مِنْ رِثَائِي
الزَّمَانُ يَتَأتَّىَ عَلَى البَشَرِيَّةِ طِفْلاً وَشَيْخَاً هَرِمْ
قُرُونَاً .. تَجُرُّ قُرُونَاً .. تَجُرُّ قُرُونْ
سَلاسِلَ حَوْلَ رِقَابِ الرِّمَمْ
وَيَفْنَىَ بَشَرْ
وَيَأتِي بَشَرْ
بِخَيْرٍ وَشَرْ
ثُمَّ يَنْصَرِفُونْ
فَيُخْلُونَ قَاعَاتِهَا لِبَشَرْ ...
سِوَاهُمُ لَهَا مَالِئوُنْ
جِرَارَاً بِسَاقِيةٍ .. بَعْضُهَا قَوِيُّ وَبَعْضٌ يَخِرْ
وَهُمْ لاَ يَزَالُونَ ... هُمْ
فِي الْمَتَاهَةِ ... عُمْيٌ وبُكْمٌ وصُمْ...
وَلاَ يَعْقِلُونَ .. سِوَىَ مَنْ عُصِمْ ...
والْقُدَامَى قَادِمُونْ
عَظَايَا ***2 ... لَهَا زَحْفَةٌ بِالْبُطُونْ
أَنَانِيَّةٌ....وَهِيَ تَعْرَقُ دَمْ
وَثَعَابِينُ بَذَّتْ بِجِلْدٍ وَسِيمٍ وَغُدَّةُ سُمْ
وَلِسَانٍ يُنَضْنِضُ كَالْبَرْقْ .. كَالسَّوْطِ ينْشُرُ ذُعْرَا
وَفِي كُلِّ مَوْسِمْ
تَبِيضُ العَظَايَا ... عَظَايَا كَأسْلاَفِهَا
وَتَبِيضُ الثَّعَابِينُ أُخْرَى
تُخَلِّدُهَا باسْمِ عَهْدٍ جَدِيدْ
بِجِلْدٍ وَسِيمٍ جَدِيدْ
وَسُمٍّ قَدِيمٍ جَدِيدْ
وَقَدْ سَمِنَتْ وَاطْمَأَنَّتْ ، تُؤآلفُِهَا وتُخَالِفُهَا
تَتَقَمَّصُ لَوْنَاً .. وتَنْبِذُ لَوْنْ
تُشِيرُ وتُفْتِي .. تُغَنِّي وتَرْقُصْ
حِرْبَاءُ ... نَاطِقَةٌ تَتَرَبْصْ
فُرْصَتَهَا بِدَهَاءَ وحِرْصْ
وَغَمْضِ عُيُونْ
لَهَا فِي الْمَقَاصِيرِ حُظْوَتُهَا بِسَدَانَةِ قُدْسِ الْفُنُونْ
وَالْحُمَارُ الْحَرُونْ
تَوَغَّلَ بالْهَيكَلِ الْمُتَفَحِّمِ فِي الصَّحْرَاءِ
وهَذَا رِثَائي
لِذَاكَ الصَّبِي ـ صَدِيقِي الْوَحِيدْ
الّذِي فِي صَبِيحَةِ عِيدْ
انْتَهَىَ
أوَُزِّعُهُ صَدَقَاتٍ فِي سَخَاءِ
حُبِّي لَهُ .. ووفَائي
***1 هو بطل رواية موبي ديك ربان السفينة
***2 جمع عظية وهي نوع ضخم من أنواع السحالي وغالباً ما تكون سامة كسحلية الكومودو في إندونيسيا
خدورة أم بشق- مشرف منتدى الشعر
رد: مصطفى سند وصلاح أحمد إبراهيم
وأخرى لك ابني الطيب وهي من روائعه الخالدة في فلسفة الموت واسمها نحن والردى وأسمى عليها ديوانه
اختطفت منا المنايا أعزاء علينا فبالأمس القريب رحل عنا أشرف وطارق .. وهذه سنة الحياة والموت سبيل الأولين والآخرين ولكن تبقى السير العطرة والأعمال الشاهدة ... رحم الله موتانا واشفى مرضانا ...
صلاح أحمد إبراهيم في عهد نميري قتل زوج اخته الشفيع .وأخوه مرتضى وكذلك صلاح مطاردان وأختهما فاطمة زجت في سجن أم درمان ... ولقد سبق أن أنزلتها في المنتدى عن موضوع فلسفة الردى عند صلاح .
الشاعر صلاح أحمد إبراهيم
يا ذكيََّ العودِ بالمطرقةِ الصمّّاءِ والفأسِ تشظّى
وبنيرانٍ لها ألفُُ لسانٍ قد تلظّى
ضُُعْْ على ضوئِك في الناس اصطباراً ومآثْر
مثلما ضُُوََّّعََ في الأهوال صبََراً آلُ "ياسر"
فلئن كنتََ كما أنتََ عبِقْْ
فاحترقْْ!
***
يا منايا حوّّمي حول الحمى واستعرضينا وأصْْطَفي
كلّ سمح النفس، بسّّامِ العشياتِ الوفي
الحليمََ، العفِّّ ، كالأنسامِ روحاً وسجايا
أريحيِِّّ الوجه والكفِّّ افتراراً وعطايا
فإذا لاقاكِ بالبابِ بشوشاً وحفي
بضميرٍٍ ككتابِّّ اللهِ طاهرْْ
أنشُُبي الاظفارََ في اكتافِه واختطفي
وأمانُ الله مِنّّا يا منايا..
كلّما اشتقتِ لميمونِ المُُحيّّا ذي البشائْْر ..شرّّفي
تجدينا مثلاً في الناس سائرْْ
نقهر الموتََ حياةً ومصائرْْ
***
هذه أجنابنا مكشوفةُ فليرمِ رامي
هذه أكبادُُنا..لُكْْها وزغرد يا حقودْْ
هذه أضلاعُُنا مثلومةُ وهي دوامي
وعلى النُُطع الرؤوس
فاستبدِّّ يافؤوس
وادخلي أبياتنا واحتطبي
وأديري يا منايانا كؤوساً في كؤوسْْ
من دِمانا واشربي
ما الذي أقسى من الموتِ ؟ فهذا قد كََشفْْنا سرّه، وخَبََرنا أمرَه
واستسغْنا مُُرّّه
صدئت آلاتُُه فينا ولا زلنا نُعافرْ
ما جََزِعْنا إن تشهَّانا ولم يرضَ الرحيلْ
فله فينا اغتباقُُ واصطباح ُومََقِيلْ
آخرُ العمرِ، قصيراً أم طويلْ:
كفن ُ من طرفِ السوقِ وشبرُ في المقابرْْ
ما علينا .. إنْ يكن حزناً فللحزنِ ذُبالات ُ مضيئه
أو يكن قصداً بلا معنى فللمرءِ ذهابُ بعد جيئه
أو يكن خِيفةَ مجهولٍ فللخوفِ وقاءُ ُ ودريئه
من يقينٍ ومشيئه
فهََلُمّي يا منايانا جحافلْ
تجدينا لك اندادَ المحافِلْ
القِرى منا وفينا لكِ ، والديوان حافِل
ولنا صبر ُ على المكروهِ – إن دامََ –جميل
***
هذه أعمالُنا مرقومةُ ُ بالنورِ في ظهرِ مطايا
عبََرت دنيا لأخرى ، تستبقْ
تنتهي عُمراً فعُمرا
ما انحنتْ قاماتُنا من حِمْلِ أثقال الرزايا
فلنا في حَلكِ الأهوالِ مَسْرى
وطُرُق
فإذا جاء الردى كََشّرََ وجهاً مُكْْفهراً
عارضاً فينا بسيفِ دمويّ و دَرََق
ومُصّرا
بيدٍ تحصُدنا لم نُبدِ للموتِ ارتعاداً وفََرقْ
نترك الدنيا وفي ذاكرةِِ الدنيا لنا ذِكرُ ُ وذكرى
من فِعالٍ وخلُق
ولنا إرثُ من الحكمة والحِلم وحُبِ الآخرين
وولاءُ حينما يكذبُ أهليه الأمين
ولنا في خدمة الشعب عَرَق
هكذا نحن ففاخرِْنا ، وقد كان لنا أيضاً سؤال وجواب
ونزوعُُ للذي خلف الحجاب :-
برهةُ ُ من سرمدِ الدهر أقِمنا ومشينا
ما عرفنا بِمَ أوفيمَ أتينا وانتهينا
وخَبْرنا تَفَه الدنيا وما في بَهْرَجِ الدنيا الحقير
عَرَضاً فانٍ لفانين فما نملكه يفلِتُ من بين يدينا
أو ذهبنا دونه حين بَقى
فكما كان لدينا صار مِلْكاً لسوانا ، وغَرور
لغريرٍ غافلٍ يختالُ في الوهمِ الهويني
في حبورْ
رُبّ من ينهلُ من بحرِ الغُوايات ظَمِي
والذي يملكُ عينينَ ولا لُبّ -عمي
والذي تسحرهُ الدنيا ولم يدرِ المصير
أبلهُُ يمرحُ في القيدِ وفي الحُلمِ يسير
ريثما توقظه السقطةُ في القاعِ ولا يعرفُ أيْنا
كلُ جيلٍ بعده جيلُ ويأتي بعد جيلْ
بَليتْ جِدتُه، مُرتَقِباً في غبطةٍ أو غفلةٍ أو قلقِ
فقعةَ الأمالِ في جيل بديلْ
طالعٍ أو طامعٍ مُستَبِقِ
أمس قد كنا سقاةَ القومِ بالكأس المريرْ
وغداً يحملنا أبناؤنا كي نستقى
فالذي تُخلى له مَضْيَفةُ الدنيا سيُدعى لرحيلْ
حين يبدو قادمُ في الأفق
وكلا الذاهب والقادمُ في دفترها ابنُ سبيلْ
***
كلُّ طفلٍ جاء للدنيا أخي من عدمِ
مشرقُ الوجْنةِ ضحّاك الثنايا والفم
يُسْرجُ الساعاتِ مُهراً لاقتحامِ القممِ
سابحاً في نشوةٍ للهَرَمِ
فإذا صاح به الموتِ أقدمِ
كان فوتُ الموتِ بعضَ المستحيلْ
عجبي من رِمةٍ ترفلُ بين الرممِ
نسيَتُ سوءَ مآلِ الأممِ
وسَعَتْ في باطلٍ عُقباهُ غيرُ الالمِ
ومُطيفِ الندمِ
والسأمِ
غصةُ الموتِ ، وإن مُدَّ لها في فسحةِ العمر قليلْ
فالذي يعقبه القبرُ ، وإن طالَ مَدىً ليس طويلْ
والسؤال الحقُ : ماذا بعدُ ، ماذا بعدُ ؟ ماذا بعدُ في هذا السبيلْ
يرتجيه الآدمي ؟
أإذا مِتنا انتهينا للأبد
غير ما يَمسِكُ دهرُُ أو طبيعهْ
أم بدأنا من جديد
كيف وأين سؤال هائل لن نستطْيعَه
أفَمَن يذهبُ عنّا سيعودْ
مثلما تزعمُ شيعه
ثم هل عاد أحد؟
أم له في داره الأخرى خُلودْ
بعد أن يسترجَع الله الوديعهْ
بكتابٍ وأمدْ
ضلّ من يبحث في سر الوجود
بالذي أنكر أو فيه اعتقد
فاجعل الموتَ طريقاً للبقاء
وابتغِ الحقَ شريعه
واسلِك الفضلَ وقل يا هؤلاء
خاب قومُ جحدوا الفضل صنيعه
إن للفضل وإن مات ذووه لضياء
ليس يخبو – فأسالوا أهل النهى
رُب ضوءٍ لامعٍ من كوكبٍ- حيث انتهى
ذلك الكوكبُ آلافاً وآلافا سنينا
يا رياحَ الموتِ هُبي إن قدرتِ اقتلعينا
اعملي أسياخك الحمراء في الحي شمالا ويمينا
قطّعي مِنا الذؤابات ففي الأرض لنا غاصت جذور
شتتينا ،
فلكم عاصفةُ مرّت ولم تَنس أياديها البذور
زمجري حتى يُبحَّ الصوتُ ، حتى يعقبَ الصمت الهدير
اسحقينا وامحقينا
تجدينا.. نحن أقوى منك بأساً ما حيينا
وإذا يبعث فيهم كلَّ ما يبرِقُ فينا
فلنا فيهم نشور
طفلنا حدّق في الموتِ ملياً ومِرارا
ألفَ الأحزانَ تأتينا صِغاراً وكبارا
ومَرَى الدمعَ غزيراً ، ورعى النوم غِرارا
ورأى والدَه يخطرُ للموتِ ونعشاً يتوارى
لن يراه مرةً ثانيةً قطُ إِلى يوم الحساب
ذاكِراً عنه حناناً وحديثاً وابتساماتٍ عِذاب
كشموشٍ لا يني يأملُ أن تشرق من بابٍ لباب
كل يوم ولنا في البيت مأتم
وصغير ذُبحت ضحكتُه يومَ تيتم
كلما مَرتْ بِنا داهيةُُُُُُُُُُُ ُ تسألُ عيناه عن الشرِ المُغير
ويرى من حولِه أمراً مريباً وغريباً ورهيباً فيثور
أمه في جَلَدٍ تدعوه أن يَسكَت لكنْ صوتُها فيه اضطراب
واكتئاب.
وهو يدري فعيونُ الأم للإبن كتاب
وهو بالمحنةِ والموتِ الذي جندلنا جدُّ بصير
حلمُه صار حكيماً وهو طفلُُ ُ في سريرْ
فهو يزدادُ بما حاقَ بنا حُزنا وحزْماً ووقارا
وانفعالاً كلما عاثَ بنا دهرُُ وجارا
هكذا يُطرقُ فولاذُ البطولاتِ ويُسقى بالعذابْ
فلهُ في غدهِ يومُُ كبيرْ
يوم أن يَدلجَ في وادي طُويّ يطلبُ نارا
والِجاً هْولاً ، خائضاً نقعاً مُثارا
وغمارا
ضاحكاً في حنكِ الموت على الموت عُتّواً واقتدارا
وقد استل كسيْفٍ بارقٍ جُرحاً عميقاً في الضميرْ
خبّراني ، لهفَ نفسي :
كيف يخشى الموتَ من خاشَنَهُ الموتُ صغيرْ ؟؟؟؟؟؟
****
في غدٍ يعرف عنّا القادمون
أيَّ حُبٍ حَمَلْناه لَهُمْ
في غدٍ يحسبُ منهم حاسبون
كم أيادٍ أُسلفت منا لهم
في غدٍ يحكون عن أنّاتنا
وعن الآلام في أبياتنا
وعن الجُرحِ الذي غنّى لهم
كل جُرحٍ في حنايانا يهون
حين يغدو رايةً تبدو لهمْ
جُرحُنا دامٍ ، ونحن الصابرون
حزننا داوٍ ونحن الصامتون
فابطشي ما شئت فينا يا منون
كم فتىً في مكةٍ يشبه حمزة؟
****
بالخشوعِ المحضِ والتقديسِ والحبِ المُقيم
واتّضاعٍ كاملٍ في حضرةِ الروح السماويِّ الكريمْ
التحياتُ لها. ******
ليتَ لي في الجمرِ والنيران وقفهْ
وأنا أشدوا باشعاري لها
ليتَ لي في الشوكِ والأحجارِ والظُلمه زحْفه
وأنا اسعى بأشواقي لها
ليتَ لي في زمهريرِ الموتِ رجْفه
وأنا ألفظ أنفاسي لها
ليت لي من ألمٍ طاغٍ مِحَفه
وأنا أحملُ قرباناٍ لها .. وهديه
فأنادي بإسمها الحلو بلهفهْ
لك يا أمَّ السلام.
والتحية
وجبيبني في الرِّغامْ
التحياتُ الزكياتُ لها ، نفسُُ زكيّه
رسمُها في القلبِ كالروضِ الوسيمْ
صنعتنا من معانيها السنيه
وستبقى منبعَ النورِ العظيم
يا قبوراً في عراء الله ، حسبُ البشرية
إنكم من ذوقِها العالي صميمْ
سنواتٍ عشتموها أينعت
حُفَّلا بالخير والحب الحقيقي
ومضيتُمْ فتركتم أثراً
نَبْشَ إسماعيلِ في القَفْرِ السحيقِ
يا أحبائي ويا نبضَ عروقي
كنتم القدوةَ بالخيرِ الوريق
فاهنأوا ، نحن كما أنتم على ذات الطريق
****
رُبَّ شمسٍ غَرُبتْ والبدرُ عنها يُخبرُ
وزهورُُ تتلاشى وهي في العطر تعيش
نحن أكفاءُ لما مرّ بنا ، بل أكبرُ
تأجُنا الأبقى وتندكّ العروشْ
ولمن ولَّي حديثُُُ ُ يؤثرُ
ولمن ولّى حديثُُ ُ يذكر
تذييل:- ****** يخاطب والدته إذا ما مات هو ودفن ويتمنى لقياها
صلاح أحمد إبراهيم في عهد نميري قتل زوج اخته الشفيع .وأخوه مرتضى وكذلك صلاح مطاردان وأختهما فاطمة زجت في سجن أم درمان ... ولقد سبق أن أنزلتها في المنتدى عن موضوع فلسفة الردى عند صلاح .
الشاعر صلاح أحمد إبراهيم
يا ذكيََّ العودِ بالمطرقةِ الصمّّاءِ والفأسِ تشظّى
وبنيرانٍ لها ألفُُ لسانٍ قد تلظّى
ضُُعْْ على ضوئِك في الناس اصطباراً ومآثْر
مثلما ضُُوََّّعََ في الأهوال صبََراً آلُ "ياسر"
فلئن كنتََ كما أنتََ عبِقْْ
فاحترقْْ!
***
يا منايا حوّّمي حول الحمى واستعرضينا وأصْْطَفي
كلّ سمح النفس، بسّّامِ العشياتِ الوفي
الحليمََ، العفِّّ ، كالأنسامِ روحاً وسجايا
أريحيِِّّ الوجه والكفِّّ افتراراً وعطايا
فإذا لاقاكِ بالبابِ بشوشاً وحفي
بضميرٍٍ ككتابِّّ اللهِ طاهرْْ
أنشُُبي الاظفارََ في اكتافِه واختطفي
وأمانُ الله مِنّّا يا منايا..
كلّما اشتقتِ لميمونِ المُُحيّّا ذي البشائْْر ..شرّّفي
تجدينا مثلاً في الناس سائرْْ
نقهر الموتََ حياةً ومصائرْْ
***
هذه أجنابنا مكشوفةُ فليرمِ رامي
هذه أكبادُُنا..لُكْْها وزغرد يا حقودْْ
هذه أضلاعُُنا مثلومةُ وهي دوامي
وعلى النُُطع الرؤوس
فاستبدِّّ يافؤوس
وادخلي أبياتنا واحتطبي
وأديري يا منايانا كؤوساً في كؤوسْْ
من دِمانا واشربي
ما الذي أقسى من الموتِ ؟ فهذا قد كََشفْْنا سرّه، وخَبََرنا أمرَه
واستسغْنا مُُرّّه
صدئت آلاتُُه فينا ولا زلنا نُعافرْ
ما جََزِعْنا إن تشهَّانا ولم يرضَ الرحيلْ
فله فينا اغتباقُُ واصطباح ُومََقِيلْ
آخرُ العمرِ، قصيراً أم طويلْ:
كفن ُ من طرفِ السوقِ وشبرُ في المقابرْْ
ما علينا .. إنْ يكن حزناً فللحزنِ ذُبالات ُ مضيئه
أو يكن قصداً بلا معنى فللمرءِ ذهابُ بعد جيئه
أو يكن خِيفةَ مجهولٍ فللخوفِ وقاءُ ُ ودريئه
من يقينٍ ومشيئه
فهََلُمّي يا منايانا جحافلْ
تجدينا لك اندادَ المحافِلْ
القِرى منا وفينا لكِ ، والديوان حافِل
ولنا صبر ُ على المكروهِ – إن دامََ –جميل
***
هذه أعمالُنا مرقومةُ ُ بالنورِ في ظهرِ مطايا
عبََرت دنيا لأخرى ، تستبقْ
تنتهي عُمراً فعُمرا
ما انحنتْ قاماتُنا من حِمْلِ أثقال الرزايا
فلنا في حَلكِ الأهوالِ مَسْرى
وطُرُق
فإذا جاء الردى كََشّرََ وجهاً مُكْْفهراً
عارضاً فينا بسيفِ دمويّ و دَرََق
ومُصّرا
بيدٍ تحصُدنا لم نُبدِ للموتِ ارتعاداً وفََرقْ
نترك الدنيا وفي ذاكرةِِ الدنيا لنا ذِكرُ ُ وذكرى
من فِعالٍ وخلُق
ولنا إرثُ من الحكمة والحِلم وحُبِ الآخرين
وولاءُ حينما يكذبُ أهليه الأمين
ولنا في خدمة الشعب عَرَق
هكذا نحن ففاخرِْنا ، وقد كان لنا أيضاً سؤال وجواب
ونزوعُُ للذي خلف الحجاب :-
برهةُ ُ من سرمدِ الدهر أقِمنا ومشينا
ما عرفنا بِمَ أوفيمَ أتينا وانتهينا
وخَبْرنا تَفَه الدنيا وما في بَهْرَجِ الدنيا الحقير
عَرَضاً فانٍ لفانين فما نملكه يفلِتُ من بين يدينا
أو ذهبنا دونه حين بَقى
فكما كان لدينا صار مِلْكاً لسوانا ، وغَرور
لغريرٍ غافلٍ يختالُ في الوهمِ الهويني
في حبورْ
رُبّ من ينهلُ من بحرِ الغُوايات ظَمِي
والذي يملكُ عينينَ ولا لُبّ -عمي
والذي تسحرهُ الدنيا ولم يدرِ المصير
أبلهُُ يمرحُ في القيدِ وفي الحُلمِ يسير
ريثما توقظه السقطةُ في القاعِ ولا يعرفُ أيْنا
كلُ جيلٍ بعده جيلُ ويأتي بعد جيلْ
بَليتْ جِدتُه، مُرتَقِباً في غبطةٍ أو غفلةٍ أو قلقِ
فقعةَ الأمالِ في جيل بديلْ
طالعٍ أو طامعٍ مُستَبِقِ
أمس قد كنا سقاةَ القومِ بالكأس المريرْ
وغداً يحملنا أبناؤنا كي نستقى
فالذي تُخلى له مَضْيَفةُ الدنيا سيُدعى لرحيلْ
حين يبدو قادمُ في الأفق
وكلا الذاهب والقادمُ في دفترها ابنُ سبيلْ
***
كلُّ طفلٍ جاء للدنيا أخي من عدمِ
مشرقُ الوجْنةِ ضحّاك الثنايا والفم
يُسْرجُ الساعاتِ مُهراً لاقتحامِ القممِ
سابحاً في نشوةٍ للهَرَمِ
فإذا صاح به الموتِ أقدمِ
كان فوتُ الموتِ بعضَ المستحيلْ
عجبي من رِمةٍ ترفلُ بين الرممِ
نسيَتُ سوءَ مآلِ الأممِ
وسَعَتْ في باطلٍ عُقباهُ غيرُ الالمِ
ومُطيفِ الندمِ
والسأمِ
غصةُ الموتِ ، وإن مُدَّ لها في فسحةِ العمر قليلْ
فالذي يعقبه القبرُ ، وإن طالَ مَدىً ليس طويلْ
والسؤال الحقُ : ماذا بعدُ ، ماذا بعدُ ؟ ماذا بعدُ في هذا السبيلْ
يرتجيه الآدمي ؟
أإذا مِتنا انتهينا للأبد
غير ما يَمسِكُ دهرُُ أو طبيعهْ
أم بدأنا من جديد
كيف وأين سؤال هائل لن نستطْيعَه
أفَمَن يذهبُ عنّا سيعودْ
مثلما تزعمُ شيعه
ثم هل عاد أحد؟
أم له في داره الأخرى خُلودْ
بعد أن يسترجَع الله الوديعهْ
بكتابٍ وأمدْ
ضلّ من يبحث في سر الوجود
بالذي أنكر أو فيه اعتقد
فاجعل الموتَ طريقاً للبقاء
وابتغِ الحقَ شريعه
واسلِك الفضلَ وقل يا هؤلاء
خاب قومُ جحدوا الفضل صنيعه
إن للفضل وإن مات ذووه لضياء
ليس يخبو – فأسالوا أهل النهى
رُب ضوءٍ لامعٍ من كوكبٍ- حيث انتهى
ذلك الكوكبُ آلافاً وآلافا سنينا
يا رياحَ الموتِ هُبي إن قدرتِ اقتلعينا
اعملي أسياخك الحمراء في الحي شمالا ويمينا
قطّعي مِنا الذؤابات ففي الأرض لنا غاصت جذور
شتتينا ،
فلكم عاصفةُ مرّت ولم تَنس أياديها البذور
زمجري حتى يُبحَّ الصوتُ ، حتى يعقبَ الصمت الهدير
اسحقينا وامحقينا
تجدينا.. نحن أقوى منك بأساً ما حيينا
وإذا يبعث فيهم كلَّ ما يبرِقُ فينا
فلنا فيهم نشور
طفلنا حدّق في الموتِ ملياً ومِرارا
ألفَ الأحزانَ تأتينا صِغاراً وكبارا
ومَرَى الدمعَ غزيراً ، ورعى النوم غِرارا
ورأى والدَه يخطرُ للموتِ ونعشاً يتوارى
لن يراه مرةً ثانيةً قطُ إِلى يوم الحساب
ذاكِراً عنه حناناً وحديثاً وابتساماتٍ عِذاب
كشموشٍ لا يني يأملُ أن تشرق من بابٍ لباب
كل يوم ولنا في البيت مأتم
وصغير ذُبحت ضحكتُه يومَ تيتم
كلما مَرتْ بِنا داهيةُُُُُُُُُُُ ُ تسألُ عيناه عن الشرِ المُغير
ويرى من حولِه أمراً مريباً وغريباً ورهيباً فيثور
أمه في جَلَدٍ تدعوه أن يَسكَت لكنْ صوتُها فيه اضطراب
واكتئاب.
وهو يدري فعيونُ الأم للإبن كتاب
وهو بالمحنةِ والموتِ الذي جندلنا جدُّ بصير
حلمُه صار حكيماً وهو طفلُُ ُ في سريرْ
فهو يزدادُ بما حاقَ بنا حُزنا وحزْماً ووقارا
وانفعالاً كلما عاثَ بنا دهرُُ وجارا
هكذا يُطرقُ فولاذُ البطولاتِ ويُسقى بالعذابْ
فلهُ في غدهِ يومُُ كبيرْ
يوم أن يَدلجَ في وادي طُويّ يطلبُ نارا
والِجاً هْولاً ، خائضاً نقعاً مُثارا
وغمارا
ضاحكاً في حنكِ الموت على الموت عُتّواً واقتدارا
وقد استل كسيْفٍ بارقٍ جُرحاً عميقاً في الضميرْ
خبّراني ، لهفَ نفسي :
كيف يخشى الموتَ من خاشَنَهُ الموتُ صغيرْ ؟؟؟؟؟؟
****
في غدٍ يعرف عنّا القادمون
أيَّ حُبٍ حَمَلْناه لَهُمْ
في غدٍ يحسبُ منهم حاسبون
كم أيادٍ أُسلفت منا لهم
في غدٍ يحكون عن أنّاتنا
وعن الآلام في أبياتنا
وعن الجُرحِ الذي غنّى لهم
كل جُرحٍ في حنايانا يهون
حين يغدو رايةً تبدو لهمْ
جُرحُنا دامٍ ، ونحن الصابرون
حزننا داوٍ ونحن الصامتون
فابطشي ما شئت فينا يا منون
كم فتىً في مكةٍ يشبه حمزة؟
****
بالخشوعِ المحضِ والتقديسِ والحبِ المُقيم
واتّضاعٍ كاملٍ في حضرةِ الروح السماويِّ الكريمْ
التحياتُ لها. ******
ليتَ لي في الجمرِ والنيران وقفهْ
وأنا أشدوا باشعاري لها
ليتَ لي في الشوكِ والأحجارِ والظُلمه زحْفه
وأنا اسعى بأشواقي لها
ليتَ لي في زمهريرِ الموتِ رجْفه
وأنا ألفظ أنفاسي لها
ليت لي من ألمٍ طاغٍ مِحَفه
وأنا أحملُ قرباناٍ لها .. وهديه
فأنادي بإسمها الحلو بلهفهْ
لك يا أمَّ السلام.
والتحية
وجبيبني في الرِّغامْ
التحياتُ الزكياتُ لها ، نفسُُ زكيّه
رسمُها في القلبِ كالروضِ الوسيمْ
صنعتنا من معانيها السنيه
وستبقى منبعَ النورِ العظيم
يا قبوراً في عراء الله ، حسبُ البشرية
إنكم من ذوقِها العالي صميمْ
سنواتٍ عشتموها أينعت
حُفَّلا بالخير والحب الحقيقي
ومضيتُمْ فتركتم أثراً
نَبْشَ إسماعيلِ في القَفْرِ السحيقِ
يا أحبائي ويا نبضَ عروقي
كنتم القدوةَ بالخيرِ الوريق
فاهنأوا ، نحن كما أنتم على ذات الطريق
****
رُبَّ شمسٍ غَرُبتْ والبدرُ عنها يُخبرُ
وزهورُُ تتلاشى وهي في العطر تعيش
نحن أكفاءُ لما مرّ بنا ، بل أكبرُ
تأجُنا الأبقى وتندكّ العروشْ
ولمن ولَّي حديثُُُ ُ يؤثرُ
ولمن ولّى حديثُُ ُ يذكر
تذييل:- ****** يخاطب والدته إذا ما مات هو ودفن ويتمنى لقياها
خدورة أم بشق- مشرف منتدى الشعر
رد: مصطفى سند وصلاح أحمد إبراهيم
صلاح أحمد ابراهيم هو شقيق المناضلة فاطمة أحمد ابراهيم زوجة البطل الشفيع احمد الشيخ!!!!!!!!!!!
تشكر عم فضل
الحقيقة ان القصيدة متينة وصعبة الهضم من قراءة واحدة
فأنا احاول اجترارها مرارا حتي ادخل دهاليز الكلمات لأفهم مابين السطوح وماتخبئه الحروف وتنسجه الكلمات من معان
أبو الزهور ارسلت لك ديوان (أكواب بابل في ألسنة البلابل) قبل فترة طويلة اتمنى ان يكون قد وصلك!!
تشكر عم فضل
الحقيقة ان القصيدة متينة وصعبة الهضم من قراءة واحدة
فأنا احاول اجترارها مرارا حتي ادخل دهاليز الكلمات لأفهم مابين السطوح وماتخبئه الحروف وتنسجه الكلمات من معان
أبو الزهور ارسلت لك ديوان (أكواب بابل في ألسنة البلابل) قبل فترة طويلة اتمنى ان يكون قد وصلك!!
الطيب الشيخ حسين كندة- مشرف التراث
رد: مصطفى سند وصلاح أحمد إبراهيم
وصلني أيها الحبيب .. لك ألف ود وألف معزة والأماني والشوق ورقيق التحايا .. كنت أبحث عنه منذ زمن لأقف على الرواية الأصلية لصه يا كنار . شكرا عريسنا.
أزهرى الحاج البشير- مشرف عام
رد: مصطفى سند وصلاح أحمد إبراهيم
لكم التحيه يا عمالقه
صلاح احمد ابراهيم
شاعر مرهف قل ان ياتى الزمان بمثله
صلاح احمد ابراهيم
شاعر مرهف قل ان ياتى الزمان بمثله
غريق كمبال- مشرف المنتدى الاقتصادى
رد: مصطفى سند وصلاح أحمد إبراهيم
استاذ فضل-إذا امكن-
أضاءات خفيفة عن صلاح أحمد ابراهيم في الجوانب التي لم يكتب عنها الناس
أضاءات خفيفة عن صلاح أحمد ابراهيم في الجوانب التي لم يكتب عنها الناس
الطيب الشيخ حسين كندة- مشرف التراث
رد: مصطفى سند وصلاح أحمد إبراهيم
إبني الطيب من أجمل ما كتب عن صلاح كتبه عنه الدكتور السوداني صلاح بندر في الذكرى العاشرة لرحيل صلاح وقد نشر البحث في جريدة الشرق الأوسط فاليك الموضوع وسوف تعرف الكثير عن صلاح بهذا الموضوع:
. صلاح آل بندر*
مرت عشر سنوات على رحيل الاديب صلاح احمد ابراهيم، وبقيت في ذهني بعض كلماته وعفار مواقفه وتدثرت ببعضها لقاءات متقطعة في العاصمة الفرنسية. في كل مرة قابلته فيها كان يحدثني عن تصوره المختلف ورؤيته المتفردة لاحداث السودان وحوادثه منذ صباه. كان قد زاد من تأجيجها في ذلك الوقت رسالته المشهورة للجنرال البشير التي اشاد فيها بانتصارات الجيش والدفاع الشعبي على «حركة تحرير شعوب السودان» في منتصف عام 1992. دافع صلاح وقتها عن فعله وعن تبرعه بخمسة آلاف فرنك دعما لجحافل الجهاد في جنوب السودان. لم استوعب تبريراته وتفسيراته ولماذا اقدم على ذلك، ولعل اكثرها يبقى الى اليوم خارج احساسي بها وقدرتي على النفاذ الى معانيها المستترة. ولكن اعادت الى ذهني ما قاله صلاح في عام 1986 وما زالت البلاد تتململ من التباطؤ في مواجهة تآمر سدنة الدكتاتورية المايوية ومن القيود التي خلفها انهيار نظام الجنرال نميري (1969 ـ 1985) وهو يتأمل في معنى حياته:
«هنالك اشياء جميلة ضاعت تستحق الأسى. ضاع صباي
ما استمتعت به كثيرا. لم يكن هناك كثير لهو. كان غبار
وعرق وكانت اجتماعات تتلوها اجتماعات. ارهاق تراكم
على ارهاق. اين مراهقتي؟ اين يفاعتي؟ اين لهوي؟ لقد
قصرت في حق نفسي بل ظلمتها.. لكن حين اغمض
عيني للمرة الاخيرة سأغمضها مغتبطا وانا اهمس لنفسي
لقد اختار صلاح ان يقصر في حق نفسه من ان يقصر
في ما رآه واجبه من ان يقصر في ما رآه حق شعبه وحق وطنه».
قفزت هذه الكلمات، مع الكثير غيرها، الى خاطري وهو يسرع الخطى ويقدمني لأزقة الحي اللاتيني، حيث عايش فيها مهجره، ولعلي وجدت فيها مخرجا ما قد يتجاوز بها تجربته الشخصية كأديب وسياسي وانسان. خاصة وقد أكد قوله بعد ذلك قائلا:
«كنت احلم بيوم خلاص الشعب ويوم تخفق راية اشتراكية
حقة تقضي على الانانية والجور وينعم لها البائس والمحروم».
فكلماته كانت دائما تقدم صورة لموقف سياسي ملتزم وحكمة قد تساعد عموم الناس على استيعاب معاني وقيمة ما قدموه خارج نطاق الندم والاحتجاج، بل التمرد على واقع مرير وايام خوال، ولكن تشعر بأنها تحمل في طياتها مرارة ورنة حزن عميق. وعلى الرغم من ذلك فإن رنينها ما يزال في اذني كأنها بنت الساعة، لقد قال صلاح «كنت احلم»!
ولد صلاح في عاصمة السودان الوطنية أم درمان في الاسبوع الاخير من ديسمبر (كانون الاول) عام 1933، تحيط به اسرة ذات جذور تمتد الى شرق السودان، وعرفت بانغماسها في الفعل السياسي منذ اربعينات القرن العشرين. أسرة قدمت للسودان رجالا ونساء كانوا يحسبون دوما، وما يزالون، كطلائع لحركة البلاد الديمقراطية والثوروية. تخرج في كلية الآداب بجامعة الخرطوم في اواخر العقد الخامس من القرن العشرين وعمل اداريا وبالتدريس في جامعة اكرا في غانا خلال فترة حكم الرئيس نكروما، وعمل دبلوماسيا حتى اصبح سفيرا، وكان في آخر عقد عمره مستشارا لدى سفارة قطر بفرنسا.
قدم صلاح خلال حياته للقارئ «غابة الابنوس»، و«غضبة الهبباي»، و «محاكمة الشاعر للسلطان الجائر»، وطبع نفر كريم بعد مماته ديوانه «نحن والردى» في عام 2000. كما نشر بالاشتراك مع رفيقه علي المك مجموعة «البرجوازية الصغيرة» القصصية، كما شاركه ترجمة كتاب «الأرض الآثمة» للمناضل الافريقي باتريك فان رنزبيرج. وترك المئات من المقالات السجالية الادبية والسياسية التي تزخر بها الصحف والمجلات العربية في المهاجر والمنافي الاختيارية.
كان صلاح واعيا للمرجعيات الاجتماعية والثقافية والسياسية لأعماله. واصبح ذلك متضاعفا وفائق الحساسية تجاهه بعد فصله من الحزب الشيوعي السوداني في عام 1958. فقد كان حريصا على ان يكون مقدار الاهتمام بمساهماته موازيا لأجل فك طلاسم نصوصه واستكناه عتباتها المعرفية والاستمتاع بأبعادها الجمالية. ولم يتردد في ان تكون كتاباته مصدرا للخلاف كما هي مصدر للاتفاق حول قضايا تشغل بال اهل السودان وترتبط بعشقهم للديمقراطية والعدالة الاجتماعية. بل صارت منبرا يجتر فيه فواجعه السياسية. كما كانت اعماله تتعامل مع رمزية المكان ليس كمجرد بعد جغرافي، ولكن كحالة في التاريخ وارضية للتفاعل. لذلك اصبحت مدينة أم درمان، عاصمة السودان الوطنية، وتجربته الشخصية فيها، رمزا دلاليا عميقا في صياغاته الشعرية ومساهماته السياسية. وفي محيط اعماله يبرز دور الفكر اليساري في تشكيل وعيه بالحياة ومواقفه منها ورؤيته للتغيير وموقفه المتكامل اجتماعيا وسياسيا وثقافيا من القضايا التي شغلت جيله من مثقفي مرحلة ما بعد الاستقلال في دول العالم الثالث.
ولعل نشأته في بيت عرف عنه التدين وحفظه للقرآن ومعرفته العميقة بتقاليد الشعر العربي ومدارسه وتتلمذه على ايدي عمالقة تدريس الادب العربي من امثال الدكاترة احسان عباس وعبد المجيد عابدين ومحمد النويهي وعبد العزيز اسحق وعبد الله الطيب، أهّلته لتكوين تراكمات معرفية مكنته من الانغماس في التجريب وارتياد غير المألوف من نظم الشعر والنثر وملامسة مدارس تجديدية في الابداع الشعري من دون وجل.
كان ديوانه «غضبة الهبباي» قد خرج للوجود بعد عام من ثورة اكتوبر (تشرين الاول) 1964، بعدما يقارب الخمس سنوات من صدور ديوانه الاول «غابة الابنوس»، وحملت صفحاته جراحات الماضي وتوجساته من انتكاسة شعاراتها وازدواجية معايير من تعاملوا معها. ولكن حملت معها ايضا موقفه الدائم من البحث عن التغيير. وعلى حد قول احد نقاد ادب السودان، ان الديوان عبر عن ثأرية صلاح الناشزة وبطره السمح بالشعب ولخاطره السمح بفقراء الشعب. وكانت روح ذلك الديوان دوما هي عموده الاساس الذي ارتكز عليه في مخاطبة الديكتاتور وفي اي مكان:
كمل كمل التقل ال جعلتو مصيرك
واشرب من دم المظلوم تراه عصيرك
في آية ألم تر كيف كان تبصيرك
الديان أدانك وانت قايلو نصيرك
يا خالق الخلوق خليها وقت ان ربت
توصل اخرها، وعقب الخدود تتثبت
لك المحبة والولاء يا شعبي العزيز
وهكذا كان صلاح يردد دائما أن دون نظرة أمينة لما كان، لن تكون هناك نظرة ثاقبة لما سيكون. فقد كان حريصا على ان يؤكد ان جيلهم تميز ادبيا وسياسيا لأنه قدم انتاجا تحت تأثير استجابات فكرية مختلفة، واستخدم تقنيات فنية مغايرة ومنطلقات اسلوبية متباينة. ومن دون شك يؤكد ان الادب السوداني في كلياته يحمل خصائص مختلفة جذريا عن بقية الآداب العربية الاخرى، خاصة ان جذوره تمتد الى اعماق واقعه الافريقي بأبعاده كلها.
في مطلع عام 1994 اجتمع اهل السودان واحباب الفقيد في بريطانيا لتأبين الاديب صلاح بمبادرة كريمة من الراحل خالد الكد. وتواصلت جموع التأبين في مدينة اصيلة المغربية وفي أم درمان، وواكبها اهتمام كبير من صفحات الثقافة والادب في الاعلام العربي. وفي كل هذه المحطات التأبينية ردد الحضور كلمات الشاعر صلاح احمد ابراهيم:
بالله يا نجوم كيف حال اخوتي؟
وكيف حال رفقتي، وكيف حال شعبي العظيم؟
شعبي الذي احببته حب الذي عشقا
كيف تراه الآن. هل تراه بات جفنه مؤرقا؟
وهل تراه بات حبل شمله ممزقا؟
وهل تراه بات في السجن القوا ومرهقا؟
وهل تراه واجه النيران مثل كرري فاحترقا؟
رحل صلاح احمد ابراهيم في يوم الاثنين 17 مايو (ايار) 1993، في المستشفى الاميركي في باريس اثر علة طارئة عن عمر يناهز الستين عاما، صرف اغلبها في المكابدة والحلم بالتغيير صبغت وجهه بحزن دائم. وترك خلفه ذكرى تضعه ضمن ابرز المثقفين العرب والافارقة في مهاجرهم ومنافيهم الاجبارية والاختيارية. وعلى الرغم من مرور السنوات فإنتاجه الادبي والفكري ما زال بعيدا عن التجميع والدراسة. وقد ذكر لي ان ذلك اصبح شغله وهاجسه في آخر مرة تقابلنا فيها في باريس قبل اسابيع من رحيله. حيث كان يعتبره شهادته للتاريخ وللاجيال القادمة. وقال لي كلاما لا يختلف في جوهره عن كلماته في مقام آخر:
هات لي الابريق والكأس ودعني اتغنى
إن بي شوقا الى القافية الحسناء كالصهباء أدنيها لكم دنا فدنا
إن بي شوقا الى الشعر الذي احمله رمحا طويلا ومُجِنّا
إن بي شوقا الى لهبة مصباحي اذا ما الليل جُنَّ
واذا الباغي تجنّى
لسلاحي .. لسلاحي
كن مع الشعب فإن الحكم للتاريخ في الآخر. والفعل الشهادة.
. صلاح آل بندر*
مرت عشر سنوات على رحيل الاديب صلاح احمد ابراهيم، وبقيت في ذهني بعض كلماته وعفار مواقفه وتدثرت ببعضها لقاءات متقطعة في العاصمة الفرنسية. في كل مرة قابلته فيها كان يحدثني عن تصوره المختلف ورؤيته المتفردة لاحداث السودان وحوادثه منذ صباه. كان قد زاد من تأجيجها في ذلك الوقت رسالته المشهورة للجنرال البشير التي اشاد فيها بانتصارات الجيش والدفاع الشعبي على «حركة تحرير شعوب السودان» في منتصف عام 1992. دافع صلاح وقتها عن فعله وعن تبرعه بخمسة آلاف فرنك دعما لجحافل الجهاد في جنوب السودان. لم استوعب تبريراته وتفسيراته ولماذا اقدم على ذلك، ولعل اكثرها يبقى الى اليوم خارج احساسي بها وقدرتي على النفاذ الى معانيها المستترة. ولكن اعادت الى ذهني ما قاله صلاح في عام 1986 وما زالت البلاد تتململ من التباطؤ في مواجهة تآمر سدنة الدكتاتورية المايوية ومن القيود التي خلفها انهيار نظام الجنرال نميري (1969 ـ 1985) وهو يتأمل في معنى حياته:
«هنالك اشياء جميلة ضاعت تستحق الأسى. ضاع صباي
ما استمتعت به كثيرا. لم يكن هناك كثير لهو. كان غبار
وعرق وكانت اجتماعات تتلوها اجتماعات. ارهاق تراكم
على ارهاق. اين مراهقتي؟ اين يفاعتي؟ اين لهوي؟ لقد
قصرت في حق نفسي بل ظلمتها.. لكن حين اغمض
عيني للمرة الاخيرة سأغمضها مغتبطا وانا اهمس لنفسي
لقد اختار صلاح ان يقصر في حق نفسه من ان يقصر
في ما رآه واجبه من ان يقصر في ما رآه حق شعبه وحق وطنه».
قفزت هذه الكلمات، مع الكثير غيرها، الى خاطري وهو يسرع الخطى ويقدمني لأزقة الحي اللاتيني، حيث عايش فيها مهجره، ولعلي وجدت فيها مخرجا ما قد يتجاوز بها تجربته الشخصية كأديب وسياسي وانسان. خاصة وقد أكد قوله بعد ذلك قائلا:
«كنت احلم بيوم خلاص الشعب ويوم تخفق راية اشتراكية
حقة تقضي على الانانية والجور وينعم لها البائس والمحروم».
فكلماته كانت دائما تقدم صورة لموقف سياسي ملتزم وحكمة قد تساعد عموم الناس على استيعاب معاني وقيمة ما قدموه خارج نطاق الندم والاحتجاج، بل التمرد على واقع مرير وايام خوال، ولكن تشعر بأنها تحمل في طياتها مرارة ورنة حزن عميق. وعلى الرغم من ذلك فإن رنينها ما يزال في اذني كأنها بنت الساعة، لقد قال صلاح «كنت احلم»!
ولد صلاح في عاصمة السودان الوطنية أم درمان في الاسبوع الاخير من ديسمبر (كانون الاول) عام 1933، تحيط به اسرة ذات جذور تمتد الى شرق السودان، وعرفت بانغماسها في الفعل السياسي منذ اربعينات القرن العشرين. أسرة قدمت للسودان رجالا ونساء كانوا يحسبون دوما، وما يزالون، كطلائع لحركة البلاد الديمقراطية والثوروية. تخرج في كلية الآداب بجامعة الخرطوم في اواخر العقد الخامس من القرن العشرين وعمل اداريا وبالتدريس في جامعة اكرا في غانا خلال فترة حكم الرئيس نكروما، وعمل دبلوماسيا حتى اصبح سفيرا، وكان في آخر عقد عمره مستشارا لدى سفارة قطر بفرنسا.
قدم صلاح خلال حياته للقارئ «غابة الابنوس»، و«غضبة الهبباي»، و «محاكمة الشاعر للسلطان الجائر»، وطبع نفر كريم بعد مماته ديوانه «نحن والردى» في عام 2000. كما نشر بالاشتراك مع رفيقه علي المك مجموعة «البرجوازية الصغيرة» القصصية، كما شاركه ترجمة كتاب «الأرض الآثمة» للمناضل الافريقي باتريك فان رنزبيرج. وترك المئات من المقالات السجالية الادبية والسياسية التي تزخر بها الصحف والمجلات العربية في المهاجر والمنافي الاختيارية.
كان صلاح واعيا للمرجعيات الاجتماعية والثقافية والسياسية لأعماله. واصبح ذلك متضاعفا وفائق الحساسية تجاهه بعد فصله من الحزب الشيوعي السوداني في عام 1958. فقد كان حريصا على ان يكون مقدار الاهتمام بمساهماته موازيا لأجل فك طلاسم نصوصه واستكناه عتباتها المعرفية والاستمتاع بأبعادها الجمالية. ولم يتردد في ان تكون كتاباته مصدرا للخلاف كما هي مصدر للاتفاق حول قضايا تشغل بال اهل السودان وترتبط بعشقهم للديمقراطية والعدالة الاجتماعية. بل صارت منبرا يجتر فيه فواجعه السياسية. كما كانت اعماله تتعامل مع رمزية المكان ليس كمجرد بعد جغرافي، ولكن كحالة في التاريخ وارضية للتفاعل. لذلك اصبحت مدينة أم درمان، عاصمة السودان الوطنية، وتجربته الشخصية فيها، رمزا دلاليا عميقا في صياغاته الشعرية ومساهماته السياسية. وفي محيط اعماله يبرز دور الفكر اليساري في تشكيل وعيه بالحياة ومواقفه منها ورؤيته للتغيير وموقفه المتكامل اجتماعيا وسياسيا وثقافيا من القضايا التي شغلت جيله من مثقفي مرحلة ما بعد الاستقلال في دول العالم الثالث.
ولعل نشأته في بيت عرف عنه التدين وحفظه للقرآن ومعرفته العميقة بتقاليد الشعر العربي ومدارسه وتتلمذه على ايدي عمالقة تدريس الادب العربي من امثال الدكاترة احسان عباس وعبد المجيد عابدين ومحمد النويهي وعبد العزيز اسحق وعبد الله الطيب، أهّلته لتكوين تراكمات معرفية مكنته من الانغماس في التجريب وارتياد غير المألوف من نظم الشعر والنثر وملامسة مدارس تجديدية في الابداع الشعري من دون وجل.
كان ديوانه «غضبة الهبباي» قد خرج للوجود بعد عام من ثورة اكتوبر (تشرين الاول) 1964، بعدما يقارب الخمس سنوات من صدور ديوانه الاول «غابة الابنوس»، وحملت صفحاته جراحات الماضي وتوجساته من انتكاسة شعاراتها وازدواجية معايير من تعاملوا معها. ولكن حملت معها ايضا موقفه الدائم من البحث عن التغيير. وعلى حد قول احد نقاد ادب السودان، ان الديوان عبر عن ثأرية صلاح الناشزة وبطره السمح بالشعب ولخاطره السمح بفقراء الشعب. وكانت روح ذلك الديوان دوما هي عموده الاساس الذي ارتكز عليه في مخاطبة الديكتاتور وفي اي مكان:
كمل كمل التقل ال جعلتو مصيرك
واشرب من دم المظلوم تراه عصيرك
في آية ألم تر كيف كان تبصيرك
الديان أدانك وانت قايلو نصيرك
يا خالق الخلوق خليها وقت ان ربت
توصل اخرها، وعقب الخدود تتثبت
لك المحبة والولاء يا شعبي العزيز
وهكذا كان صلاح يردد دائما أن دون نظرة أمينة لما كان، لن تكون هناك نظرة ثاقبة لما سيكون. فقد كان حريصا على ان يؤكد ان جيلهم تميز ادبيا وسياسيا لأنه قدم انتاجا تحت تأثير استجابات فكرية مختلفة، واستخدم تقنيات فنية مغايرة ومنطلقات اسلوبية متباينة. ومن دون شك يؤكد ان الادب السوداني في كلياته يحمل خصائص مختلفة جذريا عن بقية الآداب العربية الاخرى، خاصة ان جذوره تمتد الى اعماق واقعه الافريقي بأبعاده كلها.
في مطلع عام 1994 اجتمع اهل السودان واحباب الفقيد في بريطانيا لتأبين الاديب صلاح بمبادرة كريمة من الراحل خالد الكد. وتواصلت جموع التأبين في مدينة اصيلة المغربية وفي أم درمان، وواكبها اهتمام كبير من صفحات الثقافة والادب في الاعلام العربي. وفي كل هذه المحطات التأبينية ردد الحضور كلمات الشاعر صلاح احمد ابراهيم:
بالله يا نجوم كيف حال اخوتي؟
وكيف حال رفقتي، وكيف حال شعبي العظيم؟
شعبي الذي احببته حب الذي عشقا
كيف تراه الآن. هل تراه بات جفنه مؤرقا؟
وهل تراه بات حبل شمله ممزقا؟
وهل تراه بات في السجن القوا ومرهقا؟
وهل تراه واجه النيران مثل كرري فاحترقا؟
رحل صلاح احمد ابراهيم في يوم الاثنين 17 مايو (ايار) 1993، في المستشفى الاميركي في باريس اثر علة طارئة عن عمر يناهز الستين عاما، صرف اغلبها في المكابدة والحلم بالتغيير صبغت وجهه بحزن دائم. وترك خلفه ذكرى تضعه ضمن ابرز المثقفين العرب والافارقة في مهاجرهم ومنافيهم الاجبارية والاختيارية. وعلى الرغم من مرور السنوات فإنتاجه الادبي والفكري ما زال بعيدا عن التجميع والدراسة. وقد ذكر لي ان ذلك اصبح شغله وهاجسه في آخر مرة تقابلنا فيها في باريس قبل اسابيع من رحيله. حيث كان يعتبره شهادته للتاريخ وللاجيال القادمة. وقال لي كلاما لا يختلف في جوهره عن كلماته في مقام آخر:
هات لي الابريق والكأس ودعني اتغنى
إن بي شوقا الى القافية الحسناء كالصهباء أدنيها لكم دنا فدنا
إن بي شوقا الى الشعر الذي احمله رمحا طويلا ومُجِنّا
إن بي شوقا الى لهبة مصباحي اذا ما الليل جُنَّ
واذا الباغي تجنّى
لسلاحي .. لسلاحي
كن مع الشعب فإن الحكم للتاريخ في الآخر. والفعل الشهادة.
خدورة أم بشق- مشرف منتدى الشعر
رد: مصطفى سند وصلاح أحمد إبراهيم
بالله يا طير قبل ما تشرب تمر علي بيت صغير
من بابهمن شباكه بلمع الف نور
تلقي الحبيبة بتشتغل منديل حرير ..
لحبيب بعيد
تقيف لديها
وتبوس يديها
وانقل اليها
وفايا ليها...وحبي الاكيد
من أغنية الطير المهاجر لصلاح وغناء الراحل وردي
من بابهمن شباكه بلمع الف نور
تلقي الحبيبة بتشتغل منديل حرير ..
لحبيب بعيد
تقيف لديها
وتبوس يديها
وانقل اليها
وفايا ليها...وحبي الاكيد
من أغنية الطير المهاجر لصلاح وغناء الراحل وردي
خدورة أم بشق- مشرف منتدى الشعر
رد: مصطفى سند وصلاح أحمد إبراهيم
أحبتي .... ومن زواية علقت بها ردحاً من الزمن , ان شاعرنا الفذ صلاح احمد ابراهيم تميز بتوافيق وتباديل العلاقات المنطقية بين شعراء زمانة ...وكأنّ نواة القصائد دوماً تنطلق من قصيدة ألفها أو فكرة نادى بها ..... في هذا المنطق الرياضي (س > ص ) س أكبر من ص حين قرأها صلاح (من اليمين الى اليسار) وبذات المنطق ص أصغر من س حين قرأها ( من اليسارالى اليمين ) متصالح في جدلية أشكلت على كثير من الساسة في فك طلاسمها ,,وهي واضحة!!! لكنهم نســـوا أو تناسوا بأن طرفي المعادلة منطق لا ينفصل...هذه الجدلية في صراع الهوية وضح في مجموعة شعراء الغابة و الصحراء.... والنور عثمان أبكر قررها جلية واضحة من خلال ( صحو الكلمات المنسية )............
من كاهن هذا المعبد أوصده
في وجه العابر والساعي؟
غرت على "سنار" رفعت ندائي غضبي
أشهر من مصباح اللؤلؤ "سنغانيب":
خزيت أرحام الموتى شبعاً، عافية، راحة بال ووساد
حتى يرفع إنسان رأسه
يرعب، يجرف اطمئنان الموت على "مروي"
**..**
الغرس الطيب يعطي الغصن الأخضر والمرعى
من يصعد جبل الرب يبيع حشاه الأوحد كي نعطي
غرساً يرجى؟
من يضرب بعصاه الصخر، فتنبجس الأعين،
يعلم كلّ مشربه
نسقي، نرعى
مولود الغابة والصحراء.
من هذا الطافر كالجبل الأسمر
كمنارة ساحلنا الأزرق،
رجل أوقظ؟ غاب؟ مرآة الأعمار الأولى؟
ذهبٌ ألق الجبهة، قضب الزيتون، عواميد اللَّهب
الممتد الأعراف إلى قمم الآفاق العاليه
هذا صحو الكلمات المنسيه.
**..**
يقيني بأنّ مدرسة صلاح احمد ابراهيم والنور عثمان أبكر ومصطفى سند و محمد عبدالحي وعلي عبدالقيوم وعيدابي هي ذات المدرسة لأنّ قصيدة (صحو الكلمات المنسية) للنور عثمان أبكر في 1963 و(العودة إلى سنار) لمحمد عبد الحي كتبها في سنة 1963 ، و قصيدة يوسف عيدابي (أبو دليق)كانت في 1963 وقصيدة (أصابع الشمع) لمصطفى سند كتبت في سنة 1963، وأكيد دون ترتيب للكتابة حول نفس القضية ,, لكنها القريحة والفطرة السليمة ومنطق الأشياء ...،والملاحظ ان كل القصائد تتمحور في السؤال عن الهوية. !!!!!!!!!!!!!
مع خالص الود
من كاهن هذا المعبد أوصده
في وجه العابر والساعي؟
غرت على "سنار" رفعت ندائي غضبي
أشهر من مصباح اللؤلؤ "سنغانيب":
خزيت أرحام الموتى شبعاً، عافية، راحة بال ووساد
حتى يرفع إنسان رأسه
يرعب، يجرف اطمئنان الموت على "مروي"
**..**
الغرس الطيب يعطي الغصن الأخضر والمرعى
من يصعد جبل الرب يبيع حشاه الأوحد كي نعطي
غرساً يرجى؟
من يضرب بعصاه الصخر، فتنبجس الأعين،
يعلم كلّ مشربه
نسقي، نرعى
مولود الغابة والصحراء.
من هذا الطافر كالجبل الأسمر
كمنارة ساحلنا الأزرق،
رجل أوقظ؟ غاب؟ مرآة الأعمار الأولى؟
ذهبٌ ألق الجبهة، قضب الزيتون، عواميد اللَّهب
الممتد الأعراف إلى قمم الآفاق العاليه
هذا صحو الكلمات المنسيه.
**..**
يقيني بأنّ مدرسة صلاح احمد ابراهيم والنور عثمان أبكر ومصطفى سند و محمد عبدالحي وعلي عبدالقيوم وعيدابي هي ذات المدرسة لأنّ قصيدة (صحو الكلمات المنسية) للنور عثمان أبكر في 1963 و(العودة إلى سنار) لمحمد عبد الحي كتبها في سنة 1963 ، و قصيدة يوسف عيدابي (أبو دليق)كانت في 1963 وقصيدة (أصابع الشمع) لمصطفى سند كتبت في سنة 1963، وأكيد دون ترتيب للكتابة حول نفس القضية ,, لكنها القريحة والفطرة السليمة ومنطق الأشياء ...،والملاحظ ان كل القصائد تتمحور في السؤال عن الهوية. !!!!!!!!!!!!!
مع خالص الود
الفاتح محمد التوم- مشرف المنتدى السياسى
رد: مصطفى سند وصلاح أحمد إبراهيم
والله أنا كنت دايش
يادوب الراجل وقع لي بعد عرض قصيدة الطير المهاجر وديوان غضبة الهبباي
وقد خلط الحابل بالنابل
صلاح أحمد محمد ابرهيم
وصلاح أحمد محمد صالح
يادوب الراجل وقع لي بعد عرض قصيدة الطير المهاجر وديوان غضبة الهبباي
وقد خلط الحابل بالنابل
صلاح أحمد محمد ابرهيم
وصلاح أحمد محمد صالح
الطيب الشيخ حسين كندة- مشرف التراث
رد: مصطفى سند وصلاح أحمد إبراهيم
انفعالات شخصية في الغربة لصلاح أحمد إبراهيم
هل يوماً ذقت هوان اللون
ورأيت الناس إليك يشيرون، وينادون:
العبد الأسود؟
هل يوما رحت تراقب لعب الصبية في لهفة
وحنان
فإذا أوشكت تصيح بقلب ممتلئ رأفة:
ما أبدع عفرتة الصبيان!
رأوك فهبّوا خلفك بالزفة:
عبدٌ أسود
عبدٌ أسود
عبدٌ أسود.. ؟
هل يوماً ذقت الجوع مع الغربة؟
والنوم على الأرض الرطبه
الأرض العارية الصلبة
تتوسد ثنى الساعد في البرد الملعون
أنّى طرفت تثير شكوك عيون
تتسمّع همس القوم، ترى غمز النسوان
وبحدّ بنان يتغوّر جرحك في القلب المطعون
تتحمل لون إهاب نابٍ كالسُّبّه
تتلوى في جنبيك أحاسيسٌ الإنسان
تصيح بقلب مختنق غصان:
وآ ذلّ الاسود في الغربة
في بلد مقياس الناس به الألوان!
***
أسبوع مرّ وأسبوعان
وأنا جوعان
جوعان ولا قلب يأبه
عطشان وضنوا بالشربة
والنيل بعيد
الناس بعيد
الناس عليهم كل جديد
وأنا وحدي ..
منكسر الخاطر يوم العيد
تستهزئ بي أفكاري المضطربة
وأنا وحدي
في عزلة منبوذ هندي
أتمثل أمي، أخواني،
والتالي نصف الليل طوال القرآن (1)
في بلدي
في بلد أصحابي النائي
الرابض خلف البحر وخلف الصحراء
في بلدي
حيث يعزّ غريب الدار، يُحبّ الضيف
ويخص بآخر جرعة ماء عزّ الصيف
بعشا الأطفال
"ببليل ،، البشر والإيناس اذا ما رقّ الحال(2)
يا طير الهجرة .. يا طائر
يا طيراً وجهته بلادي
خذني بالله أنا والله على أهبه
قصت أقدارٌ أجنحتي
وأنا في زاوية أتوسّد أمتعتي
ينحسر الظلّ فأمضي للظلّ الآخر
***
لكن الطير مضى عنّي
لم يفهم ما كنت أعني
1- يقصد والده وتلاوته لطوال سور القرآن ليلاً
2- يقصد ببليل البشر بالابتسامة إذا لم يتوفر عشاْء
هل يوماً ذقت هوان اللون
ورأيت الناس إليك يشيرون، وينادون:
العبد الأسود؟
هل يوما رحت تراقب لعب الصبية في لهفة
وحنان
فإذا أوشكت تصيح بقلب ممتلئ رأفة:
ما أبدع عفرتة الصبيان!
رأوك فهبّوا خلفك بالزفة:
عبدٌ أسود
عبدٌ أسود
عبدٌ أسود.. ؟
هل يوماً ذقت الجوع مع الغربة؟
والنوم على الأرض الرطبه
الأرض العارية الصلبة
تتوسد ثنى الساعد في البرد الملعون
أنّى طرفت تثير شكوك عيون
تتسمّع همس القوم، ترى غمز النسوان
وبحدّ بنان يتغوّر جرحك في القلب المطعون
تتحمل لون إهاب نابٍ كالسُّبّه
تتلوى في جنبيك أحاسيسٌ الإنسان
تصيح بقلب مختنق غصان:
وآ ذلّ الاسود في الغربة
في بلد مقياس الناس به الألوان!
***
أسبوع مرّ وأسبوعان
وأنا جوعان
جوعان ولا قلب يأبه
عطشان وضنوا بالشربة
والنيل بعيد
الناس بعيد
الناس عليهم كل جديد
وأنا وحدي ..
منكسر الخاطر يوم العيد
تستهزئ بي أفكاري المضطربة
وأنا وحدي
في عزلة منبوذ هندي
أتمثل أمي، أخواني،
والتالي نصف الليل طوال القرآن (1)
في بلدي
في بلد أصحابي النائي
الرابض خلف البحر وخلف الصحراء
في بلدي
حيث يعزّ غريب الدار، يُحبّ الضيف
ويخص بآخر جرعة ماء عزّ الصيف
بعشا الأطفال
"ببليل ،، البشر والإيناس اذا ما رقّ الحال(2)
يا طير الهجرة .. يا طائر
يا طيراً وجهته بلادي
خذني بالله أنا والله على أهبه
قصت أقدارٌ أجنحتي
وأنا في زاوية أتوسّد أمتعتي
ينحسر الظلّ فأمضي للظلّ الآخر
***
لكن الطير مضى عنّي
لم يفهم ما كنت أعني
1- يقصد والده وتلاوته لطوال سور القرآن ليلاً
2- يقصد ببليل البشر بالابتسامة إذا لم يتوفر عشاْء
خدورة أم بشق- مشرف منتدى الشعر
رد: مصطفى سند وصلاح أحمد إبراهيم
وهذه من أجمل ما خطت يدا صلاح ...قصيدة (بونجور) ...صباح الخير
بُونْجُورْ لِلشَّاَعِرِ الْسُّودَانِي: صَلاَح أَحْمَد إِبْرَاَهِيم
إِهْدَاَءٌ:
إِلَى ذَلِكَ الطَّفْلُ الْبَاَرِيسِي الَّذِي الْتَقَاَنِي فِي طَرِيقٍ خَاَلٍ فِي صَبيِحَةِ أَحَدِ الآحَاَدِ، فَلَمْ يُفْزِعْهُ شَكْلِي وَلَوْنِي وَحَيَّاَنِي : صَباَحَ الْخَيْر.. وَهْوَ مُبْتَسِمٌ وَذَهَبَ غَيْرََمُدْرِكٍ أَيَّ بَهْجَةٍ فَجَّرّهَاَ فِي نَفْسِي، فَإِليْهِ وَإِلَىَ كُلِّ طِفْلٍ صَغِيٍرٍ مِثْلِهِ أَدْخَلَ السُّرُورَ فِي قَلْبٍ تَكَسَّرَتِ النِّصَاَلُ فِيهِ عَلَىَ النِّصَاَلْ بِابْتِسَاَمَةٍ حُلْوَةٍ وَنَظْرَةٍ عَاَبِرَةٍ لاَ يَطَاَلُهَاَ حَتَّىَ الْكِبَاَرُمِثْلِي مِمَّنْ شَوَّهَتْ نُفُوسَهُمُ قَسَاَوَةُ الْحَيَاَةِ وَطَبِيعَةُ حَيَوَاَنِهَاَالنَّاَطِقْ..... وَإِلَى صَدِيقَتِي الشَّاَعِرَة الأسْبَاَنِيَّة أَيمَا الْمَغْرِبِيَّة الأَصْل وَالّتِي لَمْ تَتَمَاَلَكْ دُمُوعَهَافِي مَقْهَىً عَاَم بِبَارِيسَ وَهْيَ تَسْمَعُ قَصِيدَتِي وَتَتَفَهَّمُ فِيهَاَ مَأْسَاَتِي الّتِي أَبْكَتْ عَيْنَيْهَاَ الْجَمِيلَتَيْنِ بحَق....".
تَمَاسَكَتْ بيَ الَّليَاَلِي وَالصَّبَاَحَاَتُ مِنْ ضِيقٍ لِضِيقِ
وَضِيقٍ دَاَخِلٍ فِي ضِيقْ
وَضِيقٍ خَاَرِجٍ مِنْ ضيقْ
وَأَنَا بِمِثْلِ مِشْيَةِ طَاَئِرِ البَطْرِيقْ **** 1
وَمِمَّاَ بِي إخْتِنِاقُ غَرِيقْ
كَأنّي الدَّائمُ التِّطْوَاَفِ فِي أسْطُورِةِ الإغريقْ
لأسْمَعَ- شَاَرِدَ اللُّبِّ ... مُبَاَغَتةً صَبَاَحَ الْخَيْر....!....!
صَبَاَحُ الْخَيْرِ تَجْرِي عَلَىَ فَمِ صَبِي !!
كَيَنبْوُعِ الصَّفَاَ الْمُتَوَاثِبِ الْعَذْبِ
تَفَجّر بالبَشَاَشَاَتِ....انْتِشَاءَ الكَأْسِ بالْحَبَبِ
وَلَمْ يَكُ غيْرَ صَبِي
جَدَّ فِي التّبْكِيرِ صَبِبحَة ذَلِكَ الأحَدِ
تَلقّانِي بِعَرْضِ طَرِيقٍ خَلاَ لَوْلاَهُ مِنْ أَحَدِ
يُحيِّيّ وَهْوَ مُبْتَسِمٌ .... صَباَحَ الْخَيْر!!
صَباح الْخَيْرِ تُرَدِّدُهَاَ شِفَاهُ صَغِيرْ
مَاَ تَحَاَشَاَني.... وَلَكِنْ سَاَرَ فِي ظِلِّي
وأَنَا كَيوُسُفَ فِي غُيَاَبَةِ بِئْر
تَلمَّسَ عُقْدَةَ الْحَبْلِ
صَبَاحُ الْخَيْر .... صَدَاَهَا هَزّنِي كُلّّي
عَطِيّةُ مُنْعِمٍ لِفَقِيْر...
صَباَحَ الْخَيْرِ يَاَ نَفْسِي تُرَدّدُهَاَ شِفَاَهُ صَغِير!!!
... أهَلْ لِي؟؟
أَلِلْمَقْذُوفِ فِي زَنْزَاَنَةِ الْمَنْفَىَ بلاَ زَاَدٍ وَلاَ أَهْلِ
أَلِلنّخْلَةِ جَزّتْهَاَ يَدُ الْحَطَّابِ مِنْ أَصْلِ *****2
أَلِلنّحْلَةِ لَمْ تُسْق عَلَىَ شَهْدٍ سِوَىَ الْخَلِّ
أَلِي ؟مُتَشَظِّيَاً أَجْمَعُ مِنْ شِدْقِ الرِّيَاَحِ
شَتاَتَ شَمْلٍ وَمَاَ مِنْ جَاَمِعٍ شَمْلِي
تَجَهَّمَنِي رِعَاَعُ الرُّومِ مِنْ حَوْلِي
كَأنِّي طَاَلِعٌ مِنْ عَاَلَمٍ سُفْلِي
فَلَمْ أَسْمَعْ صَباَحَ الْخَيْرِ مِنْ سَنَوَاَتْ
مِنْ رَائِحٍ أَوْ آتْ
سِوَىَ اللّحْظَةِ مِنْ طِفْلٍ
يُحَيِّي وَهْوَ مُبْتَسِمٌ : صَبَاحَ الْخَيْر
أَزَاَلَ نَوَاَزِلَ الْحَسَرَاَتْ
وَأَحْيَاَ حِينَ حَيَّا!!
لَمْ يُرِدْ مِنْ مُدْقَعٍ شَيَّا
وَمِثْلَ الْعِيدِ بَرَّ وَفَاَتْ
صَباحُ الْخَيْرِ مِنْ فَمِ صَبِي
لِمُهُجَةٍ فِي طَاَحُونَةِ الْهَمِّ مَعْصُورَةْ
يَمُدُّ الْقَلْبَ فِي كَفِّهِ قَمْحَاً لِعُصْفُورَةْ
هَلُمِّي نَقِّرِي مَاَلِي أَرَاَكِ
جَفَلْتِي مَذْعُورَةْ !!
اطْمَئِنِّي لاَ يَزَاَلُ هُنَاَكَ بَعْضُ الْخَيْرِ .....
صَبَاَحَ الْخَيِرِ .... مَاَأَكْثَرَ مَاَأَعْطَيْت
صَبَاحَ الْخَيِرِ .... ثُمّ نأَيْت
دَفَنْتُ الْكَنْزَ فِي نَفْسِي
لَفْتَتُهُ، بَسْمَتُهُ وَتَحِيَّتُهُ
فإِذَاَ مَاَاحْتَجْتُ فِي يَوْمٍ
إِلَى حُبٍّ بَرِئٍ مَاَبِهِ مِنْ ضَيرْ
نبَشْتُ الْكَنْزَ
فَإِذَاَ هُوَ مَاَسَاَتْ
تَشِعُّ وَإِنْ تَكُنْ كَلِمَاَتْ
صَباَحَ الْخَيْر...
رَجَعْتُ الْيَوْمَ دُونَ مَسَرَّةٍ مَسْرُورْ
يُغَرّدُ فِي قَلْبِي قَافِزَاً شَحْرُورْ
وملءُ جَوَاَنِحِي نَاَفوُرَةٌ مِنْ نُورْ...
مَرَايَا بهْجَةٍ وَحُبُورْ......
وَانْهَدَّ مِن سِجْنِ النَّفْسِ وَالْغُرْبَةِ سُورْ ......
لأَنَّ طِفْلاً صَغِيَراً صَاَحَ بيِ فِي بَسْمَةٍ بُونْجُور.ْ....
فَرَدَّدَ كُلُّ مَاَفِي الْكَوْنِ إِكْرَاَمَاً لَهُ
بُونْجُورْ... بُونْجُورْ... بُونْجُورْ.
*** 1- صلاح حينما تقدم به العمر زاد وزنه وصار يتأرجح في مشيته يمنه ويسره مثل طائر البطريق
*** 2- الحطاب يقصد (جعفر النميري) الذي أعدم أعز أصدقاء الشاعر منهم زوج أخته فاطمة الشفيع أحمد الشيخ
بُونْجُورْ لِلشَّاَعِرِ الْسُّودَانِي: صَلاَح أَحْمَد إِبْرَاَهِيم
إِهْدَاَءٌ:
إِلَى ذَلِكَ الطَّفْلُ الْبَاَرِيسِي الَّذِي الْتَقَاَنِي فِي طَرِيقٍ خَاَلٍ فِي صَبيِحَةِ أَحَدِ الآحَاَدِ، فَلَمْ يُفْزِعْهُ شَكْلِي وَلَوْنِي وَحَيَّاَنِي : صَباَحَ الْخَيْر.. وَهْوَ مُبْتَسِمٌ وَذَهَبَ غَيْرََمُدْرِكٍ أَيَّ بَهْجَةٍ فَجَّرّهَاَ فِي نَفْسِي، فَإِليْهِ وَإِلَىَ كُلِّ طِفْلٍ صَغِيٍرٍ مِثْلِهِ أَدْخَلَ السُّرُورَ فِي قَلْبٍ تَكَسَّرَتِ النِّصَاَلُ فِيهِ عَلَىَ النِّصَاَلْ بِابْتِسَاَمَةٍ حُلْوَةٍ وَنَظْرَةٍ عَاَبِرَةٍ لاَ يَطَاَلُهَاَ حَتَّىَ الْكِبَاَرُمِثْلِي مِمَّنْ شَوَّهَتْ نُفُوسَهُمُ قَسَاَوَةُ الْحَيَاَةِ وَطَبِيعَةُ حَيَوَاَنِهَاَالنَّاَطِقْ..... وَإِلَى صَدِيقَتِي الشَّاَعِرَة الأسْبَاَنِيَّة أَيمَا الْمَغْرِبِيَّة الأَصْل وَالّتِي لَمْ تَتَمَاَلَكْ دُمُوعَهَافِي مَقْهَىً عَاَم بِبَارِيسَ وَهْيَ تَسْمَعُ قَصِيدَتِي وَتَتَفَهَّمُ فِيهَاَ مَأْسَاَتِي الّتِي أَبْكَتْ عَيْنَيْهَاَ الْجَمِيلَتَيْنِ بحَق....".
تَمَاسَكَتْ بيَ الَّليَاَلِي وَالصَّبَاَحَاَتُ مِنْ ضِيقٍ لِضِيقِ
وَضِيقٍ دَاَخِلٍ فِي ضِيقْ
وَضِيقٍ خَاَرِجٍ مِنْ ضيقْ
وَأَنَا بِمِثْلِ مِشْيَةِ طَاَئِرِ البَطْرِيقْ **** 1
وَمِمَّاَ بِي إخْتِنِاقُ غَرِيقْ
كَأنّي الدَّائمُ التِّطْوَاَفِ فِي أسْطُورِةِ الإغريقْ
لأسْمَعَ- شَاَرِدَ اللُّبِّ ... مُبَاَغَتةً صَبَاَحَ الْخَيْر....!....!
صَبَاَحُ الْخَيْرِ تَجْرِي عَلَىَ فَمِ صَبِي !!
كَيَنبْوُعِ الصَّفَاَ الْمُتَوَاثِبِ الْعَذْبِ
تَفَجّر بالبَشَاَشَاَتِ....انْتِشَاءَ الكَأْسِ بالْحَبَبِ
وَلَمْ يَكُ غيْرَ صَبِي
جَدَّ فِي التّبْكِيرِ صَبِبحَة ذَلِكَ الأحَدِ
تَلقّانِي بِعَرْضِ طَرِيقٍ خَلاَ لَوْلاَهُ مِنْ أَحَدِ
يُحيِّيّ وَهْوَ مُبْتَسِمٌ .... صَباَحَ الْخَيْر!!
صَباح الْخَيْرِ تُرَدِّدُهَاَ شِفَاهُ صَغِيرْ
مَاَ تَحَاَشَاَني.... وَلَكِنْ سَاَرَ فِي ظِلِّي
وأَنَا كَيوُسُفَ فِي غُيَاَبَةِ بِئْر
تَلمَّسَ عُقْدَةَ الْحَبْلِ
صَبَاحُ الْخَيْر .... صَدَاَهَا هَزّنِي كُلّّي
عَطِيّةُ مُنْعِمٍ لِفَقِيْر...
صَباَحَ الْخَيْرِ يَاَ نَفْسِي تُرَدّدُهَاَ شِفَاَهُ صَغِير!!!
... أهَلْ لِي؟؟
أَلِلْمَقْذُوفِ فِي زَنْزَاَنَةِ الْمَنْفَىَ بلاَ زَاَدٍ وَلاَ أَهْلِ
أَلِلنّخْلَةِ جَزّتْهَاَ يَدُ الْحَطَّابِ مِنْ أَصْلِ *****2
أَلِلنّحْلَةِ لَمْ تُسْق عَلَىَ شَهْدٍ سِوَىَ الْخَلِّ
أَلِي ؟مُتَشَظِّيَاً أَجْمَعُ مِنْ شِدْقِ الرِّيَاَحِ
شَتاَتَ شَمْلٍ وَمَاَ مِنْ جَاَمِعٍ شَمْلِي
تَجَهَّمَنِي رِعَاَعُ الرُّومِ مِنْ حَوْلِي
كَأنِّي طَاَلِعٌ مِنْ عَاَلَمٍ سُفْلِي
فَلَمْ أَسْمَعْ صَباَحَ الْخَيْرِ مِنْ سَنَوَاَتْ
مِنْ رَائِحٍ أَوْ آتْ
سِوَىَ اللّحْظَةِ مِنْ طِفْلٍ
يُحَيِّي وَهْوَ مُبْتَسِمٌ : صَبَاحَ الْخَيْر
أَزَاَلَ نَوَاَزِلَ الْحَسَرَاَتْ
وَأَحْيَاَ حِينَ حَيَّا!!
لَمْ يُرِدْ مِنْ مُدْقَعٍ شَيَّا
وَمِثْلَ الْعِيدِ بَرَّ وَفَاَتْ
صَباحُ الْخَيْرِ مِنْ فَمِ صَبِي
لِمُهُجَةٍ فِي طَاَحُونَةِ الْهَمِّ مَعْصُورَةْ
يَمُدُّ الْقَلْبَ فِي كَفِّهِ قَمْحَاً لِعُصْفُورَةْ
هَلُمِّي نَقِّرِي مَاَلِي أَرَاَكِ
جَفَلْتِي مَذْعُورَةْ !!
اطْمَئِنِّي لاَ يَزَاَلُ هُنَاَكَ بَعْضُ الْخَيْرِ .....
صَبَاَحَ الْخَيِرِ .... مَاَأَكْثَرَ مَاَأَعْطَيْت
صَبَاحَ الْخَيِرِ .... ثُمّ نأَيْت
دَفَنْتُ الْكَنْزَ فِي نَفْسِي
لَفْتَتُهُ، بَسْمَتُهُ وَتَحِيَّتُهُ
فإِذَاَ مَاَاحْتَجْتُ فِي يَوْمٍ
إِلَى حُبٍّ بَرِئٍ مَاَبِهِ مِنْ ضَيرْ
نبَشْتُ الْكَنْزَ
فَإِذَاَ هُوَ مَاَسَاَتْ
تَشِعُّ وَإِنْ تَكُنْ كَلِمَاَتْ
صَباَحَ الْخَيْر...
رَجَعْتُ الْيَوْمَ دُونَ مَسَرَّةٍ مَسْرُورْ
يُغَرّدُ فِي قَلْبِي قَافِزَاً شَحْرُورْ
وملءُ جَوَاَنِحِي نَاَفوُرَةٌ مِنْ نُورْ...
مَرَايَا بهْجَةٍ وَحُبُورْ......
وَانْهَدَّ مِن سِجْنِ النَّفْسِ وَالْغُرْبَةِ سُورْ ......
لأَنَّ طِفْلاً صَغِيَراً صَاَحَ بيِ فِي بَسْمَةٍ بُونْجُور.ْ....
فَرَدَّدَ كُلُّ مَاَفِي الْكَوْنِ إِكْرَاَمَاً لَهُ
بُونْجُورْ... بُونْجُورْ... بُونْجُورْ.
*** 1- صلاح حينما تقدم به العمر زاد وزنه وصار يتأرجح في مشيته يمنه ويسره مثل طائر البطريق
*** 2- الحطاب يقصد (جعفر النميري) الذي أعدم أعز أصدقاء الشاعر منهم زوج أخته فاطمة الشفيع أحمد الشيخ
خدورة أم بشق- مشرف منتدى الشعر
رد: مصطفى سند وصلاح أحمد إبراهيم
قال صلاح في قصيدته محاكمة الشاعر للسلطان الجاير ويقصد النميري حينما أعلن تدينه:
سبحته من حبال المشنقة المرفوعة
جلابيته من كفن الشهيد مقطوعة
صحة عضله من مرض الأهالي وجوعها
أب فاتورة من لبن الرضيع مدفوعة
سبحته من حبال المشنقة المرفوعة
جلابيته من كفن الشهيد مقطوعة
صحة عضله من مرض الأهالي وجوعها
أب فاتورة من لبن الرضيع مدفوعة
خدورة أم بشق- مشرف منتدى الشعر
رد: مصطفى سند وصلاح أحمد إبراهيم
وقال أيضاً صلاح:
من قصائد الشاعر: صلاح أحمد إبراهيم .
و رميت رأسي في يدي
ما تنفع الشكوى، وشعرك جف بالشعر الخيال
و كأن راسي في يدي
روحي مشقشقة بها عطش شديد للجمال
وعلى الشفاه الملح واللعنات والألم المحنط بالهزال
وكان رأسي في يدي
ساقاي ترتجفان من جوع ومن عطش ومن فرط الكلال
وأنا أفتش عن ينابيع الجمال
وحدي بصحراء المحال ...
بسراب صحراء المحال ...
بسموم صحراء المحال ...
أنا والتعاسة والملال
وكان رأسي في يدي
والمركبات تهزني ذات اليمين أو الشمال
والمركبات تغص بالنسوان واللغط الشديد وبالرجال
وكان رأسي في يدي
مازال يقذفني اللعين كأنه الغربال من أقصى اليمين إلى الشمال
وبقلبي الأمل المهشم والحنين إلى الجمال
والوحشة الغرَّاء والنور المكفن بالطلال
وخلو أيامي ورأسي في يدي
* * *
ورفعت رأسي من جحور كآبتي
وأدرت عيني في المكان
وكنت أنت قبالتي
عيناك نحوي تنظران
عيناك ... وأخضر المكان
وتسمرت عيناي في عينيك ماعاد المكان أو الزمان
عيناك بسْ !!
ومسكت قوس كمانتي
عيناك إذ تتألقان
عيناك من عسل المفاتن جرتان
عيناك من سور المحاسن آيتان
عيناك مثل صبيتين
عيناك أروع ماستين
(هذا قليل)
عيناك أصدق كلمتين
عيناك أسعد لحظتين
(هذا أقل)
عيناك أنضر روضتين
عيناك أجمل واحتين
(ما قلت شئ)
عيناك أطهر بركتين من البراءة
نزل الضياء ليستحم بها، فألقى عند ضفتها رداءه
الفتنة العسلية السمراء
والعسل المصفى والهناء
وهناك أغرق نفسه
(عجز الخيال)
عيناك فوق تخيلي
فوق انطلاق يراعتي
فوق انفعال براعتي
عيناك فوق تأملي
* * *
ومضيت مأخوذاً وكنت قد اختفيت
من أنت ؟ ما اسمك يا جميل ؟
وكنت من أي الكواكب قد أتيت وقد اختفيت
* * *
مازلت تملأ خاطري مثل الأريج
كصدى أهازيج الرعاة تلمه خضر المروج
كبقية الحلم الذي ينداح عن صبح بهيج
ومضيت مأخوذاً وكنت قد اختفيت
ومضت ليال كالشهور فما ظهرت ولا أتيت
وأنا أسائل عنك في الليل القمر
وأنا أفتش في ابتسامات الرضا ... لك عن أثر
في كل ركن سعادة لك عن أثر
في كل نجم خافق
في كل عطر عابق
في كل نور دافق
لك عن أثر
حتى لقيتك أنت تذكر في ضحى
من غير ميعاد وغير تعمد
ولمحت وجهك فجأة وظللت مشدوهاً بهول المشهد
وتزلزلت روحي ونطَّ القلب يهتف صائحاً
هو نفسه ... هو نفسه
وتفتَّح
وكأن ليلاً أصبح
ووقفت في أدب وفي فرط احتشام
ومددت كفي بالسلام
لكن كفك في الطريق ترددت وتعثرت
وامتد في عينيك ظل توجس
وكأنما كفي حرام
وكأنما قتلت حسيناً، أو رمت بالمنجنيق قداسة البيت الحرام
لكنني لم أنبس
وخنقت في صدري كلام
وحبست في حلقي ملام
ومضيت مغتاظاً أضمد مهجتي
ألم من فوق التراب كرامتي
وأسب يوماً كنت تجلس أنت فيه قبالتي
* * *
ولكم دعوتك كم دعوتك
بيد أنك لم تلبي
مازلت تخشى أن ترى
نوري وتغرق نورك الوضاح في أرجاء قلبي
وتخاف لمس أناملي
وتخاف قلبك أن يجيب، تخاف من خطوات حبي
لك ما تشاء !! .. فلسوف أغلق جنتي
ولسوف أطفئ نورك الخابي وأوقد شمعتي
ولسوف أطرد طيفك المغرور أنفيه لأقصى بقعة
ولسوف أتركه لتنهشه مخالب غضبتي
وألمُّ من فوق التراب كرامتي
وأسب يوماً كنت تجلس أنت فيه قبالتي
* * *
حتى لقيتك أنت تذكر من جديد
في ذلك الركن القصي بذلك البلد البعيد
إذ جئت تخطر نحونا وكأن وجهك يوماً عيد
ماذا يريد ؟
وهفا الفؤاد ... هفا ؟ فقمت نهرته
وهتفت ما شأني به ... وزجرته
وذكرت أنك طالما عذبته وأهنته
ولويت رأسك يا عنيد
وأتيت مبتسماً وفي عينيك ألوان الحنان
ماذا هناك ؟
ومددت كفك بالسلام
لا لم تعد تلقي يداه الاتهام
وتقول كفّاه بأن يدي حرام
لا لم يعد
ودفنتُ في أرجاء كفك راحتي
وضممتها ... وضممتها
ورميت قلبي في ذراعيْ بهجة
وحمدتُ يوماً كنت تجلس أنت فيه قبالتي
من قصائد الشاعر: صلاح أحمد إبراهيم .
و رميت رأسي في يدي
ما تنفع الشكوى، وشعرك جف بالشعر الخيال
و كأن راسي في يدي
روحي مشقشقة بها عطش شديد للجمال
وعلى الشفاه الملح واللعنات والألم المحنط بالهزال
وكان رأسي في يدي
ساقاي ترتجفان من جوع ومن عطش ومن فرط الكلال
وأنا أفتش عن ينابيع الجمال
وحدي بصحراء المحال ...
بسراب صحراء المحال ...
بسموم صحراء المحال ...
أنا والتعاسة والملال
وكان رأسي في يدي
والمركبات تهزني ذات اليمين أو الشمال
والمركبات تغص بالنسوان واللغط الشديد وبالرجال
وكان رأسي في يدي
مازال يقذفني اللعين كأنه الغربال من أقصى اليمين إلى الشمال
وبقلبي الأمل المهشم والحنين إلى الجمال
والوحشة الغرَّاء والنور المكفن بالطلال
وخلو أيامي ورأسي في يدي
* * *
ورفعت رأسي من جحور كآبتي
وأدرت عيني في المكان
وكنت أنت قبالتي
عيناك نحوي تنظران
عيناك ... وأخضر المكان
وتسمرت عيناي في عينيك ماعاد المكان أو الزمان
عيناك بسْ !!
ومسكت قوس كمانتي
عيناك إذ تتألقان
عيناك من عسل المفاتن جرتان
عيناك من سور المحاسن آيتان
عيناك مثل صبيتين
عيناك أروع ماستين
(هذا قليل)
عيناك أصدق كلمتين
عيناك أسعد لحظتين
(هذا أقل)
عيناك أنضر روضتين
عيناك أجمل واحتين
(ما قلت شئ)
عيناك أطهر بركتين من البراءة
نزل الضياء ليستحم بها، فألقى عند ضفتها رداءه
الفتنة العسلية السمراء
والعسل المصفى والهناء
وهناك أغرق نفسه
(عجز الخيال)
عيناك فوق تخيلي
فوق انطلاق يراعتي
فوق انفعال براعتي
عيناك فوق تأملي
* * *
ومضيت مأخوذاً وكنت قد اختفيت
من أنت ؟ ما اسمك يا جميل ؟
وكنت من أي الكواكب قد أتيت وقد اختفيت
* * *
مازلت تملأ خاطري مثل الأريج
كصدى أهازيج الرعاة تلمه خضر المروج
كبقية الحلم الذي ينداح عن صبح بهيج
ومضيت مأخوذاً وكنت قد اختفيت
ومضت ليال كالشهور فما ظهرت ولا أتيت
وأنا أسائل عنك في الليل القمر
وأنا أفتش في ابتسامات الرضا ... لك عن أثر
في كل ركن سعادة لك عن أثر
في كل نجم خافق
في كل عطر عابق
في كل نور دافق
لك عن أثر
حتى لقيتك أنت تذكر في ضحى
من غير ميعاد وغير تعمد
ولمحت وجهك فجأة وظللت مشدوهاً بهول المشهد
وتزلزلت روحي ونطَّ القلب يهتف صائحاً
هو نفسه ... هو نفسه
وتفتَّح
وكأن ليلاً أصبح
ووقفت في أدب وفي فرط احتشام
ومددت كفي بالسلام
لكن كفك في الطريق ترددت وتعثرت
وامتد في عينيك ظل توجس
وكأنما كفي حرام
وكأنما قتلت حسيناً، أو رمت بالمنجنيق قداسة البيت الحرام
لكنني لم أنبس
وخنقت في صدري كلام
وحبست في حلقي ملام
ومضيت مغتاظاً أضمد مهجتي
ألم من فوق التراب كرامتي
وأسب يوماً كنت تجلس أنت فيه قبالتي
* * *
ولكم دعوتك كم دعوتك
بيد أنك لم تلبي
مازلت تخشى أن ترى
نوري وتغرق نورك الوضاح في أرجاء قلبي
وتخاف لمس أناملي
وتخاف قلبك أن يجيب، تخاف من خطوات حبي
لك ما تشاء !! .. فلسوف أغلق جنتي
ولسوف أطفئ نورك الخابي وأوقد شمعتي
ولسوف أطرد طيفك المغرور أنفيه لأقصى بقعة
ولسوف أتركه لتنهشه مخالب غضبتي
وألمُّ من فوق التراب كرامتي
وأسب يوماً كنت تجلس أنت فيه قبالتي
* * *
حتى لقيتك أنت تذكر من جديد
في ذلك الركن القصي بذلك البلد البعيد
إذ جئت تخطر نحونا وكأن وجهك يوماً عيد
ماذا يريد ؟
وهفا الفؤاد ... هفا ؟ فقمت نهرته
وهتفت ما شأني به ... وزجرته
وذكرت أنك طالما عذبته وأهنته
ولويت رأسك يا عنيد
وأتيت مبتسماً وفي عينيك ألوان الحنان
ماذا هناك ؟
ومددت كفك بالسلام
لا لم تعد تلقي يداه الاتهام
وتقول كفّاه بأن يدي حرام
لا لم يعد
ودفنتُ في أرجاء كفك راحتي
وضممتها ... وضممتها
ورميت قلبي في ذراعيْ بهجة
وحمدتُ يوماً كنت تجلس أنت فيه قبالتي
خدورة أم بشق- مشرف منتدى الشعر
رد: مصطفى سند وصلاح أحمد إبراهيم
وأخرى رائعة لصلاح في رثاء أخيه الصغير
مرثية بعد قرابة خمسين عاماً لطفل اسمه حسن ....... الشاعر السوداني صلاح أحمد إبراهيم
مقدمة بقلم صلاح نفسه :-
قادتني أُمِّي في وقار وجلد ممسكة بسبحة تستعين بها على الصبر الجميل والسلوان ، يقيناً منها أنْ غير لائقٍ بها أن تُبدي أمام ربها إلاَّ الرِّضا والْحمدَ في هذا الامتحان، يعلم العلاَّمُ وحدُه، أَيَّ حجر عصرتْ به مهجتها،وأَيَّةَ نيرانٍ حاشتها في حشاها كي يبدو وجهها على مابدا عليه وكأنّه قُدَّ من صٌوان، تنزُّهاً منها أن تشي قسماتها بأقل امتعاضٍ أو ضعف لأن الله أخذ وليدها ذاك. همست لي بحنو شديد بمثلما فعلت مع أخواتي : تعال قبّل أخاك قبلة الوداع الأخير. في الغرفة الموصدة أبوابها ، غرفة الموت المعتمة، كان (حسن) مُسجّىً بطوله على السرير مغمضاً جفنيه كالنائم، جميلاً ونضراً بأكثر مما كان عليه حيّاً ، وعلى محياه سكينة مطلقة هي سكينة الموت.
انحنيتُ ألثم جبينه البارد في تؤدة وتساؤل داخلي. لم أُزد ولم أُطِلْ . ثم أخذوني عنه في الصمت المشبّع بالرهبة، بعدها أدرجوه الكفن وحملوه إلى أين لا أدري حيث دفن. هكذا انقلبت الفرحة ترحة والضوضاء الضاحكة همساً وخفوتا وبكاءً مكبوتا ....... كنتُ مختوناً أتمشى بلأي أجرُّ قدميّ جراً خطوة خطوة فالجرح جديد. عارياً إلا من قميص طويل أشدُّده بعيداً عن وسطي بأطراف أصابعي المخضوبة حناءً ، ورسغي الذي يتدلى منه (الجرتق الأحمر) متماشياً بالمسابح والقلائد التي على صدري ببطء شديد وحذر ، بجرحين طازجين أكبرهما وأكثرهما إيلاماً ذلك الذي في صميمي لا يبرأ قط ما حييت..!!!وحتى تركنا بيتنا ذاك في حي العباسية بأم درمان، ظل يستوقفني على جدار فيه ما بين حينٍ وحين أثرُ طيني أحدثته كرة قذف بها حسن على الجدار وكذلك مسحة بيده العالق بها بعض الطين....أثرٌ يذكرني دائماً به وبمراحنا ومزاحنا وعبثنا الطفولي نحن الاثنين كلما وقعت عليه العين ..بل مابرح ذلك الأثر الطيني منذ غادرنا ذلك البيت لاصقاً بجدار ذاكرتي لاينمحي .
اليوم خطر لي (حسن) بلا مناسبة، بكيت كما لم أبكِ عليه قط قرابة خمسين عاماً مرت عليّ بدون (حسن). بكيت وكأنه مات لتوه وبأحر مما فعلت آنذاك !!! فرأيتُ قبل أن ألحقَ به في زمان آت أن تعرف شيئاً عما كان عليه (حسن) خلال عُميره القصير وكيف مات (حسن) يوم ختاني ، لذا أمسكت بالقلم وكتبت هذه الانطباعات تأريخاً لحسن وتخليداً له.
بعد وفاته كبرتُ بدونه، وكثيراً ماكنت أتساءل ماذا كنا سنقوم به معاً إذا كان قد كبر معي وبجانبي ، وماذا سيكون عليه (حسن) إذا كبر ؟ ، فتزداد حسرتي عليه، ولكن أحمَدُ اللهَ على حكمته التي تجل عن الأفهام ولكل نفسٍ أجل لا يُقدَّم ولا يُؤخّر ...."
ولقد عَانيتُ ، عَانيتُ مِرَاراً ومَريرَا
مِثْلَمَا أنذرَنِي عَارِفُهَا طِفلاً غَريرا.
وَقتَ أن مَاتَ أَخِي ذَاكَ الصَّباحْ
أَتشهَّى الرِّحلةَ الكبرى إلى المجهول
بيَ توْقٌ وشوْقٌ واصْتِناتْ
فلعلّيَ سامعٌ صوْتاً ينادِي
مِن مكانٍ ما... خضيرٍ وندِي
صوتَ عصفورٍ رشيق الرّفرفات
ذهبيُّ الريشِ في مِفرقهِ تاجٌ أنيقٌ هُدهُدي
قافِزاً من فننٍ يصدحُ فيهِ لِفننْ
عَاتباً ما بينَ جَدٍّ ومِزاحْ
أخيراً أخيراً يا(صلاح) !!
بعدَ ما طالَ ارتقابي لك...
يوماً بعد يومٍ ، بعد يومٍ كل هذي السنوات
ماتغيرتَ كثيراً يا (صلاح)
كم تغيَّرتَ كثيرا...
مرحباً !!
******
كاختفاء الشُّهبِ فجأةً
فجأةً
في خضم الظلمات الدَّامسة
مات حسنْ ..
حسن كان شقيقي وصديقي ورفيقَ اللعبِ
ماتَ دون الخامسة
ماتَ لم نعْدُ معاً للمدرسة
ماتَ أُميّاً (حسنْ)
*******
كانَ ما أحلاهُ ذاكَ الصَّبي
بإهابٍ بينَ أُمي وأبي
سُمرةُ البوصِ وكاكاوٌ تمَاهى بلبنْ
وبدنْ
فيه معنىً من شهيِّ الرُطبِ
وتزاويقِ مناقيشِ اليمنْ
ومشعّاً نيّراً .. كانَ (حسنْ)
كثُريّا انحبَسَ النّورُ بها في مُحْتقنْ
فاذا مُرجِحَ بلُّورُها الصّافي انقدحْ
ببريقٍ
نَاشِراً في قلبها قوسَ قُزحْ
*******
أيُّ جَفنٍ لم تكنْ تلمعُ فيهِ الحَدَقاتْ
كُلَّما احْلوْلَى (حسن).......
ورؤوسٍ لم تكن تتبعُ مغناطيسَهُ بالتِفاتْ
أينما أبدعَ (حسن)
بينما الأُمَّاتُ يخشيْنَ عليهِ النازِلاتْ
فيُعَوّذْنَ بحَرَزٍ، وبخُورٍ، وصلاةٍ للنبي
ومع ذلك ماتْ
انغِماسُ الشُّهُبِ
فجاةً
في مِدادِ الظلماتْ
*******
ماتَ والأهلُ جميعَاً في فرحْ
بختاني ــ (حسن) لم يُختتنْ
ماتَ في يومٍ كَمَنْ
شبحُ الموتِ لهُ في الملعب
جرَّهُ من يدهِ ، نتلاً بدائياً وقِحْ
لم يُتِحْ لي منهُ إلاَّ حَسَوَاتْ
شعشعتني ثُمَّ أُهرِيقَ القدحْ
******
وآهٍ ما أسعدَه ذاكَ الضُّحى
مُتَبَاهي ..مفتتنْ
بأخيهِ في الحَريرة...
والذريرة
وهلال الذَهب
ضاحِكاً ، مُستضْحِكاً ، عذباً لذيذَ التُرُهاتْ
جَزِلَ اليخضُور ، فِي أينَعَ مَا يَزهُو نباتْ
دائراً في الحَفلِ نَافورَة بهْجَة ...
ومَرحْ
بُرْعُماً باكَرَهُ الطَّلُّ مع أوَّلِ نَجْمَه
فاصطبحْ
واصطفانا بشذىً من أرَجِ الفِردوسِ
ينْداحُ غمامَاً فاغِماً ، صحَّى الخياشيم وفاتْ
ضاع من ذائقةِ الطِّيبِ بلا رُجعى...
ولكن حَدَسناه بتلك النَّفحَاتْ
فإذا الذّاكرةُ الجَوْعَى رئاتْ
تتضاغَى بأكفٍّ ضَارِعَاتْ
وعُيونٍ شَرِقاتٍ ، زائِغَاتْ
لهفتَا أيْنَ (حسن) ..؟
أيْنَ (حسن) .؟ أيْنَ (حسن) ؟
******
بَغتةً غاضَتْ من الوَجْهِ الْحسَنْ
والثَّنَايَا ..البَسَمَات
أَنَّ من حُمّى حَرِيقاً صُهْدُهَا يَشوِي الْبَدنْ
خِرْقةً مَعْطُونَةً ، مُنْخَطِفَ اللَّون انطرَحْ
شَاخِصَاً نحْوي بتهْويمٍ كَمَنْ
تلَّه التَّخديرُ ، أو أثقَلَ جَفنيهِ الوَسَنْ
آيساً ..؟
أم تُرَى مُسْتنْجدَاً
بي......
والْمَنايِا أَنْشبتْ في لَحْمهِ بالمِخلَبِ
وبمنقارٍ كسَاجُور (سُليمانَ) حَدِيدِي
وأقلَّته جميعاً بجنَاحْ
لِبَعيدٍ ... فبعِيدٍ ..فبعيدِ
بمَ يُجدِي
وقتهَا إنْ يَدَهُ .. نادتْ يَدي
وهيَ تسْتجدي عصيَّ الْمَددِ
أوْ أجابت أمُّه عاجزةً : إنّي هُنا ياكَبدي ...
أو أهابتْ أختهُ جَازِعةً : إبقِ (حَسَن)
إبقِ (حَسَن)...إبقِ (حَسَن)
*******
كيْفَ يَبقى ؟ وتقضَّى العمر ، كلُّ العُمر .. إلاَّ بُرهَةً
هيَ تلكَ اللَحظاتْ
ناظِراً إليَّ بازورارِ الشمس عِندَ الْمغربِ
مالذي يَمْلك أنْ يورثنيهُ غيرَ تلكَ النظراتْ
غائمَاتٍ بوداع ، رُبَّما ، أو موْعِد
حِينَ سَاقوني منه.. و(حَسَنْ)
أسْبَلَ الْهُدبَ ، وأسرى في السبات الأبدي
*******
قِيلَ لِي لا تُؤذِهِ يا ولَدي ببكاءٍ ، فحَسَن
راحَ للخُلد ملاكاً واستراحْ
من مُعاناةٍ ستبلوها كبيراً في غدِ
بين شكوى وحَزَنْ
حسنُ راح سَريعاً هَكَذَا ..(حسنْ)
فِديةً وزكاةً
وشفِيعَاً ... لكُم
لاَ تبكِيَنْ .. ياولدي .. لاَ تبكِيَنْ (حَسَنْ)
سَتُلاقِيهِ .... وإنْ طالَ الزَّمنْ !!!
مرثية بعد قرابة خمسين عاماً لطفل اسمه حسن ....... الشاعر السوداني صلاح أحمد إبراهيم
مقدمة بقلم صلاح نفسه :-
قادتني أُمِّي في وقار وجلد ممسكة بسبحة تستعين بها على الصبر الجميل والسلوان ، يقيناً منها أنْ غير لائقٍ بها أن تُبدي أمام ربها إلاَّ الرِّضا والْحمدَ في هذا الامتحان، يعلم العلاَّمُ وحدُه، أَيَّ حجر عصرتْ به مهجتها،وأَيَّةَ نيرانٍ حاشتها في حشاها كي يبدو وجهها على مابدا عليه وكأنّه قُدَّ من صٌوان، تنزُّهاً منها أن تشي قسماتها بأقل امتعاضٍ أو ضعف لأن الله أخذ وليدها ذاك. همست لي بحنو شديد بمثلما فعلت مع أخواتي : تعال قبّل أخاك قبلة الوداع الأخير. في الغرفة الموصدة أبوابها ، غرفة الموت المعتمة، كان (حسن) مُسجّىً بطوله على السرير مغمضاً جفنيه كالنائم، جميلاً ونضراً بأكثر مما كان عليه حيّاً ، وعلى محياه سكينة مطلقة هي سكينة الموت.
انحنيتُ ألثم جبينه البارد في تؤدة وتساؤل داخلي. لم أُزد ولم أُطِلْ . ثم أخذوني عنه في الصمت المشبّع بالرهبة، بعدها أدرجوه الكفن وحملوه إلى أين لا أدري حيث دفن. هكذا انقلبت الفرحة ترحة والضوضاء الضاحكة همساً وخفوتا وبكاءً مكبوتا ....... كنتُ مختوناً أتمشى بلأي أجرُّ قدميّ جراً خطوة خطوة فالجرح جديد. عارياً إلا من قميص طويل أشدُّده بعيداً عن وسطي بأطراف أصابعي المخضوبة حناءً ، ورسغي الذي يتدلى منه (الجرتق الأحمر) متماشياً بالمسابح والقلائد التي على صدري ببطء شديد وحذر ، بجرحين طازجين أكبرهما وأكثرهما إيلاماً ذلك الذي في صميمي لا يبرأ قط ما حييت..!!!وحتى تركنا بيتنا ذاك في حي العباسية بأم درمان، ظل يستوقفني على جدار فيه ما بين حينٍ وحين أثرُ طيني أحدثته كرة قذف بها حسن على الجدار وكذلك مسحة بيده العالق بها بعض الطين....أثرٌ يذكرني دائماً به وبمراحنا ومزاحنا وعبثنا الطفولي نحن الاثنين كلما وقعت عليه العين ..بل مابرح ذلك الأثر الطيني منذ غادرنا ذلك البيت لاصقاً بجدار ذاكرتي لاينمحي .
اليوم خطر لي (حسن) بلا مناسبة، بكيت كما لم أبكِ عليه قط قرابة خمسين عاماً مرت عليّ بدون (حسن). بكيت وكأنه مات لتوه وبأحر مما فعلت آنذاك !!! فرأيتُ قبل أن ألحقَ به في زمان آت أن تعرف شيئاً عما كان عليه (حسن) خلال عُميره القصير وكيف مات (حسن) يوم ختاني ، لذا أمسكت بالقلم وكتبت هذه الانطباعات تأريخاً لحسن وتخليداً له.
بعد وفاته كبرتُ بدونه، وكثيراً ماكنت أتساءل ماذا كنا سنقوم به معاً إذا كان قد كبر معي وبجانبي ، وماذا سيكون عليه (حسن) إذا كبر ؟ ، فتزداد حسرتي عليه، ولكن أحمَدُ اللهَ على حكمته التي تجل عن الأفهام ولكل نفسٍ أجل لا يُقدَّم ولا يُؤخّر ...."
ولقد عَانيتُ ، عَانيتُ مِرَاراً ومَريرَا
مِثْلَمَا أنذرَنِي عَارِفُهَا طِفلاً غَريرا.
وَقتَ أن مَاتَ أَخِي ذَاكَ الصَّباحْ
أَتشهَّى الرِّحلةَ الكبرى إلى المجهول
بيَ توْقٌ وشوْقٌ واصْتِناتْ
فلعلّيَ سامعٌ صوْتاً ينادِي
مِن مكانٍ ما... خضيرٍ وندِي
صوتَ عصفورٍ رشيق الرّفرفات
ذهبيُّ الريشِ في مِفرقهِ تاجٌ أنيقٌ هُدهُدي
قافِزاً من فننٍ يصدحُ فيهِ لِفننْ
عَاتباً ما بينَ جَدٍّ ومِزاحْ
أخيراً أخيراً يا(صلاح) !!
بعدَ ما طالَ ارتقابي لك...
يوماً بعد يومٍ ، بعد يومٍ كل هذي السنوات
ماتغيرتَ كثيراً يا (صلاح)
كم تغيَّرتَ كثيرا...
مرحباً !!
******
كاختفاء الشُّهبِ فجأةً
فجأةً
في خضم الظلمات الدَّامسة
مات حسنْ ..
حسن كان شقيقي وصديقي ورفيقَ اللعبِ
ماتَ دون الخامسة
ماتَ لم نعْدُ معاً للمدرسة
ماتَ أُميّاً (حسنْ)
*******
كانَ ما أحلاهُ ذاكَ الصَّبي
بإهابٍ بينَ أُمي وأبي
سُمرةُ البوصِ وكاكاوٌ تمَاهى بلبنْ
وبدنْ
فيه معنىً من شهيِّ الرُطبِ
وتزاويقِ مناقيشِ اليمنْ
ومشعّاً نيّراً .. كانَ (حسنْ)
كثُريّا انحبَسَ النّورُ بها في مُحْتقنْ
فاذا مُرجِحَ بلُّورُها الصّافي انقدحْ
ببريقٍ
نَاشِراً في قلبها قوسَ قُزحْ
*******
أيُّ جَفنٍ لم تكنْ تلمعُ فيهِ الحَدَقاتْ
كُلَّما احْلوْلَى (حسن).......
ورؤوسٍ لم تكن تتبعُ مغناطيسَهُ بالتِفاتْ
أينما أبدعَ (حسن)
بينما الأُمَّاتُ يخشيْنَ عليهِ النازِلاتْ
فيُعَوّذْنَ بحَرَزٍ، وبخُورٍ، وصلاةٍ للنبي
ومع ذلك ماتْ
انغِماسُ الشُّهُبِ
فجاةً
في مِدادِ الظلماتْ
*******
ماتَ والأهلُ جميعَاً في فرحْ
بختاني ــ (حسن) لم يُختتنْ
ماتَ في يومٍ كَمَنْ
شبحُ الموتِ لهُ في الملعب
جرَّهُ من يدهِ ، نتلاً بدائياً وقِحْ
لم يُتِحْ لي منهُ إلاَّ حَسَوَاتْ
شعشعتني ثُمَّ أُهرِيقَ القدحْ
******
وآهٍ ما أسعدَه ذاكَ الضُّحى
مُتَبَاهي ..مفتتنْ
بأخيهِ في الحَريرة...
والذريرة
وهلال الذَهب
ضاحِكاً ، مُستضْحِكاً ، عذباً لذيذَ التُرُهاتْ
جَزِلَ اليخضُور ، فِي أينَعَ مَا يَزهُو نباتْ
دائراً في الحَفلِ نَافورَة بهْجَة ...
ومَرحْ
بُرْعُماً باكَرَهُ الطَّلُّ مع أوَّلِ نَجْمَه
فاصطبحْ
واصطفانا بشذىً من أرَجِ الفِردوسِ
ينْداحُ غمامَاً فاغِماً ، صحَّى الخياشيم وفاتْ
ضاع من ذائقةِ الطِّيبِ بلا رُجعى...
ولكن حَدَسناه بتلك النَّفحَاتْ
فإذا الذّاكرةُ الجَوْعَى رئاتْ
تتضاغَى بأكفٍّ ضَارِعَاتْ
وعُيونٍ شَرِقاتٍ ، زائِغَاتْ
لهفتَا أيْنَ (حسن) ..؟
أيْنَ (حسن) .؟ أيْنَ (حسن) ؟
******
بَغتةً غاضَتْ من الوَجْهِ الْحسَنْ
والثَّنَايَا ..البَسَمَات
أَنَّ من حُمّى حَرِيقاً صُهْدُهَا يَشوِي الْبَدنْ
خِرْقةً مَعْطُونَةً ، مُنْخَطِفَ اللَّون انطرَحْ
شَاخِصَاً نحْوي بتهْويمٍ كَمَنْ
تلَّه التَّخديرُ ، أو أثقَلَ جَفنيهِ الوَسَنْ
آيساً ..؟
أم تُرَى مُسْتنْجدَاً
بي......
والْمَنايِا أَنْشبتْ في لَحْمهِ بالمِخلَبِ
وبمنقارٍ كسَاجُور (سُليمانَ) حَدِيدِي
وأقلَّته جميعاً بجنَاحْ
لِبَعيدٍ ... فبعِيدٍ ..فبعيدِ
بمَ يُجدِي
وقتهَا إنْ يَدَهُ .. نادتْ يَدي
وهيَ تسْتجدي عصيَّ الْمَددِ
أوْ أجابت أمُّه عاجزةً : إنّي هُنا ياكَبدي ...
أو أهابتْ أختهُ جَازِعةً : إبقِ (حَسَن)
إبقِ (حَسَن)...إبقِ (حَسَن)
*******
كيْفَ يَبقى ؟ وتقضَّى العمر ، كلُّ العُمر .. إلاَّ بُرهَةً
هيَ تلكَ اللَحظاتْ
ناظِراً إليَّ بازورارِ الشمس عِندَ الْمغربِ
مالذي يَمْلك أنْ يورثنيهُ غيرَ تلكَ النظراتْ
غائمَاتٍ بوداع ، رُبَّما ، أو موْعِد
حِينَ سَاقوني منه.. و(حَسَنْ)
أسْبَلَ الْهُدبَ ، وأسرى في السبات الأبدي
*******
قِيلَ لِي لا تُؤذِهِ يا ولَدي ببكاءٍ ، فحَسَن
راحَ للخُلد ملاكاً واستراحْ
من مُعاناةٍ ستبلوها كبيراً في غدِ
بين شكوى وحَزَنْ
حسنُ راح سَريعاً هَكَذَا ..(حسنْ)
فِديةً وزكاةً
وشفِيعَاً ... لكُم
لاَ تبكِيَنْ .. ياولدي .. لاَ تبكِيَنْ (حَسَنْ)
سَتُلاقِيهِ .... وإنْ طالَ الزَّمنْ !!!
عدل سابقا من قبل خدورة أم بشق في 7th نوفمبر 2013, 16:18 عدل 3 مرات
خدورة أم بشق- مشرف منتدى الشعر
رد: مصطفى سند وصلاح أحمد إبراهيم
حليل أم دُر ..حليل ناسا...سبدرات يرثي صلاح أحمد إبراهيم
من طرف خدورة أم بشق في السبت أغسطس 31, 2013 3:54 pm
صلاح.. الوضوء بالسيف لصلاة الغربة
هذه مرثية كتبتها ولم يصل جثمان "صلاح أحمد إبراهيم" لأم درمان ونشرت في صحيفة (دارفور الجديدة)، ثم ضاعت مني.. وحين كتبت قبل أيام وذكرت "صلاح" وفقدي فيه وفقدي لأخي وتطابق الفقد على الفقد.. أرسل إلى أخ عزيز نص تلك المرثية.. وحين قرأتها وجدتها "طازجة"، كأني أكتبها الآن.. وهأنذا أعيد نشرها اليوم عسى أن يكف الجرح عن النزف.
"ما بقيت من الكبد فصوص لم تتصدع بعد من طعن سهام الأحزان تكسرت النصال على النصال وظللت أدفن من أفقد من الأحياء في كبدي حتى امتلأت بمئات القروح، ومن يشتري كبداً بذات قروح".
أدفنهم فيها وأقيم (شواهد) من وخز حمى الفقد على كل لحد - حتى لكان كبدي من كثرة القبور أصبحت (شرفي) ومرقد، "البكري"، ومدفن "فاروق"- وآه من صدر حوى فؤاداً تسكنه اللحاد والقبور.
هذا عام الأحزان الكبرى.. الأحزان الطاحنة والأسى المقيم.. نفارق فيه كل صباح فقيداً وكل ضحى عزيزاً وكل مساء حبيباً.. يرحل أهل الإبداع والفن في هرولة وسعي من الدنيا وكأن مفارقة الأحباب لا تكسر خاطراً ولا تعني فراقاً.. ولكأن الفراق والرحيل بالموت نزهة في بستان يغري بالفراق الفجاءة.
كأن فقد "صلاح" خاصة.. كفقد البصر والبصيرة معاً.. وكأن موته بعد التسليم بقدر الله وقضائه موتاً صحيحاً للدنيا.. للدنيا التي كان "صلاح" شمسها وتمام بدرها، ورشاش خريفها و"دَرَت" صيفها وفارس القوافي النجل في دواوين الشعر فيها.
"صلاح" هو جماع جغرافية السودان بكل تضاريس أرض السودان، وتفاعل هذه المناخات بتفاصيل تفاصيل تاريخ السودان، وما أحدثته كل تلك العوامل من تزاوج حلالاً بين الجغرافيا والسكان والتاريخ وما تولدت منه من أمشاج وجينات وخصوبة.. وهو بذلك.. أي "صلاح" غرسها وشجرتها العميقة الجذور في أحشاء قيزان كردفان وكأنه هو التبلدية المستنسخة من قبيلة التبلدي..هو تبليدية امتلأت بالعافية والعنفوان.
"صلاح" (تُرْدة) امتلأت وكأنها تقول للبروق ما بقي فيَّ ما يسع كاساً واحداً. وهو (دونكي) يوم التروية من عطش السنين وهو رهد، كاد أن يقول للمحل أنا ترياق وراوي الحلوق والعمار.
هو (مُخمّس) امتلأت بالكركدي الشفيف الحُمرة.. تأكيداً لري عطش مسافر ألقى للتوّ عصا الترحال.
هو كعصيدة الدخن وقد غرقت في لبن من ضرع يقطر سمناً وعسلاً ولبناً منحه الله المجيد والقادر على امتلاء ضرع أستيأس الناس أن يقطر ولو بقطرة من لبن.
هو تماماً كماء ادخرته بطيخة.. جلبت من النهود مرقداً وحقلاً ومنبتاً، هو حقل (اللوبيا) يغازل قناديل الذرة الشامية.. وفطيرة قمح ملبونة ومسكَّرة الأحشاء في صبحية "حاج" عاد للتو من ضريح ومسجد الرسول الكريم.
هو (كبحَّة) طنبور المحس في ليلة اكتمال رجولة البدر وقد ضج الرطب بالحديث في فم السبائط التي تنادي الأيدي للقطاف السريع.
وهو (نوح) الساقية بعد أن سقت "الفجراوي" لحقول النعناع والليمون. هو تلك الإمالة في حديث فتاة "قشابي" وهي تردد مدحاً للرسول.. عليه الصلاة التامة والتسليم.
هو (عِفّة) الدناقلة من طلب السؤال!
هو سلطان المهابة عند الفور في حضور مجئ "دينار" السلطان المهيب.
هو "شرافة" تزف في اللوح "سورة الناس" إشهاراً لتمام التمام.
هو "مندُولة" يجاور "المنصاص" في النصيص وقد غطى "البرتال" الأنيق ما تحمل "المندولة" من إدام وطعام وعطاء كثيف.
هو مثل ماء قِربة، من جلد وَعَل جلَّده النسيم بهواء عليل.
هو "الوازة" وقد طال عنقها ونغمها وعنفوان عازفها وقد استرسلت في الصهيل والبوح عند قبائل "الوطاويط".
هو "نمَّة" الدوبيت وقد استراحت ترسل نجوى وشكاية وتلهف لرشاش بللت شفاه البطانة مبشرة بخريف خرّيف.
هو "شهقة" البرق الأولى تعلن للطيور موسم الهجرة للعودة "بِطاناً".. بعد "خِماص" طويل.
هو حقل ذُرة تمدد بالفريك في أيدي أبناء سَمسَم و"الرمَّاش".. ببليلة تسد رمقاً وترتف ريق..
هو كوب "آبري" ابترد حتى النخاع ليبل أول ريق لصائم في (الستين)..
هو ومضة لوزة القطن حين تشق صدرها لتبتل في أول دفقة ضوء في الفجر الصادق الوصول..
هو "تأتأة" الترع في محاورة أبو عشرين تتعلم أول أبجدية لغة الارتواء من ماء طهور.
هو عافية "الشوتال".. يعاين الخُلال وفد انغرس في لحم شعر فتى من قبائل "الأرتيقة".. يسامر ربابة أرسلت حنجرتها بغناء حزين.
هو ارتكاز قدم "الفزّي وزي" وقد انكسر المربع العتيد.. و"دقنة" يشهد تلاوة قرآن مشهود يأتي بارد التلاوة بالإخبات والغنة و"ورش" يعانق "حفص" ويحضن "الدوري" عند خلاوى "همشكوريب".
هو شفيف الحزن كحزن "المزاورية" وقد شح الشحن والتفريغ.
هو إكليل "الوَدَك" بجرتق صبية كسلاوية الملمح كأنها تقول أنا من هناك من أحفاد (توتيل).
هو (قهوة) الضحى من بن يمني بهبهان زنجباري عند ضريح "الميرغني" والشريفة "المريم" وأهل الضريح.
هو كوب الشاي ملكاً عند "البرامكة" يعقدون جلسة لـ(المكلي) خرق قانون الشاي بقبضة الكوب خانقاً انطلاقة الرشف.
هو حقل "موز" كسلاوي رضع القاش حتى الفطام وحتى أصيب القاش بشلل الجريان..
هو "قرن ثور" عشقه "التبوسا"، واحتربوا طويلاً لضمه للمراح، ليكون "للواك" علماً وإرثاً.
هو اعتداد أشجار الأبنوس بابتسامة جزعها واستواء فروعها وسمت جلالها ومتانة لحاها وورقها الصقيل الخضرة والنماء.
هو نكهة "الباباي" حيث تشم عَرَق الأراك ... وما بين الاثنين من عمومة وخؤولة ونسب في النكهة والطعم والثمر.
هو "نقارة" المردوم الحار الإيقاع في ضحى يبدأ به موسم الحصاد.
هو انتشار "الزاندي" برقصة بطيئة الإيقاع، متينة الخطى، وحيية الهمس.
هو أم درمان.. بكل ما تصرح وتصدح وتعني به "هنا أم درمان"..
أم درمان بالموردة وزنقارها.. وأولاد موردتها.. وحي العرب.. بأمير ألحانها "ود الريح" و"إبراهيم عوض" وسيفها الباتر "سيف الدين الدسوقي".. ثم هي ودنوباوي، وأميرها المقدام ومسجد الإمام الفسيح الأرجاء.. وهي بحاراتها التي التصقت بجبل كرري وجاوزت شمال كردفان.
هو قرآن بتلاوة "عوض عمر" بنكهة التلاوة الخاصة السمت.. وبهاء زنقار" الذي يكسر صهد الصيف وأم درمان بسوق عناقريبها ومحطتها الوسطى وومض وبُعد كوكب المريخ الذي استقر نادياً.. ثم هي استواء المساء لاستقبال (الهلال) ونشرة الثامنة تعلن الناس برحيل عزيز.. وقد فعلت يوم رحيلك فنعت وهي دامعة العين "صلاح" فتى أم درمان العزيز.
هي قصيدة "حاجة الفول"، وقد زينت ديوانك "غابة الأبنوس" بإنسانيتك الرائعة وشعرك الأنيق.
ثم هو "صلاح" يغازل "مريا" الخلاسية من دم الإغريق وبلازما "الأمهرا"ً وبينهما "فدياس" وقد امتطى الأفق منتشياً بخمرة حلال لا ينزف منها ولا يصبه سكر.
هو (طاقية) المنسج الحمراء كجدلة العريس وقد خرجت شفيفة بشرائط كأوتار الكمنجة.. وقد شنقها ولد يقدل وكأنه وعل (عاجبو خلاه).
هو "عِمَّة" أطرافها شرافة بحرير فضي ناعم الرتق وكأنه رقش على الضوء.
هو "صديري" بلون "القارص".. زهي واختال فوق جلباب ارتداه عريس في "أوسيف".
وشال فضي رقشت أطرافه فتاة من "بربر" بحرير "العُشر".. لشيخ الطريقة القادم من عمرة رمضان.
هو طبقات "ود ضيف الله".. واكتمال شموخ القباب عند "الزريبة". ومنارة "ود العجوز".
هو كتلاوة الفجر يرتلها الشيخ الوالد "أحمد إبراهيم" وبها تتنفس العباسية كل صباح.
هو الوطن تخلَّق نطفة طاهرة استقرت في رحم ودود فولدت نيلاً له يد تسقى ويد تروي.. كما يفعل الأزرق ويتمطى الأبيض الممراح.
هو غضبة "الهبباي" في العتامير تكتسح الزقوم والصبار والهوام.
هو هتاف الصامتين حين يكون الصمت وهو أبلغ الهتاف.
هو "صلاح" الصوفي في السياسة والمجاهد في النصيحة.. والصادق في الشهادة كما مدح.. وبصوت جهير "وداعة" و"الكلس" و"الحافظ عبيد ختم".
هو غابة الأبنوس.. وقد أصبحت توأماً لبوابة عبد القيوم.
هو صلاة الضحى كما يفعل الأوابون.
هو الوضوء بالسيف لصلاة الفجر في الغربة وقد غطى الجليد كل سماء ليطفئ الضوء الأول من الفجر.
هو نحيب السيوف من محبس الغمد والجفر.
هو كالنجومي و"توشكي" تجافيه كما جافاه الساسة وهو وحيد وحزين.
هو يقين الخليفة "ود تورشين" عند افتراش الفروة مستقبلاً الشهادة بالسجود في "أم دبيكرات".
هو خجل الضحى وهو يطوي الظل عن مرقد "ود حبوبة" في أرض الحلاوين.
هو زهو "الكركر" يوم التتويج في حضرة "دنقس" و"أبو شلوخ".
هو صهيل خيل الحق في "رهيد البردي" تنادي "الزاكي طمل" لرد العدوان عن الدين الحنيف.
هو البوصلة التي تشير دوماً لجهة الحق.. ثم ها نحن نراه يموت..
فهل يموت النيل.. وهل يموت السجود في الصلاة، وهل تموت أم درمان؟
يموت الموت ويبقى "صلاح" عصياً على الموت، يحيا في كل الجمل المفيدة التي غنى وكل الأماديح التي سمع وكل العشق لأم درمان.
(حليل أم در.. حليل ناسا )
من طرف خدورة أم بشق في السبت أغسطس 31, 2013 3:54 pm
صلاح.. الوضوء بالسيف لصلاة الغربة
هذه مرثية كتبتها ولم يصل جثمان "صلاح أحمد إبراهيم" لأم درمان ونشرت في صحيفة (دارفور الجديدة)، ثم ضاعت مني.. وحين كتبت قبل أيام وذكرت "صلاح" وفقدي فيه وفقدي لأخي وتطابق الفقد على الفقد.. أرسل إلى أخ عزيز نص تلك المرثية.. وحين قرأتها وجدتها "طازجة"، كأني أكتبها الآن.. وهأنذا أعيد نشرها اليوم عسى أن يكف الجرح عن النزف.
"ما بقيت من الكبد فصوص لم تتصدع بعد من طعن سهام الأحزان تكسرت النصال على النصال وظللت أدفن من أفقد من الأحياء في كبدي حتى امتلأت بمئات القروح، ومن يشتري كبداً بذات قروح".
أدفنهم فيها وأقيم (شواهد) من وخز حمى الفقد على كل لحد - حتى لكان كبدي من كثرة القبور أصبحت (شرفي) ومرقد، "البكري"، ومدفن "فاروق"- وآه من صدر حوى فؤاداً تسكنه اللحاد والقبور.
هذا عام الأحزان الكبرى.. الأحزان الطاحنة والأسى المقيم.. نفارق فيه كل صباح فقيداً وكل ضحى عزيزاً وكل مساء حبيباً.. يرحل أهل الإبداع والفن في هرولة وسعي من الدنيا وكأن مفارقة الأحباب لا تكسر خاطراً ولا تعني فراقاً.. ولكأن الفراق والرحيل بالموت نزهة في بستان يغري بالفراق الفجاءة.
كأن فقد "صلاح" خاصة.. كفقد البصر والبصيرة معاً.. وكأن موته بعد التسليم بقدر الله وقضائه موتاً صحيحاً للدنيا.. للدنيا التي كان "صلاح" شمسها وتمام بدرها، ورشاش خريفها و"دَرَت" صيفها وفارس القوافي النجل في دواوين الشعر فيها.
"صلاح" هو جماع جغرافية السودان بكل تضاريس أرض السودان، وتفاعل هذه المناخات بتفاصيل تفاصيل تاريخ السودان، وما أحدثته كل تلك العوامل من تزاوج حلالاً بين الجغرافيا والسكان والتاريخ وما تولدت منه من أمشاج وجينات وخصوبة.. وهو بذلك.. أي "صلاح" غرسها وشجرتها العميقة الجذور في أحشاء قيزان كردفان وكأنه هو التبلدية المستنسخة من قبيلة التبلدي..هو تبليدية امتلأت بالعافية والعنفوان.
"صلاح" (تُرْدة) امتلأت وكأنها تقول للبروق ما بقي فيَّ ما يسع كاساً واحداً. وهو (دونكي) يوم التروية من عطش السنين وهو رهد، كاد أن يقول للمحل أنا ترياق وراوي الحلوق والعمار.
هو (مُخمّس) امتلأت بالكركدي الشفيف الحُمرة.. تأكيداً لري عطش مسافر ألقى للتوّ عصا الترحال.
هو كعصيدة الدخن وقد غرقت في لبن من ضرع يقطر سمناً وعسلاً ولبناً منحه الله المجيد والقادر على امتلاء ضرع أستيأس الناس أن يقطر ولو بقطرة من لبن.
هو تماماً كماء ادخرته بطيخة.. جلبت من النهود مرقداً وحقلاً ومنبتاً، هو حقل (اللوبيا) يغازل قناديل الذرة الشامية.. وفطيرة قمح ملبونة ومسكَّرة الأحشاء في صبحية "حاج" عاد للتو من ضريح ومسجد الرسول الكريم.
هو (كبحَّة) طنبور المحس في ليلة اكتمال رجولة البدر وقد ضج الرطب بالحديث في فم السبائط التي تنادي الأيدي للقطاف السريع.
وهو (نوح) الساقية بعد أن سقت "الفجراوي" لحقول النعناع والليمون. هو تلك الإمالة في حديث فتاة "قشابي" وهي تردد مدحاً للرسول.. عليه الصلاة التامة والتسليم.
هو (عِفّة) الدناقلة من طلب السؤال!
هو سلطان المهابة عند الفور في حضور مجئ "دينار" السلطان المهيب.
هو "شرافة" تزف في اللوح "سورة الناس" إشهاراً لتمام التمام.
هو "مندُولة" يجاور "المنصاص" في النصيص وقد غطى "البرتال" الأنيق ما تحمل "المندولة" من إدام وطعام وعطاء كثيف.
هو مثل ماء قِربة، من جلد وَعَل جلَّده النسيم بهواء عليل.
هو "الوازة" وقد طال عنقها ونغمها وعنفوان عازفها وقد استرسلت في الصهيل والبوح عند قبائل "الوطاويط".
هو "نمَّة" الدوبيت وقد استراحت ترسل نجوى وشكاية وتلهف لرشاش بللت شفاه البطانة مبشرة بخريف خرّيف.
هو "شهقة" البرق الأولى تعلن للطيور موسم الهجرة للعودة "بِطاناً".. بعد "خِماص" طويل.
هو حقل ذُرة تمدد بالفريك في أيدي أبناء سَمسَم و"الرمَّاش".. ببليلة تسد رمقاً وترتف ريق..
هو كوب "آبري" ابترد حتى النخاع ليبل أول ريق لصائم في (الستين)..
هو ومضة لوزة القطن حين تشق صدرها لتبتل في أول دفقة ضوء في الفجر الصادق الوصول..
هو "تأتأة" الترع في محاورة أبو عشرين تتعلم أول أبجدية لغة الارتواء من ماء طهور.
هو عافية "الشوتال".. يعاين الخُلال وفد انغرس في لحم شعر فتى من قبائل "الأرتيقة".. يسامر ربابة أرسلت حنجرتها بغناء حزين.
هو ارتكاز قدم "الفزّي وزي" وقد انكسر المربع العتيد.. و"دقنة" يشهد تلاوة قرآن مشهود يأتي بارد التلاوة بالإخبات والغنة و"ورش" يعانق "حفص" ويحضن "الدوري" عند خلاوى "همشكوريب".
هو شفيف الحزن كحزن "المزاورية" وقد شح الشحن والتفريغ.
هو إكليل "الوَدَك" بجرتق صبية كسلاوية الملمح كأنها تقول أنا من هناك من أحفاد (توتيل).
هو (قهوة) الضحى من بن يمني بهبهان زنجباري عند ضريح "الميرغني" والشريفة "المريم" وأهل الضريح.
هو كوب الشاي ملكاً عند "البرامكة" يعقدون جلسة لـ(المكلي) خرق قانون الشاي بقبضة الكوب خانقاً انطلاقة الرشف.
هو حقل "موز" كسلاوي رضع القاش حتى الفطام وحتى أصيب القاش بشلل الجريان..
هو "قرن ثور" عشقه "التبوسا"، واحتربوا طويلاً لضمه للمراح، ليكون "للواك" علماً وإرثاً.
هو اعتداد أشجار الأبنوس بابتسامة جزعها واستواء فروعها وسمت جلالها ومتانة لحاها وورقها الصقيل الخضرة والنماء.
هو نكهة "الباباي" حيث تشم عَرَق الأراك ... وما بين الاثنين من عمومة وخؤولة ونسب في النكهة والطعم والثمر.
هو "نقارة" المردوم الحار الإيقاع في ضحى يبدأ به موسم الحصاد.
هو انتشار "الزاندي" برقصة بطيئة الإيقاع، متينة الخطى، وحيية الهمس.
هو أم درمان.. بكل ما تصرح وتصدح وتعني به "هنا أم درمان"..
أم درمان بالموردة وزنقارها.. وأولاد موردتها.. وحي العرب.. بأمير ألحانها "ود الريح" و"إبراهيم عوض" وسيفها الباتر "سيف الدين الدسوقي".. ثم هي ودنوباوي، وأميرها المقدام ومسجد الإمام الفسيح الأرجاء.. وهي بحاراتها التي التصقت بجبل كرري وجاوزت شمال كردفان.
هو قرآن بتلاوة "عوض عمر" بنكهة التلاوة الخاصة السمت.. وبهاء زنقار" الذي يكسر صهد الصيف وأم درمان بسوق عناقريبها ومحطتها الوسطى وومض وبُعد كوكب المريخ الذي استقر نادياً.. ثم هي استواء المساء لاستقبال (الهلال) ونشرة الثامنة تعلن الناس برحيل عزيز.. وقد فعلت يوم رحيلك فنعت وهي دامعة العين "صلاح" فتى أم درمان العزيز.
هي قصيدة "حاجة الفول"، وقد زينت ديوانك "غابة الأبنوس" بإنسانيتك الرائعة وشعرك الأنيق.
ثم هو "صلاح" يغازل "مريا" الخلاسية من دم الإغريق وبلازما "الأمهرا"ً وبينهما "فدياس" وقد امتطى الأفق منتشياً بخمرة حلال لا ينزف منها ولا يصبه سكر.
هو (طاقية) المنسج الحمراء كجدلة العريس وقد خرجت شفيفة بشرائط كأوتار الكمنجة.. وقد شنقها ولد يقدل وكأنه وعل (عاجبو خلاه).
هو "عِمَّة" أطرافها شرافة بحرير فضي ناعم الرتق وكأنه رقش على الضوء.
هو "صديري" بلون "القارص".. زهي واختال فوق جلباب ارتداه عريس في "أوسيف".
وشال فضي رقشت أطرافه فتاة من "بربر" بحرير "العُشر".. لشيخ الطريقة القادم من عمرة رمضان.
هو طبقات "ود ضيف الله".. واكتمال شموخ القباب عند "الزريبة". ومنارة "ود العجوز".
هو كتلاوة الفجر يرتلها الشيخ الوالد "أحمد إبراهيم" وبها تتنفس العباسية كل صباح.
هو الوطن تخلَّق نطفة طاهرة استقرت في رحم ودود فولدت نيلاً له يد تسقى ويد تروي.. كما يفعل الأزرق ويتمطى الأبيض الممراح.
هو غضبة "الهبباي" في العتامير تكتسح الزقوم والصبار والهوام.
هو هتاف الصامتين حين يكون الصمت وهو أبلغ الهتاف.
هو "صلاح" الصوفي في السياسة والمجاهد في النصيحة.. والصادق في الشهادة كما مدح.. وبصوت جهير "وداعة" و"الكلس" و"الحافظ عبيد ختم".
هو غابة الأبنوس.. وقد أصبحت توأماً لبوابة عبد القيوم.
هو صلاة الضحى كما يفعل الأوابون.
هو الوضوء بالسيف لصلاة الفجر في الغربة وقد غطى الجليد كل سماء ليطفئ الضوء الأول من الفجر.
هو نحيب السيوف من محبس الغمد والجفر.
هو كالنجومي و"توشكي" تجافيه كما جافاه الساسة وهو وحيد وحزين.
هو يقين الخليفة "ود تورشين" عند افتراش الفروة مستقبلاً الشهادة بالسجود في "أم دبيكرات".
هو خجل الضحى وهو يطوي الظل عن مرقد "ود حبوبة" في أرض الحلاوين.
هو زهو "الكركر" يوم التتويج في حضرة "دنقس" و"أبو شلوخ".
هو صهيل خيل الحق في "رهيد البردي" تنادي "الزاكي طمل" لرد العدوان عن الدين الحنيف.
هو البوصلة التي تشير دوماً لجهة الحق.. ثم ها نحن نراه يموت..
فهل يموت النيل.. وهل يموت السجود في الصلاة، وهل تموت أم درمان؟
يموت الموت ويبقى "صلاح" عصياً على الموت، يحيا في كل الجمل المفيدة التي غنى وكل الأماديح التي سمع وكل العشق لأم درمان.
(حليل أم در.. حليل ناسا )
خدورة أم بشق- مشرف منتدى الشعر
رد: مصطفى سند وصلاح أحمد إبراهيم
ماذا قال الطيب صالح عن صلاح أحمد إبراهيم:
صورة من قريب حوار مع الطيب صالح
في ذكري صلاح الخامسة عشر
نشر في الرأي العام يوم 02 - 07 - 2008
خلال ساعة مسجلة صباح التاسع عشر من يونيو الماضي جلس الروائي العربي السوداني الاشهر الطيب صالح يحدثني عن صلاح أحمد ابراهيم فقد كانا صديقين حميمين. وكان الطيب حزيناً حزناً حقيقياً على الصديق الذي رحل. *يا طيب.. من هو صلاح أحمد ابراهيم؟ - صلاح عندي واحد من كبار الشعراء - ليس في السودان فقط - بل في العالم العربي وهو من الذين جددوا- أو من اوائل المجددين- في الشعر السوداني، ولد عام 1933م وتلقى تعليمه في مدارس ام درمان اما دراسته الجامعية فكانت في كلية الآداب جامعة الخرطوم، وكون صلاح أحمد ابراهيم من مدينة (ام درمان) فهذا ينطوي على الكثير، لأن (ام درمان)، يسميها السودانيون (العاصمة الوطنية)، فهي المدينة التي انشأها الامام المهدي بعد ان هزم (غردون) البريطاني هزيمة منكرة. والمدينة على الضفة الغربية للنيل. بعيدة عن الخرطوم التي رأها السودانيون عاصمة افرنجية.. فكانت (ام درمان) العاصمة الجديدة التي التأم فيها شمل القبائل السودانية التي حاربت مع المهدي ممثلة للسودان كله بشرقه وغربه وشماله وجنوبه، حتى ان هذه القبائل انشأت احياء معروفة بأسمائها حتى الآن في ام درمان. وكان الإمتزاج بين هذه القبائل بالتأثيرات المصرية والشامية والحجازية والشمالية والغربية الافريقية، وهذه كلها شكلت ما يمكن ان نسميه (الحضارة السودانية) اذا جاز التعبير، واسرة صلاح أحمد ابراهيم جذورها من شمال السودان، وهي اسرة علم ودين ولكن المدهش ان هذه الاسرة قدمت للسودان عديداً من الثوار. اخته فاطمة احمد ابراهيم اول نائبة شهيرة في البرلمان السوداني، وكانت تمثل الحزب الشيوعي، ورغم ماركسية فاطمة إلاَّ انها كانت متدينة- ومازالت- تحافظ على اداء صلواتها الخمس. وقد حكى لي شقيقها المرحوم صلاح ان والده المتدين قال لابنته فاطمة: من حقك ان تعتنقي اية افكار سياسية، ولكنني اوصيك بالصلاة،وقد ظلت السيدة فاطمة حتى اليوم لا تطيق الجلوس في مجلس شراب. وهي مناضلة شرسة، اذكر انني شاهدتها في البرلمان السوداني في عام 1966م تواجه رئيس الوزراء السوداني (محمد أحمد محجوب)- وهو رجل مشهور بقوة العارضة والفصاحة والبيان- مواجهة اعيت الرجل! وقد ظل تاريخها سلسلة من النضال، وقد قاسمها الحياة زوجها الزعيم العمالي السوداني (الشفيع أحمد الشيخ) الذي اعدمه الرئيس السوداني السابق جعفر نميري. ان في اسرة صلاح ما يثير التأمل، فنراه يجمع بين الثقافة العربية الاسلامية، والمعرفة الواسعة الدقيقة جداً بالسودان وافريقيا، ثم يتعمق في دراسات الادب الانجليزي، وقد اصبح صاحب اسلوب في الكتابة علامة عليه، وقد ظل كاتباً طوال تقلبه في وظائف عديدة فقد عين في الخارجية السودانية في عام 1970م وزيراً مفوضاً، وكانت مهمته في ديوان الوزارة مديراً للمكتب التنفيذي لوزير الخارجية، ثم نقل للعمل في نيويورك نائباً للمندوب السوداني في الامم المتحدة، ليعين بعدها سفيراً للسودان في الجزائر، ومازال الكثيرون يتذكرون له خطاب اعتماده امام الرئيس الجزائري فقد كان قطعة ادبية بالغة الرقي ولم يزل صلاح أحمد ابراهيم سفيراً في الجزائر حتى تناول الرئيس السابق جعفر نميري اسرة صلاح بكثير من التعريض والاساءة، فكان ان قدم صلاح استقالة من منصبه في نهاية السبعينيات، وراح يكتب شعراً ضد نميري تداولته الجماهير سراً داخل السودان، وفي باريس التي اختارها مستقراً له عمل خبيراً، في سفارة دولة قطر هناك حتى وافته المنية. ان عناصر درامية متنوعة صادفت حياة صلاح. فوقت ان كان طالباً في الجامعة انتمى إلى الحزب الشيوعي، ثم اختلف مع زعيمه عبدالخالق محجوب خلافاً شرساً جعله يكتب الشعر هجاء في زعيم الحزب الذي اعدمه جعفر نميري فيما بعد، كما اعدم زوج شقيقة صلاح «الشفيع»، ومن اشهر قصائد صلاح في هجاء عبدالخالق محجوب قصيدة عنوانها (انا نسى) التي تضمنها ديوانه الشعري الثاني (غضبة الهباباي) ولنا ان نتخيل حجم شجاعة صلاح اذا تذكرنا سطوة الحزب الشيوعي وقتها في السودان. من عرفوا صلاح أحمد ابراهيم وتابعوا كتاباته يدركون كم كان صلاح سودانياً قحاً مغرماً بالسودان الى درجة الجنون، وكان يمتليء بمشاعر الكبرياء والاستعلاء لاصوله الافريقية، ولعل هذا كان سر اختياره للعنوان الثابت لمقالاته (جديرون بالاحترام)، وقد قاده هذا الشعور العاطفي الجارف بحب السودان وافريقيا الى بعض المواقف التي يراها البعض خاطئة، كان كثيرون يظنون صلاح أحمد ابراهيم- مثلاً- لا يحب مصر، لكن العكس كان هو الصحيح، بل كان عاشقاً لمصر، لكنه كان في بعض الاحيان، وهو يرى في مصر الشقيقة الكبرى، يحس ان هذه الشقيقة الكبرى لا تقيم الاعتبار الواجب للسودان. وكان في هذا صريحاً واضحاً مستقيم الرأي لا يخفى ما لديه بأقنعة المجاملات، وكانت صراحته تدعمها دائماً احاسيسه بأنه يمتليء بالكبرياء وعدم الحاجة الى نفاق أحد، وفي ظروف محنة الحياة في باريس بظروفها القاسية في اوقات التبطل عزف عن قبول اية مساعدة من أحد! حتى لو كان من يعرض المساعدة شقيقه- الذي كان وزيراً في حكومة نميري- وعمل بعد ذلك مهندساً في الكويت موفور الرزق. لكن صلاحاً اعتذر عن قبول مساعدة منه!.. ولان صلاح احمد ابراهيم كان يؤثر ان يعيش في استغناء واستكفاء كاملين، فقد كان كبرياؤه يحير الآخرين ويثير الكثير من الجدل. كما تثير مواقفه عند ابناء وطنه اصطخاب الآراء فيها وتقلبها بين خصومة كاملة معها أو مؤيدة تمام التأييد. * أعود الى الطيب صالح، كيف يرى صلاح أحمد ابراهيم كاتباً وأديباً وشاعراً؟ يقول الطيب: كان أكثر ما يجذبك الى شعره التفاصيل السودانية الدقيقة جداً، وهو ما لا تجده إلا عند شعراء سودانيين قليلين مثل (محمد المهدي المجذوب)، فصلاح أحمد ابراهيم (شاعر سودان محدد) وافريقيا محددة وليست موهومة يستخدم كلمات من العامية السودانية - وهي فصيحة - في سياق جملته العربية، ويؤكد في كل لفظة انه قد هضم واستوعب التراث العربي تماماً، كذلك هو يملك ناصية العربية، يفاجئك بأفكار وصور جديدة بحكم تعمقه في الثقافة الانجليزية، وهو ما أتيح له بعد تخرجه في جامعة الخرطوم اذ عمل فترة في معهد غاني انشأه الرئيس الغاني الراحل (كوامي نكروما) للدراسات الافريقية، وكان على رأس المعهد مثقف انجليزي شهير هو (توماس هتشكين)، فاكتسب صلاح في هذه الفترة معرفة واسعة بالفكر الافريقي واصول القبائل والطقوس وغيرها، بحيث يمكنني ان اقرر انه لا يتفوق عليه في هذه المعرفة الواسعة سوى صديقه و استاذه المرحوم (جمال محمد أحمد). وفي نثر صلاح أحمد ابراهيم ما يمكن ان اسميه (الاسلوب الجاحظي)، نسبة الى الجاحظ ولكن في سياق معاصر. مزيج من متانة اللغة ورصانتها وجدة الافكار بطابع سوداني ملحوظ، وفي ديوانه الشعري الاول (غابة الابنوس) اختار شجرة (الأبنوس) تعبيراً عن الشخصية السودانية، وها هو ينشد فيقول: أنا من افريقيا صحرائها الكبرى وخط الاستواء شحنتني بالحرارات الشموس وشوتني كالقرابين على نار مجوس لفحتني فأنا منها كعود الابنوس فيعبر بذلك عن هوية سودانية محددة، ثم هو بعد ذلك يصدر ديوانه الشعري الثاني (غضبة الهباباي)،وكلمة (الهباباي) معروفة في شرق السودان ويقصد بها الغبار الناعم، وقد وجد صلاح - بعد سقوط نظام الفريق ابراهيم عبود في السودان- ان الشعب السوداني الذي ظنه جلادوه غباراً ناعماً هادئاً قد فاجأهم بغضبته وثورته العارمة. ويتجلى شعور صلاح أحمد ابراهيم بكبرياء هويته السودانية الافريقية في قصيدة ضمها هذا الديوان يقول فيها: هات لي بوقي بوق العاج لا الآخر.. واسبقني الى الساحة خبر صاحب الحانة ان يرفع لي الراية. ولا يمكن ان تكون هذه الصورة لشاعر غير سوداني، لان اصحاب الحانات - اسمها (الانادي) بتحريف لكلمة نادي- في السودان كانوا يرفعون راية لاي رجل موسر كريم يجعل شراب جميع من في الحانة على حسابه وهذا التقليد السوداني له اصوله عند عرب الجاهلية، ايضا الابيات كتبها صلاح أحمد ابراهيم بايقاع معروف لرقصة في شمال السودان اسمها (الدليب). وديوانا صلاح ليسا كل شعره، فله الكثير الذي لم ينشر، ولعل اسرته حالياً- كما علمت- تجمع انتاجه الذي لم ير النور، من خصوصيات اشعار صلاح كذلك ان مدينة امدرمان بادية فيها بخصوصية واضحة، وقد شهدت المدينة علاقة حميمة حارة بين صلاح احمد ابراهيم والقاص السوداني الراحل (علي المك)، الذي توفي قبل صلاح بخمسة اشهر، وعندما رثاه صلاح بدأ قصيدته بالحديث عن ام درمان التي عشقاها سوياً، وبعد التغزل في ام درمان وموقع بيت أهل (علي المك)، فيها يقول مخاطباً صديق عمره: فنم هانئا يا أخ ثقتي فزت في الاختبار والسلام عليك اخا رحلتي السلام عليك وراء الحجاب وشهيتني في المنية سيفي يهفو الى ضجعة في القراب السلام عليك انتظرني فمالي غير عصا.. وعليها جراب فاذا تأملنا صورة (العصا والجراب) فنحن امام صورة سودانية قحة. اذ كان السوداني عند سفر الهجرة من مكان الى آخر يحمل جراباً فيه بعض الزاد والماء، ويعلقه في عصاه على كتفه، وهكذا كان صلاح أحمد ابراهيم في حياته ليس لديه سوى العصا والجراب. اذ عرفته زاهداً بسيط الحياة، ولعل هذا كان سر قوته في مواجهة خصومه، ولم يكن يعاني - شأن بعض الشعراء الافارقة- اي احساس بالدونية، بل كان متعالياً الى ابعد الحدود ونادراً ما تجد في قصائده اقتراباً من مسائل العرق واللون وما الى ذلك. وقد لا يعرف كثيرون ان صلاح أحمد ابراهيم قد كتب في بداياته - بالاشتراك مع صديقه (علي المك) - مجموعة قصصة باسم (البرجوازية الصغيرة)، ولم يكتب الرواية. وكما عرف كشاعر من شعراء الفصحى فلا يعرف كثيرون كذلك انه كتب الزجل العامي السوداني المعروف باسم (الدوبيت) وكانت قصيدته في هجاء جعفر نميري تنتمى الى هذا اللون. بدأ صلاح أحمد ابراهيم ماركسياً، لكنه تحول عنها سريعاً بحيث انتهى الى حالة من التصوف الاسلامي. ويذكر الطيب صالح انه التقى بصلاح في جامعة (درم) الانجليزية من سنوات، وكان الشهر رمضان، فاذا بصلاح صائم رغم معاناته من مرض السكر، وقد اشفق الطيب على صلاح الذي اصر على الصوم، ويشير الطيب الى ان لصلاح قصائد صوفية لم تنشر. هكذا كانت رحلة عصفور (ام درمان) مذ بدأت وحتى رحل
صورة من قريب حوار مع الطيب صالح
في ذكري صلاح الخامسة عشر
نشر في الرأي العام يوم 02 - 07 - 2008
خلال ساعة مسجلة صباح التاسع عشر من يونيو الماضي جلس الروائي العربي السوداني الاشهر الطيب صالح يحدثني عن صلاح أحمد ابراهيم فقد كانا صديقين حميمين. وكان الطيب حزيناً حزناً حقيقياً على الصديق الذي رحل. *يا طيب.. من هو صلاح أحمد ابراهيم؟ - صلاح عندي واحد من كبار الشعراء - ليس في السودان فقط - بل في العالم العربي وهو من الذين جددوا- أو من اوائل المجددين- في الشعر السوداني، ولد عام 1933م وتلقى تعليمه في مدارس ام درمان اما دراسته الجامعية فكانت في كلية الآداب جامعة الخرطوم، وكون صلاح أحمد ابراهيم من مدينة (ام درمان) فهذا ينطوي على الكثير، لأن (ام درمان)، يسميها السودانيون (العاصمة الوطنية)، فهي المدينة التي انشأها الامام المهدي بعد ان هزم (غردون) البريطاني هزيمة منكرة. والمدينة على الضفة الغربية للنيل. بعيدة عن الخرطوم التي رأها السودانيون عاصمة افرنجية.. فكانت (ام درمان) العاصمة الجديدة التي التأم فيها شمل القبائل السودانية التي حاربت مع المهدي ممثلة للسودان كله بشرقه وغربه وشماله وجنوبه، حتى ان هذه القبائل انشأت احياء معروفة بأسمائها حتى الآن في ام درمان. وكان الإمتزاج بين هذه القبائل بالتأثيرات المصرية والشامية والحجازية والشمالية والغربية الافريقية، وهذه كلها شكلت ما يمكن ان نسميه (الحضارة السودانية) اذا جاز التعبير، واسرة صلاح أحمد ابراهيم جذورها من شمال السودان، وهي اسرة علم ودين ولكن المدهش ان هذه الاسرة قدمت للسودان عديداً من الثوار. اخته فاطمة احمد ابراهيم اول نائبة شهيرة في البرلمان السوداني، وكانت تمثل الحزب الشيوعي، ورغم ماركسية فاطمة إلاَّ انها كانت متدينة- ومازالت- تحافظ على اداء صلواتها الخمس. وقد حكى لي شقيقها المرحوم صلاح ان والده المتدين قال لابنته فاطمة: من حقك ان تعتنقي اية افكار سياسية، ولكنني اوصيك بالصلاة،وقد ظلت السيدة فاطمة حتى اليوم لا تطيق الجلوس في مجلس شراب. وهي مناضلة شرسة، اذكر انني شاهدتها في البرلمان السوداني في عام 1966م تواجه رئيس الوزراء السوداني (محمد أحمد محجوب)- وهو رجل مشهور بقوة العارضة والفصاحة والبيان- مواجهة اعيت الرجل! وقد ظل تاريخها سلسلة من النضال، وقد قاسمها الحياة زوجها الزعيم العمالي السوداني (الشفيع أحمد الشيخ) الذي اعدمه الرئيس السوداني السابق جعفر نميري. ان في اسرة صلاح ما يثير التأمل، فنراه يجمع بين الثقافة العربية الاسلامية، والمعرفة الواسعة الدقيقة جداً بالسودان وافريقيا، ثم يتعمق في دراسات الادب الانجليزي، وقد اصبح صاحب اسلوب في الكتابة علامة عليه، وقد ظل كاتباً طوال تقلبه في وظائف عديدة فقد عين في الخارجية السودانية في عام 1970م وزيراً مفوضاً، وكانت مهمته في ديوان الوزارة مديراً للمكتب التنفيذي لوزير الخارجية، ثم نقل للعمل في نيويورك نائباً للمندوب السوداني في الامم المتحدة، ليعين بعدها سفيراً للسودان في الجزائر، ومازال الكثيرون يتذكرون له خطاب اعتماده امام الرئيس الجزائري فقد كان قطعة ادبية بالغة الرقي ولم يزل صلاح أحمد ابراهيم سفيراً في الجزائر حتى تناول الرئيس السابق جعفر نميري اسرة صلاح بكثير من التعريض والاساءة، فكان ان قدم صلاح استقالة من منصبه في نهاية السبعينيات، وراح يكتب شعراً ضد نميري تداولته الجماهير سراً داخل السودان، وفي باريس التي اختارها مستقراً له عمل خبيراً، في سفارة دولة قطر هناك حتى وافته المنية. ان عناصر درامية متنوعة صادفت حياة صلاح. فوقت ان كان طالباً في الجامعة انتمى إلى الحزب الشيوعي، ثم اختلف مع زعيمه عبدالخالق محجوب خلافاً شرساً جعله يكتب الشعر هجاء في زعيم الحزب الذي اعدمه جعفر نميري فيما بعد، كما اعدم زوج شقيقة صلاح «الشفيع»، ومن اشهر قصائد صلاح في هجاء عبدالخالق محجوب قصيدة عنوانها (انا نسى) التي تضمنها ديوانه الشعري الثاني (غضبة الهباباي) ولنا ان نتخيل حجم شجاعة صلاح اذا تذكرنا سطوة الحزب الشيوعي وقتها في السودان. من عرفوا صلاح أحمد ابراهيم وتابعوا كتاباته يدركون كم كان صلاح سودانياً قحاً مغرماً بالسودان الى درجة الجنون، وكان يمتليء بمشاعر الكبرياء والاستعلاء لاصوله الافريقية، ولعل هذا كان سر اختياره للعنوان الثابت لمقالاته (جديرون بالاحترام)، وقد قاده هذا الشعور العاطفي الجارف بحب السودان وافريقيا الى بعض المواقف التي يراها البعض خاطئة، كان كثيرون يظنون صلاح أحمد ابراهيم- مثلاً- لا يحب مصر، لكن العكس كان هو الصحيح، بل كان عاشقاً لمصر، لكنه كان في بعض الاحيان، وهو يرى في مصر الشقيقة الكبرى، يحس ان هذه الشقيقة الكبرى لا تقيم الاعتبار الواجب للسودان. وكان في هذا صريحاً واضحاً مستقيم الرأي لا يخفى ما لديه بأقنعة المجاملات، وكانت صراحته تدعمها دائماً احاسيسه بأنه يمتليء بالكبرياء وعدم الحاجة الى نفاق أحد، وفي ظروف محنة الحياة في باريس بظروفها القاسية في اوقات التبطل عزف عن قبول اية مساعدة من أحد! حتى لو كان من يعرض المساعدة شقيقه- الذي كان وزيراً في حكومة نميري- وعمل بعد ذلك مهندساً في الكويت موفور الرزق. لكن صلاحاً اعتذر عن قبول مساعدة منه!.. ولان صلاح احمد ابراهيم كان يؤثر ان يعيش في استغناء واستكفاء كاملين، فقد كان كبرياؤه يحير الآخرين ويثير الكثير من الجدل. كما تثير مواقفه عند ابناء وطنه اصطخاب الآراء فيها وتقلبها بين خصومة كاملة معها أو مؤيدة تمام التأييد. * أعود الى الطيب صالح، كيف يرى صلاح أحمد ابراهيم كاتباً وأديباً وشاعراً؟ يقول الطيب: كان أكثر ما يجذبك الى شعره التفاصيل السودانية الدقيقة جداً، وهو ما لا تجده إلا عند شعراء سودانيين قليلين مثل (محمد المهدي المجذوب)، فصلاح أحمد ابراهيم (شاعر سودان محدد) وافريقيا محددة وليست موهومة يستخدم كلمات من العامية السودانية - وهي فصيحة - في سياق جملته العربية، ويؤكد في كل لفظة انه قد هضم واستوعب التراث العربي تماماً، كذلك هو يملك ناصية العربية، يفاجئك بأفكار وصور جديدة بحكم تعمقه في الثقافة الانجليزية، وهو ما أتيح له بعد تخرجه في جامعة الخرطوم اذ عمل فترة في معهد غاني انشأه الرئيس الغاني الراحل (كوامي نكروما) للدراسات الافريقية، وكان على رأس المعهد مثقف انجليزي شهير هو (توماس هتشكين)، فاكتسب صلاح في هذه الفترة معرفة واسعة بالفكر الافريقي واصول القبائل والطقوس وغيرها، بحيث يمكنني ان اقرر انه لا يتفوق عليه في هذه المعرفة الواسعة سوى صديقه و استاذه المرحوم (جمال محمد أحمد). وفي نثر صلاح أحمد ابراهيم ما يمكن ان اسميه (الاسلوب الجاحظي)، نسبة الى الجاحظ ولكن في سياق معاصر. مزيج من متانة اللغة ورصانتها وجدة الافكار بطابع سوداني ملحوظ، وفي ديوانه الشعري الاول (غابة الابنوس) اختار شجرة (الأبنوس) تعبيراً عن الشخصية السودانية، وها هو ينشد فيقول: أنا من افريقيا صحرائها الكبرى وخط الاستواء شحنتني بالحرارات الشموس وشوتني كالقرابين على نار مجوس لفحتني فأنا منها كعود الابنوس فيعبر بذلك عن هوية سودانية محددة، ثم هو بعد ذلك يصدر ديوانه الشعري الثاني (غضبة الهباباي)،وكلمة (الهباباي) معروفة في شرق السودان ويقصد بها الغبار الناعم، وقد وجد صلاح - بعد سقوط نظام الفريق ابراهيم عبود في السودان- ان الشعب السوداني الذي ظنه جلادوه غباراً ناعماً هادئاً قد فاجأهم بغضبته وثورته العارمة. ويتجلى شعور صلاح أحمد ابراهيم بكبرياء هويته السودانية الافريقية في قصيدة ضمها هذا الديوان يقول فيها: هات لي بوقي بوق العاج لا الآخر.. واسبقني الى الساحة خبر صاحب الحانة ان يرفع لي الراية. ولا يمكن ان تكون هذه الصورة لشاعر غير سوداني، لان اصحاب الحانات - اسمها (الانادي) بتحريف لكلمة نادي- في السودان كانوا يرفعون راية لاي رجل موسر كريم يجعل شراب جميع من في الحانة على حسابه وهذا التقليد السوداني له اصوله عند عرب الجاهلية، ايضا الابيات كتبها صلاح أحمد ابراهيم بايقاع معروف لرقصة في شمال السودان اسمها (الدليب). وديوانا صلاح ليسا كل شعره، فله الكثير الذي لم ينشر، ولعل اسرته حالياً- كما علمت- تجمع انتاجه الذي لم ير النور، من خصوصيات اشعار صلاح كذلك ان مدينة امدرمان بادية فيها بخصوصية واضحة، وقد شهدت المدينة علاقة حميمة حارة بين صلاح احمد ابراهيم والقاص السوداني الراحل (علي المك)، الذي توفي قبل صلاح بخمسة اشهر، وعندما رثاه صلاح بدأ قصيدته بالحديث عن ام درمان التي عشقاها سوياً، وبعد التغزل في ام درمان وموقع بيت أهل (علي المك)، فيها يقول مخاطباً صديق عمره: فنم هانئا يا أخ ثقتي فزت في الاختبار والسلام عليك اخا رحلتي السلام عليك وراء الحجاب وشهيتني في المنية سيفي يهفو الى ضجعة في القراب السلام عليك انتظرني فمالي غير عصا.. وعليها جراب فاذا تأملنا صورة (العصا والجراب) فنحن امام صورة سودانية قحة. اذ كان السوداني عند سفر الهجرة من مكان الى آخر يحمل جراباً فيه بعض الزاد والماء، ويعلقه في عصاه على كتفه، وهكذا كان صلاح أحمد ابراهيم في حياته ليس لديه سوى العصا والجراب. اذ عرفته زاهداً بسيط الحياة، ولعل هذا كان سر قوته في مواجهة خصومه، ولم يكن يعاني - شأن بعض الشعراء الافارقة- اي احساس بالدونية، بل كان متعالياً الى ابعد الحدود ونادراً ما تجد في قصائده اقتراباً من مسائل العرق واللون وما الى ذلك. وقد لا يعرف كثيرون ان صلاح أحمد ابراهيم قد كتب في بداياته - بالاشتراك مع صديقه (علي المك) - مجموعة قصصة باسم (البرجوازية الصغيرة)، ولم يكتب الرواية. وكما عرف كشاعر من شعراء الفصحى فلا يعرف كثيرون كذلك انه كتب الزجل العامي السوداني المعروف باسم (الدوبيت) وكانت قصيدته في هجاء جعفر نميري تنتمى الى هذا اللون. بدأ صلاح أحمد ابراهيم ماركسياً، لكنه تحول عنها سريعاً بحيث انتهى الى حالة من التصوف الاسلامي. ويذكر الطيب صالح انه التقى بصلاح في جامعة (درم) الانجليزية من سنوات، وكان الشهر رمضان، فاذا بصلاح صائم رغم معاناته من مرض السكر، وقد اشفق الطيب على صلاح الذي اصر على الصوم، ويشير الطيب الى ان لصلاح قصائد صوفية لم تنشر. هكذا كانت رحلة عصفور (ام درمان) مذ بدأت وحتى رحل
خدورة أم بشق- مشرف منتدى الشعر
رد: مصطفى سند وصلاح أحمد إبراهيم
مرثية صلاح في زوج أخته وصديق عمره الدكتور علي المك ((مسدار النسيب )):
مرثيه صلاح احمد ابراهيم..في رحيل علي المك
مدينته الآدمية مجبولة من تراب
يتنطس أسرارها
واثب العين منتبه الأذنين
يحدث أخبارها
هل يرى عاشق مدنف في الحبيب
أي عيب؟
مدينته البدوية مجبولة من تراب
ولا تبلغ المدن العسجدية مقدارها
تتباهى على ناطحات السحاب
بحي سما أصله لركاب
فاح شذى من "على"
***
حين غاب
جرت وهي حافية، في المصاب
تهيل الرماد على رأسها باليدين
تنادي على الناس: وآحسرتا ويب ويب
فقدنا الأديب،
فقدنا النجيب،
فقدنا اللبيب،
فقدنا "على"
***
فقدنا الذي كان زين المجالس، زين الصحاب
فقدنا شهامته، وفقدنا شجاعته، وفقدنا
شهادته، وفقدنا
كتابته، ودعابته،
والحديث الطلي
حسرتا، ويب لي، ويب لي، ويب لي
****
حين قيل لها بانتحاب،
استرد الوديعة صاحبها، استحملي!
ذهلت في المصاب
تتمتم: يا رحمة الله لم تبخلي
لمن دونة أعطيات، فكيف وهذا "على"
حنانيك كوني دريئته في الحساب
ومغفرة وثواب
وبشي مرحبة بالملائك عند الأرائك
بثي الزرابي للمقبل
وقولي له: أدخل
يبر بك الله في الكوثر المستطاب
قسم الأشعث الأغبر المستجاب
بكى رافعا كفه: يا كريم الجناب
بحق جلالك .. أكرم "على"
***
على!
يا أخي، يا شقيقي
على، شريك النضال، على رفيقي
ويا خندقي في الحصار، يا فرجي وقت ضيقي
ويا صرة الزاد تمسكني في اغتماض الطريق
ويا ركوتي كعكعت في لهاتي وقد جف ريقي
على .. زراعي اليمين، على خريفي
ونيلي، وجرفي، وبهجة ريفي
"على" تتمة كيفي، وسترى في أقرباي وضيفي
"على" إنطراحة وجهي في الاكتئاب
وشوواري إن عدم الراي، يا عوضي في الخراب
ألا اين أنت أجبني، اتسمعني يا "على"
اتسمع احبابك الأقربين تركتهم للمكان العلى؟
ألا اين ليلاتك المائسات، وأين زياراتك الآنسات
وأين ائتلاف الثريا، وأين انطلاق المحيا.
وأين اندفاق قوارير عطرك في المحفل؟
تشاغل "مخ" وعلاء، وعبدالعزيز،
وبعد صلاة العشاء "أبا سمبل"
وتحكى نوادر من "سينة"، وتحكي أقاصيص عن "صندل"
وأنت تغني، وأنت تقلد هذا وذاك، وتنعشنا بالحديث الأنيق
تدير على المجلس للندامى، بحلو لسانك كأس رحيق
وما كنت إلا السماء تمشت عل الأرض هونا،
يمازحها ويناديك في ألفة وبلا كلفة:
يا على!
يا على!
كادح في الفريق
***
" على!"
يا خدين الصبا، يا شهي الجواب
ويا توأم الروح، والامنيات رطاب
اتذكرنا مفلسين نفتش عن "منص" يسعف،
والشهر في الأول؟
تقوم سيمسكنا بحديث طويل، ولكن سيكشف ثانية للحساب
و"منصور" ذو نجدة وسخاء، اذا ما قصدناه لم يخذل
فهيا بنا ودع الأمر لى
***
"على"
يا "على"
أتسمعني يا "على"؟
أتذكر: أين فطورك؟ "أنت وتوفيق تتهماني"
بأن ليس ذلك للمأكل
ولكن محاولة لاقتراب
أقول: ألا خبتما خبتما، فهذا كذاب
ونضحك رقرق بللورنا - ليس بين الصحاب
خبيث طوايا، ولؤم ارتياب
وما استوجب الشك بعض ملام، ولا الاتهام العتاب
ولكن معابثة قربتنا، كم نظم الخيط در الحلى.
"على" أجبني: أهل بعد موت
التقيت بتوفيق في الملكوت؟
وقلت لتوفيق زين الشباب
فقدناك توفيق، لكننا ما نسينا نداوة تلك السجايا العذاب
ولا خفة الدم، لا الخلق الشهم، لا الأريحية،
لا المزحة الأخوية، لا صدحة البلبل
ألا يا ابن عمي شهيد الوفاء، ويا جمل الشيل.
جم الأيادي، وكنت ببر خفي صموت
رمتك المنية في مقتل
وقد كمنت في طريق "أبى قوتة" و"قلي"
فوا حر قلباه.. وا حر قلباه..من نازف في الطريق
وللموت قهقهة سمعتها "القطينة".. غير مصدقة
في دجى ليلها الأليل
فأضمرت توفيق في الجوف جمرا تلظى حقيقي
وكنت أبن عمي، وكنت صديقي
***
و"عثمان" ظل الوفي الحفي..
يؤازرني وأنا في احتراب
ويدنو يسلسل ضحكته، فإذا عتماتي بطلعته تنجلى
يعزز من عدتي وعتادي، يسدد من لكماتي القوية
ويمضي كما جاء في لمحة كالشهاب
يردد في كل آونة: "ظلموك صلاح"
وأنت المبرأ من ظلمهم - أن هذا جلي.
وكان يودك "عثمان" هذا الحميم،
يبرك باللفتة الالمعيه.
***
وكنت تراني الشجاع الذي وحده بشجاعته شكل الأغلبية
وكنت تراني تحديت حتى كأن مقالي زحف سريه
وقد كنت أنت - على- كذلك..
ما بعتنني قط رغم توالي العروض الخفيه
معي! ومعي! ومعي! ما تلفت أبحث عنك
أقول اختفي صاحبي في المضيق
معي! ومعي! ومعي! ما تساءلت في لحظة:
أين زاغ رفيقي
وكنت أعدك ذخري، إلى أن سمعت أخي من وراء المحيط
أخي "الكابلي"
يصيح، ولم أتعرف على صوته من بكاء:
صلاح فقدنا أخاك، فقدنا أخانا، فقدنا "على"
فنبهت نفسي: أرى طائر الموت حوم فوقي
وحان الذهاب
فما طعم عيشي بعد صديقي؟
لقد كان عهدا وضيئا هنيئا جريئا، على رغم طارقه المبتلي
وها اندلعت فيه نار الحريق
فيا ويب لى، ويب لي! ويب لي!
وهل يعذرن الشجي خلي؟
***
وحين احتفينا بعشرينك الزاهيات أهبت:
أيا شاعر القوم اطلق لهاتك.
تطلق قوى العزم والحزم والأمل
همست: بلى، لي مجاجة شهد مخبأة لك بين الهدايا،
وإن لم تذكر، ولم تسأل،
فهاك "على":
"عقدان كعقدين على جيد صباك
فامدد للنجم، النجم النائي - يمناك
وافتح أزرارك قميصك مقتحما
دفعات الريح عوت تتحداك"
بذاك انتشينا، فيا لاعتداد الشباب
نؤمل ننقع عطشتنا بورود السراب
وهيهات!
نغفل، والموت ثعبانه منطو يتربصنا وهو لم يغفل
تناوم، ملمسه الناعم دافئ يسبل الجفن في كسل
بينما اهتاج بالسم ناب
وغالك - يقصدني بالأذية، لا أنت،
فالدور - أن صح إمساكه للحساب - كان لي.
***
مدينته الآدمية مجبولة من تراب
مدينة كل الأحبهم: البسطاء وصفوتها المبدعين
تمنى له قدلة - حافيا حالقا - كالخيل
يطوف ها بين خور ونيل
يقطع أنفاسه زفرات، ليغمض عينيه بعد قليل
بعيدا عن الأهل، في وحشة واغتراب:
آه أنا، آه آه، أنا آه آه، أنا أنا آه
"عزه" في هواك
"عزه" نحن الجبال
ولليخوض صفاك
"عزه" نحن النبال
"عزه" ما بنوم
الليل محــــال
وبحسب النجوم
فوق الرحال
خلقه الزاد كمل
وأنا حالي حال
متين أعود أشوف
ظبياتنا الكحال
وما عاد إلا ليرقد في حفرة جمعت عاشقين:
"عليا" شهيد صبابته - وتراب الوطن
يمد لمن عاش في شغف حبه - قلبه باليدين
صدقنا لك الوعد فعل الصدوق الأمين
ولم نتقاض عليه ثمن
فكن حافظا للجميل
فكن حافظا للجميل غدا،
يا وطن!
***
حبيبته البدوية ذات الإهاب الحسن
سلبت منه نومه
يرى في الظلام غدائرها التمعت، وهو يرعى نجومه
يطوف بها في الهزيع الاخير .. ويطلق حنجرة من "كرومه"
يا ليل.. ابقى لى شاهد .. على نار حبي وجنوني .. يا ليل!
طريت "الناس" "ووناسه"
طريت "ام در" حليل ناسها
كيف أسلاها واتناسى
ومفتون بظبي كناسها
يا عزه" الفراق بى طال
وسال سيل الدمع هطال
يا عزه"!
***
حبيبته من تراب
مبجلة عنده: بشرا، وضفافا، وبوابة قباب
من "فتيح" إلى "الجبل"
وها آب نعشا بغير حراك، تشيعه وتهيل التراب
تعض بنانا عليه خضاب
وترقص بالسيف، حازمة وسطها:
ويب لي! ويب لي! ويب لي!
وهذا شريك ضناي "على"
يدلى لحفرته من عل
ويهال عليه التراب
ويب لي! ويب لي! ويب لي!
فجزي قرونك، لا تستحمي
ولا تفركي الطيب في أذنيك،
ولا تدلكي ساعديك،
ولا توقدي "الشاف" في حفرة ولا تحبلي
***
على
يا "على!
يا على!
أناديك - هيهات- في صرخة والتياع
أناديك في كل ناحية، أناديك في كل ساع
نداء التي ولغت في دماء جناها الضباع
الوداع الوداع "على"
أمت بعيدا هناك، وفاء "ربيعة" في التل مرتكزا باليراع
أم "فرشت" إباء "الخليفة" إذ لم يعد في عجاج الصراع
سوى ميتة البطل؟
وانتهيت يجلل منك الجبين الفخار
وقد ضفر الشعب لاسمك بين الجوانح إكليل غار
الوداع! الوداع! الوداع!
فقدت الصواب "على"
غفر الله لي
***
مضيت وخلفت لي ترحة
كأن للمنية عندي ثار
وغورت في مهجتي قرحة
إذا ما ذكرتك ذات اعتصار
وهذي المرارات في شفتي
كهذي الدموع الغزار الحرار
وطيفك يخطر مقلتي
يحنظل حلواي ليل نهار
الوداع، الوداع اخا مقتي
فما لي وقار وما لي اصطبار
ويا موت خذ، يحزن القلب أو تدمع العين لكن لنا ثقة في البديل
وشرف بلا حرج، من تخطفت يا موت صار
بسيرته، وسريرته، وعطيته: قدوة للصغار
منارة جيل، وجيل، وجيل
***
ألا ولكل امرئ أجل ثابت وكتاب
فأما حياة مهذبة تستحق، سمت وامتلت كالسحاب
وأما طماعية ومدافعة جلفة كلهاث الدواب
فما أسهل الاختيار
وما أصعب الاختيار
فنم هانئا يا أخا ثقتي، فزت في الاختبار
والسلام عليك أخا رحلتي، السلام عليك وراء الحجاب
وشهيتني في المنية، سيفي يهفو إلى ضجعة في القراب
السلام عليك انتظرني، فما لي غير عصا وعليها جراب
السلام عليك، السلام عليك، على!
السلام عليك صديق الجميع
السلام عليك حبيب الجميع
السلام عليك أثير الجميع
السلام عليك إلى أبد الآبدين "على"
مرثيه صلاح احمد ابراهيم..في رحيل علي المك
مدينته الآدمية مجبولة من تراب
يتنطس أسرارها
واثب العين منتبه الأذنين
يحدث أخبارها
هل يرى عاشق مدنف في الحبيب
أي عيب؟
مدينته البدوية مجبولة من تراب
ولا تبلغ المدن العسجدية مقدارها
تتباهى على ناطحات السحاب
بحي سما أصله لركاب
فاح شذى من "على"
***
حين غاب
جرت وهي حافية، في المصاب
تهيل الرماد على رأسها باليدين
تنادي على الناس: وآحسرتا ويب ويب
فقدنا الأديب،
فقدنا النجيب،
فقدنا اللبيب،
فقدنا "على"
***
فقدنا الذي كان زين المجالس، زين الصحاب
فقدنا شهامته، وفقدنا شجاعته، وفقدنا
شهادته، وفقدنا
كتابته، ودعابته،
والحديث الطلي
حسرتا، ويب لي، ويب لي، ويب لي
****
حين قيل لها بانتحاب،
استرد الوديعة صاحبها، استحملي!
ذهلت في المصاب
تتمتم: يا رحمة الله لم تبخلي
لمن دونة أعطيات، فكيف وهذا "على"
حنانيك كوني دريئته في الحساب
ومغفرة وثواب
وبشي مرحبة بالملائك عند الأرائك
بثي الزرابي للمقبل
وقولي له: أدخل
يبر بك الله في الكوثر المستطاب
قسم الأشعث الأغبر المستجاب
بكى رافعا كفه: يا كريم الجناب
بحق جلالك .. أكرم "على"
***
على!
يا أخي، يا شقيقي
على، شريك النضال، على رفيقي
ويا خندقي في الحصار، يا فرجي وقت ضيقي
ويا صرة الزاد تمسكني في اغتماض الطريق
ويا ركوتي كعكعت في لهاتي وقد جف ريقي
على .. زراعي اليمين، على خريفي
ونيلي، وجرفي، وبهجة ريفي
"على" تتمة كيفي، وسترى في أقرباي وضيفي
"على" إنطراحة وجهي في الاكتئاب
وشوواري إن عدم الراي، يا عوضي في الخراب
ألا اين أنت أجبني، اتسمعني يا "على"
اتسمع احبابك الأقربين تركتهم للمكان العلى؟
ألا اين ليلاتك المائسات، وأين زياراتك الآنسات
وأين ائتلاف الثريا، وأين انطلاق المحيا.
وأين اندفاق قوارير عطرك في المحفل؟
تشاغل "مخ" وعلاء، وعبدالعزيز،
وبعد صلاة العشاء "أبا سمبل"
وتحكى نوادر من "سينة"، وتحكي أقاصيص عن "صندل"
وأنت تغني، وأنت تقلد هذا وذاك، وتنعشنا بالحديث الأنيق
تدير على المجلس للندامى، بحلو لسانك كأس رحيق
وما كنت إلا السماء تمشت عل الأرض هونا،
يمازحها ويناديك في ألفة وبلا كلفة:
يا على!
يا على!
كادح في الفريق
***
" على!"
يا خدين الصبا، يا شهي الجواب
ويا توأم الروح، والامنيات رطاب
اتذكرنا مفلسين نفتش عن "منص" يسعف،
والشهر في الأول؟
تقوم سيمسكنا بحديث طويل، ولكن سيكشف ثانية للحساب
و"منصور" ذو نجدة وسخاء، اذا ما قصدناه لم يخذل
فهيا بنا ودع الأمر لى
***
"على"
يا "على"
أتسمعني يا "على"؟
أتذكر: أين فطورك؟ "أنت وتوفيق تتهماني"
بأن ليس ذلك للمأكل
ولكن محاولة لاقتراب
أقول: ألا خبتما خبتما، فهذا كذاب
ونضحك رقرق بللورنا - ليس بين الصحاب
خبيث طوايا، ولؤم ارتياب
وما استوجب الشك بعض ملام، ولا الاتهام العتاب
ولكن معابثة قربتنا، كم نظم الخيط در الحلى.
"على" أجبني: أهل بعد موت
التقيت بتوفيق في الملكوت؟
وقلت لتوفيق زين الشباب
فقدناك توفيق، لكننا ما نسينا نداوة تلك السجايا العذاب
ولا خفة الدم، لا الخلق الشهم، لا الأريحية،
لا المزحة الأخوية، لا صدحة البلبل
ألا يا ابن عمي شهيد الوفاء، ويا جمل الشيل.
جم الأيادي، وكنت ببر خفي صموت
رمتك المنية في مقتل
وقد كمنت في طريق "أبى قوتة" و"قلي"
فوا حر قلباه.. وا حر قلباه..من نازف في الطريق
وللموت قهقهة سمعتها "القطينة".. غير مصدقة
في دجى ليلها الأليل
فأضمرت توفيق في الجوف جمرا تلظى حقيقي
وكنت أبن عمي، وكنت صديقي
***
و"عثمان" ظل الوفي الحفي..
يؤازرني وأنا في احتراب
ويدنو يسلسل ضحكته، فإذا عتماتي بطلعته تنجلى
يعزز من عدتي وعتادي، يسدد من لكماتي القوية
ويمضي كما جاء في لمحة كالشهاب
يردد في كل آونة: "ظلموك صلاح"
وأنت المبرأ من ظلمهم - أن هذا جلي.
وكان يودك "عثمان" هذا الحميم،
يبرك باللفتة الالمعيه.
***
وكنت تراني الشجاع الذي وحده بشجاعته شكل الأغلبية
وكنت تراني تحديت حتى كأن مقالي زحف سريه
وقد كنت أنت - على- كذلك..
ما بعتنني قط رغم توالي العروض الخفيه
معي! ومعي! ومعي! ما تلفت أبحث عنك
أقول اختفي صاحبي في المضيق
معي! ومعي! ومعي! ما تساءلت في لحظة:
أين زاغ رفيقي
وكنت أعدك ذخري، إلى أن سمعت أخي من وراء المحيط
أخي "الكابلي"
يصيح، ولم أتعرف على صوته من بكاء:
صلاح فقدنا أخاك، فقدنا أخانا، فقدنا "على"
فنبهت نفسي: أرى طائر الموت حوم فوقي
وحان الذهاب
فما طعم عيشي بعد صديقي؟
لقد كان عهدا وضيئا هنيئا جريئا، على رغم طارقه المبتلي
وها اندلعت فيه نار الحريق
فيا ويب لى، ويب لي! ويب لي!
وهل يعذرن الشجي خلي؟
***
وحين احتفينا بعشرينك الزاهيات أهبت:
أيا شاعر القوم اطلق لهاتك.
تطلق قوى العزم والحزم والأمل
همست: بلى، لي مجاجة شهد مخبأة لك بين الهدايا،
وإن لم تذكر، ولم تسأل،
فهاك "على":
"عقدان كعقدين على جيد صباك
فامدد للنجم، النجم النائي - يمناك
وافتح أزرارك قميصك مقتحما
دفعات الريح عوت تتحداك"
بذاك انتشينا، فيا لاعتداد الشباب
نؤمل ننقع عطشتنا بورود السراب
وهيهات!
نغفل، والموت ثعبانه منطو يتربصنا وهو لم يغفل
تناوم، ملمسه الناعم دافئ يسبل الجفن في كسل
بينما اهتاج بالسم ناب
وغالك - يقصدني بالأذية، لا أنت،
فالدور - أن صح إمساكه للحساب - كان لي.
***
مدينته الآدمية مجبولة من تراب
مدينة كل الأحبهم: البسطاء وصفوتها المبدعين
تمنى له قدلة - حافيا حالقا - كالخيل
يطوف ها بين خور ونيل
يقطع أنفاسه زفرات، ليغمض عينيه بعد قليل
بعيدا عن الأهل، في وحشة واغتراب:
آه أنا، آه آه، أنا آه آه، أنا أنا آه
"عزه" في هواك
"عزه" نحن الجبال
ولليخوض صفاك
"عزه" نحن النبال
"عزه" ما بنوم
الليل محــــال
وبحسب النجوم
فوق الرحال
خلقه الزاد كمل
وأنا حالي حال
متين أعود أشوف
ظبياتنا الكحال
وما عاد إلا ليرقد في حفرة جمعت عاشقين:
"عليا" شهيد صبابته - وتراب الوطن
يمد لمن عاش في شغف حبه - قلبه باليدين
صدقنا لك الوعد فعل الصدوق الأمين
ولم نتقاض عليه ثمن
فكن حافظا للجميل
فكن حافظا للجميل غدا،
يا وطن!
***
حبيبته البدوية ذات الإهاب الحسن
سلبت منه نومه
يرى في الظلام غدائرها التمعت، وهو يرعى نجومه
يطوف بها في الهزيع الاخير .. ويطلق حنجرة من "كرومه"
يا ليل.. ابقى لى شاهد .. على نار حبي وجنوني .. يا ليل!
طريت "الناس" "ووناسه"
طريت "ام در" حليل ناسها
كيف أسلاها واتناسى
ومفتون بظبي كناسها
يا عزه" الفراق بى طال
وسال سيل الدمع هطال
يا عزه"!
***
حبيبته من تراب
مبجلة عنده: بشرا، وضفافا، وبوابة قباب
من "فتيح" إلى "الجبل"
وها آب نعشا بغير حراك، تشيعه وتهيل التراب
تعض بنانا عليه خضاب
وترقص بالسيف، حازمة وسطها:
ويب لي! ويب لي! ويب لي!
وهذا شريك ضناي "على"
يدلى لحفرته من عل
ويهال عليه التراب
ويب لي! ويب لي! ويب لي!
فجزي قرونك، لا تستحمي
ولا تفركي الطيب في أذنيك،
ولا تدلكي ساعديك،
ولا توقدي "الشاف" في حفرة ولا تحبلي
***
على
يا "على!
يا على!
أناديك - هيهات- في صرخة والتياع
أناديك في كل ناحية، أناديك في كل ساع
نداء التي ولغت في دماء جناها الضباع
الوداع الوداع "على"
أمت بعيدا هناك، وفاء "ربيعة" في التل مرتكزا باليراع
أم "فرشت" إباء "الخليفة" إذ لم يعد في عجاج الصراع
سوى ميتة البطل؟
وانتهيت يجلل منك الجبين الفخار
وقد ضفر الشعب لاسمك بين الجوانح إكليل غار
الوداع! الوداع! الوداع!
فقدت الصواب "على"
غفر الله لي
***
مضيت وخلفت لي ترحة
كأن للمنية عندي ثار
وغورت في مهجتي قرحة
إذا ما ذكرتك ذات اعتصار
وهذي المرارات في شفتي
كهذي الدموع الغزار الحرار
وطيفك يخطر مقلتي
يحنظل حلواي ليل نهار
الوداع، الوداع اخا مقتي
فما لي وقار وما لي اصطبار
ويا موت خذ، يحزن القلب أو تدمع العين لكن لنا ثقة في البديل
وشرف بلا حرج، من تخطفت يا موت صار
بسيرته، وسريرته، وعطيته: قدوة للصغار
منارة جيل، وجيل، وجيل
***
ألا ولكل امرئ أجل ثابت وكتاب
فأما حياة مهذبة تستحق، سمت وامتلت كالسحاب
وأما طماعية ومدافعة جلفة كلهاث الدواب
فما أسهل الاختيار
وما أصعب الاختيار
فنم هانئا يا أخا ثقتي، فزت في الاختبار
والسلام عليك أخا رحلتي، السلام عليك وراء الحجاب
وشهيتني في المنية، سيفي يهفو إلى ضجعة في القراب
السلام عليك انتظرني، فما لي غير عصا وعليها جراب
السلام عليك، السلام عليك، على!
السلام عليك صديق الجميع
السلام عليك حبيب الجميع
السلام عليك أثير الجميع
السلام عليك إلى أبد الآبدين "على"
خدورة أم بشق- مشرف منتدى الشعر
مواضيع مماثلة
» اعملو ا ليكم ساتر
» مصطفى سيد أحمد .. الأعمال شبه الكاملة
» بونجور لصلاح أحمد إبراهيم
» في ذكرى صلاح أحمد إبراهيم
» شين ودشن لصلاح أحمد إبراهيم
» مصطفى سيد أحمد .. الأعمال شبه الكاملة
» بونجور لصلاح أحمد إبراهيم
» في ذكرى صلاح أحمد إبراهيم
» شين ودشن لصلاح أحمد إبراهيم
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى